بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد العاشر / القسم الثالث: اهل الجنة، تفسیر آیات فی شأن اهل الجنة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الجنّة‌ دار السلام‌

 إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي‌ جَنَّـ'تٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَـ'مٍ ءَامِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي‌ صُدُورِهِم‌ مِّن‌ غِلٍّ إِخْوَ ' نًا علی‌' سُرُرٍ مُّتَقَـ'بِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم‌ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ.[1]

 وعلی‌ هذا الاساس‌، فإنّ الجنّة‌ هي‌ محلّ السلام‌ والسلامة‌؛ أي‌ المحلّ الذي‌ لايعتري‌ الإنسان‌ فيه‌ مرض‌ أو فقر أو موت‌، ولا يواجهه‌ فيه‌ صعوبة‌ أو نقصان‌ في‌ بُعدٍ من‌ أبعاده‌ الوجوديّة‌.

 وَلَدَارُ الاْخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّـ'تُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ كَذَ ' لِكَ يَجْزِي‌ اللَهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّب'هُمُ الْمَلَـ'ئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـ'مٌ علیكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.[2]

 إِنَّ أَصْحَـ'بَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي‌ شُغُلٍ ( بربّهم‌ وبالموجودات‌ المجرّدة‌ الملكوتيّة‌ في‌ العالم‌ العلوي‌ّ ) فَـ'كِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَ ' جُهُمْ فِي‌ ظِلَـ'لٍ علی‌ الاْرَآئِِكِ مُتَّكِـُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَـ'كِهَةٌ وَلَهُم‌ مَّا يَدَّعُونَ * سَلَـ'مٌ قَوْلاً مِّن‌ رَّبٍّ رَّحِيمٍ.[3]

 ونشاهد في‌ هذه‌ الآية‌ الاخيرة‌ أنّ مقصود أصحاب‌ الجنّة‌ وغايتهم‌ هو سلام‌ الله‌ تعالي‌، لا نّهم‌ جعلوا الله‌ بُغيتهم‌ ومقصودهم‌ فطووا إليه‌ مراحل‌ السلوك‌، وساروا إلی اللقاء والحضور والعرفان‌، ويمّموا صوب‌ الفناء في‌ نهاية‌ المطاف‌ في‌ ذاته‌ القدسيّة‌ والبقاء ببقائه‌ وأبديّته‌ وخلوده‌؛ وها هم‌ قد بلغوا دار السلام‌، فصار ربّهم‌ وليّهم‌ ومدبّرهم‌.

 لَهُمْ دَارُ السَّلَـ'مِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُم‌ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [4]

 أجل‌، إنّ السلام‌ من‌ أسماء الله‌ تعالي‌، أي‌ أنّ له‌ عزّ وجلّ صفة‌ السلام‌، وأ نّه‌ تعالي‌ عارٍ عن‌ أيّ نقصان‌ أو حزن‌ أو خوف‌ أو عجز، ومنزّه‌ عن‌ أي‌ّ فتور أو عاهة‌ أو مرض‌. وهي‌ صفة‌ تُفاض‌ علی‌ المؤمن‌ فيتّصف‌ بصفة‌ السلام‌ ويسمّي‌ باسم‌ السلام‌.

 هُوَ اللَهُ الَّذِي‌ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَـ'مُ الْمُؤْمِنُ. [5]

 وقد ورد في‌ الدعاء: اللَهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ وَلَكَ السَّلاَمُ وَإلَيْكَ يَعُودُ السَّلاَمُ. [6]

 وبما أنّ المؤمن‌ قد اتّصف‌ بصفة‌ السلام‌ واسم‌ السلام‌، فجميع‌ آثار وخواصّ السلام‌ الموجودة‌ في‌ الله‌ تعالي‌ ستتجلّي‌ في‌ المؤمن‌، وسيحظي‌ من‌ ثَمّ بمقام‌ عالٍ ورفيع‌ حقّاً.

 وما أعظم‌ دين‌ الإسلام‌ المقدّس‌ وأمتنه‌ حين‌ جعل‌ السلام‌ تحيّة‌ المسلمين‌! السَّلاَمُ علیكُمْ. يعني‌: لكم‌ اسم‌ السلام‌ الخاصّ بالله‌. ويعني‌: اتّصفوا بهذا الإسلام‌ وتمتعوا بالسلامة‌ المطلقة‌ للباري‌ تعالي‌.

 فالسلام‌ ـإذَاًـ ليس‌ تحيّة‌ يُنشؤها المسلم‌ من‌ عند نفسه‌، فيُهديها إلی أخيه‌ المسلم‌؛ بل‌ هو دعاء وإنشاء طلب‌ من‌ الله‌ تعالي‌ ليمنّ بالسلام‌ علی‌ ذلك‌ الاخ‌ المسلم‌.

 كما أنّ صيغة‌ السَّلاَمُ علینَا وَعلی‌ عِبَادِ اللَهِ الصَّالِحِينَ هي‌ أيضاً دعاء يدعو به‌ المسلم‌، فيطلب‌ من‌ الله‌ السلام‌ والاتّصاف‌ بهذه‌ الصفة‌ لنفسه‌ ولعباد الله‌ الصالحين‌.

 أوَ لسنا محتاجين‌ لمثل‌ هذا المقام‌؟ فَلِمَ إذَاً نُحرم‌ من‌ مثل‌ هذا الدعاء؟

 قد يُخال‌ للبعض‌ أنّ السلام‌ نوع‌ من‌ أنواع‌ التحيّة‌ والمجاملة‌ الشكليّة‌، فلايذكر كلمة‌ « علینا »، ويكتفي‌ في‌ كتاباته‌ بعبارة‌: السَّلاَمُ علی‌ عِبَادِ اللَهِ الصَّالِحِينَ، وهو أمر ينطوي‌ علی‌ خطأ جلي‌ّ وصريح‌.

 ويتّضح‌ ممّا قيل‌ أنّ السلام‌ ليس‌ مجرّد كلام‌ وألفاظ‌ متبادلة‌، بل‌ هو حقيقة‌ وعالم‌ خاصّ. بَيدَ أنّ الدعاء للسلام‌ لمّا استلزم‌ الكلام‌، فصار يُخال‌ للعامّة‌ أنّ السلام‌ من‌ الكلام‌ والحديث‌. وشأن‌ السلام‌ شأن‌ الرحمة‌ والبركة‌ والعافية‌ التي‌ تمثّل‌ حقيقة‌ وعالماً خاصّاً، والتي‌ إذا ما شئنا الدعاء بها كما في‌ قولنا: رَحْمَةُ اللَهِ علیكُمْ، وَبَرَكَةُ اللَهِ لَكُمْ، وَعَافَاكُمُ اللَهُ لاستلزم‌ ذلك‌ الكلام‌ واستعمال‌ الالفاظ‌.

 وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَـ'ذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـ'نَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَـ'مٍ ذَ ' لِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم‌ مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. [7]

 فيتّضح‌ من‌ هذه‌ الآيات‌ أنّ ادْخُلُوهَا بِسَلَـ'مٍ لا يعني‌ أنّ الملائكة‌ يسلّمون‌ علیهم‌ لفظاً، بل‌ يعني‌ أنّ دخولهم‌ الجنّة‌ يتساوق‌ مع‌ السلام‌ والسلامة‌ والامن‌ من‌ كلّ نقص‌ وأذي‌.

 ويدلّ السلام‌ المشرّع‌ في‌ الإسلام‌ كتحيّة‌ ودعاء، علی‌ طلب‌ الشخص‌ السلامَ من‌ الله‌ للمسلَّم‌ علیه‌، وإخباره‌ بأنّ وجود مُلقي‌ السلام‌ سيتّصف‌ باسم‌ السلام‌، وأنّ ظهور هذا الاسم‌ فيه‌ سيصون‌ متلقّي‌ السلام‌ عن‌ أيّ أذي‌ وشرّ من‌ جانب‌ مُلقي‌ السلام‌.

 يضاف‌ إلی ذلك‌ أنّ السلام‌ معدود من‌ درجات‌ الطهر والطهارة‌، وقد سبق‌ أن‌ نوّهنا بأنّ أصحاب‌ الجنّة‌ مطهّرون‌ بأسرهم‌، وأنّ منازلهم‌ وأزواجهم‌ مطهّرة‌ أيضاً.

