بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب ولاية الفقيه/ المجلد الثالث/ القسم الرابع: میزان اعتبار التفسیر المنسوب للامام العسکری علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ الثامن‌ عشر:

 بحث‌ حول‌ «التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ»

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

 

لزوم‌ تحقّق‌ ملكة‌ أعلي‌ من‌ ملكة‌ العدالة‌ للمرجعيّة‌ في‌ الفتوي‌ والتقليد

 ذكرنا أنَّ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد أبا الحسن‌ الإصفهاني‌ّ قد اعترض‌ علی كلام‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد محمّد كاظم‌ اليزدي‌ّ في‌ « العروة‌ الوثقي‌ » حيث‌ قال‌ بأنـّه‌ وفقاً للحديث‌ الوارد في‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ » يشترط‌ في‌ المجتهد عدا العدالة‌: أنْ لا يَكونَ مُقْبِلاً عَلَی الدُّنْيا وَطالِباً لَها، مُكِبَّاً عَلَی ها، مُجِدَّاً في‌ تَحْصيلِها.

 يعني‌ مضافاً إلی العدالة‌، فيجب‌ أن‌ يكون‌ الفقيه‌ مالكاً لهذه‌ الصفات‌.

 فاعترض‌ علیهالمرحوم‌ السيّد أبو الحسن‌ بأنـّه‌ إذا كان‌ طلب‌ الدنيا علی الوجه‌ المحرّم‌ فهو موجب‌ للفسق‌ ومنافٍ للعدالة‌، وعليه‌ فاعتبار العدالة‌ مُغْنٍ عن‌ اعتبار هذه‌ الصفات‌، وإذا لم‌ يكن‌ علی الوجه‌ المحرّم‌ فلايكون‌ مانعاً عن‌ جواز التقليد، والصفات‌ المذكورة‌ في‌ الخبر تعبير آخر عن‌ العدالة‌.

 ولكن‌ يجب‌ القول‌ إنَّ ثمّة‌ إشكال‌ في‌ كلام‌ المرحوم‌ السيّد أبي‌ الحسن‌ لانَّ الرواية‌ تدلّ بظاهرها علی أنـّه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ المفتي‌ ملكة‌ صالحة‌ لاتسمح‌ له‌ بالإقبال‌ علی الدنيا وتجعله‌ مطيعاً لامر مولاه‌ باستمرار، وأن‌ يكون‌ ممتلكاً في‌ باطنه‌ لفكر ودافع‌ إلهي‌ّ يُحوّل‌ وجهته‌ عن‌ عالم‌ الغرور ويوجّهه‌ نحو عالم‌ البقاء، ويجعل‌ قلبه‌ منجذباً إلی تلك‌ الجهة‌، لا أن‌ يكون‌ لديه‌ مجرّد ملكة‌ يجتنب‌ بواسطتها عن‌ الحرام‌ في‌ الخارج‌ فحسب‌، دون‌ أن‌ تتحقّق‌ فيه‌ تلك‌ الدرجة‌ من‌ السلامة‌ الباطنيّة‌. وبين‌ هذين‌ القولين‌ بون‌ شاسع‌.

 العدالةُ، هي‌ ملكة‌ الاجتناب‌ عن‌ المحرّمات‌، وبدون‌ الوصول‌ إلی درجة‌ التقوي‌ القلبيّة‌ والصفاء الباطني‌ّ لا يتحقّق‌ مناط‌ التقليد بالنسبة‌ للإنسان‌. فتلك‌ الملكة‌ التي‌ يكون‌ حصولها للمفتي‌ مناطاً لتقليده‌ هي‌ الصفاء الباطني‌ّ ونورانيّة‌ القلب‌ اللذان‌ يمنعانه‌ عن‌ كلّ التفات‌ إلی الدنيا، أو حبّ الرئاسة‌. فلا فرق‌ عنده‌ بين‌ أن‌ يزيد عدد طلاّبه‌ أو يقلّ، أم‌ أنَّ رسالته‌ العمليّة‌ طبعت‌ أو لا. وإلاّ؛ فإذا اختلف‌ الامر بالنسبة‌ له‌ ولو بمقدار ذرّة‌، وحتّي‌ لو لم‌ يرتكب‌ المعاصي‌ بحسب‌ الظاهر ـفكان‌ يصوم‌ ولايكذب‌ ويجتنب‌ عن‌ المحرّمات‌، ويمتلك‌ ملكة‌ ذلك‌ أيضاً، ولا يقوم‌ بهذه‌ الاعمال‌ تصنّعاًـ لكنَّ صفاء ضميره‌ لم‌ يكن‌ بنحو يكون‌ قلبه‌ معرضاً عن‌ الدنيا، بل‌ يقوم‌ ببعض‌ هذه‌ الاعمال‌ بحسب‌ الميل‌ الدنيوي‌ّ، فإنَّه‌ حينئذٍ يميل‌ إلی الدنيا.

 ولم‌ نقصد من‌ الدنيا الاقتصار علی جمع‌ المال‌ والشهوات‌، وإنَّما كلّ ما سوي‌ الله‌ فهو دنيا. وإذا كان‌ في‌ قلوب‌ الذين‌ هم‌ في‌ طريق‌ المرجعيّة‌ ميلاً إلی الرئاسة‌ وحبّ الزعامة‌ والتدريس‌ وما شابه‌ ذلك‌، سواء كانوا يقومون‌ ببعض‌ الاعمال‌ لتحصيل‌ مقدّمات‌ هذا العمل‌ أم‌ لا، فنفس‌ هذا الحبّ هو حبُّ الدنيا، وهذا يمنع‌ عن‌ الوصول‌ إلی الدرجات‌ العليا.

 وحينها، فالشخص‌ الذي‌ لم‌ يصل‌ بنفسه‌ إلی الدرجات‌ العليا ـويستحيل‌ وجوده‌ مع‌ وجود هذه‌ الحالات‌ القلبيّة‌ـ فكيف‌ يسلّمه‌ الله‌ زمام‌ أُمور الناس‌ ويجعله‌ متحمّلاً لجميع‌ أثقالهم‌؟ مع‌ كون‌ هذه‌ المسألة‌ مهمّة‌ جدّاً.

 فمثلاً، نُقل‌ عن‌ المرحوم‌ الميرزا الكبير الحاجّ الميرزا محمّد حسن‌ الشيرازي‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ أنـّه‌ قال‌: إنّي‌ لم‌ أخطُ أيّة‌ خطوة‌ نحو الرئاسة‌، وإنَّ هذا الامر قد حصل‌ بنفسه‌، وأخذ بتلابيبي‌، مع‌ أنـّي‌ لم‌ أكن‌ راضياً أيضاً.

 ويُنقل‌ أنـّه‌ بعد وفاة‌ المرحوم‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ رحمة‌ الله‌ علیهاجتمع‌ كبار طلاّبه‌ الذين‌ كانوا سبعة‌ عشر شخصاً بحسب‌ الظاهر، أمثال‌ الميرزا حسن‌ الطهراني‌ّ النجم‌آبادي‌ّ، والحاجّ الميرزا حسين‌ بن‌ الحاجّ الميرزا خليل‌ وغيرهم‌، وكانوا جميعاً من‌ الاجلاّء، فاجتمعوا ودعوا أعاظم‌ تلامذة‌ الشيخ‌ إلی ذلك‌ المجلس‌، سوي‌ السيّد حسين‌ الكوه‌كمره‌اي‌ الذي‌ لم‌ يدعوه‌ إلی هذا الاجتماع‌، لانـّه‌ كان‌ رجلاً مستبدّاً برأيه‌، ولا يتزحزح‌، مع‌ أنَّ علميّته‌ كانت‌ بدرجة‌ كبيرة‌ ولكنّهم‌ لم‌ يدعوه‌ إلی هذا الاجتماع‌، لانـّهم‌ لم‌يرتضوه‌ زعيماً لاُمور المسلمين‌، ولم‌ يرتضوا حتّي‌ مشورته‌. واجتمع‌ أخيراً هؤلاء السبعة‌ عشر شخصاً من‌ طلاّب‌ الشيخ‌ وكانوا في‌ درجة‌ عالية‌ من‌ التقوي‌، واتّفقوا جميعاً في‌ ذلك‌ الاجتماع‌ علی لزوم‌ تقديم‌: الميرزا محمّد حسن‌ الشيرازي‌ّ لتسلّم‌ مقاليد الاُمور، وصيرورته‌ مرجعاً لاُمور المسلمين‌.

 لكنَّ الميرزا محمّد حسن‌ الشيرازي‌ّ لم‌ يكن‌ غير مسرور في‌ ذلك‌ المجلس‌ فحسب‌، بل‌ راح‌ يبكي‌، لقد أجهش‌ بالبكاء، لانـّهم‌ قد ألقوا مسؤوليّة‌ هذا الامر في‌ عُنقه‌، وهو لا يري‌ نفسه‌ أهلاً لهذا العمل‌، ولايري‌ ذلك‌ من‌ وظيفته‌، أو ممّا يمكنه‌ القيام‌ به‌، وأمثال‌ ذلك‌.

 ثمّ قال‌ بعد ذلك‌ للميرزا حسن‌ الطهراني‌ّ النجم‌آبادي‌ّ الذي‌ كان‌ من‌ الطلاّب‌ المعروفين‌ للشيخ‌: إنّي‌ أشهد: أنـّك‌ أعلم‌ منّي‌، فكيف‌ تُعيّنني‌ لهذا الامر؟ فأجاب‌ الميرزا حسن‌ الطهراني‌ّ: نعم‌؛ أنا أيضاً أري‌ نفسي‌ّ أعلم‌ منك‌، ولكنّي‌ لا أصلح‌ للرئاسة‌، فالرئاسة‌، مضافاً إلی الاعلميّة‌، تحتاج‌ إلی عقل‌ وفكر وتحمّل‌ وسعة‌ لكي‌ يمكن‌ النهوض‌ بهذا الامر، وأنا لا أمتلكها، ولكنّك‌ تمتلكها، ولذا ننصّبك‌ لهذا الامر، ونحن‌ أيضاً نكون‌ معك‌ ونقدّم‌ لك‌ العون‌، ولا نتركك‌ وحيداً. وخلاصة‌ الامر فقد أُلقيت‌ المرجعيّة‌ في‌ عنق‌ الميرزا محمّد حسن‌ الشيرازي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیهمع‌ بكائه‌ وعدم‌رضاه‌.

 الرجوع الي الفهرس

روية‌ ومرام‌ المرحوم‌ الميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّفي‌المرجعيّة‌

 وكذلك‌ قيل‌ حول‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ رحمة‌الله‌ علیه: كان‌ قلبه‌ طاهراً وصافياً ونورانيّاً إلی درجة‌ لم‌ يكن‌ يتخيّل‌ الرئاسة‌ أصلاً، ولم‌ يكن‌ يخطر في‌ باله‌ التفوّق‌، أو يدرك‌ معني‌ الرئاسة‌.

 ويقال‌: إنَّ الشيخ‌ هادي‌ الطهراني‌ّ الذي‌ كان‌ معروفاً بانتقاده‌ لجميع‌ العلماء وتعييبه‌ لهم‌ لم‌ يستطع‌ أن‌ يُشكل‌ علی الميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ ولاعلي‌ نهجه‌ وهدفه‌ وقدسه‌ وطهارته‌ وصفاء باطنه‌. نعم‌؛ كان‌ إشكاله‌ الوحيد هو قوله‌: إنّ صفاء الميرزا محمّد تقي‌ هذا ليس‌ صفاءً اكتسابيّاً، بل‌ هو ذاتي‌ّ له‌، وليس‌ هو المطلوب‌.

