بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الثالث: حالات التجرد و الفناء للسيد هاشم الحداد و کیفیة فنائه و تحیره فی ذات الله، السيد هاشم و ق...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

القسم‌ الثاني‌:

السفر الاوّل‌ للحقير إلي‌ العتبات‌ المقدّسة‌ سنة‌ 1381 هجريّة‌ قمريّة‌ عدا السفر إلي‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌

 

 لقد كانت‌ لي‌ إقامة‌ رسميّة‌ في‌ العراق‌، فكان‌ ميسوراً لي‌ بعد عودتي‌ إلي‌ إيران‌ أن‌ أعود إلي‌ هناك‌ متي‌ شئت‌، بمراجعة‌ بسيطة‌ لاخذ سمة‌ الخروج‌، دون‌ المرور بسلسلة‌ الإجراءات‌ الطويلة‌ في‌ مديريّة‌ السفر والجوازات‌. وعلي‌ الرغم‌ من‌ عزمي‌ علي‌ السفر بعد مرور سنة‌ من‌ رحيل‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ، إلاّ أنّ عوائق‌ أعاقتني‌ عن‌ ذلك‌ إلي‌ ما بعد رحيله‌ بسنتَينِ، حيث‌ انقضي‌ إذ ذاك‌ علي‌ سفري‌ إلي‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ أربع‌ سنوات‌ مررت‌ فيه‌ ذهاباً وإياباً بالعراق‌ فاستفدت‌ كثيراً من‌ لقائي‌ بالمرحوم‌ الحدّاد هناك‌، كما كان‌ قد انقضي‌ علي‌ عودة‌ الحقير من‌ النجف‌ الاشرف‌ خمس‌ سنوات‌.

 وهكذا تحرّكت‌ للسفر أواخر شهر ذي‌ القعدة‌ الحرام‌ لسنة‌ 1381 ه لزيارة‌ العتبات‌ المقدّسة‌ وللقيام‌ بالزيارة‌ الخاصّة‌ بيوم‌ عرفة‌، وفي‌ نيّتي‌ البقاء في‌ الكاظميّة‌ المقدّسة‌ لعشرة‌ أيّام‌، ثمّ التشرّف‌ بزيارة‌ كربلاء والنجف‌ وسامرّاء.

 وفي‌ الكاظميّة‌ حللتُ ضيفاً علي‌ الحاجّ عبد الزهراء، وكان‌ قد اتّخذ منزلاً في‌ منطقة‌ الگريعات‌ قرب‌ الكاظميّة‌، وقد انقضي‌ أغلب‌ الوقت‌ في‌ زيارة‌ المرقدين‌ المطهّرين‌، ثمّ ذهبتُ بناءً علي‌ دعوة‌ ابن‌ الخال‌ المحترم‌ العلاّمة‌ السيّد مرتضي‌ العسكري‌ّ أدام‌ الله‌ أيّام‌ بركاته[1]‌ فحللت‌ ضيفاً عليه‌ في‌ منزله‌ في‌ محلّة‌ الكرّادة‌ الشرقيّة[2]. ولم‌ يحالفني‌ التوفيق‌ خلال‌ تلك‌ الايّام‌ للتشرّف‌ بزيارة‌ الحرم‌ المطهّر إلاّ لمرّة‌ واحدة‌ فقط‌، وكان‌ الحديث‌ يدور غالباً في‌ المسائل‌ العلميّة‌ والاجتماعيّة‌ وطبيعة‌ الانحراف‌ لدي‌ المسلمين‌ وسبل‌ معالجته‌.

 ولقد أوصل‌ الحاجّ عبد الزهراء نبأ قدومي‌ إلي‌ كربلاء، فقام‌ الحاجّ محمّد علي‌ بمصاحبة‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ للزيارة‌ إلي‌ الكاظميّة‌، فبقيا هناك‌ عدّة‌ أيّام‌ استفدنا فيها كثيراً من‌ محضره‌.

بيان‌ حالات‌ التجرّد الممتدّة‌ والمستمرّة‌ للسيّد الحدّاد

وكان‌ حال‌ السيّد الحدّاد آنذاك‌ بشكل‌ انصرف‌ معه‌ من‌ عالم‌ الطبيعة‌ بشكل‌ كامل‌، فلم‌ يكن‌ ليحسّ بالجوع‌، ولم‌ يكن‌ ليميّز للطعام‌ مذاقاً، ولم‌ يكن‌ ليسمع‌ صوتاً إلاّ بصوت‌ عال‌ يكرّر عليه‌ المرّة‌ تلو المرّة‌؛ ولو أمكننا أن‌ نصوّر خلع‌ البدن‌ خلال‌ الايّام‌ المتمادية‌ والشهور المتوالية‌ بشكل‌ متناوب‌، لكان‌ وجود السيّد الحدّاد أُنموذجه‌ العيني‌ّ والخارجي‌ّ.

 وكنّا نبيت‌ في‌ تلك‌ الليالي‌ في‌ بيت‌ الحاجّ عبد الزهراء الواقع‌ في‌ منطقة‌ سكنيّة‌ جديدة‌ الإحداث‌ في‌ الكاظميّة‌، تحوطه‌ بساتين‌ النخيل‌ والبرتقال‌ من‌ كلّ جانب‌ كما زرعت‌ الخضروات‌ والبقول‌ في‌ أرضه‌. وكان‌ الهواء عليلاً ولطيفاً جدّاً، ومع‌ أنّ الوقت‌ كان‌ يصادف‌ الاشهر الاُولي‌ للربيع‌، فلابدّ من‌ استعمال‌ الاغطية‌(اللحاف‌) ليلاً. وكانوا قد وضعوا فراش‌ السيّد الحدّاد في‌ الغرفة‌ بجوار النافذة‌ المفتوحة‌ المشرفة‌ علي‌ البساتين‌، وكان‌ فراشي‌ إلي‌ جانبه‌. فلمّا أصبحنا قال‌ السيّد: أُصبتُ بالبرد ليلة‌ البارحة‌، ولقد كان‌ الهواء لطيفاً أوّل‌ الليل‌ فلم‌ ألقِ علي‌ جسدي‌ غطاءً، ثمّ برد الجوّ عند منتصف‌ الليل‌ فأحسست‌ بلذع‌ البرد بحيث‌ عجزت‌ فيه‌ عن‌ النوم‌؛ فحاولت‌ القيام‌ لإغلاق‌ النافذة‌، فأحسست‌ أن‌ لا قدرة‌ لي‌ علي‌ الحركة‌! ثمّ حاولت‌ أن‌ ألقي‌ عَلَي‌ّ الغطاء الموضوع‌ عند قدمي‌، فعجزت‌ عن‌ الحركة‌! فأردت‌ أن‌ أقول‌: أيّها السيّد محمّد الحسين‌، ألقِ عَلَي‌ّ الغطاء؛ فرأيت‌ أن‌ لا قدرة‌ لي‌ علي‌ الكلام‌. وهكذا فقد بقيت‌ علي‌ حالي‌ تلك‌ إلي‌ الصباح‌ وأُصبت‌ بالبرد الشديد.

 وكان‌ الرفقاء من‌ الكاظميّة‌ يقولون‌: لقد جئنا يوماً مع‌ السيّد الحدّاد من‌ كربلاء إلي‌ الكاظميّة‌ في‌ سيّارة‌ نقل‌ عامّة‌ صغيرة‌(سيّارة‌ عراقيّة‌ في‌ هيئة‌ علبة‌ الكبريت‌ تتّسع‌ لعشرين‌ راكباً) فجاء مساعد السائق‌ في‌ الطريق‌ ليجمع‌ الاُجرة‌ من‌ المسافرين‌، فسأل‌: كم‌ عددكم‌؟ أجاب‌ السيّد الحدّاد: خمسة‌ أشخاص‌.

 فقال‌: كلاّ، أنتم‌ ستّة‌ أشخاص‌! فكرّر السيّد العدّ وقال‌: بل‌ نحن‌ خمسة‌! ولقد كنّا نعلم‌ أ نّنا ستّة‌ أشخاص‌، لكنّنا تعمّدنا عدم‌ قول‌ شي‌ء ليتّضح‌ أمر السيّد الحدّاد. قال‌ مساعد السائق‌ من‌ جديد: أنتم‌ ستّة‌!

 فقال‌ السيّد: خُوُي‌َ مَا اتْشُوُفْ؟! هَذَا وَاحِدْ، أُوُ هَذَا اثْنَيْنْ، أُوُ هَذَا اثْلاَثَهْ، أُوُ هَذَا أَرْبَعَهْ، أُوُ هَذَا خَمْسَهْ! بَعَدْ شِتْگُوُلْ إنْتَ؟!

 قال‌: يَا سَيِّدْ! إنْتَ مَا تِحْسِبْ نَفْسَكْ؟![3]

 وكان‌ الرفقاء يقولون‌، ولقد كان‌ عجيباً أنّ السيّد الحدّاد بقي‌ مع‌ ذلك‌ لا يلتفت‌ إلي‌ نفسه‌، ومع‌ أن‌ معاون‌ السائق‌ يقول‌ له‌: إنّك‌ لا تعدّ نفسك‌، إلاّ أ نّه‌ كان‌ غارقاً في‌ عالم‌ التوحيد والانصراف‌ من‌ عالم‌ الكثرة‌، للحدّ الذي‌ عجز معه‌ ـ مع‌ هذا أن‌ يلتفت‌ إلي‌ لباس‌ البدن‌ فيعدّه‌ ضمن‌ الركّاب‌ ويضيفه‌ إلي‌ مجموعهم‌.

 ولقد قال‌ السيّد الحدّاد بنفسه‌ للحقير: لم‌ أستطع‌ في‌ تلك‌ الحال‌ بأي‌ّ شكل‌ أن‌ أعدّ نفسي‌، فقال‌ الرفقاء لي‌ أخيراً: أيّها السيّد! عدّ نفسك‌ أنت‌ أيضاً، فهذا الرجل‌ صادق‌ فيما يقول‌ حين‌ يريد منّا أُجرة‌ ستّة‌ أشخاص‌. وهكذا فقد أعطيته‌ أُجرة‌ ستّة‌ أشخاص‌ بغير يقين‌ منّي‌ بكلامه‌ ولكن‌ تعبّداً بقول‌ الرفقاء. ثمّ ترجّلنا من‌ السيّارة‌ للصلاة‌ في‌ مسجد بَراثا، وهناك‌ رأيت‌ إمام‌ المسجد: الشيخ‌ علي‌ الصغير مشغولاً ـ هو الآخر بالحديث‌ عن‌ التوحيد والمناداة‌ بنداء: لا هو إلاّ هو!

