بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایه الفقیه فی حکومه الاسلام/ المجلد الاول/ القسم الثالث: دلیل ولایة الامام، الائمة و تعلیم کیفیة الاجتهاد، الائمة م...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ الرابع‌:

 بقيّة‌ الآيات‌ والروايات‌ الدالّة‌ علي‌ ولاية‌ الإمام‌ المعصوم‌

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 إحدي‌ الآيات‌ القرءانيّة‌ المباركة‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علي‌ ولاية‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ هذه‌ الآية‌:

 وَ مَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةِ مِنَ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُّبِيناً. [1]

 وَ مَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ «مؤمن‌» و «مؤمنة‌» جاءا نكرة‌ في‌ النفي‌ لذا يفيدان‌ العموم‌. أي‌ أنّه‌ ليس‌ لرجل‌ مؤمن‌ أو إمرأة‌ مؤمنة‌ ـ سواء كان‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ أم‌ بعده‌ الي‌ يوم‌ القيامة‌، و كلّ من‌ يصدق‌ عليه‌ عنوان‌ المؤمن‌ و المؤمنة‌ بلافوق‌ بين‌ العرب‌ و العجم‌، و الايبغي‌ و الاسود: و مهما كان‌ ذلك‌ الخفي‌ ـ اذا ما حكم‌ الله‌ و رسوله‌ بأمر في‌ حقّه‌ أو اتّخذا قراراً بشأنه‌ خيار في‌ نفسه‌، فأمر الله‌ و رسوله‌ و قرارهما بشأنه‌ مقدّم‌.

 قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ: حكم‌ الله‌ هو حكم‌ الكتاب‌ و القرءان‌ الكريم‌، امّا حكم‌ رسول‌ الله‌ فهو الاحكام‌ الاعم‌ من‌ المسائل‌ و الموارد الجزئيّة‌ (التي‌ تفريعها بيده‌ النبيّ) أو الامور الولايتيه‌ (الامر و النهي‌). و قد ذكرنا سابقاً في‌ ذيل‌ ءاية‌: أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ أنّ إطاعة‌ الله‌ هي‌ بمعني‌ إطاعة‌ القرءان‌ و الاحكام‌ الواردة‌ فيه‌ بالخصوص‌.

 فبعد أن‌ يرد حكم‌ من‌ الله‌ في‌ القرءان‌ فانّ أحداً لا يمكنه‌ التخلّف‌ و سواء كان‌ هذا الحكم‌ عامّاً أم‌ وارداً في‌ مسألة‌ خاصّة‌.

 فقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ مثلاً حول‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ بخصوصها و هي‌ قوله‌ تعالي‌:

 يَـ'أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أَنْزِلَ إلَیكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَ إن‌ لَّم‌ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ[2].  و هذا حكم‌ شخصي‌.

 والامر كذلك‌ في‌ الاحكام‌ الكليّة‌، فعندما يحكم‌ الله‌ و رسول‌ بحكم‌ (من‌ أمر أو نهي‌ في‌ حقّ مؤمن‌ أو مؤمنة‌) فانّهم‌ ـ أي‌ المؤمن‌ و المؤمنة‌ ـ لايملكون‌ ءانذاك‌ حقّ الاختيار. أي‌ انّهم‌ يجب‌ أن‌ يجعلوا إرادتهم‌ اختيارهم‌ تحت‌ اختيار و ارادة‌ الله‌ و رسوله‌، و يجب‌ أن‌ تحكم‌ عليهم‌ مشيّ            ة‌ الله‌ و رسوله‌ و ارادتهما و أن‌ يكونوا تحت‌ سيطرة‌ اختيار الله‌ و رسوله‌، و أن‌ يروا اختيار الله‌ و رسوله‌ مقدّماً علي‌ اختيارهم‌. و هذا أمر واجب‌ و لازم‌ و حياتي‌ يعدّ التمرّد عليه‌ معصيةً كبيرة‌ و ضلالاً مُّبيناً.

 وَ مَن‌ يَعْصِ اللَهَ وَ رَسُولَهُ أي‌ كلّ من‌ يعص‌ ما حكم‌ الله‌ علي‌ في‌ القرءان‌ الكريم‌ أو ما أمره‌ به‌ رسوله‌ أو نهاه‌ عنه‌ في‌ الموارد الجزئية‌ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُّبِيناً و ذلك‌ لانّ ما يختاره‌ الانسان‌ لنفسه‌ ما يرتضيه‌ لنفسه‌. و كلّ انسان‌ انّما يرتضي‌ لنفسه‌ ضمن‌ حدود فكره‌ و درايته‌ لاأكثر.

 الرجوع الي الفهرس

آية‌: النَّبِيُّ أوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ و´ أُمَّهَـ'تُهُمْ

 الله‌ و رسوله‌ هما اللذان‌ يتملكان‌ الإحاطة‌ العلميّة‌ و الإحاطة‌ الحضوريّة‌ لجميع‌ الموجودات‌، من‌ الإناسن‌ و غيره‌، و ينظر أن‌ الي‌ الإنسان‌ من‌ موقع‌ أعلي‌ و أسمي‌ من‌ أفق‌ إدراكاته‌، و يرد ان‌ بواطن‌ الإنسان‌ ببصيره‌ أعجب‌ و دراية‌ أعمق‌، و يُشخّصان‌ طريق‌ الفساد و الصلاح‌ و يدركان‌ و يعلمان‌ مُنتخبات‌ كلّ شخص‌ و مُهلكاته‌، و هما اللذان‌ الإنسان‌ من‌ ذلك‌ الاُفق‌. ومن‌ المؤكّد انّ أمرهما يوصل‌ الإنسان‌ الي‌ السعادة‌ و النجاة‌ المطلقة‌، و هذا أرقي‌ بكثير من‌ تلك‌ المصلحة‌ التي‌ يشخّصها الإنسان‌ و يسعي‌ خلقها بحسب‌ الطفولي‌ و علي‌ أساس‌ أرائه‌ و أهوائه‌ الشخصيّة‌.

 و هذا بالضبط‌ كمثل‌ ولاية‌ الاب‌ علي‌ إبنه‌ الصغير. فالولد يجب‌ أن‌ يكون‌ خاضعاً لامر أبويه‌. فهو بحسب‌ نظره‌ يري‌ في‌ الامر الفلاني‌ صلاحاً له‌ لكنّ وليّه‌ لايرتضيه‌ له‌، لذا يأمره‌ أن‌ يقوم‌ بشي‌ء أخر، فإن‌ خالفه‌ الولد سقط‌ في‌ المتاهات‌ و اُبتلي‌ بالمرض‌ و تردّي‌ في‌ مهاوي‌ المهلكة‌، ذلك‌ لانّ علمه‌ تليل‌ و درايته‌ ناقصة‌ و لانّ تجارب‌ أبيه‌ أكثر منه‌ بكثير و إدراكاته‌ أرقي‌ منه‌، و لذا فهو خاضع‌ ولايته‌.

 و لهذا الموال‌ فانّ رسول‌ الله‌ حين‌ يأمر ببعض‌ الاوامر، فلانه‌ يمتلك‌ جنبة‌ إحاطة‌ و لانّ علم‌ علم‌ حضوري‌ و لنظره‌ في‌ أفق‌ أعلي‌ من‌ أفق‌ عامّة‌ الناس‌، فهو يمتلك‌ العصمة‌ و هو مصون‌ في‌ إدراكاته‌، لذا يجب‌ علي‌ كلّ مؤمن‌ و مؤمنة‌ أن‌ يخضعوا لاوامره‌ و إلاّ هلكوا و قضي‌ عليهم‌ و سقطوا في‌ متاهات‌ عميقه‌ في‌ الضلال‌.

 و كذلك‌ فانّ «أَمْراً» في‌ قوله‌ تعالي‌: إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً نكرة‌. أيضاً حيث‌ يستفاد منه‌ العموم‌ بمقدّمات‌ الحكمة‌ أيضاً. فالامر مهما كان‌ خاصّاً أم‌ عامّاً تشريعياً أم‌ ولايتنا، في‌ الامور الشخصيّة‌ أم‌ النوعيّة‌، عند ما يرد من‌ الله‌ و رسوله‌ فانّ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يطيع‌ دونما تردّد أو سؤال‌.

 و لقد جعل‌ الله‌ العليّ الاعلي‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ إطاعة‌ الرسول‌ مع‌ إطاعته‌ تعالي‌ في‌ ميزان‌ واحد و سياق‌ واحد. فقد ورد حكم‌ الله‌ و حكم‌ رسول‌ الله‌ في‌ سياق‌ واحد: إِذَا قِضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ.

 و هذا يدلّ علي‌ أنّ الاحكام‌ الصادرة‌ من‌ رسول‌ الله‌ و الاقضيّة‌ التي‌ يقوم‌ بها عالية‌ جدّاً، تلي‌ في‌ المرتبة‌ قضاء الله‌، بل‌ هي‌ عين‌ قضاء الله‌. و قد خلنا أنّ الفرق‌ هو في‌ أنّ قضاء الله‌ هو ءايات‌ القرآن‌ و الاحكام‌ العامّة‌. بينما قضاء رسول‌ الله‌ الاحكام‌ الجزئية‌ و الاوامر الولايتية‌، و إلاّ فليس‌ ثمّة‌ تفاوت‌ بينمها.

 فعند ما يأمر الله‌ و رسوله‌ فانّ الاختيار يسقط‌ من‌ جميع‌ الامّة‌ من‌ المؤمنين‌ و المؤمنات‌ فلا يكون‌ لهم‌ «خِيَرَة‌» في‌ مقابل‌ الله‌ و رسوله‌، و لا إرادة‌ لهم‌ مقابل‌ إرادة‌ الله‌ و رسوله‌. و حكم‌ رسول‌ الله‌ هو حكم‌ الله‌ في‌ متانته‌ و إحكامه‌ واستقامته‌.

 من‌ الآيات‌ القرءانيّة‌ المباركة‌ الاخري‌ التي‌ يمكن‌ استفادة‌ ولاية‌ المعصوم‌ منها هذه‌ الآية‌: النَّبِيُّ أوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَـ'تُهُمْ وَ أُولُوا الاَرْحَامر بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ مِنَ الْمُؤمِنِينَ و الْمُهَـ'جِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إلَی‌' أَوْلِيَائِكُم‌ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي‌ الْكِتَـ'بِ مَسْطُوراً.[3]

 المقصود من‌ «النبيّ» هو نبيّ الإسلام‌، حيث‌ أنّ له‌ تلك‌ الاّولوية‌ بالنسبة‌ للمؤمنين‌.

 الرجوع الي الفهرس

آية‌: أُوْلُوا الاَْرْحَامِ، نسخت‌ آية‌ التوارث‌ بالاُخوة‌

 و ولاية‌ النبيّ علي‌ المؤمنين‌ ءاكثر من‌ ولايتهم‌ علي‌ أنفسهم‌ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَـ'تُهُمْ و عليه‌ فالنبيّ الاكرم‌ يكون‌ أباً للمؤمنين‌. و لذا قال‌ أَنَا وَ عَلِيّ أَبَوَا هَذِهِ الاُمَّةَ [4]  و ذلك‌ لانّ جهة‌ رسول‌ الله‌ الولايتيّة‌ جهة‌ فعل‌؛ و أَبَوَا هَذِهِ الاُمَّةِ ليس‌ بمعني‌ أب‌ و أم‌ هذه‌ الامّة‌ و أنّما بمعني‌ أنّ كلاهما أب‌ للامّة‌، فرسول‌ الله‌ أب‌، و كذلك‌ أميرالمؤمنين‌.

 وَ أُولُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌ بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ.

 أي‌ أنّ بعضهم‌ أولي‌ ببعض‌ من‌ المؤمنين‌ و المهاجرين‌ الذين‌ يرثون‌ بعضهم‌.

 ذلك‌ أن‌ الناس‌ في‌ صدر الإسلام‌ لم‌ يكونوا يرثون‌ بعضهم‌ علي‌ أساس‌ علامّة‌ الرقم‌ و أنّما كانت‌ الوراثة‌ علي‌ أساس‌ الاُخوة‌ الدينيّة‌. فكان‌ المؤمن‌ يرث‌ المؤمن‌، و كان‌ الاخوان‌ في‌ الدين‌ يرثون‌ بعضهم‌ بينما لايرثهم‌ أقرباءهم‌.

 و قد عقد النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ بين‌ أصحابه‌ عقدي‌ أخوّةً: الاوّل‌ في‌ مكّة‌ بين‌ المهاجرين‌، و الآخر في‌ المدينة‌ بين‌ المهاجرين‌ و الانصار، فكانوا أخوّة‌ لبعضهم‌ علي‌ أساس‌ عقد الاخوَّة‌. و حتي‌ في‌ الإرث‌ أيضاً كان‌ كلّ منهم‌ يرث‌ الآخر عند موته‌ مثل‌ الاخوين‌.

 و في‌ الواقع‌ فأنّ الامر يجب‌ أن‌ يكون‌ بهذا النحو، و ذلك‌ لانّ المؤمنين‌ كانوا في‌ صدر الإسلام‌ قلّة‌ و كان‌ أقرباؤهم‌ في‌ غالبيتهم‌ كفره‌، و إذا لم‌ يرث‌ المؤمنون‌ بعضهم‌ ورثهم‌ الاقرباء الكافرون‌، فانّ النتيجة‌ ستكون‌ ءانذاك‌ مضرة‌ للمؤمنين‌، فقد كانوا يعيشون‌ في‌ غاية‌ الشدّة‌ و العسر، و لم‌ يكن‌ صحيحاً بوجه‌ من‌ الوجوه‌ أن‌ يرثهم‌ الكفّار.