 فهو معصوم‌ ذاتاً، وخارج‌ عن‌ الموضوع‌. والتحسين‌ والتقبيح‌ إنَّما يكون‌ علی الصفات‌ الاختياريّة‌، والميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ معصوم‌ ذاتاً. وكان‌ يذكر هذا أيضاً كعيب‌ له‌.

 فيجب‌ أن‌ تُسَلَّم‌ الاُمور لمثل‌ هؤلاء! مثل‌ الميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ الذي‌ لا يتفاوت‌ الامر بالنسبة‌ إليه‌ لو أقبلت‌ كلّ الدنيا إليه‌ أو أدبرت‌ عنه‌. ويُنقل‌ عنه‌ قصص‌ كثيرة‌ ومفصّلة‌.

 ومن‌ جملة‌ ما يحكي‌: سئل‌ سماحة‌ الشيخ‌ محمّد البهاري‌ّ رحمة‌الله‌ علیهـوكان‌ من‌ الطلاّب‌ البارزين‌ للمرحوم‌ الملاّ حسين‌قلي‌ الهمداني‌ّ رضوان‌الله‌ علیهعن‌ الرجوع‌ في‌ التقليد إلی الميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ؛ فقال‌: سوف‌ أمتحنه‌!

 وكان‌ المرحوم‌ الميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ يصلّي‌ إماماً للجماعة‌ في‌ الصحن‌ المطهّر لحرم‌ سيّد الشهداء علیه السلام‌ ويقتدي‌ به‌ كلّ من‌ يصلّي‌ في‌ الصحن‌، فجاء سماحة‌ الشيخ‌ البهاري‌ّ يوماً ووضع‌ سجّادة‌ صلاته‌ بموازاة‌ سجّادة‌ الميرزا الشيرازي‌ّ وشرع‌ بالصلاة‌ مقارناً له‌ أثناء تأدية‌ الميرزا محمّدتقي‌ الشيرازي‌ّ للصلاة‌، وبعد أن‌ فرغ‌ من‌ الصلاة‌ قال‌ لاُولئك‌ الاشخاص‌ الذين‌ كانوا قد سألوه‌: قلّدوا هذا الرجل‌! لانـّه‌ لم‌ يخطر في‌ قلبه‌ أصلاً في‌ جميع‌ حالات‌ الصلاة‌: أنَّ هذا الشخص‌ قد جاء ووقف‌ إلی جانبي‌ وأخذ يصلّي‌ بموازاتي‌.

 ويحكي‌ أيضاً أنَّ نفس‌ الشيخ‌ محمّد البهاري‌ّ كان‌ في‌ أحد أسفار الزيارة‌ إلی سامراء قد ركب‌ نفس‌ المحمل‌ الذي‌ ركبه‌ الميرزا محمّدتقي‌ الشيرازي‌ّ ( كان‌ الناس‌ يسافرون‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌ بواسطة‌ العربة‌ أو الهودج‌، فكان‌ يجلس‌ إلی هذه‌ الجهة‌ شخص‌ بينما يجلس‌ في‌ الجهة‌ الاُخري‌ للمحمل‌ شخص‌ آخر ) قال‌: إنّي‌ قد طرحت‌ مطلباً علميّاً وهدفت‌ منه‌ إثارة‌ عصبيّة‌ الميرزا وإخراجه‌ عن‌ طوره‌، عسي‌ أن‌ تصدر منه‌ جملة‌ أو كلام‌ خلاف‌، ولكن‌ لم‌ يصدر منه‌ أي‌ّ ردّ فعل‌ علی الرغم‌ ممّا كنت‌ أفعله‌ طوال‌ هذا السفر بين‌ الكاظمين‌ وسامرّاء ـيبلغ‌ ثمانية‌ عشر فرسخاً، الذي‌ قطعناه‌ سويّاً علی البغل‌ـ حتّي‌ أنـّي‌ كنت‌ في‌ بعض‌ الاحيان‌ أتصنّع‌ استعمال‌ ألفاظ‌ مثل‌ لاتفهم‌ هذا المطلب‌، وما شابه‌ هذا الكلام‌، ومع‌ ذلك‌ بقي‌ محافظاً علی طوره‌ وظلّ يجيبني‌ بهدوئه‌ المعتاد!

 إنَّ هذه‌ المسألة‌ أهمّ من‌ العدالة‌، ولا يريد الإمام علیه السلام‌ إفادة‌ أنَّ كلّ من‌ كان‌ يطهّر نفسه‌ بحسب‌ الظاهر ويمتلك‌ التقوي‌ أيضاً ويجتنب‌ الذنوب‌ فبإمكانه‌ أن‌ يكون‌ مفتياً، وإن‌ كان‌ يميل‌ باطنيّاً إلی الرئاسة‌. فآفة‌ الميل‌ إلی الرئاسة‌ أكبر من‌ آفة‌ الميل‌ إلی الشهوة‌، ومن‌ الميل‌ إلی المال‌، ومن‌ جميع‌ ذلك‌. ولذا يقول‌ الإمام علیه السلام‌ هنا: علی كم‌ بتقليد من‌ لم‌يكن‌ مقبلاً علی الدنيا، وكان‌: صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً عَلَی هَوَاهُ، مُطِيعاً لاِمْرِ مَوْلاَهُ. وهذا كلّه‌ إشارة‌ إلی ذلك‌ المقام‌. فالمفتي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ واجداً لذلك‌ المعني‌.

 الرجوع الي الفهرس

المراد من‌ الملكة‌ القدسيّة‌ في‌ عبارة‌ «منية‌ المريد»

 هذا هو رأي‌ المرحوم‌ السيّد محمّد كاظم‌ الذي‌ اعترض‌ علیهالمرحوم‌ السيّد أبو الحسن‌. ويجب‌ أن‌ يكون‌ للفقيه‌ هذه‌ الدرجة‌، وربّما كان‌ ما ذكره‌ الشهيد الثاني‌ في‌ « منيّة‌ المريد » إشارة‌ إلی هذه‌ الدرجة‌ من‌ النور الإلهي‌ّ حيث‌ إنَّه‌ بعد أن‌ يعدّ عدداً من‌ الشرائط‌ اللازمة‌ للاجتهاد ويبيّن‌ العلوم‌ التي‌ علی الإنسان‌ أن‌ يحصّلها كمقدّمة‌ لذلك‌، وما علی الذين‌ يرومون‌ التفقّه‌ في‌ الدين‌ من‌ الحصول‌ علی هذه‌ العلوم‌، يصل‌ إلی حيث‌ يقول‌:

 وَلا يَكونُ ذَلِكَ كُلُّهُ إلاّ بِهِبَةٍ مِنَ اللَهِ تَعالَي‌ إلَهيَّةٍ، وَقُوَّةٍ مِنْهُ قُدْسيَّةٍ، توصِلُهُ إلَی هَذِهِ البُغْيَةِ، وَتُبَلِّغُهُ هَذِهِ الرُّتْبَةَ. وَهِي‌َ العُمْدَةُ في‌ فِقْهِ دينِ اللَهِ تَعالَي‌؛ وَلاَ حيلَةَ لِلعَبْدِ فيها؛ بَلْ هِي‌َ مِنْحَةٌ إلَهيَّةٌ، وَنَفْحَةٌ رَبَّانيَّةٌ يَخُصُّ بِها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ؛ إلاّ أنَّ لِلْجِدِّ وَالمُجاهَدَةِ وَالتَّوَجُّهِ إلَی اللَهِ تَعالَي‌ وَالاِنْقِطاعِ إلَيْهِ أثَراً بَيِّناً في‌ إفاضَتِها مِنَ الجَنابِ القُدْسي‌ِّ. وَالَّذِينَ جَـ'هَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.[1] و [2]

 ومن‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ مراد الشهيد الثاني‌ من‌ هذه‌ الملكة‌ القدسيّة‌ نفس‌ حالة‌ التقوي‌ الباطنيّة‌ التي‌ هي‌ ذلك‌ النور الذي‌ يمنّ الله‌ به‌؛ لَيْسَالعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقَعُ فِي‌ قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ أَنْ يَهْدِيَهُ [3].

 فذلك‌ النور الذي‌ يمنحه‌ الله‌ للإنسان‌ ويتعلّم‌ الإنسان‌ جميع‌ العلوم‌ الحقيقيّة‌ بواسطته‌، ويتميّز عن‌ العلوم‌ الاعتباريّة‌ وغير الحقيقيّة‌، هو تلك‌ الملكة‌ القدسيّة‌ التي‌ يشير إليها رحمة‌ الله‌ علیهوالتي‌ هي‌ نفس‌ صفاء الباطن‌ والنورانيّة‌ التي‌ أُشير إليها إجمالاً.

 كان‌ هذا البحث‌ فيما يتعلّق‌ بدلالة‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ المروي‌ّ عن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ في‌ التفسير المنسوب‌ إليه‌، نقلناه‌ من‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» للشيخ‌ الطبرسي‌ّ، وذكرنا أنَّ الشيخ‌ يقول‌: إنَّ آثار الصدق‌ ظاهرة‌ في‌ هذا الخبر.

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ حول‌ تفسيرالإمام‌ الهادي‌ّ، المسمّي‌ «تفسيرالإمام‌ العسكري‌ّ»

 أمّا مسألة‌ هل‌ لهذا التفسير حجّيّة‌ أم‌ لا؟ وهل‌ يمكن‌ للإنسان‌ أن‌ يقبل‌ كلّ ما جاء فيه‌ بمجرّد انتسابه‌ إلی الإمام أم‌ لا؟ وأخيراً هل‌ التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ هو من‌ جملة‌ المصادر أم‌ لا؟ فهذا محلّ للكلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

العلماء الذين‌ يعدّون‌ التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ معتبراً

 اعتبر الكثير من‌ كبار العلماء هذا التفسير من‌ جملة‌ مصادرهم‌، أمثال‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ في‌ « بحار الانوار » والمرحوم‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ في‌ « وسائل‌ الشيعة‌ » والمرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ في‌ « مستدرك‌ الوسائل‌ »، وكذلك‌ العلماء الآخرون‌ الذي‌ عدّوا هذا التفسير معتبراً وعملوا برواياته‌. بينما لم‌ يعدّه‌ البعض‌ معتبراً، ولم‌ يجعله‌ من‌ جملة‌ مصادره‌، إلاّ في‌ بعض‌ الروايات‌ التي‌ كانت‌ واضحة‌ جدّاً، وتنسجم‌ مع‌ العقل‌، وليس‌فيها ثمّة‌ شي‌ء مخالف‌، ويكون‌ فيها محلّ للإمضاء، حيث‌ يقبلونها بهذه‌ الشرائط‌.

 فلنر حقيقة‌ الامر، ونحقّق‌ في‌: ما هو المطلوب‌؟ ومن‌ أين‌ جاء أصل‌ هذا التفسير؟

 هناك‌ تفسير باسم‌ « تفسير الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌ » معروف‌ في‌ الروايات‌ أنَّ الذي‌ كتبه‌ هو الحسن‌ بن‌ خالد البرقي‌ّ، أخو محمّدبن‌ خالد، وعمّ أحمدبن‌ محمّد بن‌ خالد البرقي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ « المحاسن‌ ». ويقع‌ في‌ مائة‌ وعشرين‌ مجلّداً. وهو يروي‌ ذلك‌ التفسير عن‌ الإمام الهادي‌ّ علیه السلام‌ ( فقد عُرِفَ الإمام الهادي‌ّ بالعسكري‌ّ أيضاً، لانَّ سلطات‌ ذلك‌ الوقت‌ قد حجزت‌ هذين‌ الإمامين‌ في‌ مدينة‌ « العسكر» وجعلتهم‌ تحت‌ مراقبة‌ كلّ الجيش‌، ولذا عُرف‌ كلّ من‌ الإمام الهادي‌ّ والإمام العسكري‌ّ بـ « العسكري‌ّ »). وليس‌ ذلك‌ التفسير في‌ متناول‌ اليد حاليّاً، وكان‌ تفسيراً معتبراً وطويلاً جدّاً، وراويه‌ ثقة‌ ( الحسن‌ بن‌ خالد البرقي‌ّ ) ويقع‌ في‌ سلسلة‌ الرواة‌ من‌ أهل‌ الصحّة‌، ووثّقه‌ كبار الاعلام‌، وليس‌ محلاّ للشكّ والشبهة‌.

