بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایه الفقیه فی حکومه الاسلام/ المجلد الاول/ القسم الخامس: الاوامر الامتحانیة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ السابع‌:

 تحقيق‌ في‌ الاوامر الولايتيّة‌ شبه‌ الامتحانيّة‌

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 فَلَمَّا قَضَي‌' زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَـ'كَهَا لِكَي‌ لاَ يَكُونَ عَلَی‌ الْمُؤمِنِينَ حَرَجٌ فِي‌ أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَو´ا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كَانَ اَمْرُ اللَهِ مَفْعُولاً.[1]

 لقد ورد قضاء الوطر هنا (والذي‌ بيّنا أنّه‌ يعني‌ الاستمتاع‌ و الدخول‌) في‌ موضعين‌ الاوّل‌: فَلَمَّا قَضَي‌' زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً و الثاني‌: في‌ ذيل‌ الآية‌: فِي‌ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَو´ا مِنْهُنَّ وَطَراً.

 و زوجة‌ الابن‌ بالتبنيّ ليست‌ يزوجة‌ ابن‌، سواء كان‌ قد دخل‌ بها أم‌ لا، فلا يتخصّ هذا الحكم‌ بصوره‌ عدم‌ الدخول‌.

 كانت‌ هذه‌ بشكل‌ عام‌ حقيقة‌ قصّة‌ زينب‌ و الامر الولايتي‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌، و التيّ جري‌ بيانها وفقاً للآية‌ القرآنية‌ الشريفة‌ و لتفاسير الشيعة‌. و قد عرفنا أن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ قد واجه‌ إشكالاً، في‌ زواجه‌ من‌ زينب‌ إذ يأمره‌ الله‌ تعالي‌ من‌ جهة‌ بإتمام‌ هذا الزواج‌، بينما الحميّة‌ الجاهليّة‌ الباقيّة‌ بين‌ الناس‌ و اضطراب‌ الحال‌ و عدم‌ مساعدة‌ الظرف‌ لاتفسح‌ المجال‌ لذلك‌ من‌ جهة‌ أخري‌ و قد أقدم‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ علي‌ ذلك‌ انطلاقاً من‌ أمر الله‌، لا بسب‌ ميله‌ الباطني‌ نحو زينب‌. هذا هو واقع‌ القصّة‌ و حقيقتها.

 الرجوع الي الفهرس

 بعض‌ تفاسير العامّة‌ قد حرّفت‌ قضية‌ زينب‌ بشكل‌ قبيح‌

لكنّ الكثير من‌ تفاسير أهل‌ السنّة‌ تبيّن‌ هذه‌ القصّة‌ بصورة‌ غير حسنة‌. و كذلك‌ فعل‌ المستشرقين‌ لانّهم‌ تعرّفوا علي‌ الإسلام‌ و معارفه‌ من‌ خلال‌ تواريخ‌ و تفاسير أهل‌ السنّة‌، لذا فهم‌ يرون‌ الإسلام‌ من‌ هذه‌ الزاوية‌ و يبتلون‌ بالإشكالات‌.

 و علي‌ أيّ تقدير فإنّ قضيّة‌ زينب‌ و زواج‌ النبيّ منها، و قضيّة‌ إخراج‌ الدعيّ و الولد المبتنيّ من‌ النسب‌، و كذلك‌ زواج‌ المرأة‌ الشريفة‌ من‌ الرحل‌ الفقير، كانا أمران‌ ولايتيان‌ سبّبا أن‌ يتصرّف‌ النبيّ بهذا النحو الذي‌ ذُكر.

 و لئن‌ كان‌ تصرّف‌ رسول‌ الله‌، يبدو مخالفة‌ بحسب‌ الظاهر، لكنّه‌ يتّضح‌ بعد التأمّل‌ كان‌ عين‌ الواقع‌ و عين‌ الشريعة‌، و ليس‌ تخطياً عن‌ حكم‌ الله‌ و الشريعة‌.

 أحد الاوامر الولايتية‌ الاُخري‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ هو أمره‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فيما يتعلّق‌ بقتل‌ «مابور» الذي‌ كان‌ عند «مارية‌ القِبْطِيَّة‌». [2]

 فلذا ماذا كان‌ هذا الامر ؟ و ما هي‌ حقيقته‌ ؟ لانّه‌ قلنا أنّ الاوامر الولايتية‌ لرسول‌ الله‌ لا تعدو تلك‌ الطرف‌ الثلاثة‌ التي‌ بيّناها.

 فلذا الآن‌ من‌ أيّ قسم‌ كان‌ أمر النبيّ لاميرالمؤمنين‌.

 لقد كان‌ المقوقس‌ حاكم‌ الاسكندرية‌ قد أرسل‌ حاريتين‌ للنبيّ بعنوان‌ هدية‌. إحدهما اسمها مارية‌، و الاُخري‌ نسرين‌. و كانتا اُختين‌ من‌ الاقباط‌ (من‌ مصر)، فأرسلها المقوقس‌ الي‌ النبيّ مع‌ شخص‌ أمين‌ اسمه‌ «مابور» و هو قبطي‌ أيضاً. و قد ورد في‌ اروايات‌ أنّ مابور قد كان‌ خصتاً و الخصيّ: هو من‌ تُسَلُّ خصتاه‌ لكي‌ تسلب‌ رجولته‌. و كان‌ هذا العمل‌ شائعاً في‌ الماضي‌ كثيراً، خصوصاً في‌ العوائل‌ الحاكمة‌.... فكانوا يخصون‌ الرجال‌ الذين‌ لهم‌ تردّد بين‌ الحريم‌ و يحتاج‌ الي‌ دخولهم‌ الي‌ بيت‌ الحريم‌ لاجل‌ الخدمة‌ و سائر الاعمال‌ اللازمة‌ لكي‌ يُطمئن‌ بشكل‌ كامل‌ الي‌ عدم‌ صدور خيانة‌ منهم‌.

 و لقد أرسل‌ المقوقس‌ «مابور» والذي‌ كان‌ بحسب‌ بعض‌ الروايات‌ من‌ قوم‌ مارية‌ و نسرين‌، و بحسب‌ بعضها الآخر من‌ الروم‌ لاحل‌ الخدمة‌ و المساعده‌ و المرافقة‌ و الحماية‌، و بملاحظة‌ امانته‌ فقد أرسله‌ معهما الي‌ النبيّ.

 و بالطبع‌ فانّهم‌ لم‌ يكونوا وحدهم‌، بل‌ كان‌ ـ افقهم‌ في‌ رجوعه‌ أحد أصحاب‌ النبيّ الذي‌ كان‌ ذاهباً الي‌ مصر في‌ مهمة‌ حاملاً رسالة‌ من‌ النبيّ فقام‌ أثناء الطريق‌ بتعليم‌ الرجل‌ و المرأتين‌ الكثير من‌ التعاليم‌ المدنيّية‌.

 و ورد في‌ بعض‌ الروايات‌ أنّ مابور قد أسلم‌ أثناء الطريق‌ و قبل‌ الوصول‌ الي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌. و قد اصطفي‌ النبيّ من‌ بين‌ الجاريتين‌ مارية‌ لنفسه‌، بينما وهب‌ نسرين‌ لحسّان‌ بن‌ ثابت‌.

 و كانت‌ بعض‌ نساء النبيّ ـ و خصوصاً عائشة‌ و حفصة‌ ـ تؤذيه‌ و تقول‌: ما هذا العمل‌ ! أو لسنا نحن‌ نساءن‌ و لدينا كذا و كذا من‌ الصفات‌ ؟

 و مع‌ أنّ اقتناء الجواري‌ أمر حلال‌ و جائز للنبيّ لكن‌ بما أنّ مارية‌ امرأة‌ جميلة‌ و تملك‌ صفات‌ متميزة‌ فقد حسدنها و صعّبن‌ الامر علي‌ النبيّ الي‌ أن‌ تعب‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ فأخذ مارية‌ و أسكنها في‌ أعالي‌ المدينة‌ المتّصلة‌ بنجد، إذ كان‌ هناك‌ بساتين‌ و قد حفر لها أيضاً بئرما، و تسميّ الآن‌ أيضاً ب «مشربة‌ اُم‌ إبراهيم‌» و يسكن‌ هناك‌ بعض‌ الشيعة‌.

 و كان‌ النبيّ يذهب‌ لرؤية‌ مارية‌ هناك‌ لانّها بعيده‌ عن‌ المدينة‌ و عن‌ فتنة‌ نسائه‌ و حسدهن‌.

 و قد كانت‌ مارية‌ امرأة‌ غاية‌ في‌ الجلالة‌ و الإيمان‌ و الفهم‌ و حسن‌ الشخصيّة‌ و الادب‌ و التربية‌ و الاحتياط‌، و تعدّ من‌ محبّي‌ الزهراء و أميرالمؤمنين‌ عليهما الصلاة‌ و السّلام‌. و كانت‌ هذه‌ الامور من‌ خصائصها البارزة‌ التي‌ ربما كانت‌ هي‌ المسببة‌ لحسد الآخرين‌ لها.