 و علاوة‌ علي‌ ذلك‌ فأنّ الإيمان‌ هو الذي‌ يبثّ الحياة‌ في‌ الإنسان‌ و يمنحه‌ الروح‌، و علي‌ الإنسان‌ القيام‌ يبدل‌ المساعي‌ المشتركه‌ في‌ جميع‌ الامور علي‌ أساس‌ الإيمان‌. و حتي‌ في‌ الإرث‌، فالإرث‌ خاصّ بالمسلم‌ و الكافر لا يستطيع‌ أن‌ يرث‌ المسلم‌.

 أمّا بعد أن‌ نزلت‌ الآية‌ المباركة‌: وَ أُولُوا الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي‌' بِبَعْضٍ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ. فقد نسخ‌ ذلك‌ الحكم‌ الاولي‌ وزال‌ حكم‌ الاخوة‌ من‌ هذه‌ الجهة‌. و تقرّر أن‌ يرث‌ الناس‌ بعضهم‌ علي‌ أساس‌ علاقة‌ السرهم‌ (فم‌ب‌ يرث‌ الإبن‌ و الإبن‌ يرث‌ الاب‌، و هكذا سائر الارحام‌ من‌ الطبقات‌ الثلاثة‌ للورثة‌) و أن‌ تكون‌ الاولية‌ في‌ الإرث‌ أيضاً بحسب‌ قرب‌ درجة‌ الرحميّة‌ و بُعدها. فبُني‌ التوارث‌ منذ ذلك‌ الحسين‌ علي‌ أساس‌ الرحمية‌ طبقاً لهذه‌ الآية‌ الشريفة‌.

 ثم‌ يقول‌ تعالي‌: إِلاَّ أَن‌ تَفْعَلُوا إلَی‌ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً أي‌ إلاّ إذا أردتم‌ أن‌ توصوا من‌ ثلث‌ ما لكم‌ إلي‌ بعض‌ أوليائكم‌ ـ سواء كانوا الاُخوة‌ في‌ الدين‌ أو بعض‌ الاصدقاء الآخرين‌ الذين‌ لارحم‌ بينكم‌ و بينهم‌ ـ فهذا أمر لا إشكال‌ فيه‌، و لكم‌ أن‌ توصوا لهم‌، فيصل‌ من‌ أموالكم‌ الي‌ أولئك‌ المؤمنين‌ الذين‌ ليسوا من‌ الارحام‌ أو ممّن‌ ليس‌ لهم‌ أولوية‌ في‌ الإرث‌. و هذا أيضاً عمل‌ حسن‌.

 كَانَ ذَلِكَ فِي‌ الْكِتَـ'بِ مَسْطُوراً. أي‌ أنّه‌ قانون‌ موضوع‌، فالإنسان‌ يستطيع‌ أن‌ يوصي‌ بثلث‌ أمواله‌ ـ حيث‌ لاتضييع‌ لحقّ الورثة‌ الرحميّين‌ ـ فليهبها لاخوانه‌ في‌ الدين‌. و هذه‌ الوصيّة‌ مقدّمة‌ علي‌ الإرث‌ أيضاً.

 و بناء علي‌ هذا فانّ ذلك‌ الباب‌ من‌ المعروف‌ لم‌ يُغلق‌ بشكل‌ كامل‌، بل‌ أفسح‌ للمؤمنين‌ المجال‌ ليتمكنوا من‌ إعطاء الثلث‌ من‌ أموالهم‌ علي‌ أساس‌ من‌ الاخوّة‌ لإخوانهم‌ في‌ الدين‌.

 و سيبقي‌ هذا الحكم‌ (الإرث‌ من‌ ناحية‌ الرحمية‌) الي‌ زمان‌ ظهور صاحب‌ العصر و الزمان‌ عجّل‌ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشريف‌. فيسر جمع‌ عند ذلك‌ حكم‌ الإرث‌ حَسب‌ رواية‌ يرويها الشيخ‌ الصدوق‌ ـ علي‌ أساس‌ الاخوّة‌ الدينية‌ أيضاً لاعلي‌ أساس‌ العلاقة‌ الرحمية‌.

 روي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ ءاخر كتاب‌ الإرث‌ من‌ كتاب‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السّلام‌ أنّه‌ قال‌: إِنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي‌' أَاخي‌' بَيْنَ الاْرْوَاحِ فِي‌ الاَظِلَّةِ قَبْلَ أَن‌ يَخْلُقَ الاَجْسَادَ بِألْفَي‌ عَامٍ، فَلَوْ قَدْ قَامَ قَآئِمنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَّثَ الاَخ‌ الَّذِي‌ ءَاخي‌ بَيْنَهُمَا فِي‌ الاَظِلَّةِ وَ لَمْ يُورّثِ الاَخ‌ فِي‌ الولاَدَهِ [5] و معني‌ في‌ الاظلّ´ أي‌ في‌ الاصل‌ و الظلال‌ حيث‌ لم‌ يكن‌ قد وجد عالم‌ الخلق‌ بعد، فقد ءاخي‌ بين‌ الارواح‌ التي‌ كانت‌ قربه‌ ستة‌ جدّاً من‌ بعضها هناك‌.

 الرجوع الي الفهرس

 يمكن‌ استخراج‌ كتاب‌ من‌ أحكام‌ الولاية‌ من‌ آية‌: النَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ و...

و لم‌ تكن‌ هذه‌ المطالب‌ شاهدنا في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌، و أنّما ذكرت‌ بمناسبة‌ تفسير الآية‌، كان‌ و شاهدنا منحصراً في‌ صدر الآية‌ فقط‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: اَلنَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ.

 فالإنسان‌ هو صاحب‌ الاختيار في‌ نفسه‌ 7 و هو أقرب‌ الي‌ نفسه‌ من‌ أي‌ شخص‌ آخر، و يملك‌ اختيار نفسه‌ ءاكثر و ليس‌ هناك‌ من‌ أحد له‌ السلطة‌ علي‌ الإنسان‌ و التصرّف‌ فيه‌ أكثر من‌ نفسه‌، فحركة‌ الانسان‌ و سكونه‌ كلاهما له‌ فحسب‌، و خلاصة‌ الامر فانّ الاختيار جزء من‌ فطرة‌ الإنسان‌.

 بقول‌ تعالي‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ انّ ولاية‌ النبيّ علي‌ المؤمنين‌ أشدّ من‌ ولايتهم‌ و اختيارهم‌ في‌ أنفسهم‌، و من‌ تدبيرهم‌ و تصرّفهم‌ الذي‌ يقومون‌ به‌ في‌ اُمورهم‌، و من‌ إرداتهم‌ و شيئتهم‌ التي‌ يمتلكونها في‌ جميع‌ أفعالهم‌ و سكناتهم‌، أي‌ أنّ النبيّ في‌ المرتبة‌ لاولي‌ و من‌ بعده‌ الإنسان‌، النبيّ أوّلاً و من‌ بعده‌ اختيار الإنسان‌، النبيّ أوّلاً و من‌ بعد مشيئة‌ الإنسان‌ و إرادته‌. و هذ الولاية‌ علي‌ نحو مطلق‌.

 النَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حسب‌ الامر. فهذا النبيُّ ولايته‌ علي‌ المؤمنين‌ جميعاً أكثر من‌ ولايتهم‌ أنفسهم‌ في‌ كلّ أمر من‌ الامور علي‌ نحو الإطلاق‌، مثل‌ أَحَل‌َّ اللَهُ الْبَيْعَ.

 فكيف‌ نستنتج‌ هذه‌ الفروع‌ الكثيرة‌ من‌ جملة‌ أَحَّلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [6] و يؤلَّف‌ منها كتاب‌ من‌ عبارة‌ واحدة‌ فقط‌ و هي‌ أَحَلَّ اللَهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَـ'وا !!

 يقولون‌: انّ الامر يشكل‌ علي‌ الفقيه‌ في‌ باب‌ العبادات‌ و باب‌ الصلاة‌ من‌ كثرة‌ الروايات‌ و تضاربها، بينما الإشكال‌ في‌ قسم‌ المعاملات‌ قلّة‌ هذه‌ الروايات‌ ! و أن‌ كتاب‌ «المكاسب‌» الذيك‌ ألَّفه‌ المرحوم‌ الشيخ‌ الانصاري‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ أنّما هو قائم‌ علي‌ إطلاق‌: أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ و أَمثالها، مثل‌ ءاية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [7] و آية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا لاَّ تَأكُلُوا أَمْوَالِكُ بَيْنَكُمْ بِالبَـ'طِلِ إِلاَّ أَن‌ تَكُونَ تِجَـ'رَةً عَن‌ تَراضٍ مِّنكُم‌. [8] و العمدة‌ هي‌ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ هذه‌. و رواية‌ أو روايتين‌ مثل‌ «النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَی‌ أَمْوَالِهِم‌  و در الْمُؤمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِم‌ و ما شابه‌ ذلك‌. فكما أستفيد من‌ اطلاق‌ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيع‌ ففرِّعن‌ عنها الفروع‌، فان‌ الامر في‌ النَّبِيُّ أَوْلَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ بهذا النحو أيضاً فهذه‌ العبارة‌ لها إطلاق‌ بحيث‌ يمكنكم‌ تفريع‌ الفروع‌ و استنتاج‌ النتائج‌ من‌ إطلاقاها و بقدر ما تشاؤون‌، و هي‌ من‌ الآيات‌ الواضح‌ جدّاً دلالتها علي‌ ولاية‌ النبي‌ّ.

 إذاً فعندما يم‌مر النبيّ بشي‌ء أو ينهي‌ عنه‌، فانّ جميع‌ المؤمنين‌ ـ يجب‌ آمن‌ يخضعوا لامره‌، لانّ ولايته‌ بالنسبة‌ للإنسان‌ أشدّ من‌ ولاية‌ الإنسان‌ علي‌ نفسه‌.

 قائم‌ علي‌ إطلاق‌ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ و أمثالها، مثل‌ آية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوفُوابِالْعُقُودِ  و آية‌ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاتَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بَالْبَـ'طِلِ إِلاَّ أَن‌ تَكُونَ تِجَـ'رَةً عَنْ تَراضٍ مِّنْكُم‌.  و العمدة‌ هي‌ أَحَلَّ اللَهُ الْبَيْعَ هذه‌ و رواية‌ أورد ايتين‌ مثل‌ النَّاسُ مُسَلَّطونَ عَلَی‌ أَمْوَالِهِم‌ و ألْمُؤمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ و ماشابه‌ ذلك‌. فكما أستفيد من‌ اطلاق‌ أحَلَّ اللَّهَ الْبَيْع‌ فرَّعن‌ عنها الفروع‌، فان‌ الامر في‌ النَّبِيُّ أَولَي‌' بِالْمُؤمِنِينَ بهذا النحو أيضاً. فهذه‌ العبارة‌ لها إطلاق‌ بحيث‌ يمكنكم‌ تفريع‌ الفروع‌ و استنتاج‌ النتائج‌ من‌ إطلاقها بقدر ماتشاؤون‌، و هي‌ من‌ الآيات‌ الواضح‌ جدّاً دلالتها علي‌ ولاية‌ النبيّ !

 إذاً فعندنا يأمر النبيّ بشي‌ أو ينهي‌ عنه‌، فانّ جميع‌ المؤمنين‌ يجب‌ أن‌ يخضعوا لامره‌، لانّ ولايته‌ بالنسبة‌ للإنسان‌ أشدّ من‌ ولاية‌ الإنسان‌ علي‌ نفسه‌.

 و من‌ الآيات‌ القرءانية‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علي‌ ولاية‌ المعصومين‌ هذه‌ الآية‌ إِنَّ أَوْلَي‌' النَّاسِ بِإبْرَ'هيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَـ'ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو´ا وَاللَهُ وَلِيُّ الْمُؤمِنِينَ. [9]

 إذ انّه‌ بملاحظة‌ الآية‌ التي‌ ذُكرت‌ سابقاً (حيث‌ جعل‌ الله‌ تعالي‌ إبر'هيم‌ إماماً: قَالَ إِنِّي‌ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً. [10]

 و هذه‌ الآية‌ التي‌ جعلت‌ أقرب‌ الناس‌ لإبراهيم‌ و أولاهم‌ به‌ الذين‌ اتّبعوه‌ و اتّبعوا هذه‌ النبيّ (الرسول‌ الاكرم‌) بالنسبة‌ لإبراهيم‌ اكثر من‌ الجميع‌ فانّه‌ يمكن‌ استفادة‌ الولاية‌ لهؤلإ الاشخاص‌.

 و ذلك‌ لانّ أوْلَي‌ النَّاسِ بِإبراهيمَ أي‌ اولئكَ الذين‌ يجوزون‌ مقام‌ الولاية‌ القادرين‌ علي‌ الامر و النهي‌ بحسب‌ درجة‌ قربهم‌ من‌ إبراهيم‌. أمّا بالنسبة‌ لقوله‌ تعالي‌ هذا النبيّ فالامر واضع‌. و جليّ. و كذلك‌ قوله‌: الَّذِينَ ءَامَنُو´ا، أي‌ انّهم‌ بجسب‌ درجات‌ الإيمان‌ كلّما اقتربوا من‌ النبيّ و إبراهيم‌ أكثر كلمّا ازدادت‌ ولايتهم‌ أكثر.

