بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب نور ملكوت القرآن/ المجلد الثاني / القسم السادس: رد نظریة تبدل الانواع

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الروايات‌ الواردة‌ في‌ أنّ الله‌ خلق‌ قبل‌ آدم‌ دورات‌ من‌ البشر

 و أورد في‌ البحث‌ الروائيّ: ورد في‌ كتاب‌ «التوحيد» عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌: لَعَلَّكَ تَرَي‌ أنَّ اللَهَ لَمْ يَخْلُقْ بَشَرَاً غَيْرَكُمْ؟ بَلَي‌ وَاللَهِ لَقَدْ خَلَقَ أَلْفَ آدَمَ؛ [1] أَنْتُمْ فِي‌ آخِرِ أُولَئِكَ الآدَمِيِّننَ.

 و نقل‌ ابن‌ ميثم‌ في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» عن‌ الباقر عليه‌ السلام‌ ما في‌ معناه‌، و أورده‌ الصدوق‌ في‌ «الخصال‌» أيضاً.

 و ورد في‌ كتاب‌ «الخصال‌» عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌:

 إِنَّ اللَهَ تَعَالَي‌ خَلَقَ اثْنَي‌ عَشَرَ أَلْفَ عَالَم‌، كُلُّ عَالَمٍ مِنْهُمْ أَكْبَرُ مِنْ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَ سَبْعِ أَرَضِينَ، مَا يَرَي‌ عَالَمٌ مِنْهُمْ أَنَّ لِلّهِ عَزَّوَجَلَّ عَالَمَاً غَيْرَهُمْ.

 و ورد في‌ «الخصال‌» عن‌ الباقر عليه‌ السلام‌ أنّه‌ قال‌:

 لَقَدْ خَلَقَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي‌ الاَرْضِ مُنْذُ خَلَقَهَا سَبْعَةَ عَالَمِينَ لَيْسَ هُمْ مِن‌ وُلْدِ آدَمَ، خَلَقَهُمْ مِن‌ أَدِيمِ الاَرْضِ فَأسْكَنَهُمْ فِيهَا وَاحِدَاً بَعْدَ وَاحِدٍ مَعَ عَالَمِهِ ثُمَّ خَلَقَ اللَهُ عَزَّوَجَلَّ آدَمَ أَبَا البَشَرِ وَ خَلَقَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْهُ ـ الحديث‌. [2]

 و قال‌ أيضاً: هناك‌ آثار أرضيّة‌ كثيرة‌ تدلّ علي‌ تغييرات‌ هامّة‌ في‌ سطح‌ الارض‌ بمرور الدهور من‌ تبدّل‌ بحر إلي‌ برّ و بالعكس‌، و سهل‌ إلي‌ جبل‌ و بالعكس‌، و ما هو أعظم‌ من‌ ذلك‌ كتبدّل‌ القطبينِ إلي‌ منطقة‌ البروج‌ علي‌ ما تشرحه‌ علوم‌ طبقات‌ الارض‌ و الهيئة‌ و الجغرافية‌. ثمّ يقول‌ بعد ذكر آيات‌ من‌ القرآن‌ مرّت‌ في‌ مطاوي‌ بحثنا:

 فإنّ الآيات كما تري‌ تشهد بأنّ سنّة‌ الله‌ في‌ بقاء هذا النسل‌ أن‌ يتسبّب‌ إليه‌ بالنطفة‌، لكنّه‌ أظهره‌ حينما أظهره‌ بخلقه‌ من‌ تراب‌، و أنّ آدم‌ خلق‌ من‌ تراب‌، و أنّ الناس‌ بنوه‌، فظهور الآيات في‌ انتهاء هذا النسل‌ إلي‌ آدم‌ و زوجته‌ ممّا لاريب‌ فيه‌ و إن‌ لم‌ تمتنع‌ من‌ التأويل‌.

الرجوع الي الفهرس

المراد من‌ آدم‌ في‌ القرآن‌ آدم‌ الشخصيّ لا آدم‌ النوعيّ

 و قال‌ البعض‌: إنّ المراد بآدم‌ في‌ آيات‌ الخلقة‌ و السجدة‌ لآدم‌: النوعيّ! دون‌ الشخصيّ، كأنّ مُطلق‌ الإنسان‌ من‌ حيث‌ انتهاء خلقه‌ إلي‌ الارض‌ و من‌ حيث‌ قيامه‌ بأمر النسل‌ و الإيلاد سُمّي‌ بآدم‌، و ربّما استظهر ذلك‌ من‌ قوله‌ تعالي‌: وَ لَقَدْ خَلَقْنَـ'كُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـ'كُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـ'ئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ، [3] فإنّه‌ لايخلو من‌ إشعار بأنّ الملائكة‌ إنّما أمروا بالسجدة‌ لمن‌ هيّأه‌ الله‌ لها بالخلق‌ وا لتصوير، و قد ذكرت‌ الآية‌ أنّه‌ جميع‌ الافراد لا شخص‌ إنسانيّ واحد معيّن‌ حيث‌ قال‌: وَ لَقَدْ خَلَقْنَـ'كُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـ'كُمْ إلي‌ آخر الآية‌، و هكذا قوله‌ تعالي‌:

 قَالَ يَـ'إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن‌ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ـ إلي‌ أن‌ قال‌: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي‌ مِن‌ نَّارٍ وَ خَلَقْتَهُ و مِن‌ طِينٍ ـ إلي‌ أن‌ قال‌: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. [4]

 حيث‌ أبدل‌ ما ذكره‌ مفرداً أوّلاً مثل‌ خَيْرٌ مِّنْهُ و خَلَقْتَهُ إلي‌ الجمع‌ ثانياً مثل‌ لاُغْوِيَنَّهُمْ. و يردّه‌ مضافاً إلي‌ كونه‌ علي‌ خلاف‌ ظاهر ما نقلناه‌ من‌ الآيات ظاهرُ قوله‌ تعالي‌ بعد سرد قصّة‌ آدم‌ و سجدة‌ الملائكة‌ و إباء إبليس‌ في‌ سورة‌ الاعراف‌:

 يَـ'بَنِي‌´ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَّكُمُ الشَّيْطَنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيهُمَا سَوْءَتِهِمَآ، [5] فظهور الآية‌ في‌ شخصيّة‌ آدم‌ ممّا لا ينبغي‌ أن‌ يرتاب‌ فيه‌، و كذا قوله‌ تعالي‌:

 وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُو´ا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا.

 قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَـ'ذَا الَّذِي‌ كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَي‌ يَوْمِ الْقِيَـ'مَةِ لاَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ و إِلاَّ قَلِيلاً،[6] فواضح‌ في‌ هذه‌ الآية‌ بعد ذكر آدم‌ الشخصيّ أنّ الشيطان‌ يريد إغواء ذرّيّته‌ من‌ ولد آدم‌. و كذا الآية‌ المبحوثة‌: يَـ'أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي‌ خَلَقَكُم‌ مِّن‌ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ خَلَقز مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيًا وَ نِسَآءً إلي‌ اخر الآية‌ بالتقريب‌ الذي‌ مرّبيانه‌.

 فالآيات ـ كما تري‌ ـ تأبي‌ أن‌ يسمّي‌ الإنسان‌ آدم‌ باعتبار و ابن‌ آدم‌ باعتبار آخر، و كذا تأبي‌ أن‌ تنسب‌ الخلقة‌ إلي‌ التراب‌ باعتبار و إلي‌ النطفة‌ باعتبار آخر، و خاصّة‌ في‌ مثل‌ قوله‌ تعالي‌: إِنَّ مَثَلَ عِيسَي‌' عِندَ اللَهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ و مِن‌ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ و كُن‌ فَيَكُونُ، و إلاّ لم‌ يستقم‌ استدلال‌ الآية‌ علي‌ كون‌ خلقة‌ عيسي‌ استثنائيّة‌ ناقضة‌ للعادة‌ الجارية‌. فالقول‌ بآدم‌ النوعيّ في‌ حدّ التفريط‌؛ و الإفراط‌ الذي‌ يقابله‌ قول‌ بعضهم‌ إنّ القول‌ بخلق‌ أزيد من‌ آدم‌ واحد كفر. ذهب‌ إليه‌ زين‌ العرب‌ من‌ علماء السُّنّة‌. [7]

