بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایه الفقیه فی حکومه الاسلام/ المجلد الاول/ القسم الرابع: موارد مخالفة حکم الامام او النبی لحکم الله علی الظاهر

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ السادس‌:

 الموارد التي‌ يبدو فيها حكم‌ المعصوم‌ مخالفاً لحكم‌ الله‌!

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 لقد بيّنا أن‌ رسول‌ الله‌ و ألائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ يمتلكون‌ الولاية‌ المطلقة‌ الكليّة‌ و لازم‌ الولاية‌ هو التشأون‌ بشؤون‌ و مظهريّة‌ أسماء و صفات‌ الله‌ العليّ الاعلي‌. و أنّ أمرهم‌ الولايتي‌ يكون‌ حتماً في‌ مسار كلام‌ الله‌ و الاوامر و القوانين‌ الدينيّة‌. و أنّ من‌ المحال‌ أن‌ يصدر منهم‌ أمر أو نهي‌ علي‌ خلاف‌ هذا النهج‌.

 و نبيّن‌ الآن‌ أنّ من‌ الممكن‌ أن‌ تصدر منهم‌ في‌ بعض‌ الموارد أوامر و نواهٍ تكون‌ مخالفة‌ ـ بحسب‌ النظر البدري‌ للإنسان‌ طبعاً ـ لظواهر الشرع‌. ولكنّ المنشأ و المسار هو القانون‌ و السنّة‌، و ليس‌ هناك‌ أي‌ تحطُّ عن‌ الكتاب‌ و السنّة‌.

 و هذه‌ الموارد حسبما تأمّلت‌ في‌ أطرافها تنحصر في‌ تلاتة‌ موارد فقط‌، و إذا ما وجدت‌ موارد آُخري‌ أيضاً فهي‌ إنّما ترجع‌ الي‌ هذه‌ الموارد الثلاثة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الاوّل‌: تبدّل‌ الحكم‌ بواسطة‌ تبدّل‌ الموضوع‌

 أحد تلك‌ الموارد هو أن‌ يأمر الإمام‌ أو المعصوم‌ علي‌ أساس‌ الكيفيّة‌ و الحالة‌ الموجودة‌ في‌ الإنسان‌، بينما يظن‌ الإنسان‌ نفسه‌ خارج‌ تلك‌ الحالة‌، و تري‌ نفسه‌ منضوياً تحت‌ حكم‌ آخر، و يتخيّل‌ أنّ هذا الحكم‌ مخالف‌ لحكم‌ الله‌، مع‌ أنّ الامر ليس‌ كذلك‌.

 و كمثال‌ علي‌ ذلك‌ أنّ يأمر المعصوم‌ إنساناً بالاكل‌ من‌ لحم‌ الميتة‌، مع‌ أنّ الميتة‌ حرام‌ حُرِّمَتْ عَلَیكُمْ الْمَيْتَتَةُ.[1]  فيخيّل‌ للإنسان‌ أنّ هذا الامر الذي‌ قد أمره‌ به‌ علي‌ خلاف‌ حكم‌ القرآن‌، بينما يكون‌ أمر المعصوم‌ للإنسان‌ يأكل‌ الميتة‌ في‌ صورة‌ إيجاب‌ الضرورة‌، كان‌ يبتلي‌ متلاً بمخمصة‌ أو مجاعة‌ أو يكون‌ في‌ صحراء بنحو إذا لم‌ يأكل‌ الميتة‌ فانه‌ سيموت‌ جوعاً فليس‌ هناك‌ من‌ شي‌ء غيرها. أو كمثل‌ الدواء المحرّم‌ الذي‌ يصفه‌ له‌ الطيب‌ لاجل‌ انحصار معالجته‌ به‌، و أمثال‌ ذلك‌. فقد يتوهّم‌ الإنسان‌ هنا أنّ أمر المعصوم‌ يأكل‌ الميتة‌ مخالف‌ لحكم‌ الله‌، مع‌ أنّه‌ لو دقّقنا لوجدنا أن‌ ليس‌ ثمّة‌ مخالفة‌، و ذلك‌ لانّ نفس‌ الشارع‌ الذي‌ قال‌ للإنسان‌: الميتة‌ حرامُ و قال‌ له‌: حُرِّمَتْ عَلَیكُمُ الْمَيْتَةُ. قد عدّ ذلك‌ جائزاً في‌ صدرة‌ الاضطرار، فقال‌: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي‌ مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاّءثّمٍ فَإِن‌) اللَهَ غَفُوراً رَّحِيمٌ. [2] و كذلك‌ الآية‌ الشريفة‌: إِلاَّ مَااضطُرِرْتُمْ.[3]  فمن‌ يبتلي‌ بمخصة‌ و مجاعة‌ و يضطر لاكل‌ شي‌ء من‌ الميتة‌ دفعاً للضرورة‌ فلا تثريب‌ عليه‌ و يجب‌ عليه‌ أن‌ يأكل‌.

فهنا حيث‌ قد ورد الحكم‌ محليّة‌ أكل‌ المية‌، يكن‌ في‌ الحقيقة‌ ثمّة‌ تبدّل‌ للحكم‌، و أنمّا هو تبدّل‌ للموضوع‌ لذا فاننا نستيطيع‌ القول‌ إنّ هذا الاستثناء إِلاَّ مَااضْطُرِرْتُمْ قد جعل‌ الموضوع‌ في‌ الواقع‌ موضوعيين‌: أحدهما: المكلّف‌ في‌ غير حال‌ الاضطرار، و الآخر: المكلّف‌ في‌ حال‌ الاضطرار. ففي‌ غير حال‌ الاضطرار: حُرِّمَتْ عَلَیهِ الْمَيْتَةِ، و في‌ حال‌ الاضطرار: حُلَلْتُ لَهُ الْمَيْتَةُ.

 و لدينا موارد كثيرة‌ نظير هذا الموارد. مختلاً في‌ صلاة‌ القصر و التمام‌ هناك‌ للمكلّف‌ حالتان‌: إحداهما حالة‌ الحضر، و الاخري‌ حالة‌ السفر، فالصلاة‌ حال‌ الحضر. أربع‌ ركعات‌، امّا في‌ حال‌ السفر ركعتان‌. و هناك‌ موضوعان‌ إذن‌ و في‌ شهر رمضان‌ علي‌ الحاضر أن‌ يصوم‌، بينما ـ بحب‌ علي‌ السمافي‌ أن‌ يفطر. و هناك‌ موضوعان‌ أيضاً. و من‌ خلال‌ تبدّل‌ الموضوع‌ يتبدّل‌ الحكم‌ أيضاً، لا أن‌ يكون‌ هناك‌ حكمان‌ مختلفان‌ يتعلّقان‌ بموضوع‌ واحد. و في‌ الحقيقة‌ فهذه‌ صورة‌ استثناء، و ذلك‌ أنّ الاستنثاء يرجع‌ الي‌ تبدّل‌ الموضوع‌، و لئن‌ كان‌ إِلاَّ مَااضْطُرِرْتُمْ قد وردت‌ هنا بصفة‌ استثناء، لكن‌ الموضوع‌ في‌ الحقيقة‌ قد تبدّل‌ و ملاك‌ التكلين‌ قد اختلف‌. فالمكلّف‌ له‌ ملاكان‌: أحدهما في‌ حال‌ اضطرار، و الآخر ملاك‌ في‌ غير حالة‌ الاضطرار. ينصبّ عليه‌ حكمان‌ مختلفان‌ بحسب‌ هذين‌ الملاكين‌.

 فالصوم‌ واجب‌ علي‌ الشخص‌ الحاضر، و حرام‌ علي‌ المسافر يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا كُتِبَ عَلَیكُمْ الصّـِيَامُ.[4]  إلي‌ أن‌ يصل‌ حيث‌ يقول‌: فَمَنْ كَانَ مِنكُمْ مَّرِيضاً أَوْ عَلَی‌' سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.[5]  فلو أمر رسول‌ الله‌ عندها إنساناً بالإفطار حال‌ السفر لا ينبغي‌ أن‌ نقول‌ أنّ أمره‌ الولايتي‌ هذا مخالف‌ نهج‌ الكتاب‌، و أنّما هو بيان‌ لحكم‌ شخص‌ الإنسان‌ بسبب‌ تبدّل‌ الموضوع‌.