 الرجوع الي الفهرس

الجنّة‌ محلّ الاطهار

 أمّا بشأن‌ طهارة‌ أصحاب‌ الجنّة‌، فقد ورد في‌ الآية‌ الكريمة‌73، من‌ السورة‌39: الزمر:

 سَلَـ'مٌ علیكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَـ'لِدِينَ.

 حيث‌ يدلّ التفريع‌ بالفاء في‌ هذه‌ الآية‌ علی‌ طهارة‌ المنزِل‌ كدلالته‌ علی‌ طهارة‌ النازل‌ من‌ أصحاب‌ الجنّة‌.

 سَلَـ'مٌ علیكُم‌ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَي‌ الدَّارِ.[8]

 ويدلّ التفريع‌ بالفاء في‌ هذه‌ الآية‌ علی‌ طهارة‌ المنزلة‌ المسبّبة‌ عن‌ طهارة‌ النازل‌، تلك‌ المنزلة‌ التي‌ نالها إثر الصبر.

 وإضافة‌ إلی هذا الفارق‌ بين‌ الآيتين‌، فقد ورد السلام‌ في‌ الآية‌ الثانية‌ من‌ قِبل‌ الله‌ تعالي‌، وفي‌ مقام‌ الامتنان‌؛ أمّا في‌ الآية‌ الاُولي‌ فقد ورد من‌ قِبل‌ الملائكة‌ الذين‌ يتلقّون‌ أصحاب‌ الجنّة‌ الطيّبين‌ بالبشري‌.

 وأمّا بشأن‌ طهارة‌ منازل‌ أصحاب‌ الجنّة‌، فيدلّ علیه‌ قوله‌ تعالي‌ في‌ الآية‌12، من‌ السورة‌ 61: الصفّ: وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ وَمَسَـ'كِنَ طَيِّبَةً فِي‌ جَنَّـ'تِ عَدْنٍ.

 وأمّا بشأن‌ طهارة‌ أزواجهم‌، فبدلالة‌ الآية‌ 15، من‌ السورة‌3: آل‌عمران‌: قُلْ ( والخطاب‌ للنبي‌ّ ) أَؤُنَبِّئُكُم‌ بِخَيْرٍ مِّن‌ ذَ ' لِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـ'تٌ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَ ' جٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَ ' نٌ مِّنَ اللَهِ وَاللَهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ.

 ولا تنحصر الطهارة‌ والقداسة‌ في‌ الجنّة‌ في‌ الوجود والنفس‌ والمظاهر، بل‌ تسري‌ كذلك‌ في‌ الكلام‌ والقول‌، فيخلو كلام‌ أصحاب‌ الجنّة‌ من‌ كلّ لغو وإثم‌.

 لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلَـ'مًا سَلَـ'مًا.[9]

 لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ كِذَّ ' بًا. [10]

 فِي‌ جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَـ'غِيَةً. [11]

 ويمكن‌ أن‌ نعتبر أوسع‌ الآيات‌ شمولاً وجامعيّة‌ في‌ هذا الشأن‌، الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ علیكُمْ وَلآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ.

 وذلك‌ لانّ الخوف‌ ينشأ من‌ احتمال‌ وقوع‌ أمر سيّي‌، وأنّ الحزن‌ ينشأ من‌ أمر سيّي‌ واقع‌؛ وقد نفي‌ الله‌ عزّ وجلّ في‌ هذه‌ الآية‌ عن‌ أصحاب‌ الجنّة‌ كلّ نقصان‌ وجودي‌ّ، سواء النقصان‌ الواقع‌ أم‌ النقصان‌ المحتمل‌. وعلیه‌، فليس‌ في‌ أهل‌ الجنّة‌ أيّ عيب‌ أو نقص‌، وهم‌ منزّهون‌ عن‌ كلّ أمر عدمي‌ّ، وكاملون‌ في‌ كينونة‌ ذواتهم‌، كما لا يطرأ علی‌ الجنّة‌ شي‌ء من‌ منغّصات‌ الدنيا وعوامل‌ الفعل‌ والانفعال‌ التي‌ تستدعي‌ النقصان‌.

 ولقد نُفي‌ عن‌ أهل‌ الجنّة‌ جميع‌ أنحاء العيوب‌، وأُبعد عنهم‌ الغلّ والغشّ، ففازوا بالرحمة‌ الإلهيّة‌ وغشيان‌ الجذبات‌ الربّانيّة‌، وعاشوا في‌ أمن‌ وسلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

الإسلام‌ هو الدين‌ المرضي‌ّ في‌ الآخرة‌ لا غير

 ويمكننا أن‌ ندرك‌ من‌ خلال‌ ذلك‌ أنّ السلم‌ والمسالمة‌ والإسلام‌ والتسليم‌ هي‌ الحاكمة‌ هناك‌، وأنّ الإنكار والجحود والاستكبار أُمور منتفية‌ في‌ ذلك‌ العالم‌، وأن‌ ليس‌ من‌ سبيل‌ لمن‌ يتّصف‌ بهذه‌ الرذائل‌ لبلوغ‌ ذلك‌ العالَم‌، وأنّ الدين‌ المرضيّ هناك‌ هو دين‌ الإسلام‌، دين‌ التسليم‌ والسلامة‌، وأنّ من‌ ينتحل‌ لنفسه‌ ديناً سواه‌، سوف‌ لن‌ يُقبل‌ منه‌، سواءً كان‌ مذهباً سماوياً أم‌ وضعيّاً.

 إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَهِ الإسْلَـ'مُ. [12]

 وَمَن‌ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَـ'مِ دِينًا فَلَن‌ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي‌ الاْخِرَةِ مِنَ الْخَـ'سِرِينَ[13].

 فاختيار الدين‌ ليس‌ بما تهوي‌ النفوس‌ وترغب‌، وليس‌ من‌ حقّ الإنسان‌ أن‌ يختار اليهوديّة‌ أو النصرانيّة‌ بعد أن‌ جاء دين‌ الإسلام‌ الناسخ‌ لجميع‌ الاديان‌ التي‌ سبقته‌؛ فالواجب‌ يحتّم‌ علی‌ الجميع‌ الاعتقاد بهذا الدين‌ الذي‌ هو أكمل‌ وأتمّ الشرائع‌، وإلاّ كانوا من‌ الخاسرين‌.

 وبغضّ النظر عمّا أصاب‌ دينَي‌ موسي‌ وعيسي‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیهما السلام‌ من‌ تحريف‌ المحرّفين‌ وتدخّل‌ أهواء حملتهما، وطروء التحريف‌ علی‌ التوراة‌ والإنجيل‌، فإنّ الاسلام‌ يعدّ متمّم‌ الشرائع‌ والصراط‌ المستقيم‌ الهادي‌ إلی الله‌ تعالي‌، والنهج‌ الاوحد إلی الحقيقة‌، كما يعد الواضع‌ لافضل‌ الخطط‌ والبرامج‌ الشاملة‌ لارقي‌ التعاليم‌ الهادفة‌ إلی إيصال‌ الكمالات‌ والقابليّات‌ البشريّة‌ إلی فعلیتها، وإلي‌ بلوغ‌ توحيد وعرفان‌ الحضرة‌ الاحديّة‌. ولذلك‌ فقد أضحي‌ ليس‌ من‌ الحكمة‌ اتّباع‌ السبل‌ الاُخري‌ الضعيفة‌ المنقطعة‌. وسيرحل‌ أتباع‌ تلكم‌ السبل‌ حين‌ يرحلون‌ عن‌ الدنيا ناقصين‌ لم‌يبلغوا بمراتب‌ قابليّاتهم‌ الوجوديّة‌ إلی ذروة‌ فعلیتها، ولم‌يتمكّنوا من‌ طي‌ّ طريق‌ التوحيد إلی غايته‌، وسيكونون‌ في‌ العاقبة‌ من‌ الاخسرين‌ أعمالاً، ذلك‌ الخسران‌ المبين‌ الناشي‌ من‌ النقصان‌ والاُمور العدميّة‌. وسيكون‌ أمثال‌ هؤلاء الافراد ناقصين‌ وحزاني‌ في‌ الآخرة‌ التي‌ هي‌ محلّ تجلّيات‌ النفس‌ وظهور عالم‌ التوحيد، حتّي‌ لو أنجزوا واجباتهم‌ المناطة‌ بهم‌ علی‌ أكمل‌ وجه‌.

