بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الثانی / القسم السابع : علة عدم اعادة الله الکافر الی الدنیا، عدم امکان الکذب فی البرزخ

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

لا إمكان‌ هناك‌ للكذب‌ في‌ عالم‌ البرزخ‌

 أمّا هناك‌، حيث‌ تفتح‌ الابصار علی الحقيقة‌ و الواقع‌، و حيث‌ يسلب‌ طريق‌ الانحراف‌ و الالتواء الذي‌ تمثّله‌ الغرائز المختلفة‌، وحيث‌ الحقيقة‌ والواقعيّة‌ المحضة‌؛ فإنّ كلام‌ الملائكة‌ سيكون‌ مع‌ باطن‌ الإنسان‌ و حقيقته‌، أي‌ أنّ جهة‌ الحديث‌ ستكون‌ مع‌ قلب‌ الإنسان‌ فقط‌، و لن‌ يكون‌ هناك‌ عالم‌ للرياء و الخداع‌ و المكر والحيلة‌ و النظر المصلحيّ الموهوم‌ الاعتباريّ، ليحاول‌ الإنسان‌ التشبّث‌ بهذه‌ الوسائل‌ لجعل‌ عمله‌ موافقاً للحقّ و منطبقاً عليه‌، ولميوّه‌ بنحوٍ ما أفعاله‌ السابقة‌ و ينكّرها بلباس‌ التمويه‌ و التشويه‌ فيبدلها إلی‌ صورة‌ الحقّ.

 إنّ من‌ الممكن‌ للإنسان‌ ألاّ يرتكب‌ ذنباً في‌ هذه‌ الدنيا، ليس‌ من‌ أجل‌ رضا الله‌ سبحانه‌ أو من‌ أجل‌ الموافقة‌ بين‌ عمله‌ و بين‌ الحقّ و الواقع‌، بل‌ لجهاتٍ أُخري‌ غيرها. فقد لا يكذب‌ لانّ رفيقه‌ سيفهم‌ و يُدرك‌ أنـّه‌ قد كذب‌، و قد لا يسرق‌ لان‌ سرقته‌ ستَتّضح‌ وتنفضح‌، و قد لا يخون‌ و لا يظلم‌ لئلاّ تسقط‌ شخصيّتهُ و مكانته‌ في‌ المجتمع‌.

 إلاّ أنّ من‌ المسلّم‌ أنّ فرداً كهذا لو واجه‌ وضعاً و ظروفاً أُخري‌ بحيث‌ يتيقّن‌ بشكل‌ أكيد أنّ أحداً لن‌ يطّلع‌ علی كذبه‌ أو اختلاسه‌ أو ظلمه‌ أو خيانته‌، و أنّ كرامته‌ و ماء و جهه‌ لن‌ يهدرا، فإنـّه‌ سيفقد الرادع‌ و المانع‌ الذي‌ يحول‌ بينه‌ و بين‌ ارتكاب‌ هذه‌ الجرائم‌.

 إنّ هذا الاختلاف‌ في‌ الاساليب‌ مسبّب‌ عن‌ اختلاف‌ الظاهر والباطن‌ الذي‌ يري‌ الإنسان‌ نفسه‌ في‌ الدنيا في‌ مواجهته‌.

 أمّا في‌ عالم‌ البرزخ‌، فليس‌ هناك‌ اختلاف‌ بين‌ الظاهر و الباطن‌، ومهما كان‌ باطن‌ الإنسان‌ فإنـّه‌ سيتجلّي‌ هناك‌ علی تلك‌ الصورة‌، الباطن‌ الحسن‌ سيتجلّي‌ حسناً، و الباطن‌ السي‌ّء سيّئاً، و ما يقوله‌ قلب‌ الإنسان‌ ويعتقده‌ و يُذعن‌ به‌، فإنّ لسانه‌ الملكوتيّ سيقرّه‌ أيضاً و يشهد علی صحّته‌ و صوابه‌.

 سيُقال‌ للإنسان‌ هناك‌: مَنْ ربّك‌؟ فيردّ الإنسان‌ و يذكر الربّ و المقصود الذي‌ كان‌ له‌ في‌ هذه‌ الدنيا، و الذي‌ كان‌ يتوسّل‌ به‌ و ينشده‌.

 و معني‌ «الإله‌» مَن‌ يتوجّه‌ إليه‌ قلب‌ الإنسان‌ و يكون‌ معه‌ دوماً، ويطوف‌ حول‌ حرمه‌، و الذي‌ يملا القلب‌ في‌ مواقع‌ الخلوة‌ و الجلوة‌، و مَن‌ يكون‌ الإنسان‌ في‌ ذكره‌ دوماً فلا تخلو منه‌ خواطره‌، فهذا هو مقصود الإنسان‌ و معبوده‌، و هذا هو مألوه‌ الإنسان‌ و معبوده‌.

 هناك‌ مَنْ معبوده‌ و مقصوده‌ امرأته‌، مهما سعي‌ و جدَّ فلها؛ و هناك‌ مَن‌ معبوده‌ ولده‌، أي‌ أنّ السماء و الارض‌ و النبي‌ّ و القرآن‌ جميعاً لاتعدل‌ لديه‌ شيئاً مقابل‌ محبّة‌ ولده‌، فهو يتعشّقه‌ بكلّ وجوده‌ و كيانه‌، و يقدّم‌ حبّه‌ في‌ مجال‌ رغباته‌ و طلباته‌ علی ذكر الله‌ و النبي‌ّ و القرآن‌.

 و هناك‌ مَن‌ معبوده‌ تجارته‌، و مَن‌ معبوده‌ ثروته‌، و مَن‌ معبوده‌ شخصيّته‌ و سيادته‌، و مَن‌ معبوده‌ علمه‌ و فكره‌، و مَن‌ معبوده‌ إيمانه‌ ودينه‌، كما أنّ هناك‌ مَن‌ معبوده‌ نفسه‌ و روحه‌.

 هؤلاء هم‌ الآلهة‌ التي‌ تجلّت‌ في‌ الدنيا بشكل‌ مشتّت‌ و متفرّق‌ بعنوان‌ مقصود و معبود لبني‌ آدم‌، فاختار كلّ امري‌ واحداً منها فخصّصه‌ للعبادة‌ تبعاً لذوقه‌ و طبيعته‌.

 لقد خاطب‌ النبي‌ّ يوسف‌ علی نبيّنا و آله‌ و عليه‌ الصلاة‌ و السلام‌ صاحبيه‌ في‌ السجن‌: يَـ'صَـ'حِبي‌ السّـِجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَهُ الْوَ ' حِدُ الْقَهَّارُ.[1]

 «أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ» أي‌ أصحاب‌ الولاية‌ في‌ قلب‌ الإنسان‌، الذين‌ أسّسوا و أقاموا حكومتهم‌ التخيّليّة‌ في‌ قلب‌ الإنسان‌ علی أساس‌ عالم‌ الكثرة‌ و الاعتبار و التفرّق‌. «أَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ» يعني‌ هؤلاء الحكّام‌ الجائرين‌ والرؤساء المستبدّين‌ و طواغيت‌ العصر الذين‌ يدعون‌ الإنسان‌ إلی‌ طاعتهم‌ و العبوديّة‌ لهم‌.