 و كما حصل‌ في‌ معركة‌ بدر التي‌ وقعت‌ في‌ شهر رمضان‌ حيث‌ تحرّك‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ مع‌ أصحابه‌ و نزلت‌ الآية‌ التي‌ تأمر بالإفطار في‌ السفر، فأمرهم‌ النبيّ بلزوم‌ الإفطار، فلم‌ يفطر كثيرٌ منهم‌، فقال‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌: يَا مَعْشَر الْعُصَاةِ ! إنِّي‌ مُفْطِرٌ فَأفْطِرُوا !

 كان‌ هذا أحد الموارد التي‌ يمكن‌ أن‌ يأمر فيها المعصوم‌ الإنسان‌ بأمر فيظهر بحسب‌ النظر البدوي‌ مخالفاً لحكم‌ الله‌، بينما ليس‌ هناك‌ في‌ الواقع‌ ثمّة‌ مخالفةٌ و أنّما ظهر كذلك‌ في‌ نظر اللإنسان‌، و ذلك‌ لانّ هذا الامر له‌ سند و ملاك‌ شرعي‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الثاني‌: أن‌ يظهر للمعصوم‌ شي‌ء يكون‌ خافياً علي‌ غيره‌

الموارد الثاني‌: عندما يكون‌ للمعصوم‌ علم‌ بالواقع‌ و الحقيقة‌. و هو يمتلكه‌ دوماً، لكنّه‌ هنا يقوم‌ ببيان‌ أمرٍ ما للإنسان‌ علي‌ أساس‌ ذلك‌ العلم‌، في‌ الوقت‌ الذي‌ يكون‌ فيه‌ الوصول‌ إلي‌ تلك‌ الحقيقة‌ و ذلك‌ الواقع‌ أمراً مشكلاً أو محالاً بلحاظ‌ إدراك‌ الإنسان‌، كان‌ يعطي‌ سيفاً لشخص‌ فيأمره‌ بالذهاب‌ و قتل‌ إنسان‌ ما. فيأمر المعصوم‌ و النبيّ و الإمام‌ بهذا الامر بينما يكون‌ مثل‌ المؤمن‌ بنظر ذلك‌ الشخص‌ أمراً غير جائز، أمّا بنظر المعصوم‌ الواقف‌ علي‌ المصالح‌ و المفاسد و العواقب‌ و الخصوصيّات‌ و المقتضيّات‌ و الظروف‌ و المحتلك‌ للعلم‌ الشامل‌ الكليّ، فانّ هذا الامر عين‌ الواقعيّة‌، لكنّه‌ فوق‌ مستوي‌ إدراكنا.

 و لقد كان‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ جالساً في‌ المسجد يوماً فقال‌ لابي‌ بكر: خذ هذا السيف‌ و اذهب‌ خلف‌ المسجد و اقتل‌ الشخص‌ الواقف‌ هناك‌. فأخذ أبوبكر السيف‌ و ذهب‌ خلف‌ المسجد، فوجد ذلك‌ الشخص‌ في‌ حال‌ الصلاة‌، فرجع‌ الي‌ النبيّ، فسأله‌ النبيّ: أقتلته‌ ؟ فأجاب‌ بالنفي‌، معلّلاً بأنّه‌ كان‌ متخشّعاً يصلّي‌.

 فأعطي‌ النبيّ السيف‌ لعمر و قال‌ له‌: اذهب‌ فاقتله‌. فجاء هو أيضاً فوجد ذلك‌ الشخص‌ في‌ الصلاة‌، فرجع‌، فسأله‌ النبيّ إن‌ كان‌ قد قتله‌ ؟ فأجاب‌ بالنفي‌. و عند ما سأله‌ النبيّ! عن‌ السبب‌، قال‌: لانّه‌ كان‌ متخشّعاً يصلّي‌.

 ثم‌ ان‌ رسول‌ الله‌ صبر حتّي‌ جاء أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، فاتلفت‌ إليه‌ و قال‌ له‌: يا عليّ خذ السيف‌ و اذهب‌ خلف‌ المسجد و اقتل‌ ذلك‌ الشخص‌، فأخذ الإمام‌ السيف‌ و ذهب‌ الي‌ هناك‌، فوجد ذلك‌ الشخص‌ قد ذهب‌، فرجع‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً. فسأله‌ النبيّ: هل‌ قتلته‌ يا عليّ ؟ فقال‌: كلاً. فسأله‌ عن‌ السبب‌، فقال‌: لم‌ أرَ أحداً هناك‌. فقال‌ النبيّ: لو قُتل‌ ما اختلف‌ من‌ امّتي‌ رجلان‌.

 فهذا الرجل‌ رئيس‌ الفتنة‌ و أساس‌ الفساد. و كم‌ سيصدر من‌ هذا الرجل‌ من‌ فتن‌ عجيبة‌ و غريبة‌ فيما يأتي‌ من‌ الزمان‌ من‌ عالم‌ الإسلام‌. [6]

 كان‌ و هذا الرجل‌ حُرْقَوص‌ بن‌ زُهَيْراً المعروف‌ ب «ذي‌ الخويصرة‌» الذي‌ كان‌ منذ ذلك‌ الزمان‌ يقوم‌ بإيجاد الخلافات‌ و الفتن‌ بين‌ المسلمين‌، إلي‌ أن‌ اتنتهي‌ به‌ الامر الي‌ معركة‌ النهروان‌ فكان‌ من‌ رؤساء الخوارج‌ فيها، حيث‌ قتل‌ بيد أصحاب‌ عليّ عليه‌ السلام‌.

 و ها هي‌ بنفسها مسألد و قضيّة‌: أنّه‌ لماذا يأمر المعصوم‌ بقتلة‌: فيقوم‌ أميرالمؤمنين‌ بالذهاب‌ و لو وجده‌ لقتله‌ وفقاً لامر رسول‌ الله‌. و ذلك‌ لانّه‌ لو وجده‌ فلا شكّ في‌ أنّه‌ سيقتله‌ حتي‌ لو كان‌ في‌ الصلاة‌، بل‌ حال‌ السجود، و لو كانت‌ دموعه‌ جارية‌ علي‌ ثيابه‌ و أطرافه‌ أيضاً. إذ أنّ هذا أمر رسول‌ الله‌. أمّا اولئكُم‌ فليسوا كذلك‌، بل‌ كانوا يقولون‌ أنّه‌ في‌ حال‌ الصلاة‌. أي‌ أنّ نظرهم‌ ظاهر الصلاة‌ لا إلي‌ باطن‌ الامر و عمقه‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الفرق‌ بين‌ السنّة‌ والشيعة‌ هو في‌ تجويز الاجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ وعدمه‌

و هذه‌ المسألة‌ هلي‌ الفارق‌ بين‌ مذهب‌ الشيعة‌ و مذهب‌ العامّة‌. فمذهب‌ الشيعة‌ كان‌ موجوداً منذ زمان‌ رسول‌ الله‌ الي‌ اليوم‌، و كذلك‌ مذهب‌ العامّة‌ كان‌ موجوداً هو الآخر منذ ذلك‌ الزمان‌ الي‌ اليوم‌. الشيعة‌ أي‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ و أتباعه‌ هم‌ الاشخاص‌ الذين‌ يتّبعون‌ النصّ و لايجوّزون‌ الاجتهاد مقابل‌ النصّ، بينما يجتهد أولئكم‌ و يبدون‌ النظر في‌ مقابل‌ النصّ.

 و جيمع‌ المسائل‌ التي‌ يختلف‌ فيها الشيعة‌ مع‌ السنّة‌ من‌ ذلك‌ الزمان‌ الي‌ اليوم‌ أنّما ترجع‌ الي‌ هذا الاصل‌ فقط‌، حيث‌ يتعبّد الشيعة‌ بالنصّ، بينما يتجاوز أولئكم‌ النصّ و يقولون‌ حتي‌ لو ورد في‌ المسألة‌ نصّ قرءاني‌ سنّة‌ نبويّة‌ مسلّمة‌ لكن‌ لامصلحة‌ من‌ العمل‌ وفقاً لهما، فنحن‌ أيضاً لنا نظرنا و رأينا، فنحن‌ نري‌ أنّ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ وقف‌ خلف‌ المسجد و قد أمرنا النبيّ بقتله‌ ـ مشغول‌ بالصلاة‌، و لا يصحّ أن‌ يقتل‌ المسلم‌، و المصلّي‌ لاينبغي‌ أن‌ يُقتل‌، فيقومون‌ بابداء النظر و الاجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ. و هذه‌ هي‌ المسألة‌ التي‌ يختلف‌ فيها الشيعة‌ و السنّة‌.

