بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الاول / القسم الرابع: معنی نور القرآن، معنی الکتاب المبین و الامام المبین، الانسان الکامل و ا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة السابقة

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

البحث الثاني:

القرآن هو الهادي الي سبل السلام و المخرج من الظلمات الي النور

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی‌ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی‌ أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

 ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

تفسیر آیة : قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَـ'بٌ مُّبِينٌ

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌ :

 قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَـ'بٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ نُهُ سُبُلَ السَّلَـ'مِ وَيُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِهِ   وَيَهْدِيهِمْ إلَی‌' صِرَطٍ مُسْتَقِيمٍ . [1]

 وقد كان‌ مطلع‌ الآية‌ الاُولي‌ :  يَـ'´أَهْلَ الْكِتَـ'بِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنَ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَـ'بِ وَيَعْفُوا عَن‌ كَثِيرٍ .

 قال‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ مدّ ظلّه‌ العإلی‌ في‌ تفسير هاتين‌ الآيتين‌ : قوله‌ تعإلی‌ :  قَدْ جَآءَكُم‌ مِّنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَـ'بٌ مُّبِينٌ .  ظاهر قوله‌ :  قَدْ جَآءَكُم‌ مِّنَ اللَهِ  كون‌ هذا الجائي‌ قائماً به‌ تعإلی‌ نحو قيام‌ كقيام‌ البيان‌ أو الكلام‌ بالمبيِّن‌ والمتكلّم‌ ، وهذا يؤيّد كون‌ المراد بالنور هو القرآن‌ ؛ وعلی‌ هذا فيكون‌ قوله‌  وَكِتَـ'بٌ مُّبِينٌ  معطوفاً علیه‌ عطف‌ تفسير ، والمراد بالنور والكتاب‌ المبين‌ جميعاً القرآن‌ .

 وقد سمّي‌ الله‌ تعإلی‌ القرآن‌ نوراً في‌ موارد من‌ كلامه‌ ، كقوله‌ تعإلی‌ : وَاتَّبِعُوا النُّورَ الَّذِي‌ أُنزِلَ مَعَهُ ، [2]  وقوله‌ :  فَـَامِنُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ   وَالنُّورِ الَّذِي‌   أَنزَلْنَا ، [3]  وقوله‌ :  وَأَنزَلْنَآ إلَیكُمْ نُورًا مُّبِينًا . [4]

 ومن‌ المحتمل‌ أن‌ يكون‌ المراد بالنور النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ ما أفاده‌ صدر الكلام‌ في‌ الآية‌  قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا  ؛ وقد عدّه‌ الله‌ تعإلی‌ نوراً في‌ قوله‌ :  يَـ'´أَيُّهَا النَّبِّيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـ'كَ شَـ'هِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إلَی‌ اللَهِ بِإِذْنِهِ   وَسِرَاجًا مُّنِيرًا . [5]

 قوله‌ تعإلی‌ :  يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ، أي‌ أن‌ الله‌ يهدي‌ بسببه‌ ، ومعلوم‌ أنّ هذا السبب‌ من‌ الاسباب‌ الظاهريّة‌ ، فحقيقة‌ الهداية‌ قائمة‌ به‌ تعإلی‌ ، وهو الذي‌ يسخّر إمّا رسوله‌ أو قرآنه‌ لامر الهداية‌ .

 ومعني‌ السلام‌ ، والسلامة‌ هو التخلّص‌ من‌ كلّ شقاء يختلّ به‌ أمر سعادة‌ الحياة‌ في‌ دنيا أو آخرة‌ ، فأمر الهداية‌ الإلهيّة‌ يدور مدار اتّباع‌ رضوان‌ الله‌ ، وقد قال‌ تعإلی‌ :  لاَ يَرْضَي‌' لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ، [6]  وقال‌ : إِنَّ اللَهَ لاَ يَرْضَي‌' عَنِ الْقَوْمِ الْفَـ'سِقِينَ . [7]  ويتوقّف‌ بالآخرة‌ علی‌ اجتناب‌ سبيل‌ الظلم‌ والانخراط‌ في‌ سلك‌ الظالمين‌ ، وقد نفي‌ الله‌ سبحانه‌ عنهم‌ هدايته‌ وآيسهم‌ من‌ نيل‌ هذه‌ الكرامة‌ الإلهيّة‌ بقوله‌ :  وَاللَهُ لاَ يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الظَّـ'لِمِينَ . [8]

 فالآية‌ ؛ أعني‌ قوله‌ :  يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ   نَهُ و  سُبُلَ السَّلَـ'مِ ؛ تجري‌ مجري‌ قوله‌ :  الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيَمَـ'نَهُمْ بِظُلمٍ أُولَـ'´نءِكَ لَهُمُ الاْمْنُ وَهُم‌ مُّهْتَدُونَ . [9]

 قوله‌ تعإلی‌ :  وَيُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِهِ، في‌ جميع‌ الظلمات‌ وإفراد النور إشارة‌ إلی‌ أنّ طريق‌ الحقّ لا اختلاف‌ فيه‌ ولا تفرّق‌ وإن‌ تعدّدت‌ بحسب‌ المقامات‌ والمواقف‌ ، بخلاف‌ طريق‌ الباطل‌ ؛ والإخراج‌ من‌ الظلمات‌ إلی‌ النور إذا نُسب‌ إلی‌ غيره‌ تعإلی‌ كنبي‌ٍّ أو كتابٍ فمعني‌ إذنه‌ تعإلی‌ فيه‌ إجازته‌ ورضاه‌ ، كما قال‌ تعإلی‌ :  كِتَـ'بٌ أَنزَلْنَـ'هُ إلَیكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ،[10]   فقيّد إخراجه‌ إيّاهم‌ من‌ الظلمات‌ إلی‌ النور بإذن‌ ربّهم‌ ليخرج‌ بذلك‌ عن‌ الاستقلال‌ في‌ السببيّة‌ ، فإنّ السبب‌ الحقيقي‌ّ لذلك‌ هو الله‌ سبحانه‌ ؛ وقال‌ :  وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَي‌' بِـَايَـ'تِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ[11]    فلم‌ يقيّده‌ بالإذن‌ لاشتمال‌ أمر «أخرج‌» علی‌ معني‌ الإذن‌ ، وإذا نُسب‌ الإذن‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌ فمعني‌ إخراجهم‌ بإذن‌ إخراجهم‌ بعلمه‌ كما في‌ الآية‌ التي‌ نبحثها  وَيُخْرِجُهُم‌ مِّنَ الظُّلُمَـ'تِ إلَی‌ النُّورِ بِإِذْنِهِ، أي‌ بعلمه‌ يخرج‌ الله‌ سبحانه‌ تعإلی‌ الناس‌ ، وقد جاء الإذن‌ بمعني‌ العلم‌ في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ ، يُقال‌ أذن‌ به‌ أي‌ عَلِمَ به‌ ، ومن‌ هذا الباب‌ قوله‌ تعإلی‌ :  وَأَذَ نٌ مِّنَ اللَهِ وَرَسُولِهِ ،  [12] أي‌ إعلام‌ من‌ الله‌ ورسوله‌ ، والآية‌ :  فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَی‌' سَوَآءٍ ،  [13] وقوله‌ :  وَأَذِّن‌ فِي‌ النَّاسِ بِالْحَجِّ ، [14]  إلی‌ غيرها من‌ الآيات‌ .