 من‌ الممكن‌ للإنسان‌ أن‌ يصلّي‌ و أن‌ يصوم‌ و أن‌ يبني‌ مسجداً أيضاً، إلاّ أنّ ذلك‌ يمتلك‌ قدراً و قيمة‌ حين‌ يكون‌ له‌ دلالة‌ علی العلاقة‌ و الارتباط‌ بالله‌ سبحانه‌، أي‌ حين‌ يكون‌ كذلك‌ في‌ المنزل‌ وحيداً فيغتسل‌ غسل‌ الجنابة‌ و لا يترك‌ صلاته‌، و حين‌ يكون‌ كذلك‌ خلف‌ الميزان‌ فلا يجحف‌ و لا يظلم‌ في‌ بيعه‌ علی مشترٍ جاهل‌ قرويّ لا يعلم‌ شيئاً عن‌ الحساب‌، فلا يتقاضي‌ منه‌ أكثر ممّا يجب‌ عليه‌ أو يُعطيه‌ أقلّ ممّا يجب‌ له‌؛ لانّ الله‌ موجود. الله‌موجود في‌ منتصف‌ الليل‌ و المرء راقد في‌ فراشه‌، و الله‌ موجود حين‌ ينهض‌ المرء من‌ النوم‌. كما أنّ العلاقة‌ بالزوجة‌ و الولد و الثروة‌ و الاعتبار يجب‌ أن‌ تكون‌ في‌ طول‌ العلاقة‌ و المحبّة‌ مع‌ الله‌ لا في‌ عرضها و آنذاك‌ فإنّه‌ إذا ما سُئل‌: مَن‌ رَّبُّكَ؟

 فسيجيب‌: اَللَهُ جَلَّ جَلاَلُهُ رَبِّي‌.

 فيقول‌ له‌ الملائكة‌: قَدِمّتَ خَيْرَ قُدومٍ، نَزَلْتَ خَيْرَ مَقَامٍ، أَهْلاً وَ سَهْلاً.

 أمّا أُولئكم‌ الذين‌ يقولون‌ في‌ الظاهر: إنّ ربّنا ربّ السماوات‌ والارض‌، إلاّ أنـّهم‌ لا يعتقدون‌ به‌ عملاً، و الذين‌ لا تعدو شهادتهم‌ أن‌ تكون‌ مجرّد لقلقة‌ لسان‌؛ أُولئك‌ الذين‌ يتشدّقون‌ دوماً بالكلام‌ عن‌  الإیمان و الشرف‌ و التقوي‌ و العدالة‌، إلاّ أنـّهم‌ يبيعون‌ ـ في‌ مقام‌ العمل‌ ـ جميع‌ هذه‌ الاُمور بفلسٍ واحد، ذلك‌ لانّ ربّهم‌ و آلهتهم‌ في‌ ميزان‌ الواقع‌ و تقييم‌ الحقيقة‌ هو الدرهم‌ و الدينار و الذهب‌ و الفضّة‌ و البطن‌. كما قد أخبر الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ عن‌ أهل‌ آخر الزمان‌:

 ءَالِهَتُهُمْ بُطُونُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ قِبلَتُهُمْ وَ شَرَفُهُمْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ.

 و هؤلاء إن‌ سئل‌ أحدهم‌ في‌ عالم‌ البرزخ‌: مَنْ رَبُّكَ؟ لاجاب‌ بحقيقة‌ الامر، و لقال‌ أحدهم‌: بَطْني‌، بَطْنِي‌.

 فيقولون‌ له‌: الويل‌ لك‌! فتوسّل‌ باِلـ'هك‌، و اطلب‌ من‌ بطنك‌ لتنجيك‌ من‌ عذابنا!

 و يسألون‌ الآخر: مَنْ رَبُّكَ؟ فيجيب‌: امرأتي‌!

 فيقولون‌: فاسئل‌ امرأتك‌ أن‌ تغيثك‌ و تُعينك‌!

 و يسألون‌ الآخر: مَنْ رَبُّكَ؟

 فيجيب‌: ولدي‌؛ لقد كنتُ رجلاً عجوزاً فسعيتُ و جهدتُ حتّي‌ أعددتُ النقود فأعطيتها لولدي‌ فذهب‌ إلی‌ الخارج‌ ليصبح‌ مهندساً أو طبيباً، إلاّ أنـّه‌ كان‌ بعيداً عن‌ الإنصاف‌ ففقد إيمانه‌ وتلبّس‌ بنهج‌ الكّفار و آثارهم‌، و مهما حاولنا أن‌ نعيده‌ إلی‌ صوابه‌ فإنـّه‌ لم‌ يرعو و لم‌ يستجب‌. ثمّ يغالط‌ في‌ كلامه‌ و يقول‌: إنّ البلد يحتاج‌ إلی‌ الطبيب‌ و المهندس‌، فهؤلاء ضروريّون‌ للمجتمع‌. بَيد أنـّه‌ يكذب‌، فالطبيب‌ و المهندس‌ ليس‌ من‌ أجل‌ خدمة‌ المجتمع‌، بل‌ لتفريغ‌ جيوب‌ الفقراء و الضعفاء، و لكنز الثروات‌ التي‌ لاتُحصي‌.

 فيُقال‌: فاذهب‌ الآن‌ و اجلب‌ ابنك‌ الدكتور و المهندس‌ لينقذك‌ من‌ براثن‌ أفكار الندم‌ التي‌ تجلّت‌ في‌ هذا العالم‌ في‌ هيئة‌ ملائكة‌ العذاب‌.

 كما يجيب‌ البعض‌ الآخر علی سؤال‌ (مَنْ رَبُّكَ؟) فيقول‌: تجارتي، صكوكي‌، كمبيالاتي‌، عنواني‌ و اعتباري‌، جاهي‌ و رئاستي‌، غرور علمي‌ وفهمي‌؛ فهؤلاء، جميعاً آلهة‌ معبودون‌.

 إنّ عالم‌ طلوع‌ الحقائق‌ و بروز السرائر لَعالمٌ عجيب‌! لقد قال‌ الله‌ سبحانه‌ إنـّنا سنشاهده‌ يوماً ما، لكنّ علينا أن‌ نكون‌ في‌ مستوي‌ السؤال‌ فنجيب‌ كما ينبغي‌. و الامر الآن‌ كذلك‌، غاية‌ الامر أنّ النفس‌ لم‌ تطّلع‌، و ما اختفي‌' عليها لم‌ يَظهر بعد، و سيظهر و يبرز آنذاك‌.

 وَ بَرَزُوا لِلَهِ الْوَ ' حِدِ الْقَهَّارِ.[2]

 يَوْمَ هُم‌ بَـ'رِزُونَ لاَ يَخْفَي‌' علی اللَهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكَ الْيَوْمَ لِلَهِ الْوَ ' حِدِ الْقَهَّارِ.[3]

 فمن‌ أجاب‌ كما ينبغي‌، فقال‌: ربّي‌ الله‌ الواحد الاحد الصمد خالق‌ السماوات‌ و الارضين‌. فإنّه‌ سيقال‌ له‌: نَمْ قَرِيرَ العَيْنِ، نَمْ نَومَةَ العَرُوسِ.

