بسم الله الرحمن الرحيم

سير تاليف دورة علوم و معارف الاسلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

شرح كيفيّة تاليف دورة علوم و معارف الاسلام بقلم المولف

(ملاحظة المخطوط)

من مقدمة كتاب معرفة الله:

المقدمة الاولی:

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 الحمد للّه‌ حمداً لا حدّ له‌، وشكراً لا عادَّ له‌، كما تستحقّه‌ ذاته‌ المُقدّسة‌ جلّ وعلا، الذي‌ خلق‌ الوجود وعالَم‌ الخلق‌ سبباً لتكامل‌ وجود الإنسان‌، وخلق‌ الإنسان‌ لعبادة‌ ذاته‌ المقدّسة‌. [1]

 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ.[2]

 ولا يمكن‌ معرفة‌ حقيقة‌ العبادة‌ دون‌ معرفة‌ حقيقة‌ العبوديّة‌. لذا فإنّ معرفة‌ ذاته‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ وأسمائه‌ الحسني‌ وصفاته‌ العليا هي‌ من‌ جملة‌ العلل‌ الغائيّة‌ والنهائيّة‌ لوجود عالم‌ التكوين‌.

 وأمّا الغاية‌ القصوي‌ والهدف‌ الاعلی‌ من‌ تلك‌ المعرفة‌، فهي‌ الخضوع‌ والخشوع‌ للحي‌ّ القيّوم‌ والاصطباغ‌ بصبغة‌ العبوديّة‌، وارتداء لباس‌ الذلّ والمسكنة‌ في‌ مقابل‌ عِزّ كبريائه‌، ورؤية‌ جميع‌ عوالم‌ الوجود كآية‌ ومرآة‌ لذات‌ الحقّ، والخروج‌ من‌ قيود الغرور، والوصول‌ إلی‌ ذروة‌ الإقرار والاعتراف‌ بالفَناء والزوال‌ والاندكاك‌ في‌ ذات‌ الحقّ المقدّسة‌:

 وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا. [3]

 والتحيّات‌ الزاكيات‌ والصلوات‌ المباركات‌ علی‌ الانبياء العظام‌ وملائكة‌ الملا الاعلی‌، الذين‌ أنقذوا بني‌ البشر من‌ سجن‌ السبُعيّة‌ والبهيميّة‌ والشيطنة‌، وذلك‌ من‌ خلال‌ المساهمة‌ في‌ إيصال‌ الوحي‌ إليهم‌، والذين‌ عرّفوهم‌ سُبل‌ معرفة‌ العبوديّة‌، وجعلوهم‌ قابلين‌ ومستعدّين‌ للاستفادة‌ من‌ جميع‌ المواهب‌ الربّانيّة‌ والمُتَع‌ السبحانيّة‌. وبالخصوص‌ علی‌ سيّد الرسل‌ وهادي‌ السبل‌ وعقل‌ الكلّ، بداية‌ البدايات‌ ونهاية‌ النهايات‌، سيّدنا محمّد ابن‌ عبد الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌، وعلی‌ صنوه‌ وشقيقه‌ ووصيّه‌ ووزيره‌ وصهره‌ ووليّه‌ وأخيه‌ وخليفته‌، علی‌ بن‌ أبي‌ طالب‌ أمير المؤمنين‌ السابق‌ في‌ إيمانه‌، والمتربّع‌ علی‌ كرسي‌ّ مقام‌ عزّ ذي‌ الجلال‌، وناشر لواء الحمد بيده‌، ونائل‌ المقام‌ المحمود للشفاعة‌ الكبري‌.

