بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نور ملکوت القرآن / المجلد الرابع / القسم الحادی عشر: تفسیر الآیات الاوائل لسورة الروم، سفر رسول الله صلی الله علیه و ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

من معجزات القرآن الکریم إخباره القاطع بالحوادث الآتیه

 وإحدي‌ قاطعيّات‌ القرآن‌ العظيم‌ تتمثل‌ في‌ إخباره‌ عن‌ الحوادث‌ والوقائع‌ الآتية‌، فهو يُخبر عن‌ تلك‌ الوقائع‌ بأُسلوب‌ حتميّ مسلّم‌ لا يعتريه‌ أدني‌ ريب‌، في‌ حالٍ تخلو من‌ أيّ أثر وأرضيّة‌ لتحقّق‌ تلك‌ الوقائع‌، بل‌علی العكس‌ فإنّ إخباره‌ عنها يجري‌ في‌ ظروف‌ وشرائط‌ لها دلالة‌علی خلاف‌ إخبار القرآن‌.

 فحين‌ تجاوز مشركو مكّة‌ الحدّ في‌ إلحاق‌ الاذي‌ برسول‌ الله‌، فهاجر إلی‌ المدينة‌ وحيداً فريداً غريباً، وترك‌ مكّة‌ وطنه‌ الذي‌ ألفه‌ بسبب‌ امتناع‌ أقاربه‌ من‌ قريش‌ عن‌ نُصرته‌، فإنّ الله‌ تعالی‌ يُخبره‌ في‌ تلك‌ الحال‌:

 إِنَّ الَّذِي‌ فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَا´دُّكَ إلَی' مَعَادٍ. [1]

 وقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌علی النبي‌ّ في‌ منطقة‌ الجحفة‌ وسط‌ الطريق‌ بين‌ مكّة‌ والمدينة‌، وكانت‌ عودة‌ النبي‌ّ إلی‌ مكّة‌ تبدو حينذاك‌ أمراً عسيراً، ولم‌ تتحقّق‌ تلك‌ العودة‌ إلاّ بالجهاد والحرب‌ وفتح‌ مكّة‌ بعد أن‌ بقي‌ في‌ المدينة‌ ثمان‌ سنين‌. وكان‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يُقتَل‌ النبي‌ّ خلال‌ هذه‌ المدّة‌ الطويلة‌ في‌ غزوات‌ بدر وأُحد والاحزاب‌ وغيرها، أو أن‌ يموت‌، أو أن‌ يُهزَم‌ في‌ معركة‌ فتح‌ مكّة‌. وعلي‌ أيّ تقدير، فقد كانت‌ عودة‌ النبي‌ّ إلی‌ مكّة‌ تبدو بعيدة‌ في‌ النظر، وعلي‌ أقلّ تقدير فقد كان‌ أمر عدم‌ عودته‌ يبدو محتملاً؛ بَيدَ أنّ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ تقول‌ بضرسٍ قاطع‌: إنّ الله‌ سيُعيدك‌ إلی‌ مكّة‌ حتماً!

 كما أنّ القرآن‌ الكريم‌ أخبر عن‌ فتح‌ مكّة‌ في‌ سورة‌ الفتح‌ قبل‌ أن‌ تُفتح‌ فعلاً: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن‌ ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. [2]

 ويقول‌ أيضاً في‌ نفس‌ السورة‌:

 لَقَدْ صَدَقَ اللَهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن‌ شَآءَ اللَهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن‌ دُونِ ذَ لِكَ فَتحًا قَرِيبًا. [3]

 وقد تحقّق‌ فتحُ مكّة‌ بعد نزول‌ هذه‌ الآيات‌ بسنتين‌؛ أمّا الفتح‌ الذي‌ سبقه‌ فكان‌ فتح‌ خيبر الذي‌ تحقّق‌ أوائل‌ السنة‌ التي‌ أعقبت‌ نزول‌ هذه‌ الآيات‌.

 ويقول‌ القرآن‌ أيضاً في‌ نفس‌ السورة‌:

 وَعَدَكُمُ اللَهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـ'ذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَ طًا مُّسْتَقِيمًا * وَأُخْرَي‌' لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَهُ بِهَا وَكَانَ اللَهُ عَلَي‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا. [4]

 ونري‌ هنا أنّ الله‌ تعالی‌ يعد المسلمين‌ بغنائم‌ كثيرة‌، الاُولي‌: غنائم‌ معجَّلة‌ ينالونها، وكانت‌ هي‌ غنائم‌ مكّة‌ وحُنين‌ وقبائل‌ أرض‌ الجزيرة‌ العربيّة‌.

 والثانية‌: غنائم‌ مملكة‌ إيران‌ ومملكة‌ الروم‌، التي‌ لم‌ يكن‌ العرب‌ قبل‌ الإسلام‌ قادرين‌علی مجرّد تصوّر الحصول‌ عليها، كما أ نّهم‌ كانوا عاجزين‌ عن‌ التفكير في‌ القُدرة‌علی نيلها. لكنّ تلك‌ الغنائم‌ قد صارت‌ في‌ أيديهم‌ ببركة‌ الإسلام‌ واقتدار الدين‌ المحمّدي‌ّ.

 الرجوع الي الفهرس

تفسیر آیة: الم * غلبت الروم*فی أدنی الأرض

 وإحدي‌ الاُمور التي‌ أخبر عنها القرآن‌ بقاطعيّة‌، بحيثّ عُدّ ذلك‌ إخباراً عن‌ الغيب‌، واعتبر إحدي‌ معجزات‌ القرآن‌ الظاهرة‌، هي‌ إخباره‌ عن‌ غلبة‌ الروم‌علی الجيش‌ الإيرانيّ، حيث‌ جاء في‌ سورة‌ الروم‌:

 ال´م‌´ * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي‌´ أَدْنَي‌ الاْرْضِ وَهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي‌ بِضْعِ سِنِينَ لِلَهِ الاْمْرُ مِن‌ قَبْلُ وَمِن‌ بَعْدُ وَيَوْمَنءِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَهِ يَنصُرُ مَن‌ يَشَآءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَهِ لاَ يُخْلِفُ اللَهُ وَعْدَهُ و وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِّنَ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ. [5]

 وتذكر هذه‌ الآيات‌ قصّة‌ الحرب‌ بين‌ إيران‌ والروم‌، وكيف‌ أنّ الإيرانيّين‌ الوثنيّين‌ عبـدة‌ النار لمّا كانوا يهزمـون‌ الروم‌ المسـيحيّين‌ أهل‌ الكتاب‌، فقد كان‌ مشركو العرب‌ يفرحون‌ ويبتهجون‌ بتفوّق‌ دولة‌ مقتدرة‌ تشترك‌ معهم‌ في‌ دينهم‌، بينما كان‌ المسلمون‌ ـ في‌ الجانب‌ المقابل‌ يغتمّون‌ ويحزنون‌ لانّ دولة‌ مسيحيّة‌ تشترك‌ معهم‌ في‌ الإيمان‌ بالتوحيد والعمل‌ بكتاب‌ سماويّ قد هُزمت‌ ودُحرت‌ من‌ قِبَل‌ دولة‌ وثنيّة‌ تدين‌ بعبادة‌ النار.

 وعلي‌ العكس‌، فحين‌ كانت‌ دولة‌ الروم‌ تتفوّق‌ في‌ الحرب‌، فإنّ المسلمين‌ كانوا يفرحون‌ ويبتهجون‌، بينما يحزن‌ ـ في‌ المقابل‌ مشركو العرب‌، لانّ المسلمين‌ كانوا يرون‌ دولة‌ الروم‌ القويّة‌ التي‌ تُسايرهم‌ في‌ أصل‌ الكتاب‌ والتوحيد ظافرةً منصورة‌، بينما يرون‌ دولة‌ إيران‌ القويّة‌ التي‌ تدين‌ بعبادة‌ النار مدحورة‌ منكوبة‌.

 الرجوع الي الفهرس

حروب کسری أبرویز مع هرقل إمبراطور الروم

 وإجمال‌ القصّة‌ هو أنّ بهرام‌ چوبين‌ تغلّب‌علی كسري‌ أبرويز سنة‌ 590 ميلاديّة‌، وتمرّدعلی أمره‌ وادّعي‌ المُلك‌ لنفسه‌، فجهّز كسري‌ وأخواه‌ بَندويه‌ وبَسطام‌ جيشاً جرّاراً مجهّزاً لمحاربته‌، بَيدَ أ نّهم‌ انهزموا أمامه‌، ففرّ كسري‌ إلی‌ بلاد الروم‌، والتجأ لدي‌ قيصر الروم‌ وكان‌ يُدعي‌ موريق‌ ( موريـس‌ Maurice )، فرحّب‌ به‌ قيصـر كثيراً، وأسبغ‌ عليه‌ أنـواع‌ الهدايا والمجوهرات‌، وزوّجه‌ ابنته‌ مريم‌، فعاش‌ إلی‌ كنف‌ قيصر منعّماً مدّة‌ سنة‌ ونصف‌ السنة‌.

 ثمّ إنّ موريق‌ بعث‌ ابنه‌ الاكبر بناطوس‌ علی رأس‌ جيش‌ من‌ سبعين‌ ألف‌ أو مائة‌ ألف‌ جنديّ إلی‌ إيران‌ يصحبهم‌ كسري‌، فحاربوا بهرام‌ وانتصروا عليه‌، ففرّ بهرام‌ إلی‌ الصين‌ والتحق‌ بالخاقان‌، حتّي‌ قُتل‌علی يد زوجة‌ الخاقان‌.

 وقد أحسن‌ كسري‌ ضيافة‌ بناطوس‌ وجنوده‌ الروميّين‌ بعد استقرار سلطانه‌، وسيّرهم‌ إلی‌ بلاد الروم‌ مع‌ هدايا وتحف‌ كثيرة‌.

 وبعد هذه‌ القضيّة‌ بأربع‌ عشرة‌ سنة‌، قتل‌ الروم‌ موريق‌ وابنه‌ بناطوس‌ وادّعي‌ المُلك‌ شخص‌ يُدعي‌ فُكاس‌ ( قوفا )، فجاء ابن‌ موريق‌ الآخر إلی‌ إيران‌ وطلب‌ من‌ خسرو برويز أن‌ يُعينه‌علی استرجاع‌ المُلك‌، فأرسل‌ كسري‌ برويز ثلاثة‌ من‌ قادة‌ جيشه‌ المعروفين‌ لاسترجاع‌ تاج‌ وعرش‌ موريق‌، وجهّزهم‌ بالعُدّة‌ والعدد.

