بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب الشمس الساطعة / القسم السادس: الخطابات القرآنیة التی تبدا بلفظ قل، الشفاعة، استغفار ابراهیم لعمه آزر، تناقض الوحدة و ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

في‌ الخطابات‌ القرآنيّة‌ المصدّرة‌ بلفظ‌ «قُل‌»

 التلميذ:  هناك‌ في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ أوامر لرسول‌ الله‌ صلّي‌  الله‌ عليه‌ وآله‌ مصدّرة‌ بلظ‌ «قلْ»، كقوله‌:  قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ  [1]؛  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [2]؛   قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[3]؛ قُلْ يَـ'أَيُّهَا الْكَـ'فِرُونَ[4] ؛ قُلْ إِنَّ الاْوَّلِينَ وَ الاْخِرَينَ  لَمَجْمُوعُونَ الی مِيقَـ'تِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ[5]؛  قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مّـِثْلُكُمْ [6]؛ قُلْ صَدَقَ اللَهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبرَاهِيمَ حَنِيفًا[7]؛ قُلْ مَتَـ'عُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَ الاْخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَي‌' [8]؛  و كثيرٌ آخر من‌ آيات‌ القرآن‌ التي‌ تشكّل‌ بنفسها صفّا عظيماً.

 ومن‌ الجليّ في‌ هذه‌ الخطابات‌ انّ ما كان‌ مورد أمر الله‌، و ما كان‌ رسول‌ الله‌ مأموراً به‌ ليس‌ نفس‌ القول‌، بل‌ مقول‌ القول‌. أي‌ انّ رسول‌  الله‌ حين‌ خُوطب‌ بـ (قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ )، فانّه‌ كان‌ مأموراً بأن‌ يقول‌ ( هُوَ اللَهُ أَحَدُ )، لا أن‌ يقول‌ ( قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ )، و الاّ لما كان‌ قد عمل‌ بأمر الله‌، و لما كان‌ قد عمل‌ بمقول‌ القول‌ و هو نفس‌ المأمور به‌، و ليس‌ هناك‌ محلّ للشبهة‌ و الشكّ في‌ هذا المطلب‌ أبداً.

 فلو أَمَرَنِي‌ أحدٌ ـ مثلاً ـ فقال‌: اذهب‌ بين‌ الناس‌ فقل‌: قل‌ هو الله‌ أحد! فانّ عليّ أن‌ أذهب‌ بينهم‌ و أقول‌: هو الله‌ أحد؛ لا أن‌ أقول‌: قُل‌ هو الله‌ أحد.

 لان‌ القول‌ هنا يمثّل‌ واسطة‌ و حكاية‌ عن‌ نفس‌ المأمور به‌ و هو متعلّقه‌، فيجب‌ ان‌ لا يُنظر اليه‌ نفسه‌ بعنوان‌ استقلال‌، أو اعتباره‌ مورد خطاب‌ الامر.

 و هكذا فلو قال‌ الإنسان‌ في‌ هذا المثال‌ (قل‌ هو الله‌ أحد)، فانّه‌ سيكون‌ قد عمل‌ بمتعلّق‌ الامر. و لو قال‌ (قل‌ هو الله‌ أحد) لما كان‌ قد عمل‌ بمتعلّق‌ الامر؛ و في‌ الحقيقة‌ فانّه‌ مأمور بنفس‌ المتعلّق‌ لا بالتلّفظ‌ بالمتعلّق‌.

 و بناءً علی ما قيل‌، فانّ علی رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يقول‌ للناس‌:  هُوَ اللَهُ أَحَدٌ، و هكذا يجب‌ عليه‌ في‌ سائر الآيات‌ أن‌ يقول‌ للناس‌ متعلّق‌ القول‌؛ بينما نري‌ أنّ لفظ‌ (قل‌) قد ورد في‌ جميع‌ القرآن‌ الكريم‌، فانعكس‌ فيه‌ عين‌ ما خوطب‌ به‌ النبيّ.

 العلاّمة‌:  يدور البحث‌ علی أمرين‌:

 الاوّل‌: علی مسألة‌ أمر الله‌ للنبيّ، و كونه‌ مأموراً، و الإيتان‌ بما أُمر به‌ خارجاً. و بالطبع‌ فانّ من‌ الجليّ في‌ هذه‌ المسألة‌ انّ رسول‌ الله‌ كان‌ مؤتمِراً بأمرالله‌ سُبحانه‌، فكان‌ يأتي‌ بمتعلَّق‌ الامر كما كان‌.

 فقد كان‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ هذه‌ الخطابات‌ المصدّرة‌ بلظ‌ (قل‌) مثلاً، يأتي‌ بمتعلّق‌ القول‌، شأنه‌ في‌ ذلك‌ كشأنه‌ في‌ لاوامر التي‌ كان‌ يؤمر بها، و التي‌ لم‌ تكن‌ مُصدّرة‌ بلفظ‌ (قل‌)؛ كهذا الخطاب‌:  فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ  إِنَّا كَفَيْنَـ'كَ الْمُسْتَهْزِءينَ. [9]

 و كان‌ النبيّ في‌ هذه‌ الحال‌ يعلن‌ التوحيد جهاراً ـ وفقاً لهذا الامر الالهي‌ و يُعرض‌ عن‌ المشركين‌. كما أنّه‌ في‌ مسألة‌ (قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ) ـ مثلاً ـ كان‌ يقول‌ للناس‌: هُوَ اللَهُ أَحَدٌ.

 الثاني‌: في‌ حكاية‌ القرآن‌ عن‌ الاوامر الإلهيّة‌، و هذه‌ المسألة‌ أمر آخر، لان‌ القرآن‌ ـ كما نعلم‌ ـ وحي‌ٌ سماويّ يجب‌ بيانه‌ دونما زيادة‌ أو نقصان‌، و لو في‌ كلمة‌ واحدة‌ أو حرف‌ واحد، لذا فانّ القرآن‌ يجسّد عين‌ ما خوطب‌ به‌ رسول‌ الله‌، و هذا هو معني‌ القرآنيّة‌. و لو جري‌ حذف‌ لفظ‌  «قُلْ»  في‌ « قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ » أو في‌ ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) فقيل‌: « هُوَ اللَهُ أَحَدٌ »، و « أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » لما كان‌ قرآناً آنذاك‌، و لما كان‌ كلاماً لله‌، بل‌ سيكون‌ كلاماً للنبيّ الذي‌ يقول‌ « هُوَ اللَهُ أَحَدٌ ».

 و لانّ القرآن‌ الكريم‌ هو نفس‌ الوحي‌، فلا يمكن‌ أن‌ يكون‌ دون‌ لفظ‌  «قُل‌»، كما هي‌ الحال‌ في‌ سائر الاوامر الإلهيّة‌ غير المصدّرة‌ بلفظ‌ «قل‌» مثل‌ الآية‌ التي‌ ذكرناها للتوّ:

 فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِض‌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ  إِنَّا كَفَيْنَـ'كَ الْمُسْتَهْزِءِينَ؛  حيث‌ نري‌ انّ عين‌ لفظ‌ الامر قد جاء، و أنّ القرآن‌ الكريم‌ قد حكاه‌ كما جاء. و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌، فانّ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ يمثّل‌ في‌ جميع‌ الخطابات‌ الالهيّد و المطالب‌ القرآنيّة‌ عنوان‌ المرآة‌ لمخاطبة‌ جميع‌ الامّة‌، بل‌ جميع‌ أفراد العالم‌. و في‌ الحقيقة‌ فانّ الخطاب‌ للناس‌، و هم‌ أنفسهم‌ المخاطبون‌ بخطابات‌ القرآن‌، غاية‌ الامر أنّهم‌ خوطبوا من‌ خلال‌ نافذة‌ و مرآة‌ نفس‌ رسول‌ الله‌ التي‌ اكتنفت‌ ـ لسعتها و شمولها ـ جميع‌ أفراد الامّة‌، بل‌ جميع‌ أفراد البشر تحت‌ غطاء علمها و إحاطتها الوجوديّة‌. و الآية‌ المباركة‌:  وَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [10]؛   تُظهر حقيقة‌ الامر بجلاء، في‌ انّ نفس‌ رسول‌ الله‌ مبيّنة‌ لمطالب‌ الوحي‌ السماوي‌ النازلة‌ الی الناس‌.

 التلميذ:  هل‌ المراد بآية‌ الكرسي‌ التي‌ صار لها عنوان‌ العلَم‌ بالغلبة‌، اية‌ واحدة‌ فقط‌ تُختم‌ بـ « وَ لاَ يَـُودُهُ  حِفْظُهُمَا وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»[11]، أو تشمل‌ كذلك‌ الآيتين‌ اللاحقتين‌ لها، فتُختم‌ بـ « أُولَـ'ئِكَ أَصْحَـ'بُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ»؟

 العلاّمة‌:  تُختم‌ بـ « وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»؛  و لهذا الجانب‌ فقد دُعيت‌ هذه‌ الآية‌ التي‌ تشمل‌ لفظ‌ الكرسي‌ بآية‌ الكرسي‌، أمّا تلك‌ الفقرات‌ الاخري‌ فليست‌ جزءاً من‌ آية‌ الكرسي‌؛ و يُكتفي‌ بهذا المقدار في‌ الادعية‌ و النوافل‌ التي‌ وردت‌ فيها آية‌ الكرسي‌ مرّة‌ واحدة‌ أو أكثر.

   التلميذ:  تبيّن‌ آية‌:  وَ إِذَا أَنعَمْنَا علی الإنسَـ'نِ أَعْرَضَ وَ نَـَا بِجَانِبِهِ وَ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَـُوسًا  قُلْ كُلُّ يَعْمَلُ عَلَي‌' شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَي‌ سَبِيلاً؛ [12]  حالين‌ مختلفتين‌ للإنسان‌، أولاهما شاكلته‌ و هيئته‌ الاولي‌، بحيث‌ اذا أنعمنا عليه‌ و جعلناه‌ في‌ سعةٍ من‌ أمره‌، اكتنفه‌ الغرور و الغفلة‌، و دعاه‌ استكباره‌ و عُجبه‌ و غروره‌ الی الإعراض‌ و النأي‌ بجانبه‌ عنّا؛ امّا إن‌ مسّه‌ شرٌ من‌ ضيقٍ و فقر و فاقه‌ و محنة‌ و شدّد، يئس‌ دفعةً واحدة‌ و قنط‌ و استحال‌ ذليلاً تافهاً عاجزاً.