 كانت‌ هذه‌ مجموعة‌ من‌ الآيات‌ التي‌ استخرجناها من‌ القرءان‌ الكريم‌ لإثبات‌ ولاية‌ الإمام‌ لاولاية‌ الفقيه‌ إذ أنّ ذلك‌ له‌ بحث‌ مستقلّ.

 و أمّا الروايات‌ التي‌ تدلّ علي‌ انحصار الحكم‌ في‌ المعصومين‌ ـ سواء كان‌ المعصوم‌ رسول‌ الله‌ أو الائمّة‌ ـ عليهم‌ السّلام‌ ـ فهي‌ كثيرة‌ جدّاً.

 منها: الرواية‌ التي‌ رواها المشايخ‌ الثلاثة‌ (الككنين‌ و الطوسي‌ و الصدوق‌) حول‌ النهي‌ عن‌ القضاء و الحكومة‌، و خطر الحكومة‌ و عظم‌ أمرها، و أنّها مقام‌ رفيع‌ يختصّ بالنبيّ او الوصيّ.

 روي‌ الكليني‌ و الصدوق‌ ـ حول‌ كلام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لشريح‌ ـ أنّه‌ قال‌ له‌ بأن‌ عمله‌ هذا عظيم‌ الخطر و أنّ عليه‌ ان‌ نتبه‌ الي‌ مجلسه‌ الذي‌ جلسه‌ و الي‌ خطره‌ و عظمته‌ و درجة‌ الاهميّة‌ التي‌ يحوزها !

 و ينقل‌ المشايخ‌ الثلاثة‌ هذه‌ الرواية‌ جميعاً في‌ كتاب‌ القضاء الاّ انّ الكليني‌ يروي‌ بسنده‌ عن‌ محمّد بن‌ يحيح‌، عن‌ محمّد بن‌ أحمد، عن‌ يعقوب‌ بن‌ يزيد، عن‌ يحيي‌ بن‌ مبارك‌، عن‌ عبدالله‌ بن‌ حَبَلَة‌، عن‌ أبي‌ جميلة‌، عن‌ إسحاق‌ بن‌ عمّار، عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌: قال‌ أميرالمؤمنين‌ عليها لسلام‌ لشريح‌: يَا شُريحُ قَد جَلَسْتَ مَجْلِسَاً لايَجْلِسُهُ إِلاَّ نَبِيُّ أوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيُّ[11]،  أي‌ أنّ من‌ يجلس‌ في‌ هذا المجلس‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ نبيّاً أو وصي‌ نبيّ و إلاّ فهو شقيّ و عليه‌ فانّ غير الشقيّ لايجلس‌ في‌ هذا المسند لانّه‌ سيكون‌ قد غصب‌ مقام‌ النبوة‌ أو الوصاية‌. و خلاصة‌ الامر انّ هذا المجلس‌ مختصّ بالنبيّ أو وصيّ النبيّ.

 الرجوع الي الفهرس

قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لاَيَجلِسُهُ إِلاَّنبي‌ٌّ أَوْ وَصِي‌ُّ نَبِي‌ٍّ أَوْ شَقِي‌ٌّ

 و ينقل‌ الشيخ‌ الطوسي‌ كتاب‌ القضاء من‌ في‌ «التهذيب‌» [12]  عين‌ هذه‌ الرواية‌ التي‌ ذكرناها عن‌ الكليني‌. لكنّ الصدوق‌ في‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» ينقل‌ بشكل‌ مرسل‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌: يا شُرَيْحُ ! قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً مَا جَلَسَة‌ إِلاَّ نبيُّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيُّ. [13]

 في‌ الرواية‌ الاُولي‌ و هي‌ رواية‌ الشيخ‌ الطوسي‌ و الكليني‌ لفظ‌ لايجلسه‌ بينما ورد في‌ رواية‌ الصدوق‌ باجلسه‌ و يتخلف‌ المعني‌ شيئاً ما باختلاف‌ هاتين‌ الصيغتين‌ و الرواية‌ الاُولي‌ أهم‌.

 يقول‌ عليه‌ السّلام‌: قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لاَ يَجْلُسُهُ أي‌ هذا المجلس‌ ليس‌ من‌ شأنه‌ أن‌ يجلسه‌ سوي‌ النبيّ أو وصيّ النبيّ أو الشقيّ.

 و يستفاد من‌ هذه‌ الرواية‌ صعوبة‌ القضاء و أنّ القضاء صعب‌ و مهم‌ الي‌ درجة‌ انحصاره‌ بالمعصوم‌، سواء كان‌ نبيّاً أو وصيّ نبيّ، و الاّ كان‌ المتوليّ له‌ شيقيّاً.

 أمّا الرواية‌ الثانية‌ التي‌ تقول‌: مَا جَلَسَهُ إلاَّ نبيُّ فيفهم‌ أنّه‌ لم‌ يجلس‌ لحد الآن‌ في‌ هذا المجلس‌ إلاّ نبيّ أو وصيّ أو شقيّ.

 فلينحث‌ الآن‌ في‌ هذا المطلب‌ و لنري‌ أنّه‌ إذا كان‌ القضاء و الحكم‌ منحصراً بالنبيّ أو وصيّ النبيّ فما هو وضع‌ الحكومات‌ ] و الاقضية‌ [ التي‌ تتم‌ في‌ زماننا و التي‌ يقوم‌ بها المجتهدون‌، و الخصومات‌ التي‌ يقومون‌ بفصلها، أو الاحكام‌ الولايتية‌ التي‌ يصدرونها في‌ عصر الغيبة‌ الكبري‌ أو حتي‌ في‌ نفسي‌ زمان‌ المعصومين‌ عليهم‌ السّلام‌ ؟ و ما هو معني‌ الانحصار.

 فهل‌ يعني‌ ذلك‌.نّ علينا إغلاق‌ باب‌ الاجتهاد بشكل‌ تام‌ و القول‌ بأن‌ أحداً لايملك‌ الحقّ في‌ الحكم‌ إلاّ أن‌ يكون‌ نبيّاً أو وصيّ نبيّ. و هذا يلزم‌ منه‌ تعطيل‌ حكم‌ الله‌ بشكل‌ كامل‌.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ النبي‌ الاكرم‌ والمعصومون‌ عليهم‌ السلام‌ يرسلون‌ أشخاصاً كولاة‌ إلي‌ المدن‌

 فإمام‌ العصر و الزمان‌ عليه‌ السّلام‌ غائب‌، و الناس‌ لايمكنهم‌ الوصول‌ إليه‌، فإذا تقرّر ألاّ يرجع‌ الناس‌ في‌ مرافعاتهم‌ و منازعاتهم‌ الي‌ المجتهدين‌ أيضاً، لزم‌ تعطيل‌ الاحكام‌ بشكل‌ كامل‌. مع‌ أنّ من‌ المسلَّم‌ أنّ الامر ليس‌ كذلك‌، و ذلك‌ لانّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كان‌ في‌ زمان‌ يرسل‌ بنفسه‌ اشخاصاً للحكم‌ و القضاء إلي‌ الاطراف‌ البعيددة‌ كاليمن‌ و الطائف‌ كما قام‌ في‌ مكّة‌ بعد الفتح‌ باستخلاف‌ شخص‌ مكانه‌ يلي‌ أمور الناس‌، و يقضي‌ بينهم‌، و يحلّ خصوماتهم‌، مع‌ أنّ هؤلإ و الاشخاص‌ (المبعوثين‌ أو المستخلفين‌) لم‌ يكونوا أنبياء و لا أوصياء أنبياء !

 و في‌ زمان‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ كان‌ الامر بهذا النحو أيضاً. فقد كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يرسل‌ أشخاصاً للحكم‌ في‌ المناطق‌ المختلفة‌ و لم‌ يكن‌ اولئكم‌ أنبياء و لا أوصياء أنبياء، و كثيراً ما كانت‌ تصدر منهم‌ الاخطاء أيضاً. نعم‌ لم‌ تكن‌ أخطاؤهم‌ عن‌ عمد، إذ أنّ المجتهد يبذل‌ غاية‌ الجهد للتوصّل‌ الي‌ الاحكام‌، و إذا اتّفق‌ ارتكابه‌ الخطأ فلا تثريب‌ عليه‌، و ذلك‌ ممكن‌، إ أنّ المجتهد ليس‌ مصيباً ] علي‌ الدوام‌ [

 و أفضل‌ دليل‌ علي‌ هذا المطلب‌ اختلاف‌ ءآراء المجتهدين‌، إذ أنّ اختلاف‌ الآراء دليل‌ علي‌ أنّهم‌ ليسوا جميعاً مصيبين‌، و إلاّ لما حصل‌ في‌ ءارائهم‌ اختلاف‌.

 و لق‌ كان‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السّلام‌ يربّي‌ الطلاّب‌ و يرسلهم‌ الي‌ الاطراف‌، أو ان‌ البعض‌ كان‌ يأتيه‌ فيتعلّمون‌ منه‌ ثمّ يعودون‌ الي‌ أوطانهم‌ ليقموا بالتدريس‌ و التعليم‌ و الحكم‌ و القضاء بين‌ الناس‌. فكان‌ الشيعة‌ يرجعون‌ اليهم‌، كما كان‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يأمرهم‌ بذلك‌.

 و لقد كان‌ يونس‌ بن‌ عبدالرحمن‌ ـ هو من‌ كبار أصحاب‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ـ يجلس‌ في‌ مسجد الكوفة‌، فيأتي‌ اليه‌ الناس‌ و يسألونه‌ عن‌ مسائلهم‌، فيفتينهم‌ و يفصل‌ الخصوصيات‌ بينهم‌. و قد سُئل‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌. يُونُسُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ وَ اُخُذ عَنْهُ مَعَلِمَ دِينِي‌: قَالَ: نَعَمْ و ذَلك‌ في‌ الوقت‌ الذي‌ كان‌ فيه‌ الإمام‌ في‌ المدينة‌ و يونس‌ في‌ الكوفة‌.

 و بالاضافة‌ الي‌ ذلك‌ فإنّ الوصول‌ الي‌ المعصوم‌ في‌ زمانه‌ لم‌ يكن‌ ميسوراً لكلّ أحد، و الزمن‌ الآن‌ زمن‌ غيبة‌ و إمام‌ العصر غائب‌، و علي‌ فرض‌ حضوره‌ فإنّ وصول‌ جميع‌ الناس‌ إليه‌ لن‌ يكون‌ مقدوراً. أفلم‌ يكن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السّلام‌ حاضراً ؟!

 أَوّلاً انّه‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ في‌ المدينة‌ بينما كان‌ أهالي‌ البلاد الاخري‌ كالكوفة‌ و الشام‌ و مكّة‌ و غيرها منتطعين‌ عن‌ المدينة‌، فلم‌ يكونوا يصلون‌ إليه‌ ليراجعوه‌ في‌ أبسط‌ المسائل‌.

 و حتي‌ في‌ نفس‌ المدينة‌ فان‌ الجميع‌ لم‌ يكونوا ليصلوا الي‌ الإمام‌ بنحو يراجعه‌ فيه‌ لكّ رجل‌ و كلّ إمرأة‌ في‌ أبسط‌ المسائل‌، فهذا النحو من‌ الاستيعاب‌ لم‌ يكن‌ ممكناً.

 إضافة‌ الي‌ أنّ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ كانوا غالباً في‌ حالة‌ تقيّة‌ و خوف‌، و كانوا مراقبين‌ من‌ قبل‌ السلفات‌ فلم‌ يكن‌ بمقدور أحد الإلتقاء بهم‌. و لهذه‌ الجهات‌ فقد كانوا عليهم‌ السلام‌ أنفسهم‌ ينهون‌ ] الناس‌ [ عن‌ المجي‌ء إليهم‌ و مراجعتهم‌، و يطلبون‌ منهم‌ الرجوع‌ الي‌ رواة‌ أحاديثهم‌ و الذين‌ ينظرون‌ في‌ حلالهم‌ و حرامهم‌ و جعلهم‌ حكّاماً بينهم‌، يبيّنون‌ و أنّ حكمهم‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌.

 لقد كان‌ باب‌ الاجتهاد مفتوحاً في‌ زمن‌ الائمّة‌ أنفسهم‌ لا أن‌ يكون‌ الاجتهاد منحصراً بزمان‌ الغيبة‌.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ يعلّمون‌ طلاّبهم‌ كيفيّة‌ الاجتهاد

 فقد كان‌ تلامذة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مجتهدين‌، و كان‌ الإمام‌ يعلّمهم‌ كيفيّة‌ إصدار الفتوي‌، و كانوا يفتون‌ بحسب‌ نظرهم‌.

 فمثلاً قضيّة‌ المرارة‌ الواردة‌ في‌ كتب‌ الفقه‌ من‌ أنّ شخصاً زلّت‌ قدمه‌ فكر عظم‌ قدمه‌ (محلّ المسح‌) فوضع‌ عليها مرارة‌ (مرارة‌ فوف‌ أو عجل‌ و ماشابه‌).

 ثم‌ جاء الي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ و سأله‌ عن‌ كيفيّة‌ مسحه‌ في‌ الوضوء: فقال‌ الإمام‌ عليه‌ السّلام‌: يُعْرَفُ هَذَا وَ أَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: مَا جَعَلَ عَلَیكُمْ فِي‌ الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ إمْسَحْ عَلَی‌ الْمَرَاَةِ. فلا لزوم‌ لرفع‌ المرارة‌ لا إشكال‌ و المسح‌ علي‌ الرجل‌.