 ومن‌ هنا فلا يُمكن‌ الاستفادة‌ من‌ آية‌:

 لاَ إِكْرَاهَ فِي‌ الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ[14]، بأنّ الناس‌ مختارون‌ في‌ اختيار الدين‌ والمذهب‌، لانّ هذه‌ الآية‌ في‌ صدد بيان‌ أنّ الدين‌ والعقيدة‌ هما أمر وجداني‌ّ، ولا يمكن‌ أن‌ يُكره‌ إنسان‌ علی‌ اعتناق‌ دين‌ معيّن‌؛ وما علی‌ البشر حين‌ يتبيّن‌ لهم‌ الرشد والسعادة‌ من‌ الغي‌ّ والضلال‌، إلاّ أن‌ يسيروا صوب‌ الكمال‌ والرشد.

 ولا يعني‌ ذلك‌ كون‌ الناس‌ مختارين‌ في‌ اختيار الدين‌، لانّ علیهم‌ ـبلحاظ‌ الظاهر والاحكام‌ الاجتماعيّة‌ والتعاليم‌ الاخلاقيّة‌ـ أن‌ يختاروا دين‌ الإسلام‌ حتماً؛ وهذا الاختيار والقبول‌ سيهيّئان‌ قلوبهم‌ تدريجيّاً لتقبّل‌ كمالات‌ الإسلام‌ المعنويّة‌.

 وخلاصة‌ القول‌ أنّ هذه‌ الآية‌ في‌ صدد الحكاية‌ عن‌ حالات‌ الناس‌ القلبيّة‌، وليست‌ في‌ مقام‌ الإنشاء ومنح‌ الاختيار في‌ عالم‌ الظاهر. ويشهد علی‌ هذا الامر، أنّ هناك‌ آيات‌ أُخري‌ تدلّ علی‌ أنّ الإسلام‌ وحده‌ هو الدين‌ المرضي‌ّ لدي‌ الله‌ تعالي‌، وأنّ أي‌ّ دين‌ ونهج‌ آخر لن‌ يحظي‌ بارتضائه‌ عزّ وجلّ، كالآيات‌ 68 إلی 73، من‌ السورة‌ 43: الزخرف‌.

 يَـ'عِبَادِ لاَ خَوْفٌ علیكُمُ الْيَوْمَ وَلآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُوا بِـَايَـ'تِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَ ' جُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ علیهِمْ بِصِحَافٍ مِّن‌ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنْفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي‌´ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَـ'كِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ.

 وقد وردت‌ كلمة‌ الإسلام‌ في‌ هذه‌ الآية‌ وفي‌ الآيتين‌ اللتين‌ سبقتاها تعبيراً عن‌ خصوص‌ الإسلام‌ المصطلح‌، وليس‌ بمعني‌ التسليم‌ الحقيقي‌ّ، وهذا هو معني‌ الإسلام‌ في‌ الاصطلاح‌ القرآنيّ، شأنه‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ الإيمان‌ الذي‌ يعني‌ خصوص‌ الإيمان‌ بالله‌ وبرسوله‌ ولا يعني‌ مطلق‌ الإيمان‌.

 ولذلك‌ فإنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ الكثيرة‌ التي‌ تجمع‌ علی‌ أنّ الجنّة‌ لمن‌ آمن‌ وعمل‌ صالحاً، كالآية‌ 82، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ'ئِكَ أَصْحَـ'بُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ.

 والآية‌ 40، من‌ السورة‌ 40: المؤمن‌: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن‌ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي‌' وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـ'ئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.

 هذه‌ الآيات‌ بكثرتها عائدة‌ إلی خصوص‌ المسلمين‌ والمؤمنين‌، لانّ المتبادر من‌ لفظ‌ المؤمن‌ في‌ عرف‌ الإسلام‌ وعرف‌ مسلمي‌ صدر الإسلام‌ هو خصوص‌ المؤمن‌ بالله‌ وبرسوله‌.

 ويماثل‌ تلك‌ الآيات‌، الآية‌ 2، من‌ السورة‌ 47: محمّد: وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ علی‌' مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن‌ رَّبِّهمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ.

 ونظير هذه‌ الآيات‌، الآيات‌ التي‌ تدعو أهل‌ الكتاب‌ إلی الإسلام‌ وإلي‌ الإيمان‌ برسول‌ الله‌ وبالقرآن‌، كالآية‌ 110، من‌ السورة‌ 3: آل‌عمران‌: وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَـ'بِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم‌.

 وكالآية‌ 65، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَـ'بِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاَدْخَلْنَـ'هُمْ جَنَّـ'تِ النَّعِيمِ.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ الاعتقاد بدين‌ النبي‌ّ موسي‌ أو بدين‌ النبي‌ّ عيسي‌ لو كان‌ كافياً، لما كان‌ لامر الله‌ أهلَ الكتاب‌ بالإسلام‌ وبالإيمان‌ بما نزّل‌ علی‌ محمّد من‌ معني‌، ولا للومه‌ إيّاهم‌ لقولهم‌ جزافاً بأنّ اليهوديّة‌ والنصرانيّة‌ تستتبعان‌ دخول‌ الجنّة‌، ولبيانه‌ بأنّ الإسلام‌ ( وهو تسليم‌ الوجهة‌ الباطنيّة‌ للّه‌ تعالي‌ ) والإحسان‌ هما السبب‌ الوحيد لثبات‌ الاجر عندالله‌، وللنجاة‌ من‌ كلّ خوف‌ وحُزن‌.

 وَقَالُوا لَن‌ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن‌ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـ'رَي‌' تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَـ'نَكُمْ إِن‌ كُنتُمْ صَـ'دِقِينَ * بَلَي‌' مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ و لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ و´ أَجْرُهُ و عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ علیهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.[15]

 الرجوع الي الفهرس

الجنّة‌ دار المؤمن‌ والمسلم‌

 ولدينا في‌ هذا المسار آيتان‌ قرآنيّتان‌ لهما دلالة‌ علی‌ عدم‌نفع‌ الإيمان‌ الظاهري‌ّ، وعلی‌ انتفاء أثر التسمّي‌ بالإسلام‌ والإيمان‌، وعلی‌ أنّ الإيمان‌ الحقيقي‌ّ هو الميزان‌ والملاك‌ للسعادة‌ وللنجاة‌ من‌ الخوف‌ والحزن‌.

 أُولاهما: الآية‌ 69، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّـ'بِـُونَ وَالنَّصَـ'رَي‌' مَنْ ءَامَنَ بِاللَهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَعَمِلَ صَـ'لِحًا فَلاَ خَوْفٌ علیهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.

 وثانيتهما: الآية‌ 62، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَـ'رَي‌' وَالصَّـ'بِـِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَعَمِلَ صَـ'لِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ علیهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ.

 وهاتان‌ الآيتان‌ في‌ صدد بيان‌ أنّ أفراد البشر لمّا تيقّنوا بأنّ الدين‌ الإسلامي‌ّ المقدّس‌ هو أكمل‌ الاديان‌ وأفضلها وأشرفها، وأ نّه‌ أفضل‌ الطرق‌ وأقصرها وأيسرها لإيصال‌ البشريّة‌ إلی سعادتها، فقد توجّب‌ علیهم‌ عقلاً وشرعاً وفطرةً أن‌ يرفعوا أيديهم‌ عن‌ الاديان‌ والمذاهب‌ والمناهج‌ الاُخري‌، وأن‌ ينضووا تحت‌ لواء هذه‌ الشريعة‌ الغرّاء، وإلاّ فالخسران‌ عاقبتهم‌.

 ولو بذل‌ امرؤ ما قصاري‌ وسعه‌ لإدراك‌ الحقيقة‌، ثمّ أيقن‌ ـلبُعده‌ عن‌ محيط‌ العلم‌ والإيمان‌، ولنشوئه‌ في‌ محيط‌ جاهلي‌ّـ بأنّ دين‌ النبي‌ّ موسي‌ أو دين‌ النبي‌ّ عيسي‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیهما السلام‌ كافٍ في‌ هذا الزمان‌، فآمن‌ هذا الشخص‌ بالله‌ وبيوم‌ الجزاء وعمل‌ صالحاً وفق‌ ما تأمره‌ به‌ شريعته‌، وتبعاً للنواميس‌ والاحكام‌ العقليّة‌، واجتنب‌ الظلم‌ والاعتداء علی‌ حقوق‌ الآخرين‌، فإنّه‌ سيعدّ من‌ المستضعفين‌ أو يُلحق‌ بهم‌ أو يعدّ ممّن‌ هم‌ « مُرجون‌ لامر الله‌ ». ولن‌ يؤاخذ مثل‌ هذا الشخص‌ علی‌ عدم‌إسلامه‌ وعدم‌إيمانه‌، علی‌ الرغم‌ من‌ أ نّه‌ لن‌ يمتلك‌ مقام‌ المسلم‌ والمؤمن‌ ودرجتهما.