 وعلی‌ ذرّيّتهم‌ الطاهرة‌، الائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌، لا سيّما مولانا بقيّة‌ الله‌ في‌ الارضين‌ الحجّة‌ ابن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ أرواحنا فداه‌، الإمام‌ الحي‌ّ، والواسطة‌ للفيض‌ الإلهي‌ّ، ومُفيض‌ الرحمة‌ والوجود من‌ العالَم‌ الاعلی‌ وناشرها علی‌ الماهيّات‌ الإمكانيّة‌، وباسط‌ نور الرحمة‌ الإلهيّة‌ من‌ مقام‌ غيب‌ الغيوب‌ والكنز المخفي‌ّ، علی‌ النفوس‌ العالميّة‌، كلٌّ حسب‌ قابليّته‌ واستعداده‌.

 وَإِن‌ مِّن‌ شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَآنءِنُهُ و وَمَا نُنَزِّلُهُ و´ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ. [4]

 ومنزل‌ خزائن‌ الجود والرحمة‌ حسب‌ إرادة‌ الحقّ تبارك‌ وتعإلی‌ ومشيئته‌ علی‌ كلّ ذرّة‌ من‌ ذرّات‌ ماهيّات‌ عالَم‌ الوجود، وموزِّع‌ ذلك‌ عليها كلّ حسب‌ قوّته‌ وما قُدّرَ له‌ منها.

 مَثَلُ نُورِهِ  كَمِشْكَو'ةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي‌ زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَ  نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ. [5]

 نعم‌، فمنذ عودة‌ هذا الحقير المسكين‌ من‌ النجف‌ الاشرف‌ في‌ شهر شوّال‌ المكرّم‌ سنة‌ 1376 ه[6]  وحتّي‌ هذا التأريخ‌، وهو شهر ربيع‌ الاوّل‌ من‌ عام‌ 1400 ه، كان‌ محور البحث‌ الذي‌ دار بيني‌ وبين‌ الاشقّاء والروحانيّين‌ الاعزّاء وسادة‌ الإيمان‌، علی‌ أساس‌ تفسير آي‌ القرآن‌ والبحث‌ والتنقيب‌ في‌ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌، وكانت‌ في‌ أحايين‌ كثيرة‌ تتّضح‌ مسألة‌ تطابق‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ والاخبار النبويّة‌ مع‌ الحقائق‌، سواءٌ من‌ ناحية‌ الاستدلال‌ الفكري‌ّ والذهني‌ّ، أم‌ من‌ الناحية‌ الوجدانيّة‌ ومشاهدة‌ الضمير، وذلك‌ باستخدام‌ البحوث‌ الفلسفيّة‌ والعلميّة‌ من‌ جهة‌، والمحاورات‌ الذوقيّة‌ والعرفانيّة‌ من‌ جهة‌ أُخري‌.

 ولقد كانت‌ لنا في‌ مرّات‌ عديدة‌ وأوقات‌ مختلفة‌ بحوث‌ خاصّة‌ بمسألة‌ التوحيد والولاية‌ والمعاد، وتفسير الكثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ والعديد من‌ المسائل‌ الفقهيّة‌ والعلميّة‌.

 ومع‌ وجود التفاسير الكثيرة‌ والبالغة‌ أكثر من‌ ثلاثين‌ نوعاً، فقد اعتمدنا أكثر ما اعتمدنا علی‌ تفسير «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» تأليف‌ سماحة‌ الاُستاذ آية‌ الله‌ العظمي‌ ال علامه السيّد محمّد حسين‌ الطباطبائي‌ّ التبريزي‌ّ أمدّ الله‌ في‌ ظلاله‌ السامية‌، وكان‌ ملاذنا في‌ البحث‌ والتدقيق‌.

 وللتفسير المذكور مكانة‌ سامية‌ ومَعَزَّة‌ غالية‌ في‌ نفس‌ الحقير، وإنّه‌ لذو مَعلَم‌ خاصّ وفريد بين‌ التفاسير الاُخري‌.

