بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم الثاني: الادلة الخمسة علی ضرورة الاستاذ في السیر إلی الله و الرد علی مخالفیها

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 الادلّة‌ الخمسة‌ لبعض‌ مَنِ ادّعي‌ عدم‌ ضرورة‌ الاُستاذ في‌ السير إلي‌ الله‌

هذا وقد نشب‌ بين‌ الرفقاء في‌ طهران‌ من‌ مريدي‌ سماحة‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ اختلاف‌ شديد بعد رحلته‌؛ فكان‌ الحقير يصرّ علي‌ أن‌ لامفرّ من‌ وجودأُستاذلطي‌ّ هذا الطريق‌ وسيره‌ وسلوكه، وأنّ الوديان‌ والمهاوي‌ العميقة‌ المهلكة‌ والعقبات‌ والمرتفعات‌ الشاقّة‌ الصعبة‌ لا يمكن‌ تخطّيها وعبورها إلاّ بواسطة‌ الاُستاذ، وأنّ طي‌ّ الطريق‌ بتهوّر لن‌ يكون‌ من‌ عاقبته‌ إلاّ الشقاء والهلاك‌ والسقوط‌ أسيراً في‌ وادي‌ إبليس‌ ومنعطفات‌ النفس‌ الامّارة‌ تسحقه‌ وتتوطّأه‌ فيها أقدام‌ الشيطان‌ الرجيم‌.

 وكان‌ هناك‌ شخص‌ من‌ مريدي‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ والمتردّدين‌ علي‌ محضره، وكان‌ قبل‌ ذلك‌ يتردّد علي‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ سرّه، لكنّه‌ كان‌ ـأساساً تلميذاً وملازماً للمرحوم‌ السيّد عبدالغفّار المازندراني‌ّ في‌ النجف، واسمه‌ ...، ولا يزال‌ بحمد الله‌ علي‌ قيد الحياة‌ حتّي‌ الآن‌. وقد قام‌ هذا الشخص‌ بمخالفة‌ اقتراح‌ الحقير وبدأ معارضته‌ فكان‌ يتحدّث‌ في‌ مجالس‌ ومحافل‌ أُنس‌ الاصدقاء ببيان‌ جذّاب‌ ملفت‌ للانظار، يمكنه‌ بسهولة‌ أن‌ يستلفت‌ إليه‌ أفكار السالكين‌ وخاصّة‌ غير المتعلّمين‌ والدارسين‌ منهم‌،طارحاً بإلحاح‌ مسألة‌ عدم‌ الحاجة‌ إلي‌ أُستاذ؛ وكان‌ كلامه‌ وحديثه‌ يتضمّن‌ عدّة‌ مطالب‌:

 الاوّل‌ :أنّ الاُستاذ الحقيقي‌ّ هو إمام‌ العصر والزمان‌ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ الشريف‌، وهو حاضر وناظر وحي‌ّ ومحيط‌ بعالمنا، فهو مطَّلِع‌ علي‌ أُمور كلّ سالك‌ وحالاته‌، فهو يوصله‌ علي‌ أكمل‌ نحو وأتمّه‌ إلي‌ نتائج‌ السلوك‌. ونحن‌ الشيعة‌ مكلّفون‌ أن‌ نذكره‌ في‌ الادعية‌ والزيارات، فنسلّم‌ عليه‌ ونعرض‌ حاجاتنا عليه‌ لهذا السبب‌ . أوَ ليس‌ من‌ الخطأ ـمع‌ الاعتقاد بالاءمام‌ الحي‌ّ والدعاء بتعجيل‌ فرجه‌ أن‌ تُطلب‌ الحاجات‌ من‌ غيره‌ ويُستمدّ العون‌ من‌ أُستاذ سواه‌ ؟!أوَ ليس‌ من‌ المخجل‌ ـمع‌ وجود الاءمام‌ الحقيقي‌ّ الممتلك‌ للولاية‌ الكلّيّة‌ الاءلهيّة‌ أن‌ يمدّ الاءنسان‌ يد الاستعانة‌ إلي‌ الاُستاذ الذي‌ هو مثله‌ يخطأ ويسهو ؟!

 الثاني‌ :أنّ ما يعلّمه‌ الاُستاذ للاءنسان‌ ليس‌ إلاّ ظهورات‌ نفسه‌ هو؛ وحقّاً !أيمكن‌ لاحد أن‌ يتخطّي‌ حدود نفسه‌ ويتجاوزها ؟!

 لذا، فإنّ التبعيّة‌ للاُستاذ تمثّل‌ متابعة‌ أفكاره‌ وآرائه، والجري‌ علي‌ نهجه‌ وطريقه‌ النفساني‌ّ، وهو أمر خاطي‌ بلا ريب‌ . لانّ الله‌ سبحانه‌ خلق‌ الاءنسان‌ فوهبه‌ قوّة‌ الاستقلال‌ والتعقّل‌ بنفسه‌؛ أفليس‌ من‌ الحيف‌ والظلم‌ أن‌ يحطّم‌ الاءنسان‌ هذه‌ القدرة، ويقضي‌ علي‌ العزّة‌ والاستقلال‌ الموهوبَينِ من‌ الله‌، فيصبح‌ تابعاً لشخص‌ هو مثله‌ لا غير ؟!

 الثالث‌ :لقد وهب‌ الله‌ تعالي‌ للاءنسان‌ القوّة‌ التي‌ يمكنه‌ بها الاتّصال‌ بعالَم‌ الغيب‌ واكتساب‌ حاجاته‌ منه، وعلي‌ الاءنسان‌ أن‌ يصل‌ إلي‌ الحقائق‌ عن‌ طريق‌ المكاشفات‌؛ لذا فإنّ التبعيّة‌ للعلماء أمر خاطي‌ أيضاً، لانّهم‌ يحصلون‌ علي‌ الاحكام‌ من‌ عمليّات‌ الاءضافة‌ والطرح‌ والضرب‌ والقسمة‌، ويجعلون‌ الاحكام‌ عن‌ طريق‌ صياغة‌ القواعد، فالتبعيّة‌ لهم‌ لن‌توصل‌ الاءنسان‌ للحقيقة‌. وكيف‌ ـيا تري‌ يرجع‌ الناس‌ إلي‌ ذلك‌ العالِم‌ الذي‌ يفتقد نفسه‌ العلم‌ فلا يعرف‌ طريق‌ صرف‌ الوجوه‌ الشرعيّة‌ في‌ مظانّها فيستأمنونه‌ علي‌ أموالهم‌ وحقوقهم‌ ؟! لذا فإنّ علي‌ الجميع‌ أن‌ يسيروا بالتزكية‌ والاخلاق‌ الاءنسانيّة‌ والاءسلاميّة‌ فيوصلوا أنفسهم‌ إلي‌ الملكوت‌ ويأخذوا أحكامهم‌ الضروريّة‌ منه‌.

 الرابع‌ : أنّ روح‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ حيّة، وأنّها تدرك‌ معاناة‌الرفقاء وعشّاق‌ الدرب‌ وطريق‌ الله‌ فتعينهم‌ . علي‌ أنّ قدرة‌ روح‌ سماحة‌ الانصاري‌ّ أقوي‌ بعد موته، لانّها قد خلعت‌ لباس‌ عالم‌ الكثرة‌ ولوث‌ الطبيعة‌ ووصلت‌ إلي‌ التجرّد المحض‌ الابدي‌ّ؛ وسـيكون‌ ـلذلك‌ في‌ صدد تكميل‌ رفقائه‌ السلوكيّين‌ علي‌ نحو أفضل‌ وأشمل‌ وأسمي‌.

 أوَ لم‌ يكن‌ زمن‌ حياته‌ بسعته‌ وامتداده‌ مراقباً ومواظباً لحال‌ رفقائه‌ في‌ اليقظة‌ والنوم‌، وفي‌ السرّ والعلن، وفي‌ الغياب‌ والعيان، وفي‌ السفر والحضر؛ مع‌ أنّه‌ كان‌ أسير عالم‌ الطبع‌ والبدن‌ والطبيعة‌ ؟ أفيمكن‌ أن‌ لايدير أُمور رفقائه‌ بشكل‌ أفضل‌ ؟ مع‌ أنّه‌ من‌ المسلّم‌ أنّ تجرّده‌ بعد موته‌ أقوي‌، وإحاطته‌ أكثر، وعلمه‌ أوفر ؟! ومن‌ ثمّ فإنّ الرجوع‌ إلي‌ غير الانصاري‌ّ هتك‌ لحرمة‌ الانصاري‌ّ وكسر لحريمه، وهو ذنب‌ لايغتفر.

 الخامس‌ : أنّ المرحوم‌ الانصاري‌ّ نفسه‌ لم‌ يكن‌ له‌ أُستاذ، فقد سمع‌ الجميع‌ قوله‌: « لم‌ أتتلمذ علي‌ يد أُستاذ؛ ولقد طويتُ هذا الطريق‌ بلادليل‌ ولامعلم‌ » . وحين‌ يقرّر هذا الامر ذلك‌ المرحوم‌ الذي‌ تعترفون‌ بأُستاذيّته‌ وبقدرته‌ علي‌ فهم‌ أسرار البشر، فكيف‌ تريدون‌ أُستاذاً ؟! أصرتم‌ تفوقونه‌ في‌ الاءخلاص‌ والمعرفة‌ مع‌ أنّكم‌ تلاميذه‌ ومريدوه‌ ؟!

 ولقد كان‌ هذا الشخص‌ المحترم‌ يسكن‌ كربلاء، وقد جاء أخيراً إلي‌ طهران‌ للزيارة، وكان‌ له‌ مع‌ الرفقاء من‌ أهل‌ طهران‌ روابط‌ عميقة‌، ثمّ عاد بعد ذلك‌ إلي‌ كربلاء . وقد ذكرتُ أنّه‌ كان‌ من‌ ملازمي‌ المرحوم‌ السيّد عبدالغفّار المازندراني‌ّ، أحد العُبّاد المعروفين‌ في‌ النجف‌ من‌ أهل‌ الزهد والتقوي‌، وكانت‌ تحصل‌ له‌ أحياناً مكاشفات‌ مثاليّة‌ وصوريّة‌؛ لكنّه‌ كان‌ مخالفاً بشدّة‌ لاهل‌ التوحيد، وكان‌ يُدين‌ في‌ مجالسه‌ ومحافله‌ العرفاء الاجلاّء الاءلهيّين‌ الاعزّاء وأهل‌ التوحيد ببيانه‌ وسيرته‌.