 الرجوع الي الفهرس

مسألة‌ اتّهام‌ مارية‌ القِبطيّة‌ بواسطة‌ عائشة‌

 و قد وهب‌ الله‌ رسوله‌ من‌ مارية‌ إيناً اسمه‌ إبراهيم‌، توفّي‌ بعد أن‌ بلغ‌ سنة‌ و ثمانية‌ أشهر تقريباً.

 و قد استعظمت‌ عائشة‌ كثيراً إتيان‌ مارية‌ بولد، إذ أنّها لم‌ تكن‌ تملك‌ ولداً، ممّا كان‌ يذكي‌ شعلة‌ الحسد في‌ أعماق‌ قلبها.

 و قد ذكر ابن‌ أبي‌ الحديد و آخرون‌ أيضاً أنّ مقداراً من‌ حسدها للزهراء سلام‌ الله‌ عليها كان‌ لهذا السبب‌، إذ رأت‌ أنّ الزهراء عندها عدّة‌ أولاد هم‌ أولاد حقيقيون‌ للنبيّ، و كان‌ النبيّ يقوم‌ بتقبيلهم‌ و تدليلهم‌، فكان‌ يثقل‌ عليها أن‌ تري‌ عليها بلا ولد، بينما نسبت‌ النبيّ التي‌ هي‌ في‌ عرمها لهادّة‌ اولاد، هم‌ أولاد حقيقيون‌ للنبيّ، و النبيّ يبدي‌ لهم‌ تلك‌ المحبّة‌ و العناية‌. و كان‌ الامر بالنسبة‌ بالماريد علي‌ هذا النحو الي‌ حدّ ما، و بالطبع‌ فانّه‌ لم‌ يصل‌ الي‌ ما كان‌ عليه‌ بالنسبة‌ الي‌ الزهراء عليها السّلام‌، لكنّ حسد عائشة‌ وصل‌ الي‌ الحدّ الذي‌ جعلها تقول‌ فيه‌ للنبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءال‌ أنّ هذا الإيمن‌ الذي‌ أتت‌ به‌ مارية‌ ليس‌ إبنك‌، و أنّها و العياذ بالله‌ قد جاءت‌ به‌ من‌ ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ يخدمها. و الدليل‌ علي‌ هذا المطلب‌ إنّك‌ منذ جئت‌ المدينة‌ لم‌ تأت‌ بولدٍ من‌ نسائك‌ لا منيّ و لا من‌ غيري‌، و ليس‌ عندك‌ اولاد سوي‌ من‌ خديجة‌ في‌ مكّة‌.

 و كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ حاضراً، فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌: يا عليّ إذهب‌ و اقتل‌ ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ مع‌ مارية‌.

 فقام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ و قال‌: أأنفذ أمرك‌ رأساً يا رسول‌ الله‌ أم‌ تعطيني‌ حرية‌ الرأي‌ و التصرّف‌ أيضاً ؟ فقال‌ النبيّ لك‌ ذلك‌، فاذهب‌ و انظر ما الامر و تصرّف‌ مسبحا تري‌.

 فذهب‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الي‌ هناك‌، و ما أن‌ سار نحو «مابور» بالسيف‌ حتيّ فرّ منه‌ و صعد الي‌ نخلة‌ كانت‌ هناك‌ و رمي‌... نفسه‌ منها الي‌ الارض‌ رافعاً رجليه‌ نحو السماء بنحو انكشفت‌ منه‌ عورته‌، و قد أراد بهذا التصرّف‌ أن‌ يُري‌ نفسه‌. فرأي‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ ليس‌ برجل‌ أصلاً، و حتي‌ أنّه‌ ليس‌ بخصيّ أيضاً. و الخصيّ من‌ تسّل‌ خصيتاه‌ لكي‌ تسلب‌ رجوليته‌. و أنّما هو أجبّ أمسح‌، أي‌ قد ولد لا يمتلك‌ ءالة‌ الرجولية‌: مَا لَهُ مِمَّا لِلرَّجُلِ قَلِيلٌ وَ لاَ كَثِيرٌ».

 فأعمد أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ سيفه‌ و رجع‌ الي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ و حكي‌ له‌ القصّة‌. فقال‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ «الْحَمْدُلِلَّهِ الَّذِي‌ يَصْرِفُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ الإمْتِحَانَ».

 الرجوع الي الفهرس

إخبار أمير المؤمنين‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ببراءة‌ مابور

 و نذكر هذه‌ الرواية‌ طبقاً لما نقله‌ المرحوم‌ العالم‌ الكبير و الفقيه‌ الجليل‌ و مفخرة‌ الإسلام‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ في‌ «المناقب‌» و نبحث‌ حولها:

يقول‌ ابن‌ شهرءاشوب‌[3] : يروي‌ التاريخي‌ في‌ تاريخه‌ ] أبونعيم‌ [ الإصفهاني‌ في‌ «حلية‌ الاولياء» عن‌ محمد بن‌ الحنفية‌ إِنَّ الَّذِي‌ قُذِنَتْ بِهِ مَارِيَةُ وَ هُوَ خَصِيُّ اسْمُهُ مَابُورُ؛ وَ َانَ الْمُقَوْقِسُ أَهْلاَهُ مَعَ الْجَارَيَتَيْنِ إلَي‌ النَّبِيِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَ ءَالِهِ وَ سَلَّمَ. فَبَعَثَ النَّبِيُّ عَلِيّاً عَلَیهِ السَّلامُ وَ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ. فَلَمَّا رَأَي‌ عَلِيّاً وَ مَا يُرِيدُ بِهِ تَكَشَّفَ حَتَّي‌ بَيَّنَ لِعَلِيٍّ أَنَّهُ أَجَبُّ، لاَ شَي‌ءَ مَعَهُ مِمَّا يَكُونُ مَعَ الرِّجَالِ؛ فَكَفَّ عَنْهُ عَلَیهِ السَّلاَمُ.

 و يقول‌ كذلك‌ ابن‌ شهرءاشوب‌ [4] عن‌ أبي‌ نعيم‌ الإصفهاني‌ في‌ «حلية‌ الاولياء» في‌ خبر بإسناده‌ عن‌ محمّد بن‌ إسحاق‌: إِنَّهُ كَانَ ابْنُ عَمَّ لَهَا يَزُورُهَا فَأنْفَذَ عَلِيّاً لِيَقْتُلَهُ. قَالز: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ !! أَكُونُ فِي‌ أَمْرِكَ إِذَا أَرْسَلْتَينِي‌ كَالسَّبَكَةِ.[5]  المُحْمَاةِ ؟! ـ وَ فِي‌ رِوَايَةٍ: كَالْمِسْمَارِ المُحْمَي‌' فِي‌ الْوَبر ـ وَ لاَ..... شَي‌ءٌ حَتَّي‌ أَمْضَي‌ لِمَا أَرْسَلْتَنِي‌ بِهِ ؟! وَالشَّاهِدُ يَرَي‌ مَا لاَ يَرَي‌ الْغَائِبُ ؟!

 فَقَالَ: بَلِ الشَّاهِدُ قَد يَرَي‌ مَا لاَ يَرَي‌ الْغَائِبُ.

 فَأَقْبَلْتُ مُتَوَشِّحاً [6]  السِّيْفَ فَوَجَدْتُهُ عِنْدَهَا؛ فَاخْتَرَطْتُ[7]   السَّيْفَ؛ فَلَمَّا أَقْبَلْتُ نَحْوَهُ عَرَفَ أَنِّي‌ أَرِيدُهُ؛ فَأَتَي‌ نَخْلَةً فَرَقَي‌' فِيهَا، ثُمَّ رَقِي‌ بِنَفْسِهِ عَلَی‌ قَفَاهُ وَ شَغرٌ[8]   بِرِحْلَيْهِ، فَإذَا هُوَ أَجَبُّ أَمْسَحُ مَا لَهُ مِمَّا لِلرَّجُلِ قَلِيلٌ وَ لاَكَثِيرٌ. فَأَغْمَدْتُ سَيْفِي‌ ثُمَّ أَتَيْتُ إلَی‌ النَّبِيُّ ] صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَ ءَالِهِ وَ سَلِّمَ [ فَأخْبَرْتُهُ؛ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ يَصْرِفُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ الإمْتِحَانَ».

 و يروي‌ ابن‌ شهرءاشوب‌[9]  كذلك‌، عن‌ ابن‌ بابويه‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌: «قَالَ أمِيرُالمُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ فِي‌ ءَاخرِ احْتِجَاجِهِ عَلَی‌ أَبي‌ بَكْرٍ بِثَلاَثٍ وَ عِشْرِينَ خَصْلَةً: نَشَدْتُكُمْ بِاللَهِ ؟ هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَهِ: إِنَّ إبْرَاهِيمَ لَيْسَ مِنَكَ وَ إِنَّهُ مِنْ فُلاَنٍ الْقِبْطِي‌ِّ؛ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ فَاذْهَبْ فَاقْتُلْهُ ! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ، إِذَا بَعَثَيْنِ أَكُونُ كَالْمِسْحَارِ الْمُحْمَي‌' فِي‌ الْوَبَرِ لِمَا أَمَرْتَنِي‌ ؟!»