 وعلی‌ هذا الاساس‌، فسيدخل‌ الجنّة‌ أهل‌ العامّة‌ الذين‌ لايكنّون‌ في‌ قلوبهم‌ بُغضاً ونصباً لاهل‌ البيت‌، إلاّ أ نّهم‌ ـفي‌ الوقت‌ نفسه‌ـ لم‌يتيقّنوا بحقّانيّة‌ مولي‌ الكونينِ وإمام‌ الثقلين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ وولايته‌ الحقّة‌ الإلهيّة‌، إلاّ أ نّهم‌ سيتفاوتون‌ بالتأكيد مع‌ الواردين‌ من‌ سائر أبواب‌ الجنّة‌ بلحاظ‌ المقام‌ والمنزلة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الجنّة‌ محلّ الاتقياء وذوي‌ السرائر الطيّبة‌

 وقد ورد في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ أنّ دخول‌ الجنّة‌ مشروط‌ بالتقوي‌ وطاعة‌ الله‌ ورسوله‌، ومخالفة‌ هوي‌ النفس‌، والخوف‌ من‌ مقام‌ عظمة‌ الله‌ وجلاله‌، والوجل‌ من‌ موقف‌ العرض‌ في‌ محضره‌ عزّ وجلّ وسكون‌ النفس‌ بالله‌ وخضوعها وخشوعها أمامه‌، وبامتلاك‌ القلب‌ السليم‌؛ ومن‌ هذه‌ الآيات‌، الآية‌ 198، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌:

 لَـ'كِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّـ'تٌ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَهِ وَمَا عِندَ اللَهِ خَيْرٌ لِّلاْبْرَارِ.

 والآية‌: وَمَن‌ يُطِعِ اللَهَ وَرَسُولَهُ و يُدْخِلْهُ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ وَمَن‌ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا. [16]

 والآية‌: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَي‌ النَّفْسَ عَنِ الْهَوَي‌' * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَي‌'.[17]

 والآية‌: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ وَأَخْبَتُو´ا إِلَي‌' رَبِّهِمْ أُولَـ'ئِكَ أَصْحَـ'بُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـ'لِدُونَ.[18]

 والآية‌: يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَي‌ اللَهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. [19]

 وبناءً علی‌ أنّ الجنّة‌ هي‌ محلّ الطهر والطهارة‌، ومحلّ الطيّب‌ ومكان‌ ورود الطيّبين‌ الطاهرين‌، فإنّ موضع‌ شجرة‌ طوبي‌ سيكون‌ في‌ الجنّة‌. وحقيقة‌ شجرة‌ طوبي‌ من‌ الطهر، لانّ طوبي‌ مشتقّة‌ من‌ طابَ يطيبُ[20].

 الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ طُوبَي‌' لَهُمْ وَحُسْنُ مَـَابٍ. [21]

 فحقيقة‌ طوبي‌ إذَاً هي‌ النزاهة‌ والقداسة‌. ولمّا كان‌ تجلّي‌ الطهارة‌ والقداسة‌ في‌ أنواع‌ وأشكال‌ مختلفة‌، فستتجلّي‌ يوم‌ القيامة‌ في‌ هيئة‌ شجرة‌ لها فروع‌ طيّبة‌ مثمرة‌. وبالنظر إلی أنّ أساس‌ شجرة‌ الطهر والقداسة‌ هو الولاية‌ التي‌ يرشح‌ عنها كلّ طيب‌ وخير، وأنّ أي‌ّ شي‌ء سوف‌ لن‌يمتلك‌ قدراً بدون‌ الولاية‌ الناشئة‌ من‌ المحبّة‌؛ فإنّ هذه‌ الشجرة‌ ستضرب‌ بجذورها الراسخة‌ في‌ منزل‌ الولاية‌، وستنمو ـ شجرة‌ الولاية‌ـ مستمدّة‌ من‌ معدن‌ الولاية‌، وتمدّ فروعها التي‌ هي‌ عبارة‌ عن‌ الطهارة‌ والرحمة‌ والعافية‌ والإيثار والإنفاق‌ والعبوديّة‌ والجهاد والصلاة‌ والصيام‌ وسائر الافعال‌ والصفات‌ الحميدة‌. وهي‌ فروغ‌ نابعة‌ من‌ أصل‌ الشجرة‌، ومعتمدة‌ علیها في‌ رشدها ونموّها.

 وعلی‌ هذا الاساس‌، فقد ذكر المرحوم‌ الطبرسيّ في‌ تفسيره‌ « مجمع‌ البيان‌ » تسعة‌ أقوال‌ للمفسّرين‌ في‌ معني‌ كلمة‌ طوبي‌، ثمّ ذكر لها معني‌ عاشراً وهو أ نّها شجرة‌ في‌ الجنّة‌ أصلها في‌ دار النبي‌ّ، وفي‌ دار كلّ مؤمن‌ منها غصن‌. ثمّ قال‌ بأنّ هذا المعني‌ منقول‌ عن‌ عبيد بن‌ عمير ووهب‌ وأبي‌هريرة‌ وشهربن‌ حوشب‌. ورواه‌ عن‌ أبي‌ سعيد الخدري‌ّ مرفوعاً، وهو المروي‌ عن‌ أبي‌ جعفر ( الباقر ) علیه‌ السلام‌.

 ثمّ قال‌: وروي‌ الثعلبي‌ّ بإسناده‌ عن‌ الكلبي‌ّ، عن‌ أبي‌ صالح‌، عن‌ ابن‌عبّاس‌، قال‌: طُوبَي‌ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِي‌ دَارِ علی‌ٍّ علیهِ السَّلاَمُ فِي‌ الجَنَّةِ؛ وَفِي‌ دَارِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْهَا غُصْنٌ.

 وَرَوَاهُ أَبُو بَصِيرٍ عَنْ أَبِي‌ عَبْدِاللَهِ علیهِ السَّلاَمُ، وَرَوَي‌ الحَاكِمُ أَبُوالقَاسِمِ الحَسْكَانِي‌ُّ بِإسْنَادِهِ عَنْ مُوسَي‌ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ علیهِمُ السَّلاَمُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ طُوبَي‌ قَالَ: شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِي‌ دَارِي‌ وَفَرْعُهَا علی‌ أَهْلِ الجَنَّةِ. ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا مَرَّةً أُخْرَي‌ فَقَالَ: فِي‌ دَارِ علی‌ٍّ علیهِ السَّلاَمُ. فَقِيلَ لَهُ فِي‌ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: إنَّ دَارِي‌ وَدَارُ علی‌ٍّ فِي‌ الجَنَّةِ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ. [22]

 وروي‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌ عن‌ أبيه‌، عن‌ ابن‌ محبوب‌، عن‌ علی‌ّبن‌ رئاب‌، عن‌ أبي‌ عبيدة‌، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ ( الصادق‌ ) علیه‌ السلام‌، قال‌:

 طُوبَي‌ شَجَرَةٌ فِي‌ الجَنَّةِ فِي‌ دَارِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ شِيعَتِهِ إلاَّ وَفِي‌ دَارِهِ غُصْنٌ مِنْ أَغْصَانِهَا وَوَرَقَةٌ مِنْ أَوْرَاقِهَا يَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا أُمَّةٌ مِنَ الاُمَمِ[23].