 وحين‌ قَدِمنا إلي‌ الكاظميّة‌ وذهبنا إلي‌ المغاسل‌ العموميّة‌ للتوضّؤ، رأيت‌ أ نّني‌ أجهل‌ التوضّؤ. فيا إلهي‌! لماذا أجهل‌ كيفيّة‌ الوضوء؟! بل‌ إنّي‌ لا أُميِّز وجهاً ولا يميناً ولا شمالاً. فما العمل‌ والصلاة‌ لا تجوز بغير وضوء؟! قلت‌ في‌ نفسي‌: فلاسأل‌ عن‌ كيفيّة‌ الوضوء من‌ هذا الرجل‌ المنهمك‌ بالتوضّؤ، ثمّ قلت‌ في‌ نفسي‌: ما الذي‌ سيجيبني‌ به‌ يا تري‌؟!

 ألن‌ يقول‌ لي‌: أيّها السيّد العجوز! ألاَ تعرف‌ الوضوء وقد انقضي‌ من‌ عمرك‌ ستّون‌ سنة‌؟!

 ثمّ أحسـست‌ وأنا أتّجه‌ نحوه‌ أنّ الوضـوء جاء تلقائيّـاً، فقد مددت‌ يدي‌ إلي‌ الماء بلا اختيار ولا علم‌، فغسلت‌ وجهي‌ ثمّ يدي‌، ثمّ مسـحت‌ المسحين‌، فرأيت‌ ذلك‌ الرجل‌ المنهمك‌ في‌ وضوئه‌ يقول‌ لي‌ حالما لمحني‌: أيّها السيّد! الماء هو الله‌، الوضوء هو الله‌؛ لا يخلو من‌ الله‌ مكان‌!

كيفيّة‌ فناء السيّد الحدّاد في‌ الله‌ وتحيّره‌ في‌ ذات‌ الله‌

 وكان‌ السيّد يقول‌: كنتُ أحسّ أحياناً بخفّة‌ الوزن‌ وفقدان‌ الاثر، تماماً مثل‌ قشّة‌ من‌ التبن‌ دائرة‌ مع‌ الهواء. وكنت‌ أحسّ أحياناً بالتجرّد من‌ بدني‌، تماماً كما تفعل‌ الحيّة‌ حين‌ تبدّل‌ جلدها، وكنتُ أصبح‌ شيئاً آخر، ولقد كان‌ بدني‌ وأعماله‌ أشبه‌ بجلد حيّة‌، يظهر بشكل‌ كامل‌ كأ نّه‌ حيّة‌ واقعيّة‌ يخيّل‌ لمن‌ يراه‌ من‌ بعيد أ نّه‌ كذلك‌، لكنّه‌ في‌ الحقيقة‌ ليس‌ إلاّ جلداً للحيّة‌.

 وكان‌ يقول‌: ولقد تكرّر كثيراً أن‌ أذهب‌ للحمّام‌، فأخرج‌ منه‌ وقد ارتديت‌ الدشداشة‌(اللباس‌ العربي‌ّ الطويل‌) مقلوبة‌.

 ويضيف‌: وكان‌ صاحب‌ الحمّام‌ يقف‌ دوماً خلف‌ الصندوق‌ فيستلم‌ من‌ الواردين‌ نقودهم‌ وودائعهم‌، فيسلّمها إليهم‌ عند خروجهم‌. فذهبت‌ يوماً للحمّام‌ ودفعت‌ نقودي‌ عند دخولي‌ لصاحب‌ الحمّام‌ الواقف‌ خلف‌ صندوقه‌، فلمّا خرجت‌ وأردت‌ استرجاع‌ ما استودعته‌، كان‌ مساعده‌ يجلس‌ خلف‌ الصندوق‌ فسأل‌: أيّها السيّد، كم‌ تبلغ‌ وديعتك‌؟

 قلت‌: دينارين‌! فقال‌: لا، يوجد هنا ثلاثة‌ دنانير فقط‌!

 قلت‌: لِمَ تؤخّرني‌؟ خذ واحداً منها لك‌ وأعطني‌ دينارين‌ لاذهب‌. فلمّا سمع‌ صاحب‌ الحمّام‌ كلامنا سأل‌ مساعده‌: ما الامر؟! قال‌: هذا السيّد يقول‌ إنّ لديه‌ دينارين‌، وهنا ثلاثة‌ دنانير.

 فقال‌ له‌: لقد استلمت‌ منه‌ ثلاثة‌ دنانير بنفسي‌، هذه‌ الدنانير الثلاثة‌ له‌؛ ولا تصغِ أبداً إلي‌ كلام‌ هذا السيّد لا نّه‌ غالباً مضطرب‌ وحاله‌ ليست‌ علي‌ ما يُرام‌!

 وكان‌ السيّد الحدّاد يقول‌: لقد كنتُ آنذاك‌ في‌ حال‌ لا يمكنني‌ معه‌ أن‌ أتأخّر هناك‌ لحظة‌ واحدة‌ لاتكلّم‌ معهم‌، ولو عطّلوني‌ قليلاً لتركتهم‌ وذهبت‌.

 وكان‌ يقول‌: إنّ علوماً في‌ منتهي‌ العمق‌ والبساطة‌ والكلّيّة‌ تمرّ عَلَي‌ّ في‌ كلّ آن‌، وحين‌ أُحاول‌ الالتفات‌ إلي‌ أحدها في‌ اللحظة‌ التالية‌ أُشاهد أ نّها ابتعدت‌ ـ ويا للعجب‌ عنّي‌ فراسخ‌ عدّة‌.

 وهكذا فقد توقّفت‌ في‌ الكاظميّة‌ لعدّة‌ أيّام‌ كنت‌ فيها معه‌، شددنا بعدها الرحال‌ إلي‌ كربلاء فحللنا في‌ منزله‌. وكانت‌ تلك‌ الدكّة‌ في‌ زاوية‌ المسجد قد خُرِّبت‌ خلال‌ توسعة‌ شارع‌ العبّاسيّة‌، فصارت‌ ضمن‌ رصيف‌ الشارع‌، فلم‌ يبقَ للسيّد محلّ آخر للعبادة‌ والخلوة‌، حتّي‌ في‌ منزله‌ المتواضع‌ لكثرة‌ عياله‌؛ فاضطرّ إلي‌ الاستفادة‌ من‌ منزل‌ يقع‌ في‌ آخر الزقاق‌ المغلق‌ الذي‌ يقع‌ فيه‌ منزله‌. وهو منزل‌ أشبه‌ بالخربة‌ يعود إلي‌ والد الحاجّ محمّد حسن‌ شركت‌ من‌ سهم‌ الثلث‌ والخيرات‌ العائد له‌، وضعه‌ تحت‌ تصرّف‌ ولده‌، فوضعه‌ بدوره‌ تحت‌ تصرّف‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ ليستفيد منه‌. وكان‌ يضمّ غرفتين‌ ـ إحداهما تعلو باب‌ المنزل‌ لا تتجاوز أبعادها عن‌ 2*2 متراً، والاُخري‌ في‌ الداخل‌ لا تتجاوز هي‌ الاُخري‌ عن‌ 2*3 متراً وفيه‌ سرداب‌ صغير، فخمّنتُ أنّ مساحة‌ ذلك‌ المنزل‌ لا تتجاوز الاربعين‌ إلي‌ الخمسين‌ متراً.

 لكنّ هذا المنزل‌ كان‌ يمتاز ـ مع‌ قدمه‌ وتهالكه‌ ورطوبته‌ والاحتمال‌ الكبير في‌ انهياره‌ بوقوعه‌ في‌ نهاية‌ الزقاق‌ المغلق‌، فكان‌ لهذا محلاّ أميناً خالياً من‌ الصخب‌ والضوضاء، ومناسباً جدّاً ليكون‌ محلاّ لعبادة‌ السيّد ولاستقبال‌ ضيوفه‌.

 وعلي‌ الرغم‌ من‌ الصخب‌ الشديد الذي‌ كان‌ يثيره‌ أطفال‌ المنطقة‌، إلاّ أ نّه‌ كان‌ يقول‌: إنّني‌ لا أسمع‌ صخباً!

 وصادف‌ أن‌ وفد عليه‌ ذلك‌ الوقت‌ بعد أيّام‌ الحجّ أحد أقاربه‌ في‌ النسب‌ ترافقه‌ زوجته‌، فأعطاه‌ تلك‌ الغرفة‌ التي‌ تعلو باب‌ البيت‌ ليستريح‌ فيها، فما انقضت‌ ساعة‌ إلاّ وهبط‌ منها إلي‌ الاسفل‌ وذهب‌ إلي‌ السرداب‌ قائلاً: إنّ صراخ‌ أطفال‌ الزقاق‌ وصخبهم‌ لا يمنع‌ من‌ النوم‌ فقط‌، بل‌ إنّ تحمّله‌ حال‌ اليقظة‌ أمر غير محتمل‌.

 فقال‌ السيّد: إنّني‌ لا أسمع‌ صخباً، وكنت‌ مرتاحاً في‌ الاوقات‌ التي‌ أقضيها في‌ تلك‌ الغرفة‌.

عسرة‌ معيشة‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد خلال‌ فترة‌ الفناء الذي‌ لا يوصف‌

 ولقد أدي‌ به‌ التوارد المتوالي‌ لتلك‌ الحالات‌، إلي‌ أن‌ صار تحمّل‌ العمل‌ والكسب‌ متعذّراً عليه‌، أي‌ أنّ بدنه‌ كان‌ ينهار وروحه‌ كانت‌ تنصرف‌ عن‌ عالم‌ الطبع‌، بالشكل‌ الذي‌ جعل‌ إدارة‌ أُمور عالَم‌ الطبع‌ من‌ أعسر المشاكل‌، بل‌ من‌ الاُمور المتعذّرة‌ والمستحيلة‌. لذا فقد أناط‌ إدارة‌ الدكّان‌ إلي‌ مساعده‌ السابق‌ كي‌ يأخذ لنفسه‌ من‌ حاصل‌ العمل‌ ما يكفيه‌ ويجلب‌ الباقي‌ للسيّد.