 وقد جي‌ء  بالسُّبُل‌  بصيغة‌ الجمع‌ كما جي‌ء  بالصراط‌  بصيغة‌ المفرد ، لانّ سُبُل‌ السلام‌ إلی‌ الله‌ مختلفة‌ وكثيرة‌ ، أمّا الصراط‌ المستقيم‌ الذي‌ يُنسب‌ إلیه‌ تعإلی‌ فهو طريقٌ له‌ الهيمنة‌ علی‌ جميع‌ تلك‌ السبل‌ ، فكلُّ سبيلٍ إلی‌ الله‌ يتّحد مع‌ الصراط‌ المستقيم‌ بمقدار خلوصه‌ .[15]

 لقد وصف‌ الله‌ تعإلی‌ القرآن‌ في‌ الآية‌ التي‌ أوردناها مطلع‌ الكلام‌ بصفتينِ ، الاُولي‌ أ   نّه‌  نور، والثانية‌ أ   نّه‌  كتابٌ مبين‌، وبيّن‌ له‌ آثاراً ثلاثة‌ :

 الاوّل‌ : الهداية‌ إلی‌ سُبل‌ السلام‌ .

 الثاني‌ : الإخراج‌ من‌ عالم‌ الظلمات‌ إلی‌ النور بإذن‌ الله‌ .

 والثالث‌ : الإرشاد إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌ والطريق‌ الحقّ .

 وسنتحدّث‌ بحول‌ الله‌ وقوّته‌ بما يسعه‌ فكرنا في‌ هاتين‌ الصفتين‌ وهذه‌ الآثار الثلاثة‌ :

 الرجوع الي الفهرس

فی معنی نور القرآن

 أمّا أنّ القرآن‌ نور ، فلانّ آياته‌ جاءت‌ من‌ عالم‌ النور ، ولم‌ تقصر أو تعجز أبداً عن‌ تشخيص‌ أمراض‌ البشر وطريقة‌ علاجها الناجع‌ ، فكلّ ما يقوله‌ يُبيّنه‌ لتكامل‌ أفراد البشر إنّما هو محض‌ العلم‌ والبصيرة‌ والوصول‌ إلی‌ النتيجة‌ والهدف‌ ، لا الجهل‌ والشقاء والوصول‌ الاحتمإلی‌ّ .

 يُقال‌ النور في‌ اللغة‌ للشي‌ء  الظاهر في‌ نفسه‌ والمظهر لغيره‌، فالشمس‌ مثلاً نور ، لأنّها ظاهرة‌ بنفسها ومظهرة‌ للاشياء بإشراقها وضيائها ، وهي‌ لا تحتاج‌ إلی‌ مُظهر تكتسب‌ من‌ خلال‌ إنارته‌ قابليّة‌ الظهور والتجلّي‌ ، فهي‌ مضيئة‌ مشـرقة‌ بنفسـها ، ولها نور وإشـراق‌ لا  ينفك‌ عنها تُضـي‌ء به‌ الموجودات‌ الواقعة‌ في‌ معرض‌ إشعاعه‌ .

 بَيدَ أنّ غير الشمس‌ ، كالقمر والنجوم‌ ، والارض‌ وماأقلّت‌ ، من‌ صحاري‌ وجبالٍ ومحيطاتٍ بمحتوياتها ، مظلمٌ داكن‌ ، لو تصرّمت‌ علیها ملايين‌ السنين‌ ولم‌ يصلها نور الشمس‌ فستبقي‌ غارقةً في‌ الظلام‌ الدامس‌ المحض‌ بلا ظهور ولا تجلٍّ .

 وبإشعاع‌ النور يري‌ الإنسان‌ الاشياء ، لا يخفي‌ علیه‌ منها شي‌ء ، لكنّه‌ يري‌ النور نفسه‌ بلا حاجة‌ إلی‌ مُظهر له‌ أو دليل‌ علیه‌ ، إذ النور نفسه‌ مُظهر لنفسه‌ دليل‌ علیها ، علی‌ العكس‌ من‌ الظُّلمة‌ التي‌ ذاتها عبارة‌ عن‌ الإبهام‌ والجهل‌ ، علاوة‌ علی‌ منعها رؤيةَ الموجودات‌ الماثلة‌ فيها القابعة‌ تحت‌ أُفقها .

 القرآن‌ نور، إذ هو دليل‌ علی‌ نفسه‌ معرّف‌ لها ، فلا كتاب‌ أو قائل‌ غير القرآن‌ يمكنه‌ تعريفه‌ وتبيينه‌ كما يليق‌ به‌ وكما هو واقعه‌ وحقيقته‌ ، لانّ جميع‌ الكتب‌ والقائلين‌ إنّما يعرّفونه‌ وفق‌ أُفق‌ فكرهم‌ ومستوي‌ إدراكهم‌ الذي‌ يتضاءل‌ ويقصر حين‌ يُقاس‌ بعلوم‌ القرآن‌ وفكره‌ ، اللهمّ إذا وصلوا إلی‌ مقام‌ الطهارة‌ المطلقة‌ ونظروا إلیه‌ من‌ نافذة‌ القرآن‌ ومن‌ منبع‌ نزوله‌ ، إذ لاَ يَمَسُّهُ و´  إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ، [16]  وهو مقام‌ يختصّ بأولياء الله‌ المقرّبين‌ ، أمّا غيرهم‌ من‌ العالم‌ أجمع‌ فإنّ علومهم‌ تعدّ مقابل‌ القرآن‌ محدودة‌ قاصرة‌ مقرونة‌ بالإبهام‌ والجهل‌ .

 وعلی‌ هذا ، فإنّ أي‌ّ إبهام‌ يرد بخصوصه‌ ينبغي‌ اللجوء في‌ رفعه‌ إلی‌ القرآن‌ نفسه‌ والاستنارة‌ بنوره‌ وضيائه‌ ، فهو كتاب‌ واضح‌ وموضّح‌ ، وكتاب‌ نور وإشعاع‌ ، وكتاب‌ ظهور وإظهار ، كما أنّ لدينا الكثير من‌ الاخبار أن‌ إذا عُرض‌ علیكم‌ حديث‌ منّا فلم‌ تتبيّنوا صحّته‌ من‌ سقمه‌ فاعرضوه‌ علی‌ كتاب‌ الله‌ ، فما وافق‌ كتاب‌ الله‌ فخذوه‌ ، وما خالف‌ كتاب‌ الله‌ فدعوه‌ .

 والآن‌ وبعد أن‌ تبيّن‌ معني‌ ومفهوم‌ النور ، وحقيقة‌ أنّ القرآن‌ نور ، فنذكر الآيات‌ التي‌ وردت‌ في‌ القرآن‌ وعبّرت‌ عنه‌ بالنور ، كآية‌ :  فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ   وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ مَعَهُ و´  أُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . [17]

 وهذه‌ الفقرة‌ تتمّة‌ آية‌ مطلعُها :  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاْمِّيَّ الَّذِي‌ يَجِدُونَهُ و  مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي‌ التَّوْرَب'ةِ وَالإنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَـ'هُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبـ'تِ وَيُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَـ'´نءِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاْغْلَـ'لَ الَّتِي‌ كَانَتْ عَلَیْهِمْ .

 فإنّ المراد من‌  النُّور الَّذِي‌ أُنزِلَ مَعَهُ  ؛ أي‌ مع‌ رسول‌ الله‌ ؛ هو القرآن‌ الكريم‌ .