 و بهذا النحو علّمه‌ الإمام‌ حكم‌ الجبيرة‌. و هذا هو معني‌' الجبيرة‌، و قد كان‌ الإمام‌ في‌ مقام‌ تعليم‌ هذا الامر: إنّ القرءان‌ قد أوجب‌ عليك‌ الوضوء ابتداءً فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إلَی‌ الْمَرَافِقِ وَ أَمْسِحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَ أَرْجُلِكُمْ إلَی‌ الْكَعْبَيْنَ[14].  فيجب‌ مسح‌ الارجل‌ الي‌ الكعبين‌. إذن‌ فقد ضمّ عليه‌ السلام‌ أصل‌ ءاية‌ وجوب‌ الوضوء مع‌ ءاية‌: مَا جَعَلَ عَلَیكُمْ فِي‌ الدِّين‌ مِنْ حَرَجٍ [15]،  فإذا رُفعت‌ المرارة‌ أو الجبيرة‌ و مُسح‌ علي‌ القدم‌ فانّ ذلك‌ سيكون‌ مسبباً للحرج‌. لذا فانّ أصل‌ الوضوء إذن‌ ثابت‌، و حرجيّته‌ مرفوعة‌، فتكون‌ النتيجة‌ أن‌ أَمْسَحْ عَلَی‌ الْمَرَارَةِ.

 و كذلك‌ الامر في‌ مسألة‌ ذلك‌ المريض‌ الذي‌ أجنب‌ حين‌ مرضه‌، فقام‌ أقرباؤه‌ بغلسه‌ ممّا سبّب‌ موته‌، فقد جاء فِي‌ الرواية‌ فَكُرَّ فَمَاتَ أي‌ أبتلِي‌ بمرض‌ الكُزاز و مات‌، سمع‌ الإمام‌ بذلك‌ انزعج‌ انزعاجاً شديداً و قال‌: قَتَلُوهُ! قَاتَلَهُمُ اللَهُ، أَلاَ يَمَّمُوهُ ؟ أَلاَ سَأَلُوا ؟

 ماذا تعني‌ أَلاَ يَمَّحُدُه‌ ؟ إنّها تعني‌ انّ عليه‌ أن‌ يعرفوا وظيفتهم‌ من‌ أنّه‌ اذا ما مرض‌ شخص‌ ما و كان‌ استعمال‌ الماء مضرّاً له‌ فانّ هذا الشخص‌ لايكون‌ واجداً للماء. و في‌ القرءآن‌ المجيد: فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبَاً[16].  و لقد كان‌ الإمام‌ يريد إفهامهم‌ أنّ عدم‌ وجدان‌ الماء ليس‌ عدم‌ وجدانه‌ في‌ الخارج‌ فحسب‌ و أنّما المقصود من‌ عدم‌ الوجدان‌ عدم‌ التمكّن‌. فلو لم‌ تكونوا متمكنين‌ من‌ الماء، سواء لعدم‌ وجدانه‌ في‌ الخارج‌ أم‌ بسبب‌ المرض‌ و نحوه‌ فأنتم‌ غير واجدين‌ للماء. و عند ما تكونون‌ غير واجدين‌ للماء فالوظيفة‌ هي‌ التيمّم‌.

 لقد كان‌ يجب‌ عليكم‌ أن‌ تيمّموا هذا المسكين‌، فأخذتموه‌ و غسّلتموه‌ متشبثين‌ برأيكم‌ فقتلتموه‌: قَتَلُوهُ ! قَاتَلَهُمُ اللَه‌.

 يقول‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌: علينا تعليم‌ الاُصول‌ و الاحكام‌ الكليّة‌ و بيانها لكم‌ و عليكم‌ تفريع‌ الفروع‌. لقد كان‌ أصحاب‌ الإمام‌ و طلاّبه‌ يبلغون‌ الاجتهاد في‌ فن‌ تفريع‌ الفروع‌ و كانوا يفعلون‌ ذلك‌ بأنفسهم‌ و يستدلّون‌ بآيات‌ القرآن‌. و كان‌ هذا هو منهج‌ الإمامين‌ الباقر و الصادق‌ و سائر الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ النهي‌ عن‌ الولاية‌ والقضاء لغير المعصوم‌ نهياً عن‌ الولاية‌ والقضاء الاستقلاليّين‌

 بناءً عليه‌ فقد كان‌ باب‌ الاجتهاد مفتوحاً في‌ زمان‌ نفس‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌. و كان‌ هناك‌ مجتهدون‌ في‌ كلّ مدينة‌ من‌ كبار المؤمنين‌ و الشيعة‌ و أهل‌ الوثوق‌ و العدالة‌، يرجع‌ الناس‌ اليهم‌ و كانوا يقومون‌ بالإفتاء و القضاء في‌ البلاد بين‌ الناس‌ بصفتهم‌ و كلإ عن‌ الإمام‌ المعصوم‌.

 فإذا كان‌ الامر كذلك‌ فكيف‌ يمكن‌ القول‌ بأنّ القضاء و الحكومة‌ منحصران‌ بالنبيّ أو وصي‌ النبيّ ؟!

 و قد أجاب‌ العلاّمة‌ المرحوم‌ المجلسي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ عن‌ هذه‌ المسألة‌ في‌ «مرآة‌ العقول‌» وفقاً لهذه‌ الروايات‌ التي‌ بيّناها، فقال‌: وَ لاَ يَخْفَي‌ أنَّ هَذِهِ الاخْبَارَ تَدُلُّ بِظَواهِرِها عَلَی‌ عَدَم‌ جَوازِ الْقَضَآءِ لِغَيْرِ الْمَعْصُومِ؛ وَ لاَ رَيْبَ أَنَّهُمْ عَلَیهِمُ السَّلاَمُ كَانُوا يَبْعَثُونَ الْقُضاةَ إلَی‌ الْبِلادِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَی‌ أَنَّ الْقَضَآءَ بِالإصَالَةِ لَهُمْ، وَ لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ تَصَدِّي‌ ذَلِكَ إلاَّ بِإِذْنِهِمْ، وَ كَذَا فِي‌ قَولِهِ عَلَیهِ السَّلامُ: «لاَ يَجْلِسُهُ إِلاَّ نَبِيُّ» أي‌ بِالاصَالَةِ. والْحَاصِلُ أَنَّ الْحَصْرَ إضافِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَی‌ مَنْ جَلَسَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَ نَصِيبِهِمْ عَلَیهِمُ السَّلام‌. [17]

 فمفاد جوابه‌ رحمة‌ الله‌ هو أنّنا بعد أن‌ علمنا و كان‌ مسلّماً لدينا أنّ نفس‌ الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ كانوا يرسلون‌ أشخاصاً غير معصومين‌ إلي‌ الاطراف‌ للقضاء بين‌ الناس‌، فيجب‌ علينا أن‌ نحمل‌ هذه‌ الاخبار علي‌ القضاء بالاصالة‌. أي‌ أنّه‌ من‌ المحرَّم‌ و غير الجائز أن‌ يقوم‌ شخص‌ ما بالقضاء في‌ مكان‌ ما من‌ قِبل‌ نفسه‌ و دونها إذن‌ من‌ الإمام‌ أو إجازة‌ و تنصيب‌ منه‌. و انّ من‌ يقوم‌ بهذا العمل‌ سيكون‌ شقيّاً حتماً و تشمله‌ واتَّقُوا الْحُكُومَةَ.

 أمّا إذا كان‌ ذلك‌ بإذن‌ منهم‌ و نيابة‌ عنهم‌ و كان‌ منصوباً و مجازاً من‌ قبل‌ هم‌ عليهم‌ السلام‌ فكانّه‌ أنفسهم‌. و لا تنافي‌ بين‌ هاتين‌ المجموعتين‌ من‌ الاخبار. فيجب‌ ـ إذن‌ ـ حمل‌ هذه‌ الاخبار علي‌ أنّ القضاء بالاصالة‌ مختصّ بالنبي‌ الاكرم‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ و سلامه‌ عليهم‌ اجمعين‌.

 فقوله‌ عليه‌ السلام‌: لاَ يَجْلِسُهُ إِلاَّ نبيُّ أي‌ بالاصالة‌. ففي‌ هذا المجلس‌ الذي‌ جلسه‌ شريح‌ لايجلس‌ بالاصالة‌ إلاَّ نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ. أمّا إذا كان‌ ذلك‌ بالإذن‌ و النيابة‌ فاغنّ لامر ليس‌ كذلك‌، بل‌ يجلس‌ في‌ هذا المجلس‌ غير النبيّ و الوصيّ و الشقيّ أيضاً، مثل‌ شريح‌ الذي‌ قد جلس‌ في‌ هذا المجلس‌ من‌ قبل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ حيث‌ نصّبه‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ فيه‌.

 شريح‌ له‌ تاريخ‌ طويل‌، فقد كان‌ إيراني‌ الاصل‌ و مقيماً في‌ اليمن‌، و كان‌ من‌ اُولئك‌ الإيرانيين‌ الذين‌ أرسلهم‌ أنوشيروان‌ ـ و هم‌ حوالي‌ اثنا عشر ألف‌ رجل‌ ـ الي‌ اليمن‌ لمساعدة‌ أهلها، فقام‌ المهاجرون‌ القادمون‌ من‌ أفريقيا الذين‌ أخذوا تلك‌ الولاية‌ بإخراجهم‌ جميعاً. و السبب‌ في‌ أن‌ عدداً كبيراً من‌ الإيرانيين‌ كانوا ساكنين‌ في‌ اليمن‌ هو كونهم‌ من‌ هؤلإ. و من‌ بين‌ هؤلإ: باذان‌ (ملك‌ اليمن‌) و رسولاه‌ بابويه‌ و خرخُسره‌ اللذان‌ جاءا الي‌ النبيّ و حملا جواب‌ رسالة‌ خسرو پرويز عندما مزْق‌ رسالة‌ النبيّ. و قد كانا ايرانيين‌، و شريح‌ هذا منهم‌، هذا و قد نصبه‌ عمر في‌ زمان‌ خلافته‌ للقضاء في‌ الكوفة‌، و كان‌ متولياً للقضاء طوال‌ مدّة‌ خلافة‌ عثمان‌ أيضاً، كما كان‌ باقياً في‌ ذلك‌ العمل‌ زمان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً و فنال‌ تجربة‌ طويلة‌ الامد و صار متمكناً للغاية‌ كما بلغ‌ غاية‌ الشيخوخة‌ و الهرم‌، و قيل‌ انّه‌ عاش‌ فكثر من‌ مائة‌ سنة‌.

 و في‌ زمان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لم‌ يكن‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ راضياً كثيراً عن‌ أحكامه‌ القضائيه‌، فقد كان‌ تصدر منه‌ بعض‌ الاخطاء أحياناً. لذا عزله‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ ممّا آثار ضجيج‌ و غوغاء بعض‌ الناس‌ بزعم‌ انّ عليّاً عليه‌ السلام‌ قد عزل‌ قاضياً ذا تجربة‌ طويلة‌ ياس‌ القضاء هنا ما يقارب‌ عشرين‌ سنة‌ من‌ زمان‌ عمر و عثمان‌ الي‌ الآن‌ ! فاضطر الإمام‌ عليه‌ السلام‌ الي‌ إعادة‌ نصبه‌).

 و الإمام‌ عليه‌ السلام‌ يُسير إليه‌ ليلتنفت‌ الي‌ مقامه‌ و مركزه‌ و انّ هذا المقام‌ دقيق‌ الي‌ درجة‌ أنّ هذا المجلس‌ إمّا مجلس‌ نبيّ أو شقيّ، و أنّه‌ لو خرج‌ عن‌ الحدّ لكان‌ شقيّاً قطعاً.

 و أتمّ و أكمل‌ رواية‌ وردت‌ حول‌ ولايد امءمام‌ عليه‌ السلام‌ هي‌ ارواية‌ اليت‌ يرويها الكلينيّ قدس‌ سرّه‌ عن‌ أبي‌ محمّد القاسم‌ بن‌ العلإ، مرفوعاً عن‌ عبدالعزيز بن‌ مسلم‌، عن‌ الإمام‌ أبي‌ الحسن‌ الرضا عليه‌ السّلام‌، و هي‌ رواية‌ طويلة‌ جدّاً. حيث‌ يأتي‌ عزيز بن‌ مسلم‌ الي‌ الإمام‌ في‌ مرو و يقول‌ له‌ ما مضمونه‌: لقد كنت‌ في‌ المسجد و رأيت‌ الناس‌ يتكلّمون‌ حول‌ الإمامة‌ و الحكومة‌ و أمثال‌ ذلك‌ من‌ المسائل‌. فأجابه‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بجواب‌ طويل‌.

 و قد نُقلت‌ هذه‌ الرواية‌ بكاملها في‌ «الكافي‌» و هي‌ تنطوي‌ علي‌ و ضامين‌ راقية‌ جدّاً، و أنّ الولاية‌ في‌ الاساس‌ هي‌ من‌ شأن‌ الإمام‌ و من‌ مختصاته‌ و قد وضعت‌ لاجله‌.