 ولذا، فقد استقرّ رأينا علی‌ تهيئة‌ سلسلة‌ كاملة‌ من‌ التفسير المشار إليه‌ وذلك‌ باللغة‌ الفارسيّة‌ وبإنشاء سهل‌ وتحرير مُدرَك‌ وسلس‌، يحوي‌ جميع‌ المواضيع‌ المذكورة‌ فيه‌، حتّي‌ يتسنّي‌ للإخوة‌ الناطقين‌ باللغة‌ الفارسيّة‌ الاستفادة‌ كما يجب‌ وبأقصي‌ ما يمكن‌ من‌ ينابيع‌ «تفسير الميزان‌».

 ثمّ رسا بنا المقام‌، ولاسباب‌ معيّنة‌، إلی‌ تأليف‌ رسالة‌ مستقلّة‌ عن‌ كلّ من‌ المواضيع‌ المتعلّقة‌ بالابحاث‌ العقائديّة‌ والاحكام‌ التعبديّة‌ والمسائل‌ الاخلاقيّة‌ والاجتماعيّة‌، حتّي‌ يتمّ بحث‌ كلّ موضوع‌ من‌ تلك‌ المواضيع‌ بتفصيل‌ أكثر وإطناب‌ أوسع‌، تُستَوفي‌ فيه‌ متعلّقات‌ ذلك‌ الموضوع‌ كافّة‌، فتزول‌ بذلك‌ كلّ الإشكالات‌ والشبهات‌ والاسئلة‌، وتتّضح‌ جميع‌ جوانب‌ ذلك‌ الموضوع‌ بشكل‌ كامل‌ ووافٍ.

 وكان‌ مجموع‌ ما بلغ‌ من‌ تلك‌ الرسائل‌ حتّي‌ الآن‌ حوإلی‌ مائة‌ رسالة‌، كرسالة‌ إعجاز القرآن‌، وإعجاز الانبياء، ورسالة‌ الشفاعة‌، ورسالة‌ الولاية‌، ورسالة‌ الإمامة‌ والزعامة‌، ورسالة‌ النبوّة‌، ورسائل‌ متفرّقة‌ في‌ أحوال‌ وسيرة‌ الائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌، ورسالة‌ في‌ البرزخ‌، ورسالة‌ في‌ القيامة‌، ورسالة‌ في‌ الحشر وقيام‌ الإنسان‌ عند الله‌، ورسالة‌ الميزان‌، ورسالة‌ الصراط‌، ورسالة‌ العبوديّة‌ في‌ الإسلام‌، ورسالة‌ الصلاة‌، ورسالة‌ الوجوبَينِ العَيني‌ّ والتعييني‌ّ لصلاة‌ الجمعة‌ في‌ جميع‌ الازمنة‌، ورسالة‌ الصيام‌، ورسالة‌ الحجّ، ورسالة‌ الجهاد والحكومة‌، ورسالة‌ القرض‌ الحَسن‌ والربا، ورسالة‌ الملكيّة‌ وطرقها المشروعة‌ وغير المشروعة‌، ورسالة‌ الحقوق‌ العامّة‌، ورسالة‌ حقوق‌ المرأة‌، وغير ذلك‌ من‌ البحوث‌ الدينيّة‌ والعلميّة‌، والتي‌ هي‌ صُلب‌ ما يحتاج‌ إليها شبابنا في‌ العصر الحاضر وأجيالنا في‌ المستقبل‌.

 لكن‌، وممّا يُؤسَف‌ له‌، لم‌ يُنجَز من‌ تلك‌ الرسائل‌ إلاّ النزر اليسير وذلك‌ لكثرة‌ الشواغل‌ العلميّة‌ والاُمور الاجتماعيّة‌ التي‌ كانت‌ تحيط‌ بي‌، والتي‌ حالت‌ دون‌ وصولي‌ إلی‌ الهدف‌ المنشود.