 الرجوع الي الفهرس

عدم‌ إمكان‌ عودة‌ النفوس‌ البرزخيّة‌ إلی‌ عالم‌ الدنيا

 يحدّث‌ الشيخ‌ الصدوق‌ محمّد بن‌ عليّ بن‌ بابويه‌ القمّيّ في‌ كتابه‌ «الاماليّ» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌:

 إذا مات‌ المؤمن‌ شيّعه‌ سبعون‌ ألف‌ مَلَك‌ إلی‌ قبره‌، فإذا أدخل‌ قبره‌ أتاه‌ منكر و نكير فيقعدانه‌ و يقولان‌ له‌: مَنْ رَبُّكَ؟ وَ مَا دِينُكَ؟ وَ مَنْ نَبِيُّكَ؟ فيقول‌: ربّي‌ الله‌ و محمّد نبيي‌ّ و الإسلام‌ ديني‌.فيفسحان له‌ في‌ قبره‌ مدّ بصره‌ و يأتيانه‌ بالطعام‌ من‌ الجنّة‌ ويُدخلان‌ عليه‌ الرَوح‌ و الرَيحان‌، وذلك‌ قوله‌ عزّوجل‌: «فَأَمَّآ إن‌ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحَانٌ»، يعني‌ في‌ قبره‌، «وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ» يعني‌ في‌ الآخرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

لو رُدّ الكافر إلی‌ الدنيا، لعاد لما نُهي‌ عنه‌

 ثمّ قال‌ عليه‌ السلام‌: إذا مات‌ الكافر شيّعة‌ سبعون‌ ألفاً من‌ الزبانيّة‌ إلی‌ قبره‌، و إنـّه‌ ليناشد حامليه‌ بصوتٍ يسمعه‌ كلُّ شي‌ء إلاّ الثقلان‌ و يقول‌ لو أن‌ لي‌ كرّةً فأكون‌ من‌ المؤمنين‌، و يقول‌: «رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعلی´ أَعْمَلُ صَـ'لِحًا فِيمَا تَرَكْتُ»[4]، فتجيبه‌ الزبانية‌: كَـلاَّ إنَّهَا كَلِمَةٌ أَنْتَ قَائِلُهُا. [5]

 و يناديهم‌ مَلَك‌: لَوْ رُدَّ لَعَادَ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ.

 فإذا أُدخل‌ في‌ قبره‌ و فارقه‌ الناس‌ أتاه‌ منكر و نكير في‌ أهول‌ صورة‌، فيُقيمانه‌ ثمّ يقولان‌ له‌: مَنْ رَبُّكَ؟ وَ مَا دِينُكَ؟ وَ مَنْ نَبِيُّكَ؟

 فيتلجلج‌ لسانه‌ و لا يقدر علی الجواب‌، فيضربانه‌ ضربةً من‌ عذاب‌ الله‌ يذعر لها كلّ شي‌ء، ثمّ يقولان‌ له‌: من‌ ربّك‌، و ما دينك‌، و من‌ نبيّك‌؟ فيقول‌: لا أدري‌! فيقولان‌ له‌: لاَ دَرَيْتَ وَ لاَ هُدِيْتَ وَ لاَ أَفْلَحْتَ. [6]

 ثمّ يفتحان‌ له‌ باباً إلی‌ النار و ينزلان‌ إليه‌ الحميم‌ من‌ جهنّم‌، وذلك‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: «وَ أَمَّآ إن‌ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ» يعني‌ في‌ الآخرة‌.[7]

 روي‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ المجلسيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ عن‌ كتاب‌ «كشف‌ اليقين‌» للعلاّمة‌ الحلّيّ رحمة‌ الله‌ عليه‌، عن‌ تفسير الحافظ‌ محمّد بن‌ مؤمن‌ الشيرازيّ، بسنده‌ مرفوعاً قال‌: أقبل‌ صخر بن‌ حرب‌ (أبوسفيان‌) حتّي‌ جلس‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ فقال‌: يا محمّد هذا الامر لنا بعدك‌ أم‌ لمن‌؟ قال‌: يا صخر الامر بعدي‌ لمن‌ هو منّي‌ بمنزلة‌ هارون‌ من‌ موسي‌، فأنزل‌ الله‌ تعإلی‌ «عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ» يعني‌ يسألك‌ أهلُ مكّة‌ عن‌ خلافة‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ «عَنِ النَّبَأَ الْعَظِيمِ الَّذِي‌ هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» منهم‌ المصّدق‌ بولايته‌ وخلافته‌ و منهم‌ المكذّب‌ «كَلاَّ» و ردّ عليهم‌ «سَيَعْلَمُونَ» سيعرفون‌ خلافته‌ بعدك‌ إنّها حقّ يكون‌ «ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ» سيعرفون‌ خلافته‌ وولايته‌ إذ يُسألون‌ عنها في‌ قبورهم، فلا يبقي‌ ميّت‌ في‌ شرق‌ ولاغرب‌ و لا في‌ برّ ولا في‌ بحر إلاّ و منكر و نكير يسألانه‌ عن‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ بعد الموت‌، يقولان‌ للميّت‌: مَنْ رَبُّكَ؟ وَ مَا دِينُكَ؟ وَ مَنْ نَبِيُّكَ؟ وَ مَنْ إمَامُكَ. [8]

 و هناك‌ تتمّة‌ للرواية‌ التي‌ نقلناها في‌ المجلس‌ الحادي‌ عشر عن‌ أحد الكتب‌ الاربعة‌ في‌ شأن‌ السؤال‌ في‌ عالم‌ القبر واستجواب‌ منكر و نكير. فقد كانت‌ في‌ رواية‌ «العيّاشيّ» و «الكافي‌» التي‌ ينقلانها بسندهما المتّصل‌ عن‌ جابر، تتمّة‌ في‌ ذيلها نوردها هنا مجدّداً للمناسبة‌:

 الرجوع الي الفهرس

إحساس‌ الحيوانات‌ بعنف‌ قبض‌ روح‌ الظالمين‌

 قال‌ جابر: قال‌ أبوجعفر ] الباقر [ عليه‌ السلام‌: قال‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ و آله‌: إنّي‌ كنتُ أنظرُ إلی‌ الإبلِ و الغنمِ و أنا أرعاها، و ليسَ مِن‌ نَبي‌ّ إلاّ و قد رعي‌ الغنَم‌، و كُنتُ أنظُر إليها قبلَ النبوّة‌ وهي‌ متمكّنة‌ في‌ المكينة‌ ما حَوْلها شي‌ءٌ يهيّجها، حتّي‌ تذعُر وتطيرُ، فأقول‌: ما هذا؟ و أعجبُ، حتّي‌ حدّثني‌ جبرئيلُ عليه‌السّلامُ أنّ الكافرَ يُضربُ ضَرْبةً ما خلقَ اللَهُ شَيئاً إلاّ سمعها ويذعرُ لها إلاّ الثقلين‌، فقلتُ:

 ذلك‌ لضربة‌ الكافرِ فنعوذُ باللَهِ من‌ عذابِ القبرِ.[9]

 و ترون‌ أحياناً أنّ الكلاب‌ تبدأ بالنباح‌ فجأة‌، و أنّ الطيور تصخب‌، والديكة‌ تصيح‌، و الخيول‌ تصهل‌؛ و ذلك‌ لارتباطها الكبير بعالم‌ الصورة‌ والمثال‌. فهي‌ لا ترتبط‌ بصورة‌ الإنسان‌ الواقعيّة‌، التي‌ هي‌ مقام‌ تجلّي‌ النفس‌ و الروح‌، بل‌ ترتبط‌ بالإنسان‌ في‌ عالم‌ الخيال‌.