 مِن‌ جملة‌ الامور التي‌ بيّنتها هذه‌ الرواية‌ هو إِنَّ الإمَامَةً أَجَلُّ قَدْراً و أَعْظَمُ شَأنَاً وَ أَعْلَي‌ مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْْرَاً مِنْ أَن‌ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ سَنَالُوهَا بِآرَآئِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ [18]

 لانّ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يختاره‌ الناس‌ أنّما يكون‌ وفقاً لإدراكهم‌ و درايتهم‌، بينما مقام‌ الإمام‌ موضع‌ لايناله‌ فكرٌ أحدٍ و لايصل‌ إليه‌، فكيف‌ ينصب‌ الإنسان‌ شخصاً للإمامة‌ باختياره‌. إنّ فالإمامة‌ إذن‌ ليست‌ انتخابية‌ و أنّما هي‌ بالتعيين‌ من‌ الله‌ جلّ شأنه‌. و علي‌ الناس‌ اتّباعُ امءمام‌ المعصوم‌ وفقاً لكرائلا الآيات‌ القرآنيّة‌. كانت‌ هذه‌ روايات‌ حول‌ ولاية‌ الإمام‌. و سنرد فيمايلي‌ بحث‌ ولاية‌ الفقيه‌ إن‌ شاءالله‌ لنري‌ من‌ أي‌ طريق‌ يمكن‌ إثباتها.

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مِحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الخامس‌:

 ولاية‌ المعصوم‌ عين‌ ولاية‌ الله‌؛ ولا يعقل‌ أي‌ّ اختلاف‌ في‌ مواردها ومصاديقها

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 كان‌ في‌ نيتّنا اليوم‌ أن‌ ندخل‌ بحث‌ ولاية‌ الفقيه‌ لكن‌ بعض‌ السادة‌ أشكل‌ علي‌ النحو التالي‌:

 إنّه‌ وفقاً لما ذكر حول‌ ولاية‌ الائمّة‌ و النبيّ و انّ ولايتهم‌ في‌ الامر و النهي‌ قد استفيدت‌ من‌ القرءان‌ بشكل‌ مطلق‌، «فلو أمر الإمام‌ الإنسان‌ بارتكاب‌ معصيّة‌ فما الذي‌ سيحصل‌ ؟»

 لذا نقوم‌ الان‌ بحلّ هذا الإشكال‌ فنقول‌:

 لابدهنا ان‌ ندرس‌ هذه‌ المسألة‌ بشكل‌ عميق‌ فننظر ما هو مسار و مجال‌ ولاية‌ الإمام‌ ؟ و ما هي‌ حقيقتها: و بأيّ نحو يكون‌ امر الإمام‌؛ و هل‌ يأمر النبيّ أو الإمام‌ بالمعصية‌ أساساً و لو في‌ الموارد الاستثنائيّة‌: أم‌ أن‌ المسألة‌ بنحو آخر ؟ و بعد ذلك‌ ندخل‌ في‌ بحث‌ ولاية‌ الفقيه‌ إن‌ شاءالله‌ تعالي‌.

 يجب‌ ان‌ نعلم‌ أنّه‌ حيث‌ أطلقت‌ ولاية‌ الإمام‌ و ولاية‌ المعصوم‌ بشكل‌ عام‌ فهي‌ نفس‌ ولاية‌ الله‌، و لا معني‌ للفصل‌ و البينونة‌ بين‌ هاتين‌ الولايتين‌.

 فالولاية‌ التي‌ يمتلكونها لم‌ يعطهم‌ الله‌ إيّاها بنحو التفويض‌ لكي‌ تكون‌ مستقلّة‌ عنه‌ و معطاة‌ لهم‌؛ أو تكون‌ له‌ تعالي‌ ولاية‌ و يعطي‌ لهم‌ ولاية‌ متشابهة‌ لولايته‌. بنحو يتوجد معهد ولايتان‌، غاية‌ الامر انّ ولاية‌ الله‌ أعلي‌ و ولايتهم‌ أدني‌، أو انهما متساويتان‌ فالامر ليس‌ كذلك‌، إذ يلزم‌ من‌ ذلك‌ التعدّد، و لا تعدّد في‌ عالم‌ التوحيد، فالإعطاء ـ إذن‌ ـ ليس‌ بمعني‌ الفصل‌، و ليس‌ تفويضاً؛ و التسليم‌ ليس‌ بمعني‌ الإيكال‌ و الاستقلال‌.

 الرجوع الي الفهرس

الولاية‌ تجلٍّ، والله‌ لا يأمر بالمعصية‌

 و عليه‌ فانّ الذي‌ يبقي‌ و حسب‌ هو أنّ تلك‌ الولاية‌ المعطاة‌ لهم‌ هي‌ علي‌ نحو الظهور و التجلّي‌. أي‌ أنّ نفس‌ ولاية‌ الله‌ هي‌ التي‌ ظهرت‌ و تجلّت‌ فيهم‌. والفرق‌ بين‌ التفويض‌ و التجلّي‌ أكثر ممّا بين‌ السماء و الارض‌ و الشيّء الذي‌ يتجلّي‌ في‌ شي‌ء هو نفسه‌ الذي‌ يهظر فيه‌ و يبرز من‌ خلاله‌. و بناءً عليه‌ فمن‌ المحال‌ أن‌ يتجلّي‌ شيّء في‌ شي‌ء آخر فينظهر هناك‌ شي‌ء غير ذلك‌ الشي‌ء السابق‌.

 كما انّ الشخص‌ الذي‌ ينظر في‌ المرأة‌ ـ مثلاً ـ ستتجلّي‌ ملامحه‌ فيها و ننعكس‌ صورته‌ هو في‌ المرأة‌. فالمرأة‌ تُظهِر له‌ نفسه‌، و من‌ المحال‌ أن‌ تظهر شيئاً آخر، أو تعكس‌ موجوداً ءاخر، أؤ تعكس‌ عيناً أخري‌ و أنفاً آخر، فهذا أمر محال‌، لانّها ليست‌ الاّ تجلِّ له‌.

 و فلاناً لذلك‌ معني‌ الاستقلال‌، إذ انّ الامر لايكون‌ في‌ الاستقلال‌ علي‌ النحو. فالمرءآة‌ التي‌ أصابها الصدآ أو التصدّع‌ مثلاًاذا ما نظر فيها الإنسان‌ فإنّها لتظهر تصدّعاً أو نقطة‌ سوداء، مع‌ أنّ هذا التصدّع‌ و هذه‌ النقطة‌ السوءاء غير موجودني‌ في‌ وجه‌ الإنسان‌؛ فهذا العيب‌ من‌ نفس‌ المرءآة‌، إذ لم‌ تستطع‌ إظهار الصورة‌ بشكل‌ جيد. و هذا بسب‌ الجهة‌ الاستقلالية‌ التي‌ كانت‌ في‌ ارمأة‌. ثم‌ انّ الشمس‌ عند ماتسّع‌ فانّ لازم‌ إشعاعها النور، إذ لا تصدر منها ظلمة‌. فتجلّي‌ الشمس‌ تجلٍّ للنور، و حيثما كانت‌ أزالت‌ الظلام‌، كما انّ تجلّي‌ شخص‌ العالم‌ هو العلم‌ فلا يرشع‌ الجهل‌ من‌ العالم‌، و إلاّ كان‌ خلاف‌ الفرض‌. و لايمكن‌ أن‌ يصدر من‌ التّقي‌ بعنوان‌ أنّه‌ تقي‌ ـ الذنب‌، لانّ هذا خلاف‌ الفرض‌. و أخيراً فإنّ «كلّ إناء بالذي‌ فيه‌ ينضح‌».

 فإذا تجلّي‌ الله‌ تعالي‌ في‌ موجودما فان‌ هذا الموجود أنّما يُظهر الله‌ بكل‌ ماللكلمة‌، من‌ معني‌، و لايمكن‌ أن‌ يُظهر غيره‌، لانّه‌ مجرّد تجلّ و ظهور. لا أن‌ يكون‌ ذلك‌ الشي‌ء ذا استقلالٍ و شخصية‌ و أنانيّة‌ و نفسانيّة‌. و فرض‌ كمال‌ المعصومين‌ أنّما يكون‌ بهذا النحو أيضاً، حيث‌ انّهم‌ يمتلكون‌ مقام‌ الهوهويّة‌، و ليس‌ في‌ عالم‌ الوحد، الولايتية‌ الاّ ثمّة‌ ولاية‌ واحدة‌ لا أكثر، و هي‌ ولاية‌ مختصّة‌ بالله‌ أيضاً، و قد تجلّت‌ و ظهرت‌ في‌ هذه‌ الاوعية‌.

 و بناءً علي‌ هذا فإنّهم‌ عليهم‌ السلام‌ أنّما يُظهرون‌ الله‌ و الله‌ لا يأمر بالمعصية‌: «إِنَّ اللَهَ لاَ يَأمُرُ بِالْفَحْشَآءِ» [19]  و «تَنْهَي‌' عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي‌» [20] و «قُلْ أَمَرَ رَبِّي‌ بِالْقِسْطِ» [21]

 و بناءً علي‌ هذا فإنّ العظام‌ الوجودي‌ للنبيّ و الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ علي‌ نحوٍ بحثي‌ يرشح‌ منهم‌ الخير ـ لاالشرّ ـ بشكل‌ حتمي‌ّ، «وَ الشَّرُّ لَيْسَ إلَیكَ»  [22]ولا توجد لديهم‌ نيّة‌ سوء. و بالطبع‌ فاننا لانريد القول‌ بأنّ هذا التجلّي‌ بنحو يكونون‌ معه‌ مضطرّين‌ و مجبرين‌، كلاّ بل‌ هم‌ مختارون‌ و العليّ يكون‌ بهذا النحو باختيارهم‌ و بسبب‌ كمالهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ مختارون‌ لكنّهم‌ يتقنون‌ العمل‌ الحسن‌ بهذا الاختيار

 و كما أنّ الله‌ أيضاً هو نفسه‌ مختار و أيصدر منه‌ العمل‌ القبيح‌. و هذا لاينافي‌ اختياره‌، فهو مختار، ولكنّه‌ مع‌ هذا الاختيار يختار الحسن‌ دوماً.

 فالائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ مختارون‌ هم‌ أيضاً، لكنّهم‌ مع‌ هذا الاختيار يختارون‌ العمل‌ الحسن‌. فوجود الائمّة‌، و فكرهم‌، و خيالهم‌، و نومهم‌، و يقظتهم‌، و سكونهم‌، و حركتهم‌، و باختصار جميع‌ أطوارهم‌، حقّ و مظهر الإرادة‌ اله‌، سواء في‌ التكوين‌ و التشريع‌، و سواء في‌ النظام‌ الوجودي‌ أوفي‌ المدركات‌ الذهنية‌ و الفكريّة‌. فهم‌ لايقومون‌ بأيّ تخيّل‌ باطل‌ في‌ حال‌ من‌ الاحوال‌، و لايرون‌ رؤيا مضطربة‌، لانّهم‌ خير، و لابدله‌ من‌ الخير إلاّ الخير.

 و الشواهد علي‌ هذا المطلب‌ كثيرة‌، و إذا ما التفتنا الي‌ ءايات‌ القرءآن‌، و تأمّلنا في‌ الخطابات‌ الموجّهة‌ من‌ الله‌ تعالي‌ الي‌ رسوله‌ و لاوامر التي‌ يخضعه‌ لها لوجدنا أنّ النبيّ يري‌ نفسه‌ أمام‌ هذه‌ الاوامر صغيراً و ذليلاً و حقيراً الي‌ درجة‌ كبيرة‌ تماماً كمثل‌ العبد قبال‌ مولاه‌ القادر و القاهر المسلّط‌ عليه‌، و قد أصاخ‌ اليه‌ بكلّ وجوده‌ لكيلا تصدر منه‌ أدني‌ مخالفة‌، و إلاّ كان‌ محّلاً للمؤاخذة‌ لذا فقد كان‌ عليه‌ في‌ نهجه‌ و طريقة‌ عمله‌ أن‌ يعمل‌ بمستوي‌ من‌ الدقّة‌ ليكون‌ عبداً حتي‌ في‌ إدراكه‌ و خياله‌ و في‌ فعله‌ و جميع‌ شراشر[23] وجوده‌. أي‌ مظهراً و عبدا و سلماً. و ألاّ يقوم‌ بأيّ ظهور مقابل‌ ربوبية‌ ربّه‌، و م‌يبرز أيّة‌ إنيّة‌، و لا يصدر منه‌ أي‌ أمر و نهي‌ فيما يتعلّق‌ به‌ شخصيّاً باعتبار عبوديّته‌.

 فاللّه‌ إذن‌ لايأمر بالمعصية‌، و رسوله‌ لايأمر بذلك‌ أيضاً. و ليست‌ لله‌ نفس‌، و لا يعمل‌ عملاً علي‌ أساس‌ من‌ الشهوة‌ أو الغضب‌ أو الوهم‌، و النبيّ لايفعل‌ ذلك‌ أيضاً. بل‌ ان‌ المعصيّة‌ من‌ الشيطان‌. و الله‌ قد نهي‌ عنها، نهي‌ عنها و النبيّ أيضاً، و قال‌: المعصيّة‌ من‌ الشيطان‌. أيّ انّها تختصّ بمشار مضادّ للمسار الذي‌ نحن‌ فيه‌، إذ أنّ الشيطان‌ باطل‌، و موجود مُحَوِّة‌ يظهر الحقَّ باطلاً. و يخرج‌ الباطل‌ بصورة‌ الحقّ، و هذا خلاف‌ تحقّق‌ و واقعيّة‌ الحقّ.