 و يستفاد ثانياً: أنّ الطبقة‌ الاُولي‌ من‌ الإنسان‌ كانت‌ عبارة‌ عن‌ آدم‌ و زوجه‌، اللذين‌ تكاثرا عن‌ طريق‌ التزواج‌ فأولدا بنين‌ و بنات‌؛ و الكلام‌ هنا في‌ كيفيّة‌ تكاثر نسل‌ هؤلإ الاولاد مع‌ أنّهم‌ كانوا كلّهم‌ إخوة‌ و أخوات‌. فهل‌ تحقّق‌ ذلك‌ فيما بينهم‌؟! أو تمّ بطريقٍ آخر؟

الرجوع الي الفهرس

ظاهر القرآن‌ أنّ نكاح‌ أولاد آدم‌ كان‌ فيما بينهم‌

 يشير ظاهر الآية‌ المذكورة‌: وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيرًا وَ نِسَآءً، إلي‌ اتّصال‌ هذا النسل‌ الموجود بآدم‌ و زوجه‌ بلا مشاركة‌ من‌ الغير، ذكراً كان‌ أم‌ أُنثي‌، لانّ القرآن‌ حين‌ عبّر ب بَثَّ لانتشار ذلك‌ النسل‌ فإنّه‌ لم‌ يُشير إلي‌ غير ذينك‌ الشخصين‌، فلو كان‌ قد شاركهما في‌ هذا النسل‌ غيرهما، لقال‌: وَ بَثَّ مِنْهُمَا وَ مِنْ غَيْرِهِمَا، أو عبارة‌ أُخري‌ تشبهها.

 و حين‌ نعتبر مبدأ التوالد و التناسل‌ منحصراً في‌ آدم‌ و زوجه‌ فيتسوجب‌ أن‌ يكون‌ التزاوج‌ قدحصل‌ بين‌ البنين‌ و البنات‌. و قد ورد في‌ هذا الخصوص‌ من‌ جهة‌ دلالة‌ الروايات‌ مضمومان‌ متفاوتان‌، الاوّل‌: أنّ التزواج‌ حصل‌ ـ كما تفيد الآية‌ ـ بين‌ الإخوة‌ و الاخوات‌، و هو أمر لا يستلزم‌ إشكالاً، لانّ حرمة‌ نكاح‌ الاُخت‌ إنّما تكون‌ بتشريع‌ الله‌ سبحانه‌، في‌ حين‌ لم‌ يكن‌ للناس‌ قبل‌ نوح‌ علي‌ نبيّنا و آله‌ و عليه‌ السلام‌ شريعة‌، فقد كان‌ نوح‌ عليه‌ السلام‌ أوّل‌ الانبياء ذوي‌ العزم‌ الذي‌ كان‌ لهم‌ شريعة‌ و كتاب‌. فلم‌ يكن‌ للناس‌ قبل‌ زمن‌ نوح‌ مجتمع‌ و مدنيّة‌، و كانوا يعيشون‌ بشكل‌ بدائيّ بسيط‌. و إذا كان‌ قد جاءهم‌ أنبياء من‌ قِبَل‌ الله‌ تعالي‌ إلي‌ حكم‌ ما، فقد كان‌ ذلك‌ منحصراً بالاعتقاد بالتوحيد و الاحكام‌ العقليّة‌ المستقلّة‌ و بعض‌ الاحكام‌ البسيطة‌ العامّة‌، كالدعوة‌ للصدق‌ و عبادة‌ ربّ العزّة‌ عن‌ رغبة‌ و لهفة‌ و أمثال‌ ذلك‌، و إذا ما كان‌ آدم‌ نبيّاً أيضاً فإنّ تعالميه‌ و أحكامه‌ لنسله‌ ستكون‌ بهذا المقدار.

 و هذه‌ المجموعة‌ من‌ الروايات‌ قابلة‌ للاخذ و الاعتبار، لانّ مضمونها يوافق‌ كتاب‌ الله‌ و ينسجم‌ معه‌.

 والثاني‌: أنّ الله‌ تعالي‌ قد أنزل‌ من‌ الجنّة‌ غلماناً و حوريّات‌ ليتزوّجوا بأولاد آدم‌ و بناته‌ ذوي‌ السيرة‌ الحسنة‌، و أرسل‌ من‌ الجانّ ليتزوّجوا بأولاد آدم‌ ذوي‌ السيرة‌ السيّئة‌، و قد انقسم‌ الناس‌ لهذا السبب‌ إلي‌ مجموعتين‌. و جاء في‌ بعض‌ الروايات‌ أنّه‌ أرسل‌ حوريّة‌ من‌ الجنّة‌ إلي‌ هابيل‌ و جنيّد إلي‌ قابيل‌، فحسد قابيلُ هابيلَ و انتهي‌ به‌ الامر إلي‌ قتله‌. و ورد في‌ بعضها ما يشبه‌ ذلك‌ بمضامين‌ أُخري‌.

 و هذه‌ الروايات‌ بالغرم‌ من‌ أنّ بعضها صحيح‌ السند، لكنّها مرفوضة‌ جميعاً و غير قابلة‌ للعمل‌ بمقتضاها، لمخالفتها ظاهر كتاب‌ الله‌ تبعاً للادلّة‌ الاُصوليّة‌ التي‌ تدرّس‌ في‌ أُصول‌ الفقه‌؛ لذا فإنّ المتّبع‌ هو تلك‌ المجموعة‌ الاُولي‌ من‌ الروايات‌ الموافقة‌ لظاهر كتاب‌ الله‌.

الرجوع الي الفهرس

حرمة‌ نكاح‌ الاخوات‌ غير فطريّ، بل‌ حسب‌ مصالح‌ المجتمع‌

 و قد قال‌ الاُستاذ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ بعد البحث‌ بشأن‌ هذه‌ الآية‌ و عدم‌ مشاركة‌ غير الإنسان‌ في‌ بقاء نسل‌ بني‌ آدم‌:

 «و أمّا الحكم‌ بحرمة‌ نكاح‌ الاخوات‌ في‌ الإسلام‌ و كذا في‌ الشرائع‌ السابقة‌ عليه‌ علي‌ ما يُحكي‌، فإنّما هو حكم‌ تشريعيّ يتبع‌ المصالح‌ وا لمفاسد، لا تكوينيّ، غير قابل‌ للتغيير، و زمامه‌ بِيَدِ الله‌ سبحانه‌ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ وَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، فمن‌ الجائز أن‌ يبيحه‌ يوماً لاستدعاء الضرورة‌ ذلك‌ ثمّ يُحرّمه‌ بعد ذلك‌ لارتفاع‌ الحاجة‌ و استيجابه‌ انتشار الفحشاء في‌ المجتمع‌. و القول‌ بأنّه‌ علي‌ خلاف‌ الفطرة‌ و ما شرعه‌ الله‌ لانبيائه‌ دين‌ فطريّ قول‌ فاسد؛ قال‌ تعالي‌:

 فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. [8]

 فإنّ الفطرة‌ لا تنفيه‌ و لا تدعو إلي‌ خلافه‌ من‌ جهة‌ تنفّرها عن‌ هذا النوع‌ من‌ المباشرة‌ (مباشرة‌ الاخ‌ مع‌ الاُخت‌)، و إنّما تبغضه‌ و تنفيه‌ من‌ جهة‌ تأديته‌ إلي‌ شيوع‌ الفحشاء والمنكر و بطلان‌ غريزة‌ العفّة‌ بذلك‌ و ارتفاعها عن‌ المجتمع‌ الإنسانيّ، و من‌ المعلوم‌ أنّ هذا النوع‌ من‌ التماسّ و المباشرة‌ إنّما ينطبق‌ عليه‌ عنوان‌ الفجور و الفحشاء في‌ المجتمع‌ العالميّ اليوم‌، و أمّا المجتمع‌ يوم‌ ليس‌ هناك‌ بحسب‌ ما خلق‌ اله‌ سبحانه‌ إلاّ الإخوة‌ و الاخوات‌ و المشيّة‌ الإلهيّة‌ متعلّقة‌ بتكثّرهم‌ و انبثاثهم‌ فلا ينطبق‌ عليه‌ هذا العنوان‌.