 و الثانية‌: الهداية‌ لله‌ التي‌ يجدها البعض‌، فيخرجون‌ من‌ هذه‌ الشاكلة‌ و يهتدون‌ السبيل‌. و هذه‌ الخاصيّد تزداد لدي‌ البعض‌، فيزداد هُداهم‌ و يتّضح‌ سبيلاً و يغدو أكثر استقامة‌.

 أفتريد هذه‌ الآية‌ الإيحاء بأنّ فطرة‌ جميع‌ الناس‌ و شاكلتهم‌ علی تلك‌ الحال‌ الاولي‌، أي‌ الإعراض‌ و النأي‌ بالجانب‌ عن‌ الحقّ عند النعمة‌، و اليأس‌ و القنوط‌ من‌ الرحمة‌ عند الشرّ و المحنة‌؛ و انّ الافراد المهتدين‌ السائرين‌ علی الصراط‌ السالكين‌ سبيل‌ السعادة‌ خارجون‌ عن‌ هذه‌ الفطرةالاولي‌؟

 أوَ هل‌ يختصر هؤلاء سبيلهم‌ و شاكلتهم‌ و فطرتهم‌ الاولي‌؟ أم‌ ان‌ هؤلاء الافراد ليسوا بدورهم‌ خارجين‌ عن‌ فطرتهم‌ و شاكلتهم‌ الاولي‌، بيد انّ هذه‌ الهداية‌ قد أُودعت‌ فيهم‌ علی أساس‌ من‌ الفطرة‌؟

 إن‌ قلنا انّهم‌ خارجون‌ عن‌ فطرتهم‌ الاولي‌ ـ كما هو ظاهر الآية‌؛ و هو استثناء منقطع‌ ـ فما معني‌ الخروج‌ عن‌ الفطرة؟ أَوَ يمكن‌ ـ تري‌ ـ أن‌ يخرج‌ أحد أو موجود عموماً من‌ قالبه‌ الوجودي‌ و هيئته‌ الاولي‌، ليلتحق‌ بفطرة‌ و هيئة‌ أخري‌؟ ناهيك‌ عن‌ انّنا نعلم‌ انّ فطرة‌ الانسان‌ مجبولة‌ علی التوحيد و السعادة‌، لا علی الشقاء. و إن‌ قلنا انّ ذلك‌ الإهتداء الی السبيل‌ كان‌ هو الآخر وفقاً للموازين‌ و لاساس‌ الفطرة‌، و انّ حالتين‌ مختلفتين‌ ستشملان‌ الإنسان‌: الاولي‌ و هي‌ الإعراض‌ و اليأس‌ و العجز وا لتمرّد، و الحالة‌ الثانويّة‌ تمثّل‌ الخروج‌ عن‌ هذه‌ المرحلة‌؛ و هي‌ ظهور البصيرة‌ و الإهتداء الی الصراط‌ المستقيم‌، و هو استثناء متّصل‌؛ فإنّ ذلك‌ سيخالف‌ ظاهر الآية‌ القائلة‌ بأنّ الجميع‌ يعملون‌ علی شاكلتهم‌، و انّ ذلك‌ الإعراض‌ و اليأس‌ كان‌ وفقاً للشاكلة‌، لذا فان‌ ذلك‌ الإهتداء للسبيل‌ سيكون‌ خارجاً عن‌ الشاكلة‌، أي‌ عن‌ الهيئة‌ الوجوديّة‌ للإنسان‌.

 العلاّمة‌:  الظاهر بأنّ المراد بالشاكلة‌ الفطرة‌ الاولي‌ للإنسان‌ قبل‌ أن‌ تحوطه‌ يد الرعاية‌ و التربية‌، و قبل‌ أن‌ تتحوّل‌ قابليّاته‌ من‌ مرحلة‌ الكمون‌ و السبات‌ فتصل‌ الی مرحلة‌ الفعليّة‌ و الظهور. ذلك‌ لانّ الإنسان‌ موجود متحرّك‌ قابل‌ للكمال‌ وا لترقّي‌؛ لذا فانّ فطرته‌ الاولي‌ هذه‌ هي‌ الاستعداد المحض‌ و القابليّة‌ الصرفة‌، بحيث‌ اذا ما تُرك‌ الإنسان‌ و شأنه‌ في‌ عالم‌ الطبيعة‌ و الكثرد  لاعرض‌ و نأي‌ بجانبه‌ و صار يؤساً كفورا، أمّا لو رُبّي‌ و هُدي‌ الی السبيل‌، لتخطّي‌ مراحل‌ الضعف‌ و الفتور و الخمول‌ هذه‌، و رقي‌ الی مقام‌ عزّ الإنسانيّة‌.

 و عليه‌ فانّ هناك‌ في‌ فطرة‌ الإنسان‌ هذه‌ القابليّة‌ في‌ دور الكمون‌، و هذه‌ القدرة‌ و القوّة‌ في‌ طور السبات‌؛ و مع‌ انّ الإنسان‌ ـ بحسب‌ الظاهر ـ هو ذلك‌ الإنسان‌ اليؤس‌ الكفور، الاّ انّ في‌ أعماقه‌ بحرٌ موّاج‌ من‌ نور الحقيقة‌ الساطع‌، ليس‌ خارجاً ـ هو الآخر ـ عن‌ فطرته‌؛ غاية‌ الامر انّ تلك‌ الانوار و التلالؤات‌ يجب‌ ان‌ تعتلي‌ منصّة‌ الظهور بواسطة‌ الرياضة‌ و التربية‌. انّ الإنسان‌ موجود ذو أعماق‌ متعاقبة‌، و ذو مراحل‌ مختلفة‌ منطوية‌ بأجمعها في‌ وجوده‌، تمثّل‌ جزّآ من‌ فطرته‌، و لا يمكن‌ للإنسان‌ أن‌ ينال‌ مقاماً خارجاً عن‌ فطرته‌. و المراد من‌ الانسان‌ في‌ هذه‌ الآية‌ الشريفة‌ ليس‌ نفسه‌ القدسيّة‌ و روحه‌ الناطقة‌ الماثلين‌ في‌ وجوده‌ في‌ مراحلها الكامنة‌، بحيث‌ يحتاج‌ في‌ إدراك‌ تلك‌ المراحل‌ الی طيّ الطريق‌ و الهداية‌ الالهيّة‌، بل‌ المراد به‌ هذا الإنسان‌ العادي‌ بأفكاره‌ العاميّة‌ و حالاته‌ العاديّة‌.

 و بالطبع‌ فانّ ذلك‌ الإعراض‌ و النأي‌ بالجانب‌ و اليأس‌ و الكفر سيصدر من‌ أمثال‌ هذه‌ الشاكلة‌ و الفطرة‌، امّا مَن‌ تُمسك‌ الهدايةُ الربّانيّة‌ بيده‌ فتخرجه‌ عن‌ هذه‌ الشاكلة‌ و الفطرة‌، فانّه‌ سيكون‌ خارجاً عن‌ هذه‌ الخلقة‌ و عن‌ هذه‌ الدرجة‌ من‌ الفطرة‌، لا عن‌ مطلق‌ الفطرة‌ و الخلقة‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ تفسير آية‌:  إِنَّ الإنسَـ'نَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا

 و ما أشدّ شبه‌ مفاد هذه‌ الآية‌ مع‌ الآيات‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ المعارج‌، في‌ قوله‌:

 إِنَّ الإنسَـ'نَ خُلِقَ هَلُوعًا  إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا  وَ إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا  إِلاَّ الْمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُمْ علی صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ  وَ الَّذِينَ فِي‌´ أَموَالِهِمْ حَقٌ مَّعْلُومٌ  لِّلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ  وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ  وَ الَّذِينَ هُمْ مِّن‌ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ  إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ  وَالَّذِينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حَـ'فِظُونَ  إِلاَّ عَلَي‌' أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ  فَمَنِ ابْتَغَي‌ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ  وَالَّذِينَ هُمو لاَمَـ'نَـ'تِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رَ'عُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَدَاتِهِمْ قَآئِمُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ علی صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ  أُولَئِكَ فِي‌ جَنَّتٍ مُّكْرَمُونَ  فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبْلَكَ مُهْطِعِينَ  عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ  أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِيٍّ مِّنْهُمْ أَن‌ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ  كَلاَّ. [13]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ استثناء المصلّين‌ في‌ سورة‌ المعارج‌

 فهذه‌ الآيات‌ المباركة‌ ـ بحسب‌ الظاهر ـ تريد بيان‌ نفس‌ المطالب‌ في‌ انّ فطرة‌ الإنسان‌ الاولي‌ هي‌  الهَلَع‌، أي‌ عدم‌ الصبر و الثبات‌، و العجلة‌ و فقدان‌ الاستقرار؛ و يستلزم‌ ذلك‌  المنع‌  و الشحّ عن‌ اعطاء الآخرين‌ عند الخير و حين‌ يُمَنُّ عليه‌ و يُنْعَم‌ فيصبح‌ ذا مال‌ أو قدرة‌ و جاه‌، كما يستلزم‌  الجزع‌  حين‌ يناله‌ يناله‌ شرّ و تصبيه‌ مصيبة‌ أو خسارة‌ ماليّة‌؛ و المصلّون‌ هم‌ وحدهم‌ المستثنون‌ من‌ هذه‌ القاعدة‌ العامّة‌ والفطرة‌ الاولي‌ للإنسان‌.

 أيّ مصلّين‌؟ اولئك‌ الذين‌ يهتمّون‌ بالصلاة‌ والزكاة‌ و يخافون‌ عذابَ الله‌ و يصدّقون‌ بيوم‌ الدين‌ و يحفظون‌ أنفسهم‌ من‌ الزنا و الاعمال‌ القبيحة‌؛ و يحفظون‌ الامانات‌ و يرعون‌ العهود و يقومون‌ بالشهادات‌... و هكذا يعدّد جميع‌ الاعمال‌ الحسند فلا يدع‌ منها شيئاً.

  ثمّ انّه‌ يقول‌: ما الذي‌ يقوله‌ و ما الذي‌ يريده‌ هؤلاء الكفّار الذين‌ تحلّقوا حولك‌، و الذين‌ يفتقدون‌ هذه‌ الفضائل‌ و الاخمق‌ الإنسانيّة‌ و الاعمال‌ الروحيّة‌ و الحقيقة‌؟ أيتخيّلون‌ انّ بإمكانهم‌ ـ دون‌ صلاةٍ لها مثل‌ هذه‌ الآثار و الخصائص‌ ـ أن‌ يصلوا الی مقام‌ الإنسانيّة‌ و يدخلوا في‌ جنّة‌ النعيم‌؟ كلاّ، ليس‌ الامر كذلك‌، فاولئكم‌ لن‌ ينالوا مثل‌ هذا المقام‌ أبداً.