 و امّا الله‌ فهو حقّ، يهدي‌ الي‌ الحقّ «قُلِ اللَهُ يَهْدِي‌ لِلْحَقِّ» [24]  و ءايات‌ القرءان‌ توّضح‌ هذا المطلب‌ بجلإ، و تدلنّا علي‌ أنّ النبيّ مسلِّم‌ لاوامر الله‌ تعالي‌ بحيث‌ انّه‌ لو رأي‌ مخالة‌ ما مهما صغرت‌ في‌ أفكاره‌ و نيّته‌ و شخصيّته‌ فأنّه‌ سوف‌ يري‌ نفسه‌ في‌ تلك‌ اللحظه‌ محّلاً لقهر الله‌ و عذابه‌.

 و يوّضح‌ القرءان‌ و دون‌ ءايّة‌ مجاملة‌ ـ كيفيّة‌ إصغاء النبيّ و انتباهه‌ لصدور أيّ أمر من‌ الله‌ تعالي‌ لكي‌ يقوم‌ بتنفيذه‌.

 أي‌ أنّ ولايته‌ ولاية‌ الله‌، و أمره‌ أمر الله‌، و نهيه‌ نهي‌ الله‌، و اختياره‌ اختيار الله‌، و ليس‌ الامر كما نتخيّل‌ من‌ أنّ النبيّ باعتبار امتلاكه‌ للولاية‌ فأنّه‌ ينتفي‌ بنات‌ الناس‌ لنفسه‌، أو يأخذ لنفسه‌ أموال‌ الناس‌ ما حَسُن‌ و نَفُس‌، إذ لم‌ يعطه‌ الله‌ الولاية‌ ليقوم‌ بهذه‌ الاعمال‌ أبداً.

 و لا ليوزّع‌ ما اختاره‌ من‌ نبات‌ الناس‌ أو الاسري‌ بين‌ قومه‌ و أقربائه‌، أو ليعطي‌ من‌ تلك‌ الاموال‌ النفيسة‌ لابنته‌ لانّها ابنته‌. فإنّا هذه‌ المعاني‌ بعبارة‌ إلي‌ درجة‌ تجعلها معاكسة‌ للنهج‌ الإلهي‌ بشكل‌ كامل‌.

 أنّ النبيّ يري‌ جميع‌ النساء بنتاً له‌، و يعتبر جميع‌ الرجال‌ أبنائه‌، و يري‌ المشركين‌ أنباءه‌ و تجاهد لاجل‌ هدايتهم‌، و يواجه‌ ألف‌ مشكلة‌ في‌ سبيل‌ ذلك‌.

 إنّ للنبيّ نظرة‌ شاملة‌ و تواضع‌ جمّ بحيث‌ كان‌ ينام‌ علي‌ التراب‌ لاجل‌ هداية‌ الناس‌. فصيرة‌ النبيّ عجيبة‌ و دقيقة‌ للغاية‌، و علي‌ الإنسان‌ أن‌ يلاحظ‌ ماذا كان‌ أمر النبيّ و نهيه‌ ؟ بماذا كان‌ يأمر ؟ عمَّ كان‌ ينهي‌ ؟

 أجل‌ فلو أمر النبيّ بشي‌ء في‌ موضع‌ فعلي‌ الإنسان‌ أن‌ يأنني‌ به‌، لانّ أمر النبيّ مبنيّ علي‌ هذه‌ الضوابط‌، و فنس‌ النبيّ يعلم‌ أنّ إرادة‌ الله‌ قد تعلّقت‌ هنا في‌ أن‌ يقوم‌ الإنسان‌ بهذا العمل‌، و أنّ إرادة‌ الله‌ نزلت‌ و ترشّحت‌ علي‌ الإنسان‌ علي‌ لسان‌ النبيّ و فكره‌.

 و لاجل‌ توضيح‌ المسألة‌ جيداً نذكر بعضي‌ الشواهد:

 ورد في‌ روايات‌ العامّة‌ أنّ اُسامة‌ بني‌ زيد، الذي‌ كان‌ محبوباً و محترماً عند النبيّ، و الذي‌ اصطحبه‌ النبيّ معه‌ علي‌ الجمل‌ في‌ حجّة‌ الوداع‌ من‌ عرفات‌ الي‌ مني‌، الذي‌ كان‌ النبيّ يحبه‌ كثيراً و الذي‌ كان‌ قد ولاّه‌ الجيش‌ الذي‌ أراد إرساله‌ إلي‌ نواحي‌ الشام‌ و جعل‌ تحت‌ لوائه‌ كبّار المهاجرين‌ و الانصار، أنّ اُسامة‌ هذا جاء الي‌ النبيّ و شفع‌ في‌ إمرأة‌ شريفه‌ و محترمة‌ كانت‌ قد سرقت‌ لكي‌ أيُقيم‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ الحدّ عليها و لايقطع‌ يدها.

 فَقَالَ صَلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌: «وَيْحَكَ ! أَتَشْفَعُ فِي‌ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَهِ ؟ وَاللَهِ لَوْكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَرَقتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ! إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوُهُ وَ إذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَیهِ الْحَدَّ.» [25] (و إنّما لحصر) فالمعني‌ إنّ الذي‌ أهلكهم‌ هو هذا الامر فقط‌.

 و يذكر الصدوق‌ رحمة‌ الله‌ في‌ كتاب‌ «صفات‌ الشيعة‌» رواية‌ عجيبة‌ للغاية‌ و علي‌ الإنسان‌ أن‌ يحفظها باستمرار (كتاب‌ «صفات‌ الشيعة‌» كتاب‌ معتبر للغاية‌، و من‌ نفائس‌ كتب‌ الشيعة‌، و كذلك‌ كتاب‌ «فضائل‌ الشيعة‌» و كلاهما للشيخ‌ الصدوق‌، و لم‌ يُطبع‌ هذا الكتابات‌ الي‌ هذه‌ الاواخر، و أتذكر أنّه‌ قبل‌ حوالي‌ خمس‌ و أربعين‌ عاماً عندما جاء المرحوم‌ خال‌ والدي‌ سماحة‌ ءاية‌ الله‌ الميرزا محمّد الطهراني‌ قدس‌ الله‌ نفسه‌ من‌ سامراء الي‌ إيران‌ في‌ السفر الذي‌ تشرّفت‌ فيه‌ بمعصية‌ الي‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌ أنّه‌ أعطاني‌ هذا الكتاب‌ لاستنسخه‌ له‌، و كان‌ كتاباً صغيراً جدّاً، ربّما و لم‌ يكن‌ اكثر من‌ خمس‌ عشره‌ صفحة‌، و لم‌ يكن‌ قد طبع‌ بعد. نعم‌ قد نُقلت‌ في‌ «بحار الانوار» و كتب‌ شيعية‌ أخري‌ روايات‌ عن‌ «صفات‌ الشيعة‌» لكنّ ذلك‌ الكتاب‌ بتلك‌ النسخة‌ كان‌ عند المرحوم‌ فقط‌. و بالطبع‌ فان‌ نسخه‌ غير منحصرة‌ بهذا الفرد، و قد استنسخت‌ له‌ نسخته‌ الي‌ ما قبل‌ سبع‌ و عشرين‌ سنة‌ تقريباً، أي‌ سنة‌ 1383 ه ق‌ حيث‌ قام‌ اينه‌ الاكبر المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا نجم‌ الدين‌ شريف‌ العسكري‌ ـ هو مؤلّف‌ خبير ألّق‌ الكثير من‌ الكتب‌ منها «علي‌ و الشيعة‌» ـ بطبعه‌ مع‌ كتاب‌ «فضائل‌ الشيعة‌» ضمن‌ مجموعة‌ ] بمجلدواحد [، و قد أرسله‌ ذلك‌ الوقت‌ لي‌ أيضاً بخطّه‌، و كان‌ قد طبع‌ هذا الكتاب‌ أيضاً عن‌ نسخته‌ الخطيّة‌ التي‌ كان‌ قد استنسخها بنفسه‌) و هذه‌ الرواية‌ هي‌ الحديث‌ الثامن‌ في‌ كتاب‌ «صفات‌ الشيعة‌»، و هي‌ كمايلي‌:

 الرجوع الي الفهرس

 رواية‌ كتاب‌ «صفات‌ الشيعة‌» في‌ قول‌ رسول‌ الله‌: إِنَّ لِي‌ عَمَلِي‌ وَلَكُمْ عَمَلَكُمْ

يقول‌ المرحوم‌ الصدوق‌ «حَدَثَّنَا مُحَمَّدِ بنُ مُوسَي‌ الْمُتَوَكِّلِ رَحِمَهُ اللَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الْحُمَيْرِي‌ عَنِ احْمَدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ رِئَابِ، عَنْ أَبِي‌ عُبَيْدَةِ الْحَذَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لَمّا فَتَحَ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَ ءَالِهِ وَ سَلَّمَ مَكَّةَ، قَامَ عَلَی‌ الصَّفَا فَقَالَ: يَا بَنِيّ هَاشِمٍ، يَا بَنِي‌ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ! إنِّي‌ رَسُولُ اللَهِ إلَيْكُمْ وَ إِنِّي‌ شَفِيقُ عَلَیكُمْ، مَ تَقُولُوا ! إِنَّ مُحَمَّاً مِنَّا ! فَوَاللَهِ مَا أَوْلِيَائِي‌ مِنْكُمْ وَ لاَ مِنْ غَيْرِكُمْ إلاَّ الْمُتَّقذونَ ! أَلاَ أَعْرِفُكُمْ تَأتُونِي‌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحُمِّلُونَ الدُّنْيَا عَلَی‌ رِقَابِكُمْ، وَ يَأتِي‌ النَّاسُ يَحْمَلُونَ الاْخِرَةَ، أَلاَ وَ إنِّي‌ قَدْ أُعْذَرْتُ فِيمَا بَيْنِي‌ وَ بَيْنَكُمْ وَ فِيمَا بَيْنَ اللَهِ عَزَّوَجَلَّ وَ بَيْنَكُمْ، وَ إِنَّ لِي‌ عَمَلِي‌ وَ لَكُمْ عَلَمُكُمْ.» [26]

 و ينقل‌ المرحوم‌ المجلسي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «بحار الانوار»  [27] عن‌ «صفات‌ الشيعة‌»، لكن‌ للشيخ‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ سند المجلسي‌ إشكال‌، و هو سقوط‌ اسم‌ شخصين‌ منه‌، أحدهما محمّد بن‌ موسي‌ بن‌ المتوكّل‌، إذ أنّ سند الصدوق‌ يتصّل‌ بالحميري‌ عن‌ طريق‌ محمّد بن‌ موسي‌ بن‌ المتوكلّ. و الآخر أحمد بن‌ محمّد علي‌ الذي‌ يروي‌ عنه‌ الحميري‌. و علي‌ أي‌ تقدير فهذه‌ الرواية‌ موجودة‌ في‌ كتب‌ العامّة‌ والخاصّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لاَيُنْجِي‌ إِلاَّعَمَلٌ مَعَ رَحْمَةٍ، وَلَوْ عَصَيْتُ لَهَوَيْتُ

 و كذلك‌ يقول‌ الشيخ‌ المفيد رحمه‌ الله‌ في‌ كتاب‌ «الإرشاد» إنّه‌ عندما أحسّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ بالموت‌، أخذ بيد عليّ عليه‌ السّلام‌، و اتّبعه‌ جماعة‌ من‌ الناس‌، و توجّه‌ الي‌ البقيع‌، فقال‌ لمن‌ اتّبعه‌: إنّي‌ أمرت‌ بالاستغفار لاصل‌ البقيع‌ ! فانطلقوا معه‌ حتي‌ وقف‌ بين‌ أظهرهم‌ و قال‌: السَّلاَمُ عَلَیكُمْ يَا أهْلَ الْقُبُورِ لِيُهنِّئُكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ، مِمَّا فِيهِ النَّاسُ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنْ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلَهَا ءَاخِرَهَا».

 ثمَّ  لاهل‌ البقيع‌ طويلاً، و أقبل‌ علي‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فقال‌ له‌: إنَّ جبرائيل‌ عليه‌ السّلام‌ كان‌ يعرض‌ عليّ القرءآن‌ كلّ سنة‌ مرةً و قد عرضه‌ عليّ العام‌ مرّتين‌، و لإأمراه‌ إلاّ لحضور أجلي‌.

 ثمّ قال‌: يا عليّ إنّي‌ خيّرت‌ بني‌ خزائن‌ الدنيا و الخلود فيها أو الجنّة‌، فاخترت‌ لقاء ربّي‌ و الجنّة‌، فإذا أنامتَ فغسّلين‌، و استر عورتي‌، فانّه‌ لايراها أحد إلاّ اُكمه‌.

 ثمّ عاد الي‌ منزله‌، فمكث‌ ثلاثة‌ أيّام‌ موعوكاً، ثمّ خرج‌ الي‌ المسجد معصوب‌ الرأس‌، معتمداً علي‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بيمنن‌ يديه‌، و علي‌ الفضل‌ بن‌ العبّاس‌ باليه‌ الاُخري‌، حتي‌ صعد المنبر فجلس‌ عليه‌، ثمّ قال‌:

 مَعَاشِرَ النَّاسِ ! قَدْ حَانَ مِنِّي‌ خُفُوقٌ مِنْ بَيْنِ أَظهُرِكُمْ. فَمَن‌ كَانَ لَهُ عِنْدِي‌ عِدَةٌ فَلْيَأتِينِ أُعْطِيهِ إِيَّاهَا؛ وَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَی دَيْنٌ فَلْيُخْبِرُنِي‌ بِهِ.