 وقد تحرّك‌ أوّل‌ القادة‌ الثلاثة‌، واسمه‌ رميوزان‌ إلی‌ الشام‌ وفلسطين‌، فأغارعلی تلك‌ الديار ودمّرها وسيطرعلی جميع‌ نواحيها، ثمّ استعان‌ بستّة‌ وعشرين‌ ألف‌ يهوديّعلی محاصرة‌ بيت‌ المقدس‌ وفتحها، وأرسل‌ الصليب‌ الاكبر إلی‌ إيران‌، أي‌ الصليب‌ الحقيقيّ الذي‌ يقولون‌ إنّهم‌ صلبوا عليه‌ عيسي‌، وكانوا قد وضعوه‌ في‌ صندوق‌ ذهبيّ ودفنوه‌ تحت‌ الارض‌ للمحافظة‌ عليه‌.

 كما تحرّك‌ القائد الثاني‌ شاهين‌ إلی‌ مصر والإسكندريّة‌، فاحتلّها، وفتح‌ النوبة‌ بكاملها، وأرسل‌ مفتاح‌ الإسكندريّة‌ إلی‌ إيران‌.

 أمّا القائد الثالث‌ شهر بَراز فتحرّك‌ إلی‌ الروم‌ وقسطنطينيّة‌،[6] ففتح‌ بلاد الروم‌ بأسرها وحاصر القسطنطينيّة‌ ووصل‌ إلی‌ الخليج‌. وألحق‌ بالروم‌ هزيمة‌ ساحقة‌ في‌ كالسِدون‌ قرب‌ القسطنطينيّة‌ في‌ سنة‌ 617 ميلاديّة‌.

 وقد قتل‌ الروم‌ في‌ تلك‌ الفترة‌ قوفا، وكان‌ رجلاً عابثاً فاسداً، وعاد هِرْقِل‌ ( هراكليوس‌ ) إلی‌ بلاد الروم‌ من‌ إفريقيا عن‌ طريق‌ البحر، فاستقبله‌ الناس‌ وجعلوه‌ ملكاً عليهم‌، وكان‌ هرقل‌ مؤمناً بالمسيح‌، وكان‌ في‌ انزعاج‌ من‌ دمار البلاد ووقوعها بيد الإيرانيّين‌ المجوس‌.

 وقد أرسـل‌ هرقل‌ سـفيـراً إلی‌ كسـري‌ أبـرويـز وأعلمه‌ برغبته‌ في‌ الصلح‌، إلاّ أنّ مباحثاتهما لم‌ تسفر عن‌ شي‌ء، فقد جعلت‌ الفتوحات‌ الكبيرة‌ كسري‌ مغروراً متكبّراً، فلم‌ يكن‌ حاضراً للبحث‌ في‌ أمر الصلح‌، بل‌ إنّه‌ هدّد السفير بالقتل‌ وألقاه‌ في‌ السجن‌ لا نّه‌ لم‌ يأته‌ بهرقل‌ مكبّلاً بالاغلال‌ أمام‌ عرشه‌. [7]

 ثمّ إنّ كسري‌ أبرويز فتح‌ كالسدون‌، فبلغت‌ حدود إيران‌ الحدود التي‌ كانت‌ عليها في‌ زمن‌ الهخامنشيّين‌.

 وقد تردّد في‌ أرجاء العالم‌ صدي‌ غلبة‌ الفرس‌ للروم‌، وكان‌ لها ضجّة‌ كبيرة‌، فقد كان‌ العالم‌ قد سقط‌ بيد رجل‌ قويّ ليس‌ له‌ مَن‌ ينافسه‌، وكان‌ مشركو مكّة‌ يشمتون‌ بالمسلمين‌ ويؤمّلون‌ أنفسهم‌ بهزيمة‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وأتباعه‌، فقد كان‌ جنوب‌ بلاد الحجاز خاضعاً للإيرانيّين‌، وكان‌ جمع‌ كثير من‌ الإيرانيّين‌ يقيمون‌ في‌ إلیمن‌ منذ أن‌ أخرج‌ أنوشيروان‌ الحبشةَ منها. وكانت‌ تلك‌ الناحية‌ تُدار من‌ قبل‌ عامل‌ أنوشيروان‌ ويُدعي‌ باذان‌، وكانت‌ بلاد الحجاز ـ بما فيها مكّة‌ والمدينة‌ ـ خاضعة‌ لحكومتهم‌.

 وقد أحزنت‌ هزيمة‌ الروم‌ رسول‌ الله‌ والمؤمنين‌، وأفرحت‌ المشركين‌، وكان‌ ذلك‌ في‌ السنة‌ الثامنة‌ لبعثة‌ رسول‌ الله‌، قبل‌ الهجرة‌ بخمس‌ سنين‌، سنة‌ ثمانية‌ وأربعين‌ من‌ عام‌ الفيل‌، أي‌ سنة‌ 617 و618 الميلاديّة‌؛ فنزلت‌علی النبي‌ّ الآيات‌: ال´م‌´ * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي‌´ أَدنَي‌ الاْرْضِ وَهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي‌ بِضْعِ سِنِينَ.

 وحين‌ نزلت‌ الآيات‌ وقرأها المؤمنون‌، فإنّها لم‌ تكن‌ قابلة‌ للتصديق‌ من‌ قِبل‌ المشركين‌، فقد كانت‌ إيران‌ بقدرتها وعظمتها وجيوشها قرينة‌ الظفر والغلبة‌ والنصر مدّة‌ خمس‌ عشرة‌ سنة‌ متوإلیة‌، أي‌ منذ سنة‌ 603 الميلاديّة‌ [8]. حتّي‌ ذلك‌ الحين‌، وكان‌ الامر قد استتبّ لها بهذه‌ الهزيمة‌ النهائيّة‌ للروم‌. وكانت‌ خزائن‌ إيران‌ وثروتها في‌ ذلك‌ الوقت‌ قد فاقت‌ الحصر والإحصاء، فقد كان‌ لكسري‌ أبرويز مائة‌ كنز أحدها كنز جاءت‌ به‌ الريح‌،[9] وكان‌ فيها كنز أُخذ كغنيمة‌ من‌ خاقان‌ تركستان‌، وكان‌ عبارة‌ عن‌ 256 حمل‌ بعير من‌ الذهب‌ والمجوهرات‌ النفيسة‌. وكان‌ أحد كنوزه‌ عبارة‌ عن‌ 348 مليون‌ مثقال‌ من‌ الذهب‌. وكان‌ رصيده‌ من‌ المال‌ في‌ السنة‌ الثلاثين‌ من‌ حكمه‌ ـعلی الرغم‌ من‌ الحروب‌ الطويلة‌ ذات‌ النفقات‌ الكبيرة‌ التي‌ خاضها يبلغ‌ 1600 مليون‌ مثقال‌ من‌ الذهب‌. وكانت‌ مصر قد سقطت‌ بيده‌ بعد تسعمائة‌ سنة‌، فكان‌ سلطانه‌ يمتدّ من‌ حدود الصين‌ إلی‌ نهاية‌ أرض‌ مصر. وكان‌ قد حارب‌ الروم‌ أربع‌ عشرة‌ سنة‌ دون‌ أن‌ يُهزم‌ أبداً.[10]

 وكان‌ الروم‌ ـ في‌ المقابل‌ في‌ غاية‌ الضعف‌ والوهن‌، فقد خسروا جميع‌ البلاد التي‌ حكموها ولم‌ يبقَ في‌ أيديهم‌ سوي‌ شبه‌ جزيرة‌ القسطنطينيّة‌. وكان‌ البلغاريّون‌ يهاجمونها من‌ الشمال‌، ولم‌ يكن‌ لها من‌ ثروة‌ ولا خزينة‌.

 الرجوع الي الفهرس

تکذیب المشرکین لخبر غلبة الروم علی إیران

 وكان‌ خبر تغلّب‌ الروم‌علی الإيرانيّين‌ ممتنعاً بلحاظ‌ الاسباب‌ الظاهريّة‌، وكان‌ ذلك‌ الخبر أمراً لا يُصدّق‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ بالنسبة‌ إلی‌ الكفّار والمشركين‌، لذا فقد كذّبوا هذا الخبر القرآنيّ أيضاً، وحملوه‌علی سائر ادّعاءات‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ [11].

 وجاء في‌ الاثر أنّ هذه‌ الآية‌ لمّا نزلت‌ وفيها وعد بغلبة‌ الروم‌ في‌ بضع‌ سنين‌، قام‌ أُمَيّة‌ بن‌ خَلف‌ ـ وكان‌ من‌ أعداء رسول‌ الله‌ ومن‌ المشركين‌ المعاندين‌ فقال‌ لابي‌ بكر مستهيناً: إنّه‌ لوعدٌ مكذوب‌، وستري‌ أ نّه‌ لن‌ يكون‌.

 فقال‌ أبو بكر: أُراهنك‌علی ذلك‌علی عشر قلائص‌، فإن‌ ظهرت‌ الروم‌علی فارس‌ غرمتَ، وإن‌ ظهرت‌ فارس‌ غرمتُ، إلی‌ ثلاث‌ سنين‌! فلمّا بلغ‌ رسولَ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الخبر، قال‌: زايده‌ في‌ الخطر ومادّه‌ في‌ الاجل‌، لانّ البِضْع‌ من‌ الثلاث‌ إلی‌ التسع‌.

 فزاد أبو بكر مقدار الرهان‌ إلی‌ مائة‌ قلوص‌، وزاد في‌ الاجل‌.

 وقد اعتبر العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ ومحمّد حسنين‌ هيكل‌ أَدْنَي‌ الاْرْضِ أقرب‌ مناطق‌ الروم‌ إلی‌ أرض‌ الحجاز، وهي‌ أذرِعات‌ وبُصرَي‌؛ أمّا مشير الدولة‌ حسن‌ بيرنيا فاعتبر أنّ ذلك‌ في‌ كالسدون‌ قرب‌ القسطنطينيّة‌.

 ويظنّ الحقير أنّ كلام‌ بيرنيا أقرب‌ إلی‌ الصواب‌؛ أوّلاً: لانّ فتح‌ أذرعات‌ وبصري‌ ( وهي‌ من‌ مناطق‌ الشام‌ الجنوبيّة‌ ) حدث‌ قبل‌ ذلك‌ بكثير، وربّما حصل‌ في‌ سنوات‌ 612 و613 ميلاديّة‌، فيكون‌ الفاصل‌ بين‌ ذلك‌ وبين‌ غلبة‌ الروم‌ وخاتمة‌ الحرب‌ التي‌ حصلت‌ في‌ سنة‌ 625 اثنتي‌ عشرة‌ أو ثلاث‌ عشرة‌ سنة‌، بينما تنصّ الآية‌ المباركة‌ أنّ المدّة‌ بين‌ هذين‌ الانتصارين‌ أقلّ من‌ عشر سنين‌.

 و ثانياً: أنّ هزيمة‌ الروم‌ في‌ أذرعات‌ الواقعة‌ بين‌ المدينة‌ وبلاد الشام‌، والبعيدة‌ جدّاً عن‌ روما والقسطنطينيّة‌ ينبغي‌ ألاّ تُعدّ هزيمةً للروم‌، خلافاً لـ « كالسدون‌ » الواقعة‌ قرب‌ العاصمة‌، حيث‌ إنّ الهزيمة‌ هناك‌ تعتبر هزيمة‌ حقيقيّة‌.