 إلاّ أنّ العناية‌ الإلهيّة‌ شملتني‌، فتمكّنتُ من‌ جمع‌ المواضيع‌ القرآنيّة‌ والتفاسير الروائيّة‌ والعلميّة‌ والاجتماعيّة‌ والتأريخيّة‌ والاخلاقيّة‌ علی‌ شكل‌ سلسلة‌ علميّة‌ سمّيتها «دورة‌ علوم‌ ومعارف‌ اسلام‌» (سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌) بحثتُ فيها تلك‌ المواضيع‌ ووضعتها بين‌ يدي‌ الإخوة‌ الاعزّاء، فلم‌ تَقلّ أهمّيّة‌ عن‌ ذلك‌ الهدف‌ المنشود.

 وهذه‌ السلسلة‌ من‌ العلوم‌، هي‌ من‌ قسم‌ العقائد وتنقسم‌ إلی‌ ثلاثة‌ محاور رئيسة‌ هي‌: معرفة‌ الله‌ ، و معرفة‌ الإمام‌ ، و معرفة‌ المعاد ، وتعالج‌ ثلاثة‌ مواضيع‌ مهمّة‌: مسألة‌ التوحيد و الولاية‌ و المعاد .

 وأمّا في‌ أقسام‌ الاحكام‌ والمسائل‌ فتشمل‌ أبحاثاً حول‌ القرآن‌ والصلاة‌ والصوم‌ والحجّ والمسجد والدعاء والربا ورؤية‌ الهلال‌ في‌ شهر رمضان‌ ولزوم‌ اشتراك‌ الآفاق‌ بالنسبة‌ إلی‌ الدخول‌ في‌ الشهر الجديد، وحول‌ جهاد وقضاء وحكومة‌ المرأة‌، وتفسير الآية‌ الكريمة‌ الرِّجَالُ قَوَّ  مُونَ عَلَی‌ النِّسَآءِ وبعضاً من‌ الاحكام‌ الاُخري‌ والتي‌ تمّ تأليف‌ معظمها، وسيتمّ وضعها بين‌ يدي‌ القرّاء لدراستها ومطالعتها إن‌ شاء الله‌ تعإلی‌. وهذا هو القسم‌ الاوّل‌ من‌ سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌ «معرفة‌ الله‌» .

 وأصل‌ هذه‌ الابحاث‌ مأخوذ من‌ تفسير الآية‌ المباركة‌ اللَهُ نُورُ السَّمَـ'وَ  تِ وَالاْرْضِ ، حتّي‌ آخر الآية‌ الكريمة‌ وَاللَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

 وقد تمّ فيها معالجة‌ مسألة‌ التوحيد الذاتي‌ّ والاسمائي‌ّ والافعإلی‌ لذات‌ الحقّ المقدّسة‌، وكيفيّة‌ وجود عالَم‌ الخَلق‌، والربط‌ بين‌ الحادث‌ والقديم‌، ونزول‌ نور الوجود في‌ ظواهر الإمكان‌، وحقيقة‌ الولاية‌ وربط‌ الموجودات‌ بذات‌ الباري‌ تعالي‌'، ولقاء الله‌ والوصول‌ إلی‌ ذاته‌ المقدّسة‌ بالفَناء وباندكاك‌ الكينونة‌ المجازيّة‌ المُعارة‌ في‌ الوجود المطلق‌ والكينونة‌ الاصيلة‌ الحقيقيّة‌.

 نسأل‌ الله‌ الربّ الودود والمنّان‌ أن‌ يوفّقنا في‌ إنجاز هذه‌ المهمّة‌ التي‌ نسعي‌ جاهدين‌ في‌ إتمامها، دون‌ أن‌ ندّخر أي‌ّ جهد ووسع‌ في‌ سبيل‌ ذلك‌، وأن‌ يتقبّل‌ منّا هذا العمل‌ البسيط‌ بكرمه‌ وفضله‌، وأن‌ يسدّد خطانا بجوده‌ ومَنّه‌.