 وكان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد يقول‌ : قال‌ لي‌ سماحة‌ السيّد يوماً ( ويعني‌ السيّد القاضي‌ ) : لقد كان‌ لي‌ مع‌ السيّد عبد الغفّار علاقات‌ صداقة‌ نوعاً ما، لكنّه‌ شرع‌ الآن‌ بالمعارضة‌ بكلّ قواه‌ . وكنتُ دوماً أُسَلِّمُ عليه‌ حيثما التقيته‌ في‌ الطريق‌، فصرتُ أخيراً أُسلِّم‌ عليه‌ فلا يردّ عَلَي‌ّ؛ ولذا فقد عقدت‌ العزم‌ أن‌ لا أُسلِّم‌ عليه‌ بعد الآن‌ . وقد نقل‌ نفس‌ هذا الامر سماحة‌ الشيخ‌ القوجاني‌ّ وأضاف‌: لم‌ يكن‌ السيّد عبد الغفّار من‌ أهل‌ التوحيد، بل‌ كان‌ يكتفي‌ بالادعية‌ والاذكار والتوسّلات‌ والزهد.

ادّعاء البعض‌ أنّ المراقبة‌ والذِّكر والتأمّل‌ والمحاسبة‌ أمر خاطي‌

 نعم، لقد آثار ذلك‌ الشخص‌ المحترم‌ تلك‌ الضجّة‌ في‌ طهران‌، والذي‌ أيّده‌ فيها بعض‌ الرفقاء في‌ طهران‌ ممّن‌ كان‌ يمتلك‌ مقاماً في‌ السلوك‌ ( وقد ارتبط‌ معه‌ مؤخّراً بعلاقات‌ النسب‌ )، فصار هو الآخر يتحدَّث‌ في‌ الجلسات‌ والاجتماعات‌ عن‌ عدم‌ الحاجة‌ إلي‌ أُستاذ.

 وكان‌ لهما ـمضافاً إلي‌ ذلك‌ مخالفة‌ شديدة‌ في‌ أمرين‌ آخرين‌:

 الاوّل‌ : عدم‌ الحاجة، بل‌ عدم‌ صواب‌ الالتزام‌ بالذِّكر والورد والفكر والمحاسبة‌ والتأمّل‌ والمراقبة، بل‌ خطأ ذلك‌.

 والثاني‌ : خطأ الرياضات‌ المشروعة، وأي‌ّ التزام‌ في‌ نوعيّة‌ وكمّيّة‌ الغذاء والصيام‌ وصلاة‌ الليل‌ وأمثال‌ ذلك‌؛ وكانا يسعيان‌ لاءثبات‌ رأيهما ببيانات‌ شيّقة‌ وجذّابة‌ ومفصّلة‌ تدوم‌ أحياناً ساعات‌ متوالية‌.

 وكان‌ الحقير زمن‌ ارتحال‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ في‌ سنّ الخامسة‌ والثلاثين‌، وكان‌ ذانّك‌ الشخصان‌ بمثابة‌ الاب‌ لي‌ من‌ ناحية‌ العمر؛ فقد كانا أكبر منّي‌ سنّاً وأميل‌ إلي‌ سنّ الشيخوخة، فكنت‌ غالباً ما ألتزم‌ جانب‌ السكوت‌ والاءصغاء في‌ المجالس، ولم‌ يكن‌ لي‌ أساساً مجالٌ واستعداد لاءثارة‌ الجلبة‌ والضجّة، ولربّما كنت‌ أحسّ بقدر من‌ الاحترام‌ لهما باعتبار سابقتهما، ممّا تسبّب‌ في‌ أن‌ تصبح‌ تلك‌ المجالس‌ خاضعة‌ بأجمعها لنفوذهما وتأثيرهما، حتّي‌ أنّ بعض‌ المعمّمين‌ من‌ الذين‌ تربطهم‌ بالحقير نسبة‌ سببيّة‌ وبعضاً من‌ الرفقاء التجّار شغفوا بأجمعهم‌ بذلك‌ الاُسلوب‌ وتلك‌ الطريقة‌.

 وبالطبع‌ فقد كنتُ أذكّر تكراراً ومراراً، بالنسبة‌ لذينك‌ الشخصين‌ المحترمين‌ وبالنسبة‌ إلي‌ البعض‌ الآخر منهم، أنّ هذا الاُسلوب‌ ليس‌ صحيحاً وأنّ الحاجة‌ إلي‌ أُستاذ والالتزام‌ بالذِّكر والمراقبة‌ والتأمّل‌ هي‌ من‌ أركان‌ السلوك‌، فلايمكن‌ بدونها أن‌ تُخطي‌ خطوة‌ واحدة‌ للامام‌ . وأنّ التجمّع‌ والسهر حتّي‌ الصباح‌ بقراءة‌ أشعار حافظ‌ وذكر الصالحين‌ وسيرة‌ الطالبين‌ وإثارة‌ المجالس‌ بهذا النحو، ثمّ تناول‌ طعام‌ العشاء والانشغال‌ بهذه‌ الاُمور إلي‌ وقت‌ متأخّر من‌ الليل، ثمّ النوم‌ بلا تهجّد، والقناعة‌ والاكتفاء بفريضة‌ صلاة‌ الصبح‌ وحدها؛ كلّ هذا لن‌ يصحّ دواءً لداء، ولن‌ يُزيح‌ عقبة‌ من‌ أمام‌ أقدام‌ السالك‌. وبالطبع‌ فإنّ هذه‌ المجالس‌ ستكون‌ جيّدة‌ لو اقترنت‌ بالتعاليم‌ السلوكيّة‌ العميقة‌ من‌ المشارطة‌ والمراقبة‌ والمحاسبة، بالشكل‌ الذي‌ يجعل‌ السالك‌ في‌ السوق‌ وإلي‌ جانب‌ الميزان‌ وفي‌ المعاملات‌ التجاريّة‌ وسائر الاُمور الاُخري‌ في‌ نشاطٍ ومراقبة‌ كما هي‌ حاله‌ في‌ هذه‌ المجالس‌ ! لا أن‌ يذهب‌ صباحاً إلي‌ عمله‌ بلا التزام‌ ورقابة‌ باطنيّة، فيقوم‌ ببعض‌ المعاملات‌ الربويّة‌ والمصرفيّة‌ والمعاملة‌ بالصكوك‌ والكمبيالات، أو أن‌ يرتكب‌ لاسمح‌ الله‌ عملاً غير صحيح‌ وصائب‌ أثناء عمله‌ وفي‌ زحام‌ السوق‌ والمعاملة‌، فيتحلّل‌ من‌ كلّ قيد ويفعل‌ ما يحلو له، ثمّ يُبهج‌ نفسه‌ بحضور الجلسة‌ الليليّة‌ ! فهذا الاُسلوب‌ خاطي‌ لا ميزة‌ له‌ ولا فضيلة، بل‌ يؤدّي‌ إلي‌ إتلاف‌ العمر والانشغال‌ ببعض‌ الاُمور التي‌ تستهوي‌ القلوب‌، شأنه‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ سائر الطبقات‌ الاُخري‌.

 ولقد أوضح‌ الحقير هذا الامر وبيّنه‌ لمشرفي‌ تلك‌ الجلسات‌ ومديريها واحداً واحداً ( لا لجميع‌ الافراد فرداً فرداً ) بالرغم‌ من‌ قيامي‌ في‌ بعض‌ المجالس‌ بتفسير القرآن‌ حسب‌ طلب‌ الرفيق‌ والصديق‌ الشفيق‌ والعاشق‌ الحقيقي‌ّ للاءمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ المرحوم‌ الحاجّ المشهدي‌ّ هادي‌ خان‌ صنمي‌ الابهري‌ّ، ذلك‌ الشيخ‌ الواله‌ المتحمّس‌ المحزون‌ صاحب‌ القلب‌ المضني‌ الاسير، الذي‌ كان‌ يحبّ قراءة‌ القرآن‌ وتفسيره‌ في‌ الجلسات‌، فكان‌ يطلب‌ منّي‌ القيام‌ بذلك‌؛ فكنت‌ أُشير ضمن‌ بيان‌ التفسير باستمرار إلي‌ جميع‌ نقاط‌ ضعف‌ أُسلوب‌ وأفكار أُولئك‌ السادة‌ بشكل‌ إجمالي‌ّ وعامّ، وكانت‌ هذه‌ التفاسير تصل‌ بالطبع‌ إلي‌ آذان‌ الجميع‌ فتتمّ الحجّة‌ بذلك‌ عليهم‌.

 الردّ علي‌ الادلّة‌ في‌ عدم‌ الحاجة‌ للاُستاذ مع‌ وجود إمام‌ العصر عجّل‌ الله‌ فرجه‌

هذا وقمت‌ مرّات‌ عديدة‌ برفض‌ تلك‌ الادلّة‌ الخمسة، وصار ثابتاً للجميع‌ أنّ ما يقوله‌ الحقير صحيح‌ وصائب‌.

 أمّا الجواب‌ الاوّل‌ فهو : من‌ الصحيح‌ أنّ إمام‌ العصر والزمان‌ عجلّ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشريف‌ حي‌ّ وحاضر وناظر لجميع‌ الاعمال، وأنّ له‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الاءلهيّة‌ حسب‌ عقيدة‌ وإيمان‌ الشيعة، فهو تكويناً وتشريعاً في‌ مصدر الولاية‌ ومنهل‌ الاحكام‌ وجريان‌ الاُمور؛ ولكن‌ هل‌ يُغلق‌ هذا الاعتقاد والعقيدة‌ طريقنا إلي‌ الاُستاذ ؟! أوَ يوصلنا ـبلا تعليم‌ منه‌ وبلاإطاعة‌ لاءرشاداته‌ في‌ طريقنا في‌ السير والسلوك‌ إلي‌ مقصدنا ؟! أوَ يجعلنا نطلب‌ العون‌ من‌ إمام‌ العصر والزمان‌ فقط‌ دون‌ سواه‌ وهو الغائب‌ عن‌ أنظارنا فلامجال‌ لنا في‌ الظاهر للاتّصال‌ به‌ ؟!