 و قد جري‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ استثناء المصلّين‌ عن‌ قاعدة‌ فطرة‌ الانسان‌ الاولي‌، و هي‌ الهلع‌ و لوازمه‌ من‌ المنع‌ و الجَزَع‌. و عليه‌ فانّ هناك‌ في‌ ذات‌ الإنسان‌ عنوان‌ صلاة‌ لها مثل‌ هذه‌ الآثار قد أودع‌ علی نحو الفطرد و الشاكلة‌، و يجب‌ الی مقام‌ البروز و الظهور، و يجب‌ ان‌ يستيقظ‌ الحسّ الالهيّ فيه‌ من‌ سُباته‌. و من‌ ثَمّ فانّ المراد من‌ خلق‌ الإنسان‌ في‌ حال‌ الهلع‌، هو خلق‌ احدي‌ حالات‌ الإنسان‌ و مقاماته‌، لا حاقّ الفطرة‌ الاصلية‌ للإنسان‌، حيث‌ تبيّن‌ الآية‌ خلق‌ حالات‌ الإنسان‌ العاديّة‌ العامّة‌، لا أصل‌ نفسه‌ الناطقة‌ و روحه‌ القدسيّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الشفاعة‌ مختصّة‌ بالمؤمنين‌ المبتلين‌ بالكبائر

   التلميذ:  انّ الآية‌ المباركة‌:  وَ لاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتَضَي‌' وَ هُمْ مِّن‌ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ؛[14]

   لها دلالة‌ علی الإرتضاء المطلق‌؛ أي‌ انّ جميع‌ المراتب‌ الوجوديّة‌ للإنسان‌، و حتّي‌ ذاته‌ و سرّه‌، يجب‌ أن‌ تكون‌ مورد الإرتضاء ليتحقّق‌ مورد الشفاعة‌، و هذه‌ الدرجة‌ هي‌ درجة‌ المقرّبين‌ و المخلَصين‌.

 العلاّمة‌: لن‌ يكون‌ هناك‌ حاجة‌ للشفاعة‌ في‌ تلك‌ الحال‌؛ بل‌ المراد الإرتضاء في‌ الدين‌، و يجب‌ تحديد إطلاق‌ الآية‌ بهذا الحدّ. أي‌ انّ مَن‌ يُرتضي‌ منه‌ دينه‌ و عقيدته‌ و منهجة‌؛ في‌ مقابل‌ التقييد بالإرتضاء في‌ العمل‌، و هو غير المراد طبعاً.

 ذلك‌ لانّ الشفاعة‌ مختصّة‌ بأهل‌ المعاصي‌، أي‌ بأهل‌ الكبائر؛ إذ انّ من‌ يجتنب‌ الكبائر فانّ اجتنابه‌ هذا سيكون‌ بنفسه‌ مكفّراً لصغائره‌، و لن‌ يكون‌ آنذاك‌ مِن‌ معصيته‌ لتُزال‌ بالشفاعة‌؛ و الآيتان‌ الشريفتان‌ الواردتان‌:

 إِن‌ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيّئـَاتِكُمْ. [15]

 الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـ'ئِرَ الإثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ. [16]

 تدلاّن‌ علی انّ مغفرة‌ الذنوب‌ و المعاصي‌ الصغيرة‌ تحصل‌ بنفهسا عند اجتناب‌ الكبائر؛ و قد قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 ادَّخَرْتُ شَفاعَتِي‌ لاَهْلِ الكَبَائِرِ مِن‌ أُمَّتِي‌، فَأَمَّا المُحْسِنُونَ فمَا عَلَيْهِمْ مِن‌ سَبِيلٍ. [17]

 كما ورد في‌ روايات‌ عديدة‌ عن‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ قوله‌:

 لاَ يَشْفَعُونَ  (و الضمير عائد للملائكة‌)  إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌ دِينَهُ.

 و المراد بالدين‌ الاعتقاد بالتوحيد و نفي‌ الشرك‌، أمّا الذي‌ يرتكب‌ الكبيرة‌ و لا يتوب‌ فقد قال‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر عليهما السلام‌ انّه‌ ليس‌ مرضيّ الدين‌.[18]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ استغفار ابراهيم‌ عليه‌ السلام‌ لعمّه‌ آزر

التلميذ:  جاء في‌ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 60: الممتحنة‌:

 قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي‌´ إِبرَاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ و  إِذَْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَء'´ؤُا مِنكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِن‌ دُونِ اللَهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَ بَدَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ الْعَدَ'وَةُ وَ الْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّي‌ تُؤْمِنُوا بِاللَهِ وَحْدَهُ و  إِلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لاِبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ مَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَهِ مِن‌ شَي‌ءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنَا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

 و يحكي‌ (المجلسي‌) في‌ المجلّد الثاني‌ من‌ «بحار الانوار»، ص‌ 27؛ عن‌ «تفسير مجمع‌ البيان‌» قال‌:

 « إِلاَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ » أَي‌ اقْتَدُوا بإبراهيم‌ في‌ كلّ أموره‌ الاّ في‌ هذا القول‌ فلا تقتدوا به‌ فيه‌، فإنّه‌ عليه‌ السلام‌ إنّما استفغر لابيه‌ عن‌ موعدةٍ وعدها إيّاه‌ بالإيمان‌، فلمّا تبيّن‌ له‌ أنّه‌ عدوّ لله‌ تبرّأ منه‌.

 و يستفاد من‌ هذا الكلام‌ وجود منقصة‌ و خزازة‌ في‌ كلام‌ ابراهيم‌ عليه‌ السلام‌ بشأن‌ وعده‌ لعمّه‌ بالإستغفار له‌، حيث‌ استثني‌ القرآن‌ الكريم‌ هذا العمل‌ من‌ الاُسوة‌ الحسنة‌ في‌ ابراهيم‌.

 العلاّمة‌:  يستفاد من‌ الآية‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ مريم‌ انّ ابراهيم‌ عليه‌ السلام قد سلّم‌ علی عمه‌ آزر ـ و كان‌ آنذاك‌ مشركاً، و كان‌ يخوّف‌ ابراهيم‌ عن‌ الرغبة‌ عن‌ آلهته‌ و الإعراض‌ عنها ـ و وعده‌ بالإستغفار له‌ بأن‌ يطلب‌ من‌ ربّه‌ أن‌ يعفو عنه‌، و ذلك‌ في‌ قوله‌:

 يَـ'أَبَتِ إِنِّي‌ أَخَالفُ أَن‌ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَـ'نِ وَلِيًّا  قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَن‌ ءَالِهَتِي‌ يَـ'´إبْرَاهِيمُ لَئِن‌ لَّمْ تَنتَهِ لاِرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي‌ مَلِيًّا  قَالَ سَلَـ'مٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي‌´ إِنَّهُ كَانَ بِي‌ حَفِيًّا. [19]

 و ورد في‌ سورة‌ الشعراء، ضمن‌ الادعية‌ اليت‌ نُقلت‌ عن‌ ابراهيم‌ عليه‌ السلام‌، انّ منها طلب‌ المغفرة‌ لابيه‌، و ذلك‌ في‌ قوله‌:

 رَبِّ هَبْ لِي‌ حُكْمًا وَ أَلْحِقْنِي‌ بِالصَّـ'لِحِينَ  وَاجْعلْ لِّي‌ لِسَانَ صِدْقٍ فِي‌ الاْخِرِينَ  وَاجْعَلْنِي‌ مِن‌ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ  وَاغْفِرْ لاِبِي‌´ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ. [20]

 الاّ انّ هذا الإستغفار و الطلب‌ للغفران‌ من‌ ابراهيم‌ لآزر وقع‌ و لم‌ يكن‌ قد اتّضع‌ لابراهيم‌ بعدُ انّ آذر من‌ أصحاب‌ الجحيم‌ قطعاً، لانّه‌ كان‌ يحتمل‌ هدايته‌ في‌ تلك‌ الحال‌، لذا فقد طلب‌ له‌ المغفرة‌ تبعاً للوعد الذي‌ قطعه‌ له‌ بقوله‌ « سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي‌ ». أمّا بعد أن‌ تبيّن‌ لإبراهيم‌ أن‌ لا أمل‌ هناك‌ في‌ نجاد آذر، و أنّه‌ عدوّ له‌، فانّه‌ لم‌ يستغفر له‌ آنذاك‌ بل‌ تبرّأ منه‌.  مَا كَانَ لِنَبِيِّ وَ الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَن‌ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كَانُوا أُولِي‌ قُرْبَي‌ مِن‌ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمو أَنَّهُمْ أَصْحَـ'بُ الْجَحِيمِ  وَ مَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبرَاهِيمَ لاِبِيهِ إِلاَّ عَن‌ مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ و  أَنَّهُ عَدُوٌ لِّلَهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إبرَاهِيمَ لاَوَّ'هٌ حَلِيمٌ. [21]

 و من‌ ثَمّ فانّ ماورد في‌ الآية‌ المباركة‌ بأنّه‌ غير جائز للنبيّ! و للمؤمنين‌، قد كان‌ الاستغفار للمشركين‌ ااًذ اتّضح‌ لهم‌ أنّهم‌ من‌ أصحاب‌ الجحيم‌؛ و كان‌ الامر كذلك‌ بالنسبة‌ لإبراهيم‌ عليه‌ السلام‌، فقد تبرّأ من‌ آزر بعد أن‌ تبيّن‌ له‌ أنّه‌ عدوّ لله‌؛ و انّما كان‌ استغفاره‌ له‌ قبل‌ هذه‌ المرحلة‌. لذا فقد حذّر الله‌ رسوله‌ في‌ سورة‌ «التوبة‌» من‌ الدعاء لهم‌ و القيام‌ علی قبورهم‌:  وَ لاَ تُصَلِّ عَلَي‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُمْ مَّاتَ أَبدًا وَلاَ تَقُمْ علی قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَ رَسُولِهِ وَ مَاتُوا وَ هُمْ فَـ'سِقُونَ.