 وهناك‌ تفسير آخر معروف‌ بهذا الاسم‌، وهو تفسير معروف‌، ويشمل‌سورة‌ الحمد وقدراً من‌ سورة‌ البقرة‌. وهو ليس‌ أكثر من‌ جزء واحد، وقد طُبع‌ عدّة‌ مرّات‌، يرويه‌ المرحوم‌ الصدوق‌، عن‌ محمّد بن‌ قاسم‌ الجرجاني‌ّ الاسترآبادي‌ّ، عن‌ شخصين‌ آخرين‌، يرويانه‌ بدورهما عن‌ أبويهما، وأبواهما يرويانه‌ عن‌ الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌. وكلامنا عن‌ هذا التفسير والروايات‌ الواردة‌ فيه‌.

 عدّ البعض‌ هذا التفسير متّحداً مع‌ ذلك‌ التفسير، للمناسبة‌ والمشابهة‌ في‌ لفظ‌ « العسكري‌ّ »، كالمرحوم‌ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ في‌ « المستدرك‌ » الذي‌ يقول‌: إنَّ جميع‌ أجزاء تفسير الإمام الهادي‌ّ علیه السلام‌ قد فُقدت‌ ولم‌يبقَ منها إلاّ جزء واحد، ويدّعي‌ أنـّهما تفسير واحد، وأنـّه‌ ليس‌لدينا تفسيران‌. لكنَّ المرحوم‌ المحقّق‌ الداماد ( مير داماد ) يقول‌: إنَّهما تفسيران‌، ولايرتبطان‌ ببعضهما علی الإطلاق‌، وإنَّ تفسير الإمام الهادي‌ّ معتبرٌ ولاشكّ في‌ صحّته‌ ووثوقه‌ ورواته‌ في‌ عبارات‌ كبار العلماء، بينما هذا التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ غير معتبر.

 ويقول‌ العلاّمة‌ الحاجّ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ: إنَّهما تفسيران‌، وكلاهما معتبران‌ في‌ غاية‌ الاعتبار، لكنَّ أحدهما قد فُقِد، وكلام‌ أُستاذنا المرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ ( أُستاذ المرحوم‌ الحاجّ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ ) الذي‌ عدّهما تفسيراً واحداً لا وجه‌ له‌، فقد كانا تفسيرين‌، وكلاهما معتبران‌، أحدهما فُقد وبقي‌ الآخر.

 ويقرّ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ علی حجّيّة‌ هذا التفسير، ويثبت‌ بعشرة‌ أدلّة‌ علی حجّيّته‌، ويردّ علی الذين‌ نقضوا هذا التفسير وطعنوا فيه‌ وانتقصوه‌.

 فيقتضي‌ الامر أن‌ نقوم‌ ببحث‌ قصير حول‌ هذا التفسير الموجود بين‌ الايدي‌ الآن‌ باسم‌ « التفسير المنسوب‌ إلی الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ ».

 وللمرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ في‌ خاتمة‌ « المستدرك‌ » [4] بحث‌ طويل‌، ليس‌ تحت‌ عنوان‌ « تفسير الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ » علیه السلام‌، وإنَّما تحت‌ عنوان‌ « محمّد بن‌ قاسم‌ الاسترآبادي‌ّ » الذي‌ يروي‌ عنه‌ الصدوق‌ في‌ « من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌ » و « الامالي‌ » و « علل‌ الشرائع‌ » وغيرها. وفي‌ خلال‌ ترجمة‌ أحوال‌ الشخص‌ يقوم‌ بالبحث‌ عن‌ هذا التفسير في‌ عدّة‌ صفحات‌، حيث‌ إنَّ هذا الشخص‌ من‌ رواته‌.

 يقول‌: من‌ الذين‌ يعدّون‌ هذا التفسير معتبراً: الشيخ‌ الصدوق‌ والشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ «الاحتجاج‌» والقطب‌ الراوندي‌ّ في‌ « الخرائج‌ والجرائح‌ » وابن‌ شهرآشوب‌ في‌ « المناقب‌ » الذي‌ ينسبه‌ إلی الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ بشكل‌ جازم‌، ويروي‌ عنه‌ في‌ مواضع‌ عديدة‌. ويقول‌ في‌ كتاب‌ « معالم‌ العلماء » الذي‌ هو كتاب‌ مختصر في‌ الرجال‌ ألّفه‌ ابن‌ شهرآشوب‌ هذا: إنَّ الحسن‌بن‌ خالد البرقي‌ّ أخو محمّد بن‌ خالد البرقي‌ّ هو الذي‌ كتب‌ « تفسير الإمام العسكري‌ّ » علیه السلام‌ بإملاء من‌ الإمام، ويقع‌ في‌ مائة‌ وعشرين‌ مجلّد.

 يقول‌ المرحوم‌ الحاجّ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌: يستفاد من‌ كلام‌ ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ « معالم‌ العلماء » أمران‌:

 الاوّل‌: أنَّ سند هذا التفسير غير منحصر في‌ محمّد بن‌ قاسم‌ الاسترآبادي‌ّ، لكي‌ يضعّف‌ التفسير بتضعيف‌ البعض‌ لهذا الرجل‌، وإنّما يرويه‌ أيضاً الحسن‌ بن‌ خالد البرقي‌ّ الذي‌ هو ثقة‌ ( لانَّ المرحوم‌ النوري‌ّ يري‌ بأنَّ التفسيرين‌ متّحدان‌، ويقول‌: إذا كان‌ ذلك‌ الطريق‌ ضعيفاً، وقد أُسقط‌، فهناك‌ طريق‌ آخر مُتقن‌ ).

 الثاني‌: أنَّ تفسير الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ تفسير كبير وليس‌منحصراً في‌ تفسير سورة‌ الفاتحة‌ وقدر من‌ سورة‌ البقرة‌ ( وقد فُقد ذلك‌، ووصل‌ إلينا هذا المقدار فحسب‌ ).

 وممّن‌ يؤيّد هذا التفسير أيضاً المحقّق‌ الثاني‌ الشيخ‌ علی ‌ّبن‌ عبدالعالي‌ الكَرَكي‌ّ الذي‌ يبيّن‌ ـ في‌ إجازته‌ لصفي‌ الدين‌ الحلّي‌ّ وبعد ذكر جملة‌ من‌ طرقه‌ـ أفضل‌ طريق‌ له‌، حيث‌ إنَّ جميع‌ أشخاص‌ سلسلته‌ من‌ الكبار والاعلام‌؛ ويقول‌: هذا الطريق‌ أعلي‌ من‌ جميع‌ الطرق‌، وهو يصل‌ إلی محمّدبن‌ القاسم‌ الجرجاني‌ّ، عن‌ يوسف‌ بن‌ محمّد بن‌ زياد، وعن‌ علی ‌ّبن‌ محمّد السيّار، حيث‌ يروي‌ هذان‌ الشخصان‌ عن‌ أبويهما، ويروي‌ أبواهما عن‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌.

 وينقل‌ الشهيد الثاني‌ قدّس‌ سرّه‌ عن‌ هذا التفسير في‌ « منية‌ المريد » بنحو جازم‌، كما ينقل‌ في‌ إجازته‌ الكبيرة‌ للشيخ‌ حسين‌ بن‌ عبد الصمد الحارثي‌ّ الهمداني‌ّ ( والد الشيخ‌ البهائي‌ّ ) نفس‌ العبارات‌ التي‌ نقلناها عن‌ المحقّق‌ الكَرَكي‌ّ.

 كما عدَّ هذا التفسير معتبراً الملاّ محمّد تقي‌ المجلسي‌ّ ( المجلسي‌ّ الاوّل‌ ) رضوان‌الله‌ علیهفي‌ مشيخة‌ « من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌ ». ووثّقه‌ محمّدبن‌ القاسم‌ الاسترآبادي‌ّ الذي‌ ضعّفه‌ ابن‌ الغضائري‌ّ. وردَّ تضعيف‌ ابن‌ الغضائري‌ّ قائلاً: إنَّ هذا التفسير وارد عن‌ الإمام علیه السلام‌، ولاوجه‌ لردِّه‌.

 وقد عدَّ الملاّ محمّد باقر المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه( المجلسي‌ّ الثاني‌ ) في‌ « بحار الانوار » كتاب‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ » من‌ الكتب‌ المعتبرة‌ أيضاً، وقال‌: إنَّ الصدوق‌ قد اعتمد علیه، ولا ينبغي‌ الإنصات‌ إلی طعن‌ بعض‌ المحدّثين‌ الذين‌ أشكلوا فيه‌، لانَّ الصدوق‌ أعرف‌ وأقرب‌ إلی زمان‌ الاسترآبادي‌ّ من‌ جميع‌ الذين‌ قدحوا فيه‌.

 رأي‌ هؤلاء هذا التفسير معتبراً ونقلوا عنه‌ في‌ كتبهم‌.

 أمّا المعارضون‌ لهذا التفسير فأوّلهم‌ ابن‌ الغضائري‌ّ الذي‌ كان‌ بعد قرن‌ أو قرنين‌ أو ثلاثة‌ عن‌ المرحوم‌ الصدوق‌، وكان‌ يعتبر هذا التفسير مختلقاً، ويقول‌: إنَّه‌ موضوع‌ وليس‌ له‌ أي‌ّ سند، ومطالبه‌ ومحتوياته‌ تدلّ علی وضعه‌.

 والثاني‌: من‌ الذين‌ قدحوا في‌ هذا التفسير: العلاّمة‌ الحلّي‌ّ في‌ كتاب‌ « الخلاصة‌ » (« الخلاصة‌ » كتاب‌ مختصر للعلاّمة‌ الحلّي‌ّ في‌ الرجال‌) حيث‌ قال‌:

 مُحَمَّدُ بْنُ القاسِم‌، أَو أَبي‌ القاسِمِ المُفَسِّرُ الاَسْتَرآبادِي‌ُّ، رَوَي‌ عَنْهُ أبو جَعْفَرِبنِ بابَوَيْهِ؛ ضَعيفٌ كَذّابٌ، رَوَي‌ عَنْهُ تَفْسيراً يَرْويهِ عَنْ رَجُلَيْنِ مَجْهولَيْنِ: أحَدُهُما يُعْرَفُ بِيوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، وَالآخَرُ بِعَلي‌ِّبْنِ مُحَمَّدِبْنِ يَسارٍ، عَنْ أبَوَيْهِما، عَنْ أبِي‌ الحَسَنِ الثَّالِثِ عَلَیهِ  السَّلام‌.