 لماذا ـيا تري‌ لا نفعل‌ هذا الامر في‌ سائر المسائل‌ الاُخري‌ ؟! لماذا نذهب‌ فنبحث‌ عن‌ أُستاذ في‌ دراسة‌ الحديث‌ والتفسير والفقه‌ والاُصول‌ وجميع‌ العلوم‌ الشرعيّة‌ في‌ الحكمة‌ والاخلاق، فنختار أفضل‌ الاساتذة‌ وأعلمهم‌ في‌ فنّهم، ونقضي‌ السنين‌ المتمادية‌ بل‌ العمر كلّه‌ تحت‌ تعليمه‌ وتدريسه‌ ؟! إن‌ كان‌ وجود إمام‌ العصر والزمان‌ يغنينا عن‌ الاُستاذ، فَلِمَ لايغنينا في‌ هذه‌ العلوم‌ ؟ في‌ حين‌ تعتقدون‌ وتدّعون‌ أنّ إمام‌ العصر له‌ الاءحاطة‌ العلميّة، بل‌ الاءحاطة‌ الوجوديّة‌ بجميع‌ العالم‌ ومخلوقاته‌ وجميع‌ علومه‌ وأسراره‌ وبغيب‌ الملك‌ والملكوت، فلماذا إذاً تعدّونه‌ فاقداً للاءحاطة‌ في‌ مثل‌ هذه‌ العلوم‌ ؟! ثمّ تتحمّلون‌ آلاف‌ المحن‌ والمصاعب‌ والاسفار الطويلة‌ إلي‌ النجف‌ الاشرف، والعيش‌ في‌ حياة‌ بسيطة‌ قاسية‌، وقضاء سنين‌ متمادية‌ في‌ جوّ النجف‌ وحرارته‌ اللاهبة‌ وتنفّس‌ العواصف‌ الرمليّة‌ السامّة‌ التي‌ تقتلع‌ الرمل‌ والحصي‌ من‌ الارض‌ فيغبر لها الجوّ ويظلمّ ويستحيل‌ النهار ليلاً بهيماً، ثمّ تعيشون‌ في‌ السراديب‌ العميقة‌ ذات‌ السلالم‌ التي‌ يصل‌ عدد درجاتها إلي‌ اثنتي‌ عشرة‌ درجة‌ أو خمساً وعشرين‌ أو خمسين‌؛ كلّ ذلك‌ لتحصيل‌ العلم، ومن‌ أجل‌ أن‌ تصبحوا أخصّائيّين‌ مجتهدين‌، وفلاسفة‌ ومفسّرين‌، ومحدِّثين‌ وأُدباء بارعين‌.

 فلو جلستم‌ في‌ بيوتكم‌ واكتسبتم‌ هذه‌ العلوم‌ عن‌ طريق‌ التوسّل‌ بإمام‌ العصر والزمان‌ لكان‌ أيسر لكم‌ وأسهل‌ كثيراً !

 فهل‌ تكون‌ العلوم‌ الباطنيّة‌ والعقائد والمعارف‌ والاخلاق‌، والمرتفعات‌ العسيرة‌ الصعبة‌ العبور إلي‌ عالم‌ التوحيد، وبيان‌ منجيات‌ الدرب‌ ومهلكاته، وإراءة‌ طرق‌ التسويلات‌ الشيطانيّة‌ وكيفيّة‌ التخلّص‌ منها، ومعرفة‌ حقيقة‌ الولاية‌ ودرجات‌ التوحيد في‌ الذات‌ والاسم‌ والصفة‌ والفعل‌ وأمثالها أهمّ؛ أم‌ دراسة‌ الصَّرف‌ والنحو والادب‌ والفقه‌ والتفسير والحكمة‌ ؟ ستقولون‌ جميعاً : إنّ الامر الاوّل‌ أهمّ، لانّ كمال‌ سعادة‌ الاءنسان‌ وشقائه‌ مرتبط‌ به‌.

 ونسأل‌ : كيف‌ يعسر علي‌ إمام‌ العصر العمل‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الاُمور غير المهمّة‌ وفي‌ هذه‌ العلوم‌ الظاهريّة‌ السطحيّة، فتشيدون‌ لاجلها المدارس‌ والمساجد والمكتبات‌ وتتحمّلون‌ مشقّة‌ الاسفار الخطيرة‌؛ بينما يتمكّن‌ من‌ ذلك‌ في‌ تلك‌ الاُمور الاهمّ والادقّ والاعظم، فتفوزون‌ بها بلا سبب‌ ولاوسيلة‌ ؟! لا مفرّ من‌ أن‌ تجيبوا أن‌ ذلك‌ متعذّر علي‌ إمام‌ العصر في‌ الامرين‌ والحالين، أو أنّه‌ لا يتعذّر عليه‌ في‌ كليهما معاً !

 أمّا حلّ المسألة‌ : فهو أنّ جميع‌ الاُمور والشؤون‌ في‌ يده‌ المباركة‌، لكن‌ هذا الامر لا يستلزم‌ تعطيل‌ سنّة‌ الاسباب‌؛ كما أن‌ جميع‌ الاُمور بِيَدِالله‌ فلايستلزم‌ ذلك‌ تعطيل‌ سلسلة‌ الاسباب‌ والمسبّبات، وذلك‌ لانّ الاسباب‌ والمسبّبات‌ هي‌ تحت‌ الاءحاطة‌ الشاملة‌ لعالم‌ التوحيد والولاية‌. فالسعي‌ للتعلّم‌ سواء في‌ الاُمور الظاهريّة‌ الفقهيّة‌ أو في‌ الاُمور الباطنيّة‌ الوجدانيّة‌ خاضع‌ للاءحاطة‌ التكوينيّة‌ والتشريعيّة‌ في‌ كلا الحالين‌.

 ومن‌ ثمّ فإنّ البحث‌ عن‌ أُستاذ والانضواء تحت‌ سيطرته‌ وتربيته‌، ليس‌ فقط‌ غير منافٍ لولايته‌ عليه‌ السلام، بل‌ هو مؤيّد ومُمْضٍ وممدّ لذلك‌ النهج‌ وتلك‌ الطريقة‌ في‌ نزول‌ النور من‌ عالم‌ التوحيد إلي‌ هذا العالم‌.

 ولو صحّ أمر عدم‌ الحاجة‌ للاُستاذ في‌ العلوم‌ العرفانيّة‌ -حسب‌ منطقكم‌ للزم‌ منه‌ استغناء الناس‌ عن‌ الاُستاذ في‌ جميع‌ الصنائع‌ والحرف‌ من‌ النجارة‌ والبناء والطبّ والصيدلة‌ والتعدين‌ وسائر العلوم‌ الطبيعيّة‌، وحلّهم‌ مشاكلهم‌ بتوجّههم‌ للاءحاطة‌ العظيمة‌ الولائيّة‌ لاءمام‌ العصر عليه‌ السلام‌. أوَ يُقنع‌ هذا الكلام‌ أي‌ّ إنسان‌ ـحتّي‌ المتوحّش‌ في‌ الغابات‌ فيلتزم‌ به‌ ؟! أوَ يمكنه‌ أن‌ يجعله‌ برنامج‌ حياته‌ ومعيشته‌ ؟!

الردّ علي‌ الإشكالات‌ في‌ عدم‌ ضرورة‌ الاُستاذ في‌ السير إلي‌ الله‌

 أمّا جواب‌ الاءشكال‌ الثاني‌ : فصحيح‌ أنّ من‌ يتابع‌ الاُستاذ، فإنّه‌ سيتبع‌ طريقته‌ وأُسلوبه‌ النفسي‌ّ، لكنّه‌ في‌ المقابل‌ لو عمل‌ وفق‌ رأيه‌ هو، لكان‌ قد عمل‌ بطريقته‌ ووفق‌ هوي‌ نفسه‌ . فالكلام‌ ينحصر في‌ الامر التالي‌: أيّهما أفضل‌ في‌ إيصال‌ الاءنسان‌ إلي‌ المقصود، ولاية‌ الاُستاذ ونفسه‌ الروحانيّة‌ والملكوتيّة‌، أو نفس‌ السالك‌ في‌ بداية‌ الطريق‌ : تلك‌ النفس‌ الملوّثة‌ والفاسدة‌ ؟!

 فلو تبع‌ ولايةَ الاُستاذ لصارت‌ نفس‌ الاُستاذ هادية‌ لوجود السالك‌؛ ولو عمل‌ بإرادته‌ واختياره‌ هو ـمع‌ تلوّثه‌ لصار قائداً وهادياً لنفسه‌. هذا مع‌ الافتراض‌ أنّه‌ سالك‌ وليس‌ رجلاً كاملاً، وأنّه‌ يسير في‌ الطريق‌ ولم‌يطوه‌ بعد؛ لذا فإنّ رغباته‌ ستنبع‌ من‌ النفس‌ الامّارة‌ والتسويلات‌ الشيطانيّة‌، وسيكون‌ غروره‌ واستقلاله‌ أشبه‌ بغرور النفس‌ البهيميّة‌ واستقلالها، يضرب‌ ويكتسح‌ ويكسر ويدمّر، كالحيوان‌ الهائج‌ وكالفرس‌ بلاعنان‌، لكنّ الاُستاذ يأتي‌ فيلجمه‌ ويضع‌ عليه‌ العنان‌ والركاب‌ فيصبح‌ مروّضاً جاهزاً للقيادة‌.

 لقد عمل‌ أمثال‌ نيرون‌ و شابور ذي‌ الاكتاف‌ و هتلر و بلعم‌ باعوراء وجميع‌ المستكبرين‌ في‌ كلّ عصر وزمان‌ بقوّة‌ استقلالهم‌ النفسي‌ّ، وكانوا لايخضعون‌ لاُستاذ ومربٍّ أخلاقي‌ّ؛ فجرّوا العالَم‌ بنفسهم‌ الامّارة‌ إلي‌ الدمار وسفك‌ الدماء والويلات، وارتكبوا فيه‌ المجازر وأحالوه‌ جحيماً لايُطاق‌.