 إلَهِي‌... وَأَلْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الَّذِينَ هُمْ بِالبِدَارِ إلَيْكَ يُسَارِعُونَ، وَبَابَكَ عَلَی‌ الدَّوَامِ يَطْرُقُونَ، وَإيَّاكَ فِي‌ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَعْبُدُونَ، وَهُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ؛ الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ المَشَارِبَ، وَبَلَّغْتَهُمُ الرَّغَائِبَ، وَ أَنْجَحْتَ لَهُمُ المَطَالِبَ، وَقَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ المَآرِبَ، وَمَلاَتَ لَهُمْ ضَمَائِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ، وَرَوَّيْتَهُمْ مِنْ صَافِي‌ شِرْبِكَ؛ فَبِكَ إلَی‌ لَذِيذِ مُنَاجَاتِكَ وَصَلُوا، وَمِنْكَ أَقْصَي‌ مَقَاصِدِهِمْ حَصَّلُوا.[7]

 إلهي‌! سهّل‌ لنا سبلك‌ حتّي‌ لا نري‌ غيرك‌ ولا نعرف‌ أحداً سواك‌. وأوصِل‌ ذاتنا وكياننا إلی‌ مقام‌ الفَناء، حتّي‌ تنعدم‌ كلّ ذرّة‌ من‌ الانانيّة‌ والعجب‌ في‌ وجودنا، فنكون‌ عبيداً خالصين‌ مخلصين‌ لك‌ العبوديّة‌، بمحمّد وآله‌ الطاهرين‌ صلواتك‌ وتسليماتك‌ عليهم‌ أجمعين‌، والسلام‌ علينا وعلی‌ عباد الله‌ الصالحين‌، والحمد للّه‌ ربّ العالمين‌.

                                في‌ تأريخ‌ ربيع‌ المولود سنة‌ 1400 هجريّة‌

 السيّد محمّد الحسين‌ الحسيني‌ّ الطهراني‌ّ

 

المقدمة الثانیة:

 بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 الصلاة‌ والسلام‌ علی‌ الرسول‌ الامين‌ خاتم‌ الانبياء والمرسلين‌ محمّد، وعلی‌ الوصي‌ّ غُرّة‌ الدين‌، وعلی‌ أولاده‌ الاماجد الامجاد الطاهرين‌، واللعنة‌ والخزي‌ من‌ ربّ العالمين‌ علی‌ أعدائهم‌ ومعانديهم‌ وغاصبي‌ حقّهم‌ من‌ الآن‌ إلی‌ يوم‌ الدين‌.

 كما لاحظتم‌ في‌ المقدّمة‌ الاُولي‌، فقد صمّم‌ الحقير في‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ من‌ سنة‌ 1400 ه علی‌ تأليف‌ وكتابة‌ القسم‌ الاوّل‌ من‌ سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌، وهو «معرفة‌ الله‌» ، ونشر أجزائه‌ بالتتابع‌ بحول‌ الله‌ وقوّته‌، والشروع‌ في‌ بقيّة‌ أقسام‌ العلوم‌ والمعارف‌ التي‌ ذُكِرت‌ آنفاً، لكنّ الله‌ سبحانه‌ لم‌ يشأ لذلك‌ أن‌ يتمّ.

 فوُفِّقْتُ بعد ذلك‌ بشهرين‌ من‌ نفس‌ السنة‌، أي‌ في‌ يوم‌ السادس‌ والعشرين‌ من‌ شهر جمادي‌ الاُولي‌، بالسفر إلی‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌، وتشرّفتُ بتقبيل‌ عتبة‌ الإمام‌ الهُمام‌، واكتحَلت‌ عيناي‌ بتراب‌ أقدام‌ زائري‌ ثامن‌ الائمّة‌ علی‌ بن‌ موسي‌ الرضا عليهما السلام‌ وعلی‌ آبائهما وأولادهما جميع‌ صلوات‌ الله‌ وملائكته‌ المقرّبين‌ وأنبيائه‌ المرسلين‌ وعباده‌ الصالحين‌، من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌، وألقيتُ رحال‌ الفاقة‌ علی‌ أعتابه‌ المحروسة‌ بالملائكة‌، متوسّلاً بساحة‌ قدسه‌ وطهارته‌ وعلوّ درجاته‌، معترفاً مذعناً بفقري‌ وعجزي‌ وعدم‌ قدرتي‌ علی‌ تحديد صلاحي‌ وفسادي‌، وعدم‌ معرفتي‌ طريق‌ الحقّ من‌ الباطل‌، طالباً الشفاعة‌ والعون‌ منه‌، في‌ أن‌ يأخذ الله‌ جلّت‌ عظمته‌ وعلت‌ آلاؤه‌ بيدي‌، وأن‌ يُنجّيني‌ من‌ هزائز آخر الزمان‌ وفتنه‌، ولا يَكلَني‌ إلی‌ نفسي‌ طرفة‌ عين‌ أبداً، والله‌ المستعان‌.