  و يقول‌ في‌ نفس‌ السورة‌:

 استَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمو إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلزن‌ يَغْفِرَ اللَهَ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَ رَسُولِهِ وَ اللَهُ لاَ يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْفَـ'سِقِينَ.

 أمّا الآية‌ التي‌ ذُكرت‌ في‌ سورة‌ الممتحنة‌:  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي‌ إِبْرَاهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ؛  و الإستثناء الذي‌ يذكره‌:  إِلاَّ قَوْلَ إبرَاهِيمَ لاِبِيهِ لاَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ؛  فانه‌ يستفاد منهما انّ وعد الاستغفار هذا مع‌ انّه‌ وقع‌ في‌ وقتٍ لم‌ يتبيّن‌ لإبراهيم‌ فيه‌ بعدُ عداء آزر لله‌ تعالي‌، و لكن‌ في‌ الوقت‌ نفسه‌ فانّ قطع‌ الوعد للكافر ـ حال‌ كفره‌ ـ بالإستغفار له‌ ليس‌ أمراً حسناً؛ لذا فقد حذّر المؤمنين‌ في‌ هذه‌ الآية‌ حتّي‌ من‌ نظير هذا النوع‌ من‌ الاستغفار الخاصّ الحاصل‌ لوعدٍ سابق‌، و قبل‌ اتّضاح‌ أمر كون‌ الكافر من‌ أصحاب‌ الجحمي‌. و لقد عدّ جميع‌ أنواع‌ الاتّباع‌ لإبراهيم‌ و من‌ معه‌ في‌ التبرّء من‌ المشركين‌ أسوة‌ حسنة‌، لكنّه‌ لم‌ يعدّ اتّباعهم‌ في‌ مثل‌ هذا الاستغفار أسوة‌ حسنة‌.

 الرجوع الي الفهرس

آزر كان‌ عمّ ابراهيم‌ عليه‌ السلام‌ لا أباه‌

 تبصرة‌: من‌ المسلّم‌ ان‌ آزر لم‌ يكن‌ والداً لابراهيم‌؛ لان‌ القرآن‌ صريح‌ في‌ انّ ابراهيم‌ حينما تبيّن‌ له‌ انّ آزر عدوّ لله‌ فانّه‌ لم‌ يستغفر له‌ بل‌ تبرّأ منه‌؛ و من‌ جهة‌ أخري‌، و وفقاً للآية‌ 42، من‌ السورة‌ 14: ابراهيم‌، فانّ ابراهيم‌ يطلب‌ المغفرة‌ لوالديه‌، و ذلك‌ في‌ قوله‌ 5

 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي‌ وَ لِوَالِدَيَّ وَ لِلْمُؤمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ.

 فتبيّن‌ انّ آزر لم‌ يكن‌ والداً لإبراهيم‌. و هناك‌ فرق‌ بين‌ الوالد و الاب‌، لانّ الوالد يُطلق‌ علی الاب‌ فقط‌، بينما يطلق‌ الاب‌ علی العم‌ كذلك‌، و خاصّةً حين‌ يتكفّل‌ أمور الإنسان‌ بعد أبيه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تعبير القرآن‌ عن‌ قوم‌ عاد و ثمود بعد هلاكهم‌

 التلميذ:   ما هو في‌ نظركم‌ أشدّ تعبيرٍ ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ للعذاب‌ الوارد للظالمين‌ في‌ الدنيا؟

 العلاّمة‌:  هنالك‌ موضعان‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ يعبّر الله‌ سبحانه‌ فيهما عن‌ نزول‌ العذاب‌ تعبيراً عجيباً، مفاده‌ انّنا نهلك‌ طائفة‌ الظالمين‌ بحيث‌ لا تبقي‌ لهم‌ من‌ باقية‌ أبداً، لكأنّهم‌ لم‌ يوجدوا أصلاً و لم‌ يأتو الی الدنيا، و لم‌ يكن‌ لهم‌ من‌ إسم‌ و لا أثر فيها.

 الاوّل‌: في‌ سورة‌ هود، في‌ موضعين‌ من‌ السورة‌، أوّلهما في‌ قوم‌ ثمود الذين‌ عقروا ناقة‌ النبيّ صالح‌:

 فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَـ'لِحًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزِ  وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي‌ دِيَـ'رِهِمْ جَـ'ثِمِينَ  كَأَن‌ لَّمْ يَغْنَوا فِيهَا أَلآ إِنَّ ثَمُودَا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ. [22]

 غِنَيَ يَغنْيَ بِالْمَكَانِ وَ فِي‌ المَكَانِ:  أقام‌ فيه‌؛  جاثمين‌  أي‌  متلبّدين‌؛  اي‌ انّ الصيحة‌ قد أخذتهم‌ بحيث‌ استووا بالارض‌، فكأنّهم‌ لم‌ يسكنوها و لم‌ يقيموا فيها أبداً.

 و الآخر في‌ أصحاب‌ مدين‌ الذين‌ كانوا يؤذون‌ النبيّ شعيب‌، فكان‌ قد أوعدهم‌ بالرجم‌:  وَ لَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي‌ دِيَـ'رِهِمْ جَـ'ثِمِينَ  كَأَن‌ لَّمْ يَغْنَوا فِيهَآ أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ. [23]

 و الموضع‌ الثاني‌ في‌ سورة‌ «المؤمنون‌»، و التعبير هناك‌ أعجب‌، إذ يقول‌: وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَحَادِيثَ،  أي‌ لم‌ يبقَ منهم‌ الاّ القصص‌ و الحكايات‌، فلا أثر لهم‌ أبداً و يبيّن‌ القرآن‌ هذه‌ القصّة‌ بعد ذكره‌ لقصّة‌ قوم‌ نوح‌ الذين‌ غرقوا بالطوفان‌، فأنشأ الله‌ قوماً آخرين‌ و أرسل‌ فيهم‌ رسولاً فكذّبوه‌، فيقول‌:

 فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَـ'هُمْ غُثَآءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّـ'لِمِينَ  ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن‌ بَعْدِهِمْ قُرُونًا ءَاخَرِينَ  مَا تَسْبِقُ مِن‌ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَ مَا يَسْتَـخِرُونَ  ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَ جَعَلْنَـ'هُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لّـِقَوْمٍ لاَّ يُؤمِنُونَ.[24]

 الرجوع الي الفهرس

الابحاث‌ الفلسفيّة‌

 

 بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

بحث‌  في‌ نفي‌ التثليث‌ (الاقانيم‌ الثلاثة‌)

 التلميذ:  من‌ الامور التي‌ تميّز الدين‌ الاسلاميّ المقدّس‌ عن‌ الدين‌ المسيحي‌ قضيّة‌ التثليث‌؛ و يعد هذا الجانب‌ من‌ الاختلاف‌ جانباً أساسيّاً، بل‌ هو من‌ أهم‌ الجوانب‌ الاساسيّة‌ للإختلاف‌. فالدين‌ الإسلامي‌ يدعو الناس‌ الی التوحيد، و يعتبر الاصل‌ القديم‌ واحداً، و يُعيد جميع‌ جهات‌ الكثرة‌ ـ من‌ أيّ نوع‌ كانت‌ ـ الی ذلك‌ الوجود الواحد. امّا دين‌ النصرانيّة‌ فهو في‌ حال‌ اعتباره‌ الله‌ واحداً بتصريح‌ الإنجيل‌،ل‌ كنّه‌ ـ مع‌ ذلك‌ ـ يقول‌ بثلاثة‌ اُصول‌ للعامل‌، و يجعل‌ هذا المعني‌ من‌ الاسس‌ الاعتقاديّة‌، بحيث‌ صار الدين‌ المسيحي‌ و الاعتقاد بالتثليث‌ (ثلاثيّة‌ أصل‌ نشوء العوالم‌) يُعدّان‌ ملازمين‌ لبعضهما.

 و قد تصدّي‌ القرآن‌ الكريم‌ لمحاربة‌ التثليث‌ صراحةً، فعدّه‌ باطلاً ليس‌ بناءً علی التعبّد، بل‌ بناءً علی الاسس‌ العقليّة‌، و وبّخَ القائلين‌ بالتثليث‌ الی درجة‌ عدّه‌ ايّاه‌ في‌ مصافّ الشرك‌. و علی هذا النهج‌ كانت‌ سيرة‌ النبيّ! الاكرم‌ و احتجاجاته‌ علی المسيحيين‌، و كانت‌ سيرة‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌، و سيرة‌ الاصحاب‌ و التابعين‌ و علماء الاسلام‌ من‌ صدر الاسلام‌ حتّي‌ الآن‌، فقد ملاوا الكتب‌ و الدفاتر و الرسائل‌ في‌ الردّ علی التثليث‌، و عدّوه‌ مذهباً باطلاً وفق‌ الادلّة‌ العقليّة‌ المتقنة‌، و أظهروا فساده‌ جليّاً بالبراهين‌ العقليّة‌.

 كما انّنا نعلم‌ ـ من‌ جهة‌ ـ أنّ خصوص‌ أمر التثليث‌ ليس‌ له‌ موضوعيّة‌ للبطلان‌، بل‌ انّ تعدد الآلهة‌ و القدماء (التي‌ هي‌ أصول‌ نشوء العالم‌) لا يمكن‌ عموماً أن‌ يزيد عن‌ الواحد فلا تفاوت‌ ـ من‌ ثَمّ ـ بين‌ مذهب‌ التثليث‌ و التربيع‌ و الخميس‌ و أمثال‌ ذلك‌، و انّ من‌ يقول‌ ـ بأيّ! نحو و شكل‌ ـ بتعدّد اُصول‌ العالم‌، و لو تشكّلت‌ من‌ ملئة‌ جزء أو ألف‌ جزء، انّما يقول‌ باطلاً، تُبطل‌ قولة‌ نفسُ أدلّة‌ الردّ علی التثليث‌، سواءً من‌ القرآن‌ الكريم‌ أو من‌ غيره‌، و تجعله‌ في‌ مصاف‌ الشرك‌.

 و من‌ جهة‌ أخري‌ فانّ القول‌ بعينيّة‌ صفات‌ الحقّ سبحانه‌ و تعالي‌ و أسمائه‌ سيوجب‌ التجزئة‌ و التركب‌ و التعدّد في‌ ذات‌ واجب‌ الوجود، لانّ مفهوم‌ العلم‌ و القدرة‌ و الحياة‌، أو مفهوم‌ العالم‌ و القادر و الحيّ لا تُحمل‌ فقط‌ علی ذات‌ الحقّ سبحانه‌ و تعالي‌، بل‌ تنطبق‌ عليه‌.