 مَعَاشِرَ النَّاسَ لَيْسَ بَيْنَ اللَهِ وَ بَيْنَ أَحَدٍ شَي‌ء يُعْطِيهِ بِهِ خَيْراً أَوْ يَصْرِفُ عَنْهُ بِهِ شَرّاً إِلاَّ الْعَمَلُ.

 أَيُّهَا النَّاسُ: لاَ يَدْرَّعِي‌ مُدَّعٍ وَ اَيَتَمَني‌ مُتَمَنٍ وَالَّذِي‌ بَعَثَنِي‌ بِالْحَقِّ نَبِيّاً لاَ يُنْجِي‌ إلاَّ عَمَلٌ مَعَ رَحْمَةٍ وَ لَوْ عَصَيْتُ لَهَوَيْتُ. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ؟» [28]

 و لقد أورد ابن‌ أبي‌ الحديد هذه‌ الرواية‌ أيضاً في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» في‌ شرح‌ الخطبة‌ رقم‌ 195، والتي‌ تتصدّرها هذه‌ العبارة‌:

 وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ الله‌ عَلَیهِ وَ ءآلِهِ إِنِّي‌ لَمْ أَرُدَّ عَلَی‌ اللَهِ وَ لاَ عَلَی‌ رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ».

 لقد كان‌ رسول‌ الله‌ ينفّذ أوامر الله‌ و يقيم‌ الحدود دون‌ أي‌ تسامح‌. نعم‌ هناك‌ مورد واحد لم‌ يتمكّن‌ فيه‌ من‌ إقامة‌ الحدّ، و ذلك‌ علي‌ عبداللّدين‌ أبي‌ الذي‌ كان‌ في‌ رؤوسالمنافقين‌ في‌ المدينة‌،و كان‌ يؤيّده‌ جماعة‌ كبيرة‌ من‌ أنصار المدينة‌، و كافه‌ تحت‌ إمرته‌ ألف‌ رجل‌ مسلح‌، أي‌ نصف‌ المدينة‌، و الكثير من‌ الاعمال‌ التي‌ صدرت‌ ضد الإسلام‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ كانت‌ بسبب‌ نفاق‌ هذا الرجل‌.

 و ل «عبدالله‌ بن‌ أبيّ» قصّة‌ عجيبة‌ غريبة‌، فهو الذي‌ وصل‌ الي‌ نصف‌ الطريق‌ في‌ المسير الي‌ حرب‌ أحدثمّ رجع‌ الي‌ المدينة‌ و أاعاد معه‌ سبعمائة‌ شخص‌، و قال‌: لا أري‌ من‌ المصلحة‌ أن‌ تقاتلوا خارج‌ المدينة‌، فهؤلإ... هم‌ الذين‌ أخذوا محمّداً خارجها، و قد أطاعهم‌ محمّد فهزم‌. و قد كان‌ له‌ من‌ هذه‌ الامور النفاقية‌ الكثير جدّاً. و أنّ تاريخ‌ الإسلام‌ لكثير الشكوي‌ من‌ عبدالله‌ بن‌ أبيّ.

 و كان‌ أبيّ هو الشخص‌ الذي‌ قذف‌ عائشة‌ بالزنا، و لم‌ يتمكّن‌ رسول‌ الله‌ من‌ إقامة‌ حدّ القذف‌ عليه‌. و قداتّخذ علماء الشيعة‌ الكبار ذلك‌ دليلاً للردّ علي‌ المعترضين‌ علي‌ أميرالمؤمنين‌ و الشيعة‌ من‌ أنّه‌ لو كان‌ الحقّ مع‌ علي‌ فلم‌ لم‌ يلجأ بعد رسول‌ الله‌ الي‌ السيف‌ و لِمَ لم‌ ينهض‌ بالسلاح‌ ؟

 فيجيب‌ علماء الشيعة‌ بأنّه‌ لم‌ يستطع‌. فيتساءلون‌: كيف‌ لم‌ يستطع‌ ؟ عند ما يكون‌ الحقّ له‌ و عندما يعلم‌ الجميع‌ بذلك‌ أيضاً، و حين‌ يكون‌ ذلك‌ قد في‌ خطبة‌ الغدير و في‌ موارد أخري‌، فكيف‌ لم‌ يستطع‌ ؟

 فيجيبون‌ أنّه‌ كما لم‌ يتمكّن‌ رسول‌ الله‌ من‌ إقامة‌ الحدّ علي‌ عبدالله‌ بن‌ أُبَيّ[29].  أي‌ أنّ من‌ الممكن‌ أن‌ تكون‌ للشخص‌ مكانة‌ لدي‌ الناس‌ بشكل‌ ايستطيع‌ الإنسان‌ معه‌ أن‌ يفعل‌ شيئاً تجاهد. فإنّ الطرف‌ المقابل‌ قوي‌ الي‌ درجة‌ كبيرة‌ و يملك‌ من‌ القدرة‌ علي‌ الحركة‌ و الغوغائية‌ و العناصر الخاضعة‌ له‌ ما يتكفّل‌ بقلب‌ الاوضاع‌ دفعة‌ واحدة‌ في‌ المدينة‌.

 و عبدالله‌ بن‌ أبي‌ هذا هو ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ قال‌ عِند ما خرج‌ النبيّ الي‌ غزوة‌ بني‌ المصطلق‌: اذا رجعنا الي‌ المدينة‌ لَيَخْرِجَنَّ الاْعَزُّ مِنهَا الاْذَلَّ[30]. و مراده‌ أنّه‌ هو و أتباعه‌ الاعزّة‌ الاقوياء و أنّ الرسول‌ و المسلمين‌ الاذلّة‌ و أنّه‌ سيخرجهم‌ من‌ المدينة‌.

 لقد كان‌ عبدالله‌ بن‌ أبيّ منافقاً لم‌ يتمكّن‌ حتي‌ النبيّ من‌ إقامة‌ الحدّ عليه‌ و إن‌ كان‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ لايريد تعطيل‌ حدٍّ واحد من‌ حدود الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

الآية‌ القرآنية‌ في‌ ردع‌ رسول‌ الله‌: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم‌ بِهِ

 عندما جاء النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ في‌ معركة‌ أُحد، تلك‌ المعركة‌ العجيبة‌ الغريبة‌ التي‌ حصلت‌ للمسلمين‌ و التي‌ قتل‌ فيها الحمزة‌ و مُثِّل‌ به‌، و وقعت‌ عيناه‌ علي‌ الحمزة‌ و قد مُثَّل‌ به‌ (و كان‌ قد سقّت‌ معدته‌ و أخرجت‌ أمعاؤه‌ و أحشاؤه‌، و قطعت‌ أُذنه‌ و قلعت‌ عيناه‌، و في‌ بعض‌ روايات‌ العامّة‌ قطعت‌ مذاكِرة‌) بذلك‌ الوضع‌ العجيب‌ الذي‌ يذكره‌ الواقدي‌ بقوله‌: وَ رَأي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَ ءَالِهِ مَثلاً شَدِيداً، فَأحزَنةُ ذَلِكَ المَثَلُ ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ ظَفَرْتُ بِقُرَيْشٍ لاَمَثَّلَنَّ بِثَلاَثِينَ مِنْهُمْ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: وَ إِنْ عَاقَبَتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِن‌ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّـِلصَّـ'بِرِينَ[31].  فَعَفا رَسُولَ اللَهُ صَلَّي‌ اللهُ عَلَیهِ وَ ءَالِهِ وَ سَلَّمَ، فَلَمْ يُمَثِّلْ بِأحَدٍ. [32]

 و ينبغي‌ الإلتفات‌ الي‌ الوجه‌ في‌ المسألة‌. فعند ما يري‌ النبيّ جناية‌ المشركين‌ و يقسم‌ أنّه‌ إذا ظفر ليُمثلنّ بسيعين‌ شخصاً حسب‌ بعض‌ الروايات‌، و ثلاثين‌ حسب‌ أكثر الروايات‌، فما هو الإشكال‌ في‌! التمثيل‌ بالمشركين‌ الذين‌ يسفكون‌ دماء المسلمين‌ ؟ لكنّه‌ ما لان‌ يقول‌: «لَئِن‌ ظَفَرْ» فان‌ الله‌ يوقفه‌ و يمنعوني‌ التقدّم‌، و يم‌مره‌ بالمعاقبة‌ بالمثل‌، و يرغبه‌ بأنّ العفو أفضل‌ فانظروا مستوي‌ النبيّ في‌ مقام‌ عبوديته‌ لله‌ عزّوجلّ و الحال‌ التي‌ يمتلكها، حين‌ يري‌ جسد الحمزة‌ بتلك‌ الكيفيّة‌ قطعد قطعة‌ و قد صغتْ هند اُمّ معاوية‌ و بعض‌ النساء الاخريات‌ من‌ كبده‌ و أمعائه‌ و أحشائه‌ التي‌.... قد أخذتها م‌.... الي‌ مكّة‌ قلائد، جعلنها زينة‌ لهن‌، و علّقنها في‌ أعناقهن‌، فيأمره‌ الله‌ بالصبر ـ انظروا هنا العبودية‌ ـ فيختار النبيّ أيضاً الخيار الآخر مع‌ أنّ الله‌ قد سمع‌ له‌ بالتمثيل‌ بشخص‌ واحد لكنّ يختار الصبر. و يصبر و يعفو و لايتمثل‌ ـ جزاء لهذا العمل‌ ـ و لا بشخص‌ واحد الي‌ ءاخر عمره‌. فهذه‌ أيضاً قضيّة‌ عجيبة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الَّذِي‌ صَنَعَ اللَهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ

و في‌ معركة‌ اُحد التي‌ هزم‌ فيها الكفّار المسلمين‌ ـ و إن‌ كان‌ النصر في‌البداية‌ للمسلمين‌ لكنّ مخالفة‌ بعض‌ المسلمين‌ للنبيّ سبّبت‌ هزيمة‌ الإسلام‌ و المسلمين‌ ـ أخذ عبدالله‌ بن‌ أبيّ هذا و المنافقون‌ في‌ الشمائة‌ بالمسليمن‌، و ارتاحوا لإصابة‌ النبيّ و جرحه‌، و لمقتل‌ سبعين‌ شخصاً من‌ المسلمين‌، و لكون‌ الغلبة‌ للكفّار. و أخذوا يتكلّمون‌ بكلام‌ قبيح‌ جدّاً. و عبدالله‌ بن‌ اُبيّ هذا لم‌ يذهب‌ الي‌ الحرب‌ مع‌ عدد من‌ أعوانه‌، بل‌ رجع‌ من‌ فتصف‌ الطريق‌، بينما ذهبت‌ عدّة‌ اُخري‌ منهم‌ مع‌ النبيّ و رجعوا بجراح‌ في‌ أبدانهم‌.

 و لقد كان‌ ابن‌ عبدالله‌ بن‌ اُبيّ هذا أحد أصحاب‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌، و كان‌ مسلماً حسن‌ الإسلام‌، و كان‌ مخالفاً لابيه‌. و اسمه‌ عبدالله‌ بن‌ عبدالله‌ بن‌ اُبيّ فالاب‌ اسمه‌ عبدالله‌، و كذلك‌ الابن‌. و كانت‌ له‌ تضحيات‌ كبيرة‌ في‌ سبيل‌ الله‌، و كان‌ يخالف‌ أبيه‌ و يواجهه‌ دفاعاً عن‌ رسول‌ الله‌ باستمرا، و له‌.... مطوّلة‌، و كان‌ رسول‌ الله‌ أيضاً يساير الاب‌ قليلاً مراعاة‌ منه‌ للابن‌. و قد اُطيب‌ هذا الابن‌ في‌ المعركة‌ أيضاً و عاد الي‌ المدينة‌ جريحاً، و لم‌ يتمكّن‌ من‌ النوم‌ تلك‌ الليلة‌ الي‌ الصباح‌، حيث‌ قاموا بكيّ الجراحات‌ التي‌ في‌ بدنه‌ الي‌ أن‌ التأمت‌ و كانوا يكوونها بالنار لكي‌ لاتلتهب‌).

 و كان‌ عبدالله‌ بن‌ أُبيّ يشاهد هذا الوضع‌ فيشمت‌ بالنبيّ و أصحابه‌، و يسمعهم‌ الكلام‌ المقذع‌ و يخاطب‌ ابنه‌: لقد خرجت‌ الي‌ الحرب‌ يا بنيّ علي‌ رأي‌ هذا الرجل‌ (أيّ محمّد) وَ عَصَانِي‌ مُحَمَّدٌ وَ أَطَاعَ الْوِلْدَانَ فلم‌ يضع‌ الي‌ كلامنا نحن‌ الشيوخ‌ المجرّبين‌ الذين‌ عركنّا الدهر وَاللَّهُ لَكَأَنِّي‌ كُنْتُ أَنْظُرْ إلَی‌ هَذَا.

 فأجابه‌ الابن‌ الَّذِي‌ صَنَعَ اللَهُ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُسْلِمِنيَ خَيْرٌ (و لم‌ يوجّه‌ أيّ كلام‌ قبيح‌ أو سيّ، بل‌ اقتصر علي‌ هذه‌).

 ثم‌  أخذ  اليهود  بإساءة‌  القول‌  أيضاً  من‌  أنّ  محمّداً  قد  خرج‌  و  عاد مهزوماً وَ مَا مُحَمَّدٌ إلاّ طَالِبُ مُلْكٍ فما هو بنبيّ، لو كان‌ نبيّاً لما حمل‌ السيف‌، و لما أسلم‌ نفسه‌ للعدوّ في‌ معركة‌ بهذا النحو لكي‌ يهزموه‌، فهو طالب‌ مُلك‌، و عليه‌ أن‌ ينتهي‌ في‌ زاوية‌ يعيش‌ فيها. فهذا الخطّ من‌ الدعوة‌ ليس‌ بدعوة‌ نبوّة‌ مَا أُصِيبَ هَكَذَا نَبِيُّ قَطُّ، أُصِيبَ فِي‌ بَدَنِهِ وَ أُصِيبُ فِي‌ أَصْحَابِه‌.