 وكالآية‌ المباركة‌ :  فَـَامِنُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ   وَالنُّورِ الَّذِي‌´ أَنزَلْنَا وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . [18]

 والآية‌ المباركة‌ :  قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَـ'نٌ مِن‌ رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إلَیكُمْ نُورًا مُّبِينًا . [19]

 وبالطبع‌ فإنّ النور الذي‌ هو حقيقة‌ القرآن‌ مطلق‌ عامّ وشامل‌ ينطوي‌ علی‌ كلّ نور ، لذا فقد جاء بألف‌ ولام‌ الجنس‌ في‌ بعض‌ الآيات‌ :  وَالنُّورِ الَّذِي‌´ أَنزَلْنَا ؛ وَاتَّبِعُوا النُّورَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ مَعَهُ ،  أمّا في‌ التوراة‌ والإنجيل‌ ، فرغم‌ كونها من‌ الكتب‌ السماويّة‌ أيضاً ؛ فقد عبّر عن‌ نورها بلفظ‌ النكرة‌ ، فقد قال‌ في‌ الآية‌ 44 ، من‌ السورة‌ 5 : المائدة‌ :  إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَب'ةَ فِيهَا هُدَيً وَنُورٌ ،  وقال‌ في‌ الآية‌ 46 من‌ نفس‌ السورة‌ :  وَقَفَّيْنَا عَلَی‌'´ ءَاثَـ'رِهِمْ بِعِيَسي‌' ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَب'ةِ وَءَاتَيْنَـ'هُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدَيً وَنُورٌ .

 ويُلاحظ‌ في‌ هاتين‌ الآيتين‌ ورود  فِيهِ هُدَيً وَنُورٌ  وهو تعبير يُغاير تعبير  فيه‌ الهدي‌ والنور  الذي‌ يفيد الاستغراق‌ والعموميّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

النور مقابل الظلمه کلاعلم مقالب الجهل و الإبصار مقابل العمی

 إنّ فضل‌ النور وميزته‌ علی‌ الظلمة‌ ، أي‌ العلم‌ علی‌ الجهل‌ ، يعدّ لوضوحه‌ من‌ الاوّليّات‌ والمسلّمات‌ ، لذا عدّ القرآن‌ تساويهما من‌ الاُمور بديهيّة‌ البُطلان‌ ، وبيّن‌ علی‌ نحو الاستفهام‌ الاستنكاريّ :

 قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الاْعْمَي‌' وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي‌ الظُّلُمَـ'تُ وَالنُّورُ . [20]

 وَمَا يَسْتَوِي‌ الاْعْمَي‌' وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَـ'تُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي‌ الاْحْيَآءُ وَلاَ الاْمْوَ   تُ إِنَّ اللَهَ يُسْمِعُ مَن‌ يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن‌ فِي‌ الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ . [21]

 فيكون‌ الفارق‌ ـ وفق‌ هذا المقياس‌ ـ بين‌ المؤمنين‌ المعتقدين‌ بالقرآن‌ ، المقتدين‌ في‌ أُمورهم‌ بنهجه‌ ، المقتفين‌ خطاه‌ في‌ معاملاتهم‌ ، وبين‌ المعرضين‌ عنه‌ والمخالفين‌ لنهجه‌ ، كالفرق‌ بين‌ البصير والاعمي‌ ، والعالم‌ والجاهل‌ ، والحي‌ّ والميّت‌ ، والسميع‌ والمدرك‌ ومَن‌ هو راقد في‌ القبور .

 فالمجموعة‌ الاُولي‌ تتمتّع‌ بجميع‌ مظاهر الحياة‌ ، والثانية‌ في‌ حكم‌ الاموات‌ ، لا روح‌ ولا بصر ولا سمع‌ ولا علم‌ ولا إدراك‌ .

 هذا هو البيان‌ والمنطق‌ القرآني‌ّ في‌ التعريف‌ بهذا الكتاب‌ السماوي‌ّ ، وهذه‌ المائدة‌ الإلهيّة‌ المعنويّة‌ والروحيّة‌ التي‌ تمنح‌ عالم‌ البشرية‌ الإشراق‌ والنور ، وتسوقه‌ من‌ الجهل‌ والظلمة‌ المطبقة‌ المطلقة‌ إلی‌ العلم‌ والنور المطلق‌ .

 الرجوع الي الفهرس

 خطب من نهج البلاغة عبّر فیها عن القرآن بالنور

وقد عبّر مولانا أمير المؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ أفضل‌ صلوات‌ المصلّين‌ في‌ عدّة‌ موارد عن‌ القرآن‌ الكريم‌ بلفظ‌ النور ، فمرّةً يقول‌ :  وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .   أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ المَشْهُورِ ،   وَالعِلْمِ المَأْثُورِ ، وَالكِتَابِ المَسْطُورِ ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ ، وَالاَمْرِ الصَّادِعِ . [22]

 وأُخري‌ يقول‌ :  أَفِيضُوا فِي‌ ذِكْرِ اللَهِ فَإنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ ؛ وَارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ المُتَّقِينَ فَإنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الوَعْدِ ، وَاقْتَدُوا بِهَدْي‌ نَبِيِّكُمْ فَإنَّهُ أَفْضَلُ الهَدْي‌ ، وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإنَّهَا أَهْدَي‌ السُّنَنِ !

 وَتَعَلَّمُوا القُرْآنَ فَإنَّهُ أَحْسَنُ الحَدِيثِ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإنَّهُ رَبِيعُ القُلُوبِ ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ ، وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإنَّهُ أَحْسَنُ القَصَصِ!

 فَإنَّ العَالِمَ العَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالجَاهِلِ الحَائِرِ الَّذِي‌ لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ ، بَلِ الحُجَّةُ عَلَیْهِ أَعْظَمُ ، وَالحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ ، وَهُوَ عِنْدَ اللَهِ أَلْوَمُ . [23]

 حيث‌ يصرّح‌ الإتمام‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌ أنْ :  وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ .

 ومرّةً يقول‌ :  وَعَلَیْكُمْ بِكِتَابِ اللَهِ فَإنَّهُ الحَبْلُ المَتِينُ ؛ وَالنُّورُ المُبِينُ ؛ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ وَالرَّي‌ُّ النَّاقِعُ ، وَالعِصْمَةُ لَلْمُتَمَسِّكِ ؛ وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ . لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامُ ؛ وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ ، وَلاَ تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ وَوُلُوجُ السَّمْعِ . مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ؛ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ . [24]

 وفي‌ موضع‌ يقول‌ :  أَرْسَلَهُ عَلَی‌ حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ؛ وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الاُمَمِ ؛ وَانْتِقَاضٍ مِنَ المُبْرَمِ . فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي‌ بَيْنَ يَدَيْهِ ؛ وَالنُّورِ المُقْتَدَي‌ بِهِ . ذَلِكَ القُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ . وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ . أَلاَ إنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي‌ ؛ وَالحَدِيثَ عَنِ المَاضِي‌ ، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ ؛ وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ . [25]

 كان‌ ما تقدّم‌ بحثاً عن‌ النور ومعناه‌ ونورانيّة‌ القرآن‌ الكريم‌ طبقاً لما ورد في‌ الآيات‌ القرآنية‌ و  « نهج‌ البلاغة‌ ».

 الرجوع الي الفهرس

معنی الکتاب المبین والإمام المبین و مرور أبي ذر بوادي النمل

 أمّا الصفة‌ الثانية‌ التي‌ نعتَ القرآن‌ الكريم‌ نفسه‌ بها في‌ الآية‌ التي‌ تقدّم‌ بحثها فكانت‌ صفة‌  كتاب‌ مُبين‌، أي‌ كتاب‌ واضح‌ جلي‌ّ ، باعتبار أنّ مادّة‌  أبان‌ يبين‌ إبانةً  تُستعمل‌ متعدّيةً ، كأبان‌ الشي‌ء إذا أظهره‌ وأوضحه‌ ، أو لازمةً كأبان‌ الشي‌ء إذا ظهر واتّضح‌ ، لذا فإنّ اسم‌ الفاعل‌  مبين‌  باعتبار مجيئه‌ صفةً للكتاب‌ وعدم‌ أخذه‌ مفعولاً فإنّه‌ يعطي‌ معني‌ اللازم‌ ، فـ  كتابٌ مبين‌، أي‌ كتاب‌ ظاهر بيّن‌ جلي‌ّ .