 وهذه‌ أيضاً عبارة‌ العلاّمة‌ الذي‌ يعتبر أنَّ هذين‌ الرجلين‌ المذكورين‌ مجهولان‌، ويقول‌: إنَّ هذين‌ الرجلين‌ لا وجود لهما في‌ الخارج‌ أصلاً، وهما مجعولان‌، فاللذان‌ يرويان‌ عن‌ أبويهما، بينما يروي‌ أبواهما عن‌ الإمام العسكري‌ّ لا وجود خارجي‌ّ لهما أصلاً. والشخص‌ الذي‌ وضع‌ هذا التفسير نسبه‌ إلی هذين‌ الرجلين‌ المجهولين‌، لكنّهما لم‌ يُعرفا. ثمّ يقول‌ العلاّمة‌:

 وَالتَّفسيرُ مَوْضوعٌ عَنْ سَهْلِ الدِّيباجِي‌ِّ عَنْ أبيهِ بِأَحاديثَ مِنْ هَذِهِ المَناكِيرِ ـ انتهي‌ كلام‌ العلاّمة‌ في‌ « الخلاصة‌ ».

 الثالث‌ من‌ الذين‌ يردّون‌ هذا التفسير هو: المحقّق‌ المير داماد في‌ كتاب‌ « شارع‌ النجاة‌ » ( كتاب‌ باللغة‌ الفارسيّة‌ ) في‌ بحث‌ الختان‌، وخلاصة‌ كلامه‌: أنَّ « تفسير الإمام العسكري‌ّ » علیه السلام‌ المعتبر هو الذي‌ يرويه‌ الحسن‌بن‌ خالد، أخو محمّد بن‌ خالد البرقي‌ّ. وأمّا تفسير محمّد بن‌ قاسم‌ الذي‌ هو من‌ مشائخ‌ الصدوق‌، فقد ضعّفه‌ علماء الرجال‌، بينما اعتبره‌ القاصرون‌ وغير المهرة‌. وهو من‌ مختلقات‌ أبي‌ محمّد سهل‌ بن‌ أحمد الديباجي‌ّ، ويشتمل‌ علی مناكير من‌ الاحاديث‌ وأكاذيب‌ من‌ الاخبار.

 فالذين‌ ردّوا هذا التفسير من‌ كبار السابقين‌ ينحصرون‌ في‌ هؤلاء الاشخاص‌. نعم‌؛ يوجد الكثير من‌ المتأخّرين‌ ممّن‌ رووا هذا التفسير ولم‌يروه‌ معتبراً، لكنَّ عدد المتقدّمين‌ لا يتجاوز الثلاثة‌: المير داماد، وابن‌ الغضائري‌ّ، والعلاّمة‌ الحلّي‌ّ.

 وقام‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ بردّ تضعيف‌ ابن‌ الغضائري‌ّوالعلاّمة‌ الحلّي‌ّوالمير داماد هنا في‌ عشرة‌ وجوه‌، وأصرّ علی تأكيد اعتبار هذا التفسير.

 ومن‌ جملة‌ كلامه‌: إنَّ الشيخ‌ الصدوق‌ مع‌ ما لديه‌ من‌ كمال‌ الدقّة‌ والقرب‌ والدراية‌، كيف‌ يجهل‌ حال‌ الرجل‌ المجهول‌ ويعدّه‌ معتبراً؟! ليأتي‌ ابن‌ الغضائري‌ّ بعد الصدوق‌ بقرنين‌ ويشكل‌ علی كلامه‌؟! ومع‌ أنَّ الصدوق‌ كان‌ في‌ منتهي‌ الدقّة‌ وحسن‌ النظر والإتقان‌، ومع‌ أقربيّة‌ عهده‌، فكيف‌ يروي‌ أحاديث‌ عن‌ هذا التفسير في‌ « من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌ » وأكثر كتبه‌؟!

 ومن‌ كلامه‌ أيضاً: أنَّ هذا التفسير يرجع‌ إلی أبي‌ محمّد الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌، لا إلی أبيه‌ أبي‌ الحسن‌ الإمام الهادي‌ّ علیه السلام‌ كما ظنّ المحقّق‌ المير داماد من‌ أنَّ ذلك‌ التفسير الذي‌ يرويه‌ الحسن‌ بن‌ خالد البرقي‌ّ، والذي‌ هو كتاب‌ كبير ويبلغ‌ مائة‌ وعشرين‌ مجلّداً، غير هذا التفسير الذي‌ يبلغ‌ مجلّداً واحداً، لكنَّ الصحيح‌ هو الموجود، تفسير واحد لاأكثر، وهو نفس‌ تفسير الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌، وقد فُقدت‌ بقيّته‌، وبقي‌ منه‌ هذا المقدار.

 ومن‌ جملة‌ مطالبه‌ التي‌ ذكرها أيضاً: أنـّنا نمتلك‌ أربعة‌ كتب‌ في‌ فنّ الرجال‌ بتأليف‌ ثلاثة‌ من‌ المشايخ‌ الذين‌ يعتمد علی هم‌ الشيعة‌، وهذه‌ الكتب‌ هي‌: « رجال‌ النجاشي‌ّ » و « رجال‌ الكشّي‌ّ » و « الفهرست‌ » و « رجال‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ » فهؤلاء الاجلاّء الثلاثة‌ ثلاثة‌ علماء خبراء بالرجال‌ يعتمد كبار العلماء علی كلامهم‌ وتشخيصهم‌ في‌ تعديل‌ وجرح‌ الرجال‌، ولم‌يضعّف‌ محمّدبن‌ القاسم‌ أي‌ّ منهم‌ في‌ هذه‌ الكتب‌ الرجاليّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

أدلّة‌ الحاجّ النوري‌ّ في‌ ردّهاشم‌الخوانساري‌ّوإثبات‌حجّيّة‌التفسير

 ويقول‌ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ في‌ ردّ السيّد المعاصر [5] الذي‌ ردّ هذا التفسير: إنَّ وجود بعض‌ الاخبار غير الواقعة‌، مثل‌ قضيّة‌ المختار و الحجّاج‌ فيه‌، لا يوجب‌ سقوطه‌ عن‌ الحجّيّة‌، لانـّه‌ قد ورد في‌ هذا التفسير أنَّ المختار قد قتله‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ الثقفي‌ّ مع‌ أنَّ كتب‌ السير والتواريخ‌ مجمعةً علی أنَّ المختار قتله‌ مصعب‌ بن‌الزبير[6]، وأنَّ مصعباً قتله‌ عبدالملك‌ بواسطة‌ الحجّاج‌ الذي‌ كان‌ قد ولاّه‌ علی العراق‌.

 بناءً علی هذا، فعندما نري‌ اشتباهاً واضحاً في‌ هذا التفسير، كنسبة‌ قتل‌ المختار إلی الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ الثقفي‌ّ الذي‌ أجمعت‌ كتب‌ السير والتأريخ‌ علی خلافه‌، فليس‌ بإمكاننا قبوله‌. وكان‌ هذا مقصود من‌ أراد إسقاط‌ هذا التفسير عن‌ الحجّيّة‌.

 فيقول‌ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ في‌ جواب‌ السيّد المعاصر: إذا وجد مطلب‌ مخالف‌ للواقع‌ في‌ كتاب‌ ما لا نستطيع‌ القول‌ بأنَّ جميع‌ الكتاب‌ باطل‌، وإنَّما يقع‌ الإشكال‌ في‌ خصوص‌ تلك‌ الفقرة‌، إذ لايمكننا إسقاط‌ جميع‌ الكتاب‌ لوجود إشكال‌ في‌ فقرة‌ واحدة‌، إذ يشاهد في‌ « الكافي‌ » أيضاً ـوالذي‌ هو من‌ أفضل‌ كتبناـ بعض‌ الرويات‌ المخالفة‌ للسيرة‌ القطعيّة‌. فلا نستطيع‌ أن‌ نقول‌: بأنَّ « الكافي‌ » كلّه‌ غلط‌. وأخيراً، يصرّ علی حجّيّة‌ هذا التفسير، ويقول‌: إنَّه‌ أحد المصادر، ويجب‌ أن‌ يُروي‌ عنه‌.

 ويعدّ الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهراني‌ّ ( شيخنا وأُستاذنا العلاّمة‌ في‌ الإجازات‌ والدراية‌ رحمة‌ الله‌ علیهرحمة‌ واسعة‌ ) هذا التفسير معتبراً أيضاً في‌ كتابه‌ « الذريعة‌ إلی تصانيف‌ الشيعة‌ » [7] ويوافق‌ بشكل‌ كامل‌ علی نظريّات‌ أُستاذه‌، ما عدا هذا الجزء من‌ تعدّد الكتاب‌ واتّحاده‌، حيث‌ يقول‌ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌: « هذا التفسير متّحد مع‌ تفسير الحسن‌بن‌ خالد البرقي‌ّ » بينما يقول‌ الطهراني‌ّ: إنَّه‌ ما المانع‌ من‌ التعدّد؟ وذلك‌ لانـّهما اثنان‌ من‌ كلّ الجهات‌، فذاك‌ يبلغ‌ مائة‌ وعشرين‌ مجلّداً، وهذا مجلّد واحد، وذاك‌ منسوب‌ إلی الإمام الهادي‌ّ علیه السلام‌، وهذا منسوب‌ إلی الإمام العسكري‌ّ علیه السلام‌، وراوي‌ ذلك‌ التفسير الحسين‌ بن‌ خالد البرقي‌ّ بينما راوي‌ هذا التفسير رجلان‌ ينقل‌ عنهما محمّد بن‌ القاسم‌ الاسترآبادي‌ّ.

 فما الداعي‌ للقول‌: إنَّهما تفسير واحد لا تفسيران‌؟ بل‌ يجب‌ القول‌: إنَّهما تفسيران‌ معتبران‌. وبناءً علی هذا، فهو يقول‌ أيضاً: إنَّ هذا التفسير من‌ التفاسير المعتبرة‌. هذه‌ هي‌ نتيجة‌ المطالب‌ التي‌ أفادها هؤلاء الاجلاّء حول‌ هذا التفسير.

 الرجوع الي الفهرس

كلّ خبر خلاف‌ العلم‌ فهو مردود، بغضّ النظر عن‌ سنده‌

 وأمّا ما قاله‌ المرحوم‌ الشيخ‌ النوري‌ّ في‌ « المستدرك‌ » من‌ أنَّ ما ورد في‌ هذا التفسير حول‌ الحجّاج‌ مع‌ أنـّه‌ مخالف‌ للسير والتواريخ‌ لكنّه‌ لايوجب‌ سقوط‌ الكتاب‌، وذلك‌ لانـّه‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يقع‌ الاشتباه‌ في‌ كتب‌ التأريخ‌. فهذا الكلام‌ غير صحيح‌، لانـّه‌ بعد أن‌ ثبت‌ في‌ السيرة‌ وما أفادته‌ كتب‌ التأريخ‌ المتقنة‌ في‌ أنَّ قتل‌ المختار لم‌ يكن‌ علی يد الحجّاج‌بن‌ يوسف‌، فلم‌نعد نستطيع‌ أن‌ نسقط‌ أصل‌ هذه‌ المسائل‌ التأريخيّة‌ المسلّمة‌ تعبّداً بهذه‌ الرواية‌، وحتّي‌ لو فرض‌ كون‌ هذا التفسير حجّة‌ أيضاً، فهذه‌ المسألة‌ الموجودة‌ فيه‌ تكون‌ مغلوطة‌.