 أجل‌، فقد كان‌ المؤمنون‌ يترقّبون‌ انتصار الروم‌ وفقاً للوعد القرآني‌ّ، فلننظر ما الذي‌ حلّ بالروم‌.

 الرجوع الي الفهرس

إنجاز الوعد الإلهی بغلبة الروم فی بضع سنین

 بعد سقوط‌ أرض‌ الروم‌ بيد حكومة‌ إيران‌، عاني‌ الروم‌ المسيحيّون‌ الامرّين‌، حتّي‌ أنّ النجاشي‌ّ ـ وكان‌ مسيحيّاً نذر إن‌ حرّر الله‌ أرضه‌ من‌ أيدي‌ الفُرس‌، لَيَذهبنَّ من‌ إفريقيا لزيارة‌ بيت‌ المقدس‌ ماشياً. وقد وفي‌ بنذره‌ بعد انتصار الروم‌، فكانت‌ البُسط‌ تُفرش‌ أمامه‌علی الارض‌، فتُنثر عليها الورود والرياحين‌، فيسير النجاشيّ عليها.

 أمّا هرقل‌ فقد وجد نفسه‌ محاصراً بين‌ الفرس‌ والبلغار، فأراد في‌ بداية‌ الامر أن‌ يفرّ من‌ العاصمة‌ إلی‌ قَرطاجنة‌ ـ وهي‌ إحدي‌ مدن‌ إفريقيا، وتقع‌ قرب‌ الجزائر فحمل‌ خزانة‌ الروم‌ من‌ القسطنطينيّة‌ بهذا القصد. بَيدَ أنّ الخزانة‌ سقطت‌ بيد الملك‌ خسرو برويز، فُدعيت‌ بـ « الكنز الذي‌ جاءت‌ به‌ الريح‌ ».

 ثمّ إنّ رجال‌ الدين‌ المسيحيّين‌ وباقي‌ الناس‌ ضجّوا إلی‌ هرقل‌، وتقرّر أن‌ يجري‌ إنفاق‌ نفائس‌ الكنائس‌ في‌ إعداد معسكرات‌ الجيش‌ وتغطية‌ نفقات‌ الحرب‌،علی أن‌ تُعاد تلك‌ الاموال‌ بعد الحرب‌ مع‌ فوائدها.

 ولم‌ يكن‌ قد بقي‌ من‌ إمبراطوريّة‌ الروم‌ غير مدينة‌ القسطنطينيّة‌ وجزءاً من‌ إلیونان‌ وإيطإلیا وعدّة‌ مدن‌ إفريقيّة‌.

 ورفع‌ هرقل‌ يده‌ بالدعاء والتضرّع‌ إلی‌ الله‌ تعالی‌، ثمّ تحرّك‌ بجيشه‌ فعبر مضيق‌ الدردنيل‌ في‌ سنة‌ 622، فدارت‌ بينه‌ وبين‌ شهر براز حربٌ قرب‌ إرمينية‌ انتهت‌ بنصر هرقل‌.

 ثمّ إنّ هرقل‌ اتّحد في‌ السنة‌ التإلیة‌ مع‌ سكّان‌ المناطق‌ الشمإلیة‌ للخزر، وعبّأ جيشاً من‌ لازيكا متّجهاً إلی‌ إيران‌، فَخفّ خسرو برويز للقائه‌ في‌ جيش‌ من‌ أربعين‌ ألف‌ نفر، فالتقيا في‌ آذربايجان‌، فانتصر هرقل‌.

 ثمّ إنّه‌ توجّه‌ إلی‌ المدن‌ الإيرانيّة‌، فخرّب‌ معابد النيران‌، وكان‌ ذلك‌ سنة‌ 623، فدمّر أكبر معبد للنار يُدعي‌ آذر گُشنَسب‌، وأعاد صليب‌ عيسي‌ إلی‌ بيت‌ المقدس‌. وقد استعاد الروميّون‌ خلال‌ هذا التقدّم‌ منطقةَ كالسدون‌.

 ثمّ جهّز هرقل‌ في‌ السنة‌ التإلیة‌ جيشاً قوامه‌ سبعون‌ ألف‌ جندي‌، فعبر نهر دجلة‌، فقتل‌ راهزاد القائد الإيرانيّ مع‌ ستّة‌ آلاف‌ جندي‌، وانهزم‌ ستّة‌ آلاف‌ آخرون‌.

 وكان‌ راهزاد قد كتب‌ إلی‌ كسري‌ أبرويز يقول‌: إنّ عدد الجيش‌ الروميّ سبعون‌ ألف‌ جندي‌، وليس‌ بإمكاني‌ مواجهتهم‌! فكتب‌ كسري‌ في‌ جوابه‌: لكنّ بإمكانك‌ أن‌ تقاتلهم‌ وتسفك‌ دمك‌ في‌ طاعتي‌!

 والخلاصة‌، فقد حلّت‌ الهزيمة‌ النهائيّة‌ بالجيش‌ الإيرانيّ سنة‌ 625، ففرّ كسري‌ من‌ محلّ سلطنته‌ إلی‌ المدائن‌ فتحصّن‌ فيها من‌ ضعفه‌. وكان‌ يريد إعداد جيش‌ لمهاجمة‌ هرقل‌ حين‌ عاد هرقل‌ مظفّراً إلی‌ روما.

 وقد حصلت‌ هذه‌ الهزيمة‌ العظيمة‌ وغير المترقّبة‌ للفُرس‌ في‌ السنة‌ الثانية‌ للهجرة‌ في‌ يوم‌ غزوة‌ بدر، فكان‌ للمسلمين‌ في‌ ذلك‌ إلیوم‌ فرحتان‌: الاُولي‌ ظفرهم‌ بأعدائهم‌ من‌ قريش‌ وانتصار الإسلام‌علی الكفر؛ والثانية‌ انتصار الروم‌علی فارس‌ وانتصار المسيحيّين‌علی عبدة‌ النار الذي‌ وصلهم‌ نبأه‌ فيما بعد.

 وكانت‌ الفترة‌ الزمنيّة‌ بين‌ غلبة‌ إيران‌ للروم‌ في‌ كالسدون‌ في‌ 617 ميلاديّة‌، وغلبة‌ الروم‌ للإيرانيّين‌ في‌ 625، هي‌ ثمان‌ سنوات‌، وهي‌ أقلّ من‌ عشر سنوات‌. [12]

 وقد أخذ أبو بكر القلائص‌ المائة‌ التي‌ راهن‌ عليها أُمّية‌ بن‌ خلف‌ من‌ ورثته‌، فقد كان‌ أُميّة‌ متوفّيً آنذاك‌. وقيل‌: إنّ الرهان‌ لم‌ يكن‌ محرّماً في‌ الإسلام‌ حتّي‌ ذلك‌ الوقت‌، فقد أقرّ النبي‌ّ رهان‌ أبي‌ بكر في‌ مكّة‌ المكرّمة‌، ثمّ حُرّم‌ الرهان‌ بعد ذلك‌ بكلّ أنواعه‌.

 فقد نقـل‌ أعاظـم‌ المفسّـريـن‌ والمـؤرّخين‌ قصّـة‌ الآيـة‌ المبـاركة‌، وحكـم‌ القرآن‌ القاطـع‌ بغلبة‌ الروم‌، وقـد نقلنا في‌ هـذا المجـال‌ مقتطـفات‌ من‌ أقوال‌ أُسـتاذنا الفقيد سـماحة‌ العـلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطـبائي[13]‌ّ، ومحمّد حسـنين‌ هيكل‌ [14]، وابن‌ الاثيـر الجـزري[15]‌ّ، والطـبري[16]‌ّ، والميـرخـوانـد[17]، وخواند أمير[18]، وبيرنيا،[19] ولم‌ يخرج‌ مجموع‌ المطالب‌ التي‌ ذكرناها عن‌ كلماتهم‌.

 وقد ذكر سماحة‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ الله‌ رمسه‌ عدّة‌ مطالب‌، ذيل‌ آية‌ وَعْدَ اللَهِ لاَ يُخْلِفُ اللَهُ وَعْدَهُ و وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِّنَ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ، التي‌ نزلت‌ بعد البشارة‌ بغلبة‌ الروم‌، يمكن‌ أن‌ تُستنتج‌ منها ثلاث‌ نكاتٍ دقيقة‌ وبديعة‌.

 الاُولي‌: أنّ هذه‌ الغلبة‌ قد تحقّقت‌علی أساس‌ الوعد الإلهيّ المستند إلی‌ مشيئة‌ الله‌ وإرادته‌. أمّا أكثر الناس‌ فلا يُدركون‌ الارتباط‌ بين‌ الباطن‌ والظاهر، ويجهلون‌ حقائق‌ الباطن‌ ووعد الحقّ المتعالی‌ وإيعاده‌.

 الثانية‌: أنّ الناس‌ يعلمون‌ ظاهراً من‌ الاسباب‌ والمسببات‌ وعلل‌ العالم‌ ومعلولاته‌، أمّا عن‌ الآخرة‌ التي‌ هي‌ باطن‌ الدنيا وحقيقتها فليس‌ لهم‌ علم‌ بذلك‌.

 والثالثة‌: أنّ علم‌ الناس‌ للاُمور الظاهريّة‌ ولعلوم‌ الحياة‌ الدنيويّة‌ هو بعينه‌ عدم‌ العلم‌. فلا يمكن‌ في‌ الحقيقة‌ إطلاق‌ لفظ‌ العلم‌علی معارفهم‌، إذ العلم‌ منحصر بالعلوم‌ الاُخرويّة‌ وبالمعارف‌ التي‌ تربط‌ بين‌ الدنيا والآخرة‌، وبين‌ الظاهر والباطن‌. فلهذا أعقبت‌ جملةُ يَعْلَمُونَ جملةَ لاَ يَعْلَمُونَ وكانت‌ بدلاً منها.

 والخلاصة‌، فقد تكلّمنا بتفصيلٍ ما في‌ هذا الإخبار القرآنيّ القاطع‌ في‌ الآية‌ المباركة‌ المذكورة‌، لانّ إخبار القرآن‌ عن‌ الغيب‌ هو أمر لم‌ يرد الشكّ فيه‌، ولم‌ يحتمل‌ أحد خلافه‌، وقد أقرّ جميع‌ المفسّرين‌ والمؤرّخين‌، وحتّي‌ أعداء القرآن‌ بأمر قاطعيّة‌ القرآن‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ المباركة‌.