 يقول‌ الملائكة‌: لقد جاء بك‌ الله‌ إلی‌ الدنيا و سخّر لك‌ الشمس‌ والقمر و الليل‌ و النهار، و خلق‌ ما علی الارض‌ لاجلك‌، ثمّ قضيتَ عمرك‌، فما الذي‌ جئتَ به‌ معك‌؟

 لقد وردتَ الدنيا بالفطرة‌ الإلـ'هيّة‌، فلِمَ خرجتَ منها أعمي‌؟ أي‌ّ غفلةٍ أعقبت‌ لك‌ هذه‌ الحياة‌ الشاقّة‌ التي‌ ترزح‌ تحتها؟

 وَ مَنْ أَعْرَضَ عَن‌ ذِكْرِي‌ فَإنَّ لَهُ و مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ أَعْمَي‌'. [10]

 و قد ورد في‌ بعض‌ الروايات‌ أنّ المراد بالمعيشة‌ الضنك‌ عذاب‌ عالم‌ البرزخ‌.

 يقول‌ المجلسيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ ذيل‌ خبر مروي‌ّ عن‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ في‌ شأن‌ عذاب‌ القبر، عدّ فيه‌ المعيشة‌ الضنك‌ من‌ جملة‌ أنواع‌ ذلك‌ العذاب‌.

 قال‌: هذا الخبر يدلّ علی أنّ المراد بالمعيشة‌ الضنك‌ في‌الآية‌ هو عذاب‌ القبر، و يؤيّده‌ ذكر القيامة‌ بعدها، و إليه‌ ذهب‌ كثير من‌ المفسّرين‌، ولا يجوز أن‌ يُراد بها سوء الحال‌ في‌ الدنيا، لانّ كثيراً من‌ الكفّار في‌ الدنيا في‌ معيشة‌ طيّبة‌ هنيئة‌، و المؤمنين‌ علی العكس‌ من‌ ذلك‌. [11]

 كما قال‌ ] الطبرسيّ [ في‌ «مجمع‌ البيان‌»: و قيل‌ هو (أي‌ المعيشة‌ الضنك‌) عذاب‌ القبر، عن‌ ابن‌ مسعود و أبي‌ سعيد الخدريّ و السدّيّ. و رواه‌ أبوهريرة‌ مرفوعاً. [12]

 و يذكر الشيخ‌ الطوسيّ في‌ «الامالي‌» رسالة‌ كتبها الإمام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لاهل‌ مصر و أرسلها مع‌ محمّد بن‌ أبي‌بكر، و هي‌ رسالة‌ مفصّلة‌ و حاوية‌ لمطالب‌ قيّمة‌ في‌ التعليم‌ والتوعية‌ و الوعظ‌، و قد ورد فيها الكلام‌ عن‌ الموت‌ و عواقبه‌ مفصّلاً، إلی‌ أن‌ ذكر لهم‌ عليه‌ السلام‌:

 وَ إِنَّ الْمَعِيشَةَ الضَّنْكَ الَّتِّي‌ حَذَّرَ اللَهُ مِنْهَا عَدُوَّهُ عَذَابُ الْقَبْرِ. [13]

 الرجوع الي الفهرس

لا وجود للتفكير المصلحيّ و المنافع‌ الشخصيّة‌ في‌ البرزخ‌

 و الخلاصة‌، فقد يستطيع‌ امرؤ أن‌ يتجنّب‌ الإجابة‌ الصحيحة‌ ويُعرض‌ عن‌ حقيقة‌ الامر صفحاً، و يلجأ إلی‌ الكذب‌ و الافتراء، إذا ما كانت‌ الجهات‌ المختلفة‌ من‌ القوي‌ الطبيعيّة‌ و الاختيار قد بقيت‌ لديه‌، و إذا ما لجأ إلی‌ الكذب‌ علی أساس‌ التفكير المصلحيّ فراراً من‌ العقاب‌ أو الفضيحة‌.

 ولكن‌ هيهات‌؟ فالشخص‌ الميّت‌ الذي‌ فقد هذه‌ الجهات‌ بموته‌، والذي‌ سُلب‌ منه‌ الاختيار، لن‌ يكون‌ بميسوره‌ التخلّف‌ عن‌ إظهار متن‌ الواقع‌ و الحقيقة‌، و سينطق‌ بالصدق‌ و الحقّ ويصدع‌ به‌ جبلّة‌ و اضطراراً.

 إنّ البعض‌ يصدُقون‌ حال‌ سُكرهم‌ فيبيّنون‌ حقائق‌ الاُمور الواقعة‌ بلازيادة‌ أو نقصان‌، فإن‌ كانت‌ فطرتهم‌ سليمة‌ نزيهة‌ وعقيدتهم‌ ثابتة‌ راسخة‌، فإنّهم‌ سيقومون‌ حال‌ السكر أيضاً بالثناء علی الله‌ و علی النبي‌ّ والإمام‌ و الإسلام‌؛ أمّا إذا كانت‌ عقيدتهم‌ منحرفة‌ و ضمائرهم‌ فاسدة، فإنـّهم‌ سيتكلّمون‌ بالسوء حال‌ سكرهم‌ علی الله‌ و الكائنات‌ و الإمام‌ و النبي‌ّ وسيقذفوهم‌ بأقذع‌ الاقوال‌. علی الرغم‌ من‌ أنّ هذين‌ الصنفين‌ من‌ السكاري‌ يقفان‌ حال‌ الوعي‌ في‌ صفٍّ واحد، و يتكلّمان‌ بنمط‌ واحد بسبب‌ مراعاة‌ الظاهر. لكنّ هذا الاختلاف‌ في‌ الزاوية‌ قد نشأ إثر السكر و إثر فقدان‌ الاختيار، و إثر ظهور الحقائق‌ و تجلّيها.

 كما أنّ الإنسان‌ غالباً ما يعمل‌ في‌ نومه‌ وفق‌ رغباته‌ الباطنيّة‌، مع‌ أنـّه‌ لايفعل‌ ذلك‌ حال‌ صحوه‌ و انتباهة‌.

 و لذا فقد قال‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ بأنّ النَّوْمُ وَالْمَوْتُ مِنْ مَقُولَةٍ وَاحِدَةٍ.