 و ليس‌ هناك‌ أيّ! تفاوت‌ بين‌ معني‌ هذه‌ الرواية‌ و الرواية‌ السابقة‌ التي‌ ذكرناها.

 يقول‌ في‌ الرواية‌ التي‌ ذكرناها عن‌ «حُلية‌ الاولي‌ء» أَكُونَ فِي‌ أَمْرِكَ إِذَا أَرْسَلْتَنِي‌ كَالسَّبَكَةِ الْمُحْمَاةِ؟!

 و لم‌ أجد في‌ اللغة‌ معني‌ للسبكة‌، أمّا اسبيكة‌ فهي‌ القطعة‌ من‌ الفضة‌ أو الذهب‌ أو غيرهما من‌ المعادن‌ التي‌ تذاب‌ و تُجعل‌ في‌ قالب‌ الي‌ أن‌ تصبح‌ علي‌ الشكل‌ المعروف‌ ] للسبيكة‌ [، و جمعها سبائك‌. و هذا أيضاً معني‌ جيد. فكالسبكة‌ المحماة‌، أي‌ مثل‌ هذه‌ السبئك‌ المحماة‌ في‌ القوالب‌ بهذا الشكل‌، و هذ حيثما وضعت‌ خصوصاً إذا وصلت‌ للصوف‌ أو القطن‌ تُحرِق‌ و تُئلِف‌، فهل‌ أعمل‌ كذلك‌ ؟!

 و لقد رأينا أيضاً أنّه‌ في‌ بعض‌ الروايات‌ يقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: أَكُونُ كَالسِّكَّةِ الْمُحْمَاة‌؟ وَ السَّكة‌ هي‌ا.... الحديدي‌ الذي‌ يشدّ الي‌...... و تشقّ به‌ الارض‌. أي‌ اذهب‌... الكسته‌ و أنفد.... و في‌ نفس‌ الرواية‌ كَالمِسْمَارِ الْمُحْمَي‌' ؟ اي‌ اذهب‌ كالمسمار دون‌ سؤوال‌ و الجواب‌ أم‌ أعمل‌ بغير ذلك‌ «وَالشَّاهِدُ يَرَ مَا لاَ يَرَي‌ الْغَائِبُ» ؟ فَقال‌ له‌ النبيّ: بل‌ الشاهد يري‌ ما لايري‌ الغائب‌. و كان‌ هذا أصل‌ المطلب‌. [10]

 فليبحث‌ الآن‌ في‌ هذا المسألة‌ و نري‌ علي‌ أي‌ أساس‌ بُني‌ الامر:

 فهذه‌ المسألة‌ فيها إشكال‌ فقهي‌ و إشكال‌ كلامي‌.

 أَمّا الإشكال‌ الفقهي‌ فهو أنّه‌ كيف‌ يأمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ أميرالمؤمنين‌ بأن‌ يذهب‌ فيتقل‌ مابور؟! و علي‌ أساس‌ أيّد مسؤولية‌ أو جريمة‌ ؟ إذ انّه‌ لم‌ يكن‌ قد ارتكب‌ ذنباً ليوكن‌ مستحقّاً بقلت‌.

 و أمّا الإشكال‌ الكلامي‌ فهو أنّ ذلك‌ الشخص‌ كان‌ مجبوباً، أي‌ أنّه‌ ولد ممسوحاً، و رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ يعلم‌ الغيب‌، و كان‌ مابور يتردّد علي‌ مارية‌ لفترة‌ طويلة‌، فكيف‌ يكون‌ النبيّ غير مطّلع‌ علي‌ كونه‌ مجبوباً و أنّه‌ شخص‌ أمين‌ و أنّ تُهْمة‌ عائشة‌ لامحلّ لها ؟ حتّي‌ يأمر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بقتله‌. و هذا يعتبر إشكالاً مهماً منا لنايحد الكلاميّة‌.

 و لذا فعند ما شاهدت‌ هذه‌ الرواية‌ فيما سلف‌ من‌ الزمان‌ و نبحث‌ حولها مع‌ بعض‌ الاحِلَّة‌ قالوا بأنّ معني‌ هذه‌ الرواية‌ غير واضح‌ بالنسبة‌ الينا بأيّ!وجه‌ من‌ الوجوه‌، مع‌ أنّها منقولة‌ من‌ قِبل‌ الخاصّة‌ و العامّة‌. و لذا حاول‌ البعض‌ إنكار هذه‌ الرواية‌ و القول‌ بأنّها لاتتعلّق‌ بمارية‌ و إنّما بعائشة‌ في‌ السفر الذي‌ اصطحبها معه‌ فيه‌ رسول‌ الله‌ و تخلّفت‌ عن‌ القافلة‌ شيئاً ما في‌ الطريق‌، و اتهمها عبدالله‌ بن‌ أبي‌ بالزنا. و لكي‌ يرفع‌ أهل‌ السنّة‌ تهمة‌ الزنا عن‌ عائشة‌ نسبوص‌ الي‌ مارية‌ بينما قال‌ البعض‌ أيضاً بأنّهم‌ لم‌ يفهموا حقيقة‌ هذه‌ القضية‌.

 الرجوع الي الفهرس

 أمر رسول‌ الله‌ بقتل‌ مابور كان‌ نظير الاوامر الامتحانيّة‌

و علی ما يبدو في‌ النظر فهو أنّ أمر رسول‌ الله‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ نظير الاوامر الامتحانية‌ و ليس‌ أمراً حقيقياً.

 و توضيح‌ ذلك‌: إنّ الاوامر علي‌ نوعين‌: حقيقية‌ و امتحانية‌. في‌ الاوامر الحقيقة‌ تكون‌ المصلحة‌، المأموريه‌، بينما في‌ الاوامر الامتحانيّة‌ تكون‌ المصلحة‌ في‌ نفس‌ الامر لا المأمور به‌، و ذلك‌ كأمر اللهُ النبيّ ابراهيم‌ بذبح‌ ولده‌ اسماعيل‌ يَـ'بُنَيَّ إِنِّي‌ اَرَي‌' فِي‌ الْمَنَامِ أَنِّي‌ أَذْبَحُكَ فَأنظُرْ مَاذَا تَرَي‌' [11]. لانّ أمر لإبراهيم‌ بقتل‌ ولده‌ ليست‌ المصلحة‌ فيه‌ في‌ المأمور به‌، أي‌ ليس‌ هناك‌ مصلحة‌ في‌ الخارج‌ في‌ ذبح‌ اسماعيل‌ بيد إبراهيم‌، و إنّما المصلحة‌ هنا في‌ نفس‌ الامر.

 المصلحة‌ في‌ هذا الامر هو في‌ إقدام‌ إبراهيم‌ تنفيذه‌ لا في‌ تحقّقه‌ الخارجي‌. و بناءً عليه‌ فلو ألتي‌ بهذا المأموريّة‌.... المصلحة‌ الامرية‌، و إلاّ فلا. و المصلحة‌ الامرية‌ هي‌ نفس‌ حالة‌ غلتسليم‌ و الانقياد من‌ لدن‌ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌. أمّا المأمور به‌ الظاهري‌ الذي‌ هو ذبح‌ اسماعيل‌ في‌ الخارج‌ فلم‌ يكن‌ محّلاً لطلب‌ الله‌ منذ البداية‌، فلم‌ يكن‌ مراداً لله‌ أن‌ يقتل‌ ابرايهمي‌ اسماعيل‌ منذ البداية‌. لذا فعند ما صدر الامر بقتل‌ اسماعيل‌ و وجد الله‌ إبراهيم‌ مطيعاً، فقد تحقّقت‌ المصلحة‌ الامرية‌ و لم‌ يبق‌ ثمّة‌ مورد لتحقّق‌ المأمور به‌ الظاهري‌، لذا قال‌ تعالي‌: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا[12]،  فلم‌ يعد من‌ اللازم‌ أن‌ تقتله‌ لانّ المقصود من‌ الامر قد تحقّق‌.

 و تسمرّ هذه‌ بالاوامر الامتحانية‌ حيث‌ تكون‌ المصلحة‌ في‌ نفس‌ الامر فقط‌.

 و المسألة‌ هنا علي‌ هذا النحو، فأمر رسول‌ الله‌ لاميرالمؤمنين‌ عليهما السّلام‌ نظير الاوامر الامتحانية‌، لا أنّه‌ بنفسه‌ أمر امتحاني‌، لانّه‌ لم‌ يكن‌ ثمّة‌ مصلحة‌ في‌ المأمور به‌ فيه‌، و إنّما المصلحة‌ في‌ نفس‌ الامر و لو لغاية‌ اُخري‌ غير المصلحة‌ الامرية‌. و هذا يسمّي‌ نظير الاوامر الامتحانية‌. لم‌ يكن‌ المراد من‌ أمر رسول‌ الله‌ قتل‌ «مابور» واقعاً، و إنّما كان‌ المراد كشف‌ هذه‌ الامور المستورة‌ أمام‌ الناس‌.