 و هي‌ عيناً مثل‌ قصّة‌ موسي‌ و الخضر علي‌ نبيّنا و آله‌ و عليهما السلام‌، حيث‌ تقول‌ الآية‌ الكريمة‌: فَانْطَلِقَآ حَتَّي‌' إذَا لَقِينَا غُلَـ'ماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيئاً نُّكْراً. [7]

 لقد سار موسي‌ و الخضر عليها السلام‌ حتيّ و صلا مكاناً فيه‌ أطفال‌ يلعبون‌، فقتل‌ الحضر أحدهم‌ عليه‌ موسي‌ أنّه‌ كيف‌ تقتل‌ نفساً طاهرة‌ بلا ذنب‌ و لاحقّ أو قصاص‌ ؟! فهذا الطفل‌ لم‌ يصل‌ أحداً لكي‌ يكون‌ قتله‌ قصاصاً جائزاً لَقَدْ جِئْتَ شَيئاً نُكْراً. لكنّ الخضر قام‌ بهذا العمل‌، ثم‌ بيّن‌ مصلحته‌ لموسي‌ فيما بعد.

 و شاهدنا هو أنّ عمل‌ الخضر (في‌ قتل‌ ذلك‌ الغلام‌ من‌ دون‌ ديّة‌ و قصاص‌ و من‌ دون‌ أن‌ يكون‌ قد قام‌ بقتل‌ نفس‌ محترمة‌) إنّما كان‌ علي‌ أساس‌ إدراك‌ معيّن‌ و نظرة‌ لعواقب‌ الامور لدي‌ الخضر، فقد كان‌ واضحاً لديه‌ أنّ هذا العلام‌ إذا كبر فسيجعل‌ أبويه‌ كافرين‌ مشركين‌ و يردّ معي‌ عن‌ الدين‌ فيجب‌ إنزالته‌ من‌ الطريق‌. لقد كان‌ هذا إدراكه‌.

 أمّا النبيّ موسي‌ فقد كان‌ لديه‌ إشكال‌ حول‌ هذا العمل‌، فكان‌ يقول‌: إنّ هذا العمل‌ عمل‌ منكر و لايجوز أن‌ يرتكب‌. فهل‌ كان‌ عمل‌ الخضر و قوله‌ صحيحاً ؟ أم‌ أنّ الصحيح‌ ما قاله‌ موسي‌ ؟ مع‌ العلم‌ بأنّ موسي‌ عليه‌ السلام‌ يتملك‌ مقام‌ النبوّة‌ و هو نبيّ من‌ أولي‌ العزم‌ و صاحب‌ شريعة‌ و معصوم‌، و لاشكّ هناك‌ في‌ هذه‌ الموارد. فأيّها صاحب‌ الموقف‌ الصحيح‌ إذن‌ ؟

 الجواب‌ ـ إنّ كلاً منها قد اتخذ موقفاً صحيحاً.

 الرجوع الي الفهرس

إثبات‌ الحلّ من‌ غير الطرق‌ المشروعة‌ حرام‌

 فالنبيّ موسي‌ لديه‌ شريعة‌ فهو يقول‌: إنّ كلّ عمل‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ علي‌ أساس‌ قانون‌ و دستور، فالإنسان‌ لايستطيع‌ القيام‌ بهذا العمل‌ دون‌ قانون‌، و لم‌ يرد في‌ الشريعة‌ أن‌ يُقتل‌ إنسان‌ دون‌ سبب‌ و علّة‌، إلاّ أن‌ يكون‌ قد قتل‌ بنفسه‌ شخصاً، فيمكن‌ للإنسان‌ أن‌ يقتضيّ منه‌ حينها علي‌ أساس‌ قتل‌ النفس‌ الذي‌ ارتكبه‌، لكن‌ لايمكن‌ قتل‌ أحد دون‌ سبب‌.

 أمّا الخضر فكان‌ ينظر من‌ منظار ءاخر، و لم‌ يكن‌ قتل‌ ذلك‌ الغلام‌ من‌ ذلك‌ المنظار الذي‌ كان‌ علماً خاصّاً به‌ جائزاً فحسب‌، بل‌ كان‌ واجباً أيضاً. أمّا النبيّ موسي‌ الذي‌ عليه‌ أن‌ يكون‌ حافظ‌ الشريعة‌ فلا يمكنه‌ تجاوز شريعته‌. فذلك‌ الشخص‌ الذي‌ جاء بالشريعة‌ و الحكم‌ للناس‌ و.... يحكم‌ القصاص‌، و الذي‌ أنزل‌ الله‌ عليه‌ كتاب‌ التوراة‌، و أمره‌ بالحكم‌ بين‌ الناس‌ علي‌ أساسه‌، لايستطيع‌ أن‌ يرتكب‌ هذا العمل‌، فيداه‌...... و لا يستطيع‌ أن‌ يقل‌ أحداً بهذا النجو بأيّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 و لذا فقد أمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ هو الآخر في‌ بعض‌ الموارد الاستثنانبه‌ فقط‌ مثل‌ قضية‌ «ذي‌ الخويصرة‌» هذه‌، بقتل‌ المشخص‌ الفلاني‌ مثلاً، أمّالي‌ بقيّة‌ الموارد كموارد القصاص‌ و المنازعات‌ والمخاصمات‌ فيم‌ يتصرّف‌ بعلم‌ الغيب‌ الذي‌ عنده‌، و قال‌ إِنَّمَا أَقضِي‌ بَينَْكُمْ بالإيمَانِ و الْبَيَّنَاتِ (أي‌.....، أو بالقسم‌ الذي‌ يحلفه‌ المنكر بعد إقامة‌ الدعوي‌ من‌ طرف‌ المدّعي‌) فأنا أحكم‌ بأنّ الْبَيَّنَةُ عَلَی‌ الْمُدَّعي‌ و الْيَمِينُ عَلَی‌ مَنْ أَن‌كَرَ. [8]

 كما انّ الاريجب‌ أن‌ يكون‌ علي‌ النمو بالضرورة‌، ذلك‌ أنّ الشريعة‌ لها محكمة‌ و حكم‌ و قواعد و قوانين‌، إذا أراد الإنسان‌ أن‌ يتجاوزها و يتخطّاها فان‌ الهرج‌ و المرج‌ سيسودان‌ في‌ العالم‌.[9]

 فيجب‌ أن‌ يُؤتي‌.... إلي‌ المحكة‌ و يشهد علي‌ سرقته‌ رجلان‌ عدلان‌ و بأنّها شاهدة‌ قد سرق‌ كما انّ ذلك‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ ذلك‌ وفق‌ تلك‌ الشروط‌ المذكورة‌ في‌ كتاب‌ الحدود، و عندها علي‌ الحاكم‌ أن‌ يقطع‌ يده‌ فوراً. و إلاّ لما جاز قطعها. فإذا قال‌ الحاكم‌: إنّي‌ لإعلم‌ انّه‌ قد سرق‌ فلا يجوز له‌ أن‌ يحكم‌ بعلمه‌، و ذلك‌ لانّه‌ إذا قال‌ الحاكم‌ أنّه‌ قد ثبت‌ لي‌ من‌ بعض‌ الطرق‌ غير المعارفة‌ أنّ هذا الشخص‌ قد سرق‌، كما لو قاموا.... طفل‌ بواسطة‌ التنويم‌ المغناطيسي‌ و أمثال‌ ذلك‌ ـ فشاهد السارق‌ و دلّ عليه‌، مع‌ أنّه‌ لايكون‌ قد شاهد.... لحدّ الآن‌، و لا كان‌ يعرف‌ شكله‌ أيضاً، فقام‌ بالتدليل‌ علي‌ جميع‌ خصوصيّات‌....، بأنّه‌ مثلاً أخو نفس‌ صاحب‌ البيت‌ و ثبابه‌ و هيئته‌ بهذا النحو، و أنّه‌ أتي‌ و أخذ هذا الشي‌ء المخاصّ ثمّ ذهب‌. فهذا يورث‌ اليقين‌ عند الحاكم‌ في‌ كثير من‌ الموارد، لكنّه‌ لايستطيع‌ الحكم‌ طبق‌ هذا الامر.