 وروي‌ في‌ نفس‌ التفسير عن‌ أبيه‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ عمير، عن‌ هشام‌بن‌ سالم‌، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ علیه‌ السلام‌ في‌ حديث‌ المعراج‌، قال‌:

 ثمّ خرجتُ ( من‌ البيت‌ المعمور ) فانقاد لي‌ نهران‌، نهر يسمّي‌ الكَوْثَر، ونهر يسمّي‌ الرَّحْمَة‌، فشربتُ من‌ الكوثر واغتسلتُ من‌ الرحمة‌، ثمّ انقادا لي‌ جميعاً حتّي‌ دخلتُ الجنّة‌ فإذا علی‌ حافّتيها بيوتي‌ وبيوت‌ أزواجي‌، وإذا ترابها كالمسك‌، فإذا جارية‌ تنغمس‌ في‌ أنهار الجنّة‌، فقلتُ: لمن‌ أنت‌ يا جارية‌؟ فقالت‌ لزيد بن‌ حارثة‌، فبشّرتُه‌ بها حين‌ أصبحتُ. وإذا بطيرها كالبُخت‌، [24] وإذا رمّانها مثل‌ الدلاء العظام‌، وإذا شجرة‌ لو أُرسل‌ طائر في‌ أصلها، ما دارها تسعمائة‌ سنة‌، وليس‌ في‌ الجنّة‌ منزل‌ إلاّ وفيها فرعٌ منها، فقلتُ: ما هذه‌ يا جبرئيل‌؟ فقال‌: هذه‌ شجرة‌ طوبي‌؛ قال‌ الله‌: طُوبَي‌' لَهُمْ وَحُسْنُ مَـَابٍ[25].

 وروي‌ الصدوق‌ في‌ « الخصال‌ » بسنده‌ عن‌ أبي‌ جعفر ( الباقر ) علیه‌ السلام‌، عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، قال‌:

 طوبي‌ شجرة‌ في‌ الجنّة‌ أصلُها في‌ دار رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، فليس‌ من‌ مؤمن‌ إلاّ وفي‌ داره‌ غُصن‌ من‌ أغصانها، لا ينوي‌ في‌ قلبه‌ شيئاً إلاّ أتاه‌ ذلك‌ الغصن‌ به‌، ولو أنّ راكباً مجدّاً سار في‌ ظلّها مائة‌ عام‌ لم‌يخرج‌ منها، ولو أنّ غراباً طار من‌ أصلها ما بلغ‌ أعلاها حتّي‌ يبياض‌ هرماً، ألا ففي‌ هذا فارغبوا.[26]

 وفي‌ « تفسير العيّاشي‌ّ » عن‌ عمرو بن‌ الشمر، عن‌ جابر، عن‌ أبي‌ جعفر ( الباقر ) عن‌ آبائه‌ علیهم‌ السلام‌، قال‌:

 بينما رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ جالس‌ ذات‌ يوم‌، إذ دخلتْ علیه‌ أُمّ أيمن‌ في‌ ملحفتها شي‌ء، فقال‌ لها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 يا أُمّ أيمن‌! أيّ شي‌ءٍ في‌ ملحفتك‌؟

 فقالت‌: يا رسول‌ الله‌ فلانة‌ بنت‌ فلانة‌ أملكوها فنثروا علیها فأخذت‌ من‌ نثارها شيئاً.

 ثمّ إنّ أُمّ أيمن‌ بكت‌، فقال‌ لها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: ما يُبكيك‌؟

 فقالت‌: فاطمة‌ زوّجتها فلم‌ تنثر علیها شيئاً.

 فقال‌ لها رسول‌ الله‌ لاتبكين‌ فوالذي‌ بعثني‌ بالحقّ بشيراً ونذيراً، لقد شهد أملاك‌ فاطمة‌ جبرئيل‌ وميكائيل‌ وإسرافيل‌ في‌ أُلوف‌ من‌ الملائكة‌، ولقد أمرالله‌ طوبي‌ فنثرت‌ علیهم‌ من‌ حُللها وسُندسها واستبرقها ودرّها وزمرّدها وياقوتها وعطرها، فأخذوا منه‌ حتّي‌ ما دروا ما يصنعون‌ به‌، ولقد نحل‌ الله‌ طوبي‌ في‌ مهر فاطمة‌، فهي‌ في‌ دار علی بن‌ أبي‌ طالب‌. [27]

 كما روي‌ في‌ « تفسير العيّاشيّ » عن‌ أبان‌ بن‌ تغلب‌، قال‌:

 كان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يُكثر تقبيل‌ فاطمة‌. قال‌: فعاتبته‌ علی‌ ذلك‌ عائشة‌، فقالت‌: يا رسول‌ الله‌! إنّك‌ لتكثر تقبيل‌ فاطمة‌؟

 فقال‌ لها: ويلك‌! لمّا أن‌ عُرج‌ بي‌ إلی السماء مرّ بي‌ جبرئيل‌ علی‌ شجرة‌ طوبي‌ فناولني‌ من‌ ثمرها فأكلتها فحوّل‌ الله‌ ذلك‌ إلی ظهري‌، فلمّا أن‌ هبطتُ إلی الارض‌ واقعتُ خديجة‌، فحملت‌ بفاطمة‌ علیها السلام‌، فما قبّلت‌ فاطمة‌ إلاّ وجدتُ رائحة‌ شجرة‌ طوبي‌. [28]

 وذكر في‌ « تفسير فرات‌ بن‌ إبراهيم‌ » أربع‌ روايات‌ بأسناد مختلفة‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، كما نقل‌ رواية‌ مفصّلة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ شجرة‌ طوبي‌ تشتمل‌ علی‌ خصائص‌ هذه‌ الشجرة‌ الطيّبة‌ وأوصافها. [29]

 وأحد عوالم‌ أصحاب‌ الجنّة‌ هو مقام‌ الرضا، وهو لايجسّد مقام‌ رضا الله‌ تعالي‌ عنهم‌ فحسب‌، بل‌ هو كذلك‌ مقام‌ رضاهم‌ عنه‌ تعالي‌، حيث‌ يرضي‌ الطرفان‌ عن‌ بعضهما ويرتفع‌ بينهما العتب‌ والمؤاخذة‌.

 وليس‌ المراد من‌ الرضا هو الرضا التكوينيّ، لانّ الله‌ تعالي‌ راضٍ عن‌ جميع‌ الموجودات‌، وكيف‌ لا يرضي‌ عنها وقد خلقها بأمره‌ ومشيئته‌؛ بل‌ المراد به‌ الرضا التشريعي‌ّ، أي‌ أنّ العبد يصل‌ في‌ مقام‌ العمل‌ حدّاً يرتفع‌ معه‌ عنه‌ أي‌ّ عتب‌ علی‌ ربّه‌، فيري‌ جميع‌ أفعال‌ ربّه‌ حسنة‌ وجميلة‌؛ وفي‌ المقابل‌ فإنّ الله‌ تعالي‌ سيري‌ أفعال‌ عبده‌ جميلة‌ وحسنة‌ يرضاها له‌ ويمُضيها، ويكون‌ بين‌ الطرفين‌ رضا متبادلاً.

 يقول‌ تعالي‌ في‌ الآية‌ 72، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌: وَعَدَ اللَهُ الْمُوْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـ'تِ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ مِن‌ تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَا وَمَسَـ'كِنَ طَيِّبَةً فِي‌ جَنَّـ'تِ عَدْنٍ وَرِضْوَ ' نٌ مِّنَ اللَهِ أَكْبَرُ ذَ ' لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

 ويقول‌ في‌ الآية‌ 100، من‌ نفس‌ السورة‌: رَّضِيَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـ'تٍ تَجْرِي‌ تَحْتَهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ذَ ' لِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌: رَضِيَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ

 وقد وردت‌ عبارة‌: رَضِيَ اللَهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، التي‌ تجسّد رضا الطرفين‌ عن‌ بعضهما، في‌ أربعة‌ مواضع‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌؛ الاوّل‌: في‌ سورة‌ التوبة‌ وقد مرّ؛ والثاني‌: في‌ الآية‌ 119، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌: والثالث‌: في‌ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 58: المجادلة‌؛ والرابع‌: في‌ الآية‌8، من‌ السورة‌ 98: البيّنة‌.

 وينبغي‌ العلم‌ بأ نّه‌ لمّا كانت‌ الجنّة‌ عالم‌ التجرّد والإطلاق‌ فكلّما شاء المؤمنين‌ واشتهوه‌ وجدوه‌ حاضراً في‌ متناول‌ أيديهم‌، أي‌ أ نّه‌ سيكون‌ حاضراً بمجرّد تحقّق‌ رغبتهم‌ ومشيئتهم‌ الباطنيّة‌.