و ما‌ هي‌ المصلحة‌ فب هذا الامر ؟ لقد قذفت‌ عائشة‌ مارية‌ و التّهمتها بالزنا و اعتبرت‌ ابن‌ رسول‌ الله‌ و العياذ بالله‌ ابن‌ زنا. و ينبغي‌ التأمّل‌ هنا في‌ الموقف‌ الذي‌ سيتّخذه‌ رسول‌ الله‌ تجاه‌ هذه‌ القضية‌ و تجاه‌ هذه‌ الإتّهام‌. فإنّه‌ لو لم‌ يهتم‌ بالقضيّة‌..... ذلك‌ الاتّهما، و لقال‌ أهل‌ المدينة‌ من‌ المنافقين‌ و النصاري‌ و اليهود: إمّا بعض‌ مخدّرات‌ النبيّ و جواريه‌ كانت‌ زانية‌ و قد ولدت‌ من‌ الزنا ولداً اعتبره‌ الرسول‌ إبناً له‌ أيضاً. و لبيقي‌ هذا العار لاصقاً بيت‌ الوحي‌ الي‌ الابد. [13]

 إذ لم‌ يكن‌ في‌ وسع‌ النبي‌ أن‌ يبقي‌ ساكتاً أمام‌ تُهمة‌ عائشة‌ هذه‌ فينجي‌ عليه‌ أن‌ يكشف‌ الحقيقة‌. فكيف‌ يمكن‌ كشف‌ الحقيقة‌ يا تري‌ ؟ هل‌ يحضر «مابور» إلي‌ المحكمة‌ و يستنطقه‌ و يجعله‌ يُقسم‌ ؟ ففي‌ هذه‌ الصورة‌ سيُقال‌ بأنّه‌ أقسم‌ كاذباً و... خوفاً من‌ إقامة‌ الحدّ عليه‌.

 الرجوع الي الفهرس

حقيقة‌ هذه‌ الواقعة‌ مجهولة‌ بالنسبة‌ لبعض‌ الاجلإ

هل‌ يجب‌ إحضار مارية‌ و جعلها تواجه‌ عائشة‌ ؟ فهذا أيضاً لايوصل‌ الي‌ نتيجة‌. فطرفا الدعوة‌ أي‌ عائشة‌ و مارية‌ كلتاهما..... بكلامهما. علاوة‌ علي‌ ذلك‌ و علي‌ فرض‌ أنّ النبيّ قال‌ لعائشة‌ انّ هذا الاتّهام‌ ناشي‌ء من‌ توهّهما و افترائها و ليس‌ له‌ أي‌ نصيب‌ من‌ الواقع‌ فستكون‌ في‌ مقام‌ الإنكار و تدّعي‌ ثبوت‌ الواقعة‌. و عليه‌ فلن‌ تصل‌ المسألة‌ الي‌ نتيجة‌ إيجابية‌.

 و هل‌ يأمر رسول‌ الله‌ أميرالمؤمنين‌ عليهما السلام‌ بالذهاب‌ و تفتيش‌ «مابور» و كشف‌ عورته‌ ليري‌ هل‌ أنّه‌ رجل‌ واقعاً أم‌ إمرأة‌ أم‌ خصيّ ؟ فهذا الامر من‌ النبيّ غير معقول‌ و لا مقبول‌، و هو امر خاطي‌ء غير صائب‌. فالنبيّ يعلم‌ الامر جيداً، و لا محلّ الشبهة‌ بالنسبة‌ له‌، فالانبياء مطّلعون‌ علي‌ جميع‌ نيّاتنا و «مابور».... و جهل‌ بالامر، لكنّ الامر بكشف‌ عورته‌ خطأ، و نتيجة‌ هي‌ أنّ كلّ من‌ يُتهم‌ بالزنا يجب‌ أن‌ نُكشف‌ عورته‌ قبل‌ أي‌ تحقيق‌ في‌ حقّه‌ لكي‌ يتّضح‌ هل‌ أنّه‌ رجل‌ أم‌ لا. فإذا كان‌ رجلاً..... فكلّ من‌ يريدون‌ إقامة‌ الحدّ عليه‌ يجب‌ أن‌ نُكشف‌ عورته‌ أولاً، إذ لو أردنا كشف‌ الحقيقة‌ في‌ الخارج‌ فلا طريق‌ ممكن‌ غير هذا الطريق‌. مع‌ أنّه‌ هذه‌ الطرق‌ بنظر الشرع‌ مسدودة‌ غير مسموح‌ بها.

 الرجوع الي الفهرس

لو لم‌ يحصل‌ الامر الامتحاني‌ّ من‌ النبي‌ّ لظلّ بيت‌ الوحي‌ والرسالة‌ مضغة‌ في‌...

 و حقيقة‌ المسألة‌ بهذا النحو: فرسول‌ الله‌ و أميرالمؤمنين‌ عليهما السلام‌ كلاهما كانا يعلمان‌ بجميع‌ خصوصيّات‌ المسألة‌ من‌ عفّة‌ و عصمة‌ و جلالة‌ و طهارة‌ ولادة‌ إبراهيم‌ و الحقد السابق‌ لعائشة‌، و كون‌ هذا القذف‌ مختلفقاً، و يعلمان‌ و طهارة‌ ذيل‌ مارية‌، و برءة‌ خارمها «مابور» و كانت‌ المسألة‌ عندهما واضحة‌ وضوح‌ الشمس‌، لكنّ الرسول‌ أراد توضحي‌ القضيّة‌ للناس‌ لكي‌ يغسل‌ هذا الاتّهما الي‌ يوم‌ القيامة‌ عن‌ البري‌ء و يبقي‌ وصمة‌ عامر علي‌ المفتري‌.

 فلنفكّر واقعاً و لو هل‌ كان‌ يستطيع‌ النبيّ أن‌ يقوم‌ بعمل‌ أفضل‌ من‌ هذا بأن‌ يأمر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بالاتجاه‌ نحو «مابور» بالسيف‌ لنقوم‌ هو بكشف‌ عورته‌ بهذه‌ الصورة‌ أيضاً لكي‌ يخرج‌ نفسه‌ من‌ التهمة‌. أو وفقاً لرواية‌ «حلية‌ الاولياء» و حيث‌ إنّه‌ رجل‌ محترم‌ لايريد كشف‌ عورته‌ فقد اُلقي‌ نفسه‌ رافعاً رجليه‌ متظاهراً بأنّه‌ كان‌ يريد ارتقاء النخلة‌، و أنّه‌ لم‌ يكشف‌ عورته‌ و انّ رجليه‌ ارتفعتا قهراً، لكي‌ تتضح‌ القضيّة‌.

 تأمّلوا جيداً في‌ هذه‌ الصورة‌ حيث‌ ينقل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ حقيقة‌ الامر لرسول‌ الله‌، بينما يقوم‌ النبيّ بتوضيح‌ الامر للناس‌، و أنّ هذا الاتهام‌ الذي‌ نسبوه‌ لمابور سالب‌ باتنفاء الموضوع‌، و أنّهم‌ قد ارتكبوا ذنباً عظيماً بتوجيه‌ اتّهما كذها لمارية‌ القبطية‌، تلك‌ المرأة‌ العفيفة‌ النجيبة‌، و لإبراهيم‌ الذي‌ قال‌ فيه‌ رسول‌ الله‌: لو كان‌ هناك‌ نبي‌ بعدي‌ (و لم‌ تختم‌ النبوة‌ به‌) لكانت‌ النبوة‌ لإبراهيم‌. لقد كان‌ لدي‌ هذا المستوي‌ في‌ القابلية‌، و بهذا لانكشاف‌ في‌ الخارج‌ فقد أُريق‌ ماء وجه‌ عائشة‌ و سائر المفسدين‌ بشكل‌ كامل‌.

 و لم‌ يقل‌ رسول‌ الله‌: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ يَصْرِف‌ عَنَّا الْعَارَ، و إنّما قال‌: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ يَصْرِف‌ عَنَّا لِلإمْتِحَاهِ وَالَّذِي‌ أَزَالَ عَنَّا سُمْعَةَ السُّوءِ. المترتبة‌ علي‌ الفتنة‌ و الفساد. واوضح‌ جيداً لعائشة‌ و حفصة‌ و أبويهما و للمنافقين‌ و اليهود و النصاري‌ و سائر الناس‌ حقيقة‌ الامر. لقد كان‌ هذا أمر سرّياً و منتبانياً عليه‌ بين‌ رسول‌ الله‌ و أميرالمؤمنين‌ عليهما السلام‌. قد تحقّق‌ في‌ هذه‌ الواقعة‌ فقط‌. فهل‌ ورد في‌ رواية‌ في‌ غير هذا المورد أنّ رسول‌ الله‌ يأمر أميرالمؤمنين‌ يأمر. فيطلب‌ منه‌ أن‌ يعطيه‌ حرّية‌ التصرّف‌ ؟ ففي‌ كل‌ مورد لكن‌ يصدر عن‌ رسول‌ الله‌ أمر لكن‌ الإمام‌ ينفّذه‌ دون‌ تأمّل‌. فالسبّب‌ إذن‌ في‌ أنّه‌ حقّ الاختيار ] و حرية‌ التصرّف‌ [ من‌ رسول‌ الله‌ في‌ هذا المورد هو هذه‌ الناحية‌.