 إنّ محادثات‌ الملائكة‌ مع‌ الشخص‌ المحتَضَر عند النزع‌ والمتوّفي‌ عند التشييع‌ والتكفين‌ والتغسيل‌ و الدفن‌،و في‌ أوّل‌ ليلة‌ في‌ القبر و علی مدي‌ عالم‌ البرزخ‌، تحصل‌ بأجمعها مع‌ الروح‌ الملكوتيّة‌ لذلك‌ المتوفّي‌، لذا لا يطّلع‌ عليها الآخرون‌ الذين‌ لم‌ تُفتح‌ بصائرهم‌ بعدُ علی الملكوت‌، فلايدركون‌ تلك‌ المكالمات‌ والمحادثات‌.

 يقول‌ المرحوم‌ جمال‌ الحقّ و آية‌ الله‌ العظمي‌ السيّد جمال‌ الدين‌ الگلبايگانيّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ ـ و هو أحد أساتذتنا في‌الاخلاق‌ ـ:

 ذهبتُ يوماً إلی‌ وادي‌ السلام‌ لزيارة‌ أهل‌ القبور في‌ النجف‌ الاشرف‌، و كان‌ الجوّ حاراً، فجلستُ بعد أداء فريضة‌ الظهر وسط‌ الوادي‌ تحت‌ سقف‌ ظليل‌ ذي‌ أربع‌ طاقات‌ ـ و كان‌ المرحوم‌ السيّد جمال‌ الدين‌ كثيراً ما يذهب‌ إلی‌ وادي‌ السلام‌ فيجلس‌ و يتأخرّ، وكنّا نظنّ أنّ له‌ اتّصالاً بالارواح‌ الطيّبة‌، و أنّ تبادلاً كان‌ يحصل‌ بينه‌ و بينهم‌، قال‌: ما إن‌ جلستُ و أشعلتُ سيجارتي‌ لاستريح‌ هنيئة‌، حتّي‌ شاهدتُ مجموعة‌ من‌ الارواح‌ و قد جاءوا صوبي‌ وهم‌ علی أسوأ حال‌، ملابسهم‌ متهرّئة‌ و قذرة‌ و ملوّثة‌، و كانوا يضرعون‌: أيّها السيّد، تعال‌ و أغثنا و اشفع‌ لنا؟ و كانت‌ هذه‌ الارواح‌ متعلّقة‌ بالقبور التي‌ كنتُ أجلس‌ بينها، و كانوا بأجمعهم‌ من‌ شيوخ‌ العرب‌ و كبارهم‌، و كان‌ لهم‌ في‌ دنياهم‌ نخوة‌ و تكبّر وجاه‌ و اعتبار، و كانوا يلحّون‌ في‌ توسّلهم‌ وضراعتهم‌ و يلوذون‌ بي‌.

 فرددتُهم‌ جميعاً و قد تكدّر خاطري‌ و قلتُ: يا من‌ جانبتم‌ الإنصاف‌ والعدل‌، لقد عشتم‌ في‌ الدنيا فأكلتم‌ أموال‌ الناس‌ ظلماً و ارتكبتم‌ الجرائم‌ والجنايات‌، و سلبتم‌ حقّ الضعيف‌ و اليتيم‌ و كلّ من‌ لا ملجأ له‌ و لا سند؛ و كنّا مهما صرخنا بكم‌ أعرتمونا آذاناً صمّاء. و ها أنتم‌ تأتون‌ و تقولون‌: اشفع‌ لنا! فاذهبوا و اعزبوا عن‌ وجهي‌!

 طردتُهم‌ جميعاً فتفرّقوا طرائق‌ قدداً.

 إلاّ أنّه‌ كان‌ يشفع‌ للبعض‌ بعد تأديبهم‌ في‌ عالم‌ البرزخ‌، إن‌ كانوا من‌ أهل‌  الإیمان حقّاً، و كان‌ عذاب‌ البرزخ‌ لم‌ يصفّهم‌ وينقِّهم‌ بعدُ من‌ التبعات‌.

 الرجوع الي الفهرس

مواعظ‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ القاضي‌ للمرحوم‌ الآمليّ

 و لقد نقل‌ الكثير من‌ تلامذة‌ المرحوم‌ آية‌ الحقّ، آية‌ الله‌ العظمي‌ الحاج‌ الميرزا عليّ القاضي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ أنـّه‌ كان‌ كثيراً ما يذهب‌ إلی‌ وادي‌ السلام‌ في‌ النجف‌ لزيارة‌ أهل‌ القبور، و كانت‌ زيارته‌ تستغرق‌ ساعتين‌ أو ثلاثاً أو أربع‌ ساعات‌ و كان‌ يجلس‌ في‌ زاويةٍ ما ساكتاً، حتي‌ يملّ تلامذته‌ فيعودون‌ و يقولون‌ في‌ أنفسهم‌: إنّ للاُستاذ عوالمه‌ التي‌ تجعله‌ يجلس‌ ساكناً هكذا لا يملّ و لايكلّ! و كان‌ هناك‌ عالِم‌ جليل‌ و متّقٍ في‌ طهران‌، هو المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ محمّد تقي‌ آلآمليّ رحمة‌ الله‌ عليه‌، و كان‌ امرءاً حسناً حقّاً، و هو من‌ تلامذة‌ الدورة‌ الاُولي‌ للمرحوم‌ القاضي‌ في‌ الاخلاق‌ و العرفان‌.

 و قد نُقل‌ عنه‌ أنـّه‌ قال‌: كنت‌ أُشاهد لمدّةٍ أنّ المرحوم‌ القاضي‌ كان‌ يجلس‌ في‌ وادي‌ السلام‌ ساعتين‌ أو ثلاثاً، و كنتُ أقول‌ في‌ نفسي‌: علی الإنسان‌ أن‌ يزور و يدخل‌ السرور بقراءة‌ الفاتحة‌ علی أرواح‌ الموتي‌ ثمّ ينصرف‌، فهناك‌ أعمال‌ أكثر أهميّة‌ و ضرورة‌ ينبغي‌ فعلها.

 كان‌ هذا الإشكال‌ يعتمل‌ في‌ قلبي‌، إلاّ أنـّني‌ لم‌ أظهره‌ لاحد، حتّي‌ لاقرب‌ و أخلص‌ رفقائي‌ من‌ تلامذة‌ الاُستاذ.

 و مرّت‌ مدّة‌ كنتُ أذهب‌ خلالها إلی‌ الاُستاذ للاءفادة‌ من‌ محضره‌، ثمّ صممتُ علی العودة‌ من‌ النجف‌ الاشرف‌ إلی‌ إيران‌، إلاّ أنـّني‌ كنت‌ متردّداً في‌ مدي‌ صلاح‌ هذا السفر، و كانت‌ هذه‌ النيّة‌ تعتمل‌ في‌ ذهني‌ أيضاً، و لم‌ يكن‌ لاحد علم‌ بها. حتّي‌ جاءت‌ ليلة‌، و كنت‌ أريد النوم‌. و كان‌ في‌ الغرفة‌ التي‌ كنت‌ فيها رفّ للكتب‌ إلی‌ الاسفل‌ من‌ قدمّي، يضمّ كتباً علميّة‌ ودينيّة‌. و بالطبع‌ فقد كانت‌ أقدامي‌ ستتّجه‌ عند النوم‌ تجاه‌ تلك‌ الكتب‌، فقلتُ في‌ نفسي‌: هل‌ أنهض‌ و أغيّر محلّ نومي‌ أم‌ أنّ ذلك‌ ليس‌ ضروريّاً، فالكتب‌ ليست‌ مقابل‌ قدمي‌ تماماً، و هي‌ أعلی من‌ مستوي‌ قدمي‌ّ، فلايتحقق‌ هتك‌، لاحترام‌ الكتب‌.