 لَهُم‌ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَ ' لِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ. [30]

 وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ. [31]

 وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي‌´ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ.[32]

 وأكمل‌ هذه‌ الآيات‌ دلالةً علی‌ نيل‌ أصحاب‌ الجنّة‌ لما يشتهون‌، قوله‌ تعالي‌: وَهُمْ فِي‌ مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَـ'لِدُونَ.[33]

 فكلّ كمال‌ تمتلكه‌ النفس‌، وكلّ مقصود تسعي‌ إليه‌، وكلّ مشتهيً تشتهيه‌ وترغب‌ فيه‌، فإنّها ستخلّد في‌ ذلك‌ الكمال‌ وذلك‌ المشتهي‌، وتقف‌ عنده‌.

 ومن‌ هنا، فالذين‌ يقصرون‌ هممهم‌ علی‌ الحور والقصور والانهار واللذّة‌ دون‌ أن‌ يقصدوا لقاء الله‌ تعالي‌، سوف‌ لن‌ يمّحون‌ في‌ جمال‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، وسيخلّدون‌ في‌ تلك‌ المشتهيات‌ والاماني‌.

 إنّ للجنّة‌ ـ كما سيأتي‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌ ـ درجات‌ ومقامات‌ مختلفة‌، وإنّ لاصحاب‌ الجنّة‌ درجات‌ متفاوتة‌، وإنّ كلاً منهم‌ سيخلّد في‌ مشتهياته‌ ونواياه‌، وبمقدار همّته‌ وسعة‌ صدره‌.

 وينبغي‌ العلم‌ بأنّ جميع‌ الآيات‌ الواردة‌ في‌ وصف‌ خصوصيّات‌ الجنّة‌ من‌ الحور والقصور والطيور والاشجار والاثمار والانهار والظلال‌ والشراب‌ والغلمان‌ والزينة‌ والخلود، إنّما تقصد هذه‌ المعاني‌، وهي‌ معانٍ مطلقة‌ لايشوبها نقص‌ ولافناء.

 أجل‌، لدينا آية‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ تدلّ علی‌ أ نّه‌ تعالي‌ قد جعل‌ لبعض‌ عباده‌ أشياءً تفوق‌ مشيئتهم‌ وتتخطّي‌ أُفق‌ أفكارهم‌ ورغباتهم‌، وهي‌ أُمور لايعلم‌ أحد عن‌ كُنهها شيئاً.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌: فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ

 فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. [34]

 وبعد علمنا بأنّ جميع‌ درجات‌ تعيّنات‌ عالم‌ الملكوت‌، من‌ الحور والقصور والانهار وغير ذلك‌، هي‌ مطلقة‌ بأجمعها وغير مشوبة‌ بأُمور عدميّة‌، وأنّ الله‌ سبحانه‌ قد وصف‌ عطاءه‌ بكلّ صفة‌ جميلة‌ وبليغة‌؛ فسنفهم‌ أنّ ما أخفاه‌ لعباده‌ هو فوق‌ تصوراتهم‌ وممّا لا يخطر علی‌ بالهم‌، ولابدّ له‌ من‌ أن‌ يكون‌ ممّا لا يعدّ ولا يحصي‌.

 قال‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ تفسير هذه‌ الآية‌: أي‌ لا يعلم‌ أحد ما خُبّي‌ لهؤلاء الذين‌ ذُكروا ممّا تقرّ به‌ أعينهم‌. قال‌ ابن‌ عبّاس‌: هي‌ ما لا تفسير له‌، فالامر أعظم‌ وأجلّ ممّا يُعرف‌ تفسيره‌.

 وَقَدْ وَرَدَ فِي‌ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَ نَّهُ قَالَ: إنَّ اللَهَ يَقُولُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي‌ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ علی‌ قَلْبِ بَشَرٍ؛ بَلْهَ مَا أَطْلَعْتُكُمْ علیهِ، اقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ: «فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ». رَوَاهُ البُخَارِي‌ُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعاً.[35]

 وروي‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ عبدالرحمن‌بن‌ أبي‌ نجران‌، عن‌ عاصم‌ بن‌ حميد، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ ( الصادق‌ ) علیه‌ السلام‌، قال‌: ما مِن‌ عملٍ حسن‌ يعمله‌ العبد إلاّ وله‌ ثواب‌ في‌ القرآن‌، إلاّ صلاة‌ الليل‌، فإنّ الله‌ لم‌ يبيّن‌ ثوابها لعظم‌ خطرها عنده‌، فقال‌:

 تَتَجَافَي‌' جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.[36]

 ثمّ قال‌: إنّ للّه‌ كرامة‌ في‌ عباده‌ المؤمنين‌ في‌ كلّ يوم‌ جمعة‌، فإذا كان‌ يوم‌ الجمعة‌ بعث‌ الله‌ إلی المؤمنين‌ ملكاً معه‌ حلّتان‌ فينتهي‌ إلی باب‌ الجنّة‌ فيقول‌: استأذنوا لي‌ علی‌ فلان‌، فيُقال‌ له‌: هذا رسول‌ ربّك‌ علی‌ الباب‌، فيقول‌ لازواجه‌: أي‌ شي‌ء ترينّ علی أحسن‌؟ فيقلن‌: ياسيّدنا! والذي‌ أباحك‌ الجنّة‌، ما رأينا علیك‌ شيئاً أحسن‌ من‌ هذا قد بعث‌ إليك‌ ربّك‌، فيتّزر بواحدة‌ ويتعطّف‌ بالاُخري‌ فلا يمرّ بشي‌ء إلاّ أضاء له‌، حتّي‌ ينتهي‌ إلی الموعد، فإذا اجتمعوا تجلّي‌ لهم‌ الربّ تبارك‌ وتعالي‌، فإذا نظروا إليه‌، أي‌ إلی رحمته‌ خرّوا سجّداً، فيقول‌: عبادي‌! ارفعوا رؤوسكم‌ ليس‌ هذا يوم‌ سجود ولاعبادة‌، قد رفعتُ عنكم‌ المؤونة‌. فيقولون‌: يا ربّ! وأي‌ّ شي‌ء أفضل‌ ممّا أعطيتنا؛ أعطيتنا الجنّة‌. فيقول‌: لكم‌ مثل‌ ما في‌ أيديكم‌ سبعين‌ ضِعفاً. فيري‌ المؤمن‌ في‌ كلّ جمعة‌ سبعين‌ ضِعفاً مثل‌ ما في‌ يده‌، وهو قوله‌: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ، وهو يوم‌ الجمعة‌، إِنَّهَا لَيْلَةٌ غَرَّاءُ وَيَوْمٌ أَزْهَرُ فأكثروا فيها من‌ التسبيح‌ والتهليل‌ والتكبير والثناء علی‌ الله‌ والصلاة‌ علی‌ رسوله‌. قال‌: فيمرّ المؤمن‌ فلا يمرّ بشي‌ء إلاّ أضاء له‌ حتّي‌ ينتهي‌ إلی أزواجه‌ فيقلن‌: والذي‌ أباحنا الجنّة‌ يا سيّدنا ما رأيناك‌ أحسن‌ منك‌ الساعة‌، فيقول‌: إنّي‌ قد نظرتُ إلی نور ربّي‌، ثمّ قال‌: إنّ أزواجه‌ لايغرن‌ ولايحضن‌ ولايصلفن‌.

 قال‌ الراوي‌ ( عاصم‌ بن‌ حميد ): قلت‌: جُعلت‌ فداك‌؛ إنّي‌ أردت‌ أن‌ أسألك‌ عن‌ شي‌ء أستحي‌ منه‌.

 قال‌: سَلْ.

 قلت‌: جُعلت‌ فداك‌؛ هل‌ في‌ الجنّة‌ غناء؟

 قال‌: إنّ في‌ الجنّة‌ شجرة‌ يأمر الله‌ رياحها فتهبّ فتضرب‌ تلك‌ الشجرة‌ بأصوات‌ لم‌ يسمع‌ الخلائق‌ مثلها حُسناً.

 ثمّ قال‌: هذا عوض‌ لمن‌ ترك‌ السماع‌ للغناء [37] في‌ الدنيا من‌ مخافة‌ الله‌.

 قال‌، قلتُ: جُعلت‌ فداك‌؛ زدني‌!