 لم‌ يكن‌ أمر رسول‌ الله‌ بأن‌ يقتل‌ «مابور» في‌ الخارج‌، و ذلك‌ لانّه‌ كان‌ بريئاً، و إنّما كان‌ الهدف‌ كشف‌ القضيّة‌ «وَالشَّاهِدُ يَرَي‌' مَا لاَ يَرَي‌' الْغَائِبُ». فالقضيّة‌ كانت‌ بهذا النحو.

 فلا حظوا بأيّ نحو حسن‌ و لطيف‌ و دقيق‌ تمّ إعجاز الامر بواسطة‌ أمر النبيّ هذا لذي‌ هو نظير الاوامر الامتحانية‌. و الشاهد علي‌ هذا المطلب‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يعدُّ هذه‌ المهمّة‌ من‌ فضائله‌، و يحسب‌ هذا العمل‌ فضيلة‌ خاصّة‌ له‌ من‌ بين‌ ثلاثة‌ و عشرين‌ خصلة‌ من‌ فضائله‌ التي‌ احتجّ بها علي‌ أبي‌ بكر. و هذا بنفسه‌ دليل‌ علي‌ أنّ هذا الامر كان‌ نظير الاوامر الامتحانية‌، و كان‌ سرّاً بينه‌ و بين‌ رسول‌ الله‌ لم‌ يطّلع‌ عليه‌ غيره‌.

 و لو كان‌ هذا أمراً حيقياً، و كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قد ذهب‌ لتقل‌ «مابور» فقام‌ بارتقاء النخلة‌ و فعل‌ ما فعل‌، ثمّ رجع‌ أميرالمؤمنين‌ بالجواب‌ الذي‌ رجع‌ به‌ إلي‌ الرسول‌، لما كانت‌ هذه‌ منقبة‌ له‌ و لا عُدّت‌ فضيلة‌ له‌. لقد أراد أميرالمؤمنين‌ إفهام‌ أبي‌ بكر ـ و قد صدّقة‌ هو أيضاً علي‌ ذلك‌ ـ أنّ هذا المطلب‌ كان‌ سرّاً بينه‌ و بين‌ النبيّ لم‌ يطّلع‌ عليه‌ أحد. و هذا السرّ انّما يتملكه‌ من‌ يكون‌ عالماً بالغيب‌ و إلاّ لما استطاع‌ تنفيذ هذه‌ المهمّة‌ بهذه‌ الصورة‌، و لم‌ يكن‌ هناك‌ أحد غيره‌ عالم‌ بالغيب‌ و مطّلع‌ علي‌ براءه‌ مارية‌ و إبراهيم‌ و مابور، و علي‌ حقيقة‌..... التي‌ صدرت‌ من‌ عائشة‌. و قد كان‌ المطلب‌ واضحاً لديه‌ إنكشافه‌ لرسول‌ الله‌، و هذه‌ الفضيلة‌ مختصّة‌ به‌، و لم‌ يكن‌ هناك‌ أحد غيره‌ يملك‌ هذا العلم‌.

 و لذا يذكر عليه‌ السلام‌ هذه‌ القضيّة‌ كاحتجاج‌ و استشهاد علي‌ أبي‌ بكر من‌ بين‌ ثلاث‌ و عشرين‌ منقبة‌ له‌. و هذا بنفسه‌ دليل‌ علي‌ أنّ أمر رسول‌ الله‌ و طلبه‌ هذا لم‌ يكن‌ أمراً تقتضيه‌ المصلحة‌ و أنّ المصلحة‌ كانت‌ في‌ نفس‌ الامر بالشكل‌ الذي‌ ذكرناه‌.

 و قد قلنا أنّ هذا الامر هو نظير الاوامر الامتحانيّة‌، لا أنّه‌ الاوامر الامتحانية‌. و ذلك‌ لانّ مراد رسول‌ الله‌ لم‌ يكن‌ اختبار أميرالمؤمنين‌ عليهما السّلام‌، و إنّما كان‌ مراده‌ كشف‌ القضيّة‌ للآخرين‌، لكنّه‌ يشترك‌ مع‌ الاوامر الامتحانية‌ في‌ جهة‌ أنّه‌ لم‌ يكنالمراد به‌ إتيان‌ المأمور به‌ في‌ الخارج‌.

.....الله‌ إذن‌ لم‌ يبق‌ لا الإشكال‌ الفقهي‌ و لا الكلامي‌، بل‌ اتّضحت‌ كلتا المسألتان‌.

 و ينبغي‌ التأمّل‌ و التفكير حقيقة‌ أنّه‌ لو نسب‌ أحد. السوء لا سمع‌ الله‌ ـ الي‌ عيالكم‌ أو أبنائكم‌ و أردتم‌ توضيح‌ المسألة‌ و حقيقة‌ الامر في‌ الخارج‌ فهل‌ انّ هناك‌ ثمّة‌ طريقة‌ أفضل‌ من‌ هذه‌ للقيام‌ بذلك‌ !! الجواب‌ هو النفي‌ الحتمي‌.

 فمن‌ المحال‌ القيام‌ بعمل‌ ءاخر غير هذا بنجو يفحم‌ جميع‌ المستشرقين‌ و اليهود و النصاري‌ و المجوس‌ و المنافقين‌ و غيرهم‌، و يجعلكم‌ تخرجون‌ من‌ القضية‌ مرفوعي‌ الرأس‌.

 الرجوع الي الفهرس

طريق‌ رفع‌ التهمة‌ عن‌ مارية‌ من‌ عجائب‌ أسرار الولاية‌

لقد اعتبر أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ طريقة‌ رفع‌ التهمة‌ من‌ مفاخره‌

 و إنّ هذا المطلب‌ لهو من‌ فضائل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، و من‌ جهات‌ عظمة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ حقّاً.

 و نعود الآن‌ تانية‌ الي‌ تلك‌ القضية‌ التي‌ أمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ بالذهاب‌ و قتل‌ ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ خلف‌ المسجد، فذهب‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ فوجده‌ قد ذهب‌، مع‌ أنّه‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ كان‌ قد سبق‌ و أن‌ أمر عمر بالذهاب‌ فذهب‌ ثم‌ عاد و قال‌: كيف‌ اقتل‌ رجلاً منهمكاً بصلاته‌ ؟! فأمر أبابكر، فقال‌: يا رسول‌ الله‌ انّه‌ منهمك‌ في‌ صلاته‌ فكيف‌ أقتله‌ ؟! ثم‌ أمر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فأخبره‌ بأنّ ذلك‌ الرجل‌ قد ذهب‌.

 و كما قد بيَّنا فانّ اسم‌ ذلك‌ الشخص‌ كان‌ «حرقوص‌ بن‌ زهير(ذوالخويصرة‌)» و قد قال‌ رسول‌ الله‌ في‌ حقّه‌: لو قُتل‌ هذا الرجل‌ لارتفعت‌ الفتنة‌ بشكل‌ كامل‌، و لما بقي‌ وجود للفتنة‌ في‌ الإسلام‌. و ذلك‌ أنّ هذا الرجل‌ هو مصدر جميع‌ الاختلاف‌ و الفتن‌، و هو نفس‌ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ قتل‌ في‌ معركة‌ النهروان‌.

 أمّا الإشكال‌ الفقهي‌ فهو: بأيّ مجوّز يأمر الرسول‌ بالذهاب‌ و قتل‌ هذا الرجل‌، في‌ حين‌ انّه‌ لم‌ يرتكب‌ جنايةً بعد ؟ فقد كان‌ يؤدّي‌ الصلاة‌ خلف‌ المسجد، لم‌ يسفك‌ دماً لكي‌ يقتل‌ قصاصاً، كما انّه‌ لم‌ يرتدّ عن‌ الإسلام‌، فعلي‌ أيّ أساس‌ كان‌ أمر النبيّ بقتله‌ ؟

 و نظير ذلك‌ عندما جي‌ء إلي‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ فقيل‌ له‌: أُقتلْ بن‌ ملجم‌ !، أو أنّ نفس‌ ابن‌ ملجم‌ قال‌ له‌: يا أميرالمؤمنين‌ إذا كنت‌ أنا قاتلك‌ فاقتلني‌ أنت‌. فقال‌ عليه‌ السلام‌: كيف‌ أقتل‌ من‌ لم‌ يرتكب‌ جناية‌ ؟ ءَأقتل‌ قاتلي‌ ؟! و عليه‌ بأيّ دليل‌ و مجوّز يأمر رسول‌ الله‌ عليّاً بقتل‌ ] ذلك‌ الرجل‌ [ ؟! أو يأمر عمر و أبابكر بذلك‌ ؟! ناهيك‌ عن‌ أنّ الفتك‌ و الاغتيال‌ حرام‌ فق‌ الإسلام‌. فإذا قتلوا رجلاً حالي‌ صلاته‌ عُدّ ذلك‌ فتكاً، و قد قال‌ رسول‌ الله‌ «الإسْلاَمُ قَيَّدَ الْفَتْكَ»[14]  فلا يجوز قتل‌ أمد فتكاً.

