بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب الشمس الساطعة / القسم الثانی: مکارم العلامة و اخیه، نظریات العلامة فی الفلسفة، وحدة الحق بالصرافة، تعلیقة العلامة علی...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

في‌ مآثر و مكارم‌ الاخوين‌: العلاّمة‌ الطباطبائي‌ و أخيه‌

 و لقد تلازم‌ هذان‌ الاخوان‌ في‌ جميع‌ المراحل‌ و في‌ طيّ المنازل‌ العلميّة‌ و العمليّة‌، و كانا مترافقين‌ دوماً في‌ السرّاء و الضرّاء في‌ محبّةٍ و عطف‌، لكأنّهما حقّاً روح‌ واحدة‌ في‌ بدنيْن‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ أحوال‌ اقاي‌ الهي‌ أخي‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ و أحوال‌ زوجته‌

 و لقد شابه‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ السيد محمد حسن‌ الطباطبائيّ الالهي‌ أخاه‌ سماحة‌ العلاّمة‌ و ماثله‌ في‌ جميع‌ الجوانب‌، و كان‌ المثل‌ الاعلي‌ و النموذج‌ البارز في‌ نهجه‌ و سيرته‌ و سعة‌ صدره‌ و همّته‌ العالية‌ و معيشته‌ الطافحة‌ بالعرفان‌ و الزهد بمعناهما الحقيقي‌، و في‌ الابتعاد عن‌ أبناء الزمان‌ و أهل‌ الدنيا، و مقارنة‌ الفكر و التأمّل‌ و الإدراك‌ و البصيرة‌ و الإرتباط‌ بالحضرة‌ الابديّة‌، و الانس‌ و الالفة‌ في‌ زوايا الخلوة‌، و من‌ جانب‌ آخر فقد عُرف‌ بقدرته‌ الفكريّة‌ الواسعة‌ و ولهه‌ بالشرع‌ المطهّر و بأهل‌ بيت‌ العصمة‌، و بالتضحية‌ و الإيثار في‌ نهجهم‌، و في‌ إعلاء كلمة‌ الحقّ و خدمة‌ أبناء جلدته‌ من‌ الفقراء و المستضعفين‌. و قد عُرف‌ و اشتهر في‌ منطقة‌ تبريز و آذربيجان‌ و دارت‌ سيرته‌ بالقداسة‌ و الطهارة‌ بين‌ أهالي‌ تلك‌ المنطقة‌ علی ألسن‌ الخواص‌ و العوام‌.

 و حقّاً، فكم‌ هو مناسب‌ و جميل‌ في‌ حقّ هذين‌ الاخوين‌ الشعر الذي‌ أنشده‌ أبوالعلاء المعرّي‌ في‌ حقّ  السيّد المرتضي‌ و السيّد الرضيّ  في‌ قصيدة‌ طويلة‌ أنشأها في‌ رثاء أبيهما، و ذلك‌ في‌ قوله‌:

 أَبْقَيْتَ فِينَا كَوْكَبَيْنِ سَنَاهُمَا                     فِي‌ الصُّبْحِ وَالظَّلْمَاءِ لَيْسز بِخَافِ

 مُنَأنِقَيْنِ وَ فِي‌ المَكَارِمِ أرْتَعَا                   مُتَألِقَيْنِ بِسُؤدَدٍ وَ عَفزافِ

قَدَرَيْنِ فِي‌ الإردَاءِ بَلْ مَطَرَيْنِ فِي‌                               الإجْدَآءِ بَلْ قَمَرَيْنِ فِي الإسْدَافِ   

 رُزِقَا العَلاَءَ فَأَهْلُ نَجْدٍ كُلَّمَا                      نَطَقَا الفَصَاحَةَ مِثْلُ أهْلِ دِيَافِ [1]

 سَأوي‌ الرَّضِيُّ المُرْتَضَي‌ وَ تَقَاسَمَا                     خِطَطَ العُلاَ بِتَنَاصُفٍ وَ تَصَافِ [2]

 و لقد تشرّف‌ هذان‌ الاخوان‌ بالذهاب‌ الی النجف‌ فاشتغلا سويّاً بتحصيل‌ الكمال‌ عشر سنين‌، و كانت‌ لهما جهود مشتركة‌ و باستمرار في‌ الدروس‌ الفقهيّة‌ و الاصوليّة‌ و الفلسفيّة‌ و العرفانيّة‌ و الرياضيّة‌، ثمّ أُجبروا علی العودة‌ الی ايران‌ بسبب‌ ضيق‌ العيش‌ و لعدم‌ وصول‌ المال‌ المعهود من‌ عائد الارض‌ الزراعيّة‌ التي‌ لهما في‌ تبريز، فاشتغلا بجدّ في‌ الزراعة‌ في‌ قرية‌ « شاد آباد» ـ عدا أوقات‌ قليلة‌ ـ و ذلك‌ لمدّة‌ عشر سنوات‌، حتّي‌ انتظم‌ أمر الزراعة‌ الی حدٍّ ما، ثمّ هاجر الاستاذ العلاّمة‌ الی قم‌ لحفظ‌ الحوزة‌ العلميّة‌ فيها من‌ آفة‌ حوادث‌ عقائد الطلاّب‌، و بقي‌ أخوه‌ مقيماً في‌ تبريز مشغولاً بتدريس‌ الطلاّب‌ في‌ تلك‌ الانحاء و هكذا يشتغل‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ السيد محمد حسن‌ الالهي‌ بجدّ بتدريس‌ الفلسفة‌ من‌ «الشفاء» و «الاسفار» و سائر كتب‌ الملاّ صدرا في‌ حوزة‌ تبريز، و يُعين‌ أحياناً بعض‌ عشّاق‌ طريق‌ الله‌ و يقودهم‌ الی المنزل‌ المقصود.

 و كان‌ هو الآخر رجلاً غاية‌ في‌ البساطة‌، نزيهاً متواضعاً ذا أخلاق‌ عالية‌، عارفاً بالاسرار الالهيّة‌، مطّلعاً علی الضمائر و مربيّاً جليل‌ القدر. و كان‌ أستاذناً يمتدحه‌ كثيراً و يُظهر فرط‌ محبّته‌ له‌ و تعلّقه‌ به‌ و يقول‌: وقعت‌ في‌ أيدينا في‌ النجف‌ الاشرف‌ نسخة‌ خطيّة‌ غير مطبوعة‌ لمنطق‌ الشفاء لابي‌ علی، فاستنسخناها نحن‌ الاخوان‌ بأجمعها بخطّ أيدينا.

 و يقول‌: لقد ألّف‌ أخي‌ كتاباً عن‌ تأثير الصوت‌ و كيفيّة‌ الالحان‌ و تأثيرها في‌ الروح‌، و تأثير المناغاة‌ لتنويم‌ الاطفال‌ فيهم‌، و بشكل‌ عام‌ عن‌ أسرار علم‌ الموسيقي‌ و العلاقات‌ المعنويّة‌ للروح‌ مع‌ الاصوات‌ و النغمات‌ الواردة‌ في‌ الاذن‌، و كانت‌ رسالة‌ نفيسة‌ حقّاً لا نظير لها في‌ الدنيا الی يومنا هذا، و هي‌ بديعة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، إذ لم‌ يسبقه‌ أحد في‌ هذا المجال‌. بيد أنّه‌ خشي‌ بعد إتمام‌ الرسالة‌ أن‌ تقع‌ بيد امري‌ غير لائق‌ من‌ أبناء الزمان‌، أو بيد الحكّام‌ الجائرين‌ فتفيد منها الحكومات‌ اللامشروعة‌ في‌ عالمنا الحاضر، فلجأ الی إتلافها. هذا و لم‌ يوفّق‌ الحثير لإدراك‌ محضره‌، بالرغم‌ من‌ انّه‌ تشرّف‌ بالمجي‌ الی قم‌، فسكنها لمدّة‌ سنة‌ تقريباً، فقد صادف‌ ذلك‌ وقت‌ تشرّفي‌ بالذهاب‌ الی النجف‌ الاشرف‌ للدراسة‌، ثم‌ انني‌ عدتُ فوجدته‌ قد عاد الی تبريز، ثمّ انّة‌ رحل‌ بعد ذلك‌ بسنوات‌، فجي‌ء بجنازته‌ الی قم‌ فدُفنت‌ الی جوار المرقد المطهّر للسيّدة‌ المعصومة‌ سلام‌ الله‌ عليها، و ذلك‌ في‌ الجانب‌ الآخر منا لجسر المعروف‌ بجسر «آهنچي‌» في‌ المقبرة‌ المعروفة‌ بمقرة‌ أو اشتداد ضعف‌ القلب‌ و الاعصاب‌.

 و كانت‌ العلّة‌ الاخري‌ لذلك‌ وفاة‌ زوجته‌ بالسكتة‌ القلبيّة‌، حيث‌ ترك‌ ذلك‌ أيضاً تأثيراً عميقاً و بالغاً فيه‌، فقد امتزجت‌ مودّة‌ هذه‌ السيّدة‌ الجليلة‌ في‌ نفسه‌ كامتزاج‌ السكّر و الحليب‌، فأدّي‌ موتها الی انفراط‌ عقد الحياة‌ السعيدة‌ التي‌ أُرسيت‌ علی ركائز الحبّ و الوفاء و الصفاء.

 و يتّضح‌ ذلك‌ من‌ جواب‌ رسالة‌ التعزية‌ التي‌ أرسلها له‌ الحقير، بالرغم‌ من‌ حمده‌ الله‌ عدّة‌ مرّات‌ في‌ الرسالة‌ و تكراره‌ لجملات‌: «الحمدلله‌»، و «لله‌ الحمد»، فقد كتب‌ يقول‌:

 «لقد شُطب‌ بذهابها و الی الابد بخطّ البُطلان‌ علی الحياة‌ السعيدة‌ الهادئة‌ التي‌ عشناها.»

 و كانت‌ هذه‌ السيّدة‌ المؤمنة‌ هي‌ الاخري‌ من‌ أهل‌ بيت‌ الطهارة‌، و من‌ بنات‌ أعمامه‌، و هي‌ ابنة‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الميرزا مهدي‌ اقاي‌ التبريزي‌. و كان‌ مع‌ اخوته‌ الخمسة‌ جميعاً: السادّة‌ الحاج‌ الميرزا محمد أقا، الحاج‌ الميرزا علی أصغر أقا، الحاج‌ الميرزا كاظم‌ أقا (صهر مظفّر الدين‌ شاه‌)، الحاج‌ الميرزا رضا، و أخ‌ آخر معهم‌، من‌ العلماء و من‌ أولاد المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الميرزا يوسف‌ التبريزي‌. و اسم‌ تلك‌ المرحومة‌ «قمر السادات‌» و لقبها «المهدوي‌»، اذ انّ أباها هو الحاج‌ الميرزا مهدي‌ أقا المشهور بالمهدوي‌، و كانت‌ وفاة‌ تلك‌ المرحوم‌ ليلة‌ الاربعاء السابع‌ و العشرين‌ من‌ ذي‌ القعدة‌ الحرام‌ لسنة‌ 1384 ه.

 يقول‌ العلاّمة‌: لقد كانت‌ زوجتي‌ امرأة‌ جليلة‌ قويّة‌ الإيمان‌، و قد تشرّفتُ معها بالذهاب‌ الی النجف‌ الاشرف‌ للدرس‌ و التحصيل‌، فكنّا نأتي‌ الی كربلاء للزيارة‌ أيّام‌ عاشوراء، ثمّ عدنا بعد نهاية‌ تلك‌ الفترة‌ الی تبريز، فكانت‌ جالسة‌ في‌ المنزل‌ يوم‌ عاشوراء منهمكة‌ في‌ قراءة‌ زيارة‌ عاشوراء؛ تقول‌: أحسستُ فجاةً بانكسار قلبيّ، فقلتُ في‌ نفسي‌: كنتُ الی جوار المرقد المطهّر لابي‌ عبدالله‌ الحسين‌ لعشر سنين‌، فحُرمتُ اليومَ من‌ هذا الفيض‌؛ فشاهدتُ فجأة‌ أنّي‌ واقفة‌ في‌ الحرم‌ المطهّر بين‌ المنطقة‌ التي‌ تقابل‌ الضريح‌ و التي‌ تعلو الرأس‌ الشريف‌، و أنا مشغولة‌ بقراءة‌ الزيارة‌.

 و كان‌ الحرم‌ المطهّر و خصوصيّاته‌ علی حالها السابق‌، الاّ انّ اليوم‌ كان‌ يوم‌ عاشوراء، فكان‌ الناس‌ يذهبون‌ في‌ الغالب‌ للتفرّج‌ علی مواكب‌ العزاء و لطم‌ الصدور، و كان‌ هناك‌ أفراد قلائل‌ فقط‌ جهة‌ أقدام‌ الإمام‌ المباركة‌ يقفون‌ أمام‌ قبر سائر الشهداء و بعض‌ الخدّام‌ و السدنة‌ منهمكين‌ بتلاوة‌ الزيارة‌ لهم‌، ثمّ عدتُ الی نفسي‌ فرأيتني‌ جالسة‌ في‌ بيتي‌ في‌ نفس‌ الموضع‌ و أنا منهمكة‌ في‌ قراءة‌ باقي‌ الزيارة.

 و علی كلّ حال‌ فقد دُفنت‌ هذه‌ السيّدة‌ الجليلة‌ هي‌ الاخري‌ في‌ جوار السيّدة‌ المعصومة‌ سلام‌ الله‌ عليها، و ذلك‌ في‌ مقبرة‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحائري‌ اليزدي‌ في‌ الجانب‌ الايسر من‌ الجناح‌ المُلحق‌، في‌ احدي‌ المواضع‌ الخاصّة‌ بالعوائل‌. و كان‌ استاذنا يرور هذه‌ المخدّرة‌ علی الدوام‌ عصر أيّام‌ الخميس‌، ثمّ يعرّج‌ لزيارة‌ أخيه‌ ضمن‌ زيارته‌ لاهل‌ القبور.