 و قد يتّصل‌ الإنسان‌ أرواح‌ الجنّ و بعض‌ الارواج‌ الاُخري‌ و يطّلع‌ علي‌ الكثير من‌ المغيّبات‌ و يستطيع‌ الإخبار عنها، لكنّه‌ لايستطيع‌ التصرّف‌ و فقها. و من‌ الممكن‌ كذلك‌ بواسطة‌ تسخير الشمس‌ و القمر و أمثالها الاطّلاع‌ علي‌ بعض‌ الامور الخفيّة‌، لكنّه‌ لايستطيع‌ الإخبار عنها.

 و لو كانت‌ هذه‌ الطرق‌ مفتوحة‌ لامتلا العالم‌ من‌ الفساد. فالله‌ تعالي‌ لايريد إراقة‌ ماء وجوه‌ الناس‌ و إظهار فسادهم‌. الفساد ممتزج‌ و متراكم‌ في‌ جميع‌ النفوس‌. امّا ذلك‌ اليوم‌ يوم‌ الجزاء فسيكون‌ يوماً ءاخر. و هذا العالم‌ الذي‌ نعيش‌ فيه‌ عالم‌ دني‌ و فعطّي‌ و محجوب‌، و جميع‌ المعايب‌ هنا مستورة‌.

 و في‌ تلك‌ الموارد التي‌ أمر فيها بالإتيان‌ بالعاصي‌ و إقامة‌ الحدّ عليه‌ يقطع‌ يدّ السارق‌ مثلاً فإنّي‌ حين‌ يكون‌ الامر ظاهراً و قد شاهده‌ أحد ما، و يثبت‌ ذلك‌ من‌ الطريق‌ الخاّ، و ذلك‌ لايتّفق‌ في‌ كلّ ألف‌ مورد سرقة‌ مرّة‌ واحدة‌، و لايتّفق‌ بين‌ كلّ ألف‌ حالة‌ زنا مرّة‌ واحدة‌. كما انّ قوانين‌ القصاص‌ و الجزاء أنّما هي‌ لمنع‌ تلك‌ الجنايات‌ لا لإتلاف‌ النفوس‌، و إلاّ فانّ الكثير من‌ الناس‌ يرتكبون‌ هذه‌ الاعمال‌ و يقومون‌ بالمعاصي‌ دون‌ أن‌ يطّلع‌ أحد.

 و إذا حاول‌ الإنسان‌ أن‌ يكتشف‌ معاصي‌ أحد بغير الطرق‌ الشرعيّة‌ فهو حرام‌ شرعاً. و لذا فجميع‌ هذه‌ العلوم‌ محرّمة‌ أيضاً، جميع‌ العلوم‌ التي‌ يستطيع‌ الإنسان‌ بواسطتها التوصّل‌ الي‌ وقائع‌ معيّنة‌ لها جانب‌ موضوعي‌ أيضاً إلاّ أن‌ الشرع‌ لم‌ يجعلها طريقاً محرمة‌، فالشرع‌ لم‌ يجعل‌ التنويم‌ المغناطيسي‌ طريقاً، فلم‌ يسمع‌ بالاتّصال‌ بالجن‌ طريقاً، و قد سد طريق‌ الكهانة‌ و السحر، فجميع‌ هذه‌ العلوم‌ محرّمة‌، مع‌ انّ من‌ المسلم‌ إصابة‌ بعضها للواقع‌، و لا كلام‌ في‌ ذلك‌، لكنّ الطريق‌ غلط‌.

 كما ان‌ الموسيقي‌ علم‌ له‌ موضوع‌ صحيح‌، و توجد الالحان‌ المختلفة‌ ـ وقف‌ التعليمات‌ الخاصّة‌ ـ ءاثاراً علي‌ روح‌ الإنسان‌ فتوقع‌ الإنسان‌ في‌ حالة‌ من‌ البكاء أو الضحك‌ أو تجعله‌ مجنوناً، فهناك‌ آثار موضوعية‌ مترتّبة‌ عليها، لكنّ الشرع‌ قد نفاها و حرّمها. إذن‌ نستطيع‌ القول‌ بانها حلال‌ لاجل‌ موضوعيتها و تحققها لانّ بين‌ الحلال‌ و الواقعيّة‌ فارق‌ كبير. فهناك‌ اُمور كثيرة‌ في‌ الخارج‌ لها واقعيّة‌ لكنّها في‌ الشرع‌ ممنوعة‌، فالشرع‌ يقول‌ به‌ يجب‌ اتّباع‌ هذا الطريق‌ و الوصول‌ الي‌ الواقع‌ من‌ خلاله‌. الحكم‌ بين‌ الناس‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ من‌ طريق‌ الإيمان‌ و البيّنات‌ و إذا أردت‌ الإدّعاء علي‌ شخص‌ فعليك‌ أن‌ تأتي‌ بشهود، و إلاّ فات‌ بالطرف‌ المقابل‌ ليُقسم‌، فإن‌ لم‌ يُقسم‌، رجع‌ القسم‌ عليك‌ و صار عليك‌ أنت‌ أن‌ تُقسم‌. و أخيراً فإنّ الامر يحلّ من‌ هذا الطريق‌ فقط‌، و الطرق‌ الاُخري‌ مسدودة‌، مع‌ أنّك‌ متيّقن‌ و قد شاهدت‌... بعينيك‌ يدخل‌ الي‌ بيتك‌ و يحمل‌ أموالك‌ و يأخذها معه‌. فهل‌ هناك‌ يقين‌ أعلي‌ من‌ هذا ؟! فإذا ذهبت‌ في‌ هذه‌ الحال‌ الي‌ الحاكم‌ و شهدت‌ علي‌ السرقة‌ فإنّ شهادتك‌ غير مقبولة‌. و ذلك‌ لانّها شهادة‌ لنفسك‌، و يجب‌ أن‌ تأتي‌ بشاهدين‌ آخرين‌، و يجب‌ أن‌ يكون‌ الشاهدان‌ صادقين‌ مستقيمين‌ أيضاً، فإذا ما شهدا فالحكم‌ نافذ، و إلاّ فلا، و يبقي‌ الي‌ يوم‌ القيامة‌ حيث‌ يقوم‌ الله‌ بمالمجازة‌. و ذلك‌ لانّ الطريق‌ الشرعي‌ منحصر في‌ هذا.

 الرجوع الي الفهرس

شَرَّعَ لَكُمْ مِنَ الدِّين‌ مَا وَصَّي‌' بِهِ  نُوحاً

 شَرَّعَ لَكُمْ مِنَ الدِّين‌ مَا وَصَّي‌' بِهِ نُوحاً. [10] معناي‌ أنّه‌ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يرد هذه‌ الشرعية‌ و ذلك‌ المنهل‌ عن‌ طريق‌ ما أوصي‌' به‌ الله‌ نوحاً و إبراهيم‌ و عيسي‌ و موسي‌ و النبيّ من‌ أَنْ أَقِيمُوا الدِّين‌.

 علي‌ الإنسان‌ أن‌ يرد الي‌ الماء من‌ تلك‌ الشريعة‌ و ذلك‌ المنهلك‌. (في‌ الانهار الكبيرة‌ مثل‌ دجلة‌ و الفرات‌ و التي‌ هي‌ دوماً في‌ حالة‌ مدّ و جزر، و التي‌ يواجه‌ الناس‌ فيها مشقّات‌ كبيرة‌ في‌ سبيل‌ تحصيل‌ الماء يصنعون‌ مكاناً لامل‌ النزول‌ التحصيل‌ الماء، و يتوصلّون‌ الي‌ تحصيل‌ الماء عن‌ هذا الطريق‌، و يسمّونه‌ بالشريعد، و لايستطيعون‌ تحصيل‌ الماء عن‌ غير هذا الطريق‌.)