 فتقبّل‌ مولاي‌ روحي‌ فداه‌ ذلك‌ منّي‌، وسكبَ لي‌ بعظمته‌ وكرامته‌ كأس‌ رحمته‌ برعايته‌ الدائمة‌ لي‌ علی‌ أتمّ وجه‌ وأكمل‌ نحو، وليس‌ بمقدار استجدائي‌ منه‌.

 ومن‌ جملة‌ ما قُدّر بالقلم‌ أمر تأخير خروج‌ سلسلة‌ «معرفة‌ الله‌» خمس‌ عشرة‌ سنة‌، وها هو ذا غرّة‌ شهر ربيع‌ المولود من‌ سنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وخمسة‌ عشر للهجرة‌ قد طلعت‌، حيث‌ وُفّقتُ للبدء بذلك‌، ولا عِلم‌ لي‌ في‌ مقدار ما قدّرته‌ لي‌ روحي‌ من‌ العون‌ وقلمي‌ من‌ القدرة‌، الله‌ وحده‌ أعلَم‌!

 يقول‌ مَولي‌ الموحّدين‌ وسيّد قلوب‌ العاشقين‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌:

 عَرَفْتُ اللَهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ العَزَائِمِ وَحَلِّ العُقُودِ وَنَقْضِ الهِمَمِ.[8]

 خاطب‌ الحقير يوماً أُستاذنا سماحة‌ ال علامه الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ الزكي‌ّ: كثيراً ما يصمّم‌ علی‌ فعل‌ الخير، وتتوفّر له‌ الظروف‌ والمسبّبات‌ لإنجاز ذلك‌، فلا يملك‌ أدني‌ شكّ في‌ حُسن‌ وخلوص‌ ذلك‌ العمل‌، فيجدّ في‌ تنفيذ ذلك‌ الفعل‌، حتّي‌ يصل‌ إلی‌ مرحلة‌ الجزم‌ والإرادة‌ القطعيّة‌، ثمّ وبدون‌ أيّة‌ علّة‌ ولا سبب‌، يُثني‌ ذلك‌ الإنسان‌ نفسه‌ عن‌ تنفيذ ذلك‌ العمل‌ وينصرف‌ عن‌ إنجازه‌! وبعد ذلك‌ يعتريه‌ العَجب‌ وتنتابه‌ الدهشة‌ في‌ حصول‌ كلّ ذلك‌ ؟! ويتساءل‌ عن‌ منشأ المانع‌ الذي‌ تسبّب‌ في‌ عدوله‌ عن‌ نيّته‌ ؟! فلا يصل‌ إلی‌ حلّ ولا يقترب‌ من‌ شاطي‌ الامان‌.

 فأجاب‌ الاُستاذ علی‌ ذلك‌ بجملة‌ واحدة‌ فقط‌ قائلاً: « نعم‌، هو ما تقول‌!».