 الرجوع الي الفهرس

المنهج‌ الفكري‌ للاستاذ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ و نظريّاته‌ في‌ الحكمة‌ والفلسفة‌

 المنهج‌ العلمي‌:  لقد كان‌ الاستاذ مفكّراً في‌ غاية‌ العمق‌، و لم‌ يكن‌ ليتخطّي‌ أبداً مطلباً بسهولة‌ و لا يدعه‌ الی غيره‌ الاّ بعد أن‌ يتعمّق‌ فيه‌ و يحقّق‌ في‌ جهاته‌ و جوانبه‌؛ و كان‌ يُسئل‌ أحياناً سؤالاً بسيطاً في‌ مسألة‌ فلسفيّة‌ أو تفسيريّة‌ أو روائيّة‌ يمكنه‌ الإجابة‌ عليه‌ فوراً بعدّة‌ كلمات‌ لينتهي‌ الامر؛ بيد أانّه‌ كان‌ يلبث‌ ساكتاً قدراً، ثم‌ يجيب‌ عليه‌ بعد أن‌ يكون‌ قد بحث‌ أطرافه‌ و جوانبه‌ و احتمالاته‌ و مواضع‌ الردّ و القبول‌، فيكون‌ له‌ حكم‌ الدرس‌. و كان‌ لا يتخطّي‌ دائرة‌ البرهان‌ في‌ المباحث‌ الفلسفيّة‌، فيفصل‌ بعناية‌ بين‌ القياسات‌ البرهانيّة‌ و بين‌ مواضع‌ المغالطة‌ و الجدل‌ و الخطابة‌ و الشعر، و لا يكفّ عن‌ المسألة‌ حتّي‌ تنتهي‌ الی أوّلياتها و نظائرها.

 و كان‌ لا يمزج‌ أبداً المسائل‌ الفلسفيّة‌ بالمسائل‌ الشهوديّة‌ و العرفانيّة‌ و الذوقيّة‌، فكانت‌ المسائل‌ الشهوديّة‌ لا ترد في‌ موقع‌ تدريس‌ كلامٍ ما في‌ المسائل‌ الفلسفيّة‌، و كان‌ في‌ هذا الجانب‌ مغايراً لصدر المتألّهين‌ و للحكيم‌ السبزواري‌.

 و كان‌ يحبّ كثيراً أن‌ ينحصر البحث‌ في‌ أيّ فرع‌ من‌ العلوم‌ في‌ مسائل‌ ذلك‌ العلم‌، و أن‌ يدور الحديث‌ و البحث‌ عن‌ موضوعات‌ و أحكام‌ ذلك‌ العلم‌، و يفضّل‌ عدم‌ مزج‌ العلوم‌ ببعضها، و كان‌ ينزعج‌ كثيراً من‌ الذين‌ يخلطون‌ الفلسفة‌ و التفسير و الاخبار ببعضها، اولئك‌ الذين‌ كانوا يتوسّلون‌ بالروايات‌ و التفسير حين‌ يعجز البرهان‌ عن‌ الاخذ بيدهم‌ و إعانتهم‌، فيعيون‌ في‌ الامر، فيحاولون‌ إتمام‌ بُرهانهم‌ بالإستشهاد بها.

 و كان‌ يمتدح‌ المرحوم‌ الملاّ محسن‌ الفيض‌ الكاشاني‌ و يبجلّه‌ كثيراً، يقول‌: انّ هذا الرجل‌ جامع‌ للعلوم‌، قلّ أن‌ نجد له‌ في‌ شموله‌ و إحاطته‌ نظيراً في‌ عالم‌ الإسلام‌، و يُلاحظ‌ انّه‌ كان‌ يرد في‌ العلوم‌ بصورة‌ مستقلّة‌ فلا يمزجها ببعضها. ففي‌ تفاسيره‌ «الصافي‌» و «الاصفي‌» و «المصفي‌» التي‌ تنحو نحواً روائيّاً، نراه‌ لا يخوض‌ في‌ المسائل‌ الفلسفيّة‌ و العرفانيّة‌ و الشهوديّة‌، امّا في‌ الاخبار فانّ من‌ يطالع‌ كتابه‌ «الوافي‌» يراه‌ اخباريّاً صرفاً حتّي‌ كأنّه‌ لم‌ يدرس‌ الفلسفة‌ قطّ، كما انّه‌ في‌ كتبه‌ العرفانيّة‌ و الذوقيّة‌ لا يتخطّي‌ هذا الاسلوب‌ أبداً و لا يخرج‌ عن‌ الموضوع‌ الذي‌ يبحثه‌، مع‌ انّه‌ أستاذ في‌ الفلسفة‌ و من‌ تلامذة‌ صدر المتألّهين‌ البارزين‌.

 كما كان‌ أستاذنا يبجّل‌ «بوعلي‌ بن‌ سينا» و يعدّه‌ أقوي‌ من‌ المرحوم‌ صدر المتألّهين‌ في‌ فنّ البرهان‌ و الاستدلال‌ الفلسفي‌؛ الاّ انّه‌ كان‌ معجباً كثيراً و مسروراً بصدر المتألّهين‌ و نهجه‌ الفلسفي‌ في‌ هدم‌ الفلسفة‌ اليونانيّة‌، و باسلوبه‌ الحديث‌ كأصالة‌ الوجود  و  الوحدة‌  و  التشكيك‌ في‌ الوجود  و ظهور مسائل‌ جديدة‌ مثل‌ قضيّة‌  إمكان‌ الاشرف‌، و  اتّحاد العاقل‌ و المعقول‌، و  الحركة‌ الجوهريّة‌،  و الحدوث‌ الزماني‌ للعالم‌  تبعاً لهذا الاصل‌، و قاعدة‌  بسيط‌ الحقيقة‌ كلّ الاشياء  و نظائر ذلك‌.

 و كان‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ يجد صدر المتألّهين‌ أقرب‌ الی الواقع‌، و كان‌ يقدّر غاية‌ التقدير خدماته‌ لعالم‌ العلم‌ و الفلسفة‌ بسبب‌ تكثير مسائل‌ الفلسفة‌ التي‌ تصاعدت‌ في‌ هذه‌ الفلسفة‌ من‌ مائتي‌ مسألة‌ الی سبعمائة‌ مسألة‌.

 و كان‌ يمتدح‌ كثيراً أمر عدم‌ متابعة‌ صدر المتألّهين‌ لمدرسة‌ المشّائين‌، و لجمعه‌ الفلسفة‌ الفكريّة‌ و الذهنيّة‌ مع‌ الإشراق‌ الباطني‌ و الشهود القلبي‌، و تطبيقهما كليهما مع‌ الشرع‌ الانوار.

 فلقد أثبت‌ صدرالمتألّهين‌ في‌ كتبه‌، و من‌ بينها «الاسفار الاربعة‌» و «المبدأ» و «المعاد» و «العرشيّة‌» و كثير من‌ رسائله‌ الاخري‌، أن‌ ليس‌ هناك‌ من‌ تفاوت‌ أو مغايرة‌ بين‌ الشرع‌ الحاكي‌ عن‌ الواقع‌ و بين‌ النهج‌ الفكري‌ و الشهود الوجداني‌؛ و انّ هذه‌ المصادر الثلاثة‌ تنبع‌ من‌ عين‌ واحدة‌، و ان‌ كلاّ منها يأيّد الآخر و يدعمه‌. و كانت‌ هذه‌ أكبر خدمة‌ قدّمها هذا الفيلسوف‌ لعالم‌ الوجدان‌ و لعالم‌ الفلسفة‌ و لعالم‌ الشرع‌، فجميع‌ السبل‌ مُشرعة‌ أمام‌ ذوي‌ القابلية‌ للكمال‌ و لقبول‌ الفيوضات‌ الربّانيّة‌، و ليس‌ هناك‌ من‌ باب‌ موصدة‌ في‌ وجوههم‌.

 و مع‌ انّ أساس‌ و منشأ هذه‌ النظريّة‌ قد لو حظ‌ أيضاً في‌ كلمات‌ المعلّم‌ الثاني‌  أبي‌ نصر الفارابي‌، و  أبي‌ علی بن‌ سينا، و  شيخ‌ الإشراق‌، و  الخواجه‌ نصير الدين‌ الطوسي‌،  و  شمس‌ الدين‌ بن‌ تُركه‌، الاّ انّ الذي‌ وُفّق‌ للقيام‌ بهذا الامر الخطير و إكمال‌ هذه‌ الغاية‌ بهذا النحو الرفيع‌ و الاسلوب‌ البديع‌ كان‌ هذا الفيلسوف‌ المتشرّع‌ الجليل‌ ذا الضمير الحيّ خاصّةً. [3]

 و كان‌ المرحوم‌ الاستاذ يعتقد بأنّ صدر المتألّهين‌ قد أخرج‌ الفلسفة‌ من‌ الإدراس‌ و منحها روحاً جديدة‌ و نفخ‌ فيها حياةً غضّة‌، فيمكن‌ ـ من‌ ثَمّ ـ تسميته‌ بـ «مُحيي‌ الفلسفة‌ الإسلاميّة‌».

 و بغض‌ النظر عن‌ ذلك‌، فقد كان‌ لاستاذنا غاية‌ التقدير و الامتداح‌ لمقام‌ زهد صدرالمتألّهين‌ و إعراضه‌ عن‌ الدنيا، و بأسلوب‌ ارتباطه‌ بالله‌ و تصفية‌ الباطن‌ و الرياضات‌ الشرعيّة‌ و الإنزواء الذي‌ كان‌ له‌، و انشغاله‌ في‌ «كهك‌[4]  قم‌» بتصفية‌ السرّ، و عدّه‌ أمر طهارة‌ النفس‌ أكثر أهميّة‌ من‌ غيره‌.

 و كان‌ يعتقد انّ أغلب‌ الإشكالات‌ و الانتقادات‌ التي‌ توجّه‌ لصدر المتألّهين‌ و فلسفته‌ ناشئة‌ من‌ عدم‌ فهم‌ مسأئله‌ و إدراكها حقّ الإدراك‌ و الفهم‌، و بالغرم‌ من‌ انّ العلاّمة‌ نفسه‌ كان‌ له‌ رأي‌ في‌ بعض‌ استدلالات‌ صدر المتألّهين‌، الاّ انّه‌ ـ من‌ حيث‌ المجموع‌ ـ كان‌ يعدّه‌ مُحيي‌ الفلسفة‌ الاسلاميّة‌، و من‌ طراز فلاسفة‌ الإسلام‌ من‌ الدرجة‌ الاولي‌ كأمثال‌  أبي‌ علی  و  الفارابي‌؛ في‌ حين‌ كان‌ يعدّ  الخواجة‌ نصير الدين‌، و بهمنيار، و ابن‌ رشد و ابن‌ تُركه‌  في‌ مصاف‌ الفلاسفة‌ من‌ الدرجة‌ الثانية‌.

 و كان‌ أستاذنا يقول‌ في‌ مباحث‌ الوجود بمسألة‌ تشكيك‌ الوجود، كما انّه‌ وافق‌ أيضاً علی أمر وحدة‌ العرفاء الذي‌ لم‌ يكن‌ يعدّه‌ منافياً للتشكيك‌، بل‌ كان‌ يعدّه‌ درجة‌ أعلي‌ و مقاماً أسمي‌ من‌ التشكيك‌ من‌ وجهة‌ نظر العارف‌، حيث‌ تنشأ هذه‌ الوحدة‌ و تظهر مع‌ وجود التشكيك‌.

 و كان‌ يدرّس‌ دورات‌ من‌ الفلسفة‌ في‌ الحوزة‌ العلميّة‌ في‌ قم‌، سواءً من‌ «الاسفار» أو «الشفائ»؛ و كان‌ يُعَدّ الفيلسوف‌ الاوحد في‌ العالم‌ الاسلامي‌، حتّي‌ انّه‌ كان‌ يدرّس‌ في‌ السنوات‌ الاخيرة‌ لبعض‌ الطلاّب‌ الخاصّين‌ دورة‌ في‌ الفلسفة‌ بمستوي‌ السطح‌ الخارج‌، أعدّ بعده‌ حاصل‌ تلك‌ الدورة‌ في‌ مجلّدين‌ هما كتاب‌ «بداية‌ الحكمة‌» و كتاب‌ «نهاية‌ الحكمة‌» و وضعهما في‌ متناول‌ الجميع‌ للإفادة‌ منهما.

 و لاخلاف‌ بين‌ العدوّ و الصديق‌ في‌ انّه‌ كان‌ المختصّ الوحيد في‌ فلسفة‌ الشرق‌ في‌ جميع‌ العالم‌؛ يقال‌ انّ أمريكا كانت‌ قد عرفته‌ قبل‌ ثلاثين‌ سنة‌ أفضل‌ ممّا عرفه‌ الايرانيّون‌، فتوسّلت‌ بشاه‌ ايران‌ الطاغية‌ «محمد رضا» لاخذ العلاّمة‌ الی هناك‌ بعنوان‌ ضرورة‌ تدريس‌ فلسفة‌ الشرق‌ في‌ أمريكا، فطلب‌ شاه‌ ايران‌ هذا الامر الخطير من‌ سماحة‌ آية‌ العظمي‌ البروجردي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌، فأوصل‌ آية‌ الله‌ البروجردي‌ رسالة‌ الشاه‌ الی سماحة‌ العلاّمة‌ فلم‌ يوافق‌ علی ذلك‌.