 و هكذا بقيتُ في‌ تردّدي‌ و حديثي‌ مع‌ نفسي‌، ثمّ إنـّني‌ اعتبرت‌ أن‌ لاهتك‌ هناك‌ فنمتُ علی تلك‌ الحال‌.

 و حلّ الصباح‌ فذهبتُ إلی‌ محضر الاُستاذ المرحوم‌ القاضي‌ وسلّمتُ فردّ: عليكم‌ السلام‌، ليس‌ في‌ صلاحكم‌ أن‌ تذهبوا إلی‌ إيران‌، كما أنّ مدّ الارجل‌ تجاه‌ الكتب‌ هتك‌ للاحترام‌.

 فقلتُ مأخوذاً دون‌ شُعور: من‌ أين‌ عرفتم‌ أيـّها السيّد؟! من‌ أين‌ عرفتم‌؟!

 قال‌: عرفته‌ من‌ وادي‌ السلام‌!

 روي‌ المرحوم‌ الكلينيّ في‌ كتاب‌ «الكافي‌»، عن‌ علی بن‌ إبراهيم‌، عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ يونس‌، عن‌ عمرو بن‌ شمر، عن‌ جابر قال‌: قال‌ علی بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌: ما ندري‌ كيفَ نصنعُ بالناسِ، إن‌ حدّثنا بما سَمعنا من‌ رسولِ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ ضَحكوا، و إن‌ سكتنا لم‌ يسعنا.

 قال‌: فقال‌ ضمرة‌ بن‌ معيد (سعيد خ‌ ل‌): حدِّثْنَا!

 فقال‌: هَلْ تدرونَ ما يقولُ عدوُّ الله‌ إذا حُمِلَ علی سريره‌؟

 قال‌: فقلنا: لا!

 قال‌: فإنـّه‌ يقول‌ لِحَمَلَتِهِ: أَلا تسمعون‌ إنـّي‌ أشكو إليكم‌ عَدُوَّالله‌ خَدَعني‌ و أوردني‌ ثمّ لم‌ يُصْدِرْنِي‌، و أشكو إليكم‌ إخواناً وَ اخَيْتُهُمْ فَخَذَلُوني‌، و أشكو إليكم‌ أولاداً حَامَيْتُ عنهم‌ فخذلوني‌، وأَشكو إليكم‌ داراً أنفقتُ فيها حَرِيبَتِي‌ فصارَ سكّانُها غَيْري‌، فارفقوا بي‌ و لا تستعجلوا!

 قال‌: فقال‌ ضمرة‌: يا أبا الحسن‌! إن‌ كان‌ هذا ليتكلّم‌ بهذا الكلام‌ يوشك‌ أن‌ يثبَ علی أعناقِ الَّذينَ يحملونه‌؟

 قال‌: فقال‌ علی بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌: اللهم‌ إن‌ كان‌ ضمرةُ هَزَأَ من‌ حديثِ رسولِ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ فخُذهُ أخذةَ أسف‌.

 قال‌: فمكث‌ أربعين‌ يوماً ثمّ مات‌، فحضره‌ مولي‌ له‌.

 قال‌: فلمّا دُفن‌ أتي‌ علی بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌ فجلس‌ إليه‌ فقال‌ له‌: من‌ أين‌ أتيتَ يا فلان‌؟ قال‌: مِنْ جنازةِ ضمرة‌، فوضعتُ وجهي‌ عليه‌ حين‌ سُوِّي‌َ عليه‌ فسمعتُ صوتَهُ واللَهِ أعرفُه‌ كما كنتُ أعرفه‌ و هو حَي‌ُّ يقول‌: وَيْلَكَ يا ضمرة‌ بن‌ معيد، اليوم‌ خَذَلَكَ كُلُّ خليلٍ و صار مصيرُك‌ إلی‌ الجحيم‌ فيها مسكُنك‌ و بيتُك‌ و المقيلُ. قال‌: فقال‌ علی بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌: أَسْأَلُ اللهَ العافيةَ. هذا جزاءُ مَنْ يَهزأْ مِنْ حديثِ رسولِ اللَهِ صلّي‌الله‌ عليه‌ و آله‌. [14]

 الرجوع الي الفهرس

رحلة‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد و تشييع‌ رسول‌ الله‌ لها و تكفينه‌ لها بأحد ثيابه‌

 و يروي‌ محمّد بن‌ الحسن‌ الصفّار في‌ كتاب‌ «بصائر الدرجات‌» [15] ـ وهو من‌ كتب‌ الشيعة‌ النفيسة‌ و من‌ الاصول‌ المعتمدة‌ للمؤلّفين‌، يتقدّم‌ مؤلّفة‌ زمناً علی الكلينيّ و الصدوق‌، وهو من‌ مشايخ‌ الصدوق‌ في‌ الإجازة‌، و كان‌ قد أدرك‌ زمن‌ الإمام‌ الحسن‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌ و روي‌ عنه‌، وكانت‌ سنة‌ مائتين‌ وتسعين‌ للهجرة‌ ـ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ إبراهيم‌ بن‌ هاشم‌، عن‌ علیبن‌ أسباط‌، عن‌ بكر بن‌ جناح‌، عن‌ رجل‌ آخر، عن‌ الإمام‌الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: لمّا ماتت‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد أمّ أميرالمؤمنين‌، جاء عليّ إلی‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌، فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌: يا أبا الحسن‌ ما لك‌؟

 قال‌: أمّي‌ ماتت‌.

 فقال‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌: و أمّي‌ والله‌، ثمّ بكي‌ و قال‌: وَا أُمَّاهُ، ثمّ قال‌ لعلی عليه‌ السلام‌: هذا قميصي‌ فكفّنها فيه‌، و هذا ردائي‌ فكفّنها فيه‌، فإذا فرغتم‌ فآذنوني‌. فلمّا أُخرجتْ صلّي‌ عليها النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ صلاةً لمْ يصلِّ قبلها و لا بعدها علی أحدٍ مثلَها، ثمّ نزل‌ علی قبرها فاضطجع‌ فيه‌، ثمّ قال‌ لها: يَا فَاطِمَةُ!

 قالت‌: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَهِ!

 فقال‌: فهل‌ وجدتِ ما وعد ربُّك‌ حقّاً؟

 قالت‌: نعم‌، فجزاك‌ الله‌ خير جزاء.