 وكانت‌ تلك‌ هي‌ طريقته‌ حتّي‌ عندما كان‌ يذهب‌ بنفسه‌ إلي‌ الدكّان‌؛ إذ لم‌ يكن‌ قد عيّن‌ مرتَّباً معيَّناً لمساعده‌، ولم‌ يكن‌ يتناصف‌ معه‌ ما يكسب‌ من‌ العمل‌ من‌ الصباح‌ حتّي‌ وقت‌ تعطيل‌ الدكّان‌، بل‌ كان‌ يقول‌ لمساعده‌: كم‌ تحتاج‌ اليوم‌؟ فكان‌ يقول‌ مثلاً: نصف‌ دينار! أو سبعمائة‌ فلس‌، أو أي‌ّ مبلغ‌ آخر؛ فكان‌ يعطيه‌ ذلك‌ ويجعل‌ ما تبقّي‌ لنفسه‌. وربّما كان‌ يبقي‌ له‌ أحياناً خمسون‌ فلساً فقط‌، أو لا يبقي‌ له‌ شي‌ء؛ وكم‌ كان‌ يرجع‌ بتلك‌ الخمسين‌ فلساً إلي‌ البيت‌ أو يعود بأيدٍ خالية‌.

 فما الذي‌ سيفعله‌ ـ تري‌ ـ بهذه‌ العائلة‌ الكبيرة‌؟! إنّ الله‌ سبحانه‌ يبيّن‌ هنا واجب‌ رفقاء الطريق‌ بأن‌ يراقبوا بدقّة‌ كاملة‌ ويهتمّوا بحال‌ بعضهم‌ البعض‌، فإذا صادف‌ أن‌ واجهت‌ أحدهم‌ جذبة‌ روحيّة‌ شديدة‌ جعلته‌ يعجز عن‌ تدبير أُمور عائلته‌ بحيث‌ يتعرّضون‌ للفاقة‌ والحاجة‌، فإنّ علي‌ رفقائه‌ أن‌ لا يَدَعوه‌ يتردّي‌ في‌ وادي‌ الفقر والهلاك‌، بل‌ عليهم‌ أن‌ يتعاهدوه‌ وعائلته‌ من‌ أموالهم‌ حتّي‌ يخرج‌ السالك‌ من‌ تلك‌ الحالة‌ فيمكنه‌ تدبير أُموره‌ بنفسه‌.

 نعم‌، عليهم‌ ألاّ يؤجّلوا أمر مساعدته‌ وتدبير أُموره‌ إلي‌ حين‌ دفع‌ الحقوق‌ الشرعيّة‌ الواجبة‌ كالخمس‌ أو من‌ صدقاتهم‌ وزكاتهم‌ وكفّاراتهم‌، بل‌ عليهم‌ أن‌ يتكفّلوا أُمور عائلته‌ بجميع‌ ما يملكون‌، بلا حساب‌ ولا تردّد أو تأخير، كما لو كانوا يتعاهدون‌ أُمور عوائلهم‌، بل‌ أولي‌ وأفضل‌ وأتمّ وأكمل‌ من‌ عوائلهم‌.

 ذلك‌ لا نّه‌ رفيقهم‌ في‌ الطريق‌، الرفيق‌ الذي‌ أنهكته‌ المجاهدات‌ النفسيّة‌ في‌ سبيل‌ الله‌ تلك‌ المجاهدة‌ الكبري‌ والجهاد الاكبر، الرفيق‌ الذي‌ جعلته‌ شدّة‌ الواردات‌ المعنويّة‌ والحالات‌ الروحيّة‌ والتجرّدات‌ النفسيّة‌ وشدّة‌ الاتّصال‌ بعالم‌ الغيب‌ وظهور التجلّيات‌ الإلهيّة‌ ينسلخ‌ عن‌ الالتفات‌ إلي‌ عالم‌ الكثرة‌. فهل‌ هناك‌ جهاد أعظم‌ من‌ هذا؟ وهل‌ هناك‌ إنفاق‌ أولي‌ من‌ هذا؟

صعوبة‌ وصف‌ صبر الحدّاد وتحمّله‌ في‌ الشدائد والامتحانات‌ الإلهيّة‌

 ولكن‌ ويا للاسف‌ الشديد! فها هو السيّد هاشم‌ الذي‌ لا يعلم‌ جيرانه‌ بحالاته‌، والذي‌ ليس‌ لعياله‌ اطّلاع‌ علي‌ حاله‌، والذي‌ لا يعلم‌ حتّي‌ ولده‌ ما أمره‌! فلم‌ يكن‌ ينبس‌ ببنت‌ شفة‌ في‌ البوح‌ بالاسرار الإلهيّة‌، ولم‌ يكن‌ طبعه‌ المنيع‌ وروحه‌ المتعالية‌ لتسمح‌ له‌ أن‌ يبيّن‌ هذه‌ الشدّة‌ والعسرة‌، أو يذكر هذا الامتحان‌ العظيم‌ والابتلاء الإلهي‌ّ الكبير حتّي‌ لاقرب‌ الاصدقاء الحميمين‌ والرفقاء المخلصين‌ في‌ هذه‌ المسيرة‌؛ اللهمّ إلاّ أُولئك‌ الرفقاء الذين‌ يقومون‌ بأنفسهم‌ بالتنقيب‌ والتفتيش‌ والاستطلاع‌، والذين‌ يسعون‌ ويجهدون‌ في‌ مراقبة‌ ومتابعة‌ حال‌ رفيقهم‌ وأمره‌.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ المتمكّنين‌ من‌ الرفقاء مشغولون‌ بالعمل‌ والكسب‌، فيستبعد أن‌ يصدر من‌ أحدهم‌ مثل‌ هذا التفحّص‌ والتفقّد؛ أمّا العاجزون‌ والفقراء فما أكثر منهم‌ من‌ تابع‌ الاُستاذ ـ إن‌ قليلاً أو كثيراً في‌ العسرة‌ وفي‌ الواردات‌ القلبيّة‌، وكان‌ تفقّدهم‌ للامر أحري‌ أن‌ يزيدهم‌ غمّاً إلي‌ غمّهم‌! كما أنّ بيان‌ الامر للا´خرين‌ من‌ قبل‌ أحدهم‌ يعدّ خطأً وإفشاءً للسرّ؛ لو اطّلع‌ الاُستاذ عليه‌ وعلم‌ به‌ لاسقط‌ ذلك‌ الشخص‌ من‌ الثقة‌ والاعتبار.

 وصادف‌ في‌ هذا السفر أن‌ كانت‌ العسرة‌ قد وصلت‌ لديه‌ إلي‌ حدّها الاعلي‌، كما أنّ الواردات‌ القلبيّة‌ كانت‌ في‌ أوجها، فكان‌ وجهه‌ يحمرّ وعيناه‌ تتلالآن‌ ممّا يجعل‌ سيماء وجهه‌ في‌ منتهي‌ الروعة‌. كما كان‌ أحياناً يتهالك‌ ويعتريه‌ التحوّل‌ والاصفرار، وينتاب‌ عظامه‌ الالم‌ خلال‌ سرده‌ لواردةٍ جلاليّة‌.

 كُلُّ مَنْ عَلَیهَا فَانٍ * وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ.[4]

 ونلحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ أن‌ « ذُو الْجَلَـ'لِ والإكْرَامِ » جاءت‌ صفة‌ إلي‌ « وَجْهُ رَبِّكَ » وليس‌ إلي‌ « رَبِّكَ »، فوجه‌ الربّ هو الخالد الذي‌ تنزّه‌ عن‌ الحدوث‌ وهو المرتدي‌ لخلعتَي‌: رحمة‌ الجمال‌ والإكرام‌، وعزّة‌ الجلال‌ والعظمة‌.

 وكان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ يكثر في‌ هذا السفر من‌ تلاوة‌ القرآن‌ بصوت‌ حزين‌ وجميل‌، وكانت‌ تلاوته‌ جذّابة‌ جدّاً وملهبة‌ ومفنية‌؛ كما كان‌ يقرأ أبيات‌ ابن‌ الفارض‌ ويترنّم‌ بها، خاصّة‌ تائيّته‌ الكبري‌.

 وكنتُ أقتدي‌ به‌ في‌ صلاة‌ الصبح‌ والظهر والعصر حين‌ لا يكون‌ في‌ البيت‌ من‌ أحد، اللهمّ إلاّ أحد الرفقاء الحميمين‌، أمّا في‌ صلاتَي‌ المغرب‌ والعشاء فكان‌ يقتدي‌ بالحقير. وكانت‌ صلاتنا تجري‌ غالباً علي‌ السطح‌، وكان‌ يأمر الحقير بقراءة‌ السور الطوال‌ في‌ الصلاة‌ مثل‌ يس‌ و الواقعة‌ و المسبّحات‌ [5] و تبارك‌ و المنافقون‌ و هل‌ أتي‌ وما أشبهها وذلك‌ ليثبّتني‌ في‌ القراءة‌ وفي‌ نفي‌ الخواطر حين‌ يقتدي‌ بي‌؛ وكان‌ يقول‌: هكذا أفضل‌ من‌ أن‌ تقتدي‌ أنت‌ بي‌!

 وكان‌ الحقير يختار إحدي‌ هذه‌ السور لقراءتها في‌ الصلوات‌، وبالطبع‌ بلحن‌ وصوت‌ حزين‌ حسب‌ أمره‌؛ أمّا الحاجّ محمّد علي‌ فكان‌ يقتدي‌ في‌ هذه‌ الصلوات‌ بالسيّد، بحيث‌ كنت‌ أنا إماماً والسيّد مأموماً، فكان‌ الحاجّ محمّد علي‌ يقتدي‌ في‌ هذه‌ الجماعة‌ بالسيّد ويقول‌: لستُ قادراً علي‌ الاقتداء بغير السيّد!

 ولقد وبّخه‌ السيّد مرّات‌ في‌ حضوري‌، وقال‌ له‌: أنت‌ تخالف‌ الشرع‌ بعملك‌، فالاقتداء بالمأموم‌ غير جائز! فكان‌ يجيب‌: أنّ السيّد أينما كان‌ هو الإمام‌ في‌ عالم‌ الواقع‌، سواء كان‌ مأموماً أم‌ إماماً؛ ولست‌ أقدر وأنا الذي‌ أدركت‌ هذا الامر، أن‌ أقتدي‌ بسواه‌.

 فكان‌ السيّد يقول‌: لو صحّ كلامك‌ لوجب‌ عليك‌ أن‌ تقتدي‌ بالسيّد محمّد الحسين‌ لا بي‌؛ لا نّك‌ تعدّنـي‌ إماماً فـي‌ كلّ حـال‌، إماماً أو مأموماً. لكنّ الحاجّ محمّد علي‌ لم‌ يكن‌ ليقتنـع‌ بهذا الكـلام‌، حتّي‌ أ نّه‌ لـم‌ يقتدِ بي‌ ـ مع‌ وجود السيّد مرّة‌ واحدة‌ طوال‌ الاعوام‌ المتمادية‌.