 أمّا الإشكال‌ الكلامي‌ فهو أنّ رسول‌ الله‌ عالم‌ بالغيب‌ فهو يري‌ ما خلف‌ حائط‌ المسجد، فكيف‌ يسّم‌ هؤلإ سيفاً و يأمر بقتل‌ ذلك‌ الرجل‌؛ لو قُتل‌ هذا الشخص‌ فلن‌ يبقي‌ له‌ وجود أو حياة‌، و لن‌ يتحقّق‌ منه‌ فساد في‌ الخارج‌، بينما رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ يقول‌: إنّ جميع‌ الفساد يترشّح‌ من‌ هذا الرجل‌، ثمّ يقول‌: اقتلوه‌ ! فلو قُتل‌ فمن‌ الذي‌ سيقوم‌ وفقاً لهذا الخبر بجميع‌ هذا الفساد ؟

 إذا كان‌ علم‌ رسول‌ الله‌ صحيحاً و كان‌ ذلك‌ الرجل‌ سيبقي‌.... واقعاً فيقتل‌ في‌ معركة‌ النهروان‌ فاّنّ قتله‌ الآن‌ خلف‌ المسجد سوف‌ يكون‌ محالاً، و إذا قتل‌ في‌ هذا الزمان‌ فلن‌ يبقي‌ هناك‌ أحد لكي‌ يقوم‌ بالفساد !

 و أمّا الجواب‌ عن‌ الإشكال‌ الفقهي‌ فهو نفس‌ الجواب‌ الذي‌ ذكرناه‌ حول‌ مسألة‌ مارية‌ من‌ أنّ أمر رسول‌ الله‌، لابي‌ بكر و عمر و أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ نظير الاوامر الامتحانيّة‌، لا أمراً حقيقيّاً ! فالنبيّ! لم‌ يرد أن‌ يفتك‌ به‌ حقيقة‌. لقد كانت‌ تلك‌ الحوادث‌ و الفتن‌ التي‌ سيقوم‌ بها ذو الخويصرة‌ إلي‌ أن‌ ينتهي‌ الي‌ حرب‌ النهوران‌ جميعها في‌ مرأي‌ و منظر من‌ رسول‌ الله‌. كانت‌ كلّها أمامه‌، و كأنّ النبيّ يشاهدها كلّها. بناًّ عليه‌ فالنبيّ لم‌ يأمر أميرالمؤمنين‌ و الشيخين‌ بقتله‌ حقيقة‌، و لم‌ يكن‌ مطلوب‌ النبيّ تحقّق‌ المأمور به‌ و صيرورته‌ واقعاً في‌ الخارج‌، و أنّما كانت‌ المصحلة‌ في‌ نفس‌ الامر. فلقد أراد النبيّ بهذا الامر أن‌ يبيّن‌ أنّ أبابكر و عرم‌ رجلان‌ متمرّدان‌ و متصديان‌ صاحبا رأي‌ و مزاج‌ و اجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ، و أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ رجل‌ مطيع‌ و تابع‌ للنصّ.

 و هكذا فقد أمر النبيّ أبابكر بحمل‌ السيف‌ و الذهاب‌ لقتل‌ ذلك‌ الشخص‌. فيرجع‌ أبوبكر معتذراً بأنّه‌ وجد الرجل‌ يصلّي‌، أفهل‌ يُقتل‌ المصلي‌ ؟! و بهذا ترك‌ أمر رسول‌ الله‌ جانباً. و مرجع‌ هذه‌ القضية‌ الي‌ أنّه‌ أنّما ينفذ أمر رسول‌ الله‌ الي‌.ن‌ يصل‌ الامر الي‌ الصلاة‌ و عندها لايعود أمره‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ قابلاً للتنفيذ بالنسبة‌ له‌. أي‌ أنّ الصلاة‌ الظاهريّة‌ لذلك‌ الرجل‌ كانت‌ أتمني‌ و أغلي‌ عنده‌ من‌ أمر النبيّ. مع‌ أنّ نفس‌ هذه‌ الصلاة‌ أنّما كانت‌ يأمر رسول‌ الله‌.

 عند ما يأمر النبيّ أبابكر بالذهاب‌ و قتل‌ الرجل‌ فهذا يعني‌ أنّه‌ يقول‌ له‌ اقتله‌ و لا قيمة‌ لتلك‌ الصلاة‌ بعد. فيعود أبوبكر تاركاً الرسول‌ و حكمه‌ و حكم‌ الله‌ التفاتاً منه‌ الي‌ صلاة‌ الرجل‌ الظاهرية‌.

 ثمّ قام‌ عمر بنفسي‌ هذا العمل‌ أيضاً. و هكذا تمسّك‌ أبوبكر و عمر كلاهما بهذه‌ الامور الظاهرية‌ و تركا الحقيقد و رسول‌ الله‌ جانباً.

 كما أنّه‌ تجد في‌ جميع‌ المهالك‌ التي‌ وصلت‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ الي‌ حين‌ رحلته‌ أنّ عمر كان‌ يبدي‌ ذوقة‌ ] و مزاجه‌ [ و يردّ كلام‌ رسول‌ الله‌. و في‌ تلك‌ الحادثة‌ التي‌ وقعت‌ في‌ آخر عُمرِ النبيّ حين‌ قال‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ «ائتوني‌ بكتفٍ و دواة‌ لاكتب‌ لكم‌ كتاباً لاتضلّوا بعدي‌ أبداً» أبدي‌ عمر رأيه‌ و قال‌: «حَسْبُنَا كِتَابَ اللَهُ» و لم‌ توجب‌ بدعة‌ الشؤم‌ هذه‌ التعاسة‌ و الانحراف‌ للماضين‌ فحسب‌، بل‌ لحقت‌ و ستلحق‌ أعقابهم‌ أيضاً.

 انّ )التشبّع‌» لم‌ يوجد منذ زمن‌ الجماعة‌ الفلانية‌ أو الملك‌ الفلاني‌، بل‌ انّه‌ لم‌ يوجد كذلك‌ منذ رحيل‌ النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌، و أنّما وُجد في‌ نفس‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ فالتشيّع‌ يعني‌ العمل‌ بالنصّ و رفض‌ الآراء الشخصيّة‌، و رفض‌ الاجتهاد مقابل‌ النصّ.

 و كان‌ هناك‌ جماعة‌ اُخري‌ مقابل‌ الشيعة‌ تجتهد و تبدي‌ الرأي‌ أمر رسول‌ الله‌ ـ و هذا اجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ. و قد استمرّ هذا من‌.... مقابل‌ بعضهما في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ و بعده‌. و قد قام‌ السلاطين‌ و الخلفاء بسبب‌ عدائهم‌ للشيعة‌. بتقوية‌ الجماعة‌ المخالفة‌ و تأييدها و جعل‌ الشيعة‌ أقليّة‌، و استئصالهم‌ بأنواع‌ المحن‌ و البلايا من‌ القتل‌ و النفي‌ و الاسر و التعذيب‌ و الإغارة‌ و هتك‌ نواميس‌، و صارت‌ الاكثرية‌ في‌ الخارج‌ للمخالفين‌ و إلاّ فإنّ الاكثرية‌ الواقعيّة‌ و الحقيقيّة‌ هلي‌ لنفس‌ مذهب‌ رسول‌ الله‌ أَطِيُعُواْ اللَهُ وَ أَطِيعُواْ الرَّسُولَ [15]  و فَلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّي‌' يُحَكِّمُونَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. [16]

 و نتيجة‌ البحث‌ هي‌ أنّ رسول‌ الله‌ قد بيّن‌ للناس‌ من‌ خلال‌ هذه‌ القضيّة‌ و أمره‌ الامتحاني‌ تمرّد هذين‌ الشخصين‌ و انصياع‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌. و عليه‌ فلا يترتّب‌ علي‌ ذلك‌ إشكال‌ فقهي‌. فلم‌ يأمر رسول‌ الله‌ بالفتك‌، كما أنّه‌ لم‌ يحصل‌ فتك‌ في‌ الخارج‌ ! و لم‌ يُسفك‌ دم‌ مسلم‌ دونما جرم‌ ظاهري‌. فرسول‌ الله‌ قد أمر بالقتل‌ لكنّه‌ كان‌ يعلم‌ أنّ هذا القتل‌ لايقع‌.