 الشريعة‌ تعني‌ ذلك‌ الطريق‌ الذي‌ فتح‌ لنا م‌جل‌ تحصيل‌ الماء من‌ النهر أو البحر، و إذا لم‌ تكن‌ هذه‌ الشريعة‌ و أراد الإنسان‌ أن‌ يلقي‌ بنفسه‌ في‌ النهر أو البحر لتحصيل‌ الماء فسوف‌ يختنق‌ لو يُحرم‌ من‌ الحصول‌ علي‌ الماء. أمّا الشريعة‌ فهي‌ دين‌ واضح‌ و مرأي‌ و طريق‌ مستوي‌ و مستقيم‌ لايواجه‌ فيما الإنسان‌ أيّ خطر. و طريق‌ الشريعة‌ هذا و تشريعة‌ و تعيينه‌ بيد الشارع‌، فهو يقول‌: إنّي‌ قد جعلت‌ لكم‌ هذا الطريق‌ لاجل‌ الوصول‌ الي‌ الحكم‌ الواقعي‌ و أغلقت‌ جميع‌ الطرق‌ الاُخري‌، فماذا تقولون‌ ؟! لو قلت‌ لكم‌: من‌ الواجب‌ عليكم‌ أن‌ تنشرفوا اليوم‌ بزيارة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السّلام‌، لكنّ طريقكم‌ هو ما أئميّه‌ لكم‌ و لا يجوز لكم‌ ان‌ تسلكوا آخر أبداً لاتي‌ أعلم‌ أنّ هذا الطريق‌ طريق‌ مستوٍ و واضح‌ و مباشر لا خطر فيه‌، أمّا في‌ الطرق‌ الاُخره‌ فثمّة‌ خطر يتهدّدكم‌، إذ انّ من‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ في‌ إحداها مستشفي‌ أوبئة‌ مثلاً، فإذا أردتهم‌ العبور من‌ هناك‌ أصبتم‌ بالوباء، بينما يكون‌ في‌ طريق‌ أخر منها بئر مغطّي‌ إذ اسرتم‌ منه‌ سقطتم‌ في‌ ذلك‌ البئر، و في‌ طريق‌ ثالث‌ هناك‌ أشخاص‌ يريدون‌ الفتك‌ بكم‌ و اغيتالكم‌ و هكذا سائر الطرق‌.

 أو أنّ هناك‌ طريقاً آخر أيضاً بعيداً جدّاً و إن‌ لم‌ يكن‌ فيه‌ خطر عليكم‌، لكن‌ أن‌ تصرفوا أعماركم‌.... تتمكّنوا من‌ الوصول‌ المقصد. فإذا انهر الطريق‌ بهذا المحرّ فعلي‌ الإنسان‌ أن‌ بيختاره‌ حتماً، لانّه‌ ليس‌ خالٍ من‌ احتمال‌ الضرر فحسب‌ بل‌ انّ منفعته‌ أيضاً ستكون‌ أكثر من‌ باقي‌ الطرق‌.

 الرجوع الي الفهرس

 لا يستطيع‌ النبي‌ّ موسي‌ عليه‌ السلام‌ أن‌ يتجاوز شريعته‌

و هكذا فانّ حاكم‌ الشرع‌ لايستطيع‌ أن‌ يحكم‌ بين‌ الناس‌ بغير كتاب‌ الله‌ و سنّة‌ النبيّ حتي‌ لو كان‌ عنده‌ علم‌ بالواقع‌ كان‌ يطّلع‌ علي‌ الاخبار الصحيحة‌ بواسطة‌ العلقة‌ والاتّصال‌ مع‌ بعض‌ أفراد الجنّ أو الارواح‌ و بشكل‌ عام‌ فأنّ هذا الاتّصال‌ يورت‌ الظلمة‌ للإنسان‌، و هذا بنفسه‌ علاّمة‌ و دليل‌ علي‌ عدم‌ حقّه‌ الطريق‌، و قد منع‌ الشرع‌ المطهّر منه‌.

 و حاكم‌ الشرع‌ لايستطيع‌ أن‌ يحكم‌ بين‌ الناس‌ علي‌ أساس‌ الرؤيا، حتي‌ لو كانت‌ صحيحة‌ أو بواسطة‌ المكاشفة‌ و ادّعاء الاتّصال‌ بعالم‌ الغيب‌، فقوله‌ غير مقبول‌.

 انّ علم‌ حاكم‌ الشرع‌ مختصّ به‌، و يجب‌ عليه‌ أن‌ يحكم‌ بين‌ الناس‌ علي‌ أساس‌ القواعد و القوانين‌ و البيّنة‌ و اليمين‌، و قد كانت‌ سيرة‌ النبيّ بهذا النحو، و سيظل‌ الامر كذلك‌ إلي‌ زمان‌ ظهور إمام‌ العصر و الزمان‌ عجّل‌ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشّريف‌. لكن‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌ ـ و وفقاً لبعض‌ الروايات‌ الواردة‌ ـ فإنّ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ سوف‌ يحكم‌ بالواقع‌، أي‌ تزول‌ الإيمان‌ و البيّنات‌، و ستنكشف‌ الحقائق‌ و سيحكم‌ بين‌ الناس‌ بهذا الميزان‌ مثل‌ النبيّ داود عليه‌ السلام‌. فقد ورد في‌ الروايات‌ أنّ داوود عليه‌ السّلام‌ لكن‌ يحكم‌ بهذا النحو، و أنّ كلّ من‌ جاءه‌ في‌ منازعة‌ فانّه‌ كان‌ يحكم‌ فيها علي‌ أساس‌ الواقع‌.

 أمّا في‌ شريعة‌ الإسلام‌ ـ و التي‌ هي‌ شريعة‌ كاملة‌ تجمع‌ بين‌ الظاهر و الابطان‌ و تستر معايب‌ الناس‌ فالحكم‌ علي‌ أساس‌ الإيمان‌ و البيّنات‌.

 و لذا فقد كان‌ النبيّ و أميرالمؤمنين‌ و بقيّة‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ و هم‌ مصدر و معدن‌ العلم‌ يقولون‌: إنّما تحكم‌ بينكم‌ بالإيمان‌ و البيّنات‌.

 و بناءً علي‌ هذا فقد كان‌ النبيّ موسي‌ علي‌ الخضر حيث‌ قال‌ له‌: لَقَدْ جِئْتَ شَيئاً نُكْراً [11]  صحيحاً علي‌ أساس‌ نهجه‌ و طريقة‌، لانّه‌ كان‌ يمتلك‌ شريعة‌، و شريعته‌ لاتسمع‌ له‌ بارتكاب‌ مثل‌ هذه‌ التصرّفات‌. و الخضر أيضاً كان‌ يعلم‌ ماذا يفعل‌، فعمله‌ لاعلاقة‌ له‌ بموسي‌. لكنّ موسي‌ عليه‌ السلام‌ المأمور من‌ قبل‌ الله‌ بالشريعة‌ لاينبغي‌ له‌ أن‌ يحكم‌ بحكم‌ ولايتي‌ مخالف‌ للشريعة‌.

 لقد كان‌ هذ هو المورد الثاني‌ من‌ الموارد التي‌ قد يبدو فيها حكم‌ الحاكم‌ و حكم‌ الإمام‌ المعصوم‌ بنظرنا مخالفاً للواقع‌. بيد انّه‌ يتحصّل‌ من‌ هذا البيان‌ أنّه‌ في‌ الحقيقة‌ مطابق‌ للواقع‌.

 الرجوع الي الفهرس

الثالث‌: المورد الذي‌ يظنّ الإنسان‌ بخلافه‌ انطلاقاً من‌ العادات‌ الجاهليّة‌

 الموارد الثالث‌: حين‌ يحكم‌ النبيّ أو الإمام‌ للإنسان‌ بحكم‌، لكنّ ذلك‌ الإنسان‌ ـ باعتباره‌ غارقاً في‌ مجتمع‌ جاهلي‌ و أفكار معوجّة‌ و سنن‌ و آداب‌ قدمية‌ لاتعدو كونها اُموراً اعتبارية‌ و موهومة‌ و أفكار خرافيّة‌ و قد.... الإنسان‌ عليها و أنس‌ بها ـ فانّ ذلك‌ الحكم‌ سيبدو له‌ مخالفاً، و سيستوحش‌ من‌ العمل‌ به‌، و سيستغرب‌ في‌ نفسه‌ صدور هذه‌ الكلمة‌ من‌ النبيّ و الإمام‌، مع‌ أنّ الحكم‌ فيها خلاف‌ الواقع‌. امّا تعمقتم‌ في‌ المسألة‌ بالتحليل‌ العقلي‌ لوجدتم‌ أنّه‌ ليس‌ ثمّة‌ مخالفة‌ أصلاً. و أنّما المخالفة‌ في‌ فكر الإنسان‌ الذي‌ تربّي‌ علي‌ أساس‌ الاوهام‌ و التخيّلات‌ غير الواقعيّة‌ و التي‌ لا أصالة‌ لها. و الذي‌ قام‌ من‌ ثمّ بقياس‌ أصالة‌ واقعية‌ الخارج‌ وفقه‌. و هو أمر خاطي‌ء ! لذا فانّ علي‌ النبيّ أو الإمام‌ أن‌ يقوم‌ بتكليفه‌. و علي‌ الإنسان‌ أن‌ يدع‌ هذه‌ الاوهام‌ و المتخيّلات‌ جانباً. و الإسلام‌ قائم‌ علي‌ هذا الاساس‌. الإسلام‌ دين‌ مطابق‌ للحقّ و مطابق‌ للواقع‌. كلّ حكم‌ قائم‌ علي‌ أساس‌ التخيّل‌ و الاعتبار و لايستند الي‌ الحقيقة‌ فهو باطل‌ مهما كان‌.