 الرجوع الي الفهرس

آیات القرآن الکریم القاطعة فی الإخبار بالغیب

 وانظروا أيضاً إلی‌ الآيات‌ التإلیة‌ كيف‌ تحكم‌ بالامرعلی نحو القطع‌ وإلیقين‌:

 أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. [20]

 وَلَنُذِيقَنَّهُم‌ مِّنَ الْعَذَابِ الاْدْنَي‌' ( عذاب‌ الدنيا ) دُونَ الْعَذَابِ الاْكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. [21]

 حيث‌ إنّ المراد بالعذاب‌ الادني‌ هنا، هو العذاب‌ في‌ الدنيا من‌ حرب‌ وجرح‌ وقتل‌ وأسر، مقابل‌ عذاب‌ البرزخ‌، لانّ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قرينة‌ لهذا المعني‌. ولو كان‌ العذاب‌ الادني‌ أحد أنواع‌ العذاب‌ البرزخيّ أو حين‌ الاحتضار، لما كان‌ من‌ أمل‌ بالرجوع‌ عن‌ الذنب‌، لانّ الامر سيكون‌ ممّا لا رجعة‌ فيه‌.

 وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَـ'لِبُونَ * ( أمّا إذ لم‌ يَحِنْ ذلك‌ الزمن‌ بعدُ ) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّي‌' حِينٍ * وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ( ماذا سيحلّ بهم‌ ).[22]

 وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَ لِكَ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. [23]

 إِذَا تُتْلَي‌' عَلَيْهِ ءَايَـ'تُنَا قَالَ أَسَـ'طِيرُ الاْوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ و عَلَی الْخُرْطُومِ[24] ( فيبقي‌ أثره‌ واضحاًعلی الدوام‌ ).

 وهذه‌ الآيات‌ عائدة‌ إلی‌ الوليد بن‌ المُغيرة‌، وكان‌ من‌ المشركين‌ ومن‌ أعداء رسول‌ الله‌، وقد نزلت‌ هذه‌ الآيات‌ في‌ مكّة‌، وكان‌ إذا تُليَت‌ عليه‌ آياتُ القـرآن‌ قال‌: ليـس‌ في‌ الامـر مـن‌ جـديد، فهذا كلّه‌ مـن‌ أسـاطـير الاوّلين‌. ويقول‌ الله‌ تعالی‌: إنّنا سنسمه‌علی خُرطومه‌ أي‌علی أنفه‌، وسماً يبقي‌ ولا يزول‌.

 وقد جاء هذا الرجل‌ في‌ وقعة‌ بدر التي‌ وقعت‌ قرب‌ المدينة‌ في‌ السنة‌ الثانية‌ للهجرة‌، ليحارب‌ النبي‌ّ مع‌ المشركين‌، فهوي‌ سيفٌ من‌ سيوف‌ المسلمين‌علی أنفه‌، فبقي‌ وسمه‌ وأثره‌ إلی‌ آخره‌ عمره‌. [25]

 وهذه‌ الآية‌ من‌ آيات‌ سورة‌ ن‌´ وَالْقَلَم‌ التي‌ نزلت‌ في‌ بداية‌ البعثة‌، وبينها وبين‌ غزوة‌ بدر أربع‌ عشرة‌ أو خمس‌ عشرة‌ سنة‌. وكان‌ الوليد بن‌ المُغيرة‌ أحد الرجلين‌ العظيمين‌ اللذين‌ كان‌ المشركون‌ يقولون‌: لِمَ لَم‌ ينزل‌ القرآن‌علی أحد هذين‌ الرجلين‌ العظيمين‌ ( الوليد بن‌ المغيرة‌ وعُروة‌ بن‌ مسعود الثقفي‌ّ )، وأوّلهما في‌ مكّة‌ والثاني‌ في‌ الطائف‌؟

 وهو الذي‌ جاء وصفه‌ في‌ سورة‌ المُدَّثِّر التي‌ نزلت‌ أيضاً أوائل‌ بعثة‌ رسول‌ الله‌ في‌ مكّة‌، حيث‌ استمع‌ الوليد إلی‌ رسول‌ الله‌ وهو يتلو آيات‌ القرآن‌، فاستمهل‌ قومه‌ ثلاثة‌ أيّام‌ ليفكّر، ثمّ جاءوه‌ بعد ثلاث‌ فقال‌: إِنْ هَـ'ذَا´ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ [26] ( بحيث‌ يؤثّر في‌ النفوس‌ هذا التأثير القوي‌ّ ).

 عَلِمَ أَن‌ سَيَكُونُ مِنكُم‌ مَّرْضَي‌' وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي‌ الاْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن‌ فَضْلِ اللَهِ وَءَاخَرُونَ يُقَـ'تِلُونَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ. [27]

 وقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌ في‌ مكّة‌ المكرّمة‌ في‌ بداية‌ البعثة‌؛ ولم‌ تحصل‌ أيّة‌ حرب‌ خلال‌ مدّة‌ ثلاث‌ عشرة‌ سنة‌ التي‌ عاش‌ فيها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ مكّة‌، بل‌ وقعت‌ الحروب‌ والغزوات‌ بعد الهجرة‌ إلی‌ المدينة‌.

 فكيف‌ يخبر القرآن‌ عن‌ الغيب‌ بمثل‌ هذه‌ القاطعيّة‌ التامّة‌، فيُخبر عمّا سيؤول‌ إلیه‌ حال‌ المسلمين‌ بعد هذه‌ السنوات‌ المتمادية‌؟

 لقد افتقد رسول‌ الله‌ الناصر والمعين‌ في‌ بداية‌ البعثة‌ في‌ مكّة‌، وكان‌ المؤمنون‌ في‌ منتهي‌ الضعف‌. لذا فقد صدر هذا الإخبار القرآنيّ دون‌ أيّة‌ أرضيّة‌ ومقدّمة‌ أوّلاً؛ وكان‌ يمكن‌ أن‌ يُقتَل‌ النبي‌ّ قبل‌ أن‌ تقوي‌ شوكة‌ المسلمين‌ أو يحلّ أجلُه‌ فلا ينال‌ الجهاد ثانياً. بَيدَ أنّ القرآن‌ يُخبر بقاطعيّة‌ وثبات‌ أشبه‌ بثبات‌ الجبل‌ الراسخ‌ عن‌ حياة‌ النبي‌ّ وجهاد المسلمين‌ بعد الهجرة‌.

 لَهُمْ عَذَابٌ فِي‌ الْحَيَـو'ةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الاْخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم‌ مِّنَ اللَهِ مِن‌ وَاقٍ.[28]

 وهذه‌ الآية‌ مكّيّة‌ أيضاً، لا نّها من‌ آيات‌ سورة‌ الرعد، وهي‌ من‌ السور المكّيّة‌؛ والله‌ تعالی‌ يوعد المستهزئين‌ برسول‌ الله‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بالحرب‌ والقتل‌ والإصابة‌ بالجراح‌ وبالنكبة‌ التي‌ ستحلّ بهم‌.

 أَمَّن‌ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّو´ءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الاْرْضِ. [29] ( هو اللائق‌ بالعبادة‌، أم‌ من‌ تشركون‌ به‌ ).

 وهذه‌ الآية‌ الكريمة‌ المباركة‌ من‌ آيات‌ سورة‌ النمل‌، وهي‌ من‌ السور التي‌ نزلت‌ في‌ مكّة‌، وهي‌ تعد المسلمين‌ بالحكومة‌ والخلاص‌ من‌ ذلّ مكّة‌ وأذي‌ أهلها. 

 وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـ'طِلُ إِنَّ الْبَـ'طِلَ كَانَ زَهُوقًا. [30]

 وهذه‌ الآية‌ الشريفة‌ في‌ سورة‌ الإسراء، وهي‌ أيضاً من‌ السور المكّيّة‌. وَعَدَ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي‌ الاْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي‌ ارْتَضَي‌' لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم‌ مِّن‌ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا. [31]

 وهذه‌ الآية‌ صريحة‌ في‌ أنّ الله‌ تعالی‌ سيمنّعلی المؤمنين‌ بقدرة‌ وحكومة‌ في‌ الارض‌، ليشكّلوا دولة‌ كدولة‌ الساسانيّين‌ والهخامنشيّين‌ والروم‌ وأهل‌ بابل‌ وكلدة‌، بل‌ أعلي‌ وأهمّ. وقد تحقّق‌ هذا الوعد، وصارت‌ حكومة‌ المسلمين‌ واقتدارهم‌ لامثيل‌ لهما في‌ العالم‌، ونحن‌ في‌ انتظار الدولة‌ الحقّة‌ لقائم‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌ التي‌ ستتحقّق‌ في‌ المستقبل‌ إن‌ شاء الله‌ تعالی‌، وهي‌ دولة‌ أعلي‌ وأكثر نزاهة‌.

 هُوَ الَّذِي‌´ أَرْسَلَ رَسُولَهُ و بِالْهُدَي‌' وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ و عَلَی الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. [32]

 والآيات‌ من‌ هذا القبيل‌ كثيرة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌. ولو اطّلع‌ المرءعلی تأريخ‌ الإسلام‌، وخاصّة‌علی فترة‌ بعثة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ مكّة‌، لعلم‌ جيّداً أنّ قاطعيّة‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ ليست‌ قابلة‌ للوصف‌ بأيّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ مع‌ الظواهر التي‌ تتمثل‌ بغلبة‌ الكفّار والمشركين‌ وأذاهم‌ لرسول‌ الله‌ وللذين‌ آمنوا. وقد اشتهرت‌ طائفة‌ من‌ المؤمنين‌ برسول‌ الله‌ من‌ أمثال‌ خَبّاب‌ بن‌ أرَتّ وبَلال‌ بن‌ رِباح‌ وأب‌ عمّار ابن‌ ياسر بالمعذَّبين‌، حيث‌ ذاقوا صنوف‌ العذاب‌ في‌ مكّة‌علی أيدي‌ الكفّار بجرم‌ إسلامهم‌.

 ويذكر التأريخ‌ فصلاً خاصّاً للمحاصرة‌ الاقتصاديّة‌ والسياسيّة‌ والاجتماعيّة‌ التي‌ طبّقها المشركون‌ في‌ حقّ رسول‌ الله‌ والمسلمين‌ حين‌ حاصروهم‌ في‌ شِعب‌ أبي‌ طالب‌ ثلاث‌ سنين‌. كما أنّ هجرة‌ المسلمين‌ إلی‌ الحبشة‌ وإقامتهم‌ المديدة‌ فيها تحتلّ فصلاً آخر في‌ تأريخ‌ الإسلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

کلام المؤرخین الأجانب فی إیمان نبی الإسلام بما کان یقوله

 ويعتقد أغلب‌ المستشرقين‌ الذين‌ بحثوا وتعمّقوا في‌ أحوال‌ نبيّ الإسلام‌ وتأريخ‌ دعوته‌ وتأريخه‌ ـ حيث‌ ألّفوا كتباً ورسائل‌ في‌ هذا المجال‌ أنّ النبي‌ّ الاكرم‌ كان‌ يؤمن‌ بما يقول‌ إيماناً راسخاً، وأ نّه‌ كان‌ يعتقد حقّاً بأ نّه‌ صاحب‌ وحي‌ وارتباط‌ بالملائكة‌، وأ نّه‌ كان‌ يتحرّك‌ حسب‌ ما يُمليه‌ عليه‌ إيمانه‌ بوظيفته‌ وواجبه‌.