 فهذه‌ المفاهيم‌، و هي‌ مصاديق‌ حقيقيّة‌ للعلم‌ و القدرة‌ و الحياة‌ يجب‌ أن‌ تجد في‌ ذات‌ الحقّ وجوداً خارجيّاً و تحقّقاً واقعيّاً، و هو ما يستلزم‌ تجزئة‌ الذات‌ المقدّسة‌ للحضرة‌ الاحديّة‌ الی هذه‌ المصاديق‌ العينيّة‌، و يلزم‌ من‌ ذلك‌ تركيب‌ تلك‌ الذات‌ الاحديّة‌ من‌ هذه‌ الصفات‌ و الاسماء العينيّة‌ الخارجيّة‌.

 و هكذا يصبح‌ مذهب‌ تثليث‌ النصاري‌ بعينه‌ لازماً هنا، غاية‌ الامر انّه‌ ليس‌ تثليثاً بل‌ تجزئةً لذات‌ الحقّ الی عدد الصفات‌ و الاسماء التي‌ تعدّ له‌، فيتحقّق‌ كلّ منها في‌ ذات‌ الحق‌ بصورة‌ منفصلة‌ عن‌ بعضها البعض‌ الآخر، و هو أمر أشنع‌ من‌ التثليث‌ و أقبح‌، لانّ ذات‌ الحقّ مركّبة‌ في‌ مذهب‌ التثليث‌ من‌ ثلاثة‌ أجزاء فقط‌، فيلزم‌ من‌ ذلك‌ فساد تلك‌ التوالي‌؛ أمّا هنا فانّ ذات‌ الحقّ مركّبة‌ من‌ ألف‌ إسم‌ أو صفة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الآيات‌ الواردة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ نفي‌ التثليث‌

 العلاّمة‌:  لقد و بخّت‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ المسيحييّن‌ و قرّعتهم‌ بعدّة‌ طرق‌ و أساليب‌:

 الاوّل‌: يَـ'أَهْلَ الْكِتَـ'بِ لاَ تَغْلُوا فِي‌ دِينِكُمْ وَ لاَ تَقُولُون‌ علی اللَهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسيحُ عِيسَي‌ ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَهِ وَ كَلِمَتُهُ و  أَلقَـ'هَا الی مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِّنْهُ فَـَامِنُوا بِاللَهِ وَ رُسُلِهِ وَ لاَ تَقُولُوا ثَلَـ'ثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَهُ إِلَـ'هٌ وَ'حِدٌ سُبْحَـ'نَهُ و  أَن‌ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي‌ السَّمَواتِ وَ مَا فِي‌ الاْرْضِ وَ كَفَي‌ بِاللَهِ وَكِيلاً. [25]

 و كما هو مُلاحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌، فقد نُفي‌ التثليث‌ بقوله‌ تعالي‌:  وَ لاَ تَقُولُوا ثَلَثَةٌ،  كما نُزّه‌ الخالق‌ سبحانه‌ عن‌ أن‌ يكون‌ له‌ ولد.

 الثاني‌: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قَالَ الْمَسِيحُ يَـ'بَنِي‌´ إِسْرَاءيلَ اعْبُدُوا.للَهَ رَبِّي‌ وَ رَبِّكُمْ إِنَّهُ مَن‌ يُشْرِكْ بِاللَهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْوَيـ'هُ النَّارُ وَ مَا لِلظَّـ'لِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَهَ ثَالِثُ ثَلَـ'ثَةٍ وَ مَا مِن‌ إِلَـ'هٍ إِلآ إِلَـ'هٌ وَاحِدٌ وَ إِن‌ لَّمْ يَنْتَهُوا عَمَّّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. [26]

 و قد نُفي‌ في‌ هاتين‌ الآيتين‌ مطلبان‌: أوّلهما أن‌ يكون‌ الله‌ هو المسيح‌ ابن‌ مريم‌، و ثانيهما: أن‌ يكون‌ الله‌ ثالث‌ ثلاثة‌، لانّ النصاري‌ يقولون‌ بأن‌ الله‌ ثالث‌ ثلاثة‌: الاب‌، الإبن‌، و روح‌ القدس‌.

 فالاب‌  عبارة‌ عن‌ عالَم‌ ذات‌ الله‌ سبحانه‌ و تعالي‌، و  الإبن‌  عبارة‌ عن‌ عالَم‌ عِلم‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ سبحانه‌ و تعالي‌؛ و  روح‌ القدس‌  و هو جبريئل‌ أو الروح‌ عبارة‌ عن‌ عالَم‌ حياة‌ الله‌ عزّوجل‌. و هي‌ الاصول‌ الثلاثة‌ التي‌ يُجمع‌ عليها النّصاري‌ و يقولون‌: انّ ثالث‌ كلّ منها هو الله‌، أي‌ اننا كيفهما عددنا هذه‌ الاصول‌ الثلاثة‌، فانّ الله‌ هو ثالثها.

 فإن‌ قلنا: الاب‌، الإبن‌، روح‌ القدس‌؛ فإنّ روح‌ القدس‌ هو الله‌؛ و إن‌ قُلنا: روح‌ القدس‌، الاب‌، الإبن‌؛ فإنّ الإبن‌ هو الله‌؛ و إن‌ قلنا: الإبن‌، روح‌ القدس‌، الاب‌؛ فانّ الاب‌ هو الله‌. و قد عُدّ كفراً في‌ هذه‌ الآية‌ اعتبارُ الله‌ هو المسيح‌ ابن‌ مريم‌، و اعتباره‌ ثالث‌ ثلاثة‌.

 الثالث‌: وَ قَالَتِ النَّصَـ'رَي‌ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَهِ. [27]

 وَ قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـ'نُ وَلَدًا سُبْحَـ'نَهُ. [28]

 و يُستفاد من‌ هذه‌ الآيات‌ أيضاً انّ النصاري‌ قد عدّوا المسيح‌ ابناً لله‌، سُبْحَانَهَ عَمَّا يَقُولُونَ.

 الرابع‌: وَ إِذْ قَالَ اللَهُ يَـ'عِيسَي‌ ابْنَ مَرْيَمَ ءَأنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي‌ وَ أُمِّي‌ إِلَـ'هَينِ مِن‌ دُونِ اللَهِ. [29]

 حيث‌ يستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ أيضاً انّ النصاري‌ كانوا يقولون‌ ـ علاوةً علی الوهيّة‌ المسيح‌ ـ بالوهيّة‌ أمّه‌ مريم‌، فلهم‌ كنيسة‌ بإسم‌ مريم‌ المعبودة‌، كما انّ من‌ جملة‌ عباداتهم‌ أعمال‌ تخصّ مريم‌ المعبودة‌.

  و خلاصة‌ الامر، فانّه‌ يستفاد من‌ مجموع‌ ما ذكر انّ المسيحييّن‌ قائلون‌ بالوهيّة‌ عيسي‌ علی نبيّنا و آله‌ وعليه‌ السلام‌، و انّ هذا الامر من‌ أصولهم‌ الاعتقادية‌ و مع‌ وجود اختلاف‌ شديد بين‌ المسيحييّن‌ في‌ كيفيّة‌ الوهيّة‌ المسيح‌، بحيث‌ قيل‌ انّهم‌ ينقسمون‌ في‌ ذلك‌ الی سبعين‌ فرقة‌ انتهجت‌ كلّ منها طريقاً خاصّة‌؛ الاّ انّهم‌ يتّفقون‌ بأجمعهم‌ في‌ أمر التثليث‌، سواءً عدوّا الاركان‌ الثلاثة‌ الاساسيّة‌: الاب‌ و الإبن‌ و الام‌، أو عدّوها الاب‌ و الإبن‌ و روح‌ القدس‌.

 و علی كلّ حال‌ فهم‌ يعتبرون‌ الاب‌ عنوانَ الذات‌، و المسيح‌ عنوان‌ الإبن‌ و الولادة‌ و الإنقسام‌ من‌ هذا الاصل‌ بعنوان‌ العلم‌، كما يعتبرون‌ الاصل‌ الثالث‌ عنوان‌ الحياة‌.

 و من‌ الجليّ انّ تركيب‌ ذات‌ الله‌ من‌ أُمور ثلاثة‌ ـ سواءً كانت‌ ثلاثة‌ امور أصليّة‌ لها دخل‌ في‌ التحقّق‌، أو ارتأوا الذات‌ دوّارة‌ تتحرّك‌ بين‌ هذه‌ الامور الثلاثة‌ و عدّوها ثالث‌ ثلاثة‌ ـ أمرٌ خاطي‌ و باطل‌ تبعاً للبراهين‌ الفلسفيّة.

 الرجوع الي الفهرس

القول‌ بوحدة‌ الله‌ و القول‌ بالتثليث‌ يمثّل‌ تناقضاً

 التلميذ:  انّ علّة‌ بُطلان‌ التثليث‌ وفقاً لاصول‌ البرهان‌ ـ مع‌ انّ النصاري‌ قائلون‌ بوحدة‌ ذات‌ الحقّ، و مع‌ ان‌ الإنجيل‌ صريح‌ في‌ التوحيد، و انّ الجميع‌ متّفقون‌ علی انّ السيّد المسيح‌ دعا الی التوحيد ـ هو التناقض‌ بين‌ الوحدة‌ و الكثرة‌؛ أي‌ انّ المسيحيّين‌ يقولون‌ بأنّ ذات‌ الحقّ جلّ و عزّ واحدة‌، و انّها ثلاثة‌ في‌ الوقت‌ نفسه‌؛ فإن‌ كانت‌ الوحدة‌ حقيقيّة‌ و الكثرة‌ اعتباريّة‌ لما استلزم‌ ذلك‌ إشكالاً، و الامر كذلك‌ فيما لو كانت‌ الكثرة‌ حقيقيّة‌ و الوحدة‌ اعتباريّة‌، فضلاً عن‌ انّ اشكال‌ تعدّد الالهة‌ لن‌ يكون‌ ـ إذ ذاك‌ ـ مستلزماً للتناقض‌.

 الرجوع الي الفهرس

الوحدة‌ الحقيقيّة‌ و الكثرة‌ الحقيقيّة‌ لا يجتمعان‌ في‌ موضوع‌ واحد

بيد انّه‌ لو فُرض‌ ان‌ الكثرة‌ حقيقية‌ والوحدة‌ حقيقيّة‌، فانّ هذا الامر سيستلزم‌ التناقض‌، و سيكون‌ محالاً بلحاظ‌ التناقض‌.