 و الخلاصة‌، و خلافاً لما يعتقده‌ الكثيرون‌ من‌ ضرورة‌ اطّلاع‌ الطلبة‌ في‌ بداية‌ الامر و بشكل‌ كامل‌ علی أخبار و روايات‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌، ثم‌ شروعهم‌ بعد ذلك‌ بدراسة‌ الفلسفة‌، فقد كان‌ العلاّمة‌ يقول‌: انّ فحوي‌ هذا الكلام‌ هي‌ بنفسها قول‌ «كَفَانَا كِتَابُ اللَهِ»؛ ذلك‌ لانّ رواياتنا مشحونة‌ بالمسائل‌ العقليّة‌ العميقة‌ الدقيقة‌ المستندة‌ علی البرهان‌ الفلسفي‌ والعقلي‌؛ فكيف‌ يمكن‌ للمرء دون‌ دراسة‌ الفلسفة‌ و المنطق‌ و إدراك‌ طريق‌ البرهان‌ والقياس‌ (أي‌ بدون‌ التكامل‌ العقلي‌)، أن‌ يرد هذا البحر الخضم‌ للروايات‌؟ و كيف‌ يحصل‌ منها علی الاطمئنان‌ و اليقين‌ في‌ الامور الاعتقاديّة‌ دون‌ عنوان‌ التقليد و الشكّ؟

 انّ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ الائمّة‌ المعصومين‌ تختلف‌ عن‌ تلك‌ الواردة‌ عن‌ العامّة‌، و عن‌ الروايات‌ و الاخبار الواردة‌ في‌ سائر المذاهب‌ و الاديان‌، حيث‌ انّ الاخيرة‌ روايات‌ بسيطة‌ بأجمعها و قابلة‌ لدرك‌ العامّة‌.

 ذلك‌ لانّ الائمّة‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌ كان‌ لهم‌ تلامذة‌ مختلفين‌ و بيانات‌ متفاوتة‌، بعضها بسيط‌ يمكن‌ فهمه‌ من‌ قبل‌ العموم‌؛ لكنّ ما ورد في‌ اصول‌ العقائد و مسائل‌ التوحيد كان‌ ـ غالباً ـ غامضاً مبهماً، و كانوا يذكرونه‌ لافراد خاصّين‌ من‌ أصحابهم‌ من‌ أهل‌ من‌ المناظرة‌ و الاستدلال‌.

 و كان‌ تلامذتهم‌ يردون‌ البحث‌ و الكلام‌ مع‌ الخصوم‌ علی أساس‌ ترتيب‌ القياسات‌ البرهانيّة‌. فكيف‌ يمكن‌ ـ والحال‌ هذه‌ ـ تحصيل‌ اليقين‌ دون‌ الاستناد علی العقل‌ و المسائل‌ العقليّة‌، و دون‌ ترتيب‌ القياسات‌ الاقترانيّة‌ و الاستثنائيّة‌؟

 الرجوع الي الفهرس

بحث‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ في‌ كون‌ وحدة‌ ذات‌ الحقّ بالصِّرافة‌

 و نورد هنا ـ من‌ باب‌ المثال‌ ـ أحد هذه‌ المباحث‌، و هو مبحث‌ توحيد ذات‌ الله‌ تعالي‌:

 انّ احدي‌ مسائل‌ الإسلام‌ المهمّة‌ التي‌ تميّزه‌ عن‌ سائر المذاهب‌ و المناهج‌ هي‌ مسألة‌ التوحيد، و هذه‌ المسألة‌ غامضة‌ في‌ عين‌ حقيقتها و واقعيّتها الی الحدّ الذي‌ كان‌ يعسر ادراكها لسائر الملل‌ و المناهج‌. فمهما قال‌ اولئكم‌ و كتبوا، و مهما حقّق‌ مفكّروهم‌ و دقّقوا ـ مع‌ اعترافهم‌ الإجمالي‌ بالتوحيد ـ الاّ انّ متألّهيهم‌ و أمميّيهم‌ ـ مع‌ ذلك‌ ـ لم‌ يتخطّوا التوحيد العددي‌ لذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ المقدّسة‌.

 و هذه‌ المسألة‌ من‌ أهم‌ مسائل‌ القرآن‌ الكريم‌، بل‌ هي‌ أُسّ معارف‌ القرآن‌ و المجلّي‌ لاصالته‌، و المبيّن‌ لجميع‌ المعارف‌ و الاخلاق‌ و الاحكام‌ الواردة‌ فيه‌.

 و علی هذا الاساس‌ تحدّي‌ القرآن‌ سائر الاديان‌ و المذاهب‌ و دعاهم‌ الی البحث‌؛ فلم‌ يواجه‌ الوثنيّين‌ و الثنويّين‌ و المشركين‌ و المادّيّين‌ و الطبيعيّين‌ و يحاربهم‌ فقط‌، بل‌ انّه‌ نهض‌ كذلك‌ لمجادلة‌ و محاججة‌ جميع‌ الاديان‌ السماويّة‌ التي‌ أصابها التحريف‌، و التي‌ تذكر أصالة‌ التوحيد تلك‌ علی نحوٍ نحرّف‌ ممسوخ‌، فدعاها الی المحاججة‌ في‌ أمر وحدة‌ ذات‌ الحقّ.

 و ليست‌ وحدة‌ ذات‌ الحقّ جلّ و عزّ وحدة‌ عددية‌، بل‌ هي‌  وحدة‌ بالصِّرافة‌  أي‌ هي‌ صرف‌ الوجود و مَحضْ الوجود، فلا يمكن‌ ـ مع‌ تصوّر هذه‌ الوحدة‌ ـ تصوّر وجود آخر مماثل‌ لها.

 و بالطبع‌ فانّ الوجود الصرف‌ المحض‌ هو وجود غير متناهٍ أزلاً و أبداً، ذاتاً وصفة‌5، شدّةً و كثرةً وسعةً؛ بحيث‌ لو فُرض‌ وجود آخر في‌ أيّ مرحلة‌، لكان‌ ذلك‌ الوجود مُتضمَّناً في‌ هذا الوجود الصرف‌. و عليه‌ فلا معني‌ إذ ذاك‌ لفرض‌ الغيريّة‌ و البينونة‌ و الاستقلال‌، و  كلمّا فرضته‌ ثانياً عاد أوّلاً، لذا فقد جاء لدينا في‌ الرواية‌:  وَاحِدٌ لا بِعَدَدٍ، قَائِمٌ لاَ بِعَمَدٍ.

 و هذه‌ الحقيقة‌ ملموسة‌ بشكل‌ جليّ في‌ جميع‌ أنحاء القرآن‌ الكريم‌، فالتعليم‌ القرآني‌ ينفي‌ عن‌ ذات‌ الخالق‌ القدسيّة‌ جميع‌ أقسام‌ الوحدة‌ العدديّة‌ و الجنسيّة‌ و النوعيّة‌، و يحارب‌ مسألة‌ التثليث‌، و يرفض‌ و يُبطل‌ قول‌ اولئك‌ الذين‌ يعدّون‌ الاقانيم‌ (أي‌ الاب‌ و الابن‌ و الروح‌؛ و المراد بها الذات‌ و العلم‌ و الحياة‌) واحداً في‌ عين‌ أنّها ثلاثة‌؛ كمثل‌ إنسان‌ حي‌ّ عالم‌؛ ففي‌ عين‌ كونه‌ إنساناً واحداً، الاّ انّه‌ ثلاثة‌: ذات‌ الإنسان‌، و علمه‌، و حياته‌. ذلك‌ لانّ القرآن‌ لا يعتبر هذه‌ الوحدة‌ لائقة‌ بذات‌ الحقّ تعالي‌.

 علی أنّ القرآن‌ الكريم‌ يقول‌ بوحدة‌ الله‌ بحيث‌ انّ فرض‌ أي‌ كثرة‌، سواءً في‌ الذات‌ أو في‌ الصفات‌ سيكون‌ باطلاً مع‌ تلك‌ الوحدة‌؛ و مهما فرض‌ من‌ الكثرة‌ في‌ هذا الباب‌، فانّه‌ سيكون‌ عين‌ تلك‌ الذات‌ الواحدة‌، لانّ الله‌ تعالي‌ لاحدَّ له‌، و لانّ ذاته‌ عين‌ صفاته‌؛ فكلّ صفة‌ تفترض‌ هي‌ عين‌ الصفة‌ الاخري‌، حيث‌ افترضت‌ له‌ علی نحوٍ غير متناهٍ و غير محدود و غير محصور و غير متعيّن‌،  تَعَالَي‌ اللَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ وَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يَصِفُونَ.

 و لهذا السبب‌، فحيثما استعمل‌ في‌ القرآن‌ اسم‌ قهّاريّة‌ الله‌، فانّه‌ يصف‌ الله‌ بالوحدة‌ أوّلاً ثم‌ بالقهّاريّة‌، و ذلك‌ لبيان‌ معني‌ انّ وحدته‌ بحيث‌ لا تدع‌ مجالاً لفرض‌ وجود مماثل‌ له‌، فضلاً عن‌ الخروج‌ عن‌ دائرة‌ الفرض‌ و التحقّق‌ في‌ عالم‌ الوجود و إدراك‌ مرحلة‌ الواقعيّة‌ و الثبوت‌.

 لا حظوا هذه‌ الآيات‌:

 ءَاربَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  مَا تَعْبُدُونَ مِن‌ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ ءَابَاؤُكُمْ. [5]

 فوصف‌ الله‌ بالوحدة‌ القاهرة‌ التي‌ تقهر كلّ شريك‌ مُفترَض‌، لا تدع‌ لايّ معبود غير ذاته‌ القدسيّة‌ شيئاً غير الإسم‌.

 أَمْ جَعَلُوا لِلَهِ شُرَكَآءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَبَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم‌ قُلِ اللَهُ خَـ'لِقُ كُلِّ شَي‌ءٍ وَ هُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّـ'رُ. [6]  

 لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. [7]

 ذلك‌ لانّ الملك‌ الالهيّ المطلق‌ لا يدع‌ مالكاً غيره‌، الاّ أن‌ يجعل‌ نفس‌ ذلك‌ المالك‌ و ما يملكه‌ ملكاً مطلقاً لله‌ تعالي‌.

 و لقد أزاح‌ مولي‌ الموحّدين‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الستار عن‌ هذه‌ الوحدة‌ للذات‌ القدسيّة‌ الاحديّة‌، إذ يبيّن‌ في‌ كثير من‌ خطبه‌ و كلماته‌ مفصّلاً أمر وحدة‌ الله‌ بالصَّرافة‌؛ و من‌ بينها الخطبة‌ الاولي‌ في‌ نهج‌ البلاغة‌.

 الرجوع الي الفهرس

خطب‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ شأن‌ وحدة‌ ذات‌ الحقّ بالصِّرافة‌

 أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصدِيقُ بِهِ؛ وَ كَمَالُ التَّصِديقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ؛ وَ كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإخلاصُ لَهُ؛ وَ كَمَالُ الإخلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ.  الی آخر الخطبة‌.

 و منها الخطبة‌ الثالثة‌ و الستّون‌:

 الحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي‌ لَمْ يَسْبِقُ لَهُ حَالٌ حَالاً فَيَكُونَ أوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً؛ وَ يَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً؛ كُلُّ مُسَمّيً بِالْوَحْدَةِ غَيْرُهُ قَلِيلٌ؛ وَ كُلُّ عَزِيزٍ غَيْرُهُ ذَلِيلٌ.  الی آخر الخطبة‌.

 و منها الخطبة‌ الخمسون‌ بعد المائة‌:

 الحَمْد لِلَهِ الدَّالِّ علی وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ؛ وَ بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ علی أَزَلِيَّتِهِ؛ وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ علی أَنْ لاَ شِبْهَ لَهُ؛ لاَّ يَسْتَلِمُهُ المَشَاعِرُ؛ وَ لاَ يَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ؛ لإفْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ المَصْنُوعِ؛ وَالحَادِّ وَالمَحْدُودِ؛ وَالرَّبِّ وَالمَرْبُوبِ؛ الاَحَدِ بِلاَ تَأوِيلِ عَدَدٍ؛ وَالخَالِقِ لاَ بِمِعْنَي‌ حَرَكَةٍ وَ نَصَبٍ.

 الی آخر الخطبة‌.

 و منها الخطبة‌ الحادية‌ والستّون‌ بعد المائة‌:

 الحَمْدُ لِلَهِ خَالِقِ العِبَادِ؛ وَ سَاطِحِ المِهَادِ؛ وَ مُسِيلِ الوِهَادِ؛ وَمُخْصِبِ النِّجَادِ؛ لَيْسَ لاوَّلِيَّتِهِ ابْتِداءٌ؛ وَ لاَ لاَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ اً هُوَ الاوَّلُ لَمْ يَزَلْ؛ وَالبَاقِي‌ بِلاَ أجَلٍ؛ خَرَّتْ لَهُ الجِبَاهُ؛ وَ وَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ.  الی آخر الخطبة‌.

 و منها الخطبة‌ الرابعة‌ و الثمانون‌ بعد المائة‌:

 مَا وَحَّدَهُ مَن‌ كَيَّفَهُ؛ وَ لاَ حَقِيقَتَهُ أَصَابُ مَن‌ مَثَّلَهُ؛ وَ لاَ إيَّاهُ عَنَي‌ مَن‌ شَبَّهَهُ؛ وَ لاَ صَمَدَهُ مَن‌ أَشَارَ إلَيْهِ وَ تَوَهَّمَهُ.  الی آخر الخطبة‌.

 و منها خطبته‌ علی السلام‌ في‌ جواب‌ ذِعلب‌ الذي‌ سأله‌: يَا أميرالمؤمنينَ هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟

 فقال‌ عليه‌ السلام‌:  وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ! لَم‌ أَكُن‌ لاعْبُدَ رَبَّاً لَمْ أَرَهُ.

 و هي‌ خطبة‌ طويلة‌ و حاوية‌ لمطالب‌ رفيعة‌ في‌ أمر التوحيد بالصَّرافه‌، و قد نقلها الصدوق‌ في‌ «التوحيد» بإسناده‌ عنه‌ عليه‌ السلام‌.

 و منها خطبته‌ عليه‌ السلام‌ التي‌ وردت‌ في‌ كتاب‌ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌: دَلِيلُهُ آيَاتُهُ؛ وَ وُجُودُهُ إثبَاتُهُ؛ وَ مَعْرفَتُهُ تَوْحِيدُهُ؛ وَ تَوْحِيدُهُ تَميِزُهُ مِنْ خَلْقِهِ؛ وَ حُكْمُ التَّمْيَزِ بَيْنُونَةُ صِفَةٍ لاَ بَيْنُونَةُ عَزْلَةٍ.  الی أن‌ يقول‌:  لَيْسَ بِإلَهٍ مَنْ عُرِفَ بِنَفْسِهِ؛ هُوَ الدَّالُّ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ؛ وَالمُؤدِي‌ بِالمَعْرِفَةِ إلَيْهِ.