 ورُمتُ أنا الحقير في‌ البدء علی‌ تأليف‌ سلسلة‌ «معرفة‌ الله‌» وتقديمها علی‌ جميع‌ البحوث‌ العقائديّة‌، من‌ مبحث‌ «معرفة‌ الإمام‌» ومبحث‌ «معرفة‌ المعاد» وسائر الابحاث‌ الفلسفيّة‌ والعرفانيّة‌ والاخلاقيّة‌ والعلوم‌ والفقه‌ والتأريخ‌ والتفسير، ذلك‌ بأنّ الله‌ هو الاوّل‌، وهو المُقدَّم‌ علی‌ عالَم‌ الوجود بالتقدّم‌ التكويني‌ّ، فاستوجب‌ الامر أن‌ يكون‌ مُقدَّماً كذلك‌ في‌ التأليف‌. إلاّ أنّ الله‌ لم‌ يشأ ولم‌ يرغب‌، فقد تمّ خلال‌ مدّة‌ الخمس‌ عشرة‌ سنة‌ هذه‌ بحمده‌ ومَنّه‌ تأليف‌ القسم‌ الخاصّ بـ «معرفة‌ الإمام‌» في‌ ثمانية‌ عشر جزءاً، والقسم‌ الخاصّ بـ «معرفة‌ المعاد» في‌ عشرة‌ أجزاء، هذا ما يخصّ سلسلة‌ المعارف‌ . وأمّا ما يخصّ  سلسلة‌  العلوم‌  في‌  قسم‌  الاخلاق‌  والحِكمة‌  والعرفان‌ ، فقد تمّ تأليف‌: «رسالة‌ السير والسلوك‌ المنسوبة‌ إلی‌ بحرالعلوم‌» مع‌ مقدّمة‌ وتعليق‌ من‌ قِبَل‌ الحقير، و «رسالة‌ لُبّ اللُّباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌» ، وكتاب‌ «التوحيد العلمي‌ّ والعَيني‌ّ» ، و« الشمس‌ الساطعة»، و «الروح‌ المجرّد» ، وما يخصّ قسم‌ البحوث‌ التفسيريّة‌: «رسالةٌ بديعةٌ» ترجمة‌ «رسالة‌ جديدة‌»؛ وما يخصّ قسم‌ البحوث‌ العلميّة‌ والفقهية‌: «رسالةٌ حولَ مَسألة‌ رُؤية‌ الهِلال‌» ، وكتاب‌ «وظيفة‌ الفرد المُسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام‌» ، وكتاب‌ «ولاية‌ الفقيه‌ في‌ حكومة‌ الإسلام‌» في‌ أربعة‌ أجزاء، وكتاب‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌» في‌ أربعة‌ أجزاء من‌ سلسلة‌ أنوار الملكوت‌ ، و «رسالة‌ مسوّدة‌ القانون‌ الاساسي‌ّ» ، وكتاب‌ «نظرة‌ علی‌ مقالة‌ بسط‌ وقبض‌ نظريّة‌ الشريعةللدكتور عبد الكريم‌ سروش‌ » ، و «الرسالة‌ النكاحيّة‌: تحديد النسل‌ ضربة‌ قاصمة‌ لكيان‌ المسلمين‌»؛ وفي‌ قسم‌ الابحاث‌ التأريخيّة‌: «لمعاتُ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ » ، و «الهديّة‌ الغديريّة‌: رسالتان‌ قاتمة‌ ومشرقة‌» . وقد تمّ طبع‌ ونشر أغلب‌ هذه‌ المؤلَّفات‌.

 والآن‌ نشرع‌، بحول‌ الله‌ وقوّته‌، في‌ كتاب‌ «معرفة‌ الله‌»؛ وَمَا تَوْفِيقِي‌´ إِلاَّ بِاللَهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