صبر رسول الله علی الأذی و احتماله لتکذیب الکفار و استهزائهم

 يقول‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ ذيل‌ الآية‌ المباركة‌:

 ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إلیهِ مِن‌ رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ.[33]

 « أي‌ صدّق‌ الرسول‌ بما أُنزل‌ إلیه‌ في‌ هذه‌ السورة‌ وغيرها من‌ العقائد والاحكام‌ والسنن‌ والبيّنات‌ والهدي‌ تصديقَ إذعانٍ واطمئنان‌، وكذلك‌ المؤمنون‌ من‌ أصحابه‌ عليهم‌ الرضوان‌. وقد شهد لهم‌ بهذا الإيمان‌ أثره‌ في‌ نفوسهم‌ الزكيّة‌ وهممهم‌ العإلیة‌ وأعمالهم‌ المرضيّة‌، والله‌ أكبر شهادةً ».

 ثمّ يقول‌: « وقد اعترف‌ كثيرٌ من‌ علماء الإفرنج‌ الباحثين‌ في‌ شؤون‌ المسلمين‌ وعلومهم‌ وسائر شؤون‌ أُمم‌ الشرق‌ بأنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ كان‌علی اعتقادٍ جازم‌ بأ نّه‌ مُرسَل‌ من‌ الله‌ ومُوحي‌ إلیه‌، وكانوا من‌ قبل‌ متّفقين‌علی أ نّه‌ ادّعي‌ الوحي‌ لا نّه‌ رآه‌ أقرب‌ الطرق‌ لنشر حكمته‌ والإقناع‌ بفلسفته‌، أو لنيل‌ السلطة‌ وهو غير معتقدٍ به‌ ». [34]

 ويؤيّد جُرجي‌ زيدان‌ المسيحيّ هذا القول‌، فيقول‌:

 « زعم‌ بعض‌ الكتّاب‌ من‌ غير المسلمين‌ أنّ صاحب‌ الشريعة‌ الإسلاميّة‌ إنّما قام‌ بهذه‌ الدعوة‌ طمعاً بالسيادة‌ ورغبةً في‌ ملاذ الدنيا.

 وأمّا نحن‌ فلا نري‌ مسوّغاً لهذا القول‌. وتأريخ‌ الدعوة‌ يدلّ دلالة‌ صريحة‌علی أ نّه‌ إنّما قام‌ بها عن‌ صدق‌ وإخلاص‌، فلم‌ يدعُ الناس‌ إلی‌ الإسلام‌ إلاّ وهو يعتقد اعتقاداً متيناً بصحّة‌ رسالته‌، وأنّ الله‌ أرسله‌ لبثّ تلك‌ الدعوة‌. ولولا هذا الاعتقاد، لم‌ يصبرعلی ما ناله‌ من‌ الاضطهاد وضروب‌ العذاب‌ ».

 إلی‌ أن‌ يصل‌ إلی‌ قوله‌ بعد بيان‌ المحن‌ التي‌ واجهها النبي‌ّ:

 « فتتابعت‌ بموتهما ( يقصد موت‌ خديجة‌ وأبي‌ طالب‌ » المصائب‌ عليه‌، واستبدّت‌ به‌ قريش‌، ولا سيّما عمّه‌ أبولهب‌ والحكم‌ بن‌ العاص‌، و عُقبة‌ بن‌ أبي‌ مُعَيط‌ لا نّهم‌ كانوا جيرانه‌ بمنزله‌، فكانوا يُلقون‌ الاقذار في‌ طعامه‌، ويرمونه‌ بها وقت‌ صلاته‌. حتّي‌ إذا لم‌ يعد يستطيع‌ صبراًعلی هذا الضيم‌، فرّ إلی‌ الطائف‌ لعلّه‌ يلقي‌ بها مَن‌ ينصره‌ ويؤمن‌ بدعوته‌، فلم‌ يلقَ إلاّ الإعراض‌ والإهانة‌، فعاد وقد يئس‌ منهم‌، لكنّه‌ لم‌ يرجع‌ عن‌ حرفٍ من‌ دعوته‌. ولم‌ يكتفِ أهلُ الطائف‌ بإعراضهم‌ عنه‌، بل‌ أغروا بعض‌ سفهائهم‌ وعبيدهم‌ أن‌ يسبّوه‌ ويصيحوا به‌ ففعلوا، حتّي‌ اجتمع‌ عليه‌ الناس‌ وألجأوه‌ إلی‌ الحائط‌ وردّوا السفهاء عنه‌ فرجعوا، فأحسّ عندئذٍ بما هو فيه‌ من‌ الضيق‌، فشكا أمره‌ إلی‌ الله‌ وعاد إلی‌ مكّة‌ ولم‌ يغيّر ذلك‌ شيئاً من‌ عزيمته‌، فلقيه‌ قومُه‌ هناك‌ وهم‌ أشدّ وطأةً عليه‌ ممّا كانوا من‌ قبل‌.

 فاعتبر حاله‌ بعد ذلك‌ الرجوع‌ وقد نبذه‌ الناس‌ قريبهم‌ وبعيدهم‌، مع‌ علمه‌ أ نّه‌ إذا رجع‌ عن‌ عودته‌ لقي‌ منهم‌ ترحاباً وإكراماً كما صرّحوا له‌ جهاراً، لكنّه‌ لم‌ يكترث‌ بشي‌ءٍ من‌ ذلك‌ ولا همّه‌ أمر الدنيا.

 فلولا اعتقاده‌ المتين‌ بصدق‌ الدعوة‌ التي‌ قام‌ بها، وأ نّه‌ مُنتدب‌ لهذه‌ الرسالة‌ من‌ قِبل‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالی‌، لما صبرعلی كلّ ذلك‌ ». [35]

 الرجوع الي الفهرس

أذی أهل الطائف لرسول الله

 وقصّة‌ ذهاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ الطائف‌ والمرارات‌ والمحن‌ التي‌ عادت‌ عليه‌ من‌ سفر ممّا يهزّ الإنسان‌ ويزلزله‌.

 نقل‌ الطبريّ في‌ تاريخه‌: « وكان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يدعو الناس‌ إلی‌ الله‌ في‌ مكّة‌ جهراً وعلانية‌، وكان‌ يصبرعلی أذاهم‌ وتكذيبهم‌ واستهزائهم‌، حتّي‌ أنّ أحد الكفّار طرح‌ عليه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ رَحِم‌ شاة‌ وهو يصلّي‌، وكان‌ أحدهم‌ يطرحها في‌ بُرْمته‌ [36] إذا نُصبت‌ له‌. فكان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ إذا طرحوا عليه‌ ذلك‌ الاذي‌، يخرج‌ به‌علی العود، فيقف‌ به‌علی بابه‌ ( أي‌ باب‌ الذي‌ ألقاه‌ عليه‌، وكانوا من‌ جيرانه‌ أو أقاربه‌ ) ثمّ يقول‌:

 يَا بَنِي‌ عَبْدِ مُنَافٍ [37]! أَي‌ُّ جِوَارٍ هَذَا؟!

 ثمّ إنّ خديجة‌ وأبا طالب‌ هلكا في‌ عامٍ واحد، وكان‌ ذلك‌ قبل‌ الهجرة‌ بثلاث‌ سنوات‌. وكان‌ في‌ موتهما مصيبة‌ عظمي‌ لرسول‌ الله‌، إذ إنّ قريشاً وصلوا من‌ أذاه‌ بعد موت‌ أبي‌ طالب‌ إلی‌ ما لم‌ يكونوا يصلون‌ إلیه‌ في‌ حياته‌ منه‌؛ حتّي‌ نثر بعضُهم‌علی رأسه‌ التراب‌....

 ] و [ لمّا نثر ذلك‌ السفي ه‌ الترابَعلی رأس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌، دخل‌ رسولُ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ بيته‌ والتراب‌علی رأسـه‌، فقامت‌ إلیه‌ إحـدي‌ بناته‌ تغسـل‌ عنه‌ التراب‌ وهـي‌ تبكي‌، ورسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يقول‌ لها: يَا بُنَيَّةُ لاَ تَبْكِي‌؛ فَإنَّ اللَهَ مَانِعٌ أَبَاكِ!

 ويقول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: مَا نَالَتْ مِنِّي‌ قُرَيْشٌ شَيْئاً أَكْرَهُهُ حَتَّي‌ مَاتَ أَبُوطَالِبٍ. [38]

 ولما هلك‌ أبو طالب‌ خرج‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ إلی‌ الطائف‌ يلتمس‌ من‌ ثقيف‌ النصر والمنَعة‌ له‌ من‌ قومه‌؛ وذُكِر أ نّه‌ خرج‌ إلیهم‌ وحده‌؛ فحدثّنا ابن‌ حميد، قال‌: حدّثنا سلمَة‌، قال‌: حدّثنا ابن‌ إسحاق‌ قال‌: حدّثني‌ يزيد بن‌ زياد، عن‌ محمّد بن‌ كعب‌ القرظيّ، قال‌: لما انتهي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ إلی‌ الطائف‌ عَمَد إلی‌ نفرٍ من‌ ثَقيف‌ ـ هم‌ يومئذٍ سادة‌ ثقيف‌ وأشرافهم‌، وهم‌ إخوة‌ ثلاثة‌: عبد يإلیل‌ بن‌ عمرو ابن‌ عمير، ومسعود ابن‌ عمرو بن‌ عمير، وحبيب‌ بن‌ عمرو بن‌ عمير؛ وعندهم‌ امرأة‌ من‌ قريش‌ من‌ بني‌ جُمَح‌. فجلس‌ إلیهم‌ فدعاهم‌ إلی‌ الله‌ وكلَّمهم‌ بما جاء لهم‌ من‌ نصرته‌علی الإسلام‌، والقيام‌ معه‌علی مَن‌ خالفه‌ من‌ قومه‌، فقال‌ أحدهم‌: هو يمرُط‌[39] ثياب‌ الكعبة‌ إن‌ كان‌ الله‌ أرسلَك‌! وقال‌ الآخر: ما وجد الله‌ أحداً يرسله‌ غيرك‌! وقال‌ الثالث‌: والله‌ لا أكلّمك‌ كلمةً أبداً؛ لئن‌ كنتَ رسولاً من‌ الله‌ كما تقول‌؛ لانتَ أعظمُ خطراً من‌ أن‌ أردّ عليك‌ الكلام‌؛ ولئن‌ كنتَ تكذب‌علی الله‌ ما ينبغي‌ لي‌ أن‌ أكلّمك‌!