 لكنّ أُولئك‌ أنفسهم‌ لو خضعوا لولاية‌ الاُستاذ وتبعوا سيره‌ النفسي‌ّ لتحطّم‌ غرورهم‌ وانهار كبرياؤهم‌ واستبدادهم، ولصاروا أمثال‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ و رُشَيد الهَجَري‌ّ و إبراهيم‌ الادهم‌ ونظرائهم‌.

 لم‌ يكن‌ لمعاوية‌ فرق‌ مع‌ حِجْر بن‌ عُدَي‌ سوي‌ أنّ الاوّل‌ كان‌ يعمل‌ بإرادته‌ المستقلّة، وكان‌ الثاني‌ يخضع‌ لتربية‌ الاُستاذ؛ فصار ذلك‌ جهنّماً وآل‌ هذا رضواناً .

 أفتمثّل‌ مسألة‌ الشيطان‌ والغرور وجهنّم‌ في‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ غير مسألة‌ النزوع‌ إلي‌ الاستقلال‌ ورفض‌ الخضوع‌ إلي‌ التعليم‌ والتربية‌ ؟!

 أمّا الاءجابة‌ علي‌ الاءشكال‌ الثالث‌ : فصحيح‌ أنّ هناك‌ قوّة‌ أودعها الباري‌ في‌ غريزة‌ الاءنسان‌ وفطرته‌ يمكنه‌ بها الاتّصال‌ بعالَم‌ الغيب‌، ولكن‌ هل‌ هذه‌ القوّة‌ موجودة‌ بالفعل‌ في‌ جميع‌ سكّان‌ العالم‌؛ أم‌ أنّ هذه‌ القابليّة‌ تكتسب‌ فعليّتها إثر تربية‌ الاُستاذ وتعليمه، فتتجلّي‌ إذ ذاك‌ هذه‌ القابليّة‌ وتتفتّح‌ هذه‌ البراعم‌ الكامنة‌ في‌ أكمامها ؟!

 أيمتلك‌ ـيا تري‌ جميع‌ البشر، العالِم‌ فيهم‌ والعامّي‌ّ، والشريف‌ فيهم‌ والوضيع‌، هذه‌ القدرة‌ التي‌ يمكنهم‌ بها اكتساب‌ الحقائق‌ من‌ عالم‌ الغيب‌؛ أم‌ أنّ هؤلاء قلّة‌ لا يمكن‌ العثور علي‌ أحدهم‌ ولو بين‌ عدّة‌ ملايين‌ ؟! ومن‌ ثمّ فهل‌ ستثمر الاءحالة‌ إلي‌ عالَم‌ الغيب‌ إلاّ الاءحالة‌ إلي‌ الشيطان‌ والخواطر الاءبليسيّة‌ في‌ طي‌ّ الطريق، وإلي‌ أوهام‌ وأفكار الجنّ المتمرّدين‌، وإلي‌ التسويلات‌ الضالّة‌ والمضلّة‌ للنفس‌ الامّارة‌ ؟!

 إنّ طريق‌ كسب‌ الاحكام‌ في‌ زمن‌ الغَيبة‌ هو الطريق‌ المعهود للفقهاء، وعلي‌ عامّة‌ الناس‌ أن‌ يأخذوا الاحكام‌ عن‌ طريق‌ التعلّم‌ والتعليم‌ والدرس‌ والتدريس‌ وبيان‌ روايات‌ الائمّة‌ المعصومين، وأن‌ يسيروا علي‌ نهج‌ الفقهاء ويقتفوا آثارهم‌ . وهو أمر تقرّه‌ الادلّة‌ القطعيّة‌ والشواهد اليقينيّة‌، وطريق‌ أوحد لا يوجد سواه‌ تبعاً لضرورة‌ الاءجماع‌ المسلّم‌ للمسلمين‌ ولجميع‌ الشيعة‌. فلا مناص‌ لعامّة‌ الناس‌ إلاّ في‌ الرجوع‌ إلي‌ العلماء والفقهاء، وإلاّ لهَوَوا في‌ فم‌ الشيطان‌ الفاغر، فصاروا لقمةً سائغة‌ يزدردها دفعة‌ واحدة‌.

 أمّا الاءجابة‌ علي‌ الاءشكال‌ الرابع‌ : فإنّ هذا الاستدلال‌ هو عينه‌ استدلال‌ عمر حين‌ قال‌ أن‌ لاحاجة‌ لنا بعد رسول‌ الله‌ بالاءمام‌ الحي‌ّ؛ فسنّة‌ رسول‌الله‌ في‌ أيدينـا وكتاب‌ الله‌ يكفينا : حَسْـبُنَا كِتَابُ اللَهِ، كَفَانَا كِتَابُ اللَهِ.

 فإن‌ كانت‌ روح‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ كافية‌ بعد موته‌ للقيام‌ بتدبير أُمور العالَم‌ الظاهري‌ّ، فلا حاجة‌ لاُستاذ حي‌ّ حرّ مهذّب‌ منزّه‌ عن‌ هوي‌ النفس‌، فلِمَ أورد رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كلّ هذه‌ التعليمات‌ والتأكيدات‌ والبيانات‌ والخطب‌ في‌ الرجوع‌ إلي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ؟ ولِمَ أخّر تلك‌ الجموع‌ الحاشدة‌ عند الرجوع‌ من‌ حجّة‌ الوداع‌ في‌ رمضاء الصيف‌ في‌ الجُحفة‌ في‌ بقعة‌ غديـر خم، ليخطب‌ فيهم‌ تلـك‌ الخطـبة‌ الغـرّاء البليغة‌ ؟ أكانت‌ روح‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ أقوي‌ أم‌ روح‌ رسول‌ الله‌ ؟!

 ولِمَ أوصي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ للاءمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ ؟ ولِمَ أوصي‌ كلّ إمام‌ من‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ للاءمام‌ الحي‌ّ الذي‌ يليه‌ ؟ وها نحن‌ في‌ زمننا هذا نقول‌ بوجود الاءمام‌ الحي‌ّ ؟ ونعتقد أن‌ قضاء الحاجات‌ وقبول‌ التوسّلات‌ وتدبير أُمور العالَم‌ بِيَدِ ولي‌ّ الله‌ المطلق‌ الاعظم‌ الحجّة‌بن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ أرواحنا فداه‌؛ بالشكل‌ الذي‌ يرجع‌ فيه‌ التوسّل‌ بكلّ إمام‌ وولي‌ّ متوفّي‌ إليه‌ عليه‌ السلام، فيجتمع‌ رتق‌ الاُمور وفتقها بِيَدِه‌ المباركة‌.

 ولِمَ عمد كلّ نبي‌ّ إلي‌ تعيين‌ وصي‌ّ له‌ وخليفة‌ من‌ بعده‌ ؟ فلقد كان‌ يكفي‌ ـحسب‌ قولكم‌ أن‌ يقول‌ لجميع‌ الاُمّة‌ : إنّ روحي‌ ستصبح‌ أقوي‌ بعد موتي‌ وإنّها ستصبح‌ أكثر تجرّداً، وسأعينكم‌ وأهديكم‌ إلي‌ معارج‌ الكمال‌ ومدارجه‌ أفضل‌ ممّا كنت‌ أفعل‌ أيّام‌ حياتي‌؛ فلا حقّ لكم‌ أن‌ ترجعوا إلي‌ أحد من‌ عظماء أُمّتي‌ المعنويّين‌ والروحيّين، بل‌ ادعوا أن‌ يُعجَّل‌ لي‌ بموتي‌ ليزداد تجرّدي‌ ويمكنني‌ إذ ذاك‌ أن‌ أُربّيكم‌ تربيةً أفضل‌ وأكثر خلوصاً ونزاهة‌ !

 أستحلفكم‌ بالله‌ ! أليس‌ مفاد ذلك‌ القول‌ هو هذا ولا شي‌ آخر سواه‌ ؟! أوَ يمثّل‌ مجمل‌ كلام‌ عمر وعصارته‌ شيئاً غير هذا ؟!

 فيا أيّها العزيز ! إن‌ من‌ الثابت‌ الذي‌ لا شكّ فيه‌ حسب‌ الادلّة‌ الفلسفيّة‌ والبراهين‌ الحكميّة‌ والمشاهدات‌ العينيّة‌ والروايات‌ والاحاديث‌ الواردة‌، أنّ جميع‌ الموتي‌ بلا استثناء يصبح‌ تجرّدهم‌ بعد موتهم‌ أكثر، أي‌ أنّهم‌ يتوغّلون‌ أكثر في‌ فناء التوحيد في‌ الذات‌؛ وهذا ما يستلزم‌ انصرافهم‌ عن‌ عالم‌ الطبيعة‌، بل‌ وانصرافهم‌ عن‌ عالم‌ المثال‌ والصورة، ولهذا فإنّ البرهان‌ القطعي‌ّ قائم‌ علي‌ ضرورة‌ ووجوب‌ وجود الاءمام‌ والمربّي‌ الحي‌ّ إلي‌ يوم‌ القيامة‌؛ فلو لم‌ تتّصلوا بالمربّي‌ الحي‌ّ ولم‌ تعملوا بتعاليمه‌ وتقتفوا آثاره‌، وجلستم‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌ في‌ انتظار أن‌ تربّيكم‌ روح‌ الاءمام‌ موسي‌بن‌ جعفر عليهما السلام، لرحلتم‌ عن‌ هذه‌ الدنيا بأيدٍ خالية‌ تجترّون‌ حسرة‌ الندامة‌ ! ولبقيتم‌ كالثمرة‌ الفجّة‌ التي‌ لم‌ تنضج‌ بعد ! ولربّما انحدرتم‌ من‌ حيث‌ لاتشعرون‌ في‌ مهاوي‌ النفس‌ الامّارة‌ والشيطان، تحسبون‌ أنّكم‌ قد نلتم‌ الرقي‌ّ والرفعة‌؛ بينما تُبتلون‌ بعقاب‌ الله‌ الدنيوي‌ّ : سَنَسْتَدْرِجُهُم‌ مِّنْ حَيْثُ لاَيَعْلَمُونَ! [20]