 و الدليل‌ علي‌ أنّ الفطرة‌ لا تنفيه‌ من‌ جهة‌ النفرة‌ الغريزيّة‌ تداوله‌ بين‌ المجوس‌ أعصاراً طويلة‌ (علي‌ ما يقصّه‌ التأريخ‌) و شيوعه‌ قانونيّاً في‌ روسيا (علي‌ ما يُحكي‌) و كذا شيوعه‌ سفاحاً من‌ غير طريق‌ الزواج‌ القانونيّ في‌ أُوروبّا. [9]

 و قد قال‌ مونتسكيو في‌ كتاب‌ «روح‌ القوانين‌» ] إنّ هذا العلم‌ مخالف‌ للقوانين‌ الطبيعيّة‌، و هي‌ التي‌ تجري‌ في‌ الإنسان‌ قبل‌ عقده‌ المجتمع‌ الصالح‌ لإساده‌، فإنّ الاختلاط‌ و الاستيناس‌ في‌ المجتمع‌ المنزليّ! يبطل‌ غريزة‌ التعشّق‌ و الميل‌ الغريزيّ بين‌ الإخوة‌ و الاخوات‌ [ و هو قولٌ فاسد، لانّه‌ ممنوع‌ كما تقدّم‌ أوّلاً، و مقصور في‌ صورة‌ عدما لحاجة‌ الضروريّة‌ ثانياً، و مخصوص‌ بما لا تكون‌ القوانين‌ الوضعيّة‌ غير الطبيعيّة‌ حافظة‌ للصلاح‌ الواجب‌ الحفظ‌ فيي‌ المجتمع‌ و متكفّلة‌ لسعادة‌ المجتمعين‌، و إلاّت‌ فمعظم‌ القوانين‌ المعمول‌ بها و الاُصول‌ الدائرة‌ في‌ الحياة‌ اليوم‌ غير طبيعيّة‌». [10]

الرجوع الي الفهرس

ردّ العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ علي‌ فرضيّة‌ تغيّر الانواع‌

 نعم‌، فبعد بحث‌ مفصّل‌ للاُستاذ حول‌ انتهاء نسل‌ جميع‌ البشر إلي‌ أُمّ واحدة‌ و أب‌ واحد و وقوع‌ التوالد و التناسل‌ بعد ذينك‌ الابوين‌ بين‌ أولادهما بلا تدخّل‌ من‌ موجود آخر، عقد بحثاً مستقلاً تحت‌ عنوان‌: إنّ الإنسان‌ نوع‌ مستقلّ و ليس‌ متحوّلاً من‌ نوع‌ آخر، جدير بالاهتمام‌ و التأمّل‌:

 «إنّ الآيات السابقة‌ تكفي‌ مؤونة‌ هذا البحث‌ فإنّها تنهي‌ هذا النسل‌ الجاري‌ بالنطفة‌ إلي‌ آدم‌ و زوجته‌ و تبيّن‌ أنّهما خلقا من‌ تراب‌، فالإنسانيّة‌ تنتهي‌ إليهما و هما لا يتّصمن‌ بآخر يماثلها أو يجانسهما و إنّما حدثا حدوثاً.

 و الشايع‌ اليوم‌ عند الباحثين‌ عن‌ طبيعة‌ الإنسان‌ أنّ الإنسان‌ الاوّل‌ فَرْدٌ تكامل‌ إنساناً، و هذه‌ الفرضيّة‌ بخصوصها و إن‌ لم‌ يتسلّمها الجميع‌ تسلّماً يقطع‌ الكلام‌، و اعترضوا عليها بأُمور كثيرة‌ مذكورة‌ في‌ الكتب‌، لكنّ أصل‌ الفرضيّة‌ و هي‌ أنّ الإنسان‌ حيوانٌ تحوّل‌ إنساناً ممّا تسلّموه‌ و بنوا عليه‌ البحث‌ عن‌ طبيعد الإنسان‌. فإنّهم‌ فرضوا أنّ الارض‌ ـ و هي‌ أحد الكواكب‌ السيّارة‌ ـ قطعة‌ من‌ الشمس‌ مشتقّة‌ منها، و قد كانت‌ في‌ حال‌ الاشتعال‌ و الذوبان‌ ثمّ أخذت‌ في‌ التبرّد من‌ تسلّط‌ عوامل‌ البرودة‌، و كانت‌ تنزل‌ عليها أمطار غزيرة‌ و تجري‌ عليها السيول‌ و تتكوّن‌ فيها البحار. [11]

 ثمّ حدثت‌ تراكيب‌ مائيّة‌ و أرضيّة‌ فحدثت‌ النباات‌ المائيّة‌ ثم‌ حدثت‌ بتكامل‌ النباتات‌ و اشتمالها علي‌ جراثيم‌ الحياد السمك‌ و سائر الحيوان‌ الماثيّ، ثمّ السمك‌ الطائر ذوالحياتين‌، ثمّ الحيوان‌ البرّي‌، ثمّ الإنسان‌، كلّ ذلك‌ بتكامل‌ عارض‌ للتركيب‌ الارضيّ الموجود في‌ المرتبة‌ السابقة‌ يتحوّل‌ به‌ التركيب‌ في‌ صورته‌ إلي‌ المرتبة‌ اللاحقة‌، فالنبات‌ ثمّ الحيوان‌ المائيّ ثم‌ اًلحيوان‌ ذو الحياتين‌ ثمّ الحيوان‌ البرّيّ ثمّ الإنسان‌ علي‌ الترتيب‌ هذا.

 كلّ ذلك‌ لما يشاهد من‌ الكمال‌ المنظّم‌ في‌ بُنيتها و نظم‌ المراتب‌ الآخذة‌ من‌ النقص‌ إلي‌ الكمال‌ و لما يعطيه‌ التجريب‌ في‌ موارد جزئيّة‌ التطوّر، و هذه‌ فرضيّة‌ افترضت‌ لتوجيه‌ ما يلحق‌ بهذه‌ الانواع‌ من‌ الخواصّ و الآثار من‌ غير قيام‌ دليل‌ عليه‌ بالخصوص‌ و نفي‌ ما عداها مع‌ إمكان‌ فرض‌ هذه‌ الانواع‌ متبائنة‌ من‌ غير اتّصال‌ بينها بالتطوّر، و قصر التطوّر علي‌ حالات‌ هذه‌ الانواع‌ دون‌ ذواتها و هي‌ التي‌ جري‌ فيها التجارب‌، فإنّ التجارب‌ لم‌ تتناول‌ فرداً من‌ أفراد هذه‌ الانواع‌ تحوّل‌ إلي‌ فرد من‌ نوع‌ آخر كقردة‌ الي‌ إنسان‌ و إنّما يتناول‌ بعض‌ هذه‌ الانواع‌ من‌ حيث‌ خواصّها و لوازمها و أعراضها. و استقصاء هذا البحث‌ يُطلب‌ من‌ غير هذا الموضع‌، و إنّما المقصود الإشارة‌ إلي‌ أنّه‌ فرض‌ افترضوه‌ لتوجيه‌ ما يرتبط‌ به‌ من‌ المسائل‌ من‌ غير أن‌ يقوم‌ عليه‌ دليل‌ قاطع‌، فالحقيقة‌ التي‌ يشير إليها القرآن‌ الكريم‌ من‌ كون‌ الإنسان‌ نوعاً مفصولاً عن‌ سائر الانواع‌ غير معارضة‌ بشي‌ء علميّ. [12]

 و يستفاد من‌ بيان‌ الاُستاذ أنّ ما قالوه‌ و أثبتوه‌ و تسالموا عليه‌ في‌ بحوث‌ علم‌ الحياة‌ و علم‌ الاجنّة‌ و علم‌ الفسائل‌ التي‌ يشكّل‌ مجموعها علم‌ الطبيعة‌ هو تطوّر الانواع‌ فقط‌ لا تبدّلها و تغيّرها.

 فالتطوّر في‌ الانواع‌ يعني‌ التغييرات‌ في‌ الآثار و الخواصّ و العوارض‌ الداخليّة‌ لذلك‌ النوع‌، كالتغييرات‌ والتحوّلات‌ الحاصلة‌ في‌ نوع‌ الحصان‌، أو نوع‌ الفيل‌، أو نوع‌ الغنم‌؛ و التي‌ طوت‌ في‌ مسير تكاملها مدارج‌ و مراحل‌ معيّنة‌.

 و التبدّل‌ في‌ الانواع‌ يعني‌ تغيّر و تبدّل‌ نوع‌ لنوع‌ آخر، كأن‌ يتغيّر فرد أو أفراد من‌ نوع‌ الحصان‌ إلي‌ فرد أو أفراد من‌ نوع‌ الفيل‌، و كتغيّر أحد.فراد النسناس‌ و القرود إلي‌ فرد من‌ البشر.