كيفيّة‌ صلاة‌ الليل‌ وسجدات‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد

 وكان‌ السيّد يتناول‌ أوّل‌ الغروب‌ بعد صلاة‌ المغرب‌ طعاماً بسيطاً، بعنوان‌ طعام‌ العشاء كان‌ يُجلب‌ له‌ من‌ منزله‌ المجاور، الذي‌ تعيش‌ فيه‌ عائلته‌ والواقع‌ في‌ بداية‌ الزقاق‌، ثمّ يرقد بعد أداء صلاة‌ العشاء وينهض‌ بعد ساعة‌، فيهبط‌ من‌ السطح‌ ويتوضّأ، ثمّ يصعد فيصلّي‌ ركعات‌ يقرأ فيها من‌ السور الطوال‌ في‌ القرآن‌ بصوت‌ جميل‌ ولحن‌ رائع‌، ثمّ يجلس‌ تجاه‌ القبلة‌ فيبقي‌ متأمّلاً، ثمّ يرقد، ثمّ يستيقظ‌ مرّة‌ أُخري‌ فيصلّي‌ ركعات‌ بتلك‌ الكيفيّة‌؛ وكانت‌ الليالي‌ قصاراً فلم‌ يكن‌ ليتبقّي‌ وقت‌ طويل‌ لحلول‌ أذان‌ الصبح‌. وكان‌ كثيراً ما يقول‌ في‌ تلك‌ الحال‌ أو في‌ المرّة‌ الاُولي‌ حين‌ يستيقظ‌: أيّها السيّد محمّد الحسين‌! هات‌ شاياً أو ماءً مغليّاً! فكان‌ الحقير يهبط‌ إلي‌ الاسفل‌ فيعدّ الشاي‌ علي‌ سراج‌ نفطي‌ّ ويجلبه‌ علي‌ الفور.

 وكان‌ السيّد يقول‌: لقد كان‌ السيّد المرحوم‌ نفسه‌ هكذا(يقصد المرحوم‌ القاضي‌) فقد كان‌ يأمرنا ويقول‌: تناولوا شيئاً بسيطاً حين‌ تنهضون‌ لصلاة‌ الليل‌، كالشاي‌ أو اللبن‌ الرائب‌ الممزوج‌ بالماء أو عنقوداً من‌ العنب‌ أو شيئاً بسيطاً آخر يخرج‌ بدنكم‌ من‌ حال‌ الفتور والكسل‌، وليكن‌ لكم‌ نشاط‌ للعبادة‌.

 وهكذا فقد كنتُ أجلب‌ له‌ إلي‌ السطح‌ ما يرغب‌ في‌ تناوله‌، الماء المغلي‌ أو الشاي‌ أو اللبن‌ الرائب‌ الممزوج‌ بالماء أو الخيار(ولم‌ يكن‌ العنب‌ قد حان‌ أوانه‌ آنذاك‌) ثمّ أُصلّي‌ معه‌ صلاة‌ الصبح‌ بعد الاذان‌ فكان‌ يسجد بعدها فتطول‌ سجدته‌ إلي‌ نصف‌ ساعة‌ أو ثلاثة‌ أرباع‌ الساعة‌ ولربّما إلي‌ ساعة‌ كاملة‌. وكان‌ يذهب‌ أحياناً إلي‌ الحمّام‌ ليغتسل‌ بالماء ويخرج‌ لزيارة‌ القبر المطهّر لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ والقبر المطهّر لابي‌ الفضل‌ العبّاس‌ سلام‌ الله‌ عليه‌، ثمّ يعود إلي‌ البيت‌ بعد تهيئة‌ بعض‌ احتياجات‌ المنزل‌.

 وحلّت‌ ليلة‌ عرفة‌، فوفد سيل‌ من‌ الرفقاء من‌ النجف‌ والكاظميّة‌ والسماوة‌ وإيران‌، فغصّت‌ بهم‌ ساحة‌ المنزل‌ وغرفه‌ وشُرفته‌، ثمّ قُرئت‌ بعض‌ أدعية‌ ليلة‌ عرفة‌؛ وكان‌ حقّاً مجلساً جذّاباً وشيّقاً. ثمّ تناول‌ الجميع‌ طعاماً بسيطاً وغادروا المنزل‌ للزيارة‌ وللقيام‌ بأعمال‌ تلك‌ الليلة‌، ثمّ عاد منهم‌ إلي‌ المنزل‌ عدّة‌ قليلة‌ يعدّون‌ من‌ أخصّ أصدقائه‌ ورفقائه‌.

 ثمّ تشرفتُ بالذهاب‌ إلي‌ النجف‌ الاشرف‌ برفقته‌ للقيام‌ بالزيارة‌ المخصوصة‌ لعيد الغدير، وكنتُ وجميع‌ الرفقاء مدعوّين‌ ظهر يوم‌ العيد في‌ منزل‌ السيّد حسين‌ النجفي‌ّ. وكان‌ هناك‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ عبّاس‌ مع‌ أتباعه‌ جميعاً؛ فكان‌ هو الآخر محفلاً شيّقاً مثيراً للوجد والحبور.

 ثمّ عاد السيّد إلي‌ كربلاء في‌ اليوم‌ التالي‌ للعيد، وبقي‌ الحقير أيّاماً قلائل‌ للتشرّف‌ بالزيارة‌ والاستزادة‌ منها ولتجديد العهد مع‌ الاصدقاء السابقين‌. وكنت‌ قد حللت‌ في‌ منزل‌ الاُستاذ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌، حيث‌ بقيت‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ حتّي‌ اليوم‌ الرابع‌ والعشرين‌ وهو يوم‌ مباهلة‌ رسول‌ الله‌ وأهل‌ بيته‌ لنصاري‌ نَجْران‌، واليوم‌ الخامس‌ والعشرين‌ وهو يوم‌ التصدّق‌ بالخاتم‌ ونزول‌ سورة‌ « هل‌ أتي‌ » في‌ شأن‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. وكانت‌ أيّام‌ محرّم‌ الحرام‌ قد قربت‌ ونحن‌ علي‌ مشارف‌ طلوع‌ هلاله‌ المثير للحزن‌ والاسي‌ حين‌ عدنا إلي‌ كربلاء لنحظي‌ ببركات‌ العزاء تحت‌ قبّة‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ منزلي‌ الحقيقي‌ّ في‌ ورودي‌ إلي‌ كربلاء وخروجي‌ منها كان‌ منزل‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد؛ ذلك‌ لانّ العلاقات‌ بيننا كانت‌ حميمة‌ وخالصة‌ إلي‌ درجة‌ كبيرة‌، بحيث‌ كان‌ يعدّني‌ ولده‌، وكان‌ أولاده‌ يعاملونني‌ معاملة‌ الاخ‌ لهم‌. لكنّ الحقير لم‌ يكن‌ يرفض‌ فقط‌ اعتبار نفسه‌ ولداً للسيّد،(إذ لم‌ أكن‌ ولده‌ جسماً ولا روحاً)، بل‌ لو شئنا اختيار اسم‌ يعبّر حقّ التعبير عن‌ وضعي‌ لما وجدنا غير تعبير الغلام‌ المولود بين‌ الاُسرة‌. نعم‌! لقد كنت‌ ذلك‌ الغلام‌ الذي‌ وُلِدَ في‌ هذا المنزل‌ ووجد في‌ كرامة‌ السيّد ومدده‌ ومعونته‌، حياته‌ الجديدة‌.

 وقد صادف‌ أنّ هذا الاسم‌ قد طابق‌ المسمّي‌ من‌ جهة‌ معيّنة‌؛ ذلك‌ لانّ والدة‌ الحقير كانت‌ قد ثقبت‌ أُذني‌ اليمني‌ زمن‌ طفولتي‌ ووضعت‌ فيها حلقة‌ باسم‌ « الحلقة‌ الحيـدريّة‌ » وكانـوا ينـادونني‌: الغلام‌ الحيدري‌ّ، أي‌ أنّ هذا الغلام‌ كان‌ العبد الطيّع‌ لحيدر.

 ولقد بَقِيَتْ أُذني‌ اليمني‌ مثقوبة‌ لم‌ تلتئم‌ حتّي‌ اليوم‌ وغير قابلة‌ للالتئام‌ بعد، فكيف‌ يمكن‌ لمن‌ انعقدت‌ نطفته‌ بولاية‌ حيدر، ورشف‌ مع‌ اللبن‌ ولاية‌ حيدر وثُقِبَتْ أُذنه‌ باسم‌ حيدر وختمه‌، فوضع‌ فيها حلقة‌ العبوديّة‌ أن‌ يكفّ عن‌ تبعيّته‌ وعبوديّته‌ ظاهراً وباطناً، سرّاً وعلناً؟!

 لقد كان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد أبي‌ الواقعي‌ حقّاً، وكان‌ دخولي‌ منزله‌ وخروجي‌ منه‌ في‌ جميع‌ السفرات‌ هو دخول‌ وخروج‌ أهل‌ البيت‌؛ لذا فإنّ من‌ الواضح‌ بعد العودة‌ من‌ النجف‌ أن‌ يعود المسافر إلي‌ بيته‌ وأهله‌.

تفصيل‌ وقائع‌ عاشوراء التي‌ كانت‌ عشقاً محضاً

 لقد كان‌ وضع‌ سماحة‌ الحدّاد متغيّراً ومتقلّباً طوال‌ الايّام‌ العشرة‌ للعزاء، وكان‌ وجهه‌ يحمرّ وعيناه‌ تتلالآن‌ وتنيران‌؛ لكنّ حال‌ الحزن‌ والغمّ لم‌ تكن‌ لتبدو عليه‌، بل‌ كان‌ الابتهاج‌ والسرور يملا كيانه‌. وكان‌ يقول‌: كم‌ أنّ هؤلاء الناس‌ غافلون‌ حين‌ يحزنون‌ ويقيمون‌ المأتم‌ والعزاء لهذا الشهيد القتيل‌! إنّ مسرح‌ عاشوراء من‌ أبدع‌ مناظر العشـق‌، ومن‌ أروع‌ مواطن‌ الجمال‌ والجلال‌ الإلهي‌ّ، وأحسـن‌ مظاهر أسـماء الرحمة‌ والغضـب‌؛ ولم‌ يكن‌ ليمثّل‌ لاهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ إلاّ العبور من‌ الدرجات‌ والمراتب‌، والوصول‌ إلي‌ أعلي‌ ذروة‌ الحياة‌ الخالدة‌ والانسلاخ‌ عن‌ المظاهر والتحقّق‌ بأصل‌ الظاهر، والفناء المطلق‌ في‌ الذات‌ الاحديّة‌.