 القرءان‌ كتاب‌ حقّ، و قد استعمل‌ لفظ‌ الحقّ في‌ القرءان‌ كثيراً، فهو ينسب‌ الانبياء إلي‌ الحقّ، و ينسب‌ الاحكام‌ إلي‌ الحقّ. يقول‌ تعالي‌: وَ يُرِيدُ اللَهُ أَن‌ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَـ'تِهِ.[12]  و يقول‌ في‌ ءاية‌ اُخري‌: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْبَـطِلِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.[13]  مختي‌' لو كره‌ علي‌ الكافرين‌ ذلك‌ فانّ علي‌ الإنسان‌ أني‌ حيقّ الحقّ و يبطل‌ الباطل‌. و لقد كانت‌ بعض‌ أوامر رسول‌ الله‌ بهذا النحو. و من‌ المناسب‌ جداً للتأمّل‌ و الدقّة‌ ان‌ نشخّص‌ هذه‌ الموارد جيداً، و ننظر فيها بتمعّن‌، و نميّزها عن‌ بعضها، كي‌ لانبتلي‌ ـ لاسمح‌ الله‌ ـ في‌ بعض‌ الاحيان‌ بهذه‌ الآراء الشخصيّة‌ و الاحكام‌ القوميّة‌ و السنن‌ الجاهلية‌. و الآداب‌ المجوسية‌ و الزرادشتية‌، أو بآداب‌ وثقافة‌ الاجانب‌ الشائعة‌ بيننا بكثره‌ و لكي‌ لا نتجاوز سنّة‌ النبيّ.

 و نقوم‌ الآن‌ ببيان‌ موردٍ واضح‌ جدّاً تلك‌ الموارد.

 من‌ جملة‌ موارد أعمال‌ الولاية‌ التشريعته‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ قصّة‌ زينب‌ التي‌ زوّجها رسول‌ الله‌ بأمره‌ الولائي‌ الي‌ ابنه‌ بالبنيّ و عتيقه‌ زيد بن‌ حارثة‌. و بعد أن‌ طلّقها زيد قام‌ النبيّ يا متزوّج‌ بها بأمره‌ الولائي‌ أيضاً.

 و القصّة‌ علي‌ هذا النحو: لقد كانت‌ زينب‌ إبنة‌ عمّة‌ الرسول‌،.ي‌ بنت‌ أميمة‌ بنت‌ عبدالمطلب‌ فقد تزوّجّت‌ أميمة‌ رجلاً اسمه‌ جحش‌، و ولدت‌ منه‌ بنتاً اسمها زينب‌، إذن‌ زينب‌ بنت‌ جحش‌ هي‌ بنت‌ اُميمة‌ بنت‌ عبدالمطلب‌، و ابنة‌ عمة‌ رسول‌ الله‌.

 و كان‌ زيد بن‌ حارثه‌ غلام‌ رسول‌ الله‌، و كان‌ قد اعتقه‌ النبيّ ثمّ ثبنّاه‌ بعد أن‌ أعتقه‌. (و كان‌ النبيّ متعارفاً و متداولاً بكثرة‌ بين‌ الناس‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌) و لقد كانت‌ جميع‌ أعمال‌ رسول‌ الله‌ علي‌ أساس‌ الحكمة‌ و المصلحة‌، حيث‌ تقوم‌ الآن‌ ببيان‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ هنا:

 لقد كان‌ العرب‌ في‌ الجاهلية‌ يعتبرون‌ الابن‌ بالنبيّ ـ و الذي‌ يسمّي‌' ب «الدّعيّ» ـ إبنآ حقيقياً، و يعدّونه‌ إبنآ واقعياً في‌ جميع‌ أحكام‌ النبوّة‌ كالنكاح‌ و الإرث‌ و سائر الامور. و لذا كانوا يعدّون‌ زوجة‌ الابن‌ بالنبيّ زوجة‌ ابن‌ حقيقية‌ و يعتبرونها محرماً، و لم‌ يكونوا يتزوّجونها يعدانِ يطلّقها دعِتُهم‌. لانّهم‌ كانوا يقولون‌ انّها زوجة‌ ابنهم‌ و هي‌ محرّمة‌ بالحرمة‌ الابدية‌.

 و من‌ جهة‌ اُخري‌ فقد كانت‌ الطبقيّة‌ شائعة‌ بين‌ العرب‌، فلم‌ تكن‌ أيّة‌ إمرأه‌ متعينة‌ و متشخصّة‌ مستعدّة‌ للزواج‌ من‌ مولي‌ لايملك‌ و جاهة‌ و اعتباراً من‌ ناحية‌ النسب‌.

 و كان‌ كبراء العرب‌ يزوّجون‌ بناتهم‌ الي‌ الاشخاص‌ المعروفين‌ و المنتخبين‌ الي‌ القبائل‌ و العشائر و لذوي‌ النسب‌ وا لوجاهة‌. و كانوا يعدّون‌ تزويج‌ الفقراء و المحتاجين‌ و الموالي‌ المعتقين‌ من‌ أكبر العار، و كانوا مستعدّين‌ للموت‌ أو ترك‌ بناتهم‌ بلا تزويج‌ علي‌ أن‌ يخضعوا الزواجٍ كهذا.

 تأمُر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ عزّوجلّ بإزالة‌ أحكام‌ الجاهليّة‌ هذه‌. بأن‌ يُعلن‌ للناس‌ أوّلاً:

 أنّ شرف‌ المؤمن‌ أنما هي‌ بالإيمان‌ وا لتقوي‌ لا بالمال‌ و الحسب‌ و نسب‌. و بناءً عليه‌ فانّ لكّل‌ رجل‌ مسلم‌ و فقير ـ و إن‌ كان‌ عبدا و مولي‌ معتق‌ـ الحقّ في‌ أن‌ يتزوّج‌ من‌ بنات‌ الاشراف‌. كما ان‌ في‌ مقدور المرأة‌ الشريفة‌ و الاصيلة‌ أيضاً أن‌ تتزوّج‌ من‌ أحد المؤمنين‌ الفقراء فالتكافؤ في‌ الزواج‌ و اختيار الزوجة‌ أو الزوج‌ أي‌ التساوي‌ في‌ النمط‌ و الطبقة‌ أنّما هو في‌ الإيمان‌ و التقوي‌، لا التساوي‌ في‌ النمط‌ و التكافؤ في‌ المال‌ و الاعتبار و العشيرة‌ و القوم‌ و القبيلة‌.