 و ما جري‌ إثباته‌ في‌ علم‌ الطبيعيّات‌ هو التطوّرات‌ في‌ الانواع‌، أمّا تبدّلها فلم‌ يقم‌ عليه‌ الدليل‌ العلميّ أبداً، و لم‌ يثبت‌ بالتجربة‌؛ و خمصة‌ الامر لم‌ يتمّ إراءة‌ دليل‌ نظريّ أو تجربيّ عليه‌، و لو تمّ ذلك‌ لصار بشكل‌ قانون‌ و قاعدة‌. و كان‌ كلّ ما قيل‌ و كتب‌ و بُحث‌ بشأن‌ تبدّل‌ الانواع‌ عبارة‌ عن‌ فرضيّة‌ تحقّق‌ ذلك‌، و لا تصلح‌ الفرضيّة‌ لا8ن‌ تكون‌ دليلاً علي‌ موضوع‌ معيّن‌، لذا ففرضيّة‌ تبدّل‌ الانواع‌ بشكل‌ عامّ لا تستند إلي‌ دليل‌ علميّ.

 و قد وافق‌ الاُستاذ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ علي‌ مسألة‌ التطوّر في‌ الانواع‌ و أثبت‌ علي‌ أساسها أنّ اختلاف‌ دماء البشر الموجب‌ لاختمف‌ ألوانهم‌ (الابيض‌ و الاسود و الاحمر و الاصفر) لا يوجب‌ و لا يبرّر اعتبارنا البشر منقسمين‌ لاربعة‌ أنواع‌ مستقلّة‌، لانّ الابحاث‌ الطبيعيّة‌ مبنيّة‌ علي‌ فرضيّة‌ التطوّر في‌ الانواع‌.

 «و مع‌ هذا البناء كيف‌ يمكن‌ الاطمئنان‌ بعدم‌ استناد اختلاف‌ الدماء فاختلاف‌ الالوان‌ إلي‌ وقوع‌ التطوّر في‌ هذا النوع‌؟

 مع‌ أنّنا نعلم‌ أنّهم‌ جزموا هذه‌ الايّام‌ بوقوع‌ تطوّرات‌ كثيرة‌ في‌ الانواع‌ الحيوانيّة‌ كالفرس‌ و الغنم‌ و الفيل‌ و غيرها. و قد ظفر البحث‌ و الفحص‌ بآثار أرضيّة‌ كثيرة‌ تكشف‌ عن‌ ذلك‌، علي‌ أنّ العلماء اليوم‌ لا يعتنون‌ بهذا الاختلاف‌ كثيراً.» [13]

الرجوع الي الفهرس

ردّ العلاّمة‌ الطباطبائيّ علي‌ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌» في‌ نظريّة‌ تغيّر الانواع‌

 و بعد أن‌ أورد الاُستاذ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ بحثاً وافياً حول‌ هذه‌ المسألة‌ في‌ الجزء الرابع‌ من‌ تفسيره‌، حيث‌ استفدنا من‌ مقدار منه‌، يبدو أنّه‌ عثر علي‌ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌» الذي‌ حاول‌ مؤلّفه‌ فيه‌ بإصرار إثبات‌ التبدّل‌ والتغيّر في‌ الانواع‌ استناداً إلي‌ آيات‌ الران‌ فعدّ العلاّمة‌ مطالبه‌ مرفوضة‌ بأجمعها، و ردّ عليها جميعاً في‌ الجزء السادس‌ عشر ضمن‌ بحث‌ في‌ ستّة‌ صفحات‌ بعنوان‌: كلام‌ في‌ كينونة‌ الإنسان‌ الاُولي‌ [14]، دون‌ أني‌ شير إلي‌ اسم‌ الكتاب‌ أو مؤلّفه‌، و قد أدّي‌ ذلك‌ إلي‌ قيام‌ مؤلّف‌ الكتاب‌ المذكور بإلحاق‌ عدّة‌ صفحات‌ في‌ آخر كتابه‌ تحت‌ عنوان‌ بحث‌ و توضيح‌ إضافيّ ليكون‌ ـ في‌ نظره‌ ـ قد أجاب‌ علي‌ ردّ الاُستاذ.

 و قد استدلّ الحقير في‌ البحث‌ السابق‌ علي‌ انسجام‌ الآيات القرآنيّة‌ مع‌ النهج‌ التفسيريّ و بيان‌ الاُستاذ، في‌ حين‌ كانت‌ مطالب‌ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌» غير صحيحة‌ من‌ وجهة‌ نظر الاستدلالات‌ القرآنيّة‌.

 و نطرح‌ بعض‌ أقوال‌ الاُستاذ الواردة‌ في‌ هذا الجزء من‌ التفسير، التي‌ تردّ علي‌ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌»؛ ثمّ نعرض‌ رأينا ليتّضح‌ صواب‌ كلام‌ الاُستاذ و خطأ كلام‌ مؤلّف‌ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌» و مخالفته‌ للصواب‌.

 قال‌ الاُستاذ: «و أمّا القول‌ بانتهاء النسل‌ إلي‌ فردين‌ من‌ الإنسان‌ الكامل‌ بالكمال‌ الفكريّ من‌ طريق‌ التوالد، ثمّ انشعابهما وا نفصالهما بالتطوّر من‌ نوع‌ آخر من‌ الإنسان‌ غير الكامل‌ بالكمال‌ الفكريّ، ثمّ انقراض‌ الاصل‌ و بقاء الفرع‌ المتولّد منهما علي‌ قاعدة‌ تنازع‌ القاء و انتخاب‌ الاصلح‌، فيدفعه‌ قوله‌ تعالي‌: إِنَّ مَثَلَ عِيسَي‌ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ و مِن‌ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ و كُن‌ فَيَكُونُ، علي‌ التفسير المتقدّم‌ و ما في‌ معناه‌ من‌ الآيات‌.

 علي‌ أنّ الحجّة‌ التي‌ أُقيمت‌ علي‌ هذا القول‌ قاصرة‌ عن‌ إثباته‌، فإنّها شواهد مأخوذة‌ من‌ التشريح‌ التطبيقيّ و أجنّة‌ الحيوان‌ و الآثار الحفريّة‌ الدالّة‌ علي‌ التغيّر التدريجيّ في‌ صفات‌ الانواع‌ و أعضائها، و ظهور الحيوان‌ تدريجاً آخذاً من‌ الناقص‌ إلي‌ الكامل‌، و خلق‌ ما هو أبسط‌ من‌ الحيوان‌ قبل‌ ما هو أشدّ تركيباً.

 و فيه‌ أنّ ظهور النوع‌ الكامل‌ من‌ حيث‌ التجهيزات‌ الحيويّة‌ بعد الناقص‌ زماناً لا يدلّ علي‌ أزيد من‌ تدرّج‌ المادّة‌ في‌ استكمالها لقبول‌ الصور الحيوانيّة‌ المختلفة‌، فهي‌ قد استعدّت‌ لظهور الحياة‌ الكاملة‌ فيها بعد الناقصة‌، و الشرية‌ بعد الخسيسة‌، و أمّا كون‌ الكامل‌ من‌ الحيوان‌ منشعباً من‌ الناقص‌ بالتولّد و الاتصّال‌ النسبيّ فلا و لم‌ يعثر هذا الفحص‌ و البحث‌ علي‌ غزارته‌ و طول‌ زمانه‌ علي‌ فرد نوع‌ كامل‌ متولّد من‌ فرع‌ نوع‌ آخر، علي‌ أن‌ يقف‌ علي‌ نفس‌ التولّد دون‌ الفرد والفرد.