 فقام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ من‌ عندهم‌، وقد يئس‌ من‌ خيرِ ثقيف‌؛ وقد قال‌ لهم‌ ـ فيما ذكر لي‌ ـ: إذْ فَعَلْتُم‌ مَا فَعَلْتُمْ فَاكْتِمُوا عَلَی. وكره‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ أن‌ يبلُغَ قومه‌ عنه‌، فيُذئرهم‌ [40] ذلك‌ عليه‌، فلم‌ يفعلوا وأغروا به‌ سفهاءهم‌ وعبيدهم‌، يسبّونه‌ ويصيحون‌ به‌؛ حتّي‌ اجتمع‌ عليه‌ الناس‌ والجأوه‌ إلی‌ حائط[41]‌  لعتْبة‌ بن‌ ربيعة‌ وشيبة‌ بن‌ ربيعة‌، وهما فيه‌، ورجع‌ عنه‌ من‌ سفهاء ثَقيفٍ مَن‌ كان‌ يتّبعه‌، فعمد إلی‌ ظلَّ حَبَلةٍ[42] من‌ عنب‌، فجلس‌ فيه‌، وابنا ربيعة‌ ينظران‌ إلیه‌، ويريَان‌ ما لقي‌ من‌ سفهاء ثقيف‌. وقد لقي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ ـ فيما ذكر لي‌ تلك‌ المرأة‌ مـن‌ بني‌ جُمـح‌، فقال‌ لها: مَاذَا لَقِينا مِـنْ أَحْمَائِـكِ! فلمّا اطمأنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌، قال‌ ـ فيما ذكر لي‌: اللَهُمَّ إلیكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي‌، وَقِلَّةَ حِيلَتِي‌، وَهَوَانِي‌ عَلَی النَّاسِ؛ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي‌، إلَی مَن‌ تَكِلْنِي‌! إلَی بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي‌، أَوْ إلَی عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي‌؛ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَی غَضَبٌ فَلاَ أُبَإلی‌! وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ [43] هِيَ أَوْسَعُ لِي‌. أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي‌ أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِي‌ غَضَبُكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَي‌ حَتَّي‌ تَرْضَي‌، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ.

 فلما رأي‌ ابنا ربيعة‌: عُتبة‌ وشَيْبة‌ ما لقي‌، تحرّكت‌ له‌ رحِمهما، فدعوا له‌ غلاماً لهما نصرانيّاً؛ يقال‌ له‌ عدّاس‌، فقالا له‌: خذ قِطفاً[44] من‌ هذا العَنب‌ وضعه‌ في‌ ذلك‌ الطَّبَق‌، ثـمّ اذهب‌ به‌ إلی‌ ذلـك‌ الرجل‌، فقل‌ له‌ يأكل‌ منه‌؛ ففعل‌ عدّاس‌، ثمّ أقبل‌ به‌ حتي‌ وضعه‌ بين‌ يدي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌، فلمّا وضع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يده‌، قال‌: بسم‌ الله‌، ثمّ أكل‌.

 فنظَر عدّاس‌ إلی‌ وجهه‌، ثمّ قال‌: والله‌ إنّ هذا الكلام‌ ما يقوله‌ أهل‌ هذه‌ البلدة‌.

 قال‌ له‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: ومِن‌ أهل‌ أيّ البلاد أنت‌ يا عدّاس‌؟ وما دينك‌؟ قال‌: أنا نصرانيّ، وأنا رجلٌ من‌ أهل‌ نينوي‌.

 فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: أمِن‌ قرية‌ الرجل‌ الصالح‌ يونس‌ بن‌ مَتّي‌؟

 قال‌ له‌: وما يدريك‌ ما يونس‌ بن‌ متّي‌؟

 قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: ذاك‌ أخِي‌، كان‌ نبيّاً وأنا نبي‌ّ، فأكبّ عدّاس‌علی رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يقبّل‌ رأسه‌ ويديه‌ ورجليه‌، قال‌: يقول‌ ابنا ربيعة‌ أحدهما لصاحبه‌: أمّا غلامك‌ فقد أفسده‌ عليك‌.

 فلما جاءهما عدّاس‌ قالا له‌: ويلك‌ يا عدّاس‌! مالك‌ تقبِّل‌ رأس‌ هذا الرجل‌ ويديه‌ وقدميه‌!

 قال‌: يا سيِّدَي‌ ما في‌ ] هذه‌ [ الارض‌ خيرٌ من‌ هذا الرجل‌! لقد خبّرني‌ بأمر لا يعلمه‌ إلاّ نبي‌ُّ.

 فقالا: ويحك‌ يا عدّاس‌! لا يصرفنّك‌ عن‌ دينك‌، فإنّ دينَك‌ خيرٌ من‌ دينه‌.

 الرجوع الي الفهرس

استماع الجن لآیات القرآن عند عودة رسول الله من الطائف

 ثمّ إنّ رسـول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ انصـرف‌ من‌ الطائف‌ راجعاً إلی‌ مكّة‌ حين‌ يئس‌ من‌ خبرِ ثقيف‌، حتّي‌ إذا كان‌ بنخلة‌ [45]، قام‌ من‌ جَوْف‌ الليل‌ يصلّي‌، فمرّ به‌ نفرٌ من‌ الجنّ الذين‌ ذكر الله‌ عزّ وجلّ وهم‌ سبعة‌ نفر من‌ جنّ أهل‌ نَصيبين‌ إلیمن‌. فاستمعوا له‌، فلمّا فرغ‌ من‌ صلاته‌ ولَّوا إلی‌ قومهم‌ مُنذرين‌، قد آمنوا وأجابوا إلی‌ ما سمعوا، فقصّ الله‌ عزّ وجلّ خَبَرهم‌ عليه‌: وَإذْ صَرَفْنَآ إلیكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ، إلی‌ قوله‌: وَيُجِرْكُم‌ مِّن‌ عَذَابٍ إلیمٍ.[46] وقال‌: قُلْ أَوحِيَ إلی أَنـَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ... [47] إلی‌ آخر القصّة‌ من‌ خبرهم‌ في‌ هذه‌ السورة‌.

 وتسمية‌ النفر من‌ الجنّ الذين‌ استمعوا الوحي‌: حسّا، و مسّا، و شاصر، و ناصر، و اينا الارد، و أينين‌، و الاحقم‌.

 ثمّ قدمِ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ مكّة‌، وقومُه‌ أشدّ ما كانوا عليه‌ من‌ خلافه‌ وفراق‌ دينه‌، إلاّ قليلاً مستضعفين‌ ممّن‌ آمن‌ به‌.

 وذكر بعضُهم‌ أنّ رسولَ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ لمّا انصرف‌ من‌ الطائف‌ مريداً مكّة‌ مرّ به‌ بعض‌ أهل‌ مكّة‌، فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: هل‌ أنت‌ مبلّغ‌ عنّي‌ رسالة‌ أُرسِلك‌ بها؟ قال‌: نعم‌.

 قال‌: ائت‌ الاخْنَس‌ بن‌ شَريق‌، فقل‌ له‌: يقول‌ لك‌ محمّد: هل‌ أنت‌ مجيري‌ حتّي‌ أبلِّغَ رسالة‌ ربّي‌؟

 قال‌: فأتاه‌، فقال‌ له‌ ذلك‌ فقال‌ الاخْنَس‌: إنَّ الحَلِيفَ لاَ يُجِيرُ عَلَی الصَّرِيحِ.

 قال‌: فأتي‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: فأخبره‌.

 قال‌: تعود؟ قال‌: نعم‌.

 قال‌: ائت‌ سُهَيْل‌ بن‌ عمرو، فقل‌ له‌: إنّ محمّداً يقول‌ لك‌: هل‌ أنت‌ مجيري‌ حتّي‌ أبلِّغ‌ رسالات‌ ربّي‌؟

 فأتاه‌ فقال‌ له‌ ذلك‌، قال‌: فقال‌: إنَّ بَني‌ عَامِر بْنِ لُؤَيٍّ لاَ تُجِيرُ عَلَی بَنِي‌ كَعْبٍ.

 قال‌: فرجع‌ إلی‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌، فأخبره‌. قال‌: تعود؟ قال‌: نعم‌. قال‌: ائت‌ المطعِم‌ بن‌ عدّي‌، فقل‌ له‌: إنّ محمّداً يقول‌ لك‌: هل‌ أنت‌ مجيري‌ حتّي‌ أبلِّغ‌ رسالات‌ ربّي‌؟

 قال‌: نعم‌، فليدخل‌، قال‌: فرجع‌ الرجل‌ إلیه‌، فأخبره‌، وأصبح‌ المطعِم‌ ابن‌ عديّ قد لبس‌ سلاحه‌ هو وبنوه‌ وبنو أخيه‌، فدخلوا المسجد، فلمّا رآه‌ أبو جهل‌، قال‌: أَمُجِيرٌ أَمْ مُتَابِعٌ؟ قال‌: بل‌ مجير.

 قال‌: فقال‌: قد أجرْنا مَن‌ أجرتَ.

 فدخل‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ مكّة‌؛ وأقام‌ بها، فدخل‌ يوماً المسجد الحرام‌ والمشركون‌ عند الكعبة‌، فلما رآه‌ أبوجهل‌، قال‌: هذا نبيّكم‌ يا بني‌ عبد مناف‌.

 قال‌ عُتبة‌ بن‌ ربيعة‌: وما تنكِرُ أن‌ يكون‌ منّا نبي‌ّ أو ملك‌!

 فأخبر بذلك‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ ـ أو سمعه‌ فأتاهم‌، فقال‌:

 أمّا أنتَ يا عُتبة‌ بن‌ ربيعة‌ فوالله‌ ما حميتَ للّه‌ ولا لرسوله‌؛ ولكن‌ حميتَ لانفِك‌.

 وأمّا أنت‌ يا أبا جهل‌ بن‌ هشام‌؛ فوالله‌ لا يأتي‌ عليك‌ غير كبير من‌ الدهر حتّي‌ تضحك‌ قليلاً وتبكي‌ كثيراً.

 وأمّا أنتم‌ يا معشر الملا من‌ قريش‌؛ فوالله‌ لا يأتي‌ عليكم‌ غير كبير من‌ الدهر حتّي‌ تدخلوا فيما تنكرون‌، وأنتم‌ كارهون‌ » [48].

 والخلاصة‌، فقد كانت‌ قصّة‌ سفر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ الطائف‌ والاحداث‌ التي‌ ذكرناها ممّا تثير العجب‌.

 فهي‌، أوّلاً: تبيّن‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ يتعرّض‌ في‌ مكّة‌ إلی‌ الاذي‌ بحيث‌ إنّه‌ لم‌ يكن‌ يأمن‌علی نفسه‌، وكان‌ دمه‌ غير ذي‌ قيمة‌، وإنّ قومه‌ وعشيرته‌ كانوا أكثر أذيً له‌ من‌ سواهم‌، حتّي‌ بلغ‌ به‌ الامر إلی‌ استنصار أهل‌ ثقيف‌ ليدفعوا عنه‌ قومه‌ وعشيرته‌. والدليل‌علی المطلب‌ طلبه‌ مُجيراً يُجيره‌، فقد كان‌ في‌ خطر جدّي‌ وحتمي‌ بغير مُجير. لذا نراه‌ يستجير بالكافر، ليمكنه‌ في‌ جواره‌ أن‌ يبلّغ‌ رسالات‌ الله‌. ولم‌ يكن‌ في‌ مكّة‌ مسلمٌ مُقتدر واحد يمكنه‌ إجارته‌.