 فلِمَ تنتظرون‌ إفادات‌ وإفاضات‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ بعد وفاته‌ ؟! أوَ لم‌ تكن‌ منذ هبوط‌ آدم‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ الصلاة‌ والسلام‌ إلي‌ الآن‌ روح‌ أفضل‌ وأقوي‌ منه‌ وأكثر تجرّداً ؟ ولِمَ لا تنحازون‌ إلي‌ روح‌ نوح‌ عليه‌ السلام‌ فتقولون‌ : إنّ تجرّده‌ بعد الموت‌ أفضل، لذا فإنّ بإمكانه‌ أن‌ يدير أُمورنا أفضل، فلا حاجة‌ لنا معه‌ إلي‌ مربٍّ حي‌ّ ؟! ولِمَ لاتتوسّلون‌ بموسي‌ وعيسي‌ عليهما السلام‌ ؟ أوَ لم‌ يكونا من‌ الانبياء أُولي‌العزم‌ ؟

 إنّ دليلِي‌ الواضح‌ القاطع‌ هو : هل‌ قمتم‌ بتربية‌ شخصٍ موحِّد واحد كنموذج‌ لما تدّعونه‌ منذ زمن‌ ارتحال‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ في‌ الثاني‌ من‌ ذي‌القعدة‌ 1379 ه.ق‌ وحتّي‌ يومنا هذا : الرابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر رجب‌ المرجب‌ لسنة‌ 1412 ه.ق، حيث‌ تنقضي‌ مدّة‌ ثلاث‌ وثلاثين‌ سنة‌ ؟! وهل‌ ربّيتم‌ شخصاً اجتاز عالم‌ المثال‌ والعقل‌ ووصل‌ إلي‌ التجلّيات‌ الذاتيّة‌ ؟! أرونا إيّاه‌ لطفاً، فها هم‌ عشّاق‌ وادي‌ الحقيقة‌ يبحثون‌ عن‌ شخص‌ كهذا شارعاً فشارعاً وبيتاً فبيتاً ! فاعلموا إذن‌ أنّ هذا الدرب‌ خاطي، وأنّه‌ ليس‌ إلاّ درباً للظُّلمة‌ ! وأنّ تحمّل‌ مسؤوليّة‌ تربية‌ جماعة‌ ثمّ تركهم‌ أحراراً وإيكالهم‌ إلي‌ إرادتهم‌ واختيارهم‌ بلا مربٍّ ولا معلِّـم‌ ليـس‌ إلاّ تضـييعاً للنفوس‌ القابلة‌، وإبطالاً للموادّ المستعدّة‌.

 أمّا الاءجابة‌ علي‌ الاءشكال‌ الخامس‌ : فإنّ ما يستفاد من‌ بيانات‌ سماحة‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ أنّه‌ قد حضر عند الاعاظم، ومن‌ جملتهم‌ رجلٌ مجذوب‌ كان‌ يأتي‌ إلي‌ همدان‌ فيجني‌ من‌ جبال‌ البرز عشباً خاصّاً فيجمعه‌؛ كما كان‌ يتردّد كذلك‌ علي‌ بعض‌ تلامذة‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا جواد الملكي‌ّ التبريزي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته، كالسيّد الحاجّ حسين‌ الفاطمي‌ّ والسيّد الحاجّ محمود، وكان‌ له‌ معهم‌ مذاكرات‌ ومباحثات‌.

 ومضافاً إلي‌ ذلك‌ فإنّ طريق‌ ذلك‌ المرحوم‌ لم‌ يكن‌ صحيحاً في‌ بداية‌ أمره‌؛ فقد قال‌ للحقير مرّة‌ : « حين‌ ذهبتُ إلي‌ قم‌ للدراسة‌ كنتُ في‌ محاربة‌ أهل‌ العرفان، وكان‌ لي‌ خصومة‌ شديدة‌ مع‌ أحد المعروفين‌ منهم‌ في‌ همدان‌، الذي‌ كان‌ يدّعي‌ هذه‌ المطالب‌ . وكنتُ بعد ذهابي‌ إلي‌ قم‌ أُمارس‌ بعض‌ الرياضات‌ لتسخير الارواح‌ والجانّ، لكنّ الله‌ رحمني‌ فأنقذني‌ من‌ وسط‌ هذا الطريق‌ الضالّ، وهداني‌ نحو الحقّ والحقيقة‌ والعرفان‌ الاءلهي‌ّ؛ وكانت‌ مشيئة‌ الباري‌ أن‌ يمنَّ علي‌ هذا العبد الضعيف‌ بهدايته‌ » . ثمّ أضاف‌: « من‌ كان‌ له‌ اتّصال‌ بالجانّ ـولو بمسلميهم‌ فسيرحل‌ عن‌ الدنيا كافراً في‌ النهاية‌ » .

مشكلات‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ هي‌ التي‌ جعلت‌ رحيله‌ في‌ سنّ التاسعة‌ والخمسين‌

 وكان‌ رحمه‌ الله‌ يقول‌ : « وبعد أن‌ بصَّرني‌ الله‌ تعالي‌ بخطأ ذلك‌ الاُسلوب‌ وأنّ طريق‌ الحقّ في‌ عشق‌ الله‌ والعبوديّة‌ له، بقيت‌ وحيداً لاأعلم‌ ما العمل‌، وكيف‌ الخلاص‌ ! فكنت‌ أهيم‌ علي‌ وجهي‌ في‌ الجبال‌ والبراري‌ وحيداً إلي‌ غروب‌ الشمس، ودام‌ تحيّري‌ وضياعي‌ علي‌ هذا المنوال‌ أربعين‌ أو خمسين‌ يوماً، حتّي‌ بلغت‌ أقصي‌ درجات‌ الاضطرار، فحُرِمت‌ الطعام‌ والنوم‌؛ ثمّ برقت‌ في‌ قلبي‌ في‌ تلك‌ الحال‌ بارقة‌ الرحمة، وداعبني‌ النسيم‌ العليل‌ من‌ عالم‌ الربوبيّة، فاستطعت‌ أن‌ أُبصر طريقي‌ » .

 وكان‌ هذا الاكتشاف‌ للدرب‌ هو الذي‌ فتح‌ له‌ باب‌ المكاشفات‌، ثمّ وصل‌ أخيراً إلي‌ المقصد وصار يمتلك‌ التوحيد الذاتي‌ّ الاءلهي‌ّ . ولكنّ رفقاءه‌ من‌ همدان‌ يعلمون‌ وحدهم‌ أي‌ّ محن‌ ومشاكل‌ قد تحمّل‌ في‌ سبيل‌ ذلك‌، ثمّ رحل‌ وهو في‌ عنفوان‌ الرشد والكمال‌ الروحي‌ّ وقد أينعت‌ ثمار شجرة‌ التجرّد التامّ والتوحيد الكامل‌ لديه‌؛ أي‌ في‌ سنّ التاسعة‌ والخمسين[21]. وبالتأكيد فإنّه‌ لوكان‌ قد اهتدي‌ في‌ سلوكه‌ إلي‌ أُستاذ كامل‌ لازاح‌ جميع‌ هذه‌ المشاكل‌ والعقبات‌ من‌ طريقه، ولعمّر إلي‌ سنّ السبعين‌ أو الثمانين‌ كأغلب‌ العظماء، مثل‌ المرحوم‌ الآخوند الملاّ حسين‌ قلي‌ الهمداني‌ّ والشيخ‌ محمّد البهاري‌ّ الهمداني‌ّ والحاجّ الميرزا علي‌ القاضي‌.

 إن‌ أفضل‌ دليل‌ علي‌ الحاجة‌ للاُستاذ هو قول‌ ذلك‌ المرحوم‌ نفسه‌: « لقد بحثتُ طويلاً في‌ قم‌ بلا جدوي، عن‌ أُستاذ كامل‌ خبير ينفعني‌ ويُشير لي‌ إلي‌ طريق‌ العلاج‌ والخلاص، لذا فقد أصبت‌ بمحنة‌ وقادتني‌ المحنة‌ والاضطرار » .

 ولو وجد المرحوم‌ أُستاذاً في‌ بلدة‌ قم‌ الطيّبة‌ آنذاك، لرجع‌ إليه‌ بلاتأخير؛ وكان‌ بنفسه‌ يقول‌ : « كان‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا جواد قد رحل‌ عن‌ الدنيا آنذاك‌ » .

 ولو انتفت‌ الحاجة‌ للاُستاذ، فكيف‌ كان‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ يعتبر نفسه‌ أُستاذاً للطريقة‌ ويعطي‌ طريقةً للعمل‌ ؟! ولقد أعطي‌ للحقير تعليمات‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ حين‌ قدم‌ إليها للتشرّف‌ بالزيارة، وكان‌ يبعث‌ لي‌ بتعليماته‌ خلال‌ إقامتي‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ بعد زيارته‌ لها ـودامت‌ أربع‌ سنوات‌ وبعد عودتي‌ إلي‌ طهران‌ طيلة‌ السنوات‌ الثلاث‌ التي‌ سبقت‌ رحلته‌، حتّي‌ أنّه‌ أعطي‌ للحقير الاوراد الواردة‌ التي‌ لم‌ يعطها لاحد سوي‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ حسن‌ علي‌ نجابت‌ وحجّة‌ الاءسلام‌ السيّد عبدالله‌ فاطمي‌ الشيرازي‌ّ.