 ولقد كان‌ في‌ الحقيقة‌ يوم‌ سرور أهل‌ البيت‌ وبهجتهم‌، لا نّه‌ يوم‌ الظفر ونيل‌ المني‌ والفوز بورود حريم‌ الله‌ وحرم‌ أمنه‌ وأمانه‌، يوم‌ تخطّي‌ الجزئيّة‌ والدخول‌ إلي‌ عالم‌ الكلّيّة‌، يوم‌ النصر والنجاح‌ وبلوغ‌ المنشود الغائي‌ّ والهدف‌ الاصلي‌ّ، يومٌ لو كشف‌ عن‌ جزء منه‌ للسالكين‌ والعاشقين‌ والولهين‌ في‌ طريق‌ الله‌، لجعلهم‌ إلي‌ آخر العمر مدهوشين‌ من‌ فرط‌ السرور، ولخرّوا ساجدين‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌ شكراً للّه‌.

 كان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد يقول‌: إنّ الناس‌ غافلون‌، أصمّت‌ محبّة‌ الدنيا آذانهم‌ وأعمت‌ أعينهم‌، بحيث‌ صاروا يتأسّفون‌ لذلك‌ اليوم‌ ويئنّون‌ أنين‌ الثكلي‌! فهم‌ لا يعلمون‌ أ نّها بأجمعها فوز ونجاح‌ ومعاملة‌ رابحة‌ لابتياع‌ الاشياء النفيسة‌ والجواهر الثمينة‌ مقابل‌ إعطاء الخزف‌ والقشور؛ وأنّ ذلك‌ القتل‌ لم‌ يكن‌ موتاً بل‌ كان‌ عين‌ الحياة‌، ولم‌ يكن‌ انقطاعاً وانصراماً للعمر بل‌ حياة‌ الخلود السرمدي‌ّ.

قراءة‌ سماحة‌ الحدّاد أشعار «المثنوي‌ّ» في‌ غفلة‌ عامّة‌ الناس‌ عن‌ عاشوراء

أشعار المولوي‌ّ في‌ مرثيّة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌

 وكان‌ يقول‌: لقد قَدِم‌ شاعر علي‌ أهل‌ حلب‌، فقال‌:

گفت‌ آري‌ ليك‌ كو دور يزيد كِي‌ بُد است‌                 آن‌ غم‌ چه‌ دير اينجا رسيد

چشم‌ كوران‌ آن‌ خسارت‌ را بديد                          گوش‌ كرّان‌ اين‌ حكايت‌ را شنيد[6]

 ولقد كان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد يبكي‌ كثيراً ويذرف‌ الدموع‌ غزاراً في‌ الايّام‌ العشر الاوائل‌ من‌ المحرّم‌، وكلّ ذلك‌ البكاء من‌ فرط‌ الشوق‌؛ وكانت‌ دموعه‌ تنصبّ أحياناً من‌ شدّة‌ الوجد والسرور أشبه‌ بميزاب‌ يصبّ ماء الرحمة‌ ومطر العشق‌ علي‌ محاسنه‌ الشريفة‌.

 وكان‌ يقرأ في‌ كتاب‌ مولانا محمّد البلخي‌ّ الرومي‌ّ هذه‌ الاشعار ويردّدها بصوت‌ لا أروع‌ ولا أبدع‌ منه‌! لا تزال‌ نبراته‌ وتلك‌ النغمات‌ وفيض‌ الدموع‌ ذلك‌ مجسّماً في‌ خاطري‌؛ لكأنّ الحدّاد قد جلس‌ الآن‌ أمامي‌ وكتاب‌ « المثنوي‌ّ » بيده‌ يقرأ:

زادة‌ ثاني‌ است‌ أحمد در جهان‌                           صد قيامت‌ بود او اندر عيان‌

زو قيامت‌ را همي‌ پرسيده‌اند                  كاي‌ قيامت‌! تا قيامت‌ راه‌ چند

با زبان‌ حال‌ ميگفتي‌ بسي‌:                               كه‌ ز محشر حشر را پرسد كسي‌؟

بهر اين‌ گفت‌ آن‌ رسول‌ خوش‌ پيام‌           رَمْزِ موتوا قبل‌ موتوا [7]‌ يا كرام‌

همچنانكه‌ مُرده‌ام‌ من‌ قبل‌ موت‌              زانطرف‌ آورده‌ام‌ من‌ صيت‌ و صوت‌

پس‌ قيامت‌ شو قيامت‌ را ببين‌                ديدن‌ هر چيز را شرطست‌ اين[8]

تا نگردي‌ اين‌ ندانيّش‌ تمام                     ‌ خواه‌ كان‌ أنوار باشد يا ظلام‌

عقل‌ گردي‌ عقل‌ را داني‌ كمال‌                عشق‌ گردي‌ عشق‌ را بيني‌ جمال‌

نار گردي‌ نار را داني‌ يقين                      ‌ نور گردي‌ هم‌ بداني‌ آن‌ و اين‌

گفتمي‌ برهان‌ بر اين‌ دعوت‌ مُبين‌                        گر بدي‌ إدراك‌ اندر خورد اين‌

هست‌ أنجير اينطرف‌ بسيار خوار             گر رسد مرغي‌ قُنُق‌ أنجيرخوار

در همه‌ عالم‌ اگر مرد و زنند                    دم‌ به‌ دم‌ در نزع‌ و اندر مردنند

اين‌ سخنها را وصيّتها شمر                    كه‌ پدر گويد در آندم‌ با پسر[9]

تا برويد رحمت‌ و غيرت‌ بدين‌                   تا ببرّد بيخ‌ بُغض‌ و رَشك‌ و كين‌

تو بدان‌ نيت‌ نِگر در أقربا             تا ز نزع‌ او بسوزد دل‌ ترا

كل‌ آت‌ آت‌ آنرا نقد دان             ‌ دوست‌ را در نزع‌ و اندر فقد دان‌

ور غرضها زين‌ نظر گردد حجيب‌                اين‌ نظرها را برون‌ افكن‌ ز جيب‌

در نياز خشك‌ و بر عجزي‌ مايست            ‌ زانكه‌ با عاجز گزيده‌ معجزيست‌

عجز زنجيريست‌ زنجيرت‌ نهاد                 چشم‌ در زنجير نه‌ بايد گشاد

پس‌ تضرّع‌ كن‌ كه‌ اي‌ هاديّ زيست‌                      باز بودم‌ پشّه‌ گشتم‌ اين‌ ز چيست‌؟ [10]

سخت‌تر اَفشرده‌ام‌ در سر قدم‌                كه‌ لَفِي‌ خُسْرَم‌ ز قَهْرَت‌ دم‌ به‌ دم‌

از نصيحتهاي‌ تو كر بوده‌ام                      ‌ بت‌ شكن‌ دعويّ و بُتگر بوده‌ام‌

ياد صنعت‌ فرض‌ تر، يا ياد مرگ‌                مرگ‌ مانند خَزان‌، تو أصل‌ برگ‌

سالها اين‌ مرگ‌ طبلك‌ ميزند                   گوش‌ تو بيگاه‌ جنبش‌ ميكند[11]

تشبيه‌ مغفّلي‌ كه‌ عُمر ضايع‌ كند و در نزع‌ بيدار شود

به‌ ماتم‌ أهل‌ حَلب[12]

گويد أندر نزع‌ جان‌ از آه‌ مرگ                   ‌ اين‌ زمان‌ كردت‌ ز خود آگاه‌ مرگ‌

اين‌ گلوي‌ مرگ‌ از نعره‌ گرفت                   ‌ طَبْلِ او بشكافت‌ از ضربِ شگفت‌

در دقائق‌ خويش‌ را در تافتي‌                  رمزِ مردن‌ اين‌ زمان‌ دريافتي‌

أبيات‌ عاشوراء في‌ أشعار «المثنوي‌ّ»

رسيدن‌ شاعر به‌ حلب‌ روز عاشورا و حال‌ معلوم‌ نمودن[13]و نكته‌ گفتن‌ و بيان‌ حال‌ كردن‌

روز عاشورا همه‌ أهل‌ حَلَب                    ‌ باب‌ أنطاكيّه‌ اندر تا بشب‌

گرد آيد مرد و زن‌ جمعي‌ عظيم‌                ماتم‌ آن‌ خاندان‌ دارد مقيم‌

تا بشب‌ نوحه‌ كنند اندر بُكا                    شيعه‌ عاشورا براي‌ كربلا

بشمرند آن‌ ظلمها و امتهان‌                     كز يزيد و شمر ديد آن‌ خاندان‌ [14]

از غريو و ناله‌ها در سرگذشت‌                 پر همي گردد همه‌ صحرا و دشت‌

يك‌ غريبي‌ شاعري‌ از ره‌ رسيد                روز عاشورا و آن‌ افغان‌ شنيد

شهر را بگذاشت‌ و آن‌ سو راي‌ كرد             قصد جستجوي‌ آن‌ هيهاي‌ كرد

پرس‌ پرسان‌ مي‌شد اندر افتقاد               چيست‌ اين‌ غم‌ بر كه‌ اين‌ ماتم‌ فتاد؟

اين‌ رئيسي‌ زَفْت‌ باشد كه‌ بمرد              اين‌ چنين‌ مجمع‌ نباشد كار خرد

نام‌ او ألقاب‌ او شرحم‌ دهيد                   كه‌ غريبم‌ من‌، شما أهل‌ دِهيد

چيست‌ نام‌ و پيشه‌ و أوصاف‌ او               تا بگويم‌ مرثية‌ ألطاف‌ او [15]

مرثيه‌ سازم‌ كه‌ مرد شاعرم‌                    تا از اينجا برگ‌ و لا لَنگي‌ برم‌

آن‌ يكي‌ گفتش‌ كه‌: تو ديوانه‌اي‌               تو نه‌اي‌ شيعه‌ عدوّ خانه‌اي‌

روز عاشورا نميداني‌ كه‌ هست‌               ماتم‌ جاني‌ كه‌ از قرني‌ به‌ است‌؟

پيش‌ مؤمن‌ كي‌ بود اين‌ قصّه‌ خوار              قدر عشق‌ گوش‌، عشق‌ گوشوار

پيش‌ مؤمن‌ ماتم‌ آن‌ پاك‌ روح‌                   شُهره‌تر باشد زصد طوفان‌ نوح[16]

ما أحسن‌ تحقيق‌ الملاّ الرومي‌ّ لقضايا عاشوراء!