 وَ مَا وُجِدَ فِيهَا شَاهِداً عَلَي‌ التَّغَيُّرِ التَدرِيجيّ فَإنَّمَا هُوَ تَغَيُّرٌ فِي‌ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِالانْتِقَالِ مِن‌ صِفَةٍ أُخرَي‌ لاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ نَوْعِيَّتِهِ وَالمُدَّعَي‌ خِلاَفُ ذَلِكَ. فالذي‌ يُتسلّم‌:

 أنّ نشأة‌ الحياة‌ ذات‌ مراتب‌ مختلفة‌ بالكمال‌ و النقص‌ و الشرف‌ و الخسّة‌، و أعلي‌ مراتبها الحياة‌ الإنسانيّة‌ ثمّ مايليها ثمّ الامثل‌ فالامثل‌، و أمّا أنّ ذلك‌ من‌ طريق‌ تبدّل‌ كلّ نوع‌ ممّا يجاوره‌ من‌ النوع‌ الاكمل‌ فلا يفيده‌ هذا الدليل‌ علي‌ سبيل‌ الاستنتاج‌. نعم‌ يوجب‌ حدساً ما غير يقينيّ بذلك‌؛ فالقول‌ بتبدّل‌ الانواع‌ بالتطوّر فرضيّد حدسيّة‌ تبتني‌ عليها العلوم‌ الطبيعيّة‌ اليوم‌ و من‌ الممكن‌ أن‌ يتغيّر يوماً إلي‌ خمفها بتقدّم‌ العلوم‌ و توسّع‌ الابحاث‌». [15]

الرجوع الي الفهرس

الردّ الواهي‌ لمؤلّف‌ «خلقت‌ انسان‌» علي‌ مقولة‌ الاُستاذ في‌ نظريّة‌ تغيّر الانواع‌

 و قد ردّ مؤلّف‌ كتاب‌ «خلقت‌ إنسان‌» ( = خلق‌ الإنسان‌) علي‌ هذا البيان‌ بقوله‌: نذكر في‌ جوابنا لهذا الرأي‌ مطلبينِ:

 «أوّلهما: أنّ الامثلة‌ و الشواهد التي‌ أوردناها في‌ القسم‌ الاوّل‌ من‌ كتاب‌ « خلقت‌ إنسان‌ » ( = خلق‌ الإنسان‌) من‌ العلوم‌ العصريّة‌ للحياة‌ و لطبقات‌ الارض‌ و ذلك‌ لزيادة‌ اطّلاع‌ مَن‌ لا عهد لهم‌ بمثل‌ هذه‌ الابحاث‌ و لا تمثّل‌ إلاّت‌ جزءاً من‌ كلّ، و عشراً من‌ معشار الامثلة‌ و الموارد التي‌ جري‌ بحثها و تجربيتها في‌ كلٍّ من‌ فروع‌ العلم‌ المذكورة‌.

 و يمكن‌ اعتبار النتائج‌ الإيجابيّة‌ الحاصلة‌ في‌ القسم‌ العمليّ و التطبيقيّ للعلوم‌ المذكورة‌؛ كتحسين‌ الاُصول‌ و الانواع‌ النباتيّة‌ و الحيوانيّة‌ و مسائل‌ الصحّة‌ الإنسانيّة‌ أو اكتشافات‌ الحفريّات‌؛ مؤيّدة‌ لهذه‌ الابحاث‌ في‌ مسألة‌ التكامل‌ و ارتباط‌ سلسلة‌ الموجودات‌ الحيّة‌.

 و لو كان‌ كلّ ما ذُكر من‌ شواهد لبيان‌ ارتباط‌ و قرابة‌ لموجودات‌ فيما بينها ناقصاً غير مدعوم‌، فكيف‌ تمّ الوصول‌ إلي‌ النتائج‌ المدهشة‌ في‌ مسائل‌ الطبّ الحاضرة‌ مثلاً؟ أو في‌ الاستفادة‌ من‌ المنابع‌ الطبيعيّة‌!

 و كيف‌ يمكن‌ الاستناد علي‌ بحث‌ فلسفيّ واحد هو أنّ المادّة‌ لا تتقبّل‌ عند كمالها الصور الحيوانيّة‌ المختلفة‌ أن‌ يغضّ النظر عن‌ النتائج‌ العمليّة‌ و الملموسة‌ الاخيرة‌؟

 فهناك‌ في‌ العلوم‌ التجريبيّة‌ نظريّات‌ و فرضيّات‌ هي‌ غير القوانين‌ و القواعد، فالاُولي‌ متغيّرة‌ و غير قطعيّة‌، و الثانية‌ ثابتة‌ و لها جانب‌ قطعيّ، ففي‌ علوم‌ الحياة‌ مثلاً ليس‌ للنظريّة‌ العائدة‌ إلي‌ العلّة‌ أو العلل‌ المؤثّرة‌ في‌ التغيّر التدريجيّ للصفات‌ الطبيعيّة‌ لانواع‌ الموجودات‌ و انشعاب‌ مجموعة‌ من‌ مجموعة‌ أُخري‌ شكلاً قطعيّاً و ثابتاً، لكنّ مسألة‌ الظهور التدريجيّ للموجودات‌، و ارتباطها فيما بينها، و وجود أُسس‌ و قوانين‌ عامّة‌ في‌ هيكلها الجسميّ، من‌ قبيل‌ وجود محور عظميّ و عصبيّ ظهريّ، و جهاز الدورة‌ الدمويّة‌ المغلقة‌ في‌ جميع‌ الحيوانات‌ يعدّ أساساً و قانوناً عامّاً.

 و ما يستفاد منه‌ في‌ العلوم‌ الطبيعيّة‌ التجريبيّة‌ و ما يشكلّ أساس‌ الاكتشاف‌ و اكتساب‌ المعلومات‌ الجديدة‌ هي‌ هذه‌ القواعد و الاُسس‌، لا النظريّات‌ و الفرضيّات‌ القابلة‌ للتغيير، و التي‌ أشار اليها في‌ السطرين‌ 5 و 6 من‌ صفحة‌ 273.

الرجوع الي الفهرس

نقد كتاب‌ «خلق الإنسان‌» للاُستاذ العلاّمة‌ نقدٌ واهٍ و لا أساس‌ له‌

 و ثانيهما: أنّنا نذكّر مرّة‌ أُخري‌ أنّ ما بُحث‌ و استنتج‌ في‌ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌» قد استند إلي‌ الآيات القرآنيّة‌ فقط‌، و لم‌ يستفاد في‌ الاستنتاج‌ المذكور من‌ أيٍّ من‌ البحوث‌ العلميّة‌ و التكامليّد؛ و علي‌ هذا فلو فرضنا محالاً بعدم‌ وجود شواهد منع‌ لوم‌ الحياة‌ و طبقات‌ الارض‌ في‌ إثبات‌ مسألة‌ التكامل‌ و الانشعاب‌ التدريجيّ للموجودات‌، فإنّ ذلك‌ لن‌ يشكّل‌ خللاً و لا إيراداً علي‌ ما كتبنا و بحثنا في‌ الكتاب‌ سالف‌ الذكر». [16]

 و في‌ رأيي‌ فإنّ منشأ الخطأ للمؤلّف‌ المذكور و من‌ ساوقه‌ و شاكله‌ في‌ هذا النحو و الاُسلوب‌ هو الخلط‌ بين‌ الإمكان‌ و الوقوع‌، و بعبارة‌ أُخر: عدم‌ التمييز بين‌ القابليّة‌ و الفعليّة‌.

 فما ذُكر في‌ علوم‌ الحياة‌ من‌ الشواهد و الامثلة‌ لن‌ يعطي‌ نتيجة‌ أبعد من‌ إمكان‌ سلسلة‌ الاتّصال‌ لا وقوع‌ الاتّصال‌، و لو زادوا علي‌ الشواهد و الامثلة‌ عشرات‌ بل‌ مئات‌ الاضعاف‌ أمثالها.

 إنّ الحكماء و الفلاسفة‌ يفصلون‌ بعلميّة‌ التدقيق‌ و التحقيق‌ بين‌ هاتين‌ المسألتين‌، و لا يسمحون‌ لمطلب‌ ثبت‌ إمكانه‌ فقط‌ أن‌ يستفاد منه‌ أحياناً في‌ مرحلة‌ الوقوع‌ و الوجود الخارجيّ، ليمكن‌ للخصم‌ المجادل‌ أن‌ يستنتج‌ ـ بدون‌ الالتفات‌ إلي‌ التفاوت‌ بين‌ هاتين‌ المرحلتين‌ المختلفتين‌ ـ وقوع‌ و ثبوت‌ شي‌ء ما من‌ مجرّد إمكان‌ وجوده‌.

 في‌ حين‌ لم‌ يقدّم‌ داروين‌ و جميع‌ أتباعه‌ دليلاً أبعد من‌ الإمكان‌، و عجزوا عن‌ الإتيان‌ بأكثر من‌ ذلك‌ الدليل‌، فكيف‌ يت‌.تّي‌ الآن‌ لاتباع‌ تلك‌ المدرسة‌ أن‌ يثبئوا الوقوع‌ الخارجيّ بمحرّد إمكانه‌؟!