 ولو قال‌ قائل‌: وما الاهمّيّة‌ في‌ ذلك‌ لديه‌؟ فليُقتل‌! فإنّ جوابه‌: أنّ الواجب‌ عليه‌ هو إبلاغ‌ رسالات‌ الله‌ إلی‌ الناس‌. فإن‌ قُتل‌ أو عرّض‌ نفسه‌ للقتل‌ أو تسامح‌ أدني‌ مسامحة‌ في‌ حفظ‌ حياته‌، لما تمكّن‌ من‌ إنجاز ما عُهد إلیه‌، ولعاتبه‌ الله‌علی ذلك‌. إنّ الامر المهمّ كان‌ تنفيذ المهمّة‌علی أحسن‌ وجهٍ وأكمله‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

إرجاعات


[1] ـ الآية‌ 85، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[2] ـ الآيتان‌ 1 و 2، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌.

[3] ـ الآية‌ 27، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌.

[4] ـ الآيتان‌ 20 و 21، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌.

[5] ـ الآيات‌ 1 إلي‌ 7، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

[6] ـ القسطنطينيّة‌ هي‌ مدينة‌ إسلامبول‌.

[7] ـ يقول‌ غياث‌ الدين‌ بن‌ همام‌ الدين‌ الحسينيّ المعروف‌ بـ «خواند أمير» في‌ كتابه‌: «حبيب‌ السير» ج‌ 1، ص‌ 250: «وكان‌ لابرويز عرش‌ في‌ منتهي‌ الكبر والرفعة‌، وكان‌ مرصّعاً بجواهر ثمينة‌، وقد سُمِّر بمسامير من‌ فضّة‌ بلغ‌ عددها مائة‌ وأربعين‌ ألف‌ مسمار، وزُيّن‌ بكرات‌ ذهبيّة‌ يبلغ‌ عددها ألف‌ كرة‌، وصوّر فيه‌ الابراج‌ الاثني‌ عشر والكواكب‌ السبعة‌ وغير ذلك‌. وكان‌ لبرويز ثلاثون‌ ألف‌ سرج‌ مرصّع‌، ومائة‌ كنز أحدها كنز جاءت‌ به‌ الريح‌. وقصّة‌ هذا الكنز الذي‌ حصل‌ عليه‌ أبرويز بلا تعب‌ ولا مشقّة‌ هي‌ أنّ قيصر عمد مرّة‌ إلي‌ أموالٍ له‌ لا تُحصي‌، فعبّأها في‌ ألف‌ سفينة‌ وأرسلها إلي‌ موضع‌ حصين‌، فهبّت‌ الريح‌ وجاءت‌ بالسفن‌ إلي‌ المناطق‌ التي‌ يسيطر عليهما عمّال‌ أبرويز، فضمّها أبرويز إلي‌ سائر كنوزه‌. وكان‌ أبرويز يمتلك‌ قدراً من‌ الذهب‌ الليّن‌ يصنع‌ منه‌ ماشاء بلاحاجة‌ إلي‌ إذابته‌ بالنار. وكان‌ في‌ قصر حريمه‌ ثلاث‌ آلاف‌ فتاة‌ حرّة‌ الاصل‌ حوراء واثنتا عشرة‌ ألف‌ جارية‌. وكان‌ يحرسه‌ كلّ ليلة‌ ستّة‌ آلاف‌ رجـل‌. وكان‌ في‌ اصطـبله‌ ثمانية‌ آلاف‌ فَرَس‌ وبغل‌ لركـوب‌ الخاصّـة‌، وكان‌ يمتلك‌ اثني‌ عشر ألف‌ بعير للاحمال‌ وعشرين‌ ألف‌ ناقة‌ من‌ النوق‌ البخاتيّة‌ وتسعمائة‌ وستّين‌ فيلاً. وكان‌ فرسه‌ شبديز مشهوراً، إذ كان‌ يسابق‌ الريح‌ في‌ عدوه‌. وكان‌ يلازمه‌ القاصّ باربد الذي‌ لم‌ يكن‌ له‌ مثيل‌ في‌ الآفاق‌، وكانت‌ شيرين‌ في‌ شرفة‌ قصر أبرويز، وهي‌ التي‌ كان‌ حسنها وجمالها قد نكّد عيش‌ أرباب‌ الملاحة‌».

[8] ـ ذكر مشـير الدولة‌ في‌ كتاب‌ «ايران‌ باسـتاني‌» (= إيران‌ القديمة‌) ص‌ 345، أنّ حروب‌ كسري‌ أبرويز قد دامت‌ من‌ سنة‌ 603 إلي‌ 627 للميلاد.

[9] ـ وهذا الكنز عبارة‌ عن‌ حمل‌ ألف‌ سفينة‌ كان‌ هرقل‌ قد حمّلها جميع‌ نفائس‌ وذخائر خزينة‌ الروم‌ وأراد إرسالها إلي‌ إفريقيا لتكون‌ مصونة‌، بنيّة‌ أن‌ يذهب‌ إلي‌ هناك‌ بنفسه‌. فساقت‌ الريح‌ تلك‌ السفن‌ إلي‌ ساحلٍ كان‌ جند أبرويز قد عسكروا فيه‌، فصارت‌ تلك‌ الذخائر والنفائس‌ في‌ خزينة‌ كسري‌ في‌ منتهي‌ السهولة‌.

[10] ـ وكان‌ كسري‌ أبرويز في‌ منتهي‌ الغطرسة‌ والغرور، فبدلاً من‌ أن‌ يسير علي‌ نهج‌ جدّه‌ أنوشيروان‌ فيبلغ‌ بإيران‌ إلي‌ ذروة‌ الرقيّ والتعالي‌ والعدل‌، ويبسط‌ العمران‌ فيها خلال‌ مدّة‌ حكمه‌ التي‌ دامت‌ ثمان‌ وثلاثين‌ سنة‌، فقد قضي‌ مدّة‌ حكمه‌ في‌ حروب‌ افتعلها مع‌ الروم‌، فأضاع‌ الثروة‌ في‌ هذا المجال‌. يقول‌ مؤلّف‌ «حبيب‌ السير» ج‌ 1، ص‌ 251: «وقد أرسل‌ له‌ رسول‌ الله‌ كتاباً في‌ السنة‌ السادسة‌ للهجرة‌ يدعوه‌ فيه‌ إلي‌ الاءسلام‌، فمزّق‌ كتاب‌ النبي‌ّ وقال‌: لماذا قدّم‌ هذا العربيّ الذي‌ هو عبدٌ من‌ عبيدي‌ اسمَه‌ علي‌ اسمي‌؟ فلمّا بلغ‌ رسول‌ الله‌ ذلك‌ قال‌: مَزَّقَ اللهُ مُلكَهُ كَمَا مَزَّق‌ كِتَابِي‌! ». وجاء في‌ «روضة‌ الصفاء» ج‌ 2، في‌ ذكر كسري‌ أبرويز وحاله‌ وعاقبة‌ أمره‌: «وقال‌ رسول‌ الله‌: إنّ الله‌ أخبرني‌ البارحة‌ لسبع‌ ساعات‌ من‌ الليل‌ أ نّه‌ سلّط‌ عليه‌ ابنه‌ (شيرويه‌) فمزّق‌ بطنه‌. وكان‌ ذلك‌ في‌ ليلة‌ الثلاثاء، 10 جمادي‌ الاُولي‌، السنة‌ السابعة‌ للهجرة‌». وجاء في‌ «حبيب‌ السير»: فقيّده‌ أعيان‌ إيران‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ للهجرة‌، وأجلسوا ابنه‌ شيرويه‌ علي‌ العرش‌ وطلبوا منه‌ أن‌ يصدر أمراً بقتل‌ أبيه‌.

[11] ـ ولقد كانت‌ هزيمة‌ إيران‌ غير مترقّبة‌ وبعيدة‌ حسب‌ الاسباب‌ الظاهريّة‌، بحيث‌ لا يمكن‌ تعليلها إلاّ بالاءرادة‌ الحتميّة‌ للحقّ تعالي‌ لانقراض‌ حكومة‌ برويز الجائرة‌ ولملمة‌ بساط‌ عدوانه‌، لانّ احتلال‌ الممالك‌ التي‌ كانت‌ خاضعة‌ للروم‌ لم‌ يحصل‌ دفعةً واحدة‌ ليكون‌ فقدانها أمراً ميسوراً، فقد احتلّت‌ إيران‌ تدريجيّاً طوال‌ مدّة‌ أربع‌ عشرة‌ سنة‌ فلسطين‌ والشام‌ وآسيا الصغري‌ (تركيا)، وسيطرت‌ جيوشها علي‌ تلك‌ المناطق‌ سيطرةً تامّة‌. ثمّ انتزعوا مصر من‌ أيدي‌ الروم‌، فصاروا القوّة‌ العظيمة‌ الوحيدة‌ في‌ العالم‌. ولولا أنّ الاءرادة‌ الاءلهيّة‌ لم‌ تقدّر حوادث‌ غير مترقّبة‌، لانقرضت‌ مملكة‌ الروم‌ بصورة‌ كاملة‌؛ أشبه‌ بما فعله‌ الاءسكندر المقدونيّ بإيران‌ من‌ قبل‌. وكان‌ من‌ بين‌ التأييدات‌ الاءلهيّة‌ ـ كما يقول‌ مشير الدولة‌ في‌ كتاب‌ «ايران‌ باستاني‌» إنّ احتلال‌ كالسدون‌ كان‌ محالاً للروم‌، ولكن‌ ما إن‌ اصطفّ الجيشان‌ مقابل‌ بعضهما حتّي‌ هبّت‌ الريح‌ علي‌ جيش‌ إيران‌، وكانت‌ تعصف‌ بالغبار والحصي‌ والحشائش‌ في‌ وجوه‌ الجيش‌ الاءيرانيّ ممّا صعّب‌ عليهم‌ مواجهة‌ عدوّهم‌، فاجترأ عليهم‌ الروميّون‌ وهزموهم‌.

 ينقل‌ كريستِنْسِن‌ في‌ «تاريخ‌ ساسانيان‌» عن‌ كتاب‌ «التاج‌» للجاحظ‌: أنّ شهر براز قائد الجيش‌ الاءيرانيّ استلم‌ رسالتين‌ متضادّتين‌ من‌ كسري‌ أبرويز، فخشي‌ كيد برويز فلحق‌ بهرقل‌ وسهّل‌ له‌ تقدّمه‌ حتّي‌ بلغ‌ النهروان‌.