 فلا يمكننا نسبة‌ رواية‌ مخالفة‌ للعلم‌ إلی الإمام، لانَّ قلب‌ الإمام متّصل‌ بالحقيقة‌، وهو لا يُخْبِر بشي‌ء مخالف‌ للواقع‌. ومن‌ المسلّم‌ به‌ أنـّه‌ يجب‌ طرح‌ الرواية‌ المخالفة‌ لضرورة‌ العقل‌، وإن‌ كانت‌ بسند صحيح‌ ومتقن‌، ولاتكون‌ لها حجّيّة‌، وإلاّ لزم‌ من‌ ذلك‌ التناقض‌. وبشكل‌ عامّ فكلّ رواية‌ تكون‌ خلاف‌ العقل‌ أو خلاف‌ العلم‌ أو خلاف‌ التأريخ‌ أو تحكي‌ عن‌ واقعة‌ ثبت‌ في‌ الخارج‌ خلافها فهي‌ مردودة‌ وغير قابلة‌ للعمل‌ ولا حجّيّة‌ لها، لانـّه‌ لايتصوّر صدور حكم‌ غير صحيح‌ وباطل‌ عن‌ الائمّة‌ علی فرض‌ عصمتهم‌ علیهم السلام‌. فحجّيّة‌ أخبار كهذه‌ توجب‌ النقض‌ والانثلام‌ في‌ العصمة‌ التي‌ تُخبر عن‌ الواقع‌. ولذا ففي‌ موارد كهذه‌ يجب‌ اعتبار الرواية‌ موضوعة‌ ومختلقة‌ قبل‌ الرجوع‌ إلی سندها وملاحظة‌ اعتبار الرواة‌، هذا إذا لم‌يكن‌ ثمّة‌ مجال‌ للتأويل‌ كالتقيّة‌ وأمثالها.

 بناءً علی هذا، فكلام‌ المرحوم‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ غيرمحلّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

الإشکالات الواردة‌ علی التفسير؛ وعدم‌ نهوض‌ أدلّة‌ الحاجّ النوري‌ّ

 والشي‌ء الآخر، أنَّ المطالب‌ التي‌ نقلها مع‌ جميع‌ هذه‌ الخصوصيّات‌ لاتفيد شيئاً مُهمّاً عموماً، فلو شاهدنا إشكالات‌ في‌ مطالب‌ هذا التفسير ولم‌نستطع‌ أن‌ ننسبه‌ إلی الإمام، فهذا الامر يوجب‌ سقوطه‌.

 وابن‌ الغضائري‌ّ والعلاّمة‌ الحلّي‌ّ الذي‌ كان‌ هو نفسه‌ متكلّماً، والمرحوم‌ الداماد الذي‌ كان‌ خيرة‌ وعمود الفقاهة‌ والرجال‌ والدراية‌ وأُستاذ الفسلفة‌ والحكمة‌ قد أحصوا في‌ هذا التفسير أحاديث‌ مخالفة‌ وأسقطوه‌ عن‌ درجة‌ الحجّيّة‌، وهؤلاء ليسوا بأشخاص‌ عاديّين‌، بل‌ هم‌ مفخرة‌ جميع‌ العلماء، بخلاف‌ أُولئك‌ الذين‌ أمضوا هذا التفسير من‌ أُولئك‌ الاشخاص‌ الذين‌ أحصيناهم‌ والذين‌ كان‌ طابعهم‌ طابع‌ محدّثين‌ وأخباريّين‌ لاأكثر، وكانوا كثيراً ما يلاحظون‌ الاخبار من‌ هذه‌ الجهة‌ ولا شغل‌ لهم‌ كثيراً بدلالة‌ متنها.

 مثلاً، يقول‌ المرحوم‌ الحاجّ حسين‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ في‌ جواب‌ المحقّق‌ الداماد حينما يقول‌: « يوجد في‌ هذا التفسير أحاديث‌ مخالفة‌ ومناكر »: كنت‌ أتمنّي‌ لو أنـّه‌ قد بيّن‌ لنا إحدي‌ هذه‌ المناكر لنري‌ ما هو المنكر الموجود في‌ هذا التفسير؟!

 هذا مع‌ أنـّي‌ قد رأيت‌ بنفسي‌ حديثاً في‌ هذا التفسير، وهو رواية‌ معروفة‌ عن‌ الإمام الرضا علیه السلام‌، من‌ أنَّ جماعة‌ من‌ الشيعة‌ جاؤوا إلی الإمام الرضا علیه السلام‌، فلم‌ يسمح‌ لهم‌ بالدخول‌ وتركهم‌ علی الباب‌، وعندما جاء ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ كان‌ الواسطة‌ لهم‌ مع‌ الإمام وقال‌ له‌: إنَّ جماعة‌ من‌ الشيعة‌ جاؤوا إليكم‌ ويقولون‌ إنَّهم‌ من‌ شيعتكم‌ فلم‌يسمح‌ لهم‌ الإمام حتّي‌ جاء الغد، فجاؤوا مرّتين‌ فلم‌ يسمح‌ لهم‌ الإمام أيضاً، وفي‌ اليوم‌ الثالث‌ لم‌ يسمح‌ لهم‌ كذلك‌، واستمرّ الامر علی هذا النحو مدّة‌ شهرين‌. وبعد اللتيا والتي‌ ( والرواية‌ طويلة‌ جدّاً ) سمح‌ لهم‌ الإمام. وعندما سألوه‌ عن‌ السبب‌ في‌ عدم‌ سماحه‌ لهم‌ قبل‌ ذلك‌، قال‌: لقد قلتم‌ إنَّكم‌ من‌ شيعتنا، أفهكذا يكون‌ الشيعة‌؟ وهل‌ يرتكب‌ الشيعة‌ الاعمال‌ الفلانيّة‌؟ فكيف‌ تكونون‌ شيعة‌؟ فالشيعة‌ لهم‌ الصفات‌ الفلانيّة‌، وأعمالهم‌ تكون‌ بالشكل‌ الفلاني‌ّ، فلقد ادّعيتم‌ التشيّع‌ كاذبين‌.

 وتريد أن‌ تقول‌ الرواية‌ التي‌ ليس‌ لها أي‌ّ سند إلاّ « تفسير الإمام العسكري‌ّ » علیه السلام‌: إنَّ الإمام الرضا علیه السلام‌ المعصوم‌ والطاهر لم‌يسمح‌ لهؤلاء الجماعة‌ بالدخول‌ بسبب‌ ادّعائهم‌ التشيّع‌ كذباً.

 مع‌ علمنا: أنَّ الذين‌ نسبوا هذا الحديث‌ قد وضعوا قضيّة‌ بهذا الشكل‌ من‌ أجل‌ رفع‌ مقام‌ التشيّع‌ وعظمة‌ مقام‌ التشيّع‌ والوصول‌ إلی حقّ هذا المقام‌. لكنّهم‌ لم‌ يفكّروا في‌ إمكانيّة‌ صدور هذا التصرّف‌ من‌ إمام‌: أن‌ يأتي‌ إليه‌ جماعة‌ من‌ بلدٍ بعيد يطوون‌ مسافة‌ فراسخ‌ ليصلوا إليه‌ علیه السلام‌، ومع‌ أنـّه‌ كان‌ وليّاً للعهد، وكان‌ يمتلك‌ مقاماً ومنصباً وشوكةً وجلالة‌، فإذا لم‌يسمح‌ لهم‌ بالدخول‌، وأبقاهم‌ خارجاً يوماً وليلة‌ ثمّ كرّر ذلك‌ مرّة‌ ثانية‌، وهكذا إلی أن‌ مضت‌ ثلاثة‌ أيّام‌، ومن‌ ثمّ يسمح‌ لهم‌ بالدخول‌، وعلّل‌ الامر لهم‌ بأنـّهم‌ قالوا نحن‌ شيعة‌. فهل‌ يصدر هذا العمل‌ من‌ إمام‌ معصوم‌؟! إنَّ هذا العمل‌ إنَّما يصدر من‌ سلطان‌ جائر يريد سحق‌ الطرف‌ المقابل‌ وقهره‌.

 كان‌ يستطيع‌ الإمام من‌ البدء أن‌ يستقبلهم‌ ويرحّب‌ بهم‌، فيُعلّمهم‌ بكيفيّة‌ التشيّع‌، ويقول‌ لهم‌: ادّعيتم‌ التشيّع‌، وهذا الصحيح‌، لانَّ للشيعة‌ أُصولهم‌ وضوابطهم‌ التي‌ توجب‌ علی الإنسان‌ أن‌ يتحلّي‌ بها. فهذا منهج‌ للتعليم‌، وهو منهج‌ إلهي‌ّ، ولم‌ نر في‌ وقتٍ من‌ الاوقات‌ أنَّ الانبياء والائمّة‌ علیهم السلام‌ أرادوا تأديب‌ أحد بهذا الاُسلوب‌.

 والرواية‌ طويلة‌، وليس‌ لها سند إلاّ هذا التفسير.

 وخلاصة‌ المطلب‌: أنَّ أجلاّءً مثل‌ المحقّق‌ المير داماد والعلاّمة‌ الحلّي‌ّ وأمثالهما قد عدّوا نظير هذه‌ الروايات‌ من‌ المنكرات‌، لكنَّ المرحوم‌ النوري‌ّ لم‌ يعدّها كذلك‌، ولذا قالوا: إنَّ هذا التفسير ليس‌ له‌ اعتبار، وهو موضوع‌ من‌ قِبَل‌ سهل‌ الديباجي‌ّ الذي‌ نسبه‌ إلی الإمام علیه السلام‌.

 وعلي‌ كلّ تقدير، فالذي‌ يرجح‌ بنظري‌ فيما يتعلّق‌ بهذا التفسير هو ما ذكرته‌ في‌ كتاب‌ « رسالة‌ بديعة‌ » من‌ أنـّه‌ لا يمكن‌ قبول‌ روايات‌ هذا التفسير من‌ حيث‌ المجموع‌، وأنـّه‌ يحتوي‌ علی مطالب‌ غير حقّةٍ وتناقضاتٍ لايمكن‌ أن‌ تنسب‌ إلی الإمام المعصوم‌.

 نعم‌؛ توجد في‌ هذا الكتاب‌ روايات‌ حسنة‌ المضمون‌ أيضاً، مثل‌ هذه‌ الرواية‌ التي‌ ينقلها المرحوم‌ الشيخ‌ والتي‌ ذكرناها هنا، حيث‌ إنَّها تحمل‌ مضموناً عالياً، وتنقيحاً وتفسيراً راقياً، من‌ تمييز أُولئك‌ الذين‌ يسيرون‌ في‌ طريق‌ الخلاف‌ وينفصلون‌ عن‌ نهج‌ العدالة‌ والعصمة‌ والإتقان‌، ومن‌ جعلها مذمّة‌الله‌ لعوامّ الشيعة‌ عين‌ مذمّته‌ لعوامّ اليهود، حيث‌ توضّح‌ فيما بعد أيضاً النهج‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ علیهفقهاء الشيعة‌؛ فَأَمّا مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ... ومن‌ الواضح‌ أنَّ لهذه‌ الرواية‌ حياة‌ وروح‌، ولذا لا يمكن‌ القول‌ إنَّ كتاب‌ التفسير هذا موضوع‌ وكلّ ما فيه‌ كذب‌. كلاّ، فهؤلاء قد خلطوا عدداً من‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ ـوالتي‌ هي‌ صحيحة‌ واقعاً وغير قابلة‌ للردّ من‌ قبل‌ الناس‌ـ مع‌ أحاديث‌ غير صحيحة‌ ووضعوها بين‌ أيدي‌ الناس‌.

 فلو كان‌ كلّ ذلك‌ موضوعاً بشكل‌ كامل‌، لم‌ يقبل‌ أحد. فذلك‌ الوضّاع‌ المختلق‌ يأخذ مقداراً من‌ الاحاديث‌ الصحيحة‌ ويمزجها مع‌ الاحاديث‌ السقيمة‌ لكي‌ يقبلها عامّة‌ الناس‌.