 ثانياً: أن‌ يعلن‌ للناس‌ أنّ دعيَّ الإنسان‌ ليس‌ إبناً له‌: و لا يترتب‌ عليه‌ أيّ من‌ آثار النسب‌. اي‌ انّ الإبن‌ بالتبيّن‌ ليس‌ إنباً، و البنت‌ بالتبَنيّ ليس‌ بنتاً، فلا يرثان‌ و لا يورّثان‌، كما انّ البنت‌ بالتبنيّ ليست‌ محرماً، و الابن‌ بالنبيّ ليس‌ محرماً علي‌ زوجة‌ المتبني‌. كما لا تعدّ زوجة‌ الدعيّ! زوجة‌ ابن‌ للإنسان‌ أيضاً، و لا تصير محرماً مع‌ الإنسان‌. فلو طلّقها الدعيّ بعد ذلك‌ فان‌ في‌ مقدور الإنسان‌ أن‌ يتزوّجها، و ذلك‌ لانّها إمرأه‌ اجنبية‌ بكلّ معني‌ الكلمة‌، و لا تُعدُّ من‌ المحارم‌. لقد أزال‌ الإسلام‌ هذه‌ السنّة‌ الجاهليّة‌ و لم‌ يجعل‌ حكما خاصّاً للدعيّ لا في‌ الإرث‌ و لا في‌ المحرميّة‌ و لا في‌ حرمة‌ النكاح‌. و بناءً عليه‌ و بحكم‌ القرءان‌ الصريح‌ فليس‌ هناك‌ أيّ فرق‌ بين‌ الدعيّ و غيره‌، و انّ عنوان‌ الدعيّ لا يدخله‌ في‌ النسب‌ بوجه‌ من‌ الوجوه‌.

 الرجوع الي الفهرس

وَمَا جَعَلَ أَدعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ... ادْعُوهُمْ لاِ بَآنءِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَهِ

 لقد ورد هذا الحكم‌ في‌ الآيتين‌ الرابعة‌ و الخامسة‌ من‌ سورة‌ الاحزاب‌، حيث‌ يقول‌ تعالي‌:

 وَ مَا جَعَلَ أَدعِيَاءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي‌ السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَهِ فَإن‌ لَم‌ تَعْلَمُوا آبَآءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِي‌ الدِّينِ وَ مَوَلَـ'ئِكُمْ. [14]

 و كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ ينوي‌ تنفيذ هذا الحكم‌، لكنّه‌ كان‌ يخشي‌ من‌ الناس‌ حديثي‌ العهد بالإسلام‌ أن‌ يستوحشوا و لايخضعوا و يعدودن‌ عن‌ الدين‌ قائلين‌: أنّ محمّداً قد أتي‌ بشريعة‌ ـ و العياذ بالله‌ ـ كالمجوس‌ تروّج‌ نكاح‌ المحارم‌. و لذا كان‌ خوف‌ رسول‌ الله‌ من‌ الناس‌ لاجل‌ حفظ‌ الدين‌ و لاجل‌ الله‌. لكنّ الله‌ يأمره‌ ألاّ يهتم‌ هذا الخوف‌، و أن‌ يكون‌ خوفه‌ من‌ الله‌ وحده‌ و أنّ عليه‌ أن‌ ينفّذ هذا الحكم‌:

 لقد كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ حين‌ نزول‌ الاحكام‌ الشديدة‌ التي‌ لم‌ يكن‌ الناس‌ يتحمّلونها في‌ البداية‌ الامر يقوم‌ بتنفيذ ذلك‌ الحكم‌ في‌ حقّ نفسه‌ و قومه‌ و أقربائه‌ أوّلاً، و يعمل‌ بها لكي‌ يعلم‌ الناس‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ قد خضع‌ لهذا الحكم‌ بنفسه‌ و بما يملك‌، و طبّقه‌ علي‌ نفسه‌، و بالتالي‌ يزول‌ استجاشهم‌ و تردّدهم‌ أو يخفّ علي‌ الاقلّ.

 فعند ما أراد مثلاً إلغاء الربا و الحكم‌ بتحريمه‌ و نقض‌ الاموال‌ الربوية‌ التي‌ كانت‌ للناس‌ علي‌ بعضهم‌ في‌ الجاهليّة‌ و إسقاطها عن‌ درجة‌ الاعتبار قام‌ بتطبيق‌ ذلك‌ في‌ حقّ عمّد العبّاس‌ أوّلاً فأسقط‌ جميع‌ الاموال‌ الربوية‌ التي‌ كانت‌ له‌ علي‌ النسا، كما ورد في‌ السيّرة‌ الحلبيّة‌ حول‌ خطبة‌ حجّة‌ الوداع‌ التي‌ أوردها في‌ عرفات‌ أنّه‌ «وَ وَضَعَ رِبَا الْجَاهِلِيَّتِه‌ وَ أَوَّلُ رِباً وَضَعَهَ رِبَا عَمِّهِ الْعَبّاسِ».

 و كذلك‌ حين‌ أراد إسقاط‌ قيمة‌ دم‌ المشركين‌ و غير المسلمين‌ أسقط‌ أوّلاً دم‌ ابن‌ عمّة‌ «ربيعه‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ عبدالمطلب‌» الذي‌ سفك‌ في‌ الشرك‌ و الجاهليّة‌، و كانت‌ «هُذَيل‌» قد قتلته‌ كما ذكره‌ الحلبيّ بقوله‌:

 «وَ وَضَع‌ الدِّمَآءَ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ، وَ أَوَّلُ دَمٍ وَضَعَهُ دَمُ ابْنِ عَمِّهِ رَبِيعَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ قَتَلَيةُ هُذَّيْلٌ، فَقَالَ: أَوَّلُ دَمٍ أَبْدَأ مِنْ دِمَآءِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٍ؛ فَلاَ يُطْلَبُ بِهِ فِي‌ الإسْلاَمِ»

 و قد قال‌ النبيّ في‌ نفس‌ هذه‌ الخطبة‌: «إِن‌) دِمَآءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَیكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي‌ شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي‌ بَلَدِكُمْ هَذَا، ثُمّ أَلا كُلُّ شَي‌ءٍ مِن‌ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي‌ مُوْضُوعٌ، وَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَ أَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.[15]

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ زينب‌ بنت‌ جحش‌ وزواجها من‌ رسول‌ اللهِ

 أجل‌ فقد أراد النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ و لكي‌ ينفّذ الامر الاوّل‌، و هو الزواج‌ بين‌ طبقة‌ الاشراف‌ و طبقة‌ الضعفاء. أن‌ طيبّقه‌ في‌ المرّة‌ الاُولي‌ في‌ حقّ عائلته‌ ـ فجاء الي‌ ابته‌ عمّته‌ زينب‌ بنت‌ جحش‌ و خطبها لزيد بن‌ حارثة‌ مولاه‌ و ابنه‌ بالتبنيّ. فأنفت‌ زينب‌ من‌ هذا الامر، كما ورد في‌ تفسير «الدرّ المنثور» من‌ أنّه‌: أَخْرَجَ ابْنُ جُرَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللهُ عَلَیهِ وَ ءَالِهِ وَ سَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَاسْتَنْكَفَتْ مَنْهُ وَ قَالَتْ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ حَسَباً، وَ كَانَتِ امْرَأَةً فِيهَا حِدَّةٌ.

 فَأَنْزَلَ اللَهُ تَعَالَي‌': وَ مَا كَالَ لِمُؤمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَن‌ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَن‌ يَعْصِ اللَهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُّبِيناً. [16]

 فقبلت‌ زينب‌ الزواج‌ من‌ زيد، و صارت‌ في‌ حبالته‌ التزاماً بالامر الولايتني‌ لرسول‌ الله‌. و لم‌ يكن‌ هذا الزوج‌ ـ بالطبع‌ ـ هادثاً و ساكناً، فكانت‌ زينب‌ تشعر في‌ نفسها بالشرف‌ و الكبر باستمرار، و تقدّ زيداً زوجها علام‌ و مولي‌ ابن‌ خالها محمّد رسول‌ الله‌. و لقد ضيّق‌ هذا التنافر النفسي‌ الامر علي‌ زيد، فجاء الي‌ رسول‌ الله‌ مراراً طالباً الإذن‌ في‌ طلاق‌ زينب‌، يكن‌ النبيّ يأذن‌ له‌، و كانو يأمره‌ بإمساك‌ زوجه‌ و عدم‌ طلاقها. وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي‌ أَنْعَمَ اللَهُ عَلَیهِ وَ أَنْعَمتَ عَلَیهِ أَمْسِكْ عَلَیكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَهَ. [17]

 و عمل‌ زيد يأمر النبيّ، و صبر علي‌ جفاء زينب‌ الي‌ أن‌ نفدت‌ طاقته‌، فجاء الي‌ رسول‌ الله‌ و أخبره‌ بنفاد صبره‌ و تحمّله‌ لها طالباً الإذن‌ بطلاقها. فأذن‌ له‌ النبيّ فطلّقها.