 فقال‌: إنَّ اللَهَ خَلَقَ جَنَّةً بِيَدِهِ وَلَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَمْ يَطَّلِعْ علیهَا مَخْلُوقٌ، يَفْتَحُهَا الرَّبُّ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ: ازْدَادِي‌ رِيحاً، ازْدَادِي‌ طِيباً، وَهُوَ قَوْلُ اللَهِ تَعَالَي‌: «فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»[38].

 وخلاصة‌ الامر أ نّنا نجد أنفسنا مجبرين‌ ـإيضاحاً لهذه‌ الحقيقة‌ـ علی‌ ذكر بحث‌ مختصر، وهو أ نّه‌ قد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌ قوله‌ تعالي‌: وَأَن‌ لَّيْسَ لِلإنسَـ'نِ إِلاَّ مَا سَعَي‌' * وَأَنَّ سَعْيَهُ و سَوْفَ يُرَي‌' * ثُمَّ يُجْزَب'هُ الْجَزَآءَ الاْوْفَي‌'[39].

 وجاء من‌ جهة‌ أُخري‌: لَهُم‌ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ. [40]

 وهو يدلّ علی‌ أنّ ما يشاءه‌ الإنسان‌ المؤمن‌ هو مملوك‌ له‌، بقرينة‌ كلمة‌ لهم‌ الدالّة‌ علی‌ الملكيّة‌. بَيدَ أنّ هناك‌ أُموراً مملوكة‌ للإنسان‌ وخارجة‌ ـفي‌ الوقت‌ نفسه‌ـ عن‌ مشيئته‌ ودائرة‌ إرادته‌:

 فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

 وتعبير جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يدلّ علی‌ أنّ ذلك‌ الجزاء الذي‌ يفوق‌ المشيئة‌ هو أجر للعمل‌، وهو من‌ ممتلكات‌ الفرد المؤمن‌.

 ولذلك‌ فإنّ ما يُفهم‌ من‌ هذه‌ الآية‌، أنّ هناك‌ كمالاً للإنسان‌ هو أسمي‌ من‌ درجة‌ فهمه‌ وأوسع‌ من‌ أُفق‌ فكره‌، ويمكن‌ أن‌ ينال‌ الفرد ذلك‌ الكمال‌ جزاء عمله‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ تفسير آيتي‌: وُجُوهٌ يَوْمَئِِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَي‌' رَبِّهَا نَاظِرَةٌ

 وبطبيعة‌ الحال‌، فليس‌ هناك‌ ما يخرج‌ عن‌ حدود الإنسان‌ وسعته‌ غير الله‌ تعالي‌ وتجلّياته‌ والنظر إلی وجهه‌ الكريم‌:

 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَي‌' رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. [41]

 وهذا النظر هو بالتأكيد النظر والمشاهدة‌ القلبيّينِ، وهو ممّا لايحدّه‌ جهة‌ ولايستلزم‌ تجسيماً ولا تشبيهاً للّه‌ سبحانه‌.

 فَمَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا. [42]

 ونلحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ أنّ لقاء الله‌ تعالي‌ مترتّب‌ علی‌ العلم‌ النافع‌ والعمل‌ الصالح‌، وهو بنفسه‌ لقاء مَا أُخْفِيَ لَهُمْ المترتّب‌ علی‌ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

 ونظراً لانّ آية‌: لَهُم‌ مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. [43] قد أثبتت‌ زيادة‌ علی‌ مشيئة‌ العباد، ولمّا كان‌ قد أخبر الله‌ تعالي‌ بأن‌ ما تشتمل‌ علیه‌ إرادة‌ المؤمن‌ ومشيئته‌ حاضر عنده‌؛ لذا، فالآية‌ تبيّن‌ أنّ تلك‌ الزيادة‌ ليست‌ تحت‌ مطلق‌ المشيئة‌، بل‌ خارجة‌ عن‌ حدود تلك‌ الإرادة‌ والمشيئة‌.

 وبما أنه‌ قد علمنا ـ من‌ جهة‌ أُخري‌ ـ بأنّ ذلك‌ يمثّل‌ كمالاً للمؤمن‌، وأنّ أي‌ّ كمال‌ واقع‌ بلا ريب‌ تحت‌ مشيئة‌ أصحاب‌ الجنّة‌، فلايمكن‌ لذلك‌ الكمال‌ إلاّ أن‌ يكون‌ غير الكمال‌ اللامحدود واللامتعيّن‌ بحدود؛ ولهذا، فهو غيرمنطو تحت‌ الإرادة‌ أو ضمنها، لانّ كلّ ما تشتمل‌ علیه‌ الإرادة‌ والمشيئة‌ هو محدود مقيّد.

 ويستفاد من‌ ذلك‌ بوضوح‌ أنّ المؤمنين‌ الساعين‌ للقاء الله‌ إجمالاً، سوف‌ يحظون‌ بشرف‌ لقاء الله‌ المتعال‌ تفصيلاً، وأنّ ذلك‌ اللقاء أعلی‌ من‌ كلّ كمال‌ متعيّن‌ ومحدود، وأفضل‌ من‌ كلّ ما يخضع‌ للوصف‌، وأسمي‌ من‌ كلّ لذّة‌ وبهجة‌ وسرور وحبور متصوّر، وأ نّه‌ هو الاندكاك‌ والفناء في‌ صفة‌ أو اسم‌ من‌ صفاته‌ أو أسمائه‌ تعالي‌، بل‌ هو الاندكاك‌ في‌ الذات‌، وهو الفناء المطلق‌، رَزَقَنَا اللَهُ إنْ شَاءَاللَهُ تَعَالَي‌.

 جاء في‌ « تفسير علی‌ بن‌ إبراهيم‌ » في‌ تفسير قوله‌ تعالي‌: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ: قال‌ علیه‌ السلام‌: النَّظَرُ إلی وَجْهِ اللَهِ. [44]

 وربّما استفيد هذا المعني‌ من‌ قوله‌ تعالي‌: لِيَجْزِيَهُمُ اللَهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم‌ مِّن‌ فَضْلِهِ وَاللَهُ يَرْزُقُ مَن‌ يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.[45]

 وقد وردت‌ الآية‌ في‌ ذيل‌ آيات‌ النور الواردة‌ في‌ شأن‌ الائمّة‌ الاطهار علیهم‌ السلام‌ وفي‌ درجاتهم‌ ومقاماتهم‌، وهي‌ تبيّن‌ أنّ تلك‌ الزيادة‌ هي‌ رزق‌ من‌ فضل‌ الله‌ بلاحساب‌.

 وجاء من‌ جهة‌ أُخري‌: وَاللَهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن‌ يَشَآءُ وَاللَهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ. [46]

 وجاء أيضاً: وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَهِ علیكُمْ وَرَحْمَتُهُ و مَا زَكَي‌' مِنكُم‌ مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا.[47]

 التي‌ يستفاد منها أنّ الفضل‌ هو من‌ الرحمة‌، وأنّ تلك‌ الرحمة‌ لم‌تكن‌ عن‌ استحقاق‌ وجدارة‌.

 وجاء أيضاً: وَرَحْمَتِي‌ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ.[48]

 التي‌ تبيّن‌ بأنّ تلك‌ الرحمة‌ والفضل‌ الموصوفين‌ بالمزيد مختصّان‌ بالمؤمنين‌، وأنّهما ممّا أُخْفِيَ لَهُمْ.

 الرجوع الي الفهرس

الجنّة‌ الإلهيّة‌ هي‌ الرحمة‌

 ولو تدبّرنا في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ التي‌ ورد فيها لفظ‌ الرحمة‌ كآية‌: فَضُرِبَ بَيْنَهُم‌ بِسُورٍ لَّهُ و بَابٌ بَاطِنُهُ و فِيهِ الرَّحْمَةُ. [49]

 وآية‌: أَهَـ'´ؤُلآءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالَهُمُ اللَهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ. [50]

 وآية‌: إِنَّ رَحْمَةَ اللَهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ. [51]

 وقارنّاها مع‌ آية‌: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ. [52]

 لاستنتجنا أنّ رحمة‌ الله‌ إنّما هي‌ الجنّة‌، بل‌ الجنّة‌ من‌ شؤون‌ الرحمة‌ ومراتبها.