 ولذا لم‌ يمضِ المرحوم‌ الشيخ‌ هنا سند هذه‌ الرواية‌، وإنَّما قال‌ إنَّ آثار الصدق‌ ظاهرة‌ منها. ونفس‌ الشيخ‌ الانصاري‌ّ لم‌ يعدّ هذا التفسير معتبراً، وهناك‌ أجلاّء آخرون‌ أيضاً أمثال‌ بحر العلوم‌ وكاشف‌ الغطاء من‌ الذين‌ لم‌ يعدّوه‌ معتبراً أيضاً. أي‌ أنـّهم‌ لم‌ ينقلوا عنه‌، كما أنَّ غيرالصدوق‌ من‌ المشايخ‌ المتقدّمين‌ مثل‌ الكليني‌ّ والشيخ‌ في‌ « التهذيب‌ » و « الاستبصار » لم‌ينقلوا عنه‌.

 بناءً علی هذا، فإنَّ كون‌ الصدوق‌ وحده‌ هو الذي‌ نقل‌ عنه‌، مع‌ أنـّنا نري‌ أنَّ الاقران‌ والمتقدّمين‌ علیهلم‌ ينقلوا عنه‌، يشكّل‌ قرينة‌ علی أنـّه‌ لايمكن‌ الحكم‌ علی أهمّيّة‌ هذا التفسير عموماً.

 بناءً علی هذا، فنتيجة‌ البحث‌ عن‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ » علیه السلام‌: أنـّه‌ لا حجّيّة‌ له‌ من‌ حيث‌ المجموع‌. وما يمكن‌ قبوله‌ من‌ الروايات‌ فيه‌ هو ما كان‌ مضمونها موافقاً للروايات‌ الصحيحة‌ ولاتخالف‌ العقل‌.

 لقد كان‌ هذا البحث‌ فيما يتعلّق‌ بروايات‌ هذا التفسير، وبحث‌ هذه‌ الرواية‌ يختلف‌ عن‌ بحث‌ مقبولة‌ عمر بن‌ حنظلة‌ التي‌ ذكرناها سابقاً، فمقبولة‌ عمر بن‌ حنظلة‌ أوردها ثلاثة‌ من‌ كبار المشايخ‌ ـالكليني‌ّ والطوسي‌ّ والصدوق‌ـ في‌ كتبهم‌، وأفتي‌ طبقها وعمل‌ بها أجلّة‌ العلماء أيضاً.

 إذَن‌، نستطيع‌ القول‌ في‌ الواقع‌ أنـّه‌ توجد شهرة‌ فتوائيّة‌ علی طبق‌ تلك‌ الرواية‌، كما توجد شهرة‌ روائيّة‌ أيضاً، وعلي‌ فرض‌ عدم‌ تماميّتها فالشهرة‌ جابرة‌ لسندها.

 ولذا، تلقّاها العلماء بالقبول‌. لكنَّ شأن‌ تلك‌ الرواية‌ يختلف‌ عن‌ هذه‌ الرواية‌ التي‌ في‌ « تفسير الإمام العسكري‌ّ » علیه السلام‌، بل‌ المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ ( لا ينبغي‌ القول‌ « تفسير الإمام العسكري‌ّ » بل‌ يجب‌ القول‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ العسكري‌ّ » علیه السلام‌ ) فجميع‌ القدماء لم‌ينقلوا هذا التفسير، ولم‌ يستشهدوا به‌، وإنَّما ذكر بعض‌ فقراته‌ الصدوق‌ في‌ كتابه‌، ولايكون‌ هذا دليلاً علی حجّيّته‌ من‌ حيث‌ المجموع‌. كان‌ هذا بحثاً عن‌ هذا الحديث‌ الشريف‌، وستأتي‌ المطالب‌ في‌ الايّام‌ التالية‌ إن‌ شاء الله‌ تعالی‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ التاسع‌ عشر:

 استصحاب‌ عدالة‌ الفقيه‌ غير المرجع‌ في‌ زمان‌ مرجعيّته‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّين

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

 

 لا يمتلك‌ « التفسير المنسوب‌ إلی الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ » علیه السلام‌ دعامة‌ لإثباته‌. فهو كأي‌ّ كتاب‌ يؤخذ من‌ المكتبة‌ ويكون‌ مكتوباً علی ه‌: هذا التفسير للإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌، مع‌ أنَّ الكتاب‌ الذي‌ ينسبه‌ شخص‌ آخر يجب‌ أن‌ يكون‌ ممتلكاً لما يدعم‌ ذلك‌، أي‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ سلسلة‌ رواته‌ من‌ الاشخاص‌ الموثّقين‌، وإذا لم‌ يكونوا موثّقين‌ بشهادة‌ عدلين‌ فبشهادة‌ شخص‌ واحد علی الاقلّ.

 ونفس‌ محمّد بن‌ القاسم‌ الجُرجاني‌ّ ـراوي‌ هذه‌ الرواية‌ـ محلّ طعن‌ وقدح‌. وهو يروي‌ عن‌ شخصين‌: أحدهما يوسف‌ بن‌ زياد، والآخر علی بن‌ محمّد السيّار؛ وهما مجهولان‌، ولم‌ يرد لهما ذكر في‌ كتب‌ الرجال‌. فإمَّا أنـّهما لم‌ يكونا موجودين‌ أساساً وقد قام‌ سَهْل‌ بن‌ أحمد الديباجي‌ّ باختلاقهما، أو أنـّهما كانا موجودين‌ لكنّهما لم‌ يكونا من‌ الاشخاص‌ المعروفين‌. فقد نسب‌ محمّد بن‌ القاسم‌ الجرجاني‌ّ الرواية‌ إلی شخصين‌غير موجودين‌ أو مجهولي‌ الحال‌ وغير معروفين‌. وباختصار لم‌يرد اسماهما، وعدم‌ ورود الاسم‌ كافي‌ في‌ عدم‌ الاعتماد. وكان‌ هذين‌ الشخصين‌ يرويان‌ هذا التفسير عن‌ أبويهما، وأبواهما يرويانه‌ بدورهما عن‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌.

 وما أفاده‌ المرحوم‌ الحاجّ الميرزا حسين‌ النوري‌ّ قدّس‌ سرّه‌ من‌ أنَّ هذين‌ الشخصين‌ لم‌ يضعّفا في‌ الكتب‌ الرجاليّة‌ الاربعة‌ (« رجال‌ النجاشي‌ّ »، و « رجال‌ الكشّي‌ّ »، و « الفهرست‌ »، و « رجال‌ الطوسي‌ّ ») غير كافٍ. إذ إنَّ عدم‌التضعيف‌ وحده‌ لا يفيدنا. وإلاّ فهناك‌ الكثير من‌ الذين‌ لم‌ يُذكروا في‌ كتب‌ الرجال‌، أو أنـّهم‌ ذُكروا ولكنّهم‌ لم‌ يضعّفوا ولم‌ يوثّقوا، علی الرغم‌ من‌ وجوب‌ توثيقهم‌، لانَّ عدم‌ التوثيق‌ كافٍ في‌ ضعفهم‌. فلا تبقي‌ ثمّة‌ حاجة‌ لتضعيفهم‌ ليتم‌ قدحهم‌. فكلام‌ المرحوم‌ الحاجّ هذا غير تامّ أيضاً.

 وأمّا كون‌ المرحوم‌ الصدوق‌ قد نقل‌ روايات‌ عنهم‌ في‌ « من‌ لايحضره‌ الفقيه‌ » فذلك‌ أيضاً غير كافٍ، إذ من‌ الممكن‌ للإنسان‌ أن‌ ينقل‌ رواية‌ ويري‌ صحّتها وتوثيقها أيضاً علی أنـّها غير ذلك‌ واقعاً. فليست‌ كلّ رواية‌ موجودة‌ في‌ الكتب‌ الاربعة‌ قابلة‌ لان‌ يُعمل‌ بها، بل‌ يجب‌ تمييز الصحيح‌ من‌ السقيم‌. ولذا، لا يمكن‌ العمل‌ بجميع‌ أخبار « من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌ » دونما تأمّل‌. هذا بالإضافة‌ إلی أنَّ الشيخ‌ والكليني‌ّ والآخرين‌ مثل‌ البرقي‌ّ في‌ « المحاسن‌ » لم‌ يوردوا روايات‌ هذا التفسير.

 فهذا التفسير من‌ الروايات‌ غير التامّة‌، وهو يختلف‌ عن‌ « كتاب‌ سُليم‌بن‌ قيس‌ الهلالي‌ّ » الذي‌ لو شوهد في‌ بعض‌ فقرات‌ نسخه‌ الحاليّة‌ مخالفة‌ في‌ الجملة‌ فاللازم‌ طرح‌ تلك‌ الفقرة‌ والعمل‌ بالبقيّة‌. فـ « كتاب‌ سُليم‌بن‌ قيس‌ » كتاب‌ معتبر، وينقل‌ عنه‌ كبار العلماء، كما أنَّ سُليم‌ شخص‌ معروف‌ وموثّق‌ ومأمون‌ لدي‌ الجميع‌ ـحتّي‌ عند العامّة‌ـ وهم‌ يذكرونه‌ بالتعظيم‌ والتجليل‌ والتوثيق‌، وكانوا يروون‌ عن‌ كتابه‌ طوال‌ هذه‌ القرون‌ المديدة‌. وهذا كافٍ في‌ إثبات‌ حجّيّة‌ ذلك‌ الكتاب‌.

 وأمّا مجرّد أن‌ يكتب‌ علی جلد كتاب‌: روي‌ الشخص‌ الفلاني‌ّ عن‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌، من‌ دون‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ أي‌ّ دعامة‌ لذلك‌، فهذا ليس‌ قابلاً للقبول‌ علی الإطلاق‌.

 الرجوع الي الفهرس

بعض‌ الحوادث‌المختلقة‌والوقائع‌الكاذبة‌الموجودة‌في‌هذاالتفسير

 وهذا الكتاب‌ بحسب‌ نظري‌ موضوع‌ ومختلق‌ من‌ قبل‌ سهل‌ بن‌ أحمد الديباجي‌ّ. وقد صرّح‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ أيضاً بهذا المعني‌، كما أنـّه‌ يحوي‌ علی كثير من‌ الموارد المخالفة‌ للواقع‌.

 ومن‌ تلك‌ الموارد أنـّه‌ ينقل‌ في‌ ذيل‌ آية‌:: فَأَنزَلْنَا عَلَی الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءٍ[8]، عن‌ قول‌ الإمام زين‌ العابدين‌ علیه السلام‌ رواية‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌، أنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ قال‌: غلام‌ ثقفي‌ّ ـأي‌ المختار ـ يخرج‌ ويقتل‌ ثلاثمائة‌ وثمانين‌ شخصاً من‌ بني‌ أُميّة‌. وعندما وصل‌ هذا الكلام‌ إلی الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ الثقفي‌ّ قال‌: لم‌يصل‌ إلينا كلام‌ رسول‌ الله‌ هذا، ونحن‌ نشكّ بما يرويه‌ علی ‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عن‌ النبي‌ّ. وأمّا علی ‌ّ بن‌ الحسين‌ فصبي‌ّ مغرور، وكثيراً ما يتحدّث‌ بما لافائدة‌ فيه‌، وهو يغرّر أتباعه‌ من‌ هذا الطريق‌. آتوني‌ بالمختار.

 فقام‌ رجاله‌ بالبحث‌ عنه‌ حتّي‌ اعتقلوا المختار وأتوا به‌ إليه‌.