 و علی كلّ حال‌، فقد أورد الاستاذ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ هذه‌ المطالب‌ بالتفصيل‌ في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 6، ص‌  96 ـ 108؛ ثمّ انّه‌ يقول‌ في‌ البحث‌ التاريخي‌ «القول‌ بأنّ للعالم‌ صانعاً، ثم‌ القول‌ بأنّه‌ واحد، من‌ أقدم‌ المسائل‌ الدائرة‌ بين‌ متفكري‌ هذا النوع‌ تهديه‌ اليه‌ فطرته‌ المركوزة‌ فيه‌. حتّي‌ أنّ الوثنيّة‌ المبينة‌ علی الإشراك‌، إذا أمعنّا في‌ حقيقة‌ معناها وجدناها مبنيّة‌ علی أساس‌ توحيد الصانع‌ و اثبات‌ شفعاء عنده‌  (مَا نَعْبُدُهمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا الی اللَهِ زُلْفِي‌)، و إن‌ انحرفت‌ بعدُ عن‌ مجراها، و آل‌ أمرها الی إعطاء الإستقلال‌ لآلهة‌ دون‌ الله‌ و الفطرة‌ الداعية‌ الی توحيد الإله‌ و إن‌ كانت‌ تدعو الی إله‌ واحد غير محدود العظمة‌ و الكبرياء ذاتاً وصفةً، غير انّ الفة‌ الانسان‌ و اُنسه‌ في‌ ظرف‌ حياته‌ بالآهاد العدديّة‌ من‌ جانب‌، و بلاء المليّين‌ بالوثنيين‌ و الثنويين‌ و غيرهم‌ لنفي‌ تعدّد الآلهة‌ من‌ جانب‌ آخر، سجّل‌ عدديّة‌ الوحدة‌ و جعل‌ حكم‌ الفطرة‌ المذكورة‌ كالمغفول‌ عنه‌.

 و لذلك‌ تري‌ المأثور من‌ كلام‌ الفلاسفة‌ الباحثين‌ في‌ مصر القديم‌ و اليونان‌ و اسكندريّة‌ و غيرهم‌ ممن‌ بعدهم‌ يعطي‌  الوحدة‌ العدديّة‌، حتّي‌ صرّح‌ بها مثل‌ الرئيس‌ أبي‌ علی بن‌ سينا  في‌ كتاب‌ «الشفاء» و علی هذا المجري‌ يجري‌ كلام‌ غيره‌ ممّن‌ بعده‌ الی حدود الالف‌ من‌ الهجرة‌ النبويّة‌.

 و أمّا أهل‌ الكلام‌ من‌ الباحثين‌ فاحتجاجاتهم‌ علی التوحيد لا تعطي‌ أزيد من‌  الوحدة‌ العدديّة‌  أيضاً، في‌ عين‌ أنّ هذه‌ الحجج‌ مأخوذة‌ من‌ الكتاب‌ العزيز عامّة‌؛ فهذا ما يتحصّل‌ من‌ كلمات‌ أهل‌ البحث‌ في‌ هذه‌ المسألة‌.

 فالذي‌ بيّنه‌ القرآن‌ الكريم‌ من‌ معني‌ التوحيد أوّل‌ خطود خُطيت‌ في‌ تعليم‌ هذه‌ الحقيقة‌ من‌ المعرفة‌، غير أنّ أهل‌ التفسير و المتعاطين‌ لعلوم‌ القرآن‌ من‌ الصحابة‌ و التابعين‌ ثمّ الذين‌ يلونهم‌ أهملوا هذا البحث‌ الشريف‌، فهذه‌ جوامع‌ الحديث‌ و كتب‌ التفسير المأثورة‌ عنهم‌ لا تري‌ فيها أثراً من‌ هذه‌ الحقيقة‌ لا ببيان‌ شارح‌، و لا بسلوك‌ استدلاليّ.

 و لم‌ نجد ما يكشف‌ عنها غطاءها الاّ ما ورد في‌ كلام‌ الإمام‌  علی بن‌ أبي‌ طالب‌  عليه‌ أفضل‌ السلام‌ خاصّة‌، فإنّ كلامه‌ هو الفاتح‌ لبابها، و الرافع‌ لسترها و حجابها، علی أهدي‌ سبيل‌ و أوضح‌ طريق‌ من‌ البرهان‌، ثمّ ما وقع‌ في‌ كلام‌ الفلاسفة‌ الاسلاميّين‌ بعد الالف‌ الهجري[8]، و قد صرّحوا بأنّهم‌ انّما استفادوه‌ من‌ كلامه‌ عليه‌ السلام‌.

 و هذا هو السرّ في‌ اقتصارنا في‌ البحث‌ الروائي‌ السابق‌ علی نقل‌ نماذج‌ من‌ غرر كلامه‌ عليه‌ السلام‌ الرائق‌، لانّ السلوك‌ في‌ هذه‌ المسألة‌ و شرحها من‌ مسلك‌ الاحتجاج‌ البرهاني‌ لا يوجد في‌ كلام‌ غيره‌ عليه‌ السلام‌.

 و لهذا بعينه‌ تركنا عقد بحث‌ فلسفي‌ مستقلّ لهذه‌ المسألة‌، فانّ البراهين‌ الموردة‌ في‌ هذا الغرض‌ مؤلّفة‌ من‌ هذه‌ المقدّمات‌ المبيّنة‌ في‌ كلامه‌ لا تزيد علی ما في‌ كلامه‌ بشي‌ء، و الجميع‌ مبنية‌ علی صرافة‌ الوجود و أحديّة‌ الذات‌ جلّت‌ عظمته‌.»

 ثم‌ يقول‌ العلاّمة‌ في‌ التعليقة‌: «وللناقد البصير و المتدبّر المتعمّق‌ أن‌ يقضي‌ عجباً من‌ ما صدر من‌ الهفوة‌ من‌ عدّة‌ من‌ العلماء الباحثين‌ حيث‌ ذكروا أنّ هذه‌ الخطب‌ العلويّة‌ الموضوعة‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌» موضوعة‌ دخيلة‌، و قد ذكر بعضهم‌ أنّها من‌ وضع‌ الشريف‌  الرضي‌  رحمه‌ الله‌، و قد تقدّم‌ الكلام‌ في‌ أطراف‌ هذه‌ السقطة‌.

 و ليت‌ شعري‌ كيف‌ يسع‌ للوضع‌ و الدسّ أن‌ يتسرّب‌ الی موقف‌ علميّ دقيق‌ لم‌ يقوَ بالوقوف‌ عليه‌ أفهام‌ العلماء حتّي‌ بعد ما فتح‌ عليه‌ السلام‌ بابه‌ و رفع‌ ستره‌ قروناً متمادية‌، الی أن‌ وفق‌ لفهمه‌ بعد ما سير في‌ طريق‌ الفكر المترقيّ مسير ألف‌ سند، و لا أطاق‌ حمله‌ غيره‌ من‌ الصحابة‌ و لا التابعون‌، بل‌ كلام‌ هؤلاء الرامين‌ بالوضع‌ ينادي‌ بأعلي‌ صوته‌ أنّهم‌ كانوا يظنّون‌ أنّ الحقائق‌ القرآنيّة‌ و الاصول‌ العالية‌ العلمية‌ ليس‌ الاّ مفاهيم‌ مبتذلة‌ عاميّة‌، و انّما تتفاضل‌ باللفظ‌ الفصيح‌ و البيان‌ البليغ‌».

 و لقد أوردنا هذا المثال‌ هنا ليتضّح‌ أنّ ماجاء في‌ الخطب‌ و الروايات‌ لم‌ يكن‌ مطالب‌ مبتذلة‌ عاميّة‌، بل‌ انّ الكثير منها يحتاج‌ الی فهم‌ متين‌ و برهان‌ قويم‌. و علی هذا الاساس‌ فقد كان‌ الاستاذ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ يعدّ أمرَ تقوية‌ الفكر و تصحيح‌ القياس‌، و بشكل‌ عام‌ تصحيح‌ المنطق‌ و الفلسفة‌، ضروريّاً، و يعتبر انّ الفلسفة‌ هي‌ المفتاح‌ و الدليل‌ الوحيد في‌ هذا الباب‌.

 و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌، فإنّ حجيّة‌ الروايات‌ بالنسبة‌ لنا قائمة‌ بواسطة‌ البرهان‌ العقلي‌، و سيكون‌ الرجوع‌ الی الاخبار و التعبّد بها و إسقاط‌ الادلّة‌ العقليّة‌ موجباً للتناقض‌ و الخُلف‌، و هو محال‌.

 و بعبارة‌ أبسط‌، فانّ الاخبار الواردة‌ ليس‌ لها حجيّة‌ قبل‌ الرجوع‌ الی العقل‌ و ترتيب‌ القياس‌؛ أمّا بعد الرجوع‌ للعقل‌، فلا فرق‌ ـ من‌ ثمّ ـ بين‌ هذا القياس‌ العقلي‌ و سائر الادلّة‌ العقليّة‌، و سيكون‌ الالتزام‌ آنذاك‌ بمفاد الاخبار و نفي‌ الادلّة‌ العقليّة‌ موجباً للتناقض‌ و لإبطال‌ المقدّمة‌ بالنتيجة‌ المستحصلة‌ منها.

 لقد كان‌  العلاّمة‌ الطباطبائي‌  قدّس‌ الله‌ تربته‌ يثمّن‌ كثيراً كتاب‌ «بحار الانوار» لجدّنا  [9]  المرحوم‌ العلاّمة‌ المجلسي‌، و يعدّه‌ أفضل‌ دائرة‌ معارف‌ شيعيّة‌ بلحاظ‌ جمع‌ الاخبار، و في‌ كيفيّة‌ توزيع‌ فصوله‌ و تبويبه‌ علی المنهج‌ المطلوب‌ خاصّة‌، فلقد أحصي‌ المجلسي‌ في‌ كلّ كتاب‌ أبواباً بالترتيب‌، ثم‌ أورد في‌ كلّ باب‌، و بالترتيب‌، الآيات‌ التي‌ تناسبة‌ من‌ سورة‌ الحمد الی آخر القرآن‌، ثم‌ شرع‌ بذكر التفسير الإجمالي‌ لهذه‌ الآيات‌ بالترتيب‌، ثم‌ بيّن‌ ـ مرتّباً ـ جميع‌ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ هذا الباب‌، و أورد بياناته‌ ذيل‌ كلّ رواية‌ و آخر كلّ باب‌ ان‌ احتاج‌ الامر الی بيان‌ و تفصيل‌.

 الرجوع الي الفهرس

تعليقة‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ علی «بحار الانوار» للعلاّمة‌ المجلسي‌ قدّس‌ الله‌ سرّهما

 و كان‌ يعتقد انّ  العلاّمة‌ المجلسي‌  كان‌ حامياً للمذهب‌ و مُحيياً لآثار الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ و رواياتهم‌، و انّ مقامه‌ العلمي‌ و تبحرّه‌ و سعة‌ اطّلاعه‌ و طول‌ بعه‌ تستحقّ التقدير، و انّ علميّة‌ هذا المجتهد الخبير تتّضح‌ و تتجلّي‌ في‌ كيفيّة‌ الورود في‌ البحث‌ و في‌ جرح‌ و تعديل‌ المطالب‌ الواردة‌ في‌ «مرآة‌ العقول‌» حيث‌ انّ جهوده‌ و مساعيه‌ تستحقّ التقدير كثيراً.

 لكنّه‌ ـ مع‌ اجتهاده‌ و بصيرته‌ في‌ فنّ الروايات‌ و الاحاديث‌ ـ لم‌ يكن‌ متبحّراً في‌ المسائل‌ الفلسفيّة‌ العميقة‌، فلم‌ يكن‌ كأمثال‌  الشيخ‌ المفيد، والسيّد المرتضي‌، و الخواجه‌ نصير الدين‌ الطوسي‌، و العلاّمة‌ الحلّي‌؛  الذين‌ كانوا من‌ متكلمّي‌ الشيعة‌ و من‌ حماة‌ المذهب‌، و لذلك‌ فقد تعثّر في‌ بعض‌ بياناته‌، و أوجب‌ هذا الامر هبوطاً في‌ مستوي‌ دائرة‌ المعارف‌ هذه‌. و لذا فقد تقرّر إعادة‌ طبع‌ «بحار الانوار» فيقوم‌ سماحته‌ بمطالعة‌ دورة‌ منها و التعليق‌ علی مواضيعها حيثما كان‌ ذلك‌ ضروريّاً، و ذلك‌ من‌ اجل‌ أن‌ يحفظ‌ هذا الكتاب‌ القيّم‌ مستواه‌ العلمي‌ من‌ خلال‌ هذه‌ الهوامش‌ و التعليقات‌.

 و قد تحقّق‌ هذا الامر عمليّاً، فكتب‌ العلاّمة‌ تعليقاته‌ الی الجزء السادس‌، بيد انّه‌ لمّا كان‌ قد رفض‌ في‌ تعليقة‌ او تعليقتين‌ رأي‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ و قام‌ بالردّ عليه‌ بصراحة‌، فقد كان‌ ذلك‌ أمراً غير مُستحسن‌ لدي‌ الطبقة‌ التي‌ لم‌ تكن‌ لتقبل‌ بأن‌ تصبح‌ نظريّات‌ المجلسي‌ موضعاً للانتقاد الی هذا الحدّ. لذا فقد رجاه‌ القائم‌ بطبع‌ الكتاب‌ ـ تبعاً لالتزامات‌ خارجيّة‌ ـ أن‌ يخفّف‌ من‌ رودوه‌ في‌ بعض‌ المواضع‌، و أن‌ يحذف‌ بعض‌ الانتقادات‌ في‌ البعض‌ الآخر،  فرفض‌ العلاّمة‌  ذلك‌ و قال‌: «انّ قدر  جعفر بن‌ محمد الصادق‌  اكبر في‌ منهج‌ الشيعة‌ و مدرستهم‌ من‌ العلاّمة‌ المجلسي‌، و حين‌ يدور الامر ـ تبعاً لبيانات‌ و شروح‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ ـ علی توجيه‌ انتقادات‌ عقليّة‌ و علميّة‌ للسادة‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌، فانّا لنا مستعدّين‌ أن‌ تبيع‌ اولئك‌ السادة‌ للمجلسي‌، و انّني‌ لن‌ أقلّل‌ كلمة‌ واحدة‌ حيثما بدا لي‌ ضرورياً في‌ المواضع‌ المعيّنة‌».