 وقد وردت‌ لفظة‌ الكتاب‌ المبين‌ كثيراً في‌ القرآن‌ الكريم‌ ، مثل‌ :

 ال´ر تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ . [26]  و  تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتـ'بِ الْمُبِينِ ، [27] كما ورد القسم‌ به‌ ، مثل‌ :  حم‌´ * وَالْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ . [28]

 وكان‌ المقصود بالكتاب‌ المبين‌ هو هذا القرآن‌ اللفظي‌ّ ، أو القرآن‌ المكتوب‌ المتلو ، أو حقيقته‌ التي‌ كانت‌ في‌ عالمٍ أعلی‌ وأسمي‌ يحكي‌ عنها هـذا القرآن‌ اللفظي‌ّ في‌ مقام‌ النزول‌ ، كمـا قال‌ :  وَعِنْـدَهُ و    مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي‌ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن‌ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي‌ ظُلُمَـ'تِ الاْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي‌ كِتَـ'بٍ مُّبِينٍ . [29]

 ومعلوم‌ أنّ حقيقة‌ الموجودات‌ ليست‌ بوجودها العيني‌ّ في‌ القرآن‌ اللفظي‌ّ ، بل‌ في‌ عالمٍ واسع‌ ومحيط‌ يعبّر عنه‌ بعالم‌  اللوح‌ المحفوظ‌  أو  أُمّ الكتاب‌، فأصل‌ الكتاب‌ المبين‌ هو ذلك‌ العالم‌ ، وآياته‌ هي‌ القرآن‌ الحاكي‌ بآياته‌ عن‌ ذلك‌ العالم‌ ، وهكذا فقد عبّر عنه‌ بـ  إمامٍ مبين‌  باعتبار تحقّق‌ وجوده‌ النفسي‌ّ :  إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَي‌' وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَـ'رَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَـ'هُ فِي‌´ إِمَامٍ مُّبِينٍ،[30]   والمراد من‌  إِمَامٍ مُّبِينٍ  حقيقة‌ النفس‌ الملكوتيّة‌ لمقام‌ الولاية‌ التي‌ أُحصي‌ فيها كلّ شي‌ء .

 وعلی‌ هذا فإنّ القرآن‌ الكريم‌ سيكون‌ وجودَه‌ اللفظي‌ّ والكتبي‌ّ ، والكتاب‌ المبين‌ وجودَه‌ العينيّ والخارجيّ ، والإمام‌ المبين‌ وجودَه‌ النفسيّ الذي‌ له‌ العلم‌ والإحاطة‌ بكلّ الموجودات‌ والهيمنة‌ علی‌ وجودها وحياتها .

 روي‌ عن‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ كتاب‌  « مصابيح‌ الانوار »  عن‌ أبي‌ ذرّ الغفاري‌ّ قال‌ :  كُنْتُ سَائِرَاً فِي‌ أَعْرَاضِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ إِذْ مَرَرْنَا بِوَادٍ وَنَمْلُهُ كَالسَّيْلِ سَارٍ . فَذَهَلْتُ مِمَّا رَأَيْتُ ، فَقُلْتُ : اللَهُ أَكْبَرُ جَلَّ مُحصِيهِ !

 فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ : لاَ تَقُلْ ذَلِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ ! وَلَكِنْ قُلْ : جَلَّ بَارِيهِ ! فَوَ   الَّذِي‌ صَوَّرَكَ إنِّي‌ أُحْصِي‌ عَدَدَهُمْ وَأَعْلَمُ الذَّكَرَ مِنْهُمْ وَالاُنْثَي‌ بِإذْنِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ . [31]

 وروي‌ عن‌ عمّار بن‌ ياسر أ   نّه‌ قال‌ :  كُنْتُ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فِي‌ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ  ؛  فَمَرَرْنَا بِوَادٍ مَمْلُوٍّ نَمْلاَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! تَرَي‌   يَكُونُ   أَحَدَاً   مِنْ   خَلْقِ   اللَهِ   يَعْلَمُ كَمْ   عَدَدَ   هَذَا   النَّمْلِ   ؟!   قَالَ :   نَعَمْ   يَا   عَمَّارُ! أَنَا أَعْرِفُ رَجُلاَ يَعْلَمُ كَمْ عَدَدَهُ ؟ وَكَمْ فِيهِ ذَكَرٌ ؟ وَكَمْ فِيهِ مِنْ أُنْثَي‌ ؟!

 فَقُلْتُ : مَنْ ذَلِكَ يَا مَوْلاَي‌َ الرَّجُلُ ؟!

 فَقَالَ : يَا عَمَّارُ ! مَا قَرَأْتَ سُورَةَ يَس‌ : «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَـ'هُ فِي‌´ إِمَامٍ مُّبِينٍ» ؟!

 فَقُلْتُ : بَلَي‌ يَا مَوْلاَي‌َ !

 قَالَ : أَنَا ذَلِكَ الإمَامُ المُبِينُ ! [32]

 وروي‌ عن‌ الشيخ‌ الصدوق‌ ابن‌ بابويه‌ القمّي‌ّ ، بسنده‌ المتّصل‌ ، عن‌ أبي‌ الجارود ، عن‌ أبي‌ جعفر محمّد بن‌ علی‌ّ الباقر ، عن‌ أبيه‌ ، عن‌ جدّه‌ علیهم‌ السلام‌ ، قال‌:لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَی‌ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَينَـ'هُ فِي‌´ إِمَامٍ مُّبِينٍ» قَامَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ مَجْلِسَيْهِمَا فَقَالاَ : يَا رَسُولَ اللَهِ ! هُوَ التَّورَاةُ ؟

 قَالَ : لاَ .

 قَالاَ : هُوَ الإنْجِيلُ ؟ قَالَ : لاَ .

 قَالاَ : فَهُوَ القُرْآنُ ؟ قَالَ : لاَ .

 قَالَ : فَأَقْبَلَ علی‌ٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّـلاَمُ ، فَقَالَ رَسُـولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : هُوَ هَذَا ! إنَّهُ الإمَامُ الَّذِي‌ أَحْصَي‌ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَی‌ فِيهِ عِلْمَ كُلِّ شَي‌ءٍ . [33]

 وقد ورد في‌  « تفسير علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ »  في‌ تفسير هذه‌ الآية‌ أنّ الإمام‌ المبين‌ هو الكتاب‌ المبين‌ ، وهو محكم‌ . وروي‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌ ، عن‌ أمير المؤمنين‌ صلوات‌ الله‌ علیه‌ أ   نّه‌ قال‌ :

 أَنَا وَاللَهِ الإمَامُ المُبِينُ ؛ أُبَيِّنُ الحَقَّ مِنَ البَاطِلِ ؛ وَرِثْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ . [34]

 أمّا جهة‌ تسمية‌ القرآن‌ بالكتاب‌ المبين‌ والواضح‌ ، فلخلوّه‌ من‌ الالتواء والاعوجاج‌ في‌ الفهم‌ ، والإبهام‌ في‌ المعني‌ ، وتعقيد المطالب‌ وتعسّر تحصيلها ودركها ؛ فهو كتاب‌ بيّن‌ واضح‌ سهل‌ المؤنة‌ خالٍ من‌ الالغاز في‌ التعبير ، والعي‌ّ والالتواء في‌ البيان‌ ، وهو أُسلوب‌ في‌ الكلام‌ بديع‌ لا يُتعب‌ القاري‌ ولا تزيده‌ القراءة‌ إلاّ نشاطاً ، والاخذ من‌ ماء معينه‌ ونبع‌ حياته‌ الزلال‌ إلاّ ارتواءً .