الارجاعات


[1] ـ هناك‌ بعض‌ الا´يات‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ وردت‌ في‌ سياق‌ هذا المعني‌؛ مثل‌ الا´ية‌: أَلَمْ تَرَوا أَنَّ اللَهَ سَخَّرَ لَكُم‌ مَّا فِي‌ السَّمَـ'وَ تِ وَمَا فِي‌ الاْرْضِ..(صدر الآية‌ 20، من‌ سورة‌ لقمان‌) والا´ية‌: وَسَخَّرَ لَكُم‌ مَّا فِي‌ السَّمَـ'وَ تِ وَمَا فِي‌ الاْرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ.(صدر الآية‌ 13، من‌ سورة‌ الجاثية‌) والا´ية‌: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآنءِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ..(صدر الآية‌ 33، من‌ سورة‌ إبراهيم‌) والا´ية‌: هُوَ الَّذِي‌ خَلَقَ لَكُم‌ مَّا فِي‌ الاْرْضِ جَمِيعًا.. (صدر الآية‌ 29، من‌ سورة‌ البقرة‌). وقد جاء في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ: عَبْدِي‌ ! خَلَقْتُ الاَشْيَاءَ لاِجْلِكَ؛ وَ خَلَقْتُكَ لاِجْلِي‌..(كلمة‌ الله‌، ص‌ 169، عن‌ «مشارق‌ أنوار اليقين‌» لحافظ‌ رجب‌ البرسي‌ّ).

[2] ـ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 51: الذاريات‌.

[3] ـ الآية‌ 111، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[4] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[5] ـ جزء من‌ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 24: النور.

[6] ـ في‌ هذا التأريخ‌، قَدِمَ الحقير إلي‌ طهران‌ بنيّة‌ التوجُّه‌ منها للتشرّف‌ بزيارة‌ الضريح‌ الطاهر للاءمام‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ آلاف‌ التحيّة‌ والثناء، وبعد أداء الزيارة‌ واللقاء بالاساتذة‌ السابقين‌ للحوزة‌ العلميّة‌ في‌ قم‌ وزيارة‌ الاقرباء والارحام‌ ـ وكان‌ فصل‌ الصيف‌ علي‌ الابواب‌ فرجعتُ مرّة‌ أُخري‌ إلي‌ النجف‌ الاشرف‌، حيث‌ كنتُ قد خلّفتُ بيتي‌ مع‌ أثاثه‌ وباقي‌ المتعلّقات‌ الخاصّة‌ هناك‌. ولا نّي‌ كنتُ قد قرّرتُ الاءقامة‌ في‌ طهران‌، فقد جعلتُ عودتي‌ إليها في‌ التأريخ‌ المذكور، وأقمتُ فيها حتّي‌ انتهاء فصل‌ الصيف‌، ثمّ عدتُ ثانية‌ إلي‌ النجف‌، ومكثتُ فيها حتّي‌ بعتُ الدار، فكانت‌ عودتي‌ إلي‌ طهران‌ أواسط‌ شهر جمادي‌ الاُولي‌ سنة‌ 1377 هجريّة‌ قمريّة‌. ومنذ ذلك‌ الوقت‌، ذهبتُ إلي‌ المسجد، وتابعتُ من‌ هناك‌ الدرس‌ والبحث‌.

[7] ـ بعض‌ الفقرات‌ من‌ مناجاة‌ المريدين‌، وهي‌ من‌ جملة‌ المناجاة‌ الخمسة‌ عشرة‌ المنسوبة‌ إلي‌ الاءمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌، وقد ذكرها المرحوم‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ في‌«الصحيفة‌ الثانية‌ السجّاديّة‌» ص‌ 30 و 31، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[8] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الحكمة‌ 250؛ وفي‌ طبعة‌ صبحي‌ الصالح‌ ـ بيروت‌، الطبعة‌ الثانية‌، سنة‌ 1387، الصفحة‌ 511؛ ويقول‌ في‌ ص‌ 721 ضمن‌ شرحه‌ لمعاني‌ «النهج‌»: العزائم‌: جمع‌ عزيمة‌، وهي‌ ما يصمّم‌ الاءنسان‌ علي‌ فعله‌؛ وفسخ‌ العزائم‌: نقضها. العقود: جمع‌ عقد بمعني‌ النيّة‌، تنعقد علي‌ فعل‌ أمرٍ.

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com