 لذا فقد جري‌ طبع‌ باقي‌ أجزاء البحار دون‌ تعليق‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌، ففقد هذا الاثر النفيس‌ تعليقات‌ العلاّمة‌.  [10]

 و نورد هنا تعليقتين‌ من‌ تعليقات‌ العلاّمة‌ التي‌ سببّت‌ إلغاء أمر التعليقات‌، و نترك‌ الحكم‌ للقرّاء و أهل‌ التحقيق‌:

 الاولي‌  في‌ الصفحة‌ (100) من‌ الجزء الاول‌، حيث‌ قام‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ بذكر المعاني‌ المختلفة‌ للعقل‌ وفق‌ رايه‌؛ فرفض‌ هذه‌ (العلاّمة‌ الطباطبائي‌) المعاني‌ بقوله‌:

 «الذي‌ بذكره‌ ـ رحمه‌ الله‌ ـ من‌ معاني‌ العقل‌ بدعوي‌ كونها مصطلحات‌ معاني‌ العقل‌ لاينطبق‌ لاعلي‌ ما اصطلح‌ عليه‌ أهل‌ البحث‌، و لا ما يراه‌ عامّة‌ الناس‌ من‌ غيرهم‌ علی ما لايخفي‌ علی الخبير الوارد في‌ هذه‌ الابحاث‌. و الذي‌ أوقعه‌ فيما وقع‌ فيه‌ أمران‌:  أحدهما  سوءالظنّ بالباحثين‌ في‌ المعارف‌ العقليّة‌ من‌ طريق‌ العقل‌ و البرهان‌. و  ثانيهما  الطريق‌ الذي‌ سلكه‌ في‌ فهم‌ معاني‌ الاخبار، حيث‌ أخذ الجميع‌ في‌ مرتبة‌ واحدة‌ من‌ البيان‌، و هي‌ التي‌ ينالها عامّة‌ الافهام‌، و هي‌ المنزلة‌ التي‌ نزل‌ فيها معظم‌ الاخبار المجيبة‌ لاسئلة‌ أكثر السائلين‌ عنهم‌ عليهم‌ السلام‌، مع‌ أنّ في‌ الاخبار غرراً تشير الی حقائق‌ لا ينالها الاّ الافهام‌ العالية‌ و العقول‌ الخالصة‌، فأوجب‌ ذلك‌ اختلاط‌ المعارف‌ الفائضة‌ عنهم‌ عليهم‌ السلام‌، و فساد البيانات‌ العالية‌ بنزولها منزلة‌ ليست‌ هي‌ منزلتها، و فساد البيانات‌ الساذجة‌ أيضاً لفقدها تميّزها و تعيّنها، فماكلّ سائل‌ من‌ الرواة‌ في‌ سطح‌ واحد من‌ الفهم‌، و ماكلّ حقيقة‌ في‌ سطح‌ واحد من‌ الدقّة‌ و اللطافة‌؛ و الكتاب‌ و السنّة‌ مشحونان‌ بأنّ معارف‌ الدين‌ ذوات‌ مراتب‌ مختلفة‌، و أنّ لكلّ مرتبة‌ أهلاً، و أنّ في‌ إلغاء المراتب‌ هلاك‌ المعارف‌ الحقيقيّة‌».

 الثانية‌:  في‌ الصفحة‌ (104) من‌ الجزء الاوّل‌، و ذلك‌ بعد أن‌ قام‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ برفض‌ العقول‌ المجرّدة‌ بقوله‌ انّ تجرّد العقول‌ محال‌ عقلاً، و انّ التجرّد مختصّ بذات‌ الحقّ، ثم‌ انّه‌ عدّ كلام‌ الفلاسفة‌ في‌ ذلك‌ فضولاً، ثم‌ قال‌: «فعلي‌ قياس‌ ما قالوا يمكن‌ أن‌ يكون‌ المراد بالعقل‌ نور النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ الذي‌ انشعبت‌ منه‌ أنوار الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌».

 و يقول‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ في‌ تعليقته‌ هنا:

 «(ليس‌ رجوع‌ الفلاسفة‌ للادلّة‌ العقلية‌ فضولاً) بل‌ لانّهم‌ تحقّقوا أوّلاً انّ الظواهر الدينيّة‌ تتوقّف‌ في‌ حجيّتها علی البرهان‌ الذي‌ يقيمه‌ العقل‌، و العقل‌ في‌ ركونه‌ واطمئنانه‌ الی المقدّمات‌ البرهانيّة‌ لا يفرّق‌ بين‌ مقدّمة‌ و مقدّمة‌، فإذا قام‌ برهانٌ علی شي‌ء اضطرّ العقل‌ الی قبوله‌.

 و ثانياً انّ الظواهر الدينيّة‌ متوقّفة‌ علی ظهور اللفظ‌، و هو دليل‌ ظنّي‌، و الظنّ لا يقاوم‌ العلم‌ الحاصل‌ بالبرهان‌ لو قام‌ علی شي‌ء. و أمّا الاخذ بالبراهين‌ في‌ أصول‌ الدين‌ ثم‌ عزل‌ العقل‌ في‌ ما ورد فيه‌ آحاد الاخبار من‌ المعارف‌ العقليّة‌ فليس‌ الاّ من‌ قبيل‌ إبطال‌ المقدّمة‌ بالنتيجة‌ التي‌ تستنتج‌ منها، و هو صريح‌ التناقض‌  والله‌ الهادي‌.

 فإنّ هذه‌ الظواهر الدينيّة‌ لو أبطلت‌ حكم‌ العقل‌، لابطلت‌ أوّلاً حكم‌ نفسها المستند في‌ حجيّته‌ الی حكم‌ العقل‌.

 و طريق‌ الاحتياط‌ الدينيّ لمن‌ لم‌ يتثبّت‌ في‌ الابحاث‌ العميقة‌ العقليّة‌ أن‌ يتعلّق‌ بظاهر الكتاب‌ و ظواهر الاخبار المستفضية‌ و يُرجع‌ علم‌ حقائقها الی الله‌ عزّ اسمه‌، و يجتنب‌ الورد في‌ الابحاث‌ العميقة‌ العقليّة‌  إثباتاً و نفياً؛  أمّا  اثباتاً فلكونه‌ مظنّة‌ الضلال‌، و فيه‌ تعرّض‌ للهلاك‌ الدائم‌. و أمّا  نفياً  فلما فيه‌ من‌ وبال‌ القول‌ بغير علم‌ و الانتصار للدين‌ بما لا يرضي‌ به‌ الله‌ سبحانه‌، و الابتلاء بالمناقضة‌ في‌ النظر. و اعتبر في‌ ذلك‌ بما ابتُلي‌ به‌ المؤلّف‌ رحمه‌ الله‌، فإنّه‌ لم‌ يعطن‌ في‌ آراء أهل‌ النظر في‌ مباحث‌ المبدأ و المعاد بشي‌ء، الاّ ابتُلي‌ بالقول‌ به‌ بعينه‌ أو بأشدّ منه‌ كما سنشير اليه‌ في‌ موارده‌.

 و أوّل‌ ذلك‌ ما في‌ هذه‌ المسألة‌، فإنّه‌ طعن‌ فيها علی الحكماء في‌ قولهم‌ بالمجرّدات‌، ثم‌ أثبت‌ جميع‌ خواصّ التجرّد علی أنوار النبي‌ و الائمّة‌، و لم‌ يتنبّه‌ أنّه‌ لو استحال‌ وجود مجرّد غير الله‌ سبحانه‌ لم‌ يتغيّر حكم‌ استحالته‌ بتغيّر اسمه‌، و تسمية‌ ما يسمّونه‌ عقلاً بالنور و الطينة‌ و نحوهما». انتهي‌ كلام‌ الاستاذ.

 و الافراد المطّلعون‌ علی القياس‌ و البرهان‌ يعلمون‌ أنّ كلاّ من‌ جملات‌ هذا الحكيم‌ المتألّه‌ في‌ هذا البيان‌ برهانيّة‌ و استدلاليّة‌، و يعلمون‌ ما الذي‌ يعنيه‌ سرّ كلامه‌ حين‌ يقول‌:: انّ الرجوع‌ الی ظواهر الروايات‌ قبل‌ الرجوع‌ الی الادلّة‌ العقليّة‌ في‌ حكم‌  «كَفَانَا كِتَابُ اللَهِ».

 انّ الاجتهاد في‌ مذهب‌ الشيعة‌ يبعث‌ علی حفظ‌ الدين‌ و حراسته‌ عن‌ الاندراس‌، و علی عدم‌ التعبّد بآراء كانت‌ تعدّ عند البعض‌ حيناً من‌ الاصول‌ المسلّمة‌، ثم‌ يصبح‌ بُطلانها من‌ البديهيّات‌ حيناً آخر.

 كما انّ التعبّد بغير كلام‌ الله‌ و رسوله‌ و المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ الامور الفرعيّة‌ موجب‌ لسرّ باب‌ الاجتهاد، و للوقوع‌ في‌ المهالك‌ و المزال‌ التي‌ ابتلي‌ بها العامّة‌؛ امّا في‌ الاحكام‌ الاصوليّة‌ فليس‌ هناك‌ تعبّد و تقليد مطلقاً، فالعقل‌ و النقل‌ يحكمان‌ بلزوم‌ الرجوع‌ الی الادلّة‌ العقليّة‌. و قد نقل‌ العلاّمة‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ الإجماع‌ في‌ هذه‌ المسألة‌.

 الرجوع الي الفهرس

اهتمام‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ في‌ التأليف‌ بين‌ فلسفة‌ الشرق‌ و الغرب‌

 و لقد كان‌  العلاّمة‌ الطباطبائيّ، بعد تدريسه‌ دورة‌ الفلسفة‌ في‌ قم‌ من‌ «الاسفار الاربعة‌» للمرحوم‌ صدر المتألّهين‌ قدّس‌ سرّه‌، في‌ صدد التوفيق‌ و المقارنة‌ بين‌ فلسفة‌ الشرق‌ و فلسفة‌ الغرب‌، و كان‌ يعتقد انّ البحوث‌ اذا ما وضعت‌ علی أسس‌ البرهان‌ و أشكال‌ القياسات‌ الصحيحة‌، فانّ من‌ المحال‌ أن‌ تُثمر نتيجتين‌، لا فرق‌ في‌ ذلك‌ الی أيّ منهج‌ و مدرسة‌ انتحت‌. و لذلك‌ يجب‌ البحث‌ عن‌ سرّ اختلاف‌ فلسفة‌ الشرق‌ و الغرب‌ و ايضاح‌ نقاط‌ الضعف‌. و كان‌ يعتقد اصولاً انّ العلوم‌ التجريبيّة‌، مع‌ انّ تحقّقها في‌ الخارج‌ واضح‌ و جليّ علی أساس‌ التجربة‌، الاّ أنّه‌ يجب‌ فهم‌ أساس‌ واصل‌ نتيجة‌ هذه‌ التجربة‌ و التحقيق‌ في‌ منشأها و علّتها.

 فيجب‌ ـ مثلاً ـ أن‌ نري‌ أيّ علّة‌ موجودة‌ في‌ الحرارة‌ بحيث‌ يمكنها ايجاد قوّة‌ و طاقة‌ حركيّة‌ و تحريك‌ جهاز ميكانيكيّ!؛ و بالعكس‌ فما العلّة‌ الموجودة‌ في‌ الطاقة‌ الحركيّة‌ التي‌ يمكن‌ استمداد حرارة‌ و طاقة‌ حركيّة‌ منها! و كذلك‌ ما العلّة‌ الموجودة‌ في‌ الطاقة‌ الكهربائيّة‌ بحيث‌ يمكن‌ تبديلها الی عمل‌ يستفاد منه‌ في‌ تشغيل‌ عجلات‌ الآلات‌ و المكائن‌؛ و بالعكس‌ فما العلّة‌ الموجودة‌ في‌ الطاقة‌ الميكانيكية‌ بحيث‌ يمكن‌ الاستفادة‌ منها ـ من‌ خلال‌ تشغيل‌ عجلات‌ المكائن‌ ـ لتوليد الطاقة‌ الكهربائيّة‌ بواسطة‌ المولّة‌ الكهربائي‌؟

 و يجب‌ أخيراً أن‌ يتّضح‌ الاساس‌ و العلّة‌ التي‌ يتم‌ بهما تغيير الطاقات‌ و تبديلها في‌ جميع‌ هذه‌ الموارد، بحيث‌ تبدّل‌ قدر منها الی مقدار معيّن‌ من‌ الطاقة‌ الاخري‌ وفق‌ صيغ‌ دقيقة‌! و ما الرابط‌ و الجامع‌ الموجود بينها؟

 و يجب‌ أن‌ يتّضح‌ انّ ثبوت‌ المسائل‌ التجربيّة‌ انّما هو علی أساس‌ التجربة‌، و انّ ذلك‌ لا يتنافي‌ مع‌ المسائل‌ الفلسفيّد و الادلّة‌ العقليّة‌ القائمة‌ علی أساس‌ الفكر العقلي‌ و البرهان‌، و انّ كلاّ منهما يطوي‌ مسيره‌ دون‌ أن‌ يعارض‌ الآخر أو يزاحمه‌.