 و كذلك‌ في‌ قصّة‌ إبراهيم‌، فقد أمر الله‌ إبراهيم‌ بذبح‌ اسماعيل‌، مع‌ انّه‌ كان‌ يعلم‌ أنّ هذا الذبه‌ لن‌ يجصل‌؛ إذ أنّه‌ نسخه‌ فيما بعد. فقد كانت‌ المصلحة‌ إذن‌ في‌ نفس‌ الامر، لا في‌ المأموره‌.

 و أمّا الجواب‌ عن‌ الإشكال‌ الكلامي‌ فهو واضح‌ أيضاً، إذ لو كان‌ النبيّ قد أمر بالقتل‌، و كان‌ مقصوده‌ تحقّق‌ قتله‌ في‌ الخارج‌، لكان‌ هذا منافياً لاستمرار حياته‌ الي‌ حين‌ حصول‌ وقعة‌ النهروان‌.

 أمّا إذا كانت‌ مقتوليته‌ غير مطلوبة‌، و كان‌ هذا الامر لمصحلة‌ ما، فما المنافاة‌ بين‌ الامر بقتله‌ و بين‌ حياته‌ و تبعات‌ ذلك‌ الوجود ؟! فإخبار النبيّ مع‌ انشائه‌ في‌ جهة‌ واحدة‌، و لا تنافي‌ إنّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ خاضع‌ لامر الله‌ بشكل‌ كامل‌، و عبد ذليل‌ له‌، بلحاظ‌ تنفيذ أوامره‌، لا يقوم‌ بأيّ تدّخل‌ أو تصرّف‌ من‌ عند نفسه‌. فولاية‌ رسول‌ الله‌ و تنفيذ أمره‌ بالنسبة‌ للناس‌ عين‌ أمر الله‌ دون‌ أي‌ زيادة‌ أو نقيصة‌.

 و لقد شُبّجَّ جبين‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ في‌ معركة‌ أُحد وفقاً لبعض‌ الروايت‌. و لم‌ يكن‌ شج‌ جبينه‌ مهمّاً للغاية‌، و أنّما المهم‌ كان‌ كسر عظمتي‌ خدّيه‌، و (و هما اللتان‌ تكونان‌ بارزتين‌ في‌ الوجه‌) فلقد حزب‌ «ابن‌ قَمِيّة‌» بسيفه‌ خوذة‌ رسول‌ الله‌، فنزلت‌ حلقات‌ الخوذة‌ في‌ عظام‌ خدّي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌، فانكسرت‌ تلك‌ العظمتان‌. حتي‌ انّ أسنانه‌ كُسرت‌ أيضاً عندما جرح‌ خدّاه‌. و لقد كان‌ الجرح‌ بليغاً الي‌ درجة‌ انّه‌ سري‌ الي‌ الفك‌ فكسرت‌ السنّ الرباعيّة‌ السفلي‌ للنبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌، و نزلت‌ حلقات‌ الخوذة‌ في‌ عظامه‌، فلم‌ تخرج‌، و جري‌ الدم‌ من‌ خدّيه‌، و كلّما حاولوا إخراج‌ هذه‌ الحلقات‌ لم‌ يتمكّنوا من‌ ذلك‌، لانّها كانت‌ قد علقت‌ بين‌ العظام‌.

 حسناً فلنلتفت‌ الي‌ هذه‌ المسألة‌ عند ما رأي‌' النبيّ هذا المنظر قال‌ ـ وفقاً لهذه‌ الرواية‌ ـ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيْهِمْ؟!

 ينقل‌ ابن‌ أبي‌ الحديد عن‌ الواقدي‌ أنّه‌ قال‌ إنّ الشخص‌ الذي‌ شبّح‌ جبين‌ رسول‌ الله‌ كان‌ ابن‌ شهاب‌. و الذي‌ كسر النّ الرباعية‌ للنبيّ! و جعل‌ الدماء تجري‌ من‌ شفتيه‌ هو عتبة‌ بن‌ أبي‌ وقاص‌. و الذي‌ كسر عظمتي‌ خذّ النبيّ حتي‌ دخلت‌ حلقات‌ الخوذة‌ فيها هو ابن‌ قميئة‌. و قد جري‌ الدم‌ من‌ اصابات‌ النبيّ بحيث‌ غطّي‌ لحيته‌. فقام‌ سالم‌ مولي‌ أبي‌ حذيفة‌ بغسل‌ الدم‌ عن‌ وجه‌ النبيّ، و النبيّ يقول‌:

 كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَ هُوَ يَدْعُوهُمْ إلَی‌ الله‌ تَعَالَي‌' ؟

 عندهما نزلت‌ هذه‌ الآية‌ لَيْسَ لَكَ مِنَ الاَمْرِ شَي‌ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَیهُمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَـ'لِمُونَ [17]

 يقول‌ النبيّ! من‌ باب‌ التعجب‌ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ. فَيؤاخذه‌ الله‌ فوراً بأنّ الامر ليس‌ بيدك‌ و انّما بيد الله‌.

 هنا تتجلّي‌ عظمة‌ الذات‌ الاحدية‌ المقدّسة‌ أكثر فأكثر، و يظهر مقام‌ عزّته‌ بنحو يردُّ فيه‌ التماس‌ النبيّ أيضاً. إنّي‌ أنا الله‌، و أنا قادر بأن‌ شئت‌ ـ علي‌ هدايتهم‌، فلا تقل‌ حتّي‌ علي‌ نحو الاستفهام‌ و لا علي‌ نحو «كيف‌» أيضاً.

 لا تقل‌: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلْوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ!»

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ ذيل‌ الآية‌  37 ، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌

[2] ـ ورد في‌ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌  2 ، ص‌  82 ، من‌ فصل‌ النساء مايلي‌: الضبط‌ «مارية‌» بالِم‌ و الاَلف‌ و الراء و المهملة‌ المكسورة‌ و الياء المثنّاة‌ من‌ تحت‌ المفتوحة‌ و الهاء «القطا» و تسمي‌' به‌ الإناث‌.

 وورود في‌ «مجمع‌ البحرين‌» ج‌  1 ، ص‌  392: مارِيَة‌ ـ باتحنانية‌ الخفيفة‌ ـ القبطية‌: جارية‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و اله‌ و سلّم‌ اُم‌ إبراهيم‌ ابن‌ النبيّ، صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌.

 و أورد «مارية‌» في‌ كتب‌ اللغة‌ أيضاً بتخفيف‌ الياء، و قالوا: اسم‌ امرأة‌ حزب‌ بها المثل‌ كانت‌ ابنة‌.رقم‌ بن‌ ثعلبة‌. بتشديد الياء أيضاً بمعني‌: «القطاة‌ الملساء». و امرأة‌ ماريّة‌: بيضاء برّاقة‌.

[3] ـ «المناقب‌» طبعة‌ المطبعة‌ العلمية‌ قم‌، ج‌  2 ، ص‌  225

[4] ـ «المناقب‌» طبعة‌ المطبعة‌ قم‌، ج‌  2 ، ص‌  225

[5] ـ لم‌ نجد هذا الاصل‌ اللغوي‌ في‌ المعاجم‌، نعم‌ يوجد «سبيكة‌» علي‌ وزن‌ شريفة‌، و هي‌ القطعة‌ في‌ القصّة‌ و ماشابه‌ المذابة‌ و للسكوبة‌ في‌ قالب‌ و جميعها «سبائك‌». و أظنّي‌ أنّ الصحيح‌ هو «كما لسكّة‌» و هي‌ قطعة‌ المعدن‌ التي‌ تربط‌ الي‌..... و تحرث‌ بها الارض‌.

[6] ـ تَوَشَّحَ: لَبَسَ الوُشَاعَ. و تَوَشَّحَ بِالسِّيْفِ: تَقَلَّدَ بِهِ

[7] ـ اخْتَرَطَ السَّيْفَ: اسْتَلَّه‌

[8] ـ شَغَرَ الْكَبْكُ: رَفَعَ إحْدَي‌ رِجْلَيْهِ وَ بَالَ.

[9] ـ «المناقب‌» طبعد المطبعة‌ العلمية‌ قم‌، ج‌  2 ، ص‌  225

[10] ـ في‌ جملة‌ المصادر التي‌ ذكرت‌ قصّة‌ مهمّة‌ مارية‌ «كنز العمال‌» ج‌  5  طبعة‌ بيروت‌، ص‌  454 ، الحديث‌  13953؛ و «النصّ الجتهاد» طبعة‌ النجف‌، ص‌  316 ، المورد  76 ، و «أُسد الغابة‌» طبعة‌ المكتبة‌ الإسلامية‌، ج‌  5 ، ص‌  543.