 نكته‌ گفتن‌ شاعر جهت‌ طَعن‌ شيعة‌ حَلَب[17]

گفت‌ آري‌ ليك‌ كو دور يزيد                       كي‌ بُد است‌ آن‌ غم‌ چه‌ دير اينجا رسيد [18]

چشم‌ كوران‌ آن‌ خسارت‌ را بديد              گوش‌ كرّان‌ اين‌ حكايت‌ را شنيد

خفته‌ بودستيد تا اكنون‌ شما                             تا كنون‌ جامه‌ دريديد از عزا

پس‌ عزا بر خود كنيد اي‌ خفتگان‌                         زانكه‌ بد مرگيست‌ اين‌ خواب‌ گران‌

روح‌ سلطاني‌ ز زنداني‌ بِجَست‌                           جامه‌ چون‌ درّيم‌ و چون‌ خائيم‌ دست‌؟

چونكه‌ ايشان‌ خسرو دين‌ بوده‌اند                        وقت‌ شادي‌ شد چو بگسستند بند

سوي‌ شادروان‌ دولت‌ تاختند                              كُنده‌ و زنجير را انداختند

روز مُلكست‌ و گَه‌ شاهنشهي‌                            گر تو يك‌ ذرّه‌ از ايشان‌ آگهي‌ [19]

ورنه‌اي‌ آگه‌ برو بر خود گري‌                     زانكه‌ در إنكار نقل‌ و محشري‌

بر دل‌ و دين‌ خرابت‌ نوحه‌ كن‌                   چون‌ نمي‌بيند جز اين‌ خاك‌ كُهُن‌

ور همي‌ بيند چرا نبود دلير                       پشت‌ دار و جان‌ سپار و چشم‌ سير؟

در رخت‌ كو از پي‌ دين‌ فرّخي‌                  گر بديدي‌ بَحر كو كفّ سخيّ؟

آنكه‌ جو ديد آب‌ را نكند دريغ                   ‌ خاصه‌ آنكو ديد دريا را و ميغ‌)[20]

تمثيل‌ حريص‌ بر دنيا به‌ موري‌ كه‌ به‌ دانه‌اي‌ از خرمني‌ قانع‌ نشود [21]

مور بر دانه‌ از آن‌ لرزان‌ شود                    كو ز خرمنگاه‌ خود عُمْيان‌ بود[22]

مي‌كشد يكدانه‌ را از حرص‌ و بيم             ‌ چون‌ نمي‌بيند چنان‌ چاش‌ عظيم‌

صاحب‌ خرمن‌ همي‌ گويد كه‌ هي‌              اي‌ زكوري‌ پيش‌ تو معدوم‌ شي‌ء

تو ز خرمن‌هاي‌ ما آن‌ ديده‌اي                  ‌ كاندر آن‌ دانه‌ بجان‌ پيچيده‌اي‌

اي‌ به‌ صورت‌ ذرّه‌ كيوان‌ را ببين‌                مور لنگي‌ رو سليمان‌ را ببين‌

تو نِه‌اي‌ آن‌ جسم‌، بل‌ آن‌ ديده‌اي             ‌ وارهي‌ از جسم‌ گر جان‌ ديده‌اي‌

آدمي‌ ديده‌ است‌، و باقي‌ لَحم‌ و پوست‌                هرچه‌ چشمش‌ ديده‌است‌ آن‌ خيراوست‌

كوه‌ را غرقه‌ كند يك‌ خُم‌ زِ نَم                   ‌ مَنفذي‌ گر باز باشد سوي‌ يَمْ [23]

چون‌ به‌ دريا راه‌ شد از جان‌ خُم              ‌ خُم‌ با جِيحون‌ بر آرد اُشتلُم‌

زين‌ سبب‌ قُلْ گفتة‌ دريا بُوَد                                گرچه‌ نطق‌ أحمدي‌ گويا بُوَد

گفتة‌ او جمله‌ دُرِّ بَحْر بُوْد                                    كه‌ دلش‌ را بُوْد در دريا نفوذ

داد دريا چون‌ ز خُمّ ما بُوَد                                  چه‌ عجب‌ گر ماهي‌ از دريا بُوَد

چشم‌ حِسّ افسرده‌ بر نقش‌ قمر                             تو قمر مي‌بيني‌ و او مستقرّ

اين‌ دوئي‌ أوصاف‌ ديدة‌ أحول‌ است‌                        ورنه‌ أوّل‌ آخر، آخر أوّل‌ است‌

هين‌ گذر از نقش‌ خُم‌ در خُم‌ نگر             كاندر او بحري‌ است‌ بي‌ پايان‌ و سَر [24]

پاك‌ از آغاز و آخر آن‌ عِذاب‌                      مانده‌ محرومان‌ ز قهرش‌ در عَذاب‌

اين‌ چنين‌ خُم‌ را تو دريا دان‌ يقين                        ‌ زنده‌ از وي‌ آسمان‌ و هم‌ زمين‌

گشته‌ دريائي‌ دوئي‌ در عين‌ وصل‌             شد ز سو در بي‌ سوئي‌ در عين‌ وصل‌

بلكه‌ وحدت‌ گشته‌ او را در وصال              ‌ شد خطاب‌ او خطاب‌ ذوالجلال‌ [25]

 نعم‌، لقد كان‌ الموت‌ بالنسبة‌ لسيّد الشهداء وسيّد المظلومين‌ عليه‌ السلام‌ عين‌ الدرجة‌ والارتقاء والفوز والنجاح‌، لذا جاء في‌ الرواية‌ التي‌ أوردناها في‌ بحث‌ « معرفة‌ المعاد » أنّ المصائب‌ كلما ازدادت‌ وادلهمّت‌ يوم‌ عاشوراء وكلّما استعر أُوار الحرب‌ زاد إشراق‌ وجهه‌ المنير...

 وَكَانَ الحُسَيْنُ عَلَیهِ السَّلاَمُ وَبَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تُشْرِقُ أَلْوَانُهُمْ وَتَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ وَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا لاَ يُبَالِي‌ بِالمَوْتِ! فَقَالَ لَهُمْ الحُسَيْنُ عَلَیهِ السَّلاَمُ: صَبْراً بَنِي‌ الكِرَامِ! فَمَا المَوْتُ إلاَّ قَنْطَرَةً تَعْبُرُ بِكُمْ عَنِ البُؤْسِ وَالضَّرَّاءِ إلی الجِنَانِ الوَاسِعَةِ وَالنَّعِيمِ الدَّائِمَةِ؛ فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إلی قَصْرٍ؟!

... إنَّ أَبِي‌ حَدَّثَنِي‌ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ: إنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الكَافِرِ، وَالمَوْتَ جِسْرُ هَؤُلاَءِ إلی جِنَانِهِمْ وَجِسْرُ هَؤُلاَءِ إلی جَحِيمِهِمْ؛ مَا كَذِبْتُ وَلاَ كُذِبْتُ! [26]

 وينبغي‌ العلم‌ أنّ ما تفضّل‌ به‌ المرحوم‌ الحدّاد، كان‌ عن‌ حاله‌ الشخصي‌ّ في‌ ذلك‌ الوقت‌؛ حيث‌ عبر من‌ عوالم‌ الكثرات‌ ووصل‌ إلي‌ الفَناء المطلق‌ في‌ الله‌. وبعبارة‌ أُخري‌: فإنّ السفر إلي‌ الله‌ كان‌ قد بلغ‌ غايته‌، وكان‌ مشتغلاً في‌ السفر الثاني‌: السفر في‌ الله‌؛ كما في‌ أحوال‌ الملاّ الرومي‌ّ عند إنشاده‌ هذه‌ الاشعار، وأحوال‌ ذلك‌ الشاعر الشيعي‌ّ الذي‌ ورد مدينة‌ حلب‌، حيث‌ تبدّل‌ جانب‌ « وجه‌ الخلق‌ » فيهم‌ إلي‌ جانب‌ « وجه‌ الحقّ » والوجه‌ الربّي‌ّ وعبروا من‌ درجات‌ النفس‌ وتمكّنوا واستقرّوا في‌ حرم‌ عزّ التوحيد وحريم‌ وصال‌ الحقّ.

 أمّا بالنسبة‌ لسائر أفراد الناس‌ الذين‌ لم‌ يتخلّصوا من‌ عالم‌ الكثرات‌ وبَقَوا أسري‌ فيه‌، والذين‌ عجزوا عن‌ تخطّي‌ عالم‌ النفس‌؛ فإنّ عليهم‌ حتماً البكاء وإقامة‌ العزاء ولطم‌ الصدور وقراءة‌ المراثي‌، ليتمكّنوا بهذا النحو من‌ طي‌ّ الطريق‌ ونيل‌ ذلك‌ المقصد السامي‌، فهذا المجاز قنطرة‌ للوصول‌ لتلك‌ الحقيقة‌. كما أ نّهم‌ عليهم‌ السلام‌ أمرونا ـ كما في‌ الروايات‌ الكثيرة‌ المستفيضة‌ بإقامة‌ العزاء لنطهّر أنفسنا بهذه‌ الوسيلة‌، ولتتناغم‌ خطانا في‌ هذا الدرب‌ مع‌ أُولئك‌ القادة‌ العظام‌.

 علي‌ أن‌ الاسفار الاربعة‌ حين‌ تُطوي‌ فإنّ من‌ لوازم‌ البقاء بالله‌ بعد مقام‌ الفناء في‌ الله‌ هو التشكّل‌ بعوالم‌ الكثرة‌، ورعاية‌ حقّ كلّ عالم‌ كما هو حقّه‌، وهو الكون‌ مع‌ الله‌ في‌ عالم‌ الخلق‌ والاتّصاف‌ بالصفات‌ الخلقيّة‌ في‌ عين‌ الوحدة‌ الربوبيّة‌، حيث‌ يوجد العشق‌ والعزاء، والتوحيد والكثرة‌ معاً. وقد شوهدت‌ هذه‌ الحالات‌ نفسها عند سماحة‌ السيّد الحدّاد أواخر عمره‌، فقد صار له‌ مقام‌ البقاء بعد نيله‌ مقام‌ الفناء الصِّرف‌ والتمكّن‌ في‌ التجرّد، لذا فقد كان‌ مشهوداً منه‌ بكاؤه‌ بحرقة‌ ولوعة‌ في‌ مجالس‌ العزاء مقروناً بالعشق‌ الشديد. كما أنّ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ قال‌ بنفسه‌ لابنته‌ الحبيبة‌ سكينة‌:

 لاَتُحْرِقِي‌ قَلْبِي‌ بِدَمْعِكِ حَسْرَةً مَادَامَ مِنِّي‌ الرُّوحُ فِي‌ جُثْمَانِي‌

 وباختصار وإجمال‌: فإنّ قصّة‌ كربلاء قصّة‌ غامضة‌ ومعقّدة‌ جدّاً، فهي‌ كالعُملة‌ المعدنيّة‌ ذات‌ وجهين‌، وجهها الاوّل‌ عشق‌ وحماس‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وفوزه‌ بتلك‌ العوالم‌، والوجه‌ الآخر الغمّ والهمّ والعذاب‌ والالم‌ والبكاء. لكن‌ الذين‌ يمكنهم‌ رؤية‌ ذلك‌ الوجه‌ الآخر هم‌ الذين‌ شاهدوا هذا الوجه‌ وتخطّوه‌ وعبروه‌؛ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ.