 و طالت‌ مناجاتُه‌ في‌ القبر، فلمّا خرج‌ قيل‌: يا رسول‌ الله‌ لقد صنعتَ بها شيئاً في‌ تكفينِكَ إيّاها ثيابك‌، و دخولِكَ في‌ قبرها، وطولِ مناجاتِكَ، وطولِ صلاتِكَ، ما رأيناك‌ صَنَعْتَهُ بأحدٍ قبلها!

 قال‌: أمّا تكفيني‌ إيّاها فإنّي‌ لمّا قلتُ لها: يُعرض‌ الناسُ يوم‌ يُحشرون‌ من‌ قبورهم‌، فصاحت‌ و قالت‌: وَا سَوْأَتَاهُ! فلبّستُها ثيابي‌ و سألتُ الله‌ في‌ صلاتي‌ عليها أن‌ لا يُبلي‌ أكفانها حتّي‌ تدخل‌ الجنّة‌، فأجابني‌ إلی‌ ذلك‌؛ وأمّا دخولي‌ في‌ قبرها فإنّي‌ قلتُ لها يوماً: إنّ الميّتَ إذا أُدخل‌ قبره‌ وانصرف‌ الناسُ عنه‌ دخل‌ عليه‌ ملكان‌: مُنكر و نكير يسألانه‌، فقالت‌: وَاغَوْثَاهُ بِاللَهِ، فمازلتُ أسأل‌ ربّي‌ في‌ قبرها حتّي‌ فُتح‌ لها بابٌ من‌ قبرها إلی‌ الجنّة‌ فصار روضةً من‌ رياض‌ الجنّة‌.[16]

 و قد أورد العلاّمة‌ المجلسيّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «بحار الانوار»، [17] كما روي‌ مضمونها مفصّلاً عن‌ كتابي‌ «فضائل‌ ابن‌ شاذان‌» وكتاب‌ «الروضة‌» و هو كتاب‌ في‌ فضائل‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. [18]

 و فاطمة‌ بنت‌ أسد من‌ أعلام‌ النساء المسلمات‌، و كان‌ لها محبّة‌ زائدة‌ لرسول‌ الله‌، و كانت‌ أوّل‌ امرأة‌ تبعت‌ النبي‌ّ في‌ الهجرة‌ إلی‌ المدينة‌، و قد وردت‌ المدينة‌ في‌ غاية‌ المشقّة‌ و العسر بينما كان‌ رسول‌ الله‌ لايزال‌ في‌ مسجد قبا.

 و كانت‌ أقدامها قد تورّمت‌ و ملئت‌ جراحات‌ و فقاقيعاً، فأمر رسول‌الله‌ أن‌ تخلد للراحة‌، و قدمت‌ عليها نساء المدينة‌ لمعالجة‌ قدميها.

 و قبر فاطمة‌ بنت‌ أسد في‌ البقيع‌ مقابل‌ قبور الائمّة‌ الاربعة‌ عليهم‌السلام‌، و ينبغي‌ الدعاء و التوسّل‌ عند (قبرها) للمنزلة‌ الرفيعة‌ التي‌ تحظي‌ بها أمّ أميرالمؤمنين‌ عند الله‌ سبحانه‌.

 الرجوع الي الفهرس

صدقات‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ فاطمة‌ بنت‌ أسد و خديجة‌ بنت‌ خويلد

 و كان‌ رسول‌ الله‌ يدعو لفاطمة‌ بنت‌ أسد و يستغفر لها، كما كان‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ يتصدّق‌ كذلك‌ عن‌ خديجة‌ بعد ارتحالها عن‌ دار الدنيا،
 و كان‌ يذبح‌ الشاة‌ فيُطعمها للفقراء مع‌ أنـّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ كان‌ أقلّ عمراً من‌ خديجة‌ بخمس‌ عشرة‌ سنة‌. و كانت‌ عائشة‌ تعترض‌ عليه‌ أن‌: لماذا تذكر إلی‌ هذا الحدّ امرأةً من‌ قريش‌ رحلت‌ عن‌ الدنيا و مرّ علی وفاتها سنين‌، و تهب‌ الذبائح‌ لاجلها؟

 فيقول‌: أتعلمين‌ أي‌َ امرأةٍ كانت‌؟ أنـّي‌ لي‌ نسيانها! لقد ساندتني‌ حين‌ تركني‌ الناس‌، و آمنت‌ بي‌ حين‌ أشرك‌ الناس‌ و رفضوا دعوتي‌، وكانت‌ معي‌ في‌ المشاكل‌ خطوةً بعد خطوة‌!

 و في‌ السنة‌ العاشرة‌ من‌ المبعث‌ رحل‌ أبوطالب‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ الدنيا في‌ أواخر شهر رجب‌، ثمّ لحقته‌ خديجة‌ بعد ثلاثين‌ يوماً أو خمس‌ وثلاثين‌؛ فغمر الحزنُ النبي‌ّ الاكرم‌ في‌ تلك‌ السنة‌، فلم‌ يكن‌ ليخرج‌ من‌ داره‌. و سُمّي‌ ذلك‌ العام‌ بعام‌ الحزن‌، و كان‌ مروره‌ علی رسول‌ الله‌ عسيراً شديد الوطأة‌ حقّاً. و لم‌ يكن‌ لفاطمة‌ بنت‌ رسول‌ الله‌ من‌ خديجة‌ من‌ العمر آنذاك‌ الاّ خمس‌ سنوات‌، فترعرعت‌ فاطمة‌ بلا أمّ في‌ أحضان‌ رسول‌ الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

الاخبار الغيبيّة‌ لفاطمة‌ الزهراء سلام‌ الله‌ عليها، و الذين‌ صلّوا عليها

 ثمّ إنّ رسول‌ الله‌ هاجر إلی‌ المدينة‌ بعد ثلاث‌ سنوات‌، ثمّ ارتحل‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ بعد إقامته‌ في‌ المدينة‌ لعشر سنين‌، و لحقته‌ الزهراء عليها السلام‌. أي‌ أنّ الزهراء عاشت‌ دون‌ أمٍّ ثلاث‌ عشرة‌ سنة‌، و ترعرعت‌ في‌ رعاية‌ النبيّ و عواطفه‌، فكانت‌ روحُها روح‌ رسول‌ الله، و سرُّها سرّ رسول‌ الله‌؛ و كان‌ الملكوت‌ مشهوداً لديها، فكانت‌ تتكلّم‌ مع‌ الموتي‌، كما كانت‌ الملائكة‌ تحدّثها، فدُعيت‌ لذلك‌ بـ (المحَدَّثَة‌). و كانت‌ تبيّن‌ لابيها من‌ أخبار الغيب‌ أحياناً، كما صارت‌ تبيّن‌ لاميرالمؤمنين‌ من‌ تلك‌ الاخبار.

 و لقد رحل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و فاطمة‌ عليها السلام‌ عالمة‌ حقّ العلم‌ كيف‌ يريد هؤلاء القوم‌ الفاسدون‌ قلب‌ أساس‌ الإسلام‌ وزعزعة‌ أُصوله‌ المسلّمة‌ متلبّسين‌ بلباس‌ اتّباع‌ الحقّ.