 و من‌ الطريف‌ في‌ الحكمة‌ و الفلسفة‌ أن‌ يري‌ أحد حديداً أُحمي‌ بالنار ثمّ يقول‌ باعتقاد جازم‌ إنّ هذا الحديد قد أُحمي‌ بأشعة‌ الشمس‌، و دليله‌ في‌ ذلك‌ أنّ الحديد يمتلك‌ قابليّة‌ الإتحماء لو بقي‌ تحت‌ أشعة‌ الشمس‌ مدّة‌ طويلة‌.

 و تماماً هذا هو كلام‌ مؤيّدي‌ تغيّر الانواع‌ الذين‌ يريدون‌ الحكم‌ بوقوع‌ التغيّر و التبدّل‌ من‌ المقارنة‌ و أُسلوب‌ تحديد الفسائل‌، و من‌ الحالات‌ الجنينيّة‌ المختلفة‌، و من‌ تناسب‌ الانسجة‌ الحيوانيّة‌، و أن‌ يصبح‌ هذا الإنكان‌ الذي‌ لا يعدو أن‌ يكون‌ فرضيّة‌، قانوناً و قاعدة‌، لكنّ الحكيم‌ يقف‌ بوجه‌ مغالطتهم‌ فيقول‌: هذه‌ مغالطة‌ و ليست‌ برهاناً، فأنتم‌ لم‌ تبرهنوا علي‌ أبعد من‌ الإمكان‌، أي‌ أنّكم‌ قدّمتم‌ فرضيّة‌ و نظريّة‌ ليس‌ إلاّ، فَلِمز تضعون‌ اسمها قانوناً و قاعدة‌؟ و لِمَ تقولون‌ في‌ علوم‌ الحياة‌ ارتباط‌ الموجودات‌ من‌ جهة‌ علاقة‌ الانشعاب‌ و التولّد هو قانون‌ و قاعدة‌؟

 إن‌ هو إلاّت‌ خطأ و تجانف‌ عن‌ الحقيقة‌ ذلك‌ الذي‌ قلتم‌ به‌، فالقابليّد غير الفعليّة‌، و الإمكان‌ غير الوجود و التحقّق‌.

 لذا، فإنّ ما تبحثون‌ عنه‌ في‌ علوم‌ الحياة‌، و تتخيّلونه‌ قاعدة‌ و أساساً مخدوش‌ لدينا، لانّه‌ لا يعطي‌.بعد من‌ إمكان‌ شي‌ء و فرض‌ وجوده‌، فمهما سمّيتموه‌ علماً فلن‌ يكون‌ بعلم‌، إن‌ هو إلاّ الحدس‌ و الظنّ و الخيال‌.

يقول‌ الحكيم‌: إنّ التكامل‌ في‌ النوع‌ غير التبدّل‌ في‌ النوع‌، و ما ثبت‌ بالتجربة‌ و المشاهدة‌ فعلاً هو التطوّر و التكامل‌ الحادث‌ في‌ داخل‌ كلّ نوع‌، لكنّكم‌ لم‌ تستطعيوا أن‌ تشيروا إلي‌ التبدّل‌ و لو في‌ مورد واحد، فضلاً عن‌ تبدّل‌ الحيوان‌ إلي‌ إنسان‌ غير مفكّر، و تبدّل‌ الإنسان‌ غير المفكّر إلي‌ إنسان‌ عالم‌ مفكّر.

 و الإشكال‌ الآخر: أنّه‌ قال‌: كيف‌ يمكن‌ بالاستناد إلي‌ بحث‌ فلسفيّ! واحد في‌ أنّ المادّة‌ لا تتقبّل‌ عند كمالها الصور الحيوانيّة‌ المختلفة‌ أن‌ يغضّ النظر عن‌ النتائج‌ العلميّة‌ الملموسة‌ المذكورة‌؟

 و ينبغي‌ أن‌ نسأله‌: أين‌ شاهدتم‌ هذا البحث‌ الفلسفيّ؟ و ممّن‌ سمعتموه‌؟ فنحن‌ لم‌ نره‌ حتّي‌ الآن‌ في‌ أيّ مكان‌، و لم‌ نسمع‌ به‌ من‌ أحد، وَ مَا سَمِعْنَا بِهَـ'ذَا فِي‌´ ءَابَائِنَا الاْوَّلِينَ. [17]

 فما ورد عن‌ الحكماء و الفلاسفة‌ يخالفه‌ و يعاكسه‌ تماماً، فهم‌ يقولون‌ إنّ المادّة‌ تتقبّل‌ أيّة‌ صورة‌ من‌ الصور الحيوانيّة‌، فتكون‌ عند تكاملها قد طوت‌ مراتب‌، و تشكلّت‌ و تصوّرت‌ بأشكال‌ متفاوتة‌ و صور مختلفة‌.

 و قد كان‌ إثبات‌ الحركة‌ الجوهريّة‌ من‌ قبل‌ الحكيم‌ الجليل‌ و الفيلسوف‌ النادرة‌، الذي‌ فتح‌ مغلّق‌ الابواب‌، و حلّ المعضلات‌ الصعاب‌، و استحدث‌ المسائل‌ الجديدة‌ في‌ الحكمة‌ المتعالية‌ علي‌ أساس‌ هذا المطلب‌؛ أنّ المادّة‌ تتحرّك‌ في‌ جوهرها فتّتخذ بنفسها الصور المختلفة‌، ثمّ تظهر في‌ النفس‌ الناطقة‌ و الروح‌ المجرّدة‌ الإنسانيّة‌، ثمّ تتحرّك‌ من‌ هناك‌ أيضاً لتطوي‌ آخر درجة‌ من‌ درجات‌ التكامل‌.

 أفلم‌ تقرأوا بعدُ هذه‌ الاشعار البديعة‌ و اللطيفة‌ و العميقة‌ للملاّ الروميّ، محمّد البلخيّ:

 از جمادي‌ مُردم‌ و نامي‌ شدم‌         وز نما مردم‌ به‌ حيوان‌ سر زدم‌[18]

 مردم‌ از حيواني‌ و آدم‌ شدم‌         پس‌ چه‌ ترسم‌ كي‌ ز مردن‌ كم‌ شدم‌

 حملة‌ ديگر بميرم‌ از بشر         تا بر آرم‌ از ملايك‌ بال‌ و پر

 وز مَلَك‌ هم‌ بايدم‌ جَستن‌ ز جو         كُلُّ شَي‌ءٍ هَالِك‌ إِلاَّ وَجَهَهُ

 بار ديگر از مَلَك‌ قربان‌ شوم‌         آنچه‌ انرد وهم‌ نايد آن‌ شوم‌

 پس‌ عدم‌ گردم‌ عدم‌ چون‌ ارغنون‌         گويدم‌ كإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. [19]

 و أمّا الإشكال‌ الذي‌ كان‌ للاُستاذ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ علي‌ كلامكم‌ فهو: أنّ هذا الاستدلال‌ لا يشير إلي‌ أكثر من‌ أنّ المادّة‌ لا يمكنها في‌ طيّ مراحل‌ كمالها لقبول‌ الصور الحيوانيّة‌ المختلفة‌ إلاّ أن‌ تخضع‌ للتدرّج‌؛ فما علاقة‌ هذا القول‌ بعدم‌ قبول‌ المادّة‌ للصور الحيوانيّة‌ المختلفة‌؟

 فكلام‌ العلاّمة‌ راسخ‌ لا غبار عليه‌، و هذا الكلام‌ يعني‌ أنّ المادّة‌ ـ حسب‌ قولكم‌ ـ اتّخذت‌ في‌ تكاملها طريق‌ التدرّج‌، و هناك‌ في‌ عالم‌ الوجود تدرّج‌ من‌ الناقص‌ إلي‌ الكامل‌؛ و نحن‌ لا اعتراض‌ لدينا علي‌ هذا القول‌.

 الإشكال‌ الثالث‌: قوله‌: إنّ النظريّات‌ والفرضيّات‌ في‌ مجال‌ العلوم‌ التجريبيّة‌ هي‌ غير القوانين‌، فالاُولي‌ متغيّرة‌ و غير قطعيّة‌، و الثانية‌ ثابتة‌ و لها جانب‌ قطعيّ.