 و  لهذا الغرض‌  فقد شكلّ جلسات‌ في‌ ليالي‌ تعطيل‌ الدراسة‌ (ليالي‌ الخميس‌ و الجمعة‌) يشترك‌ فيها عدّة‌ من‌ الطلاّب‌ الذين‌ امتلك‌ بعضهم‌ اطّلاعاً علی العلوم‌ الجديدة‌، و كان‌ قد أمر الحقير أيضاً بحضور تلك‌ الجلسات‌. و قد دامت‌ تلك‌ الجلسات‌ مدّة‌، و كان‌ في‌ النيّة‌ أن‌ تنشر نتيجة‌ البحث‌ في‌ مجموعة‌ بإسم‌ «متافيزيك‌ = الميتافيزيقية‌، أي‌ علوم‌ ماوراء الطبيعة‌»، ثمّ انّ الحقير تشرّف‌ تلك‌ الفترة‌ بالذهاب‌ الی النجف‌، و استمرت‌ تلك‌ الجلسة‌ في‌ عملها، ثم‌ انضمّ اليها بَعدئذٍ بعض‌ الاصدقاء من‌ ذوي‌ العلم‌ و الادب‌ الكاملين‌، كالمرحوم‌ الحاج‌ الشيخ‌ مرتضي‌ المطهّري‌، فنُظّم‌ في‌ النتيجة‌ كتابٌ جمّ النفع‌ يحلّ كثيراً من‌ المسائل‌ الخلافيّة‌، و يتصدّي‌ لمطالعات‌ كثير من‌ المتقفين‌ المتغرّبين‌، بإسم‌ «اصول‌ فلسفه‌ و روش‌ رئاليسم‌ =  أسس‌ الفلسفة‌ و المذهب‌ الواقعي‌» و طُبع‌ الجزء الاول‌ و الثاني‌ منه‌ مع‌ تعليقات‌ تعليميّة‌ نافعة‌ لذلك‌ الشهيد المغفور له‌، و قام‌ سماحة‌ الاستاذ المؤلّف‌ بإرسالها الی الحقير في‌ النجف‌ الاشرف‌. ثم‌ طبع‌ تدريجاً الجزء الثالث‌ و الرابع‌. و كان‌ المرحوم‌ الشهيد آية‌ الله‌ المطهّري‌ يقول‌: لقد ثمّ جمع‌ هوامش‌ الجزء الرابع‌، و ابتغي‌ مجالاً فقط‌ لترتيبها و تنظيمها لاضعها في‌ متناول‌ ذوي‌ العلاقة‌، رحمة‌ الله‌ علی أستاذنا الاكرم‌ و علی صديقنا المكرّم‌ و علی من‌ غبر منهم‌ من‌ إخواننا الماضين‌ بمحمّد و آله‌ الطاهرين‌.

 امّا  المنهج‌ التفسيري‌  للعلاّمة‌ الطباطبائيّ قدئس‌ سرّه‌، فكان‌ تبعاً للمنهج‌ التفسيري‌ لاستاذه‌ في‌ العرفان‌ و العلوم‌ الباطنيّة‌ الالهيّة‌؛ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الميرزا علی اقاي‌ القاضي‌، و هو تفسير الآيات‌ بالآيات‌؛ اي‌ انّه‌ يستنبط‌ مفاد و خلاصة‌ الآية‌ القرآنيّة‌ من‌ نفس‌ القرآن‌. و كان‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ القاضي‌ قد كتب‌ بهذا النهج‌ تفسيراً من‌ بداية‌ القرآن‌ الی سورة‌ الانعام‌، فكان‌ يعلّم‌ تلامذته‌ الكتاب‌ الالهيّ علی هذا النحو.

 و كان‌ المرحوم‌ سماحة‌ أستاذنا العلاّمة‌ يقول‌ كراراً: انّ نهجنا في‌ التفسير من‌ المرحوم‌ القاضي‌.

 الرجوع الي الفهرس

حول‌ تدوين‌ تفسير «الميزان‌» و خصائصه‌

و قد كتب‌ العلاّمة‌ عندما كان‌ في‌ تبريز تفسيراً للقرآن‌ الكريم من‌ أوّل‌ القرآن‌ الی سورة‌ الاعراف‌، و هو تفسير مختصر بالطبع‌، فكان‌ يدرّس‌ الطلبة‌ اعتماداً علی ذلك‌ التفسير و علی المؤلّفات‌ التي‌ قام‌ بجمعها، ثمّ تقرّر بعد ذلك‌ أن‌ يقوم‌ بكتابة‌ تفسير مفصّل‌ باسلوب‌ حديث‌ بحيث‌ يشمل‌ جميع‌ متطلّبات‌ العصر الحاضر، تُراعي‌ فيه‌ الجهات‌ التاريخيّة‌ و الفلسفية‌ و الاخلاقية‌ و البحوث‌ الاجتماعية‌ و الروائيّة‌.

 و قد منّ الله‌ عليه‌ بهذا التوفيق‌، فكتب‌ تفسيراً بإسم‌ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» في‌ عشرين‌ مجلّداً، شرع‌ فيه‌ في‌ حدود سنة‌ 1374 و اختتمه‌ في‌ ليلة‌ القدر الثالث‌ و العشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ لسنة‌ 1392 هجريّة‌، و كان‌ حال‌ كتابته‌، يقوم‌ بتدريسه‌ الی طلبة‌ الحوزة‌ العلمية‌ في‌ قم‌، و كان‌ يفيد من‌ محضره‌ و درسه‌ الكثير من‌ أفاضل‌ الطلبة‌ والمحصّلين‌.

 الرجوع الي الفهرس

مزايا تفسير «الميزان‌» علی سائر التفاسير

 و كانت‌  مزيّته‌ الاولي‌، و هي‌ أهمّ مزاياه‌، تفسير الآيات‌ بالآيات‌، أي‌ تفسير القرآن‌ بالقرآن‌ نفسه‌؛ ذلك‌ لان‌ لدينا في‌ الروايات‌:  إِنَّ القُرانَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضاً[11]؛   فآيات‌ القرآن‌ نزلت‌ بأجمعها من‌ مبدأ واحد، و هي‌ كلامٌ واحد، بحيث‌ ان‌ سبق‌ و لحوق‌ بعض‌ الآيات‌ لبعضها الآخر لا دخل‌ له‌ في‌ المعني‌ الكلّي‌ المستفاد من‌ الآية‌. و عليه‌ فانّ جميع‌ القرآن‌ في‌ حكم‌ كلام‌ واحد و خُطبة‌ واحدة‌ صدرت‌ من‌ متكلّم‌ واحد، و يمكن‌ أن‌ تكون‌ كلّ جملة‌ فيه‌ قرينة‌ و مفسّرة‌ لكلّ من‌ جملاته‌ الاخري‌. و لذلك‌ فإذا ما بدا هنالك‌ خفاء و إبهام‌ في‌ معاني‌ بعض‌ الآيات‌، فانّ هذا الخفاء سيزول‌ بملاحظة‌ و مقارنة‌ الآيات‌ الاخري‌ الواردة‌ في‌ هذا الموضوع‌ أو ما يشبهه‌. والمنهج‌ الذي‌ يسير عليه‌ هذا التفسير هو تفسير الآيات‌ بنفس‌ الآيات‌، والحصول‌ علی معني‌ القرآن‌ من‌ القرآن‌ نفسه‌؛ و علی ذلك‌ الاساس‌ فانّ المعاني‌ المستفادة‌ من‌ الخارج‌ يتمّ تقييمها و تشخيص‌ أمر موافقتها للقرآن‌ أو معارضتها له‌، لا أن‌ يُجعل‌ المعني‌ الموجود في‌ الذهن‌ أصلاً و محوراً منذ البداية‌، يم‌ ثُسعي‌ لمطابقة‌ ذلك‌ المعني‌ مع‌ الآيات‌ القرآنية‌. و بعبارة‌ أخري‌ السعي‌ لقولبته‌ علی القرآن‌ و تطبيقه‌ عليه‌، حيث‌ انّ الكثير من‌ التفاسير قد سارت‌ علی هذا النهج‌، و هي‌ في‌ الحقيقة‌ ليست‌ تفسيراً، بل‌ تطبيقاً للعماني‌ الذهنيّة‌ و المدركات‌ الخارجيّد أو العلوم‌ الفلسفيّة‌ والعلميّة‌ و الاجتماعية‌ والتاريخيّة‌ و الروايات‌ الواردة‌ مع‌ القرآن‌ الكريم‌.

 و جليّ انّ الآيات‌ ستفقد بهذا النهج‌ التطبيقي‌ مفهومها و محتواها و اعتبارها كليّاً، لانّ كلّ واحد من‌ أصحاب‌ العلوم‌، ابتداءً من‌ النحوي‌ّ الی الفيلسوف‌ و عالم‌ العلوم‌ التجريبية‌، و حتّي‌ الاطبّاء و أهل‌ الهيئة‌ و النجوم‌، يريدون‌ تحميل‌ علومهم‌ علی القرآن‌ و اكتساب‌ سند و شاهد لهم‌ منه‌، و ما أكثر ما كتب‌ البعض‌ منهم‌ تفسيراً كاملاً بشكل‌ دورة‌، كما كتب‌ البعض‌ الآخر تفاسير موضوعيّة‌ في‌ أمثال‌ هذه‌ الامور.

 و مثل‌ هذا العمل‌ يمسخ‌ القرآن‌ في‌ حقيقة‌ الامر، و هو ـ بتعبير آخر ـ يقتل‌ القرآن‌ و يُفقده‌ قيمته‌ و اعتباره‌، اذا انّ معني‌ القرآن‌ يجب‌ ان‌ يُستمدّ منه‌؛ و قد رُوعي‌ هذا النهج‌ في‌ تفسير الميزان‌ علی أكمل‌ وجه‌.

 و من‌ الخصائص‌ الاخري‌ لهذا التفسير الورود في‌ البحوث‌ المتخلفة‌ علاوة‌5 علی البيانات‌ القرآنيّة‌، فقد روعي‌ فيه‌ درج‌  بحوث‌ روائيّة‌، اجتماعيّة‌، تاريخيّة‌، فلسفيّة‌، و علميّة‌، بشكل‌ م‌ نفصل‌ دون‌ أن‌ تمتزج‌ مطالبها، و موضوعاتها.

 و علی هذا الاساس‌ فقد جري‌ البحث‌ بشكل‌ وافٍ عن‌ مسائل‌ العالم‌ المعاصرة‌، و عن‌ الآراء و الافكار و المذاهب‌؛ فقورنت‌ مع‌ قانون‌ الإسلام‌ المقدّس‌، و شُخصّت‌ فيها مواقع‌ الجرح‌ و التعديل‌ و الردّ و الانتقاد، نفياً أو اثباتاً، و أُجيبَ علی أكمل‌ نحو علی الإشكالات‌ و الانتقادات‌ الموجّهة‌ لقانون‌ الإسلام‌ المقدّس‌، و التي‌ صدرت‌ من‌ المناهج‌ الشرقية‌ و الغربيّة‌ و مناهج‌ الكفر و الإلحاد و سرت‌ الی الاراضي‌ الاسلاميّة‌؛ و جري‌ إيضاح‌ مواطن‌ الضعف‌ و نقاط‌ الإبهام‌ و المغالطة‌ فيها.

 و بشكل‌ عام‌، فقد جعل‌ القرآن‌ ميزاناً و محوراً للحقّ و الاصالة‌ و الواقعيّة‌، و ذلك‌ وفقاً للآيات‌ القرآنية‌ مثل‌:

 إِنَّهُ لَقُولٌ فَصْلٌ  وَ مَا هُوَ بِالْهَزْلِ. [12]  أو آية‌:

 وَ إِنَّهُ لَكِتَـ'بٌ عَزِيزٌ  لاَّ يَأْتِيهِ البْـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِن‌ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. [13]

 كما جري‌ تقييم‌ باقي‌ الآراء و المذاهب‌ و مقارنتها معه‌، و إيضاح‌ موارد الخطأ و المغالطات‌ المنهجيّة‌ و الفكريّة‌ فيها.

 كما انّ من‌ خصائص‌ هذا التفسير  حراسة‌ مذهب‌ التشيّع‌، حيث‌ جري‌ ايفاء هذا الامر الهام‌ من‌ خلال‌ البحوث‌ الدقيقة‌ و العميقة‌، و الاشارة‌ الی مواضع‌ الآيات‌، و ايضاح‌ المطلب‌ ببيان‌ بليغ‌ دون‌ إثارةٍ لحميّة‌ جاهليّة‌ أو توسيعٍ لرقعة‌ نار العصبيّة‌، و ذلك‌ بالإعتماد علی نفس‌ آيات‌ القرآن‌ و التفسير الذي‌ لا يمكن‌ ردّه‌ و إنكاره‌، و كذلك‌ بواسطة‌ الروايات‌ المنقولة‌ من‌ أهل‌ العامّة‌ أنفسهم‌، كتفسير «الدرّ المنثور» و يغره‌، في‌ كلّ موضوع‌ من‌ المواضيع‌ الولائيّة‌، و بيان‌ الولاية‌ العامّة‌ و الكليّة‌  لاميرالمؤمنين‌ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ و الائمّة‌ الطاهرين‌  صلوات‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ بشكل‌ مُبرهن‌ واضح‌.

 كما انّه‌ قام‌ بنقل‌ مطالب‌ المفسّرين‌ المصريّين‌ من‌ أهل‌ العامّة‌ دون‌ ذكر أسمائهم‌، فتعرّض‌ لبيان‌ موارد الضعف‌ و التزييف‌ فيها، و للبرهنة‌ علی مواضع‌ الخطأ فيها. و كان‌ يتعرّض‌ للمسائل‌ الاخلاقيّة‌ بشكل‌ مبسوط‌ مفصّل‌، و يمرّ علی المسائل‌ العرفانيّة‌ بشكل‌ دقيق‌ و لطيف‌، فيُشير بجملة‌ واحدة‌ الی عالَمٍ من‌ العلم‌، و يدعو الإنسان‌ الی لقاء الله‌ و الوطن‌ الاصلي‌.

 و قد جري‌ في‌ هذا التفسير الجمع‌ بين‌ المعاني‌ الظاهريّة‌ و الباطنيّة‌ للقرآن‌، و بين‌ العقل‌ و النقل‌، فاستوفي‌ كلّ واحد منها حظّه‌ فيه‌.