 فأجلس‌ الحجّاجُ المختارَ علی النطع‌، وأمر سيّافه‌ بقطع‌ رقبته‌، فرأي‌ السيّافين‌ قد ارتبكوا، فقال‌ لهم‌: لِمَ لَم‌ تضربوه‌؟ فقالوا: لقد أضعنا مفتاح‌ الخزانة‌ والسيف‌ موجود فيها. فالتفت‌ إلی أحد حجّابه‌ وقال‌ له‌: أعطه‌ سيفك‌ لكي‌ يقطع‌ رأسه‌. وعندما عمد إلی ضربه‌ أتاه‌ عقرب‌ فلدغ‌ السيّاف‌ ورماه‌ أرضاً. عندها قال‌ المختار: لا تقتلني‌ فإنَّ رسول‌ الله‌ أخبرني‌ بأنـّي‌ سأقتل‌ ثلاثمائة‌ وثلاثة‌ وثمانين‌ ألفاً من‌ بني‌ أُميّة‌، وإنـّي‌ سوف‌ أقتلهم‌. وقول‌ النبي‌ّ صحيح‌. وحتّي‌ لو قتلتني‌ فسوف‌ أحيي‌ مرّة‌ ثانية‌ وأقتل‌ ثلاثمائة‌ وثلاثة‌ وثمانين‌ ألفاً من‌ بني‌ أُميّة‌ وفقاً لكلام‌ النبي‌ّ.

 فأمر الحجّاج‌ شخصاً ثالثاً أن‌ يأتي‌ ويقتله‌، وعندما أراد أن‌ يقطع‌ عنقه‌ قال‌ له‌ المختار: لا تفعل‌ هذا. والتفت‌ إلی الحجّاج‌ وقال‌ له‌: إنّي‌ أُحبّ أن‌ تأتي‌ أنت‌ وتقطع‌ عنقي‌، وإذا قُمتَ بذلك‌ فإنَّ الله‌ سيسلّط‌ علی ك‌ أفعياً كما سلّط‌ علی ذلك‌ الشخص‌ الاوّل‌ عقرباً.

 فأمر الحجّاج‌ بإعدامه‌. وفجأة‌، وصل‌ رسول‌ من‌ ناحية‌ عبدالملك‌ بإطلاق‌ سراح‌ المختار، وسلّم‌ رسالته‌ إلی الحجّاج‌، ففتح‌ الحجّاج‌ الرسالة‌ وقد كُتِبَ فيها: أيّها الحجّاج‌! وصلتني‌ رسالتك‌ المرسلة‌ بواسطة‌ الحمام‌ ] الزاجل‌ [ وقد ذكرت‌ فيها أنـّك‌ سجنت‌ المختار وتريد قتله‌، فبمجرّد أن‌ تصلك‌ رسالتي‌ هذه‌ أطلِقْ سراحه‌، لانَّ زوجته‌ مرضعة‌ ابني‌ الوليد، وقد شفع‌ له‌ الوليد عندي‌. فتركه‌ الحجّاج‌ ونصحه‌ أن‌ يتخلّي‌ عن‌ هذه‌ الاعمال‌، وألاّ يحمل‌ نيّة‌ سوء ضدّ بني‌ أُميّة‌. فقال‌ له‌ المختار: إنّي‌ سأقوم‌ بعملي‌.

 ثمّ شرع‌ المختار بأعماله‌، فاعتقله‌ الحجّاج‌ مرّة‌ ثانية‌، وأتي‌ به‌ يريد قتله‌، فوصل‌ رسول‌ ثانٍ من‌ عبد الملك‌ وسلّمه‌ الامر بإطلاق‌ سراحه‌... إلی آخر الرواية‌ التي‌ ذكرت‌.

 وهناك‌ علائم‌ وأدلّة‌ كثيرة‌ ملحوظة‌ ومحسوسة‌ علی وضع‌ هذه‌ الرواية‌ الطويلة‌، وهذه‌ الشواهد مثل‌ إجلاس‌ شخص‌ علی النطع‌ لقتله‌، والإتيان‌ برسالة‌ أُخري‌ من‌ العراق‌ إلی الشام‌، ومجي‌ء جواب‌ الرسالة‌ من‌ الشام‌ إلی العراق‌ في‌ هذه‌ المدّة‌ الزمنيّة‌ القصيرة‌ ( الفترة‌ التي‌ كان‌ المختار فيها مسجوناً )، ومع‌ أنَّ هذه‌ المدّة‌ لا تقلّ عن‌ عشرة‌ أيّام‌ فكيف‌ يتأخّر قتل‌ المختار كلّ هذه‌ المدّة‌، علی الرغم‌ من‌ صدور الامر بقتله‌ فوراً، وكان‌ دأب‌ الحجّاج‌ القتل‌ الفوري‌ّ، لا الوساطة‌ وما إلی ذلك‌؟ فإذا تأمّل‌ الإنسان‌ في‌ هذه‌ الاُمور فسيري‌ أنَّ هذه‌ الرسالة‌ مختلقة‌ وكاذبة‌ من‌ أوّلها إلی آخرها، وأنَّ لاأصل‌ لها ولا أساس‌، لانَّ إمارة‌ الحجّاج‌ وسلطنة‌ عبد الملك‌ بن‌ مروان‌ كانت‌ بعد قتل‌ المختار بسنوات‌.

 فالمختار خرج‌ في‌ سنة‌ خمس‌ وستّين‌، وقتل‌ جماعة‌ من‌ مؤيّدي‌ بني‌ أُميّة‌، وسيطر بعده‌ علی العراق‌ مُصعَب‌ بن‌ الزُّبَير، وقُتِلَ المختار سنة‌ سبع‌ وستّين‌، وقام‌ مصعب‌ بحكم‌ العراق‌ سنوات‌ إلی أن‌ انتصرعليه‌عبدالملك‌ ابن‌مروان‌وسلّم‌ إمارة‌ العراق‌ سنة‌ خمس‌ وسبعين‌ إلی الحجّاج‌. فكان‌ بدء حكم‌ الحجّاج‌ للعراق‌ إذَن‌ بعد موت‌ المختار بثماني‌ سنوات‌.

 ونستنتج‌ من‌ هذا أنَّ هذه‌ الرواية‌ موضوعة‌، وأنَّ سهل‌ بن‌ أحمد الديباجي‌ّ لم‌ يكن‌ يعرف‌ التأريخ‌ أصلاً، وإلاّ لكان‌ قد تذكر تأريخ‌ هذه‌ الكذبة‌ الواضحة‌ علی الاقلّ، لكي‌ لا تسبب‌ اشتباهه‌ وتسقيطه‌. [9]

 علیهيمكننا أن‌ نلتفت‌ إلی مدي‌ معاناة‌ أئمّتنا علیهم السلام‌ وحجم‌ المظلوميّة‌ التي‌ عاشوها، فحتّي‌ زماننا هذا، توجد روايات‌ كثيرة‌ مثل‌ هذه‌ الرواية‌ ممّا تُنسب‌ إلی الائمّة‌ مع‌ أنـّها كذب‌ محض‌.

 ومع‌ ذلك‌ يتوجّب‌ علی نا أن‌ ننفي‌ مثل‌ هذه‌ الروايات‌ عن‌ الإمام علیه السلام‌ منكسرين‌ متذلّلين‌، ونجيب‌ بأنَّ مقام‌ الإمام المعصوم‌ مُنزّه‌ عن‌ نسبة‌ هكذا أُمور، بل‌ إنَّ هذه‌ الرواية‌ موضوعة‌ ومؤلّفة‌ علی أيدي‌ أُناس‌ عديمي‌ الإنصاف‌ وكذّابين‌ ووضّاعين‌، نظير محمّد بن‌ القاسم‌ الاسترآبادي‌ّ الذي‌ كان‌ مفسّراً في‌ جرجان‌، فأ لَّف‌ كتاباً ونسبه‌ للإمام علیه السلام‌ انتصاراً لنفسه‌ ولحزبه‌ وجماعته‌، علی الرغم‌ من‌ كون‌ تفسيره‌ مرفوضاً وعرضة‌ للطعن‌ والانتقاد.

 وعلي‌ هذا، فلا يمكن‌ العمل‌ بكلّ رواية‌ بمجرّد اتّصافها بعنوان‌ الرواية‌، بل‌ يجب‌ التحقيق‌ حولها ومعرفة‌ صحيحها من‌ سقيمها، وذلك‌ لوجود الكثير من‌ الروايات‌ الموضوعة‌. [10]

 وبحثنا حاليّاً هو في‌ ولاية‌ الفقيه‌، وإلاّ لكنّا تابعنا الحديث‌ حول‌ عدم‌ حجّيّة‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام العسكري‌ّ » علیه السلام‌ إلی أن‌ نتوصّل‌ إلی أمر جديد، وبما أنَّ موضوع‌ البحث‌ لا يقتضي‌ ذلك‌ فإنّنا نتجاوز ذلك‌ المورد، وسوف‌ نبحثه‌ في‌ محلّه‌ المناسب‌ بتوفيق‌ الله‌ تعالي‌.

 وكلّ ما عرضناه‌، كان‌ بحثاً عن‌ سند الرواية‌.

 أمّا البحث‌ من‌ ناحية‌ الدلالة‌: فمُفاد هذه‌ الرواية‌ «فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ» راجع‌ إلی التقليد فقط‌. وربّما أمكن‌ استفادة‌ القضاء منها أيضاً، ولكن‌ لايمكن‌ الاستدلال‌ بها علی ولاية‌ الفقيه‌، وقد أوردناها هنا لكي‌ نبحث‌ في‌ أطرافها، لا لكي‌ نثبت‌ ولاية‌ الفقيه‌ بواسطتها، حيث‌ إنّنا قد نذكر الكثير من‌ الروايات‌ التي‌ تكون‌ نتيجتها آخر الامر عدم‌ الدلالة‌ علی ولاية‌ الفقيه‌.

 وبما أنـّه‌ قد شوهد في‌ كلام‌ البعض‌ الاستدلال‌ بهذه‌ الرواية‌ علی ولاية‌ الفقيه‌، فيجب‌ البحث‌ حولها من‌ أجل‌ توضيح‌ أطرافها وجوانبها، واستنتاج‌ ـفيما بعدـ هل‌ تدلّ الرواية‌ علی ولاية‌ الفقيه‌ أم‌ لا؟

 والجملة‌ التي‌ وردت‌ في‌ الرواية‌: مَنْ كَانَ مِنَ الفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ؛ جملة‌ حسنة‌ جدّاً.

 ويقول‌ المرحوم‌ الشيخ‌ أيضاً: إنَّ آثار الصدق‌ ظاهرة‌ منها، وأصل‌ الرواية‌ ومضمونها مضمون‌ رشيق‌ وعالٍ. ومن‌ المحتمل‌ جدّاً أنَّ واضع‌ التفسير قد أخذ مقداراً من‌ هذه‌ الروايات‌ الصحيحة‌ التي‌ وردت‌ عن‌ الائمّة‌ أو عن‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه السلام‌ وأضافها إلی مختلقاته‌ لتصبح‌ مجموعة‌ واحدة‌. ولذا فالمتن‌ متن‌ جيّد.

 ويفيد قوله‌ علیه السلام‌: صَائِناً لِنَفْسِهِ، وَحَافِظاً لِدِينِهِ، بأنَّ الفقيه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ ممتلكاً لورع‌ وتقوي‌ باطنيّين‌ يكونان‌ فوق‌ مرتبة‌ العدالة‌ يحفظانه‌ عن‌ الميل‌ إلی الدنيا والرئاسة‌ والحكومة‌ والقضاء والامر والنهي‌ وجميع‌ هذه‌ المسائل‌، ومن‌ حصول‌ أدني‌ اضطراب‌ في‌ قلبه‌.