الردّ علي‌ القائلين‌ بأنّ الذِّكر والوِرد والتأمّل‌ والرياضات‌ المشروعة‌ أمر خاطي‌

 وأمّا الردّ علي‌ ذلك‌ الشخص‌ الآخر الذي‌ ينتمي‌ إلي‌ ذاك‌ المحترم‌ بعلاقة‌ سببيّة، والذي‌ يصرّ علي‌ عدم‌ ضرورة‌ الرياضات‌ الشرعيّة‌، وعلي‌ إنكار الذِّكر والمراقبة‌ والمحاسبة‌ والتأمّل، بل‌ يعتبر هذه‌ المسائل‌ أمراً خاطئاً مغلوطاً، مضافاً إلي‌ نفيه‌ لضرورة‌ وجود الاُستاذ؛ فقد كان‌ الحقير يلفت‌ نظره‌ إلي‌ ذلك‌ تلميحاً لا تصريحاً، فلم‌ يكن‌ ذلك‌ ليجدي‌ نفعاً، فقد كان‌ حاله‌ في‌ وضع‌ يجعله‌ عاجزاً عن‌ القبول‌ بهذه‌ الاُمور . ولقد جاء يوماً قبل‌ سنتين‌ إلي‌ البيت‌ المتواضع‌ للحقير في‌ مشهد المقدّسة‌ يصحبه‌ اثنان‌ من‌ رفقائه‌ وأصدقائه، فشرع‌ بدون‌ مقدِّمة‌ بانتقاد أمر اتّخاذ الاُستاذ وانتقاد الذِّكر والوِرد وانتقاد الرياضات‌ المشروعة‌ المتداولة، فرأيتُ أنّ السكوت‌ هنا ربّما أدّي‌ إلي‌ إضلال‌ رفيقَيهِ الآخرينِ، فقلت‌:

 « سماحة‌ الحاجّ ... سلّمه‌ الله‌ وأيّده‌ ! الجميع‌ يعلم‌ أنّ عملكم‌ السابق‌ هو الزراعة‌ والفلاحة، أوَ ليس‌ ذلك‌ حقاً ؟» أجاب‌ : « بلي‌ !» .

 فقلت‌ : « إنّ الفلاّح‌ يحرث‌ الارض‌ أوّلاً، ثمّ ينثر البذور، ثمّ يسقي‌ الارض‌ بالماء، ثمّ ينقّي‌ الحاصل‌ بعد نموّه‌ واخضراره‌ ( باستئصال‌ الاعشاب‌ الضارّة‌ التي‌ تنبت‌ قربه‌ كي‌ لا تقضي‌ عليه‌ ) ويقوم‌ عند إصابة‌ الحاصل‌ بالآفات‌ برشّه‌ بالسموم، وغير ذلك‌ من‌ الاعمال‌ التي‌ يقوم‌ بها بالنسبة‌ للارض‌ والبذر والنبات‌؛ كلّ ذلك‌ ليجني‌ محصولاً جيّداً وسالماً . أوَ ليس‌ الامر كذلك‌ ؟» قال‌ : « بلي‌ » .

 قلت‌ : « أيمكن‌ أن‌ ينتج‌ محصول‌ بلا فلاّح‌ ؟ أوَ يمكن‌ عند وجود الفلاّح‌ أن‌ لايقوم‌ بهذه‌ العمليّات، كأن‌ لا يسقي‌ الارض، أو أن‌ يسقيها فوق‌ حاجتها، أو أن‌ ينثر البذور ثمّ لا يغطّيها بالتراب، أو أن‌ لا يقوم‌ باستئصال‌ الاعشاب‌ الضارّة، أو أن‌ لا يرشّ السموم‌ وأدوية‌ المكافحة‌ ؟! وما الذي‌ سيكون‌ عليه‌ وضع‌ المحصول‌ آنذاك‌ ؟ أفلا تذهب‌ أتعاب‌ الفلاّح‌ أدراج‌ الرياح‌ ؟» .

 أجاب‌ : « بلي‌ !» .

 فقلت‌ : « فكّروا جيّداً ! هل‌ الامر هكذا أم‌ لا ؟» .

 ردّ قائلاً : « لا حاجة‌ للتفكير، فما تقولونه‌ واضح‌ جلي‌ّ؛ فالنبات‌ يحتاج‌ للزارع‌ الذي‌ يجب‌ أن‌ يعمل‌ ذلك‌ !» .

 فقلت‌ : « إنّ أُستاذ السير والسلوك‌ ـ يا عزيزي‌ ! ـ هو ذلك‌ الزارع‌؛ كما أنّ الوِرد والذِّكر والمراقبة‌ والمحاسبة‌ والتأمّل‌ هي‌ الماء والشمس‌ والارض‌ المناسبة‌، والرياضة‌ هي‌تحديد مقدار الماء واقتلاع‌ الحشائش‌ الضارّة‌ وإبعادها عن‌ سيقان‌ النباتات‌ المفيدة‌ كي‌ لا تسلبها ثمرة‌ حياتها وغذاءها » .

 ثمّ أردفتُ : « هل‌ سبق‌ لكم‌ أن‌ قمتم‌ بتشذيب‌ أغصان‌ شجرة‌ الكرم‌ ؟» .

 أجاب‌ : « كلاّ، فلقد كنت‌ مزارعاً، ولم‌ يسبق‌ لي‌ أن‌ عملت‌ في‌ زراعة‌ الاشجار ورعايتها » . فقلت‌ : « لابدّ أنّ هناك‌ قرب‌ أرضكم‌ الزراعيّة‌، بساتين‌ للاشجار المثمرة‌ ـ قلّت‌ أو كثرت‌ ـ ولابدّ أنّكم‌ شاهدتم‌ أو سمعتم‌ وعلمتم‌ بشكل‌ مُسَلَّم‌ أنّ الشجرة‌ تحتاج‌ للرعاية‌ وللبستاني‌ّ، وتحتاج‌ إلي‌ تعاهد أرضها وتسميدها في‌ أوقات‌ معيّنة‌ وبمقادير معيّنة، كما تحتاج‌ سقيها بالماء وتشذيب‌ أغصانها؛ فإن‌ أُهملت‌ ولم‌ يقم‌ بهذه‌ الاعمال‌ أحد، فإنّ هذه‌ الاشجار ستصبح‌ بلا تعاهد ورعاية‌ كأشجار الغابات‌ طويلة‌ مرعبة‌ لكنّها بلاثمر، ولن‌ تعطي‌ آنذاك‌ أشجار العنب‌ والمشمش‌ والتفّاح‌ ثمراً، فإن‌ أثمرت‌ كان‌ ثمرها فجّاً مُرّاً وصغيراً لا فائدة‌ فيه‌ . أستحلفكم‌ بالله‌ ! أليس‌ ذلك‌ حقاً ؟» .

 قال‌ : « بلي‌ !» .

السلوك‌ بدون‌ الاُستاذ والمراقبة‌ والذِّكر والرياضات‌ المشروعة‌ ليس‌ إلاّ وهماً

 قلت‌ : « إنّ الاُستاذ ليس‌ موجوداً هيولائيّاً وغريباً موحشاً ذا قرون‌ ليفرّ منه‌ الناس، بل‌ هو ذلك‌ الفلاّح‌ والبستاني‌ّ الذي‌ يلقّب‌ في‌ الزراعة‌ وتعاهد النباتات‌ بذلك‌ الاسم، ويدعي‌ في‌ التربية‌ الاءنسانيّة‌ بالاُستاذ؛ كما أنّ الوِرد والذِّكر والمحاسبة‌ والمشارطة‌ والمراقبة‌ كالماء والشمس‌ بالنسبة‌ للشجرة‌ والنبات‌، واستئصال‌ الحشائش‌ الضارّة‌ وتشذيب‌ الاغصان‌ كالرياضة‌، فهي‌ للنبات‌ بذلك‌ الشكل‌ وللاءنسان‌ بهذا الشكل‌.

 إنّكم‌ تتصوّرون‌ أنّ الرياضة‌ تعني‌ مواجهة‌ الجوع‌ الشديد غير المحتمل‌ وقضاء يوم‌ كامل‌ بتناول‌ لوزة‌ واحدة‌ وأمثال‌ ذلك‌ ! لكنّ الامر ليس‌ كذلك‌، بل‌ هي‌ بمعني‌ التربية، ولها مفهوم‌ الترويض‌ والتطويع‌ . وفي‌ اللغة‌: رَاضَ يَرُوضُ رِيَاضَةً؛ أي‌ التسخير والتذليل‌. [22]

 يقول‌ مولانا أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ :

 وَأَيْمُ اللَهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي‌ فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَهِ لاَرُوضَنَّ نَفْسِي‌ رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إلَي‌ القُرْصِ إذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالمِلْحِ مَأْدُوماً، وَلاَدَعَنَّ مُقْلَتِي‌ كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعُهَا. [23]

 فالاءمام‌ يقول‌ هنا : إنّني‌ أُرَوِضُ نفسي‌ وأُذلّلها وأُربّيها بهذه‌ الطريقة‌، فيا له‌ من‌ معني‌ كبير للرياضة‌ أن‌ تكون‌ بمعني‌ التأديب‌ !

 إنّ النفس‌ الاءنسانيّة‌ هيولائيّة، أي‌ أنّها قابليّة‌ محضة‌ واستعداد صرف‌؛ فإن‌ أُهمل‌ تربيتها سقطت‌ في‌ أحطّ الدركات‌ وأسوأها، وفاقت‌ في‌ الوحشيّة‌ كلّ شيطان‌ ووحش‌ مفترس، أمّا لو أُدِّبت‌ لارتقت‌ إلي‌ أعلي‌ علّيّين‌ ولفاقت‌ الملائكة‌ » .

 ثمّ قلتُ : « أليس‌ الامر كذلك‌ ؟» قال‌ : « بلي‌ !» .

 ولقد بُهِتَ من‌ كلامي‌ بهذا النحو، أمّا رفيقاه‌ فاستبدّ بهما الوجد والشغف‌، لكأنّ أمراً معضلاً لديهما قد انحلّت‌ عُراه‌ المستعصية‌. ولقد تصوّر الحقير آنذاك‌ أنّ هذا البيان‌ قد غيّر طريق‌ هذا الشخص‌ ونهجه‌، وأنّه‌ ليس‌ لديه‌ ثمّة‌ انتقاد لمسألة‌ ضرورة‌ الاُستاذ وإعطاء الوِرد والذِّكر وللمحاسبة‌ والتأمّل، ولكن‌ مع‌ الاسف، فحين‌ جاؤوا إلي‌ المنزل‌ مرّة‌ أُخري‌ ـبعد سنة‌ تقريباً وتطرّق‌ الكلام‌ إلي‌ هذه‌ المقولة، رأيتُ أنّه‌ يكرّر نفس‌ المطالب‌ السابقة، فعلمتُ أنّ كلامي‌ وبياني‌ لم‌ يستطع‌ اقتلاع‌ أساس‌ أفكاره‌ المسجّلة‌ واستئصالها، وأنّ ذلك‌ الاُسلوب‌ والنهج‌ صار كالعادة‌ التي‌ لها حكم‌ الطبع‌ الثانوي‌ّ المقترن‌ بروحه، والمتحوّر جزءاً من‌ غرائزه‌.