 الرجوع الي الفهرس

لقد نسخ‌ النبي‌ من‌ خلال‌ تزويجه‌ زينب‌ لزيد و من‌ تم‌ زواجه‌ هو منها حكمين‌ جاهلين‌.

 و هنا أُمر النبيّ بأمر من‌ الله‌ بتنفيذ الحكم‌ الثاني‌ و هو إلغاء ءاثار التبنيّ. و كان‌ ذلك‌ أيضاً في‌ المرحلة‌ الاُولي‌ في‌ حقّ نفسه‌ بأن‌ يتزوّج‌ التي‌ هي‌ زوجة‌ دعيِّه‌ و في‌ حكم‌ زوجة‌ ابنه‌، لكي‌ يتّضح‌ للناس‌ عمليّا أنّ زوجة‌ الإبن‌ بالتبنيّ ليس‌ زوجة‌ ابن‌ و انّ نكاحها لاإشكال‌ فيه‌. لكن‌ النبيّ كان‌ في‌ خوف‌ و قلق‌ من‌ الناس‌. إذ أنّ هذا الامر لم‌ تكن‌ له‌ سابقة‌ عندهم‌، فلو تزوجّ من‌ زينب‌ لقالوا أنّ رسول‌ الله‌ قد تزوّج‌ زوجة‌ إبنه‌ و لرجعوا عن‌ الدين‌. و كان‌ من‌ المحتمل‌ كثيراً أن‌ ينقلب‌ وضع‌ الإسلام‌ في‌ تلك‌ المراحل‌.

 فنزلت‌ الآية‌، و مضمونها نهي‌ النبي‌ عن‌ خشيّة‌ الناس‌، و أمره‌ بتنفيذ أمر الله‌، و أنّ الله‌ أحقّ بأن‌ يخشاه‌، و أنّ ما يخفيه‌ في‌ نفسه‌ من‌ أمر الله‌ له‌ (في‌ الزواج‌ من‌ زينب‌) و عدم‌ ذكره‌ للناس‌ سوف‌ يُظهره‌ الله‌: وَتُخْفي‌ فِي‌ نَفْسِكَ مَا اللَهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَ النَّاسَ وَاللَهُ أَحَقُّ أنْ تَخْشـ'هُ. [18]

 فقام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ بالزواج‌ من‌ زينب‌ بأمر من‌ الله‌ من‌ أجل‌ ازالة‌ هذه‌ البدعة‌ الجاهليّة‌.

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ صدر الآية‌  3 ، من‌ السورة‌  55: المائدة‌

[2] ـ ذيل‌ الآية‌  3 ، من‌ السورة‌  5: المائدة‌

[3] ـ جزء من‌ الآية‌  119 ، من‌ السورة‌  6: الانعام‌

[4] ـ صدر الآية‌  183 ، من‌ السورة‌  2: البقرة‌

[5] ـ جزء من‌ الآية‌  184 ، من‌ السورة‌  2: البقرة‌

[6] ـ كتاب‌ «المراجعات‌) القيم‌. تأليف‌ العلاّمة‌ السيّد عبدالحسين‌ شرف‌ الدين‌، المراجعه‌  94 ، نقلاً عن‌ المصادر المهمّة‌ عند أهل‌ السنّة‌. و كذلك‌ كتاب‌ «الفصول‌ المهمّة‌ في‌ تأليف‌ الامّة‌» طباعة‌ النجف‌، ص‌  108  فما بعد، نقلاً عن‌ كتبهم‌ المهمّة‌.

[7] ـ الآية‌  74 ، من‌ السورة‌  18: الكهف‌

[8] ـ نفس‌ المصدر، الباب‌  3 ، الحديث‌  1  و  2  و  3  و  4  و  5  و  6  

[9] ـ روي‌ الغزالي‌ في‌ «إحياء العلوم‌» ج‌  2 ، ص‌  176 ، ان‌ عمر رضي‌ الله‌ عنه‌ كان‌ يعس‌ بالمدينة‌ ذات‌ ليلة‌ فرأي‌ رجلا و امرأة‌ علي‌ فاحشة‌ فلما اصبح‌ قال‌ للناس‌ أرأيتم‌ لو ان‌ اماما رأي‌ رجلا و امرأة‌ علي‌ فاحشة‌ فاقام‌ عليها الحد ما كنتم‌ فاعلين‌ ؟ قالوا انما انت‌ امام‌  ] قال‌ الغرالي‌ هنا [  هذا بشير الي‌ ان‌ عمر رضي‌ الله‌ عنه‌ كان‌ متردداً في‌ ان‌ الوالي‌ هل‌ له‌ ان‌ يقضي‌ بعلمه‌ في‌ حدود الله‌ ؟ فلذك‌ راجعهم‌ في‌ معرض‌ التقدير لا في‌ معرض‌ الإخبار خيفة‌ من‌ أن‌ لايكون‌ له‌ ذلك‌ فيكون‌ قاذفا باخباره‌، و مال‌ رأي‌ عليّ إلي‌ اندليس‌ له‌ ذلك‌ و هذا من‌ اعظم‌ الادّلة‌ علي‌ طلب‌ الشرع‌ لستر الفواحش‌ فإنّ أفحشها الزنا و قد نيط‌ بأربعة‌ من‌ العدول‌ يشاهدون‌ ذلك‌ من‌ في‌ ذلك‌ منها كالمرود في‌ المحكة‌ و هذا قطّ لايتفق‌. إن‌ علمه‌ القاضي‌ تحقيقاً لم‌ يكن‌ له‌ ان‌ يكشف‌ عنه‌.

 فقال‌ عليّ عليه‌ السّلام‌: «ليس‌ لك‌ ذلك‌ ! إذاً مقام‌ عليك‌ الحدّ. إنّ الله‌ لم‌ يأمن‌ علي‌ هذا الامر أقلّ من‌ أربعة‌ شهود ثمّ تركهم‌ ماشاء أن‌ يتركهم‌».

 و قال‌ الغزالي‌ هنا: في‌ هذه‌ الواقفة‌ إشارة‌ إلي‌ أنّ عمر كان‌ متردّداً في‌ أنّه‌ هل‌ لولي‌ المسلمين‌ الحقّ في‌ العمل‌ بعلمه‌ في‌ حدود الله‌ أم‌ لا ؟ و لذا جعف‌ الامر بشكل‌ سؤال‌ و فرض‌ دقدير خوفاً من‌ ألا يكون‌ هذا الحقّ و يجعل‌ نفسه‌ بإخباره‌ أنّه‌ واجد حادثة‌ كهذه‌ مورداً لحدّ القذف‌ أيضاً.

 و حاصل‌ رأي‌ عليّ عليه‌ السّلام‌ أنّه‌ ليس‌ له‌ مثل‌ هذا الحقّ. و هذا أكبر دليل‌ علي‌ أنّ الشرع‌ المقدّس‌ يطلب‌ الستر و...... للاعمال‌ المنكرة‌ و القبيحة‌، و ذلك‌ لانّ أقبح‌ الفحشاء والمنكر عمل‌ الزنا، و هو منوط‌ بشهادة‌ أربعة‌ رجال‌ عدول‌ فقط‌ بأنّهم‌ شاهدوا... الرجولية‌ للرجل‌ في‌ الة‌ الانوتية‌ للمرأة‌ كمثل‌ الميل‌ في‌ المحكة‌، و هذا لم‌ يتّفق‌ علي‌ الإطلاق‌. و لو علم‌ القاضي‌ شخصاً أحياناً بهذا العمل‌ فلا حقّ له‌ في‌ ذكره‌. إنتهي‌ كلام‌ الغزالي‌.

[10] ـ صدر الآية‌  13 ، من‌ السورة‌  42: الشوري‌

[11] ـ ذيل‌ الآية‌  74 ، من‌ السورة‌  18: الكهف

[12] ـ جزء من‌ الآية‌  7 ، من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[13] ـ الآية‌  8 ، من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[14] ـ ذيل‌ الآية‌  4 ، و صدر الآية‌  5 ، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌

[15] ـ «السيرة‌ الحلبية‌» ج‌  3 ، ص‌  298

[16] ـ الآية‌  36 ، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌

[17] ـ صدر الآية‌  37 ، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌

[18] ـ جزء من‌ الآية‌  37 ، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com