 الرجوع الي الفهرس

الآیات الدالّة علی آنّ القرآن واضح بیّن بلا إبهام

 وهذه‌ الحقيقة‌ ذكّرت‌ بها العديد من‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ :

 أَفغَيْرَ اللَهِ أَبْتَغِي‌ حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي‌´ أَنزَلَ إلَیكُمُ الْكِتَـ'بَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَـ'هُمُ الْكِتَـ'بَ يَعْلَمُونَ أَ   نَّهُ و  مُنَزَّلٌ مِن‌ رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . [35]

 وَلَقَدْ جِئْنَـ'هُمْ بِكِتَـ'ـبٍ فَصَّلْنَـ'ـهُ عَلَی‌' عِلْـمٍ هُـدًي‌ وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . [36]

 كِتَـ'بٌ فُصِّلَتْ ءَايَـ'تُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . [37]

 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌´ أَنزَلَ عَلَی‌' عَبْدِهِ الْكِتَـ'بَ وَلَمْ يَجْعَل‌ لَّهُ عِوَجًا . [38]

 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَ   نَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ   بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي‌ يُلْحِدُونَ إلَیهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـ'ذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ .[39]

 وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إلَیكَ ءَايَـ'تٍ بَيِّنَـ'تٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلاَّ الْفَـ'سِقُونَ . [40]

 وقد عبّر في‌  « نهج‌ البلاغة‌ »  عن‌ كتاب‌ الله‌ ـ بناءً علی‌ هذا  بالكتاب‌ الناطق‌ ، أي‌ المبين‌ المستبين‌ ، البيان‌ والتبيان‌ ، لا يحتاج‌ في‌ إحكامه‌ وإتقانه‌ إلی‌ مفسِّر ومبيِّن‌ .

 إنَّ اللَهَ بَعَثَ رَسُولاَ هَادِيَاً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ ؛ وَأَمْرٍ قَائِمٍ ، لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إلاَّ هَالِكٌ . [41]

 وقال‌ علیه السلام‌ بشأن تحكيم الحكمين في وقعة صفّين:إنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ ؛ وَإنَّمَا حَكَّمْنَا القُرْآنَ . وَهَذَا القُرْآنُ إنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْتُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ . لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ ؛ وَلاَبُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ . وَإنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ . [42]

 والمراد بقوله‌  ( لا ينطق‌ بلسان‌ )، كما أوضح‌ علیه‌ السلام‌ ، هو هذه‌ الخطوط‌ المستورة‌ المحفوظة‌ بين‌ الدفّتين‌ التي‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ هناك‌ مَن‌ يعرفها ويُبيّنها ؛ كما قال‌ علیه‌ السلام‌ :  ذَلِكَ القُرْآنُ فَاسْتَنطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ . [43]

 الرجوع الي الفهرس

علاقة القرآن بالإنسان الکامل و الإنسان الکامل بالقرآن

 وخلاصة‌ ما ذُكر أنّ القرآن‌ المقروء والمكتوب‌ إنّما هو الصوت‌ الخارج‌ من‌ الحنجرة‌ ، والمداد المنشور علی‌ صفحات‌ الورق‌ ، بَيدَ أنّ حقيقة‌ القرآن‌ تتمثّل‌ في‌ ذلك‌ الإنسان‌ المرتقي‌ في‌ مدارج‌ سلوك‌ الطريق‌ الإلهي‌ّ ، الواصل‌ حيث‌ ينهل‌ من‌ منبع‌ نزول‌ القرآن‌ ، والواقف‌ والمهيمن‌ علی‌ حقائقه‌ وأسراره‌ ومعارفه‌ وأحكامه‌ وقصصه‌ . وهو مقام‌ رفيع‌ ومرتبة‌ سامية‌ لا تنال‌ ذروتها الشامخة‌ يدُ نائل‌ ، إلاّ أصحاب‌ مقام‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌ ، جعلنا الله‌ فداهم‌ ورزقنا من‌ بحور علومهم‌ ، آمين‌ ، بمحمّدٍ وآله‌ الطاهرين‌ ؛ وهو الإمام‌ المبين‌ ، والكتاب‌ المبين‌ ، الحاوي‌ لكتاب‌ التكوين‌ في‌ اللوح‌ المحفوظ‌ ؛  بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ * فِي‌ لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ . [44]

 وقد شرح‌ الشيخ‌ محمود الشبستري‌ّ ؛ في‌ أبياته‌ ؛ كتاب‌ التكوين‌ هذا ، المخطوط‌ بيد الحقّ تعإلی‌ ، فقال‌ :

به‌ نزد آنكه‌ جانش‌ در تجلّي‌ است               همه‌ عالم‌ كتاب‌ حقّ تعإلی‌ است

عَرَض‌ إعراب‌ و جوهر چون‌ حروف‌ است      مراتب‌ همچو آيات‌ وقوف‌ است‌

 ازو هر عالمي‌ چون‌ سوره‌اي‌ خاصّ           يكي‌ زان‌ فاتحه‌ ، ديگر چو إخلاص‌

 نخستين‌ آيتش‌ ، عقلِ كُل‌ آمد                 كه‌ در وي‌ همچو بآء بِسْمِل‌ آمد

 دوم‌ نفس‌ كل‌ ، آمد آيت‌ نور                     كه‌ چون‌ مصباح‌ شد در غايت‌ نور

 سيم‌ آيت‌ درو شد عرش‌ رحمن‌                چهارم‌ آية‌ الكرسي‌ همي‌ خوان‌

 پس‌ از وي‌ جِرْم‌هاي‌ آسماني‌ است‌          كه‌ در وي‌ سورة‌ سَبْعُ الْمَثَانِي‌ است‌[45]

 نظر كن‌ باز در جِرم‌ عناصِر                       كه‌ هر يك‌ آيتي‌ هستند باهر

 پس‌ از عنصر بود جِرم‌ سه‌ مولود              كه‌ نتوان‌ كردن‌ اين‌ آيات‌ معدود

 به‌ آخر گشت‌ نازل‌ نفس‌ إنسان‌                كه‌ بر ناس‌ آمد آخر ختم‌ قرآن‌ [46]

 وقال‌ مولي‌ الموالی‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ الاشعار المنسوبة‌ له‌ :

 دَوَاؤُكَ فِيكَ وَمَا تَشْعُرُ                         وَدَاءُكَ مِنْكَ وَمَا تُبْصِرُ

 وَتَحْسَبُ أَ نَّكَ جِرْمٌ صَغِيرٌ                     وَفِيكَ انْطَوَي‌ العَالَمُ الاَكْبَرُ

 وَأَنْتَ الكِتَابُ المُبِينُ الَّذِي‌                     بِأَحْرُفِهِ يَظْهَرُ المُضْمَرُ

 فَلاَ حَاجَةَ لَكَ فِي‌ خَارِجٍ                       يُخَبِّرُ عَنْكَ بِمَا سُطِّرُ [47]

 الرجوع الي الفهرس

عینیّة نفس الإمام الملکوتیّة مع حقیقیة القرآن

 وقد كشف‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ هذه‌ الحقيقة‌ في‌ مواضع‌ عديدة‌ من‌  « نهج‌ البلاغة‌ »  ؛ فمرّة‌ يقول‌ :