 كان‌ هذا كلام‌ اليهود. أمّا المنافقون‌ فقد شرعوا أيضاً بقبيح‌ القول‌ و خذلان‌ المسلمين‌ و إذ لالهم‌، و إساءة‌ القول‌ كذلك‌ في‌ حقّ النبيّ و توبيخ‌ المسلمين‌ و أمرهم‌ بالنفضاض‌ من‌ حول‌ النبيّ، و كانوا يقولون‌ لهم‌: كان‌ قد بقي‌ معنا هؤلإ الذين‌ خرجوا معكم‌ و قتلوا لما قتلوا، و لقد اطاعوا هذا الرجل‌ (محمّد) فقُلوا.

 الرجوع الي الفهرس

نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهُ

 و صل هذا الكلام‌ الي‌ أحد أصحاب‌ النبيّ، فأتي‌ إليه‌ طالباً منه‌ الإذن‌ بقتل‌ من‌ يتكلّم‌ بهذا من‌ اليهود و المنافقين‌.

 فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌: إِنَّ اللَهُ فظِهرُ دِينِه‌ وَ مُعِزُّ نَبِيِّهِ؛ و لِلْيَهُودِ ذِمَّةٌ فَلاَ أَقْتُلُهمْ. إنّهم‌ ليسوا كفّاراً حربين‌، بل‌ ذمّيين‌، و قد تعهّدت‌ بحفظهم‌ و حمايتهم‌، و لئن‌ تكلّموا الآن‌ بما يسيي‌ء فليكن‌، فلايستطيع‌ قتلهم‌ بسبب‌ الكلام‌.

 فقال‌: فَهَؤلإ الْمُنَافِقُونَ يَا رَسُولَ اللَهِ !

 فَقَال‌ رَسُولَ الله‌ صَلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءَالِهِ و سلَّمَ: أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ أَن‌ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَ أَنِّي‌ رَسُولُ اللَهُ ؟

 قَالَ: بَلَي‌ يَا رَسُولَ اللَهِ، وَ إنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.... مِنَ السَّيْفِ؛ فَقَدْ بَأنَ لَهُمْ أَمْرُهُمْ وَ أَبَدي‌ اللَهُ أَضْغَانَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ النَكْبَةِ.

 فَقَالَ رَسُولَ اللَه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌: نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ: لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهِ. و هذه‌ الرواية‌ ينقلها الواقدي‌. [33]

 فانظروا هذا النبيّ الي‌ أيّ درجة‌ هو في‌ صراط‌ العبودية‌ ؟! و كم‌ هو عبد ذليل‌ مطيع‌ لاوامر الله‌ تعالي‌ ؟! حيث‌ يصبر علي‌ كلّ هذه‌ الإساءات‌ القولية‌ ثم‌ يمنع‌ أصحابه‌ الذي‌ جاءوا بسيوفهم‌ المشرعة‌ بهذف‌ الانتقام‌، و يقول‌ لهم‌: دعوهم‌ و شم‌نهم‌، دعوهم‌ يقولون‌ ماشاءوا، فقد أمرني‌ الله‌ سبحانه‌ بعدم‌ قتل‌ من‌ تلفّظ‌ بالشهادتين‌ مهما كان‌ قلبه‌، فلست‌ مكلّفاً بالباطن‌، و انّما باظاهر حيث‌ أمرني‌ الله‌ بقتال‌ الناس‌ حتي‌ يقولوا: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله‌. فإذا قالوها فقد عَصَّمُوا مِنِّي‌ دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ.

 لقد قال‌ النبيّ هذه‌ الجملة‌ عدّة‌ مرّات‌ في‌ مواطن‌ متعدّدة‌. و هذه‌ قضيّة‌ عجيبة‌ للغاية‌ أيضاً، يجب‌ أن‌ تُلفت‌ الإنسان‌ و تنبّهه‌ الي‌ نمط‌ هذا النبيّ و نحو عبوديته‌ بحيث‌ لا يجوّز لنفسه‌ أدني‌' تعدَّ و تجاوز للخطّ الذي‌ رسمه‌ الله‌، و لانّه‌ يريد القيام‌ يعمل‌ خير، فالخير هو في‌ أن‌ يكون‌ عبدالله‌، و أن‌ يجعل‌ ولايته‌ في‌ مسار ولاية‌ الله‌.

 فلو أراد أن‌ يبدي‌ أياً من‌ عند نفسه‌ لحصل‌ اختلاف‌ في‌ الالتجاه‌ مِن‌ هذه‌ الولاية‌ و ولاية‌ الله‌، و لكان‌ هو بنفسه‌ مسؤولاً، أي‌ لكان‌ قد بدّل‌ عمله‌ الحسن‌ بالسيئة‌، أي‌ ان‌ العمل‌ الذي‌ نتيجته‌ الشفاعة‌ الكبري‌ و العمل‌ الذي‌ نتيجته‌ الإمساك‌ بلواء الحمد و ارتقاء منبر الوسيلة‌ و الشفاعة‌ للاوّلين‌ و الآخرين‌ وَ مَا أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَـ'لَمِينَ. [34]

 نتيجته‌ مؤاخذة‌ الله‌ له‌. و لقد كان‌ النبيّ يمتلك‌ نفسيّة‌ كهذه‌ !

 فانظروا الي‌ هذه‌ النفس‌ كم‌ هي‌ خاضعة‌ و فاسعة‌ و ذليلة‌ و مسكينة‌ و مستكينة‌ و في‌ مقام‌ العبودية‌ لله‌، ليس‌ فيها أيّ! جهة‌ أمرا أو نهي‌ أو حبّ ظهور أو أنانية‌ و محورية‌ إلاّ فيما يأذن‌ فيه‌ الله‌.

 هذا هو معني‌' الولاية‌، ولاية‌ الائمّة‌، ولاية‌ أميرالمؤمنين‌، ولاية‌ إمام‌ العصر عليهم‌ السّلام‌، و جميعهم‌ عي‌ هذا النهج‌. هؤلإ الذين‌ يمتلكون‌ الولاية‌ لا يعني‌ أنّهم‌ يستغلّون‌ ولايتهم‌ تلك‌ يوم‌ القيامة‌ فيقومون‌ بإدخال‌ أقوامهم‌ الي‌ الجنّة‌ و جميع‌ مخالفيهم‌ ـ لا المخالفين‌ عقائدياً فقط‌. بل‌ حتي‌ المخالفين‌ عشائرياً ـ الي‌ النار. كلاّ فالامر ليس‌ كذلك‌ علي‌ الإطلاق‌. فكلّ هذه‌ الامور قائمة‌ علي‌ أساس‌ المعني‌ و الحقيقة‌. فمن‌ يدخل‌ الي‌ الجنّة‌ هو ذلك‌ الذي‌ يمتلك‌ علاقة‌ معهم‌. و ذلك‌ الذي‌ يدخل‌ الي‌ النّار هو من‌ يكون‌ منقطعاً عنهم‌. فولايتهم‌ ولاية‌ الله‌ و أمرهم‌ و نهيهم‌ أمرالله‌ و نهيه‌.

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ الآية‌  36، من‌ السورة‌  33 : الاحزاب‌

[2] ـ صدر الآية‌  67، من‌ السورة‌  5 : المآئدة‌

[3] ـ الآية‌  6، من‌ السورة‌  33 : الاحزاب‌

[4] ـ ينقل‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ كتاب‌ «المناقب‌» طباعة‌ المطبعة‌ العلمية‌ في‌ قم‌: ج‌  3، ص‌  105  بألفاظ‌ مختلفة‌ عن‌ كتب‌ العامّة‌ و الخاصّة‌ ـ و من‌ مجلتها «مفردات‌ القرءان‌» للراغب‌ الإصفهاني‌ مع‌ تذييل‌ لطيف‌:

 قال‌ النبيّ  ] صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ [ :  يَا عَلِيُّ ! أَنَا وَ أَنْتَ أَبَوَا هَذِهِ الاُمَّةِ، وَ لَحَقُّنَا عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ أَبَوي‌ وِلاَدَتِهِمْ فَإنَّا نُفقِدُهُمْ إن‌ أَطَاعُونَا مِنَ النَّارِ إلَي‌ دَارِ الْقَرَارِ وَ نُلْحِقُهُمْ مِن‌ الْعُبُودِيَّةِ بِخِيَارِ الاَحْرَار.  و قد نقل‌ المرحوم‌ المجلسي‌ هذا الذيل‌ عن‌ «المفردات‌» أيضاً في‌ «بحار الانوار»: ج‌  36، ص‌  11، ولكنّ هذا الذيل‌ قد خذف‌ من‌ الطبعات‌ الاخيرة‌ «للمفردات‌».

[5] ـ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» ج‌  4، باب‌ نوادر الموارث‌، ص‌  204  من‌ طبعة‌ النجف‌، الرواية‌ الاخيرة‌.

[6] ـ جزء من‌ الآية‌  275، من‌ السورة‌  2 : البقرة‌

[7] ـ صدر الآية‌  1، من‌ السورة‌  5 : المآئدة‌

[8] ـ صدر الآية‌  29، من‌ السورة‌  4 : النّسا

[9] الآیه68، من السوره3: آل عمران.

[10] ـ جزء من‌ الآية‌  124، من‌ السورة‌  2 : البقرة‌

 [11] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌  7، كتاب‌ القضاء و الاحكام‌، ص‌  406، باب‌ أن‌ الحكومة‌ انماهي‌ للامام‌ عليه‌ السلام‌، الحديث‌  2 .

[12] ـ «التهذيب‌» ج‌  6، ص‌  217، كتاب‌ القضايا و الاحكام‌، الباب‌  87، الحديث‌  1 .

[13] ـ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» ج‌  3، ص‌  5، باب‌ اتّقاء الحكومة‌، الحديث‌  3223 .

[14] ـ من‌ الآية‌  6، من‌ السورة‌  5 : المآئدة‌

[15] ـ من‌ الآية‌  78، من‌ السورة‌  22 : الحجّ

[16] ـ من‌ الآية‌  43، من‌ السورة‌  4 : النّساء. و الآية‌  6، من‌ السورة‌  5 : المائدة‌.

[17] ـ «مرآة‌ العقول‌»، ج‌  4، ص‌  265 . «كتاب‌ القضاء»، الطبعة‌ الحديثة‌، و كذلك‌ في‌ ج‌ 4، ص‌  31، من‌ الطبعة‌ الحجرية‌.

[18] ـ «اصول‌ الكافي‌» ج‌  1، ص‌  198، باب‌ نادر جامع‌ في‌ فضل‌ الإمام‌ و صفاته‌، الحديث‌  1 .

[19]  ـ جزء من‌ الآية‌  28، من‌ السورة‌  7 : الاعراف‌

[20] ـ جزء من‌ الآية‌  0 9، من‌ السورة‌  16: النّحل‌

[21] ـ صدر الآية‌  29، من‌ السورة‌  7 : الاعراف‌

[22] ـ من‌ جملة‌ الادعية‌ الواردة‌ بين‌ التكبيرات‌ السبعة‌ الافتتاحية‌ للصلاة‌  «لَبَّيْكَ وَ سَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي‌ يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ وَالْمُهْدِيُّ مَنْ هُوَيْتُ»  «مصباح‌ الكفعمي‌» الطبعة‌ الحجرية‌، ص‌ 15

[23] شراشر: کامل أعضاء جسمه ونفسه.

[24] ـ جزء من‌ الآية‌  30، من‌ السورة‌  10 : يونس‌

[25] ـ «ثمَّ اهتديت‌» ص‌  157

[26] ـ ص‌  165، من‌ مجموعة‌ «علي‌ و الشيعة‌ و فضائل‌ الشيعة‌ و صفات‌ الشيعة‌».

[27] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الجديد الحروفيّة‌، ج‌  21، ص‌  111

[28] ـ «الإرشاد» للشيخ‌ المفيد، طبعة‌ الآخوندي‌، ص‌  85 و 86؛ والطبعة‌ الحجرية‌، ص‌  98 . و «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، طبعد بيروت‌، ج‌  2، ص‌  563. و قد أوردناها في‌ دورة‌ العلوم‌ و المعارف‌ الإسلامية‌، قسم‌ «امام‌ شناسي‌»، «معرفة‌ الإمام‌» ج‌  13، ص‌  78

[29] ـ «شرح‌ روضة‌ الكافي‌» الملاّ صالح‌ المازندراني‌، ج‌  11، ص‌  281

[30] ـ جزء من‌ الآية‌  8، من‌ السورة‌  63: المنافقون‌

[31] ـ الآية‌ 126، من‌ السورة‌ 16: النّحل‌

[32] ـ «المغازي‌» للواقدي‌ ج‌  1، ص‌  290

[33] ـ «المغازي‌» ج‌  1، ص‌  317 . و قد أوردناها في‌ دروه‌العلوم‌ و المعارف‌ الاسلامية‌، قسم‌ «امام‌ شناسي‌» و «معرفة‌ الإمام‌» ج‌  13، ص‌  58

[34] ـ الآية‌  107، من‌ السورة‌  21 : الانبياء

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com