 وبشكل‌ عامّ، فيجب‌ أن‌ لا يظهر عند الحكّام‌ الذين‌ يمتلكون‌ منصب‌ الحكومة‌، والفقهاء أصحاب‌ الولاية‌، أي‌ّ تزلزل‌ قلبي‌ّ بسبب‌ الامر والنهي‌، وعليهم‌ أن‌ لا يترفّعوا عن‌ أمكنتهم‌، وأن‌ لا يتعالوا علی سائر الناس‌، وعليهم‌ أن‌ يعلموا أنـّهم‌ سوف‌ يحاسبون‌ علی جميع‌ الاموال‌ التي‌ تصل‌ إليهم‌ وتقسّم‌ بواسطتهم‌، فهم‌ وإن‌ مُنحوا حقّ التصرّف‌ فيها، لكنَّ الله‌ تعالي‌ سوف‌ يؤاخذهم‌ علی ها.

 وتُنقل‌ رواية‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ حول‌ عقد كان‌ في‌ بيت‌ المال‌، وقد رآه‌ الإمام في‌ عنق‌ إحدي‌ بناته‌. ينقل‌ العامّة‌ هذه‌ الرواية‌ بشكل‌ عجيب‌ جدّاً عن‌ أبي‌ رافع‌ الذي‌ كان‌ خازناً لاميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌؛ يقول‌ فيها: إنَّ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ رأي‌ يوماً عقداً من‌ بيت‌ المال‌ في‌ عنق‌ إحدي‌ بناته‌، وكان‌ الإمام يعلم‌ أنَّ ذلك‌ العقد ملك‌ لبيت‌ المال‌، فما أن‌ رآه‌ حتّي‌ تغيّر لونه‌ وقال‌: لماذا يُلبس‌ هذا العقد؟ والله‌ إنّي‌ سأقطع‌ يد هذه‌ البنت‌، إذ إنّها قد سرقت‌.

 يقول‌ أبو رافع‌: لقد شعرت‌ بالخوف‌ من‌ هذا الكلام‌، وذلك‌ لانـّي‌ أعرف‌ أنَّ علی اً علیه السلام‌ عندما يتكلّم‌ بكلام‌ لا يتنازل‌ عنه‌، كما رأيت‌ تغيّر حاله‌، ولذا جئت‌ إليه‌ وشفعت‌ عنده‌ في‌ ابنته‌ تلك‌ قائلاً: يا أميرالمؤمنين‌! قد أعطيته‌ أنا لبنت‌ أُختي‌، وكانت‌ تلبسه‌ في‌ عنقها، ومن‌ ثمّ أخذته‌ منها ابنتك‌ واستعملته‌، فمفتاح‌ بيد المال‌ بيدي‌، ومن‌ الذي‌ يستطيع‌ الدخول‌ إليه‌ من‌ غير إذني‌ ليأخذ العقد؟ ولذا تنازل‌ أميرالمؤمنين‌ شيئاً ما.

 وأمّا الخاصّة‌ فيقولون‌ إنَّه‌ رأي‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ أحد الاعياد عقداً في‌ عنق‌ إحدي‌ بناته‌، كانت‌ قد أخذته‌ تلك‌ البنت‌ كعارية‌ مضمونة‌ من‌ بيت‌ المال‌، وكان‌ خازن‌ بيت‌ المال‌ أبو رافع‌ أيضاً. وقد غضب‌ الإمام من‌ هذا العمل‌، وطالبها بالسبب‌ في‌ استعارتها له‌ قائلاً: لو كان‌ هذا العمل‌ جائزاً فلافرق‌ بينك‌ وبين‌ البنات‌ الاُخريات‌، وأنت‌ لم‌ تحصلي‌ علی إذْن‌ بهذا العمل‌. ثمّ هدّد أبا رافع‌ ناهياً إيّاه‌ أن‌ يصدر منه‌ عمل‌ كهذا مرّة‌ أُخري‌. هذا هو أميرالمؤمنين‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 69، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[2] ـ «مُنيةُ المُريد» ص‌ 80، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[3] ـ «بحار الانوار» ج‌ 1، ص‌ 225، الطبعة‌ الحروفيّة‌، كلام‌ الإمام جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ضمن‌ مقالة‌ مطوّلة‌ قد بيّنها الإمام للبصري‌ّ بعنوان‌ الموعظة‌. والرواية‌ بناء علي‌ ما نقله‌ المجلسي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌، بخطّ الشيخ‌ البهائي‌ّ قدّس‌ الله‌ روحه‌، عن‌ الشيخ‌ شمس‌الدين‌ محمّدبن‌ مكّي‌ّ (الشهيد الاوّل‌) نقلاً عن‌ خطّ الشيخ‌ أحمد الفراهاني‌ّ مرسلاً عن‌ عنوان‌ البصري‌ّ.

[4] ـ خاتمة‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» الفائدة‌ الخامسة‌، ص‌ 661 إلي‌ 664.

[5] ـ المقصود من‌ السيّد المعاصر هو السيّد محمّد هاشم‌ الخوانساري‌ّ رحمة‌الله‌ عليه‌ في‌ «رسالة‌ في‌ تحقيق‌ حال‌ الكتاب‌ المعروف‌ بفقه‌ الرضا» ص‌ 7.

[6] ـ في‌ هذا التفسير، ذيل‌ الآية‌: فَأَنزَلْنَا عَلَي‌ الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَآء (جزء من‌ الآية‌ 59، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌)، ينقل‌ محمّدبن‌ القاسم‌ الجرجاني‌ّ عن‌ يوسف‌ بن‌ زياد، وعن‌ علي‌ّبن‌ محمّد السيّار، وكلّ منهما عن‌ أبيه‌، عن‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ عليه‌ السلام‌، عن‌ قول‌ الإمام زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌، عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌ (ما مضمونه‌): يخرج‌ غلام‌ ثقفي‌ّ، ـأي‌: المختار بن‌ أبي‌ عبيدة‌ الثقفي‌ّـ ويقتل‌ ثلاثمائة‌ وثلاث‌ وثمانين‌ شخصاً من‌ بني‌ أُميّة‌. فوصل‌ هذا الخبر إلي‌ الحجّاج‌ فقال‌: لم‌يصلنا كلام‌ رسول‌ الله‌ هذا، ونحن‌ نشكّ فيما يرويه‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عن‌ النبي‌ّ. وأمّا علي‌ّبن‌ الحسين‌ فصبي‌ٌّ مغرور، كثيراً ما يتكلّم‌ فيما لا طائل‌ تحته‌، ويخدع‌ أتباعه‌ بذلك‌. اطلبوا لي‌ المختار. فبحثوا عن‌ المختار وأمسكوه‌ وجاؤوا به‌ إليه‌ وأجلسوه‌ علي‌ النطع‌. فقال‌ الحجّاج‌: اضربوا عنقه‌! وهنا قصّة‌ طويلة‌ جدّاً وهي‌ مختلقة‌ من‌ أوّلها إلي‌ آخرها، وآثار الوضع‌ والجعل‌ فيها ملحوظة‌ من‌ عدّة‌ جهات‌، وهي‌ شبيهة‌ بأعاجيب‌ القصص‌ والاساطير المصنوعة‌. فالقصّة‌ مختلقة‌ علي‌ التحقيق‌، لانَّ إمارة‌ الحجّاج‌ وسلطنة‌ عبد الملك‌ بن‌ مروان‌ علي‌ العراق‌ كانت‌ بعد مقتل‌ الحجّاج‌ بسنوات‌ طويلة‌. وعندما صار عبد الملك‌ خليفة‌ وصار الحجّاج‌ أميراً علي‌ العراق‌ من‌ قِبَلِه‌ كان‌ قد مضي‌ سنوات‌ علي‌ مقتل‌ المختار، وكانت‌ عظامه‌ قد شارفت‌ علي‌ الاهتراء. فقد خرج‌ المختار سنة‌ 65 وقام‌ بقتل‌ جماعة‌ من‌ أتباع‌ بني‌ أُميّة‌، وسيطر بعده‌ مصعب‌ بن‌ الزبير علي‌ العراق‌ وقتل‌ المختار سنة‌ 67، وحكم‌ العراق‌ لعدّة‌ سنوات‌ إلي‌ أن‌ انتصر عليه‌ عبد الملك‌ بن‌ مروان‌ وقتله‌، وسلّم‌ إمارة‌ العراق‌ وحكمه‌ للحجّاج‌ سنة‌ 75. فكان‌ بدء حكومة‌ الحجّاج‌ بعد موت‌ المختار بعشر سنوات‌.

[7] ـ «الذريعة‌ إلي‌ تصانيف‌ الشيعة‌» ج‌ 4، ص‌ 285.

[8] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 59، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[9] ـ ثمّ ما معني‌ الرقم‌ ثلاثمائة‌ وثلاثة‌ وثمانين‌ ألفاً من‌ بني‌ أُميّة‌؟ وعددهم‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ لم‌ يتجاوز عدّة‌ آلاف‌! وجيشهم‌ دون‌ ذلك‌؟! والمختار لم‌ يقتل‌ مثل‌ هذا العدد. ولا يمكن‌ حمل‌ هذا العدد علي‌ المبالغة‌، مثل‌ العدد سبعين‌، بسبب‌ ذكر عدده‌ القليل‌ المتمّم‌ له‌، وهو ثلاثة‌ آلاف‌ بعد ذكر الثلاثمائة‌ وثمانين‌ ألفاً. وكيف‌ يخلو بلاط‌ الحجّاج‌ مع‌ من‌ كان‌ يحيطه‌ من‌ السيف‌، وأن‌ يكون‌ سيف‌ السيّاف‌ في‌ الخزانة‌؟! وكيف‌ ضاع‌ مفتاح‌ الخزانة‌ وليس‌ هناك‌ من‌ سيف‌ آخر؟ وتلك‌ العقرب‌ والافعي‌ وذلك‌ الاءغماء ودخول‌ السيف‌ في‌ بطن‌ الضارب‌، كلّ ذلك‌ أقرب‌ إلي‌ قصص‌ الضاربين‌ بالرمل‌ وحكايات‌ أهل‌ الفكاهة‌ منه‌ إلي‌ الوقائع‌ التأريخيّة‌ الواقعة‌.

[10] ـ وكَتَبَ علماء الشيعة‌ قصصاً كثيرة‌ حول‌ الوضع‌ والكذب‌ في‌ الروايات‌، وأوردوا مطالباً نافعة‌. كما أنَّ بعض‌ محقّقي‌ العامّة‌ أيضاً قد أوردوا أبحاثاً مفيدة‌ في‌ ذلك‌، ومن‌ أجودها وأحسنها كتاب‌ «أضواء علي‌ السُّنَّة‌ المحمّديّة‌» للشيخ‌ أبو ريّة‌، العالم‌ الخبير والمتضلّع‌ والبصير والمنصف‌ الشهم‌، حيث‌ أزاح‌ في‌ كتابه‌ الستار عن‌ كثير من‌ جرائم‌ الحديث‌، وضعّف‌ أُسس‌ وبناء أُصول‌ العامّة‌ وأهل‌ السنّة‌ وكتبهم‌. ومن‌ اللازم‌ لطلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ مطالعة‌ الكتاب‌ والتدقيق‌ في‌ جميع‌ محتوياته‌، لزيادة‌ الخبرة‌ والبصيرة‌ في‌ تحوّل‌ الرواية‌، وعدم‌ الاعتماد علي‌ حديث‌ وفقه‌ العامّة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com