قراءة‌ سماحة‌ الحدّاد أبيات‌ عاشوراء وكأ نّها مختمرة‌ مع‌ روحه‌ ونفسه‌

 نعم‌، لقد كان‌ أُسلوب‌ وكيفيّة‌ قراءة‌ أبيات‌ مولانا هذه‌ بشكل‌ كأنّ السيّد الحدّاد كان‌ متّحداً مع‌ حقيقة‌ تلك‌ المعاني‌، فهو يتحدّث‌ عن‌ مَعين‌ واقعيّاتها وحقائقها ومعادنها. لكأنّ يوم‌ عاشوراء ماثل‌ أمامه‌، فهو يُخبر عن‌ ضمير سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وباطنه‌ ويكشف‌ الستار عن‌ أصحابه‌ وأنصاره‌.

 وكان‌ لفظ‌ « الفَناء » أكثر الالفاظ‌ تردّداً علي‌ لسان‌ الحدّاد، فلم‌ يكن‌ ليري‌ مفرّاً ولا مناصاً أسمي‌ من‌ الفناء ليدعو رفقاءه‌ إليه‌.

 ولقد بقي‌ الحقير في‌ كربلاء إلي‌ اليوم‌ الثالث‌ لشهادة‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌، ثمّ ذهبتُ إلي‌ الكاظمين‌ عليهما السلام‌ برفقة‌ الاُستاذ في‌ اليوم‌ الرابع‌ عشر من‌ المحرّم‌ وتوقّفنا فيها يومين‌، ثمّ تشرّفتُ بالذهاب‌ معه‌ إلي‌ سامرّاء مع‌ بعض‌ الرفقاء، ونهلنا من‌ بركات‌ تلك‌ الانوار القدسيّة‌ أربع‌ ليال‌ عُدنا بعدها إلي‌ الكاظميّة‌ ومنها مباشرة‌ إلي‌ طهران‌ حيث‌ وصلتها بعد العشرين‌ من‌ محرّم‌ الحرام‌ واستغرق‌ سفري‌ هذا خمسةً وخمسين‌ يوماً.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] باعتبار أنّ السيّد مرتضي‌ العسكري‌ّ دامت‌ بركاته‌ هو حفيد بنت‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا محمّد الطهراني‌ّ الذي‌ كان‌ مقيماً بسامرّاء، وكانت‌ المرحومة‌ جدّتي‌ لوالدي‌ أي‌ والدة‌ أبي‌ المسمّاة‌ بـ «بي‌بي‌ شهربانو» أُخت‌ الميرزا محمّد، لذا فقد صار العلاّمة‌ العسكري‌ّ حفيد خال‌ أبي‌.

[2] ـ تقع‌ الكرّادة‌ الشرقيّة‌ في‌ الجانب‌ الشرقي‌ّ من‌ بغداد علي‌ نهر دجلة‌، كما تقع‌ كرّادة‌ مريم‌ في‌ الجانب‌ الغربي‌ّ منه‌.

[3] ما ورد في‌ المتن‌ هو نصّ كلام‌ السيّد باللهجة‌ العراقيّة‌ العامّيّة‌، ويعني‌: ألاَ تري‌ يا أخي‌؟! هذا واحد، وهذا اثنان‌، وهذا ثلاثة‌، وهذا أربعة‌، وهذا خمسة‌. فماذا تقول‌ بعد؟!

 قال‌: أيّها السيّد! ألاَ تعدَّ نفسك‌؟!(م‌)

[4] الآيتان‌ 26 و 27، من‌ السورة‌ 55: الرحمن‌.

[5] ـ المسبّحات‌ عبارة‌ عن‌ خمس‌ سور: الحديد، الحشر، الصفّ، الجمعة‌ والتغابن‌.

[6] ـ يقول‌: «قال‌ الشاعر: نعم‌، ولكن‌ أين‌ عصر يزيد، ومتي‌ كان‌ هذا الحزن‌؟ وكم‌ وصل‌ إلي‌ هنا متأخّراً؟!

فلقد رأي‌ حتّي‌ العميان‌ هذه‌ الخسارة‌، وسمع‌ حتّي‌ الصمّ بهذه‌ الحكاية‌»

[7] ـ «رمز موتوا»: إشارة‌ إلي‌ الحديث‌ النبوي‌ّ الشريف‌: مُوتُوا قَبْلَ أنْ تَموُتُوا؛ أي‌: اختاروا الموت‌ الاختياري‌ّ كي‌ لا تروا حال‌ الموتي‌!

[8] ـ «مثنوي‌ معنوي‌» للملاّ الرومي‌ّ، المجلّد السادس‌، ص‌ 570 و 571، طبعة‌ آقا ميرزا محمود؛ وفي‌ طبعة‌ ميرخاني‌: ص‌ 550 إلي‌ 552:

پ يقول‌: «إنّ المولود الثاني‌ في‌ العالم‌ هو أحمد، وكان‌ يمثّل‌ عياناً مائة‌ قيامة‌.

 لذا فقد كانوا ينشدونه‌ عن‌ القيامة‌ فيقولون‌: أيّها القيامة‌! متي‌ تأتي‌ القيامة‌؟

 فيجيب‌ بلسان‌ الحال‌: أهناك‌ ثَمّ من‌ يسأل‌ المحشر عن‌ الحشر؟!

 ولهذا قال‌ ذلك‌ الرسول‌ المبشّر رمزاً: موتوا قبل‌ أن‌ تموتوا يا كرام‌!

 وهكذا فعلتُ حين‌ متُ قبل‌ موتي‌، وجئتُ بهذا الصدي‌ والنداء ومن‌ ذلك‌ الجانب‌.

 فكن‌ قيامة‌ لتري‌ القيامة‌، فإنّ رؤية‌ كلّ شي‌ء تستلزم‌ هذا الشرط‌».

[9] ـ يقول‌: «وما لم‌ تتحوّل‌ إليه‌ وتصبح‌ في‌ مقامه‌ لم‌ تره‌، سواء كان‌ نوراً أم‌ ظلاماً.

 ولو تحوّلت‌ عقلاً لرأيت‌ العقل‌ هو الكمال‌، ولو تحوّلت‌ عشقاً لرأيت‌ العشق‌ هو الجمال‌.

 ولو صرتَ ناراً لعلمت‌ النار يقيناً، ولو استحلتَ نوراً لعلمت‌ هذا وذاك‌.

 إنّ قولي‌ هذا برهان‌ مبين‌ لمدّعاي‌، لو كان‌ هناك‌ من‌ يدركه‌.

 ولو حطّ طائر يأكل‌ التين‌ فحلّ هنا ضيفاً، فإنّ هناك‌ تيناً كثيراً مطروحاً في‌ هذا الجانب‌.(يقصد: لو جاء من‌ يدرك‌ حقائق‌ وأسرار الغيب‌ فإنّ هنا الكثير منها).

 وكلّ مَن‌ في‌ العالم‌ من‌ الرجال‌ والنساء، هم‌ في‌ حال‌ النزع‌ والاحتضار في‌ كلّ حين‌.

 فعُدّ هذه‌ الاقوال‌ وصايا أب‌ يفضي‌ بها عند نزعه‌ إلي‌ ولده‌».

[10] ـ يقول‌: «من‌ أجل‌ أن‌ تنمو بها الرحمة‌ والغيرة‌، ولكي‌ تُستأصل‌ بها جذور الحقد والبغض‌ والحسد.

 فانظر بهذه‌ النيّة‌ إلي‌ معارفك‌، ليحزن‌ قلبك‌ عند احتضار أحدهم‌.

 واعلم‌ فعلاً أنّ كلّ آت‌ هو آت‌، واعلم‌ أنّ أعزّاءك‌ في‌ احتضار وفقدان‌.

 وإن‌ حجبتك‌ النوايا عن‌ هذا النظر، فانبذها خارجاً من‌ جيبك‌.

 لا تقف‌ عند الاحتياج‌ والعجز، لانّ وقوفك‌ علي‌ العجز يعجزك‌ أكثر وأكثر، وعجزك‌ دليل‌ وجود مَن‌ لا يعجز.

 العجز قيد قيّدك‌ به‌، فلا ينبغي‌ لك‌ أن‌ تحدّق‌ في‌ القيد.

 وتضـرّع‌ لمن‌ أعجـزك‌، يا دليل‌ الحياة‌ والوجـود، لقد كنتُ صـقراً فَلِم‌ صِـرتَ بعوضـة‌؟».

[11] ـ يقول‌: «أُطأطي‌ رأسي‌ بين‌ ركبتَي‌َّ، فأنا كلّ لحظة‌ في‌ خُسر من‌ غضبك‌ وقهرك.

 لقد كنتُ أصمّاً عن‌ سماع‌ نصائحك‌، أدّعي‌ تحطيم‌ الاصنام‌ بينما أصنعها بيدي‌.

 لا أعلم‌ أيّهما أوجب‌: ذكر صنعك‌ أم‌ ذكر الموت‌، فالموت‌ يشبه‌ الخريف‌ بينما أنت‌ أصل‌ الاوراق‌.

 لقد قرع‌ هذا الموت‌ طبله‌ سنين‌ متمادية‌، لكنّ أُذنك‌ لم‌ تُصغ‌ إلاّ بعد فوات‌ الاوان‌».