 إنَّ أَوْلِياءَ اللَهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إلَی‌ بَاطِنِ الدُّنْيَا إذا نَظَرَ النَّاسُ إلَی‌ ظَاهِرِهَا ؛ وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا . فَأمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أنْ يُمِيتُهُمْ ؛ وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَ   نَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ ؛ وَرَأَوْا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلاَلاَ ؛ وَدَرْكَهُمْ لَهَا فَوْتَاً . أعَداءُ مَا سَالَمَ النَّاسُ ؛ وَسِلْمُ مَا عَادَي‌ النَّاسُ . بِهِمْ عُلِمَ الكِتَابُ ؛ وَبِهِ عُلِمُوا ؛ وَبِهِمْ قَامَ الكِتَابُ ؛ وَبِهِ قَامُوا . لاَ يَرَوْنَ مَرْجُوَّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ ؛ وَلاَ مَخُوفَاً فَوقَ مَا يَخَافُونَ . [48]

 وفي‌ مسألة‌ تحكيم‌ الحكمين‌ في‌ صفّين‌ يقول‌ :

 وَإنَّ الكِتَابَ لَمَعِي‌ . مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ .  وذلك‌ في‌ خطبة‌ طويلة‌ خطبها علی‌ جيش‌ الخوارج‌ حين‌ أصرّوا علی‌ إنكار تحكيم‌ الحكمين‌ ، يصل‌ فيها إلی‌ القول‌ :

 أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمْ المَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً ، وَمَكْرَاً وَخَدِيعَةً : إخْوانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا اسْتَقَالُوا وَاسْتَرَاحُوا إلَی‌ كِتَابِ اللَهِ سُبْحَانَهُ ، فَالرَّأْي‌ُ القَبُولُ مِنْهُمْ ، وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ ؟

 فَقُلْتُ لَكُمْ : هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إيمَانٌ ، وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ . وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ . فَأَقِيمُوا عَلَی‌ شَأْنِكُمْ وَالْزِمُوا طَرِيقَتَكُمْ ، وَعَضُّوا عَلَی‌ الجِهَادِ بِنَوَاجِذِكُمْ . وَلاَ تَلْتَفِتُوا إلَی‌ نَاعِقٍ نَعَقَ ! إنْ أُجِيبَ أَضَلَّ ، وَإنْ تُرِكَ ذَلَّ .

 وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الفِعْلَةُ ، وَقَدْ رَأيْتُكُمْ أُعْطَيْتُمُوهَا . وَاللَهِ لَئِنْ أَبَيْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَی‌َّ فَرِيضَتُهَا ؛ وَلاَ حَمَّلَنِي‌ اللَهُ ذَنْبَهَا .

 وَوَاللَهِ إنْ جِئْتُهَا إنِّي‌ لَلْمُحِقُّ الَّذِي‌ يُتَّبَعُ . وَإنَّ الكِتَابَ لَمَعِي‌ ، مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ   الخطبة‌ . [49]

 فالإمام‌ يعتبر نفسه‌ ـ كما نري‌ ـ مع‌ كتاب‌ الله‌ لا ينفكّ عنه‌ أو يفارقه‌ في‌ أي‌ّ مرحلة‌ من‌ مراحله‌ النفسيّة‌ ، وحقيقة‌ هذه‌ المقالة‌ ولبّها هي‌ إحاطته‌ النفسيّة‌ للكتاب‌ الإلهي‌ّ .

 وفي‌ الآية‌ المبحوثة‌ :  قَدْ جَآءَكُمْ مِنَ اللَهِ نُورٌ وَكِتَـ'بٌ مُّبِينٌ يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ   نَهُ  ؛ إذا ما اعتبرنا المراد بالنور هو القرآن‌ ، واعتبرنا الكتاب‌ المبين‌ عطفاً تفسيريّاً له‌ ، أو إذا أخذنا بالاحتمال‌ الآخر الذي‌ ذُكر بقرينة‌ الآية‌ السابقة‌ علیها ، فإنّ المراد بالنور هو رسول‌ الله‌ ، والكتاب‌ المبين‌ هو أيضاً عطف‌ تفسيري‌ّ علیه‌ ؛ ففي‌ كلا الحالتين‌ فإنّ الضمير المفرد في‌  بِهِ في‌ التعبير  يَهْدِي‌ بِهِ  لا يمكن‌ رجوعه‌ إلی‌ النور أو الكتاب‌ ، ويجب‌ بالتأكيد أن‌ يكون‌ راجعاً إلی‌ جامع‌ ذلك‌ ، أي‌ المفهوم‌  الجائي‌ّ  المستخرج‌ من‌ كلمة‌  قَدْ جَآءَكُمْ، كأن‌ نقول‌: أَعْطَيْتُ زَيْدَاً القَلَمَ وَالقِرْطَاسَ لِيَكْتُبَ بِهِ، أي‌ ليكتب‌ بما أعطيته‌ ، أي‌ الجامع‌ بين‌ القلم‌ والقرطاس‌ .

 وفي‌ الاحتمال‌ الثاني‌ ، حيث‌ المراد من‌ النور رسول‌ الله‌ ، فإنّ المراد من‌  كِتَابِ مُبِين‌  يجب‌ أن‌ يكون‌ عطف‌ تفسير أيضاً ، أي‌ أنّ رسول‌ الله‌ هو الكتاب‌ المبين‌ الإلهي‌ّ ، ويكون‌ الباري‌ المتعال‌ قد عبّر هنا عن‌ شخص‌ رسول‌ الله‌ بعنوان‌  كِتَاب‌ مُبِين‌ .

 أمّا إذا كان‌ المراد من‌ النور رسول‌ الله‌ والمراد من‌ الكتاب‌ القرآن‌ الكريم‌ فهذا خلاف‌ الظاهر ، مع‌ أ   نّنا لن‌ نواجه‌ عندئذٍ مشكلةً من‌ جهة‌ إرجاع‌ ضمير  بِهِ  إلی‌ الجامع‌ .

 كان‌ هذا بحثاً عن‌ الصفة‌ الثانية‌ التي‌ ذُكرت‌ للقرآن‌ الكريم‌ في‌ الآية‌ الشريفة‌ السالفة‌ ؛ أمّا الآثار الثلاثة‌ التي‌ ذُكرت‌ له‌ فهي‌ أوّلاً : الهداية‌ الإلهيّة‌ للناس‌ بواسطة‌ القرآن‌ إلی‌ سبل‌ السلام‌ والنجاة‌ :  يَهْدِي‌ بِهِ اللَهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوَنَهُ و  سُبُلَ السَّلاَمِ .  فالله‌ سبحانه‌ وتعإلی‌ يهدي‌ الناس‌ بوسيلة‌ القرآن‌ وسببه‌ إلی‌ سبل‌ النجاة‌ ، وكانت‌ الباء في‌  يَهْدِي‌ بِهِ  للآلة‌ ؛ أي‌ أ   نّه‌ يهدي‌ بسببٍ وآلةٍ هي‌ القرآن‌ ، كما في‌  كَتَبْتُ بِالقَلَمِ .

 ومعلوم‌ أنّ جميع‌ الاسباب‌ تحت‌ إرادة‌ ومشيئة‌ الحقّ تعإلی‌ مسبّب‌ الاسباب‌ ، فالقرآن‌ إنّما هو وسيلة‌ للهداية‌ الإلهيّة‌ ، وسيلة‌ لا استقلال‌ لها في‌ العمل‌ ، بل‌ هي‌ محكومة‌ تابعة‌ لامر الحقّ تعإلی‌ . وهذه‌ الهداية‌ الإلهيّة‌ إلی‌ سُبل‌ السلام‌ ـ كما في‌ هذه‌ الفقرة‌ من‌ الآية‌  تنحصر في‌ الافراد الفائزين‌ برضا الله‌ التابعين‌ سبل‌ نيل‌ رضوانه‌ وقبوله‌ ، لا أن‌ تعمّ هدايته‌ الناس‌ بلا قيد أو شرط‌ .