 فأفضل‌ دليلٍ في‌ ردّ القائلين‌ بالتثليث‌ أن‌ نقول‌ بأن‌ معني‌ الوحدة‌ و معني‌ الكثرة‌ معنيان‌ مختلفان‌ و متباينان‌، و انّ الجمع‌ بين‌ هذين‌ المفهومين‌ في‌ مصداقٍ واحد ـ مع‌ لحاظ‌ شرائط‌ التناقض‌ ـ سيستلزم‌ التناقض‌.

 و سيكون‌ عين‌ هذا الإشكال‌ لازماً عند فرض‌ عينيّة‌ صفات‌ و أسماء ذات‌ الحقّ جلّ و علا لذات‌ الحقّ؛ لانّ الصفة‌ إن‌ كانت‌ غير الموصوف‌ ـ مع‌ افتراض‌ العينيّة‌ و الوحدة‌ بين‌ الصفة‌ و الموصوف‌ ـ فإنّ ذات‌ الحقّ ـ باعتبار ذات‌ الواحد، و باعتبار الاسماء و الصفات‌ التي‌ هي‌ عين‌ الذات‌ ـ ستكون‌ كثيرة‌، و هو أمر يستلزم‌ التناقض‌.

 و لذلك‌ فلا مفرّ من‌ أن‌ نعتبر الاسماء و الصفات‌ مرتبة‌ نازلة‌ ومتعيّنة‌ عن‌ الذات‌، إذ ان‌ الكثرة‌ في‌ المراتب‌ ـ حال‌ التنزّل‌ و التعيّن‌ ـ لن‌ تتنافي‌ مع‌ الوحدة‌ في‌ الذات‌؛ و بغير ذلك‌ فانّ جميع‌ الإشكالات‌ الواردة‌ علی التثليث‌ بلحاظ‌ الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ و الكثرة‌ سترد في‌ هذا المجال‌ أيضاً.

 هذا و قد كان‌ نزاع‌ الآيتين‌: سيّد العارفين‌ المرحوم‌ السيد أحمد الكربلائي‌ الطهراني‌ و شيخ‌ السالكين‌ المرحوم‌ الحاج‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ الكمباني‌ الاصبهاني‌ رضوان‌ الله‌ عليهما، مع‌ بعضهما في‌ هذا الموضوع‌؛ فقد كان‌ المرحوم‌ الشيخ‌ قد أثبت‌ أن‌ لا إشكال‌ هناك‌ في‌ الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ الحقيقيّة‌ و الكثرة‌ الحقيقيّة‌، و انّ القول‌ بعينيّة‌ الاسماء و الصفات‌ لذات‌ الحقّ عزّوجل‌ لن‌ يستلزم‌ إشكالاً؛ بينما كان‌ المرحوم‌ السيد مخالفاً لهذا المعني‌ مُنكراً له‌ أشدّ الإنكار، فقد كان‌ يعدّ الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ و الكثرة‌ الحقيقتيّن‌ من‌ المحالات‌، و من‌ ثَمّ فقد كان‌ يقول‌ بتنزّل‌ و تعيّن‌ مراتب‌ الاسماء و الصفات‌.

 العلاّمة‌:  انّ الخلل‌ في‌ مذهب‌ المسيحيّين‌ يتركّز في‌ عدّهم‌ الله‌ واحداً و في‌ عدّهم‌ ـ في‌ الوقت‌ نفسه‌ ـ الاصل‌ القديم‌ ثلاثةً؛ لان‌ الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ الحقيقيّة‌ و الكثرة‌ الحقيقيّة‌ من‌ المحالات‌ إن‌ كان‌ جنس‌ الوحدة‌ و الكثرة‌ واحداً؛ كأن‌ يكون‌ قسما الوحدة‌ كلاهما شخصيّين‌ أو نوعيّين‌ أو جنستيّن‌؛ و نورد لكلّ منها مثالاً.

 أمّا الوحدة‌ الشخصيّة‌ فمثالها أن‌ نقول‌: زيد واحد و في‌ نفس‌ الوقت‌ ثلاثة‌؛ أو انّ زيداً و عمراً و بكراً في‌ حال‌ كونهم‌ ثلاثة‌ من‌ أفراد الإنسان‌ فانهم‌ واحد، و لهم‌ وجود واحد و تشخّص‌ واحد حقيقةً.

 و امّا الوحدة‌ النوعية‌، كأن‌ نقول‌ انّ ماهيّة‌ الإنسان‌ في‌ عين‌ كونها نوعاً واحداً، فانّها ثلاثة‌ أنواع‌. فهي‌ ـ مثلاً ـ إنسان‌ و فَرَس‌ و خروف‌. أو أن‌ نقول‌ بأنّ ماهيّات‌ الإنسان‌ و الفَرَس‌ و الخروف‌ في‌ عين‌ كونها ثلاثة‌ حقيقة‌، هي‌ واحدة‌ حقيقةً.

 و امّا الوحدة‌ الجنسيّة‌، فكان‌ نقول‌: إنّ ماهية‌ الحيوان‌، في‌ عين‌ كونها جنساً واحداً، فانّها ثلاثة‌ أجناس‌، كأن‌ تكون‌ ـ مثلاً ـ حيواناً و شجرةً و حجرّاً في‌ نفس‌ الوقت‌؛ أو أن‌ نقول‌ بأن‌ ماهيّات‌ الحيوان‌ والشجرة‌ و الحجر هي‌ واحد في‌ عين‌ تعدّدها؛ فهذه‌ الامور من‌ المحالات‌.

 أمّا الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ الجنسيّة‌ أو النوعيّة‌ و بين‌ الكثرة‌ الشخصيّة‌، كالجمع‌ بين‌ وحدة‌ الحيوان‌ أو الإنسان‌ و بين‌ أفرادها من‌ زيد و عمر و بكر، فلا إشكال‌ فيه‌. كما انّ الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ الجنسيّة‌ و الكثرة‌ النوعيّة‌، كالجمع‌ بين‌ وحدة‌ الحيوان‌ و كثرة‌ أنواعه‌ من‌ الدجاجة‌ و الحمامة‌ و الفَرَس‌ و الخروف‌، فلا إشكال‌ فيه‌ أيضاً. و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌، فإن‌ حصل‌ عند الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ الشخصيّة‌ و الكثرة‌ الشخصيّة‌، أن‌ كانت‌ إحداهما حقيقيّة‌ و الاخري‌ اعتباريّة‌، فانّ ذلك‌ أيضاً لن‌ يستلزم‌ إشكالاً. كأن‌ نقول‌: ان‌ زيداً، مع‌ انّه‌ شخص‌ واحد حقيقةً، الاّ انّه‌ مركّب‌ من‌ عدّة‌ أجزاء، فنقسّم‌ بدنه‌ باعبتارات‌ معينة‌. فانّ التقسيم‌ و حصول‌ الكثرة‌ كان‌ في‌ هذه‌ الحال‌ علی أساس‌ الإعتبار لا الواقع‌ و الحقيقة‌، و لن‌ يستلزم‌ محذوراً.

 أو كأن‌ نقول‌: انّ زيداً و عمراً و بكراً معانّهم‌ ثلاثة‌ حقيقةً، فإنّهم‌ واحد باعتبارهم‌ إخوة‌ أو شركاء أو من‌ مدينة‌ واحدة‌؛ فانّ هذه‌ الوحدة‌ هي‌ الاخري‌ اعتباريّة‌.

 أمّا بشأن‌ مقولة‌ المسيحيّين‌، فهم‌ قائلون‌ بالكثرة‌ الحقيقيّة‌، و التثليث‌ و الاقانيم‌ الثلاثة‌ من‌ أصولهم‌ الإعتقاديّة‌. فإن‌ قالوا ـ و الحال‌ هذه‌ ـ بأنّ الله‌ الواحد له‌ وحدة‌ اعتباريّة‌، فانّ هذا في‌ الحقيقة‌ نفي‌ للوحدة‌، و سيكونون‌ قد اعتبروا أصل‌ التوحيد مرفوضاً بالكامل‌. و إن‌ قالوا بأنّ وحدته‌ حقيقيّة‌، فانّ الجمع‌ بين‌ الوحدة‌ و الكثرة‌ الحقيقيّتين‌ الشخصيّتين‌ سيكون‌ لازماً آنذاك‌، و هذا من‌ المحالات‌.

 و الظاهر انّ النصاري‌ ينتهجون‌ هذه‌ العقيدة‌، و يعدّون‌ الاقانيم‌ الثلاثة‌ صفات‌ و تجليّات‌ لله‌ لا تعدو الموصوف‌ و ذات‌ الله‌، [30]  فهم‌ يقولون‌: انّ لدينا ثلاثة‌ انّ لدينا ثلاثة‌ أقانيم‌: اقنوم‌ الوجود، اقنوم‌ العلم‌، و اقنوم‌ الحياد.

 فاقنوم‌ العلم‌ هو كلمة‌ المسيح‌، و اقنوم‌ الحياة‌ هو الروح‌؛ و في‌ هذه‌ الكيفيّة‌ فان‌ فرضيّة‌ التثليث‌ تستتبع‌ إشكال‌ الإستحالة‌، و هذا بالطبع‌ إن‌ كان‌ للاقانيم‌ (أي‌ لتجلّيات‌ الله‌ و ظهوراته‌) عينيّة‌ مع‌ ذات‌ الله‌ تعالي‌.