 و جوابه‌: إنّ هذا لا يشمل‌ العلوم‌ التجريبيّة‌ فقط‌، بل‌ يجري‌ و يصدق‌ علي‌ جميع‌ العلوم‌، يبقي‌ أنّ مطلب‌ النشوء و الارتقاء و الانتخاب‌ الطبيعيّ و التغيّر في‌ الانواع‌ يمثّل‌ فرضيّة‌ لا قانوناً، و أنتم‌ الذين‌ منحتموه‌ جزافاً اسم‌ القانون‌.

 إِن‌ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ ءَابَاؤُكُم‌ مَّآ أَنزَلَ اللَهُ بِهَا مرن‌ سُلْطَـ'نٍ. [20]

 أزيحوا جانباً هذا الاسم‌ الذي‌ وضعتموه‌ خطأً أو تغافلاً، فلن‌ يتبقَّ هناك‌ من‌ شي‌ء إلاّ النظريّة‌ و الفرضيّة‌ التي‌ لا يعلم‌ إلاّ الله‌ وحده‌ كم‌ جاء من‌ أمثالها في‌ الدنيا من‌ نظريّات‌ و أفكار ثمّ انطوت‌ و تلاشت‌.

الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ إنّ المراد بآدم‌ العَلَم‌ و الاسم‌ الخاصّ الذي‌ يطلق‌ علي‌ رأس‌ سلسلة‌ النوع‌ الاءنسانيّ، لذا ينبغي‌ العلم‌ أنّ المراد بألف‌ ألف‌ آدم‌ ليس‌ مليون‌ آدميّ خلقهم‌ الله‌ قبلاً، بل‌ مليون‌ رأس‌ سلسلة‌ جاء من‌ كلّ منهم‌ سلسلة‌ من‌ بني‌ آدم‌.

[2] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 4، ص‌ 156.

[3] ـ الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[4] ـ الآيات‌ 75 و 76 و 82 و 83، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[5] ـ الآية‌ 27، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[6] ـ الآيتان‌ 61 و 62، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[7] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 4، ص‌ 151 و 152.

-[8] الآية30،من السورة30:الروم.

[9] ـ من‌ العادات‌ الرائجة‌ في‌ هذه‌ الازمنة‌ في‌ الملل‌ المتمدّنة‌ من‌ أُوروبّا و أمريكا أنّ الفتيات‌ يزلن‌ بكارتهنّ قبل‌ الزواج‌ القانونيّ و البلوغ‌ إلي‌ سنّه‌، و قد أكّد الاءحصاء أنّ بعضها إنّما هو من‌ ناحية‌ آبائهنّ أو إخوانهنّ.

[10] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآ» ج‌ 4، ص‌ 154 و 155.

 لذا يمكن‌ الاستنتاج‌ أنّ قولهم‌ بتقديم‌ تلك‌ المجموعة‌ من‌ الروايات‌ ذات‌ السند الاصحّ، و الاستناد إلي‌ أنّ الزواج‌ بالاخوات‌ سفاح‌ هو رفض‌ لظاهر الآية‌ و كلام‌ خالٍ من‌ التحقيق‌ قد يقبله‌ العوامّ، و ذلك‌ أوّلاً: لانّ الآية‌ كانت‌ أعلي‌ من‌ الظهور و قريبة‌ منا لنصّ، لا8نّها كانت‌ في‌ مقام‌ بيان‌ خصوصيّة‌ و كيفيّة‌ انتشار أولاد آدم‌. و قد أورد العلاّمة‌ في‌ مواضع‌ عديدة‌ من‌ تفسيره‌ أنّ الروايات‌ الواردة‌ في‌ التفسير هي‌ غير الروايات‌ الواردة‌ في‌ الاحكام‌، و يجب‌ أن‌ لا تكون‌ خبراً لواحد، بل‌ مقطوعة‌ الصدور.

 ثانياً: لانّ تزاوج‌ أولاد آدم‌ مع‌ الملائكة‌ و الحور من‌ الجنّة‌ أو بالجنّ و الشياطين‌ في‌ عالما لمادّة‌ و الطبيعة‌ مخالف‌ للاُصول‌ العلميّة‌ الطبيعيّة‌ و مخالف‌ للقواعد و الاُصول‌ العقليّة‌ الحِكميّة‌، لانّ تزواج‌ فرد طبيعيّ مع‌ فرد مجرّد معنويّ لايحصل‌ إلاّت‌ عنط‌ ريق‌ الاءعجاز، و لم‌ يكن‌ ظاهر الآيات‌ إعجازيّاً، و إلاّ فإنّه‌ كان‌ ممكناً أن‌ يولد أولاد آدم‌ بلا أب‌ أو أُمّ في‌ المرتبة‌ الاُولي‌، شأنهم‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌.

 ثالثاً: فإنّ تزول‌ المَلَك‌ و الحوريّة‌ غير متصوّر ـ وفق‌ آيات‌ القرآن‌ ـ مع‌ أصل‌ و ثبات‌ هذه‌ النشأة‌، كما ورد في‌ الكثير من‌ الآيات‌ أن‌: وَ لَوْ جَعَلْنَـ'هُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَـ'هُ رَجُلاً وَ لَلَبَسْنَا عَلَيْهِمو مَّا يَلْبِسُونَ (الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌)؛ قُلْ لَّوْ كَانَ فِي‌ الاْرْضِ مَلَئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم‌ مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكًا رَّسُولاً (الآية‌ 95، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء)؛ وَ لَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًَا لَّقُضِيَ الاْمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُونَ (الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌).

 رابعاً: أنّ هذه‌ الفرضيّة‌ تستلزم‌ مشاركة‌ الغول‌ و الجنّ في‌ آباء الانبياء الكرام‌ و الذوات‌ الطاهرة‌، و حاشاهم‌ عن‌ ذلك‌.

 خامساً: فإنّ نزول‌ حوريّة‌ و جَنّيّة‌ في‌ عالم‌ الطبيعة‌ يجب‌ أن‌ يرجع‌ في‌ النهاية‌ إلي‌ إنسان‌ حسن‌ السيرة‌ و آخر سيّي‌ السيرة‌، لانّ تلبّس‌ الملك‌ و الجنّ بلباس‌ المادّة‌ سوف‌ لن‌ يجعله‌ إلاّت‌ إنساناً، و سيدعم‌ هذا القول‌ رأي‌ القائلين‌ بتكامل‌ الانواع‌ و عدم‌ انتهاء النسل‌ البشريّ إلي‌ آدم‌ و حوّاء، و قد جري‌ بيان‌ فساد هذا القول‌ مفصّلاً.

 أورد آية‌ الله‌ الشعرانيّ في‌ كتاب‌ «طريق‌ السعادة‌» ص‌ 138 و 139، الطبعة‌ الاُولي‌: أنّ اليهود والنصاري‌ يقولون‌ بعدم‌ وجود النسخ‌ في‌ أحكام‌ الله‌، لانّ إرادة‌ الله‌ لا تتغيّر، فما حُكم‌ به‌ بقي‌ أزلاً و أبداً. و يقولون‌ إنّ موسي‌ أوّل‌ من‌ أورد الشرائع‌، و هذه‌ الشريعة‌ باقية‌ إلي‌ يوم‌ القيامة‌. و قد استدلّ المرحوم‌ الشعرانيّ لاءبطال‌ كلامهم‌ و إثبات‌ التناسخ‌ بوجوه‌... حتّي‌ يصل‌ إلي‌ القول‌: و يقول‌ اليهود إنّ يعقوب‌ كان‌ له‌ زوجتين‌ أُختين‌: لياه‌ و راحيل‌؛ و من‌ ثمّ فقد كان‌ الجمع‌ بين‌ الاُختينِ في‌ شريعة‌ ا7براهيم‌ جائزاً، ثمّ جري‌ تحريمه‌ في‌ شريعد موسي‌ عليه‌ السلام‌.

 و يقول‌ المفسّرون‌ اليهود أيضاً إنّ عمران‌ أبا موسي‌ عليه‌ السلام‌ تزوّج‌ عمّته‌ فولد له‌ منها موسي‌ و هارون‌ عليهما السلام‌، و من‌ ثمّ فقد كان‌ الزواج‌ بالعمّة‌ في‌ شريعة‌ إبراهيم‌ جائزاً ثمّ حُرّم‌ في‌ التوراة‌.