 أي‌ أنّ القرآن‌ ليس‌ كتاب‌ هداية‌ لمن‌ لا يسعي‌ في‌ تحصيل‌ رضا الله‌ ويسلك‌ طريق‌ القربة‌ إلیه‌ ، وهي‌ نكتة‌ في‌ غاية‌ الاهمّيّة‌ ، وحاصلها أنّ القرآن‌ لا يسوق‌ الناس‌ قهراً واضطراراً إلی‌ سبيل‌ الهداية‌ ، بل‌ إنّه‌ يهدي‌ ويرشد ويوصل‌ إلی‌ الغاية‌ من‌ كان‌ بصدد تهذيب‌ نفسه‌ وتزكيتها .

 إنّ جميع‌ الانبياء والمرسلين‌ وكلّ الكتب‌ السماوية‌ المنزلة‌ لم‌ يكونوا ليسعوا إلی‌ تغيير ماهيّات‌ الناس‌ وسوقهم‌ للانقياد بالإكراه‌ والإجبار ، ولو حصل‌ ذلك‌ لفقد التكليف‌ معناه‌ ، ولما كان‌ للجنّة‌ والنار ، والملك‌ والشيطان‌ ، والنفس‌ المطمئنّة‌ الملهمة‌ والنفس‌ الامّارة‌ ، والسعادة‌ والشقاء أي‌ معنيً ومفهوم‌ .

 فالإنسان‌ ـ إذَن‌ ـ يمتلك‌ إختياراً فطريّاً متأصّلاً في‌ سجيّته‌ ، معجوناً في‌ جبلّته‌ ، ينشأ منه‌ طريق‌ السعادة‌ والشقاء ، فيصبح‌ به‌ شكوراً أو كفوراً :

 إِنَّا هَدَيْنَـ'هُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا . [50]

 وأعجب‌ من‌ ذلك‌  !  أنّ القرآن‌ الكريم‌ لا تنعدم‌ فيه‌ خاصيّة‌ الشفاء والرحمة‌ فحسب‌ ـ حين‌ يتعلّق‌ الامر بالظالمين‌  بل‌ إنّه‌ يتحوّل‌ إلی‌ كتاب‌ خسران‌ وضرر ، وسيزيد في‌ تمرّدهم‌ وجرأتهم‌ علی‌ العصيان‌ ، وسيسوقهم‌ سريعاً ـ لهذا  إلی‌ جهنّم‌ زمراً :

 وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّـ'لِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا . [51]

 ال´م‌´ * ذَ لِكَ الْكِتَـ'بُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدَيً لِّلْمُتَّقِينَ . [52]

 إنّ أهمّيّة‌ هذا المطلب‌ في‌ أنّ القرآن‌ كتاب‌ أُرسل‌ إلی‌ جميع‌ أفراد البشريّة‌ إلی‌ قيام‌ الساعة‌ ، فكيف‌ ـ تري‌ ـ يمكن‌ أن‌ يصير سبباً للرحمة‌ لقومٍ وللنقمة‌ لآخرين‌  ؟!

 هذا المعني‌ سيتّضح‌ بالإمعان‌ في‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ التي‌ وصفت‌ القرآن‌ وعرّفته‌ ، ذلك‌ لا   نّه‌ ليس‌ كتاباً مجازيّاً أو كتاب‌ ترف‌ وطقوس‌ ومراسم‌ يسعي‌ علی‌ أساس‌ الخيال‌ ليقبل‌ الناس‌ من‌ شتّي‌ الاصناف‌ والطبقات‌ بأي‌ّ شكلٍ وعنوان‌ ، وأن‌ يُمضي‌ أعمالهم‌ ويقرّها ، بل‌ هو الفرقان‌ الذي‌ يفصل‌ بين‌ الحقّ والباطل‌ :  شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدَيً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـ'تٍ مِّنَ الْهُدَي‌' وَالْفُرْقَانِ .[53]

 وهو الفاصل‌ والمفرّق‌ بين‌ سبيل‌ السعادة‌ وطريق‌ الشقاء ، وبين‌ النور والظلمة‌ ، وهو الحادّ بين‌ الحقيقة‌ والمجاز ، والواقع‌ والاعتبار :  إِنَّهُ و  لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ . [54]

 وهو لهذا المبيّن‌   الصريح‌   للصراط‌   المستقيم‌ ،   ولسبيل‌ الإنسانيّة‌   الحقّة‌ ، وانتهاج‌ طريق‌ التوحيد ، والخروج‌ من‌ تسلّط‌ هوي‌ النفس‌ ، وهو الغذاء الروحي‌ّ للذين‌ يتلقّون‌ تلك‌ المطالب‌ بانشراح‌ صدر ويَقْفُون‌ سبيلها ، يمنحهم‌ القوّة‌ والقدرة‌ علی‌ الدوام‌ ليبلغوا غايتهم‌ في‌ السعادة‌ المطلقة‌ .

 أمّا المعرضون‌ عن‌ قبول‌ أحكام‌ القرآن‌ ومعارفه‌ وتعإلیمه‌ ، الخاضعون‌ لهوي‌ أنفسهم‌ المتأبّون‌ عن‌ الإعراض‌ عنه‌ ، فإنّ شقاءهم‌ وتعاستهم‌ نتيجة‌ هذا الإعراض‌ ستتّضح‌ وتظهر ، ومكنونات‌ أنفسهم‌ ستبدو للعيان‌ أوضح‌ وأجلي‌ ، وإصرارهم‌ علی‌ الظلم‌ والاستكبار والتجرّي‌ سيزداد ، ممّا يعقبهم‌ زيادة‌ في‌ الخسران‌ . لقد شاءوا بمحض‌ إرادتهم‌ عدم‌ متابعة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ والإيمان‌ به‌ ، وأبوا أن‌ يهاجروا من‌ أنفسهم‌ إلی‌ دار الإسلام‌ والتوحيد ، وأن‌ يردوا فضاء المعرفة‌ الواسع‌ الفسيح‌ :

 وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَی‌' قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن‌ يَفْقَهُوُهُ وَفِي‌´ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي‌ الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ و  وَلَّوْا عَلَی‌'´ أَدبَـ'رِهِمْ نُفُورًا . [55]

 فمن‌ أين‌ يتأتّي‌ لاُولئك‌ الذين‌ ظلّوا حبيسي‌ أسوار المال‌ والجاه‌ والهوي‌ والشهوة‌ والغرور والاُمور التافهة‌ الاُخري‌ منكبّين‌ لا يُقلعون‌ ، لكي‌ ينساقوا لمتابعة‌ رسول‌ الله‌ حين‌ كان‌ يتلو القرآن‌ مشيراً إلی‌ فضاء فسيح‌ ولطيف‌ من‌ حدود الإنسانيّة‌ والارتباط‌ بالله‌ والفناء في‌ ذاته‌ غارقاً نفسه‌ في‌ ذلك‌ العالم‌  ؟!

 لذا ، يقبعون‌ في‌ سجن‌ المادّة‌ وعبادتها الضيِّق‌ المُظْلِم‌ .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ الآيتان‌  15 و  16، من‌ السورة‌  5: المائدة‌ .

[2]  ـ الآية‌  157، من‌ السورة‌  7: الاعراف‌ .

[3]  ـ الآية‌  8، من‌ السورة‌  64: التغابن‌ .

 [4]  ـ الآية‌  174، من‌ السورة‌  4: النساء .

[5]  ـ الآيتان‌  45  و  46، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌ .

[6]  ـ الآية‌  7، من‌ السورة‌  39: الزمر .

[7]  ـ الآية‌  96، من‌ السورة‌  9: التوبة‌ .

[8]  ـ الآية‌  5، من‌ السورة‌  62: الجمعة‌ .

[9]  ـ الآية‌  82، من‌ السورة‌  6: الانعام‌ .

[10]  ـ الآية‌  1، من‌ السورة‌  14: إبراهيم‌ .

[11]  ـ الآية‌  5، من‌ السورة‌  14: إبراهيم‌ .

[12]  ـ الآية‌  3، من‌ السورة‌  9: التوبة‌ .

[13]  ـ الآية‌  109، من‌ السورة‌  21: الانبياء .

[14]  ـ الآية‌  27، من‌ السورة‌  22: الحجّ .

[15]  ـ خلاصة‌ كلام‌ العلاّمة‌ المفصّل‌ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌  5، ص‌263  إلی‌  265.

[16]  ـ الآية‌  79، من‌ السورة‌  56: الواقعة‌ .

[17]  ـ الآية‌  157، من‌ السورة‌  7: الاعراف‌ .

[18]  ـ الآية‌  1، من‌ السورة‌  64: التغابن‌ .

[19]  ـ الآية‌  174، من‌ السورة‌  4: النساء .

[20]  ـ الآية‌  16، من‌ السورة‌  13: الرعد :  قُلْ مَن‌ رَّبُّ السَّمَـ'وَ   تِ وَالاْرْضِ قُلِ اللَهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم‌ مِّن‌ دُونِهِ   أَولِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لاِنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الاْعْمَي‌' وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي‌ الظُّلُمَـ'تُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ   فَتَشَـ'بَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلِ اللَهُ خَـ'لِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَ   حِدُ الْقَهَّـ'رُ .

[21]  ـ الآيات‌  19  إلی‌  23، من‌ السورة‌  35: فاطر .

[22]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌  2، طبعة‌ مصر بتعليق‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ ، ج‌  1، ص‌  28.

[23]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌  108، طبعة‌ مصر ، بتعليق‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ ، ج‌  1، ص‌  216.

[24]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  1، ص‌  284، الخطبة‌  154.

[25]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  1، ص‌  288  و  289، الخطبة‌  156.

[26]  ـ الآية‌  1، من‌ السورة‌  12: يوسف‌ .

[27]  ـ الآية‌  2، من‌ السورة‌  26: الشعراء ، والآية‌  2، من‌ السورة‌  28: القصص‌ .

[28]  ـ الآيتان‌1 و  2، من‌ السورة‌  43: الزخرف‌ ، والآية‌  2، من‌ السورة‌  44: الدخان‌ .

[29]  ـ الآية‌  59، من‌ السورة‌  6: الانعام‌ .

[30]  ـ الآية‌  12، من‌ السورة‌  36: يس‌ .

[31]  ـ «تفسير البرهان‌» سورة‌ يس‌ ، ج‌  2، ص‌  886، الطبعة‌ الحجريّة‌ .

[32] نفس المصدر

[33]  ـ «تفسير البرهان‌» سورة‌ يس‌ ، ج‌  2، ص‌  886، الطبعة‌ الحجريّة‌ ؛ و «تفسير الصافي‌» ج‌  2، ص‌  405  ؛ و «تفسير نور الثقلين‌» ج‌  4، ص‌  379، وقد روي‌ التفسيران‌ الاخيران‌ عن‌ كتاب‌ «معاني‌ الاخبار» للشيخ‌ الصدوق‌ .

[34]  ـ «تفسير الصافي‌» ج‌  2، ص‌  405  ؛ و «تفسير نور الثقلين‌» ج‌  4، ص‌  379.

[35]  ـ الآية‌  114، من‌ السورة‌  6: الانعام‌ .

[36]  ـ الآية‌  52، من‌ السورة‌  7: الاعراف‌ .

[37]  ـ الآية‌  3، من‌ السورة‌  41: فصّلت‌ .

[38]  ـ الآية‌  1، من‌ السورة‌  18: الكهف‌ .

[39]  ـ الآية‌  103، من‌ السورة‌  16: النحل‌ .

[40]  ـ الآية‌  99، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[41]    ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  1، ص‌  316، الخطبة‌  167، طبعة‌ مصر بتعليق‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ .

[42]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  1، ص‌  240، طبعة‌ مصر .

[43]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  1، ص‌  288، الخطبة‌  156، طبعة‌ مصر .

[44]  ـ الآيتان‌  21  و  22، من‌ السورة‌  85: البروج‌ .

[45]   ـ «گلشن‌ راز» ص‌19و  20  الطبعة‌ الحجريّة‌ ، وترجمته‌ هي‌ : «أنّ العالم‌ كلّه‌ عند العارف‌ الذي‌ صار مجلي‌ للصفات‌ والاسماء الإلهيّة‌ إنّما هو كتاب‌ للحقّ تعالي‌ ، مَثّلَ جوهر العالم‌ حروف‌ الكتاب‌ ، التكويني‌ّ ، وعرضه‌ إعرابها ، ومراتبه‌ علائم‌ الوقف‌ فيه‌ . وكان‌ كلّ عالَم‌ فيه‌ يشبه‌ سورة‌ خاصّة‌ ، فواحد منها شاكل‌ الفاتحة‌ وماثل‌ الآخر سورة‌ الإخلاص‌ . وقد كانت‌ آية‌ الكتاب‌ الاُولي‌ العقل‌ الكلّي‌ّ الذي‌ حلّ فيه‌ كباء بسم‌ الله‌ ، والآية‌ الثانية‌ النفس‌ الكلّيّة‌ التي‌ صارت‌ آيةً من‌ النور متأ   لّقة‌ كالمصباح‌ ، وكانت‌ الثالثة‌ عرش‌ الرحمن‌ ، أمّا الرابعة‌ فاعلم‌ أنّها آية‌ الكرسي‌ ـ ومن‌ بعده‌ الاجرام‌ السماوية‌ التي‌ كانت‌ فيه‌ كسورة‌ السبع‌ المثاني‌ .

[46] یقول : ثمّ انظر إلی‌ أجرام‌ العناصر ـ وهي‌ الماء والنار والهواء والتراب‌  إن‌ لحظتها كان‌ كلٌّ منها دليلاً ظاهراً باهراً . ثمّ يأتي‌ بعد العناصر جرم‌ المواليد الثلاثة‌ ـ وهي‌ النبات‌ والجماد والحيوان‌  وهذه‌ الآيات‌ لا يمكن‌ لاحد عدّها وحصرها . ثمّ نزلت‌ أخيراً النفس‌ الإنسانيّة‌ فكان‌ ختم‌ القرآن‌ بالناس‌ . (بسورة‌ الناس‌ وبلفظ‌ الناس‌) .

[47]  ـ «الديوان‌ المنسوب‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌» قافية‌ الراء ،   صفحاته‌ غير مرقّمة‌ .

[48]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  2، ص‌  237، الحكمة‌  432، طبعة‌ مصر .

[49]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌  1، ص‌  236، الخطبة‌  120، طبعة‌ مصر . بتعليق‌ محمّد عبده‌ .

[50]  ـ الآية‌  3، من‌ السورة‌  76: الإنسان‌ .

[51]  ـ الآية‌  82، من‌ السورة‌  17: الإسراء .

[52]  ـ الآيتان‌  1  و  2، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[53]  ـ الآية‌  185، من‌ السورة‌  2: البقرة‌ .

[54]  ـ الآيتان‌  13  و  14، من‌ السورة‌  86: الطارق‌ .

[55]  ـ الآيتان‌  45  و  46، من‌ السورة‌  17: الإسراء .

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com