 كانت‌ فاطمة‌ بنت‌ رسول‌ الله‌ ترزح‌ بين‌ ضغطي‌ الباطن‌ و الظاهر، ثمّ رحلت‌ بعد مدّة‌ يسيرة‌ فكفّنت‌ و دُفنت‌ ليلاً حسب‌ وصيّتها فلم‌ يُعْلَمْ أحد من‌ الناس‌ لمراسم‌ التجهيز و الصلاة‌ و الدفن‌.

 و في‌ دجنّة‌ الليل‌ البهيم‌ كان‌ سبعة‌ نفر فقط‌ هم‌ الذين‌ صلّوا علی فاطمة‌!

 و كما يروي‌ الشيخ‌ الكشّي‌ عن‌ جبرائيل‌ بن‌ أحمد الفاريابيّ، عن‌ حسين‌ بن‌ خرذاذ، عن‌ ابن‌ فضّال‌، عن‌ ثعلبة‌ بن‌ ميمون‌، عن‌ زرارة‌، عن‌ الإمام‌ أبي‌ جعفر محمّد الباقر عليه‌ السلام‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌، عن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 ضَاقَتِ الاْرْضُ بِسَبْعَةٍ بِهِمْ تُرْزَقُونَ وَ بِهِمْ تُنْصَرُونَ وَ بِهِمْ تُمْطَرُونَ، منهم‌ سَلْمَانُ الْفَارِسي‌ُّ وَالْمِقْدَادُ وَ أَبُوذَرٍ وَ عَمَّارُ وَ حُذَيْفَةُ رَحْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِمْ، وَ كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: وَأَنَا إمَامُهُمْ وَ هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا علی' فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ.[19]

 و قد نقل‌ الشيخ‌ الحرّ العامليّ هذه‌ الرواية‌ في‌ رسالته‌ باسم‌ «مَعْرِفَةُ الصَّحَابَة‌» و كذلك‌ يروي‌ الشيخ‌ المفيد بسنده‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 خُلقت‌ الارض‌ لسبعة‌ بهم‌ تُرزقون‌... إلی‌ آخر الرواية‌ المذكورة‌؛ [20] إلاّأنّ الشيخ‌ الصدوق‌ ينقل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «الخصال‌»، ص‌ 360 و 361 بهذه‌ الكيفيّة‌:

 حدّثنا محمّد بن‌ عمير البغداديّ الحافظ‌ قال‌: حدّثني‌ أحمد بن‌ الحسن‌ بن‌ عبدالكريم‌ أبوعبدالله‌ قال‌: حدّثني‌ عتاب‌ يعني‌ ابن‌ صهيب‌ قال‌: حدّثنا عيسي‌ بن‌ عبدالله‌ العامريّ قال‌: حدّثني‌ أبي‌ عن‌ أبيه‌ عن‌ جدّه‌ عن‌ علی عليه‌ السلام‌ قال‌: خُلقت‌ الارضُ لسبعةٍ بهم‌ يُرزقونَ و بهم‌ يُمطرونَ وبهم‌ يُنصرونَ:

 أبوذرٍ، و سلمان‌، و المقداد، و عمّار، و حذيفة‌، و عبدالله‌ بن‌ مسعود. قال‌ عليٌّ عليه‌ السلام‌: و أنا إمامُهُمْ و هم‌ الَّذين‌ شَهِدُوا الصَّلاةَ علی فاطمةَ عليهاالسلام‌.

 لقد كان‌ لفاطمة‌ عليها السلام‌ ذلك‌ القدر من‌ الحزن‌ الطافح‌، إلاّ أنـّها لم‌ تُشرك‌ معها به‌ أحداً و لم‌ تبح‌ به‌ لاحد.

 و حين‌ وضعها أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ قبرها و أهال‌ عليها التراب‌، شرع‌ يبثّ همّه‌ و شجوه‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌:

 السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَهِ عَنِّي‌ وَ عَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي‌ جِوَارِكَ وَالسَّرِيعَةِ اللِّحَاقِ بِكَ؛ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي‌ وَ رَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي‌ إلاَّ أَنَّ لِي‌ فِي‌ التَّأَسِّي‌ بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَ فَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ.

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 وَ سَتُنَّبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ علی' هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هَذَا وَ لَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ وَ لَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذّكْرُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مَوَدِّعٍ لاَ قَالٍ وَ لاَ سَئمٍ فَإنْ أَنْصَرِفْ فَلاَ عَنْ مَلاَلَةٍ وَ إنْ أُقِمْ فَلاَ عنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَهُ الصَّابِرِينَ.[21]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 39، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[2] ـ الآية‌ 48، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[3] ـ الآية‌ 16، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[4] ـ الآيتان‌ 99 و 100، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[5] ـ هذه‌ الجملة‌ مقتبسة‌ من‌ الآية‌ 100، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌. «كلاّ إنـّها كلمة‌ هو قائلها».

[6] ـ و هو دعاءٌ بالسوء و لعن‌، بصيغة‌ الإثبات‌.

[7] ـ «الامالي‌» للصدوق‌، الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 174 و 175.

[8] ـ «بحار الانوار»، الطبعة‌ الحروفيّة‌، ج‌ 6، ص‌ 216.

[9] ـ «فروع‌ الكافي‌»، الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 63؛ و الطبعة‌ الحيدريّة‌، ج‌ 3، ص‌ 233.

[10] ـ الآية‌ 124، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[11] ـ «بحار الانوار»، ج‌ 6، ص‌ 215، الطبعة‌ الحيدريّة‌.

[12] ـ نفس‌ الموضع‌ من‌ كتاب‌ البحار.

[13] ـ «الامالي‌» للشيخ‌ الطوسيّ، طبع‌ النجف‌، المجلّد الاوّل‌، ص‌ 27.

[14] ـ «فروع‌ الكافي‌»، الطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 64؛ والطبعة‌ الحيدريّة‌ ج‌ 3، ص‌ 234 و 235.

[15] ـ كتاب‌ «بصائرالدرجات‌» موضوعه‌ فقط‌ روايات‌ في‌ فضائل‌ آل‌ محمّد والائمّة‌ ï ï عليهم‌ السلام‌، و هو كتاب‌ لا نظير له‌ في‌ طريقته‌، و يعدّ من‌ جهة‌ اعتباره‌ من‌ الكتب‌ المعروفة‌ والمشهورة‌.

[16] ـ «بصائر الدرجات‌»، الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 81.

[17] ـ «بحار الانوار»، ج‌ 6، ص‌ 232، الطبعة‌ الحيدريّة‌.

[18] ـ «بحار الانوار»، ج‌ 6، ص‌ 241، الطبعة‌ الحيدريّة‌.

[19] ـ «رجال‌ الكشّيّ» طبع‌ بمبئي‌، ص‌ 4، ضمن‌ ترجمة‌ سلمان‌ الفارسيّ.

[20] ـ «الاختصاص‌»، ص‌ 5.

[21] ـ «نهج‌ البلاغة‌» عبدة‌، طبع‌ مصر، باب‌ الخطب‌ ج‌ 1، ص‌ 417.

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com