[12] ـ تشبيه‌ مغفّل‌ أضاع‌ عمره‌ ثمّ تنبّه‌ عند احتضاره‌

بتعزیه اهل حلب

[13] وصول‌ الشاعر إلي‌ حلب‌ يوم‌ عاشوراء

 واستفساره‌ عن‌ حالهم‌ والطعن‌ بهم‌

[14] ـ يقول‌: «يوم‌ عاشوراء يجتمع‌ أهل‌ حلب‌ من‌ الصباح‌ إلي‌ الليل‌ عند باب‌ أنطاكية‌ يجتمعون‌ رجالاً ونساءً في‌ مجلس‌ عظيم‌، ليقيموا مأتم‌ أهل‌ البيت.

 يجتمع‌ الشيعة‌ يوم‌ عاشوراء، لينوحوا ويبكوا علي‌ مصاب‌ كربلاء.

 وليعدّدوا تلك‌ المظالم‌ والامتهانات‌ التي‌ بدرت‌ من‌ يزيد والشمر لاهل‌ البيت‌».

[15] ـ يقول‌: «فكانوا يئنّون‌ ويبكون‌ يوم‌ عاشوراء، حتّي‌ تمتلي‌ الصحراء والسهول‌ بنياحهم‌ وهم‌ يسردون‌ وقائع‌ ما قد حدث‌.

 وصل‌ آنذاك‌ شاعر غريب‌ مسافر إلي‌ مدينة‌ حلب‌، فسمع‌ الانين‌ والآهات‌.

 فـتـرك‌ المـدينـة‌ واتّـجـه‌ نحـو بـاب‌ أنطـاكيه‌، للاسـتفســار عـن‌ أمـر ذلـك‌ النـوح‌ والضـجّة‌.

 وهكذا فقد جاء يسأل‌ الناس‌ متفقّداً: ما هذا الحزن‌ الذي‌ يغمر هذا المأتم‌؟

 فاجتماعكم‌ لم‌ يحصل‌ إلاّ لاجل‌ زعيم‌ أو شخص‌ كبير، لا لامر تافه‌ بسيط‌.

 فاذكروا لي‌ اسمه‌ وألقابه‌، فأنا غريب‌ لا أعلم‌ عنه‌ شيئاً؛ وأنتم‌ أهل‌ البلدة‌.

 وقولوا ما اسمه‌ وما مهنته‌ وأوصافه‌، لاُنشي‌ مرثيّة‌ في‌ مناقبه‌».

[16] يقول‌: «وسأُنظم‌ مرثيّة‌ ـ أنا الشاعر ـ لينالني‌ عطاؤكم‌ وفتات‌ موائدكم‌.

 فردّ عليه‌ أحدهم‌: أنت‌ مجنون‌ وغير شيعي‌ّ، وعدوّ لاهل‌ البيت‌.

 ألا تعلم‌ ما يوم‌ عاشوراء؟ هذا اليوم‌ المُقام‌ لتأبين‌ تلك‌ الروح‌، اليوم‌ الذي‌ هو خير من‌ قرن‌ كامل‌ من‌ الزمن‌.

 وكيف‌ يمكن‌ للمؤمن‌ أن‌ يتجاهل‌ هذه‌ القصّة‌! لانّ عشق‌ القُرط‌ المعلّق‌ بالاُذن‌ ينبغي‌ أن‌ يُماثل‌ عشق‌ الاُذن‌.

 إنّ مأتم‌ تلك‌ الروح‌ الطاهرة‌، أشهر لدي‌ المؤمن‌ من‌ مائة‌ طوفان‌ نوح‌».

[17] ـ قول‌ الشاعر في‌ الطعن‌ علي‌ شيعة‌ حلب‌:

[18] ـ يقول‌: «قال‌: نعم‌، ولكن‌ أين‌ عصر يزيد، ولكن‌ لِمَ وصل‌ هذا الخبر المحزن‌ إلي‌ هنا متأخّراً؟».

[19] ـ يقول‌: «فلقد رأي‌ حتّي‌ العميان‌ هذه‌ الخسارة‌، وسمع‌ حتّي‌ الصمّ بهذه‌ الحكاية‌.

 أفكنتم‌ حتّي‌ الآن‌ نائمين‌، فصرتم‌ الآن‌ تشقّون‌ جيوبكم‌ في‌ العزاء؟

 فاندبوا أنفسكم‌ أيّها النائمون‌، لانّ هذا النوم‌ والغفلة‌ أسوأ موت‌ وأدهاه‌.

 لقد حلّق‌ روح‌ هذا الملك‌ العظيم‌ متحرّراً من‌ السجن‌، فلِمَ نشقّ الجيوب‌ وننفض‌ الايدي‌ حُزناً؟!

 وحين‌ يحطّم‌ هؤلاء العظماء وملوك‌ الدين‌ قيودهم‌، فذاك‌ وقت‌ السرور والحبور، لا البكاء والعزاء.

 ولقد ألقوا بالقيود والاغلال‌ التي‌ تكبّلهم‌، وأسرعوا إلي‌ سرادق‌ الملك‌ والملكوت‌.

 ولو كان‌ لك‌ بهم‌ من‌ العلم‌ ذرّة‌، لعلمتَ أنّ هذا وقت‌ ملكهم‌ وسلطانهم‌».

[20] ـ يقول‌: «أمّا لو جهلتَ ذلك‌ فاذهب‌ لنفسك‌ فاندبها، لا نّك‌ أنكرت‌ الحشر والعالم‌ الآخر.

 ونُحْ علي‌ قلبك‌ ودينك‌ الفاسدَينِ، لانّ قلبك‌ لا يري‌ إلاّ الحمأ المسنون‌.

 ولو كان‌ مُبصراً فلِمَ يفتقد الشجاعة‌؟ ولِمَ لا يمتلك‌ الاستقامة‌ والتضحية‌ والقناعة‌؟

 أين‌ البشاشة‌ وطلاقة‌ الوجه‌ من‌ أثر التديّن‌؛ وإن‌ كنت‌ رأيت‌ البحر فأين‌ منك‌ يد السخاء والعطاء؟

 إنّ من‌ رأي‌ ساقية‌ صغيرة‌ لا يبخل‌ بالماء ولا يمنعه‌، فكيف‌ بمن‌ شاهد البحر والسحاب‌!».

[21] ـ تشبيه‌ الحريص‌ علي‌ الدنيا بالنملة‌ التي‌ لا تقنع‌ من‌ البيدر بحبّة‌ واحدة‌

[22] ـ يقول‌: «تتشبّث‌ النملة‌ بالحَبّة‌ بكلتا يديها، لا نّها عمياء عن‌ إبصار البيدر الكبير».

[23] يقول‌: «فتسحب‌ تلك‌ الحبّة‌ في‌ طمع‌ وخوف‌، لا نّها لا تبصر تلّ حبوب‌ الحنطة‌.

 يناديها صاحب‌ البيدر: أيّتها العمياء التي‌ من‌ شدّة‌ عماها تحسب‌ الشي‌ء الكبير معدوماً!

 أنتِ لم‌ تبصري‌ من‌ بيادرنا إلاّ هذه‌ الحبّة‌ الصغيرة‌ التي‌ لَصَقْتِ بها روحاً وقلباً.

 فيا مَن‌ هو في‌ صورة‌ ذرّة‌ في‌ الوجود، انظر إلي‌ الكوكب‌ زُحل‌! أنت‌ نملة‌ عرجاء فاذهب‌ وانظر إلي‌ سليمان‌.

 أنتَ لست‌ هذا الجسم‌، بل‌ ذلك‌ البصر والبصيرة‌؛ فإذا رأيت‌ الروح‌ تحرّرت‌ من‌ الجسد.

 وليس‌ البشر إلاّ البصر والبصيرة‌، أمّا الباقي‌ فلحم‌ وجِلد، فما وقع‌ عليه‌ بصيرته‌ فهو خير له‌.

 إذا وجدت‌ روح‌ الجرّة‌ منفذاً إلي‌ البحر، فإنّها ستغرق‌ الجبل‌ بمائها».

[24] ـ يقول‌: «إذا وجدت‌ روح‌ الجرّة‌ منفذاً إلي‌ البحر، لفاقت‌ في‌ كبريائها نهر جيحون‌.

 ولهذا فإنّ كلمة‌ «قُلْ» كانت‌ كلام‌ بحر الاُلوهيّة‌، ولو نُطقت‌ بلسان‌ النبي‌ّ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 كانت‌ كلمات‌ ذلك‌ العظيم‌ درر ذلك‌ البحر، لانّ قلبه‌ كان‌ قد وجد سبيله‌ إلي‌ البحر.

 وحين‌ يفيض‌ البحر من‌ جرّتنا؛ فما العجب‌ أن‌ تكون‌ السمكة‌ جزءاً من‌ البحر؟

 إنّ حقيقة‌ القمر ليست‌ غير شي‌ء واحد، لكنّ عين‌ الحسّ المادّيّة‌ الضعيفة‌ تراه‌ في‌ الماء والمرآة‌ شيئاً ثابتاً ومستقرّاً، لكنّك‌ وأنت‌ ذو العقل‌ والاءدراك‌ تشاهد حقيقة‌ القمر المتحرِّك‌ في‌ المنازل‌ والاشكال‌ المختلفة‌.

 فهذه‌ الثنائيّة‌ في‌ الاوصاف‌ رؤية‌ الاحول‌، وإلاّ فإنّ الاوّل‌ هو الآخر والآخر هو الاوّل‌.

 فتجاوز الآن‌ رسم‌ الجرّة‌ وتأمّل‌ في‌ الجرّة‌، ففي‌ داخلها بحر لا أوّل‌ له‌ ولا آخر».

[25] ـ يقول‌: «ولقد كان‌ ماؤه‌ طاهراً عذباً منذ البدء، أمّا من‌ حُرموا منه‌ فقد بقوا في‌ عذاب‌ من‌ قهره‌ وغضبه‌.

 فأيقنْ أنّ مَثَل‌ هذه‌ الجرّة‌، بحر تحيي‌ به‌ السماء والارض‌ كلاهما.

 صار في‌ الثنائيّة‌ بحراً حين‌ الوصال‌، وكان‌ ذا جهة‌ فآل‌ إلي‌ حيث‌ لا جهة‌ ولا حدّ في‌ عين‌ الوصل‌.

 بل‌ إنّه‌ صار في‌ الوصال‌ عين‌ الوحدة‌، وصار خطابه‌ خطاب‌ ذي‌ الجلال‌».

[26] «معاني‌ الاخبار» ص‌ 288 و 289، باب‌ معني‌ الموت‌، الحديث‌ 3، الطبعة‌ الحيدريّة‌، سنة‌ 1379؛ و «معرفة‌ المعاد» من‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الاءسـلامية‌، ج‌ 1، ص‌ 89، نهاية‌ المجلس‌ الثالث‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com