 و ببيانٍ آخر: فإن‌ قلنا الاب‌ و الإبن‌، فسنكون‌ قد أثبتنا العَدَد ضرورةً، و ليس‌ هذا التعدّد الاّ الكثرة‌ الحقيقيّة‌. فإن‌ افترضنا آنذاك‌ وحدةً نوعيّة‌ بين‌ الاب‌ و الإبن‌ (كمثل‌ الاب‌ و لابن‌ من‌ أبناء الإنسان‌ اللذين‌ هما واحد في‌ حقيقة‌ الإنسانيّة‌ لكنّهما كثير بلحاظ‌ أفراد الإنسان‌) فانّنا لن‌ نتمكّن‌ آنذاك‌ من‌ افتراض‌ الله‌ الواحد، فتلك‌ الكثرة‌ الحقيقيّة‌ ستمنع‌ من‌ وحدة‌ الله‌. و ذلك‌ لانه‌ عند افتراض‌ وحدة‌ الله‌، فانّ جميع‌ ما سواه‌ ـ و من‌ بينها هذا الإبن‌ المفترض‌ ـ سيكون‌ غير الله‌، و سيُعدّ مملوكاً و محتاجاً الی الله‌. و عندئذٍ لن‌ يكون‌ هذا الإبن‌ المفترض‌ إلهاً (الله‌). و هذا الإستدلال‌ هو البيان‌ الذي‌ ذكره‌ سبحانه‌:

 وَ لاَ تَقُولُوا ثَلَـ'ثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَهُ إِلَـ'هٌ وَاحِدٌ سُبْحَـ'نَهُ و  أَن‌ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي‌ السَّمَواتِ وَ مَا فِي‌ الاْرْضِ وَ كَفَي‌ بِاللَهِ وَكِيلاً. [31]

 الرجوع الي الفهرس

جميع‌ مذاهب‌ المختلفة‌ المسيحيّين‌ المختلفة‌ تشترك‌ في‌ أصل‌ التثليث‌

 والخلاصة‌ فانّ ذلك‌ الإشكال‌ الوارد علی النصاري‌ الذي‌ لا مفرّ لهم‌ منه‌ هو اعتبارهم‌ الاصول‌ الثلاثة‌ مستقلّة‌، و هو أمر لا يتلائم‌ و لا ينسجم‌ مع‌ الوحدة‌. علی انّ المسيحيّين‌؛ مع‌ اختلافهم‌ الكبير في‌ مذهبهم‌؛ قد اختلفوا في‌ مذهب‌ بنوّة‌ المسيح‌ لله‌، فانقسموا الی ثلاثة‌ مذاهب‌:

 الاول‌:  مذهب‌ الملكانيّة‌، و هم‌ القائلون‌ بأنّ عيسي‌ ابن‌ حقيقيّ لله‌ تعالي‌ الثاني‌:  مذهب‌ النسطوريّة‌، و هم‌ القائلون‌ بأن‌ بنوّة‌ عيسي‌ لله‌ كإشراق‌ النور علی الجسم‌ الشفاف‌ كالبللور، فهم‌ في‌ الحقيقة‌ قائلون‌ بالحلول‌.

 الثالث‌:  مذهب‌ اليعقوبيّة‌، و هم‌ القائلون‌ بالانقلاب‌ و التغيّر؛ أي‌ انّ الله‌ المعبود المجرّد قد انقلب‌ و تغيّر الی عيسي‌ المكوّن‌ من‌ لحم‌ و دم‌.

 و تختلف‌ هذه‌ المذاهب‌ في‌ كيفيّة‌ اشتمال‌ المسيح‌ ابن‌ مريم‌ علی جوهرة‌ الالوهيّة‌ و يرجع‌ ذلك‌ الی الاختلاف‌ في‌ اقنوم‌ المسيح‌، و هو اقنوم‌ العلم‌ المنفصل‌ عن‌ اقنوم‌ الربّ، فهم‌ يختلفون‌ في‌ انّ هذا الانفصال‌ هل‌ هو كمثل‌ الاشتقاق‌، أو كمثل‌ التغيّر و الانقلاب‌، أو كمثل‌ الحلول‌. و النصاري‌ بأجمعهم‌ متّفقون‌ علی أصل‌ الانفصال‌ و الغيريّة‌ و البينونة‌ العدديّة‌، و مشتركون‌ بأجمعهم‌ في‌ قول‌:  إِنَّ اللَهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ؛ و لاا ختصاص‌ بهذا القول‌ بمذهب‌ الانقلاب‌ و التغيّر، بل‌ انّ الجميع‌ مشتركون‌ فيه‌. [32]

 فيستفاد ممّا قيل‌ بانّ الجمع‌ بين‌ الكثرة‌ الحقيقيّة‌ و الوحدة‌ الحقيقيّة‌ أمر محال‌، و انّ مذهب‌ النصاري‌ لا ينسجم‌ مع‌ الموازين‌ العقليّة‌ و الفلسفيّة‌ أبداً.

 و علی هذا الاساس‌، و حيث‌ أنّ انسجام‌ ولادة‌ عيسي‌ من‌ الله‌ و الوهيّة‌ مع‌ الاحكام‌ العقليّة‌ الضروريّة‌ ممّا لا يمكن‌ القبول‌ به‌، فقد قام‌ بولس‌ و غيره‌ من‌ قادة‌ المسيحيّة‌ بتقبيح‌ الفلسفة‌. [33]

   التلميذ:  و علی هذا فانّ هذا الإشكال‌ الوارد علی المسيحيّة‌، وارد بدوره‌ علی القائلين‌ بعينيّة‌ الصفات‌ و الاسماء مع‌ ذات‌ الحقّ. لانّ فرض‌ وحدة‌ الحقّ سبحانه‌ و تعالي‌ مع‌ تكثّر الاسماء و الصفات‌ التي‌ هي‌ الاخري‌ قديمة‌، يمثّل‌ جمعاً بين‌ الوحدة‌ الشخصيّة‌ و الكثرة‌ الشخصيّة‌، و كلام‌ العنوانين‌ حقيقي‌، و هذا الامر واضح‌ البطلان‌ بحيث‌ يجب‌ عدّه‌ من‌ اُمور المذهب‌ الضروريّة‌ و في‌ مصاف‌ بطلان‌ التثليث‌. و يجب‌ أن‌ يقال‌ بأنّ العرفاء بالله‌ الذين‌ تابعوا مفسّر القرآن‌ الكريم‌: الإمام‌ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، فاعتبروا وحدة‌ الحقّ مقاماً عالياً رفيعاً، و اعتبروا الصفات‌ غير الموصوف‌، و عدّوها مرتبة‌ نازلة‌. و تعيّناً من‌ الذات‌؛ و الذين‌ أدركوا كاملاً معني‌  (شَهَادَةُ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيرُ المَوصُوفِ)، قد ساروا علی أساس‌ التوحيد الصحيح‌، و ان‌ توحيد الآخرين‌ مشوب‌ بشوائب‌ الكثرة‌ في‌ ذات‌ الله‌، و انّهم‌ يخطون‌ في‌ الملاك‌ و مناط‌ الكلام‌ في‌ مسار واحد مع‌ المسيحيّة‌ القائلة‌ بالتثليث‌.

 و لربّما كانت‌ العلّة‌ في‌ تقبيح‌ كثير من‌ أهل‌ الكلام‌ للفلسفة‌، و عدّهم‌ خوضَ المسائل‌ العقليّة‌ أمراً غير جائز، عائدةً الی أساس‌ مناط‌ كلام‌ بولس‌، و هو خوفهم‌ أن‌ تفتح‌ الفلسفة‌ قبضات‌ أيديهم‌، فتضع‌ في‌ راحاتها التوحيدَ المقرون‌ بالكثرة‌، و الممتزج‌ الی حدٍّ بالشرك‌.

 و علی هذا الاساس‌ فقد كان‌ المرحوم‌ السيّد أحمد الكربلائي‌ الطهراني‌، ذلك‌ العارف‌ الجليل‌ ذو الضمير النبيل‌ يصرّ علی الوحدة‌، و يحذّر و يردع‌ و يمنع‌ من‌ عينيّة‌ الاسماء و الصفات‌ مع‌ الذات‌؛ و كما ورد في‌ الرواية‌ الصحيحة‌ من‌ تقييد الاسماء و تحديدها بكونها مخلوقة‌، و بكونها مظهراً لذات‌ الحيّ القيّوم‌ في‌ حدود تعيّنها و مفهومها، و ما ورد فيها من‌ عدّ وجود ذات‌ الحقّ تعالي‌ بسيطاً عارياً عن‌ أيّ نوع‌ من‌ شوائب‌ الكثرة‌.

 و لا يريد هذا الحقير أن‌ يكون‌ هنا في‌ صدد بطلان‌ مذهب‌ النصاري‌، لانّ بطلانه‌ ـ بلا ريب‌ ـ قد تشخص‌ و بُرهن‌ عليه‌، كما ان‌ أصل‌ التثليث‌ نفسه‌ يحمل‌ وجوهاً من‌ الإشكال‌؛ لكنّي‌ أريد القول‌ فقط‌ ـ بلحاظ‌ امتناع‌ الجمع‌ بين‌ وحدة‌ الحقّ مع‌ تثليث‌ صفاته‌ و تجليّاته‌ التي‌ تُدعي‌ بالاقانيم‌ ـ بأنّ عين‌ هذا الامتناع‌ وارد أيضاً في‌ القول‌ بوحدة‌ ذات‌ الحق‌ و عينيّة‌ الاسماء و الصفات‌ لذات‌ الحقّ بحمل‌ هو هو، و أن‌ لا مفرّ و لا منجي‌ من‌ توحيد العرفاء في‌ مذهب‌ التوحيد.

في‌ حقيقة‌ توحيد ذات‌ الحقّ تبارك‌ و تعالي‌

 انّ حقيقة‌ مسألة‌ توحيد الذات‌ الابديّة‌ هي‌ أن‌ نعدّها منزّهة‌ مقدّسة‌ مطهّرة‌ بتمام‌ معني‌ الكلمة‌ من‌ جميع‌ شوائب‌ الكثرات‌، الخارجية‌ أو الداخليّة‌؛ العينيّة‌ أو الذهنيّة‌ و النفسيّة‌؛  وَ هذا هو قول‌ الحقّ و حقّ القول‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 112: الاءخلاص‌.

[2] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 114: الناس‌.

[3] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 113: الفلق‌.

[4] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 109: الكافرون‌.

[5] ـ الآيتان‌ 49، و 50، من‌ السورة‌ 56: الواقعة‌.

[6] ـ الآية‌ 110، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[7] ـ صدر الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[8] - جزء من الآیة 77، من السورة 4: النساء.

[9] ـ الآيتان‌ 94 و 95، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[10] - جزء من الآیة 44، من السورة 16: النجل.

[11] - الآیة 255، من السورة 2: البقرة.

[12] ـ الآيتان‌ 83 و 84، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[13] ـ الآيات‌ 19 ـ 38 و صدر الآية‌ 39، من‌ السورة‌ 70: المعارج‌.

[14] ـ النصف‌ الثاني‌ من‌ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[15] ـ صدر الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[16] ـ صدر الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

[17] ـ «الميزان‌» ج‌ 1، ص‌ 177، عن‌ «أمالي‌ الصدوق‌». و نقلها في‌ ج‌ 14، ص‌ 308 عن‌ «عيون‌ أخبار الرضا» بلفظ‌ «إنَّمَا شَفَاعَتِي‌».