 وهذه‌ بأجمعها دلائل‌ علي‌ أنّ غلبة‌ الروم‌ كانت‌ أمراً غير مترقّب‌، وأ نّها لا يمكن‌ أن‌ تُعزي‌ إلاّ إلي‌ التأييد الاءلهيّ. ويمكن‌ استفادة‌ هذه‌ الحقيقة‌ من‌ الآية‌ القرآنيّة‌، حيث‌ تقول‌ أوّلاً: لِلَّهِ الاْمْرُ مِن‌ قَبْلُ وَمِن‌ بَعْدُ، ثمّ تقول‌: يَنصُرُ مَن‌ يَشَآءُ. أي‌ أنّ الامر كان‌ نصراً إلهيّاً علي‌ أساس‌ انحصار الامر في‌ يده‌ تعالي‌، فقدّر سبحانه‌ الظفر والنصر للروم‌.

[12] ـ جاء في‌ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 1، ص‌ 269، الطبعة‌ الاُولي‌: «ولد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسـلّم‌ عام‌ الفيل‌. وروي‌ عن‌ ابن‌ الكلبيّ قال‌: ولد عبد الله‌ بن‌ عبد المطّلب‌ أبو رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ لاربعٍ وعشرين‌ سنة‌ مضت‌ من‌ مُلك‌ أنوشِروان‌، ووُلد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ سنة‌ اثنتين‌ وأربعين‌ من‌ مُلكه‌. وبعث‌ الله‌ نبيّه‌ محمّداً صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ لعشرين‌ مضت‌ من‌ مُلك‌ كسري‌ أبرويز. وكانت‌ هجرته‌ سنة‌ اثنتين‌ وثلاثين‌ من‌ مُلكه‌». انتهي‌.

 وباعتبار أ نّنا نعلم‌ أنّ ولادة‌ النبي‌ّ كانت‌ سنة‌ 570 ميلاديّة‌، فتكون‌ بعثته‌ في‌ سنة‌ 610 م‌، وهجرته‌ في‌ سنة‌ 623 م‌، وارتحاله‌ سنة‌ 633 ميلادية‌. فتكون‌ حرب‌ الفُرس‌ مع‌ الروم‌ التي‌ أدّت‌ إلي‌ غلبتهم‌ للروم‌، والتي‌ وقعت‌ في‌ السنة‌ الثامنة‌ للهجرة‌، قد حصلت‌ سنة‌ 618 ميلاديّة‌، أمّا غلبة‌ الروم‌ للفرس‌ التي‌ وقعت‌ سنة‌ 625 م‌ والموافقة‌ للسنة‌ الثانية‌ أو الثالثة‌ للهجرة‌، فقد حصلت‌ بعد سبع‌ أو ثمان‌ سنوات‌.

[13] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 16، ص‌ 161 و 162، وص‌ 169 إلي‌ 171.

[14] ـ «حياة‌ محمّد» ص‌ 4، الطبعة‌ الاُولي‌.

[15] ـ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 1، ص‌ 279 إلي‌ 283، الطبعة‌ الاُولي‌.

[16] ـ «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌ 1، ص‌ 587 إلي‌ 594، طبعة‌ القاهرة‌، مطبعة‌ الاستقامة‌.

[17] ـ «روضة‌ الصفاء» ج‌ 1، ذكر سلطنة‌ «خسرو برويز»؛ و ج‌ 2، ذكر إرسـال‌ الرسل‌ من‌ قِبل‌ رسول‌ الله‌ إلي‌ الملوك‌، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[18] ـ «حبيب‌ السير» الجزء الثاني‌ من‌ المجلّد الاوّل‌، ص‌ 247 إلي‌ 250.

[19] ـ «ايران‌ باستاني‌» ص‌ 343 إلي‌ 349.

[20] ـ الآيتان‌ 44 و 45، من‌ السورة‌ 54: القمر.

[21] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[22] ـ الآيات‌ 171 إلي‌ 175، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[23] ـ الآية‌ 47، من‌ السورة‌ 52: الطور.

[24] ـ الآيتان‌ 15 و 16، من‌ السورة‌ 68: القلم‌.

[25] ـ ذكر ورود هذه‌ الآيات‌ في‌ أمر مقتل‌ الوليد بن‌ المغيرة‌ المخزوميّ واشتراكه‌ في‌ حرب‌ بدر كلّ من‌ التفاسير التالية‌: «الصافي‌»، «الكشّاف‌»، «بيان‌ السعادة‌»، «الميزان‌»، وذكره‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» بعنوان‌ «قيل‌». أمّا ابن‌ الاثير الجزريّ فقد ذكر في‌ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 48، الطبعة‌ الاُولي‌، المنيريّة‌، مصر، أ نّه‌ توفّي‌ بعد الهجرة‌ بعدّة‌ أشهر، كما ذكر ابن‌ هشام‌ في‌ «السيرة‌» ص‌ 277 و 278، طبعة‌ مصر؛ وابن‌ إسحاق‌ في‌ «السيرة‌» ص‌ 273؛ والبيهقيّ في‌ «دلائل‌ النبوّة‌» ج‌ 2، ص‌ 85 و 86 روايةً تدلّ علي‌ موته‌ قبل‌ الهجرة‌.

[26] _ذيل‌ الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 74: المدّثّر.

[27] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 20، من‌ السورة‌ 73: المزّمّل‌.

[28] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[29] ـ صدر الآية‌ 62، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[30] ـ الآية‌ 81، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[31] ـ صدر الآية‌ 55، من‌ السورة‌ 24: النور.

[32] ـ الآية‌ 33، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌؛ والآية‌ 9، من‌ السورة‌ 61: الصفّ.

[33] ـ صدر الآية‌ 285، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[34] ـ «تفسير المنار» إنشاء الشيخ‌ محمّد عبده‌، وتأليف‌ السيّد محمّد رشيد رضا، ج‌ 3، ص‌ 143 و 144.

[35] ـ «تاريخ‌ التمدّن‌ الاءسلامي‌ّ» تأليف‌ جرجي‌ زيدان‌، ص‌ 33 و 34.

[36] ـ البُرمة‌: القدر من‌ الحَجَر. (م‌)

[37] ـ عبد مناف‌ هو الجدّ الاعلي‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: محمّد بن‌ عبد الله‌ بن‌ عبد المطّلب‌ بن‌ هاشم‌ بن‌ عبد مناف‌.

[38] ـ أورد آقاي‌ محمّد القزوينيّ في‌ رسالته‌ لعلي‌ أصغر حكمت‌ كتقريظ‌ علي‌ كتابه‌ في‌ ترجمة‌ أحوال‌ «جامي‌» مطالبَ عديدة‌ في‌ تعصّب‌ «جامي‌» في‌ تسنّنه‌، وفي‌ الشواهد والادلّة‌ المتقنة‌ علي‌ إيمان‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ تستحقّ المطالعة‌. وقد ذُكرت‌ هذه‌ الرسالة‌ في‌ نهاية‌ كتاب‌ «جامي‌» تأليف‌ علي‌ أصغر حكمت‌، من‌ الصفحة‌ 395 إلي‌ الصفحة‌ 407.

 ومن‌ ضمنها قوله‌: «وكان‌ أبولهب‌ طوال‌ عمره‌، بعد بعثة‌ الرسول‌ من‌ أشدّ المستهزئين‌ برسول‌ الله‌ والمؤذين‌ له‌. وكان‌ دائماً يُلقي‌ بالاقذار والنجاسات‌ علي‌ منزل‌ النبي‌ّ.

 وكان‌ النبي‌ّ إذا دعا شخصاً أو قبيلة‌ إلي‌ الاءسلام‌، صرخ‌ فيهم‌ أبولهب‌: لا تصدّقوا كلامه‌! فهذا ابن‌ أخي‌ وقد ربّيتُه‌، وهو مجنون‌. وكانت‌ امرأة‌ أبي‌ لهب‌: أُمّ جميل‌ بنت‌ حرب‌ أُخت‌ أبي‌ سفيان‌، معروفة‌ أيضاً بعداوتها لرسول‌ الله‌ وإيذائها له‌. ولم‌ تكن‌ دون‌ زوجها الملعون‌ في‌ ذلك‌. وكانت‌ تجمع‌ الاشواك‌ فتجعلها في‌ طريق‌ النبي‌ّ. وقد سمّاها القرآن‌ لذلك‌ ب حَمَّالَةَ الحَطَبِ. بَيدَ أنّ أباطالب‌ ـ كما قلنا ـ قد دافع‌ عن‌ النبي‌ّ طوال‌ اثنتين‌ وأربعين‌ سنة‌ بكلّ قواه‌، وقد قال‌ رسول‌ الله‌ عن‌ أبي‌ طالب‌: مَا نَالَتْ مِنِّي‌ قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّي‌ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ. وقال‌: مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةً عَنِّي‌ حَتَّي‌ مَاتَ عَمِّي‌ أَبُو طَالِبٍ». انتهي‌ موضع‌ الحاجة‌ من‌ كلام‌ آقاي‌ محمّد القزوينيّ رحمة‌ الله‌ عليه‌.

 أقول‌: كائع‌: خائف‌ من‌ شي‌ء، والجمع‌: كَاعَة‌، (منتهي‌ الارب‌).

[39] ـ يمرط‌: ينزع‌ الشي‌ء ويرمي‌ به‌. (م‌)

[40] ـ يُذئرهم‌: يحرش‌ بينهم‌، (هامش‌ التاريخ‌). (م‌)

[41] ـ حائط‌: بستان‌، (هامش‌ التاريخ‌). (م‌)

[42] ـ الحبلة‌: الكرمة‌ من‌ العنب‌، (هامش‌ التاريخ‌). (م‌)

[43] ـ العافية‌ هنا بمعني‌ الرضا، مقابل‌ السخط‌ والغضب‌. عافي‌ مُعافاةً وعِفاءً وعافيةً، اللهُ فلاناً: دفع‌ عنه‌ العلّة‌ والبلاء والسوء. أي‌: إن‌ صرفتَ عنّي‌ غضبك‌ ونظرتَ إلي‌َّ نظر الرضا والمحبّة‌، لابهجني‌ ذلك‌ وحلّ جميع‌ هذه‌ المشكلات‌ والحوادث‌، ولاستقبلتُ بصدر رحب‌ جميع‌ المصائب‌ والنوائب‌.

[44] ـ القِطف‌: اسمٌ لكلّ ما يُقطف‌. (هامش‌ التاريخ‌). (م‌)

[45] نخلة‌: اسم‌ موضع‌.

[46] ـ ـ الآيات‌ 29 إلي‌ 31: من‌ السورة‌ 46: الاحقاف‌: وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُو´ا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَي‌' قَوْمِهِم‌ مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَـ'قَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـ'بًا أُنزِلَ مِن‌ بَعْدِ مُوسَي‌' مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي‌´ إِلَي‌ الْحَقِّ وَإِلَي‌' طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَـ'قَوْمَنَا´ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَهِ وَءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم‌ مِّن‌ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم‌ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.

[47] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 72: الجنّ.

[48] ـ «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌ 2، ص‌ 79 إلي‌ 83، طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌، القاهرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com