 وخلاصة‌ القول‌ أنّ شوق‌ لقاء الله‌ تعالي‌ واللهفة‌ للنظر إلی جماله‌ لم‌يدعا لعاشقي‌ لقاء الله‌ مجالاً للنظر إلی سواه‌، وجعلاهم‌ في‌ حال‌ الذهول‌ والسَّكرة‌ من‌ التجلّيات‌ الجماليّة‌ والجلاليّة‌ والانوار القاهرة‌ الازليّة‌ والسبحات‌ القدّوسيّة‌ له‌ تعالي‌.

 يقول‌ حمّاد بن‌ حبيب‌ في‌ حديث‌ له‌ عن‌ أحوال‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌ في‌ سفره‌ للحجّ:

 فلمّا أن‌ تقشّع‌ الظلام‌، وثب‌ ( الإمام‌ ) قائماً وهو يقول‌: يَا مَنْ قَصَدَهُ الضَّالُّونَ فَأَصَابُوهُ مُرْشِداً، وَأَمَّهُ الخَائِفُونَ فَوَجَدُوهُ مَعْقِلاً، وَلَجَأَ إلَيْهِ العَابِدُونَ فَوَجَدُوهُ مَوْئِلاً، مَتَي‌ رَاحَةُ مَنْ نَصَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ؟ وَمَتَي‌ فَرِحَ مَنْ قَصَدَ سِوَاكَ بِهِمَّتِهِ؟ إلَهِي‌! قَدْ تَقَشَّعَ الظَّلاَمُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَطَراً، وَلاَ مِنْ حِيَاضِ مُنَاجَاتِكَ صَدَراً، صَلِّ علی‌ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَافْعَلْ بِي‌ أَوْلَي‌ الاَمْرَيْنِ بِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. [53]

 مرا كه‌ جنّت‌ ديدار در درون‌ دل‌ است‌                         چه‌ التفات‌ به‌ ديدار حور عين‌ باشد[54]

 أَلاَ بِذِكْرِ اللَهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. [55] وجاء في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي‌.[56]

 وربّما صبّت‌ في‌ هذا المجال‌ الرواية‌ التي‌ نقلها السيّد ابن‌ طاووس‌ رحمة‌الله‌ علیه‌ في‌ « فلاح‌ السائل‌ » عن‌ الصفّار عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ ابن‌أسباط‌، عن‌ رجل‌، عن‌ صفوان‌ الجمّال‌، قال‌:

 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ علیهِ السَّلاَمُ: إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، نَظَرَ رِضْوَانٌ خَازِنُ الجَنَّةِ إلی قَوْمٍ لَمْ يَمُرُّوا بِهِ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ دَخَلْتُمْ؟ قَالَ، فَيَقُولُونَ: إيَّاكَ عَنَّا، فَإنَّا قَوْمٌ عَبَدْنَا اللَهَ سِرَّا فَأَدْخَلَنَا اللَهُ سِرَّاً. [57]

 الرجوع الي الفهرس

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآيات‌ 45 إلي‌ 48، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[2] ـ الآيات‌ 30 إلي‌ 32، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[3] الآيات‌ 55 إلي‌ 58، من‌ السورة‌ 36: يس‌.

[4] ـ الآية‌ 127، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[5] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[6] ـ ينقل‌ المجلسي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتاب‌ «مزار البحار» ج‌ 22، ص‌ 241، طبعة‌ الكمباني‌ّ القديمة‌، عن‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ (ج‌ 96، ص‌ 83 إلي‌ 92، الطبعة‌ الجديدة‌ الحروفيّة‌) زيارةً لصاحب‌ العصر في‌ السرداب‌ المطهّر، يصلّي‌ الزائر بعدها اثنتي‌ عشرة‌ ركعة‌ ويُهديها له‌ عليه‌ السلام‌، ويسبّح‌ تسبيحة‌ الزهراء عليها السلام‌ كلّما سلّم‌ في‌ كلّ ركعتين‌، ثمّ يقول‌: اللَهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، وَإلَيْكَ يَعُودُ السَّلاَمُ، حَيِّنَا رَبَّنَا مِنْكَ بِالسَّلاَمِ ـالدعاء.

[7] ـ الآيات‌ 31 إلي‌ 35، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[8] الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 13: الرعد.ـ

[9] ـ الآيتان‌ 25 و 26، من‌ السورة‌ 56: الواقعة‌.

[10] ـ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 78: النبأ.

[11] ـ الآيتان‌ 10 و 11، من‌ السورة‌ 88: الغاشية‌

[12] ـ الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[13] ـ الآية‌ 85، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[14] ـ الآية‌ 256، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[15] ـ الآيتان‌ 111 و 112، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌

[16] ـ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌.

[17] الآيتان‌ 40 و 41، من‌ السورة‌ 79: النازعات‌.

[18] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 11: هود

[19] ـ الآيتان‌ 88 و 89، من‌ السورة‌ 26: الشعراء.

[20] طاب‌ وطوبي‌ أجوف‌ يائي‌ّ، وكانت‌ طوبي‌ في‌ الاصل‌ طُيْبي‌، لذا فقد قلبت‌ الياء المسبوقة‌ بالضمّة‌ واواً.

[21] الآية‌ 29، من‌ السورة‌ 13: الرعد

[22] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 291، طبعة‌ صيدا.

[23] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 341، الطبعة‌ الحجريّة‌

[24] البُخت‌، بضمّ الباء ـ الاءبل‌ الخراسانيّة

[25] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 374.

[26] ـ «الخصال‌» ج‌ 2، ص‌ 82، باب‌ (لاهل‌ التقوي‌ اثنتا عشرة‌ علامة‌)، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[27] ـ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 211 و 212.

[28] ـ «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 212.

[29] ـ «تفسير فرات‌» ص‌ 74 و 75.

[30] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[31] الآية‌ 71، من‌ السورة‌ 43: الزخرف

[32] ـ الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌

[33] ـ الآية‌ 102، من‌ السورة‌ 21: الانبياء

[34] ـ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 32: التنزيل‌ (السجدة‌).

[35] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 4، ص‌ 331، طبعة‌ صيدا؛ و«بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 120.

[36] ـ الآيتان‌ 16 و 17، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[37] ـ المراد بالغناء المحرّم‌ كلّ صوت‌ يُطرب‌ الإنسان‌، كمجالس‌ الغناء وسماع‌ المغنّيات‌ أو سماع‌ الموسيقي‌ وآلاتها، أمّا مجرّد الصوت‌ الجميل‌ واللحن‌ الحسن‌، ولو كان‌ ترجيعاً فغير حرام‌ مهما كان‌ مُبهجاً أو مُحزناً. بل‌ الصوت‌ الحسن‌ من‌ الاُمور الحميدة‌ ومن‌ موجبات‌ صفاء الروح‌، وخاصّة‌ عند قراءة‌ القرآن‌ والدعاء والاشعار التي‌ تذكّر بالله‌ تعالي‌ وبعالم‌ التجرّد والاءطلاق‌، إذ تحتلّ أهمّيّة‌ كبيرة‌، وهي‌ حقّاً من‌ غناء الجنّة‌.

[38] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 512 و 513؛ وفي‌ طبعة‌ النجف‌ الحروفيّة‌: ج‌ 2، ص‌ 169 و 170.

[39] ـ الآيات‌ 39 إلي‌ 41، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

[40] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 39: الزمر؛ والآية‌ 22، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[41] ـ الآيتان‌ 22 و 23، من‌ السورة‌ 75: القيامة‌.

[42] ـ الآية‌ 110، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[43] ـ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[44] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 646.

[45] ـ الآية‌ 38، من‌ السورة‌ 24: النور.

[46] ـ ذيل‌ الآية‌ 105، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[47] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 24: النور.

[48] ـ الآية‌ 156، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[49] ـ الآية‌ 13، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[50] ـ الآية‌ 48، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[51] ـ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[52] ـ الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[53] ـ «منتهي‌ الآمال‌» ج‌ 2، ص‌ 9، طبعة‌ إسلاميّة‌ من‌ القطع‌ الرحلي‌ّ.

[54] ـ يقول‌: «ما التفاتي‌ إلي‌ لقاء الحور العين‌ وقلبي‌ عامر بجنّة‌ اللقاء؟!».

[55] ـ ذيل‌ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[56] ـ «كلمة‌ الله‌» ص‌ 149.

[57] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 146، الطبعة‌ الحروفيّة‌، نقلاً عن‌ «فلاح‌ السائل‌».

 الرجوع الي الفهرس

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com