[11] ـ جزء من‌ الآية‌  2 ، من‌ السورة‌  37: الصّافات‌

[12] ـ صدر الآية‌  105 ، من‌ السورة‌  37: الصافّات‌

[13] ـ إنّ عوائل‌ الانبياء جميعاً مُنزهون‌ عن‌ نسبة‌ الزنا و الفحشاء. و ذلك‌ لانّ نسبة‌ الزنا توجب‌ تلوّث‌ النسب‌ و زوال‌ قداسة‌ أبنائهم‌. و نساء الانبياء و ان‌ اُبتلين‌ بأيّ نوع‌ من‌ أنواع‌ الفساد الاخلاقي‌ إلاّ انّه‌ من‌ الواجب‌ عقلاً و شرعاً أن‌ يكنَّ مُنزّهات‌ عن‌ الفحشاء، و حتي‌ بالنسبة‌ لإمرأتي‌ نوح‌ و لوط‌ الّتان‌ ذكرهما الله‌ تعالي‌ في‌ سورة‌ التحريم‌ كمثالين‌ و نموذجين‌ للمراة‌ الكافرة‌ و الشيقيّة‌ و جعل‌ الامر بدخولهما النار حتمياً فان‌ ذلك‌ لم‌ يكن‌ بسبب‌ أعمال‌ الفحشاء و القبيح‌ الجنسي‌، و إنّما بسبب‌ تمرّدهما علي‌ الإيمان‌ و استكبارهما و تمرّد....اتّباع‌ زوجيها نوح‌ و لوط‌ عليهما السلام‌. و الشيعة‌ مجمعون‌ علي‌ هذه‌ المسألة‌، و يرون‌ طهارة‌ نساء النبيّ و إن‌ كان‌ بعضهن‌ قد ارتكبن‌ الاعمال‌ قُبحاً كحرب‌ العجل‌. لكنّ علماء الشيعة‌ سَلَفاً و خَلَفاً جميعهم‌ مصر... في‌ كُتبهم‌ بطهارة‌ عائشة‌، و يمردّون‌ مانسبه‌ إليها عبدالله‌ بن‌ اُبيّ رئيس‌ منافقي‌ المدينة‌، و هم‌ يروي‌ ابن‌ أُبيّ من‌ اهل‌ النهار بسبب‌ هذا الاتّهام‌، و جميعهم‌ يقبلون‌  ] دلالة‌ [  الآيات‌ القرآنية‌ الواردة‌ في‌ دفع‌ الاتّهام‌ عن‌ عائشة‌، و لهم‌ أبحاث‌ و مقالات‌ حول‌ قداسة‌ عوائل‌ الانبياء و رفع‌ شبهة‌ كلّ تلوّث‌ جنسي‌. و نكتفي‌ هنا بنقل‌ كلام‌ آية‌ الله‌ السيّد عبدالحسين‌ شرف‌ الدين‌ العاملي‌  رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتابه‌ القيّم‌ «الفصول‌ المهمّة‌» الطبعة‌ الثانية‌ ص‌  145  الي‌ ص‌  147  لكي‌ تتضح‌ في‌ هذا المجال‌ بشكل‌ كامل‌ عقيدة‌ الشيعة‌ في‌ هذه‌ القضية‌. يقول‌ رحمة‌ الله‌:

 الوجه‌ الخامس‌ من‌ الوجوه‌ التي‌ اعتبرها  الشيخ‌ نوح‌ الحنفيّ  في‌ باب‌: الردّة‌ والتعزير من‌ كتابي‌ «افتاوي‌ الحامدية‌» و تنقحية‌: إنّ الموجب‌ لكفر الشيعة‌ و وجوب‌ قتلهم‌ هو أنّ الشيعة‌ يطوّلون‌ ألسنتهم‌ علي‌ عائشة‌ الصدّيقة‌ رضي‌ الله‌ عنها، و يتكلّمون‌ في‌ حقّها من‌ أمر الإفك‌ والعياذ بالله‌ ما لايليق‌ بشأنها.... ! إلي‌ آخر إفكه‌ و بهتانه‌.

 و الجواب‌: أنّها عند الإمامته‌ و في‌ نفس‌ الامر و الواقع‌  أَنقي‌' جيباً، و أطهَرُو ثُوباً و أَعلي‌' نَفساً، و أغلي‌' عِرْضاً، و أَمنَع‌ صوتاً، و أرفَع‌ جناباً، و أممزُّ جِراً، و أسمني‌ مَقَامَاً  من‌ أن‌ يجوز عليها غير النزاهة‌، أو يمكن‌ في‌ حقّها إلاّ العفّة‌ و الصيانة‌، و كتب‌ الإماميّة‌ قديمها و حديثها شاهده‌ عدل‌ بما أقول‌، علي‌ أنّ اُصولهم‌ في‌ عصمة‌ الانبياء تحيل‌ ما بهتها به‌ أهل‌ الإفك‌ بتاناً، و قواعدهم‌ تمنع‌ وقوعه‌ عقلاً. و لذا صرّح‌ فقيه‌ الطائفة‌ وثقتها اُستاذنا المقدّس‌ ابشيخ‌ محمّد طه‌ النجفي‌  أعلي‌ الله‌ مقامه‌ و هو علي‌ منبر الدرس‌ بوجوب‌ عصمتها من‌ مضمون‌ الإفك‌، عملاً بما يستقل‌ بحكمة‌ العقل‌ من‌ وجوب‌ نزاهة‌ الانبياء عن‌ أقلّ عائبة‌، و لزوم‌ طهارة‌ أعراضهم‌ عن‌ أدني‌' و صعمة‌. فنحن‌ والله‌ لا نحتاج‌ في‌ برائتها الي‌ دليل‌، و لا نجوّز عليها و لا علي‌ غيرها من‌ أزواج‌ الانبياء و الاوصياء كلّ ما كان‌ من‌ هذا القبيل‌.

 قال‌ سيّدنا الإمام‌  الشريف‌ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌  في‌ المجلس‌ رقم‌  38  من‌ الجزء الثاني‌ من‌ أماليه‌ ردّاً علي‌ من‌... الخنا الي‌ امرأة‌ نوح‌ ما هذا لفظه‌: إنّ الانبياء عليهم‌ الصلاة‌ و السلام‌ يجب‌ عقلاً أن‌ ينزهوا عن‌ قتل‌ هذه‌ الحال‌، لانّها تعروتشين‌ و تغضّ من‌ القدر، و قد جنّب‌ الله‌ تعالي‌ أنبياءه‌ عليهم‌ الصلاة‌ و السلام‌ ما هو دون‌ ذلك‌، تعظيمة‌ لهم‌، و توقيراً لكلّ ما ينفرّ عند القبو منهم‌... إلي‌ آخر كلامه‌ الدالّ علي‌ وجوب‌ نزاهة‌ امرأة‌ نوح‌ و امرأة‌ لوط‌ من‌ الخنا، و علي‌ ذلك‌ إجماع‌ مفسّري‌ الشيعة‌ و متكلّميهم‌ و سائر علمائهم‌.

 نعم‌ ننتقد من‌ أفعال‌ أمّ المؤمنين‌ خروجها من‌ بيتها بعد قوله‌ تعالي‌  وَ قَرْنَ فِي‌ بُيُوتِكُنَّ و ركوبها الجمل‌ بعد تحذيرها من‌ ذلك‌، و مجيئها الي‌ البصيرة‌ نقود جيشآ عرمرماً تطلب‌ علي‌ زعمها بدم‌ عثمان‌، و هي‌ التي‌ أمالت‌ حربه‌ و ألّبت‌ عليه‌ و قالت‌ بيما قالت‌، و نلومها علي‌ أفعالها في‌ البصرة‌ يوم‌  الجمل‌ الاصغر  مع‌ عثمان‌ بن‌ حنيف‌، و حكيم‌ بن‌ جبلة‌، و نستنكر أعمالها يوم‌  الجمل‌ الاكبر  مع‌ أميرالمؤمنين‌، و يوم‌  البغل‌  حيث‌ ظنّت‌ أنّ بني‌ هاشم‌ يريدون‌ دفن‌ الحسن‌ المجتبي‌' عن‌ جدّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ فكان‌ ما كان‌ منها و من‌ مروان‌، بل‌ نعتب‌ عليها في‌ عداوة‌ الشيعة‌ الي‌ حدّ لا يبلغه‌ مسلم‌، و تَجشّم‌ في‌ بغضائهم‌ مسلكاً لايسلكه‌ موحدّ، إذ وصم‌ الإسلام‌ و أهله‌ بما افتراه‌ في‌ هذا الوجه‌ علي‌ الشيعة‌ و هم‌ نصف‌ المسلمين‌ و صمة‌ أقرّبها عيون‌ الكافرين‌، و.... بها... الموحدّين‌، و ظلم‌ أمّ المؤمنين‌ و جيمع‌ المسلمين‌،  وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم‌.

 

[14] ـ يرجع‌ لاجل‌ الاطلاع‌ علي‌ المصادر الي‌ دورة‌ العلوم‌ و المعارف‌ الإسلامية‌. قسم‌ «امام‌ شناسي‌» «معرفة‌ الإمام‌»، ج‌  10 ، ص‌  288

[15] ـ جزء من‌ الآية‌  59 ، من‌ السورة‌  4: النّساء

[16] ـ صدر الآية‌  65 ، من‌ السورة‌  4: النّساء

[17] ـ الآية‌  128 ، من‌ السورة‌  3: ءال‌ عمران‌

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com