 الرجوع الي الفهرس

طلوع‌ تفسير «الميزان‌» في‌ الحوزات‌ العلميّة‌ و في‌ المجمع‌ العلميّة‌ في‌ أرجاء العالم‌

 و هذا  التفسير  شائق‌ و جذّاب‌ و جميل‌ يستهوي‌ الافئدة‌ بحيث‌ يمكن‌ تقديمه‌ للعالم‌ كَسَند لعقائد الإسلام‌ و للشيعة‌، و إرساله‌ الی جميع‌ المذاهب‌ و الإتّجاهات‌ و دعوتهم‌ الی دين‌ الإسلام‌ و مذهب‌ التشيّع‌ علی أساسه‌، و قد قام‌ بنفسه‌ بإنجاز هذا الامر الهامّ، فانتشر «الميزان‌» في‌ العالم‌ و وصل‌ الی قلب‌ باريس‌ و أمريكا، و أُرسلت‌ منه‌ نسخ‌ كثيرة‌ الی الدول‌ الإسلاميّة‌، و خضع‌ الی البحث‌ و التدقيق‌، و أوجب‌ فخر الشيعة‌ و مباهاتهم‌ و علوّ شأنهم‌ في‌ المحافل‌ العلميّة‌. [14]

 و هذا  التفسير  دقيق‌ في‌ إراءة‌ النكات‌، و في‌ التصدّي‌ لمغالطات‌ كلمات‌ المعاندين‌، و أوحد في‌ شموله‌؛ و يمكن‌ القول‌ حقّاً انّ تفسيراً كمثله‌ لم‌ يسبق‌ تدوينه‌ من‌ صدر الإسلام‌ و حتّي‌ الآن‌. و انّ استاذنا كان‌ جامعاً للعلوم‌ و وارثاً لزُبر العلماء الحقيقيّين‌، و انّه‌ قد حاز مقام‌ الإحاطة‌ و الشمول‌ في‌ مضمار هذه‌ الفنون‌ و العلوم‌.

 فَلِلَهِ دَرُّهُ وَ عَلَيْهِ أَجْرُهُ. و «أَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحَانٌ وَ جَنَّتُ نَعِيم‌».

 امشب‌ كه‌ نقل‌ مجلس‌ ما گفتگوي‌ اوست                 ‌ ساقي‌ بيار باده‌ كه‌ امشب‌ شبي‌ نكوست‌

 مطرب‌ بساز ساز كه‌ از پنجة‌ قضا                 بر ما خوش‌ است‌ هر چه‌ تقدير كرده‌ دوست‌

 شادي‌ و غُصّه‌ هر دو بَرِ اهل‌ دل‌ يكي‌است‌                   چون‌ در امور هر چه‌ بما مي‌رسد ز اوست

 زاهد حديث‌ حوري‌ و غِلمان‌ چه‌ مي‌كني‌                   آنجا كه‌ عقل‌ محوِ تماشاي‌ روي‌ اوست‌

 فرق‌ ميان‌ ما و تو اي‌ شيخ‌ اين‌ بس‌ است‌                 ما در خيال‌ مغز و توئي‌ در هواي‌ پوست‌

 گفتم‌ بدل‌ كه‌ سِرّ غنچة‌ لعل‌ لبش‌ بگو                      گفتا خموش‌ باش‌ كه‌ اين‌ نكته‌ تو بتوست‌

 سرو چمن‌ مگر قد بالاش‌ ديده‌ است‌                        كو مانده‌ پاي‌ در گل‌ و بي‌ بَرْ كنار جوست‌

 ذوقي‌ بجرم‌ آنكه‌ بُتا اشناي‌ توست‌              هر دم‌ بسنگ‌ طعنة‌ أغيار روبروست‌ [15]

 و مع‌ انّ متناول‌ يد هذا الحقير ما يزيد علی ثلاثين‌ دورة‌ منا لتفاسير المهمّة‌ للشيعد و السنّد اُطالع‌ فيها، الاّ انّني‌ لم‌ أشاهد أبداً كمثل‌ «الميزان‌» تفسيراً محبّباً ممتعاً شاملاً، لكأنّ باقي‌ التفاسير قد انعزلت‌ قليلاً أو كثيراً بوجود تفسير «الميزان‌» فتنازلت‌ عن‌ مواضعها له‌. و لا ينفرد الحقير بهذه‌ الحقيقة‌، بل‌ ان‌ الكثير من‌ العلماء الاعلام‌ و المفكّرين‌ العظام‌ و أهل‌ البحث‌ و التحقيق‌ قد صرّحوا بهذا المطلب‌ أو ترنّموا به‌.

 ينقل‌ صديقنا و رفيقنا الصادق‌ و زميلنا في‌ الدرس‌: الزعيم‌ الجليل‌ الحاج‌ السيّد موسي‌ الصدر خلّصه‌ الله‌ من‌ أيدي‌ الفجرة‌ و أطال‌ الله‌ بقاءه‌، عن‌ العالم‌ الوحيد و الكاتب‌ المعروف‌ و المتضلّع‌ الخبير في‌ لبنان‌:  الشيخ‌ جواد مُغنِيَة‌  قوله‌: منذ أن‌ وصل‌ «الميزان‌» بيدي‌، فقد اُغلقت‌ مكتبتي‌، فالميزان‌ هو الكتاب‌ الموضوع‌ باستمرار فوق‌ منضدة‌ مطالعتي‌. [16]

 و لقد قال‌ هذا الحقير يوماً للاستاذ:

 انّ هذا التفسير الشريف‌ لم‌ يحتل‌ موقعه‌ في‌ الحوزات‌ العلمية‌ كما ينبغي‌ له‌، و ان‌ قيمته‌ الحقيقيّة‌ لم‌ تدرك‌ بعدُ، و إذا ما دُرّس‌ هذا التفسير في‌ الحوزات‌ و جري‌ مناقشة‌ محتوياته‌ و مطالبة‌ و نقدها و تحليلها بشكل‌ مستمرّ، فانّ قيمة‌ هذا التفسير ستتضّح‌ بعد مائتي‌ سنة‌!

 و قلتُ له‌ مرّة‌: حين‌ انهمك‌ في‌ مطالعة‌ هذا التفسير، فأشاهد أحياناً ربطلكم‌ الآيات‌ ببعضها و موازنتها مع‌ بعضها بشكل‌ متسلسل‌، ثم‌ استخراجكم‌ المعني‌ عن‌ طريق‌ المقارنة‌، فانني‌ لا أمتلك‌ تعبيراً الاّ أن‌ أقول‌ انّ قلم‌ الوحي‌ و الإلهام‌ الإلهيّ كان‌ قد جري‌ في‌ يدكم‌ آنذاك‌.

 فهزّ رأسه‌ و قال‌: انّما هذا هو حُسن‌ ظنّكم‌، فنحن‌ لم‌ نفعل‌ شيئاً. [17]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ دِياف‌: موضع‌ بالجزيرة‌، و هم‌ نَبَطُ الشام‌ (م‌).

[2] ـ «شرح‌ التنوير» علی «سقط‌ الزند» لابي‌ العلاء المعرّي‌، ج‌ 2، ص‌ 62، ط‌ بولاق‌.

[3] ـ و من‌ جملة‌ الامور التي‌ تنفرد بها فلسفة‌ الملاّ صدرا، مسألة‌ الوحدة‌ بالصرافة‌ لذات‌ الحقّ القدسيّة‌، و مسألة‌ امتلاك‌ العلّة‌ علماً حضوريّاً بمعلولها. و لقد كان‌ بوعلي‌ بن‌ سينا يقول‌ صراحة‌ في‌ كتابه‌ «الشفاء» بالوحدة‌ العدديّة‌ للحقّ، كما انّه‌ كان‌ يعتبر علم‌ ذات‌ الحقّ القدسيّة‌ بالموجودات‌ علماً حصوليّاً لا حضوريّاً؛ فأبطل‌ الملاّ صدرا في‌ هاتين‌ المسألتين‌ دليل‌ «بوعلي‌». و هاتين‌ المسألتين‌ من‌ أهمّ المسائل‌ الاعتقاديّة‌.

[4] - إحدی قری مدینة قم الطیبة.(م)

[5] ـ الآية‌ 40 و 41، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[6] ـ الآية‌ 16، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[7] ـ الآية‌ 16، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[8] - المراد من الفلاسفة‌ الاسلاميّين‌ بعد الالف‌ الهجري هو صدر المتألهین الذی قال فی کتبه فی کون وحدة ذات الحق بالصرافة، و قد أوصل إثبات هذا المعنی بأبلغ وجه، و نفی کلام ابن سینا القائل فی کون وحدة ذات الحق بلاوحده العددیه. ولد صدر المتألهین فی حدود سنه 979 ه فی مدینه شیراز.

[9] ـ كانت‌ جدّتنا لابينا، أي‌ أمّ أب‌ هذا الحقير؛ أخت‌ العلاّمة‌ الخبير آية‌ الله‌ اقاي‌ الميرزا محمّد الطهرانيّ صاحب‌ كتاب‌ «مستدرك‌ البحار». كما انّ أمّ العلامة‌ امّا الميرزا محمد الطهراني‌ و جدّتنا الكبري‌ من‌ أحفاد العالم‌ المتضلّع‌ المير محمّد صالح‌ الحسينيّ الخاتون‌ آبادي‌ صهر العلاّمة‌ محمّد باقر المجلسيّ، حيث‌ تزوّج‌ ابنته‌ فاطمة‌ بيگم‌، لذا فان‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ سيكون‌ الجدّ الاعلي‌ لابينا لامّة‌. و باعتبار ان‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ السيد مهدي‌ بحر العلوم‌ و المرحوم‌ آية‌ الله‌ البروجردي‌ من‌ أحفاد بنات‌ المجلسي‌ الاوّل‌ الملاّ محمّد تقي‌، من‌ ابنتة‌ آمنة‌ بيگم‌ التي‌ تزوّجها المرحوم‌ الملاّ محمد صالح‌ المازندراني‌، فانّ آمنة‌ بيگم‌ ستكون‌ العمّة‌ الكبري‌ لامّ أبينا، و سيكون‌ المرحوم‌ بحرالعلوم‌ و آية‌ الله‌ البروجردي‌ رضوان‌ الله‌ عليهما من‌ بني‌ عمّاتنا.

[10] ـ كان‌ سماحة‌ الاستاذ يقول‌: «خلال‌ تفحصي‌ و بحثي‌ في‌ الاحاديث‌ المتعلّقة‌ بالإمامة‌، صادفت‌ في‌ كتاب‌ «بحار الانوار» خمسة‌ و عشرين‌ حديثاً من‌ الصحاح‌ المعتبرة‌ للعامّة‌ نُقلت‌ من‌ تلك‌ المصادر المعتبرة‌. لكنّي‌ لم‌ أعثر عليها في‌ ما تفحصته‌ من‌ كتبهم‌ المطبوعة‌ و المخطوطة‌. حتّي‌ انّي‌ تصفّحت‌ كتاباً يعود إلی ما قبل‌ ثمائمائة‌ سنة‌ من‌ أوّله‌ إلی آخره‌ فلم‌ يوجد فيه‌ شي‌ء من‌ هذه‌ الروايات‌ الخمس‌ و العشرين‌.. و لقد حُذف‌ الكثير من‌ الاحاديث‌ من‌ قبل‌ العامّة‌ و أُسقط‌ من‌ الكتب‌». انتهي‌ كلام‌ الاستاذ الفقيد رضوان‌ الله‌ عليه‌.

 و بالطبع‌ فلو كانت‌ دورة‌ «بحار الانْوار» قد طُبعت‌ مع‌ تعليقاته‌، لجري‌ الحديث‌ عن‌ هذه‌ الاحاديث‌ و غيرها في‌ المواضع‌ المناسبة‌، و لجري‌ حلّ الكثير من‌ المشكلات‌ الاخري‌ فما أعظم‌ الجناية‌ و الخسارة‌ التي‌ لحقت‌ ـ بإلغاء تعليقاته‌ ـ دائرة‌ معارف‌ الشيعة‌ هذه‌ في‌ طبعتها الحديثة‌!

[11] ـ ورد في‌ الخطبة‌ (131) من‌ «نهج‌ البلاغة‌»: كِتَابُ اللَهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَ تَنطِقُونَ بِهِ، وَ تَسْمَعُونَ بِهِ، وَ يَنْطِقُ بَعْضذهُ بِبَعْضٍ، وَ يَشْهَدُ بَعْضُهُ علی بَعْضٍ؛ لاَ يَخْتَلِفُ فِي‌ اللَهِ. وَ لاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللَهِ.

[12] ـ الآية‌ 13 و 14، من‌ السورة‌ 86: الطارق‌.

[13] ـ ذيل‌ الآية‌ 41، و الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌.

[14] ـ و الامر الشيّق‌ هنا انّ هذا التفسير متين‌ في‌ العربيّة‌، بليغ‌ و متين‌ في‌ حفظ‌ القواعد العربيّة‌ و إنشاء المطالب‌ متسلسلة‌، بحيث‌ يعسر علی العلماء و المحقّقين‌ العرب‌ ـ و هم‌ أهل‌ الادب‌ العربي‌ ـ تمييز و إدراك‌ أنّ مؤلّفه‌ من‌ غير العرب‌. بل‌ لم‌ يُنقل‌ حتّي‌ الآن‌ عن‌ أحد4 القول‌ بأنّ هناك‌ قرائن‌ في‌ هذا التفسير تشير إلی أنّ مولّفه‌ إيراني‌ أو انّ لغتة‌ الاصليّة‌ هي‌ التركيّة‌ الاذربايجانيّة‌، أو أنّه‌ من‌ غير العرب‌ عموماً. فقد سُئل‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الشيخ‌ محمد حسين‌ كاشف‌ الغطاء في‌ حياته‌، و كان‌ استاذاً في‌ الادب‌ و العربيّة‌ و فريد عصره‌ فيهما، عن‌ كاتب‌ دورة‌ معروفة‌ في‌ الإمامة‌ حُذّرت‌ في‌ عصره‌، فأجاب‌: من‌ البيّن‌ أنّ الذي‌ كتبها من‌ غير العرب‌.