 نعم، لقد كان‌ السرّ الحقيقي‌ّ لاءعلانات‌ ذلك‌ الرجل‌ وتأييد الرجل‌ الثاني‌ له‌ لهذا الامر هو عدم‌ رغبتهما بالخضوع‌ لولاية‌ وهيمنة‌ الاُستاذ السيّد هاشم‌ الحدّاد، مع‌ أنّهما كانا يعرفانه‌ حقّ المعرفة‌ ويعترفان‌ بمقاماته‌ الروحيّة‌ وكمالاته‌ المعنويّة‌؛ ذلك‌ الرجل‌ الاوحد في‌ سماء التوحيد والولاية‌ . ولم‌ يكن‌ بين‌ تلامذة‌ المرحوم‌ الانصاري‌ّ شخص‌ يتّفق‌ الجميع‌ علي‌ اتّباعه‌، لذا فقد ظـهر هذا التشـتّت‌ والاختـلاف‌ . لكنّ هـؤلاء بقوا بلاأُستاذ فلم‌ يلجأوا إلي‌ ركن‌ وثيق، كما أنّهم‌ لم‌ يستفيدوا من‌ الاُستاذ الحدّاد، والناس‌ حياري‌ لا مسلمون‌ ولا نصاري، نعوذ بالله‌.

 ولم‌ تكن‌ تلك‌ الجماعة‌ و ذلك‌ الرجل‌ المحرّك‌ خاصّة‌ ليجرؤوا في‌ حضور الحقير علي‌ نقد سماحة‌ السيّد الحدّاد، ولكن‌ كان‌ يطرق‌ سمعي‌ أحياناً أنّهم‌ ينقدونه‌ باحترام‌ وأدب‌ فائقينِ . وحصل‌ أن‌ قال‌ الحقير مرّة‌ في‌ أحد المجالس‌:

 الحدّاد وما أدراك‌ ما الحدّاد ؟! فوجم‌ بعضهم‌ وامتقع‌ وجهه‌، وسمعتُ بعد ذلك‌ أنّه‌ قال‌ للبعض‌ : كيف‌ يصف‌ رجلاً بسيطاً عاديّاً بهذا الوصف‌ ؟!

 ثمّ تطرّق‌ الحديث‌ ليلة‌ إلي‌ ذكر سماحة‌ الحدّاد، فالتفت‌ ذلك‌ الشخص‌ المحرّك‌ نحوي‌ قائلاً : إنّ الحدّاد يصف‌ الله‌ ب العُري‌؛ والله‌ لايعري‌!

 فلم‌ ينبس‌ الحقير ببنت‌ شفة، ثمّ رأيتُ ليلتها في‌ عالم‌ الرؤيا أنّه‌ كان‌ يواجهني‌ فاتحاً فاهه‌ بحيث‌ تبدو أسنانه‌ للعيان، وأنّي‌ ضممتُ قبضة‌ يدي‌ اليمني‌ وقلت‌ له‌ : إن‌ عدت‌ ثانية‌ إلي‌ الانتقاد في‌ مسألة‌ توحيد الحقّ تعالي‌ فسأنهال‌ بيدي‌ علي‌ فمك‌ وأُحطّم‌ أسنانك‌ فيه‌ !

 نعم‌ ! لقد كان‌ ذنب‌ الحدّاد أن‌ يصف‌ الله‌ تعالي‌ منزّهاً بلارتوش‌ وبلاتجميل‌، ويشخّص‌ حقيقة‌ معني‌ «لا إله‌ إلاّ الله‌» و «الله‌ لا إله‌ إلا هو»؛ ولكن‌ ما جدوي‌ ذلك‌ مع‌ الآذان‌ الصمّاء والاعين‌ العمياء !

 وَإِذَا ذُكِرَ اللَهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَيُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن‌ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.[24]

 وَجَعَلْنَا عَلَي‌' قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن‌ يَفْقَهُوهُ وَفِي‌´ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي‌ الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ و وَلَّوْا عَلَي‌'´ أَدْبَـ'رِهِمْ نُفُورًا. [25]

 ذَلِكُم‌ بِأَنَّهُ و´ إِذَا دُعِيَ اللَهُ وَحْدَهُ و كَفَرْتُمْ وَإِن‌ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.[26]

 ولقد بقي‌ الحقير عند ذلك‌ وحيداً، فلم‌ ينضمّ معي‌ من‌ تلك‌ الجماعة‌ التي‌ كان‌ جميع‌ أفرادها يُظهرون‌ المحبّة‌ والصداقة‌ ويرتبطون‌ معي‌ بسابق‌ المعرفة‌ ولو شخص‌ واحد . بقيتُ وحيداً بكلّ معني‌ الكلمة‌ . لذا فقد رأيت‌ أن‌ لامفرّ من‌ اعتزال‌ تلك‌ الجماعة، ومن‌ أن‌ يكون‌ لي‌ مجالس‌ خاصّة‌ مع‌ بعض‌ الشباب‌ النزهاء البسيطين‌ الفقراء من‌ أهل‌ المسجد علي‌ أساس‌ أُستاذيّة‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد ودوره‌ في‌ التربية‌.

 ولقد حصل‌ للحقير حتّي‌ الآن‌ مرّات‌ عديدة‌ لم‌ يقبل‌ فيها كلامي‌ المحقّ ولو شخص‌ واحد، فكنتُ أختار العزلة‌ عن‌ الجمع‌ الكثير الذي‌ ارتبط‌ بكلّ فرد منهم‌ بالعلاقات‌ العائليّة‌ المديدة‌ أو بعلاقات‌ الصحبة‌ والرفقة‌، وكان‌ هذا المورد أهمّها.

 وكنت‌ في‌ هذه‌ الخلافات‌ أحسّ وألمس‌ جيّداً مظلوميّة‌ مولانا وجدّنا أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام، وكيف‌ تُرِك‌ وحيداً مع‌ تلك‌ السوابق‌ والمعرفة‌ الطويلة‌. وذلك‌ إثر صدعه‌ بالحقّ وجهره‌ بالصدق، بحيث‌ توجّب‌ علي‌ حليلته‌ فاطمة‌ ـ إتماماً للحجّة‌ علي‌ هذه‌ الاُمّة‌ التعيسة‌ ـ أن‌ تمتطي‌ الدابّة‌ ليلاً فتطرق‌ بيوت‌ المهاجرين‌ والانصار تسألهم‌ النصرة‌ علي‌ أن‌ يشهدوا بالحقّ. فكانوا يقولون‌ : كلامك‌ صحيح‌ يا بنت‌ رسول‌ الله، وكلامك‌ يا علي‌ّ حقّ، ولكن‌ قد مضت‌ بيعتنا لهذا الرجل‌ فلا مجال‌ بعد لفسخها، ولو أنّ زوجك‌ وابن‌ عمّك‌ سبق‌ إلينا قبل‌ أبي‌ بكر ما عدلنا به‌ . فيقول‌ علي‌ّ كرّم‌ الله‌ وجهه‌ ] عليه‌ السـلام‌ [ : أفكنتُ أدع‌ رسـول‌ الله‌ صـلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسـلّم‌ في‌ بيته‌ لم‌أدفنه‌، وأخرج‌ أُنازع‌ الناس‌ سـلطانه‌ ؟ فقالت‌ فاطمة‌ : ما صـنع‌ أبوالحسن‌ إلاّ ما كان‌ ينبغي‌ له‌؛ ولقد صنعوا ما الله‌ حسيبهم‌ وطالبهم‌.[27]

 نعم‌ ! لقد تنحّي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ جانباً عن‌ الجماعة‌ المشركة‌ العاصية‌ لربّها، وأخلد في‌ منزله‌ للعزلة‌ خمسة‌ وعشرين‌ عاماً لايتجاوز أصحابه‌ عدد أصحاب‌ الكهف، قضاها محزوناً مَغيظاً:

 صَبَرْتُ وَفِي‌ العَيْنِ قَذَيً وَفِي‌ الحَلْقِ شَجَيً.[28]

 ولقد اعتزل‌ الحقير أيضاً جميع‌ هؤلاء وقاطعت‌ محافلهم‌ ونهجهم‌ وسيرتهم‌، وتوكّلت‌ علي‌ الباري‌ ظاهراً وباطناً؛ وحقّاً فكم‌ كان‌ للمرحوم‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ روحي‌ فداه‌ من‌ كرامة‌ ومن‌ موقفٍ نبيل‌ ! وكم‌ أنجي‌ من‌ السقوط‌ في‌ المواقع‌ الخطيرة‌ وفي‌ مزالق‌ المحيط‌ والاُمور الاجتماعيّة‌ ! وكم‌ كان‌ شبيهاً بالاُمّ الحنون‌ حين‌ كان‌ يأتي‌ من‌ كربلاء البعيدة‌ إلي‌ طهران‌، يستوي‌ لديه‌ الليل‌ والنهار ! وكم‌ كانت‌ مساعداته‌ صحيحة‌ وفي‌ محلّها؛ استبان‌ سرّ بعضها في‌ آنه، وتبيّن‌ بعضها فيما بعد تدريجيّاً، واتّضح‌ أمر بعضها الآن‌ بعد ثمان‌ سنين‌ من‌ رحيله، والله‌ يعلم‌ ما سيظهر بعد !