[18] ـ أورد العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ بحثاً حول‌ المشفوع‌ لهم‌ من‌ المجلّد الاول‌ من‌ تفسير «الميزان‌» ص‌ 171 فما بعد؛ كما بحث‌ ذلك‌ في‌ المجلد 14، ذيل‌ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 21: الانبياء، و أورد الروايات‌ الواردة‌ عن‌ كتب‌ الشيعة‌ و عن‌ تفسير «الدرّ المنثور».

[19] ـ الآيات‌ 45 ـ 47، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[20] ـ الآيات‌ 83 ـ 86، من‌ السورة‌ 26: الشعراء.

[21] ـ الآيتان‌ 113 و 114، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[22] ـ الآيات‌ 67 ـ 69، من‌ السورة‌ 11: هود.

[23] ـ الآيتان‌ 95 و 96، من‌ السورة‌ 11: هود.

[24] ـ الآيات‌ 42 ـ 45، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[25] ـ الآية‌ 171، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[26] ـ الآيتان‌ 72 و 73، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[27] ـ الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[28] ـ النصف‌ الاول‌ من‌ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 21: الانبياء؛ و النصف‌ الاول‌ من‌ الآية‌ 116، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[29] - صدر الآیة 116، من السورة 5: المائدة.

[30] ـ و في‌ «الميزان‌» ج‌ 3، ص‌ 314 و 315: و محصّل‌ ما قالوا (و إن‌ كان‌ لا يرجع‌ إلی محصّل‌ معقول‌): أنّ الذات‌ جوهر واحد له‌ أقانيم‌ ثلاث‌، و المراد بالاقنوم‌ هو الصفة‌ التي‌ هي‌ ظهور الشي‌ء و بروزه‌ و تجليّه‌ لغيره‌ و ليست‌ الصفة‌ غير الموصوف‌، و الاقانيم‌ الثلاث‌ هي‌: اقنوم‌ الوجود، و اقنوم‌ العلم‌، و هو الكلمة‌، و اقنوم‌ الحياة‌ و هو الروح‌.

 و هذه‌ الاقانيم‌ الثلاث‌ هي‌: الاب‌ و الاءبن‌ و الروح‌ القدس‌، و الاوّل‌ اقنوم‌ الوجود، و الثاني‌ اقنوم‌ العلم‌ و الكلمة‌، و الثالث‌ اقنوم‌ الحياة‌؛ فالاءبن‌ و هو الكلمة‌ و اقنوم‌ العلم‌ نزل‌ من‌ عند أبيه‌ و هو أُقنوم‌ الوجود بمصاحبة‌ روح‌ القدس‌ و هو أُقنوم‌ الحياة‌ التي‌ بها يستنير الاشياء.

 ثم‌ اختلفوا في‌ تفسير هذا الاءجمال‌ اختلافاً عظيماً أوجب‌ تشتّتهم‌ و انشعابهم‌ شعباً و مذاهب‌ كثيرة‌ تجاوز السبعين‌، و سيأتيك‌ نبأها علی قدر ما يلائم‌ حال‌ هذا الكتاب‌. إذا تأمّلت‌ ما قدّمناه‌ عرفت‌ أنّ ما يحكيه‌ القرآن‌ عنهم‌، أو ينسبه‌ اليهم‌ بقوله‌:  وَ قَالَتِ النَّصَرَي‌ الْمَسِيحُ ابنُ اللَهِ  الآية‌، و قوله‌: لَقَدْ كَفزرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَهَ ثَالِثُ ثَلَـ'ثَةٍ  الآية‌، و قوله‌:  وَ لاَ تَقُولُوا ثَلَـ'ثَةٌ انتَهُوا الآية‌؛ كلّ ذلك‌ يرجع‌ إلی معني‌ واحد (و هو تثليث‌ الوحدة‌) هو المشترك‌ بين‌ جميع‌ المذاهب‌ المستحدنة‌ في‌ النصرانيّة‌، و هو الذي‌ قدّمناه‌ في‌ معني‌ تثليث‌ الوحدة‌. و انّما اقتصرنا فيه‌ علی هذا المعني‌ المشترك‌ لانّ الذي‌ يرد علی أقوالهم‌ في‌ خصوص‌ المسيح‌ عليه‌ السلام‌ علی كثرتها و تشتّتها ممّا يحتجّ به‌ القرآن‌، أمر واحد يرد علی وتيرة‌ واحدة‌ كما سيتضّح‌.

[31] ـ النصف‌ الثاني‌ من‌ الآية‌ 171، من‌ السورة‌ 4: النساء. و أورد العلاّمة‌ الطباطبائي‌ نظير هذا البيان‌ في‌ «الميزان‌» ج‌ 3، ص‌ 317.

[32] ـ قام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ بالبحث‌ في‌ هذه‌ الامور في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 3، ص‌ 312، و في‌ ج‌ 6، ص‌ 72. و قال‌ في‌ ج‌ 6، ص‌ 73:

 يُضاهئون‌ بذلك‌ نظير قولنا: انّ زيد بن‌ عمرو إنسان‌؛ فهناك‌ امور ثلاثة‌ هي‌: زيد، و ابن‌ عمرو، و الإنسان‌، و هناك‌ أمر واحد و هو المنعوت‌ بهذه‌ النعوت‌. و قد غفلوا عن‌ أنّ هذه‌ الكثرة‌ إن‌ كانت‌ حقيقيّة‌ غير اعتباريّة‌، أوجبت‌ الكثرة‌ في‌ المنعوت‌ حقيقةً و أنّ المنعوت‌ إن‌ كان‌ واحداً حقيقةً أوجب‌ ذلك‌ أن‌ تكون‌ الكثرة‌ اعتبارية‌ غير حقيقيّة‌، فالجمع‌ بين‌ هذه‌ الكثرة‌ العدديّة‌ و الوحدة‌ العدديّة‌ في‌ زيد المنعوت‌ بحسب‌ الحقيقة‌ ممّا يستنكف‌ العقل‌ عن‌ تعقّله‌.

 و لذا ربّما ذكر بعد الدعاة‌ من‌ النصاري‌ أنّ مسألة‌ التثليث‌ من‌ المسائل‌ المأثورة‌ من‌ مذاهب‌ الاسلاف‌ التي‌ لا تقبل‌ الحلّ بحسب‌ الموازين‌ العلميّة‌، و لم‌ يتنبه‌ أنّ عليه‌ أن‌ يطالب‌ بالدليل‌ علی كلّ دعوي‌ يقرع‌ سمعه‌، سواء كانت‌ من‌ دعاوي‌ الاسلاف‌ أو من‌ دعاوي‌ الاخلاف‌، انتهي‌ نقل‌ عن‌ التفسير.

 و علی كلّ حال‌ فينبغي‌ العلم‌ بأنّ مقولة‌ التثليث‌ أمر اختلقة‌ المسيحيّون‌، إذ قاموا ـ من‌ خلاف‌ تحريف‌ الاءنجيل‌ ـ بجعلها من‌ الاصول‌ العقائدية‌ للمسحيّة‌، علی الرغم‌ من‌ براءة‌ أذيال‌ النبي‌ عيسي‌ عليه‌ السلام‌ من‌ أمثال‌ هذه‌ التهمة‌، فلقد كان‌ يدعو الناس‌ إلی الحقّ، يشهد علی ذلك‌ بجلاء الآيات‌ الواردة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌.

 بيان‌ القرآن‌ في‌ شأن‌ أدب‌ عيسی‌ عليه‌ السلام

قال‌ العلاّمة‌: انّ آيات‌ آخر سورة‌ المائدة‌ تبيّن‌ بشكل‌ عجيب‌ أدب‌ عيسي‌ عليه‌ السلام‌، و تُظهر انّه‌ كان‌ مؤمناً و كان‌ عبداً لله‌ مطيعاً. و ذلك‌ في‌ قوله‌ تعالي‌:

 وَ إِذْ قَالَ اللَهُ يَـ'عِيسَي‌ ابنُ مَرْيَمَ ءَأنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي‌ وَ أُمِّي‌ إِلَـ'هَيْنِ مِن‌ دُونِ اللَهِ قَالَ سُبْحَـ'نَكَ مَا يَكُونُ لِي‌´ أَن‌ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي‌ بِحَقِّ إِن‌ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي‌ نَفْسِي‌ وَ لاَ أَعْلَمُ مَا فِي‌ نَفِسكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـ'مُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي‌ بِهِ  أَنِ اعْبُدُوا اللَهَ رَبِّي‌ وَ رَبَّكُمْ وَ كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِم‌ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي‌ كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنتَ علی كُلِّ شَي‌ءٍ شَهِيدٌ * إِن‌ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ إِن‌ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيَزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَهُ هَـ'ذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّـ'دِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّتٌ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَ الاْرْضِ وَ مَا فِيهِنَّ وَ هُوَ علی كُلِّ شَي‌ءٍ قَدِيرٌ  (الآيات‌ 116 ـ 120، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌)  فتأمّلوا كيف‌ يجيب‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ ببيانٍ راقٍ و منطق‌ بليغ‌، بحيث‌ يتجلّي‌ في‌ كلّ كلمة‌ أجاب‌ بها عالمٍ من‌ المنطق‌ و الحكمة‌ و رعاية‌ حقّ ربوبيّة‌ الباري‌ تعالي‌ و رعاية‌ أعلي‌ درجات‌ مقام‌ أدب‌ العبوديّة‌.

 فيقول‌: أوّلاً:  إِن‌ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ، علی أساس‌ احاطتك‌ العلميّة‌ بالموجودات‌.

 و ثانياً:  مَا قُلْتُ لَهُم‌ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي‌ بِهِ؛ و هو الدعوة‌ إلی التوحيد لا سواه‌، فلم‌ اتخطّ هذا الحدّ.

 و ثالثاً:  وَ كُنتُ عَلَيْهِم‌ شَهِيدًا مَادُمتُ فِيهِم‌.

 و رابعاً: انّ عذابك‌ عين‌ العدل‌، و انّك‌  إِن‌ تُعَذِّبْهُم‌ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ إِن‌ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

 و إنصافاً فانّه‌ لا يمكن‌ افتراض‌ كلام‌ أعلي‌ و أرقي‌ من‌ هذا الكلام‌.

[33] ـ «الميزان‌» ج‌ 3، ص‌ 326.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com