 و يتّضح‌ من‌ سفر التكوين‌ «20: 12» أنّ سارة‌ كانت‌ أُخت‌ إبراهيم‌ لابيه‌؛ فإن‌ صحّ ذلك‌ فقد نُسخ‌ حكم‌ ذلك‌ في‌ شريعة‌ موسي‌ و ثبت‌ النسخ‌، و إن‌ لم‌ يصحّ فلا اعتماد علي‌ التوارة‌ و لا اعتبار لحكم‌ أبديّتها.

[11] ـ إنّ كون‌ الارض‌ في‌ الاصل‌ قطعد من‌ الشمس‌ هي‌ فرضيّة‌ لابلاس‌ حيث‌ يقول‌: إنّ تشابه‌ الحركات‌ الوضعيّة‌ و الاءنتقاليّة‌ لاعضاء المنظومة‌ الشمسيّة‌ مع‌ بعضها، و كذلك‌ خروجها من‌ مركز السيّارات‌ لم‌ يحدث‌ تلقائيّاً، و علّة‌ ذلك‌ أنّ المنظومد الشمسيّة‌ كانت‌ في‌ بداية‌ الامر نجمة‌ سحابيّة‌ كبيرة‌ تمتدٌ إلي‌ مدار كوكب‌ النبتون‌، ثمّ فقدت‌ حرارتها شيئاً فشيئاً و انقسمت‌ و تجزّأت‌ بفعل‌ الضغط‌ والتراكم‌ إلي‌ كرات‌ ذات‌ أبعاد مختلفة‌، مركزها الحقيقيّ الشمس‌ التي‌ كانت‌ بنفسها جزءاً من‌ هذه‌ المنظومة‌ و شكّلت‌ فعلاً مركز هذه‌ الكرات‌ و منفصلة‌ عنها. كان‌ لابلاس‌ (Laplsce) منجّماً و مهندساً فرنسيّاً مشهوراً عاش‌ بين‌ 1749 و 1872 ميلاديّة‌). و هناك‌ آية‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ صريحة‌ في‌ أنّ الكرة‌ الارضيّة‌ كانت‌ متئصلة‌ و ملتحمة‌ في‌ بدء الخلقة‌ مع‌ الكرات‌ السماويّة‌، ثمّ فصلها الله‌ و فرّقها عن‌ بعضها: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَواتِ وَ الاْرْضِ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَـ'هُمَا. (الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 21: الانبياء) و ورد في‌ الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌: ثُمَّ اسْتَوَي‌ إِلَي‌ السَّمَاءِ وَ هِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَ لِلاَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَآئِعِينَ.

 

[12] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 4، ص‌ 153 و 154.

 إنّ كلام‌ الطبيعيّين‌ في‌ أنّ عمر الارض‌ ينتهي‌ إلي‌ مئات‌ الملايين‌ من‌ السنين‌ يفتقر إلي‌ الاساس‌ العلميّ و التحقيقيّ. و الاقرب‌ أنّ أنسالاً مختلفة‌ من‌ الاءنسان‌ قد وجدت‌. وي‌ ستفاد من‌ بعض‌ الاحاديث‌ استمرار خلقة‌ الاءنسان‌ إلي‌ أمد غير محدود، قال‌ المعصوم‌ فيها إنّ قبل‌ آدمنا هذا كان‌ آدم‌ موجوداً، و خُلق‌ قبله‌ آدم‌ و هكذا. و يبدو كذلك‌ قول‌ الطبيعيّين‌ في‌ هذا الامر بعيداً لجهة‌ أُخري‌ و هي‌ أنّ العلوم‌ و الفنون‌ البشريّة‌ قد تطوّرت‌ كثيراً في‌ الالفي‌ سنة‌ الاخيرة‌ هذه‌، فكيف‌ يمكن‌ أن‌ تمرّ ميين‌ السنين‌ علي‌ البشر دون‌ أيّ تأثير؟!

 و علي‌ ما يبدو فالاقرب‌ للعقل‌ أن‌ نقول‌ إنّ الاءنسان‌ قد ظهر خلال‌ ملايين‌ السنين‌ لمرّات‌ و قام‌ بالتكاثر و التوالد و التناسل‌، ثمّ انقرض‌ لعلّة‌ ماكالوباء و السيل‌ و الزلزلة‌ و القحط‌، ثمّ جاءت‌ مجموعة‌ أُخري‌ و هكذا.

 و كلامهم‌ في‌ أنّ إيجاد جميع‌ الموجودات‌ حتّي‌ التي‌ كانت‌ أصلاً لخلقتها يجب‌ أن‌ يكون‌ من‌ ذكر و أُنثي‌، لذا فإنّ خلقة‌ آدم‌ من‌ الطين‌ خروج‌ عن‌ هذه‌ القاعدة‌ كلامٌ قائم‌ علي‌ الحدس‌ و الظنّ ليس‌ إلاّ. و يقول‌ الطبيعيّون‌ اليوم‌: من‌ المسلّم‌ أنّ الحياة‌ لم‌ تكن‌ موجودة‌ علي‌ الارض‌ في‌ زمن‌ ما ثمّ ظهرت‌، فالكرة‌ الارضيّة‌ قد انفصلت‌ من‌ الشمس‌ و كانت‌ ملتهبة‌ ساخنة‌ كالشمس‌ لا يمكن‌ لايّ موجود حيّ أن‌ يعيش‌ عليها، ثمّ بردت‌ تدريجيّاً فصارت‌ قابلة‌ للعيش‌، لذا فإنّ الموجود الحيّ الاوّل‌ قد جاء بلا أب‌ و أُمّ، إنساناً كان‌ أو حيواناً. و العجب‌ من‌ خلقة‌ آدم‌ من‌ التراب‌ هو نفسه‌ العجب‌ من‌ خلقة‌ الموجودات‌ الاُخري‌ أيضاً، فلو تعقّلنا ظهور موجود حيّ متحرّك‌ من‌ التراب‌ فإنّ نشوء الاءنسان‌ سيكون‌ معقولاً هو الآخر. مضافاً إلي‌ هذا فقد ذكر الكثير من‌ الشواهد في‌ كتب‌ الحكمة‌ لخلقة‌ الحيوان‌ من‌ غير أب‌ و أُمّ معيّنين‌ من‌ الموادّ الارضيّة‌، كخلقة‌ العقرب‌ من‌ وضع‌ حجرين‌ جافّين‌ علي‌ بعضهما و رشّ مقدار من‌ الماء بينهما، أو كخلقة‌ القمّل‌ من‌ أوساخ‌ البدن‌، و كخلقة‌ السمك‌ في‌ ماء القناة‌ بدون‌ اتّصالها بشي‌ء. و بالطبع‌ فإنّ خلقها له‌ سبب‌ طبيعيّ نادر الوقوع‌ و لا يجب‌ أن‌ يكون‌ من‌ شيئين‌.

[13] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 4، ص‌ 150.

[14] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 16، ص‌ 269 إلي‌ 274.

[15] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 16، ص‌ 272 و 273.

[16] ـ كتاب‌ «خلقت‌ انسان‌» ( = خلق‌ الاءنسان‌) للدكتور يد الله‌ سحابي‌، ص‌ 192 و 193.

[17] ـ الآية‌ 36، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[18] ـ «ديوان‌ مثنوي‌ مولوي‌» ج‌ 3، ص‌ 295، س‌ 27 إلي‌ 29، طبعة‌ ميرزا محمودي‌.

 يقول‌: «كنتُ جماداً فمتُّ و نموت‌، ثمّ متّ من‌ حالة‌ النماء فصرت‌ حيواناً».

[19] -يقول:» و من‌ الحيوانيّة‌ متُّ فصرتُ آدميّاً، فَلِمَ الهلع‌ من‌ الموت‌ كرّةً أُخري‌؟

 إن‌ هيَ إلاّت‌ ميتة‌ أُخري‌ من‌ البشريّة‌ لاكتسب‌ من‌ الملائكة‌ أجنحة‌ و زغباً.

 و عَلَيَّ بعد ذاك‌ أن‌ أتابع‌ مسيرة‌ البحث‌ من‌ جديد، فكلّ شي‌ء هالك‌ إلاّ وجهه‌.

 فميتةٌ أُخري‌ من‌ المَلَك‌ تدفعني‌ لانال‌ ما لا يناله‌ الوهم‌.

 فأصبح‌ عدماً، عدماً كالمزامير قائلاً إنّا إليه‌ راجعون‌».

[20] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com