خطاب‌ الله‌ سبحانه‌ لاصحاب‌ الكهف‌ الذين‌ آووا إلي‌ الكهف‌

 نعم، يقول‌ الباري‌ في‌ شأن‌ ذلك‌ النفر القليل‌ المؤمن‌ الموحِّد من‌ أصحاب‌ الكهف‌ الذين‌ اعتزلوا الجمع‌ والمجتمع‌ المشرك‌ وقدرته‌ وهيمنته‌:

 وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَهَ فَأْوُ و´ ا إِلَي‌ الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم‌ مِّن‌ رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّي‌ْ لَكُم‌ مِّنْ أَمْرِكُم‌ مِّرْفَقًا.[29]

 وهذه‌ الآية‌ تلت‌ الآية‌ التي‌ يصف‌ الله‌ سبحانه‌ فيها حال‌ أُولئك‌ القوم‌ المشركين‌ فيقول‌:

 هَـ'´ؤُلآءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن‌ دُونِهِ ءَالِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم‌ بِسُلْطَـ'نٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي‌' عَلَي‌ اللَهِ كَذِبًا.[30]

 هذا، ولم‌ يصحب‌ الحقير في‌ نهجه‌ في‌ متابعة‌ السيّد الحدّاد إلاّ الرفقاء الهمدانيّون‌ الذين‌ كانوا تلامذة‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الانصاري‌ّ ومن‌ ملازميه‌ ذوي‌ السابقة‌ والخبرة، كالسيّد الحاجّ أحمد الحسيني‌ّ الهمداني‌ّ رحمة‌الله‌ عليه‌، والد الصديق‌ العزيز الدكتور السيّد أبي‌ القاسم‌ الحسيني‌ّ الهمداني‌ّ الطبيب‌ في‌ الامراض‌ النفسيّة‌ والمقيم‌ في‌ مشهد المقدّسة‌ منذ خمس‌ وعشرين‌ سنة‌، والمرحوم‌ غلام‌ حسين‌ الهمايوني‌ّ ( الخطّاط‌ المعروف‌ ) والمرحوم‌ الحاجّ غلام‌ حسين‌ السبزواري‌ّ، والحاجّ محمّد حسن‌ البياتي‌ّ، وحجّة‌ الاءسلام‌ والمسلمين‌ السيّد أحمد حسينيّان، والحاجّ إسماعيل‌ تخته‌ سنگي‌ ( مهدوي‌ نيا )، والمرحوم‌ الحاجّ آقا اللهياري‌ّ من‌ أبهر، والحاجّ محسن‌ شركت‌ من‌ إصفهان‌.

 أمّا مريدوه‌ في‌ العراق‌ فهم‌ : حجّة‌ الاءسلام‌ الشيخ‌ صالح‌ الكميلي‌ّ، وآية‌ الله‌ السيّد هادي‌ التبريزي‌ّ ( وهو أحد تلامذة‌ المرحوم‌ الشيخ‌ مرتضي‌ الطالقاني‌ّ القدماء الذين‌ استفادوا من‌ ذلك‌ المرحوم‌ كثيراً، وكان‌ يحضر أحياناً عند المرحوم‌ القاضي‌ )، وحجّة‌ الاءسلام‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّدجواد المظفّر من‌ البصرة، وحجّة‌ الاءسلام‌ السيّد حسن‌ معين‌ الشيرازي‌ّ من‌ طهران‌ ( أخوزوجة‌ الحقير ) وحجّة‌ الاءسلام‌ السيّد شهاب‌ الدين‌ الصفوي‌ّ من‌ إصفهان‌، وكذلك‌ الحاجّ الشيخ‌ أسد الله‌ طيّارة‌ من‌ إصفهان‌، والحاجّ محمّدعلي‌ خلف‌زاده، والحاجّ أبو موسي‌ محيي، والحاجّ أبوأحمد عبدالجليل‌ محيي، والحاجّ موسي‌ محيي، والحاجّ عبدالزهراء، والحاجّ قدر السماوي‌ّ ( أبو أحمد )، والحاجّ حبيب‌ السماوي‌ّ، والحاجّ محمّدحسن‌ ابن‌الشيخ‌ عبدالمجيد السماوي‌ّ ( أبو عزيز )، والحاجّ حسن‌ أبوالهوي‌، وكان‌ يحضر عنده‌ أحياناً من‌ النجف‌ الاشرف‌ آية‌ الله‌ السيّد عبدالكريم‌ الكشميري‌ّ و المرحوم‌ السيّد مصطفي‌ الخميني‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌، كما كان‌ المرحوم‌ السيّد كمال‌ الشيرازي‌ّ يحضر عنده‌ أحياناً؛ فكان‌ المرحوم‌ الحدّاد يستقبل‌ جميع‌ هؤلاء ويُشير عليهم‌ ويوردهم‌ كلاّ حسب‌ استعداده‌ واستيعابه‌. وكذلك‌ فقد كان‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ حسن‌ الصافي‌ّ الاءصفهاني‌ّ، وحجّة‌ الاءسلام‌ الشيخ‌ ناصر دولت‌ آبادي، وحجّة‌ الاءسلام‌ الشيخ‌ محمّدتقي‌ جعفري‌ الاراكي‌ّ دام‌ عزّهم‌ يتشرّفون‌ بالحضور لديه‌ والاستفادة‌ من‌ محضره‌، لكنّ أُسـتاذهم‌ في‌ النجف‌ كان‌ المرحـوم‌ آية‌ الله‌ الشـيخ‌ عبّاس‌ القوجـاني‌ّ، كما كان‌ السيّد حسـين‌ دانشـمايه‌ النجفي‌ّ والميرزا محمّد حسـن‌ النمازي‌ّ بهذه‌ الكيفيّة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[19] ـ الكتاب‌ مؤلّف‌ زمن‌ حياة‌ آية‌ الله‌ العظمي‌ السيّد أبي‌ القاسم‌ الخوئي‌ّ قدّس‌ سرّه‌، وقد حافظنا علي‌ تعبير المصنّف‌. (م‌) 

[20] ـ وردت‌ هذه‌ الفقرة‌ من‌ الآية‌ المباركة‌ في‌ موضعَين‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ : الاوّل‌ في‌ الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 68 : القلم‌ : فَذَرْنِي‌ وَمَن‌ يُكَذِّبُ بِهَـ'ذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم‌ مِّنْ حَيْثُ ليَعْلَمُونَ. والثاني‌ في‌ الآية‌ 182، من‌ السورة‌ 7 : الاعراف‌ : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم‌ مِّنْ حَيْثُ ل يَعْلَمُونَ. 

[21] ـ وذلك‌ علي‌ أثر شدّة‌ العشق‌ والشوق‌ الوافر للقاء الربّ المتعال‌ وطلب‌ الفناء في‌ الذات‌ الاحديّة، ولانعدام‌ أُستاذ ودليل‌ له‌؛ فقد كان‌ يعمل‌ وفق‌ نظريّته‌ هو، لذا فقد أُصيب‌ بضعف‌ القلب‌، وكان‌ يستعمل‌ الاعشاب‌ والعقاقير المفيدة‌ لتهدئة‌ القلب، لانّه‌ كان‌ أخصّائيّاً في‌ الطبّ القديم‌ . ثمّ جاء إلي‌ طهران‌ قبل‌ وفاته‌ بسنة‌ وبقي‌ فيها شهراً، وطلب‌ من‌ الحقير أن‌ آخذ له‌ موعداً عند الدكتور أردشير نهاوندي‌ الاخصّائي‌ّ بأمراض‌ القلب‌؛ فلمّا عاينه‌ بدقّة‌ قال‌ له‌ في‌ جملة‌ كلامه‌ : لقد خضع‌ هذا القلب‌ طيلة‌ عشرين‌ سنة‌ لضغط‌ العشق‌ الشديد؛ أفكنتم‌ عاشقين‌؟ أجاب‌ : نعم‌ . ثمّ قال‌ للحقير حين‌ غادرنا الطبيب‌ : يا له‌ من‌ طبيب‌ خبير وحاذق‌! لقد أصاب‌ في‌ تشخيصه، لكنّ علمه‌ يقصر عن‌ فهم‌ وتشخيص‌ مورد ذلك‌ العشق‌.

 هذا وكنتُ قد صحبته‌ مراراً أيّام‌ الجمع‌ حين‌ كنتُ في‌ همدان‌ إلي‌ الحمّام‌ العمومي‌ّ للقيام‌ بغُسل‌ الجمعة‌ والتنظيف، فكان‌ بدنه‌ هزيلاً ونحيفاً جدّاً بحيث‌ لم‌ يبق‌ منه‌ إل هيكل‌ عظمي‌ّ. وكانت‌ قامته‌ طويلة، فكان‌ صدره‌ وكتفاه‌ ينؤان‌ برأسه‌ حقّاً، أمّا قدماه‌ فكانتا أشبه‌ بخشبتينِ نحيفتينِ رُبطتا ببعضهما، وكانت‌ أضلاع‌ صدره‌ بارزة‌ يمكن‌ عدّها . رحمة‌ الله‌ عليه‌ رحمة‌ واسعة‌. 

[22] ـ أورد في‌ «أقرب‌ الموارد» : رَاضَ المُهر ـ ن‌ ـ يَرُوضُهُ رَوْضاً ورِيَاضَةً ورِيَاضاً: ذلّله‌ وجعله‌ مُسخّراً مُطيعاً وعلّمه‌ السير فهو رائض، ج‌ راضة‌ ورُوّاض‌ ورائضون‌ . والمُهر مَرُوض‌. ومنه‌: رَاضَ الشاعرُ القوافي‌ الصَّعبةَ أي‌ ذلّلها، و الدُّرَّ رياضةً : ثقبَهُ.

[23] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الرسالة‌ 45، وفي‌ طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌ وهامش‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ : ج‌ 2، ص‌ 74 . 

[24] ـ الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 39 : الزمر .

[25] ـ الاية‌ 46، من‌ السورة‌17: الاءسراء .

[26]ـ الآية‌12، من‌ السورة‌40: غافر . 

[27]ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» لابن‌ قُتَيبة‌ الدينوري‌ّ، ج‌1، ص‌12، الطبعة‌ الثالثة‌، مصر سنة‌ 1382 ه.

[28]ـ الخطبة‌ الثالثة‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌»؛ وفي‌ طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌ مع‌ هامش‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ : ج‌1، ص‌31. 

[29]ـ الآية‌16، من‌ السورة‌18: الكهف‌ .

[30]ـ الآية‌15، من‌ السورة‌18: الكهف‌ . 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com