 و حين‌ سُئل‌ المرحوم‌ الشيخ‌ عبدالله‌ السبيتي‌ صهر المرحوم‌ السيد عبدالحسين‌ شرف‌ الدين‌ العاملي‌ عن‌ ذلك‌، أجاب‌: من‌ الجليّ انّ كاتبها ايرانيّ.

 أمّا في‌ تفسير «الميزان‌» فلم‌ تُنقل‌ مثل‌ هذه‌ الامور، علاوة‌ علی انّه‌ قد نُقل‌ عن‌ حجّة‌ الإسلام‌ الحاج‌ السيّد محمد حسين‌ فضل‌ الله‌ الساكن‌ في‌ غازية‌ لبنان‌، و هو من‌ مشاهير الادب‌ العربي‌، انّ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» بلحاظ‌ الادب‌ و العربيّد، من‌ بين‌ الكتب‌ الادبية‌ المعتبرة‌ لدي‌ الشباب‌ و اللبة‌ الجامعيّين‌ في‌ لبنان‌؛ هذا مع‌ انّ بعض‌ الكتّاب‌ كان‌ يأخذ نسخته‌ إلی النجف‌ الاشرف‌ فيقرأها علی المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ محمد علی الاردوبادي‌ ـ و كان‌ ممتازاً في‌ الادب‌ العربي‌ ـ فيصحّحها له‌.

 و لقد صحّح‌ «العروة‌ الوثقي‌» للمرحوم‌ آية‌ الله‌ اليزدي‌ شخصان‌، أحدهما عربي‌ و هو الشيخ‌ أحمد كاشف‌ الغطاء، و الآخر ايراني‌ و هو السيّد أحمد الخونساري‌، كما جري‌ أيضاً تصحيح‌ «الكفاية‌» للمرحوم‌ آية‌ الله‌ الخراساني‌.

 يقول‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ في‌ كتاب‌ « معادن‌ الجواهر و نزهة‌ الخواطر» ج‌ 1، ص‌ 42 بعد تأكيده‌ علی ضرورة‌ اتقان‌ العربيّة‌ و الادب‌ العربي‌ لدارسي‌ العلوم‌ الإسلاميّة‌، و بعد إبدائه‌ أسفه‌ الشديد علی تدنّي‌ مستوي‌ الادب‌ في‌ الحوزات‌ الحالية‌: «و إذا نظرنا انّ جلّ العلماء المحقّقين‌ كانوا في‌ الاعصار السالفة‌ من‌ العجم‌ من‌ الشيعة‌ و أهل‌ السنّة‌، و انّهم‌ كانوا يُتفنون‌ العلوم‌ العربيّة‌ أشدّ اتقان‌ كما تشهد به‌ آثارهم‌ و مؤلّفاتهم‌، علمنا انّ هذا التقصير حصل‌ في‌ الاعصار الاخيرة‌ فقط‌.

 و نحن‌ نذكر بعض‌ الامثلة‌ لما قلناه‌ و هو قليلٌ من‌ كثير، فهذا الشيخ‌ مرتضي‌ الانصاري‌ شيخ‌ المحقّقين‌ و قدوتهم‌ و فاتح‌ و قدتهم‌ و فاتح‌ باب‌ التحقيق‌ لمن‌ بعده‌ في‌ هذا العصر، و مبتكر التحقيقات‌ الكثيرة‌ و الفوائد الجمّة‌ النافعة‌ في‌ علم‌ الاصول‌، الذي‌ كان‌ ـ علی ما يُقال‌ ـ يحافظ‌ علی معرفة‌ علم‌ العربيّة‌ أشدّ المحافظة‌، بل‌ قيل‌ انّه‌ كان‌ يواظب‌ علی تلاوة‌ ألفيّة‌ ابن‌ مالك‌، و بعضهم‌ يبالغ‌ و يقول‌: كان‌ يتلوها في‌ أعقاب‌ الصلاة‌ و يجعلها من‌ جملة‌ التعقيبات‌، لمّا كان‌ غير ضليع‌ مع‌ ذلك‌ بالاستعمالات‌ العربيّة‌، ذكر في‌ تفسير حديث‌ « النّاسُ فِي‌ سَعَة‌ مَا لاَ يَعْلُمُونَ»: «من‌ جملة‌ الاءحتمالات‌ أن‌ تكون‌ «ما» مصدريّة‌ ظرفيّد، و «سعة‌» منوّنة‌ غير مضافة‌، أي‌ الناس‌ في‌ سعة‌ ما داموا لا يعلمون‌»؛ مع‌ انّ العربي‌ العارف‌ بأساليب‌ العرب‌ في‌ استعمالاتهم‌ لا يشكّ انّ هذا الاستعمال‌ غير صحيح‌ عندهم‌، و انّه‌ اذا قصد هذا المعني‌ يجب‌ أن‌ يُقال‌: «النَّاسُ فِي‌ سَعَة‌ مَا لَمْ يَعْلَمُوا »؛ ثم‌ يختم‌ المرحوم‌ الامين‌ المطلب‌ بعد ذكر عدّة‌ أمثلة‌ لافراد آخرين‌.

 امّا تفسير «الميزان‌» الذي‌ كان‌ يُكتب‌ علی الورق‌ مباشرة‌ دونما مسوّدة‌، حتّي‌ ان‌ تصحيح‌ الاخطاء المطبعيّة‌ كان‌ يتمّ من‌ قبل‌ سماحة‌ الاستاذ العلاّمة‌ نفسه‌؛ رحمة‌ الله‌ عليه‌ مل‌ زنة‌ عرشه‌.

 و كان‌ حين‌ ينشغل‌ بالكتابة‌ يكتفي‌ بشرب‌ قدح‌ من‌ الشاي‌ ذي‌ اللون‌ الفاتح‌، أو يدخّن‌ نصف‌ سيجارة‌، و كانت‌ سجائره‌ من‌ نوع‌ «اشنو»، و كان‌ ثمن‌ العلبة‌ الواحدة‌ منها سبعة‌ قرانات‌ (ريالات‌)، و كثيراً ما كان‌ يحصل‌ انّه‌ لا يمتلك‌ ثمن‌ تلك‌ السجائر. فَسَلاَمٌ علَيْهِ يَوْمَ وُلِدُ وَ يَوْمَ مَاتَ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً.

[15] ـ يقول‌:

 الليلة‌ مباركة‌، و حديث‌ الحبيب‌ فاكهة‌ مجلسنا، فهات‌ الكأس‌ أيّها الساقي‌.

 و اغرف‌ أيّها المطرب‌ لحناً، فنحن‌ سعداء بماف‌ ي‌ قبضة‌ القضاء، إذ ليس‌ الاّ ما قضي‌ به‌ الحبيب‌.

 انّ الفرج‌ و الغمّ ثمرة‌ واحدة‌ لاهل‌ القلوب‌، لانّ ما يجري‌ علينا من‌ الامور انّما هو منه‌.

 و ما شأنك‌ و حديث‌ الحور و الغلمان‌ أيّها الزاهد، فالعقل‌ هناك‌ محو التأمّل‌ في‌ طلعته‌.

 و كفي‌ فارقاً بيننا و بينك‌ أيّها الشيخ‌، أن‌ نكون‌ في‌ تصوّر اللبّ و تكون‌ في‌ هوي‌ القشر!

 قلت‌ للقلب‌: بُح‌ بسرّ برعمة‌ شفته‌ الياقوتيّة‌، فقال‌: صه‌! فهذا سرّ مستغلق‌ مكين‌ أفشاهدت‌ الحشائش‌ الرميّة‌ بلا ثمر إلی جانب‌ الساقية‌، بأقدامها المتعثرة‌ في‌ الطين‌، قامةَ شجرة‌ السرو؟

 و ها أنت‌ يا (ذوقي‌) تواجه‌ كلّ لحظة‌ حجر طعنات‌ الاغراب‌ بجرم‌ تعرّفك‌ علی المعبود

 (ذوقي‌) هو اسم‌ الشاعر. (م‌).

[16] ـ قال‌ سماحة‌ الصديق‌ الاكرم‌ حجّة‌ الاسلام‌ و المسلمين‌ الحاج‌ السيد محمّد علی نجل‌ آية‌ الله‌ الميلاني‌ في‌ شأن‌ المرحوم‌ أستاذنا العلاّمة‌ الطباطبائي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌: لقد قدم‌ رئيس‌ الجمعيّة‌ التقافيه‌ المصريّة‌: الشيخ‌ محمّد الفحّام‌ و مساعده‌ الشيخ‌ الشرباصي‌ إلی مشهد، فجاءا عند أبي‌، و كان‌ من‌ جملة‌ كلامهما: لقد وجدنا تفسير «الميزان‌» أفضل‌ التفاسير، و قد طالعناه‌ إلی المجلّد الثامن‌ عشر و لم‌ نعثر علی المجلّدين‌ الاخيرين‌. و كانا في‌غ‌ اية‌ الشوق‌ لرؤية‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ عن‌ كتب‌، بيد ان‌ العلاّمة‌ لم‌ يكن‌ آنذاك‌ في‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌، إذ كان‌ قد سافر إلی الخارج‌، لذا فلم‌ يلتقيا به‌، لكنّ المرحوم‌ أبي‌ أرسل‌ اليهما في‌ مصر المجلّدين‌ التاسع‌ عشر و العشرين‌ من‌ التفسير.

 كان‌ هذا كلام‌ سماحة‌ نجل‌ الميلاني‌؛ أمّا سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الشيخ‌ محمد رضا المهدوي‌ الدامغاني‌ فقد سبق‌ أن‌ حكي‌ للحقير هذا المطلب‌ بهذه‌ الكيفيّة‌:

 نظراً لعقد علاقات‌ الصداقة‌ بين‌ ايران‌ و مصر، و لتقرّر إقامة‌ العلاقات‌ الثقافية‌، بين‌ البلدين‌، فقد قدم‌ إلی ايران‌ ممثلاً عن‌ مصر، الشيخ‌ محمد الفحّام‌ و الشرباصي‌ فزارا المؤسّسات‌ الثقافية‌ و الثقيا بالعلماء. و كنتُ أحد تلامذة‌ و معتمدي‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ السيد هادي‌ الميلاني‌، فأرسل‌ لي‌ يُخبرني‌ برغبته‌ في‌ لقائي‌ يوم‌ الغد مبكّراً، فذهبتُ صباح‌ اليوم‌ التالي‌ مبكراً إلی محضره‌ فقال‌: لقد تقرّر أن‌ يزورنا نغران‌ من‌ الشخصيات‌ المصريّد من‌ قبل‌ جمعيّد العلاقات‌ الثقافية‌ الايرانية‌ ـ المصريّة‌، فلتكن‌ حاضراً في‌ تلك‌ الجلسة‌. و علينا ـ من‌ جهة‌ أخري‌ ـ أن‌ نهديهما شيئاً، فما الذي‌ ترونه‌ صالحاً للاءهداء؟ فقلت‌: دورة‌ تفسير «الميزان‌»  فهو كتاب‌ علمي‌ و شريف‌ و معتبر، و يُناسب‌ هذا اللقاء.

 قال‌: لقد بدا لي‌ ذلك‌ أيضاً. لذا فقد أعدّ دورة‌ من‌ تفسير «الميزان‌» ليهديه‌ لهما عند اللقاء بهما. كما انّه‌ ـ من‌ جهة‌ اخري‌ ـ أرسل‌ إلی العلاّمة‌ الطباطبائي‌ ليحضر ذلك‌ المجلس‌، فاعتذر العلاّمة‌ عن‌ الحضور لمرضه‌.

[17] ـ كان‌ هذا الحقير قد ذهب‌ يوماً في‌ مشهد المقدّسة‌ بعد طبع‌ هذا الكتاب‌ «مهر تابان‌ = الشمس‌ الساطعة‌» لردّ زيارة‌ الصديق‌ الاكرم‌ و الاخ‌ المعظّم‌: سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ السيد محمّد الشاهرودي‌ دامت‌ بركاته‌ نجل‌ المرحوم‌ أستاذنا: سماحة‌ آية‌ الله‌ العظمي‌ الحاج‌ السيد محمود الشاهرودي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌، و كان‌ أولاده‌ و أصهاره‌ حاضرين‌ كذلك‌، فدار الحديث‌ عن‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌، فذكر انّ شخصيّة‌ العلاّمد مهمّة‌ جداً لديهم‌. و قال‌ لي‌ صهره‌ الاكبر الحاج‌ السيّد مرتضي‌ الصدر، حفيد المرحوم‌ الحاج‌ السيد حسن‌ الصدر: ما كان‌ أحسن‌ لو كنتم‌ قد كتبتم‌ رسالة‌ الذكري‌ هذه‌ «مهرتابان‌» بالعربيّة‌!

 فقال‌ الحقير: لقد كانت‌ رسالة‌ الذكري‌ هذه‌ لشرح‌ حاله‌ للناطقين‌ بالفارسيّة‌ الذين‌ يعرفونه‌ و الذين‌ تعاملوا مع‌ أفكاره‌ قليلاً أو كثيراً. و لقد كان‌ وطنه‌ و محل‌ سكناه‌ في‌ البلاد الفارسيّد. فقال‌ السيّد الصدر: أنتم‌ مخطئون‌! فالعلاّمة‌ أكثر شهرة‌ في‌ البلاد العربية‌ منه‌ في‌ المدن‌ الايرانيّة‌، و ليس‌ من‌ عالمٍ و محقّق‌ ـ و خاصّة‌ في‌ مصر و لبنان‌ ـ الاّ و يمتدح‌ العلاّمة‌ و يصفه‌ بالعظمد، و الاّ و له‌ مراجعة‌ و مراودة‌ مع‌ كتاب‌ «الميزان‌»، حتي‌ ان‌ الطلبة‌ الجامعيّين‌ و الطّلاب‌ عموماً يمتلكون‌ تفسير «الميزان‌» و يقدّرون‌ أفكار العلاّمة‌.

 فقال‌ الحقير: يلزم‌ اذاً ـ و الحال‌ هذه‌ ـ أن‌ يُترجم‌ كتاب‌ «مهر تابان‌» إلی العربيّة‌ فيوضع‌ في‌ متناول‌ أيديهم‌!

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com