بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الاول / القسم الثالث : علة خوف الناس من الموت، الموت الاختیاری، الحیاة الدنیویة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

السبب‌ الحقيقي‌ لخوف‌ الناس‌ من‌ الموت‌

 و علينا أن‌ نري‌ لماذا تظهر مسألة‌ الموت‌ معكوسة‌ في‌ أذهان‌ الناس‌ فيتبادل‌ اليقين‌ و الشك‌ فيها مواقعهما لديهم‌.

 انّ الحياة‌ الدنيا لها وجه‌ و ظهر يعبّر عنهما بلسان‌ العلم‌ و القرءان‌ بالظاهر و الباطن‌.

 فظاهر الدنيا الطراوة‌ و الجمال‌ مع‌ الركون‌ اليها و تعلّق‌ القلب‌ بها والاستغراق‌ في‌ اللذات‌ و الشهوات‌، و لو اقترن‌ ذلك‌ بالصحّة‌ و السلامة‌، امّا باطنها فالاخلاق‌ و الوجدان‌ و النيّة‌ السليمة‌ و النظر النزيه‌ و القول‌ الصالح‌ والخدمة‌ و ايثار عبودية‌ الله‌ و العلم‌ و التقوي‌ و معرفة‌ الاسرار.

 الرجوع الي الفهرس

صعوبة‌ الموت‌ لغير المؤمن‌ بسبب‌ العلائق‌ الدنيويّة‌

 فأولئك‌ الذين‌ يعيشون‌ في‌ هذه‌ الدنيا، و يركنون‌ الی ظاهرها معرضين‌ عن‌ الباطن‌ تماماً، لا يستمدّون‌ العون‌ و القوّة‌ من‌ وجدانهم‌ المرتبط‌ في‌ حقيقة‌ الامر بالله‌ تعالي‌، و لا يهتمّون‌ بسلوكهم‌، بل‌ يعيشون‌ مرخي‌ العنان‌ بلا مسؤولية‌ و لا التزام‌ و لا محاسبة‌ للنفس‌، سيغمر قلوبهم‌ علی الدوام‌ حبّ الدنيا و آثارها، ذلك‌ الحبّ المتزايد كلّ آن‌، حتي‌ يصبح‌ محبوبهم‌ و مقصودهم‌ الوحيد الذي‌ لا يتخيّلون‌ محبوباً سواه‌.

 كما ان‌ الموت‌ سيكون‌ غاية‌ في‌الصعوبة‌ بالنسبة‌ لهؤلاء الافراد الذين‌ عاشوا عمراً كان‌ كلّ ثروتهم‌ الوجوديّة‌، و قضوا ساعاته‌ في‌ السعي‌ وراء الاُمور الدنيويّة‌ من‌ المال‌ و الجاه‌ و الاعتبار، و لم‌ يدّخروا وسعاً من‌ أجل‌ ترسيخ‌ مكانتهم‌ و وجودهم‌ في‌ قلوب‌ الناس‌، و تحمّلوا المحن‌ و المشاكل‌ من‌ أجل‌ أولادهم‌ حتّي‌ جمعوا ثروة‌ من‌ المال‌ صارت‌ مورد اعتمادهم‌ ومحطّ آمالهم‌، اولئك‌ الذين‌ صرفوا ايام‌ البرد و الحرّ و ساعات‌ عمرهم‌ للحصول‌ علی هذه‌ الامور.

 و اجمالاً فقد قضي‌ هؤلاء جميع‌ مراحل‌ عمرهم‌ المنطبقة‌ علی المقاطع‌ الزمنيّة‌ من‌ السنين‌ و الشهور و الايّام‌ و الساعات‌ و الدقائق‌ واللحظات‌ للحصول‌ علی مثل‌ هذه‌ الاُمور، لذا فانّ المحبّة‌ و التعلّق‌ بكلّ واحد من‌ هذه‌ الاشياء سينشأ لديهم‌ قهراً، فيصبح‌ كلاً منها قيداً يقيّد قلوبهم‌ و رغباتهم‌ و يشدّها اليه‌. و هاهو أحدهم‌ يريد الرحيل‌ عن‌ هذه‌ الدنيا، فيري‌ قلبه‌ موثقاً بالآف‌ السلاسل‌ و القيود تشدّه‌ من‌ كلّ صوب‌ و حدب‌ الی هذه‌ الامور.

 كلّ قسم‌ من‌ أمواله‌ يجرّ بقلبه‌ اليه‌، أصدقاؤه‌ و أحبّاؤه‌ يجرّونه‌ اليهم‌، أولاده‌ و زوجته‌ و عشيرته‌ يجرّونه‌ اليهم‌، الآمال‌ الطوال‌ التي‌ تعاهدها في‌ خياله‌ فصار لها ـ اثر التوهّم‌ و التخيّل‌ ـ موجوديّة‌ تخيّليّة‌ و موهومة‌، هذه‌ الآمال‌ تجرّه‌ اليها هي‌ الاخري‌، و ها هو هذا الشخص‌ يريد الرحيل‌ و يحاول‌ الحركة‌. فما الذي‌ يعنيه‌ ذلك‌؟ أي‌ أنّه‌ قد حزم‌ أمتعة‌ السفر الی الآخرة‌، فهو يريد التوديع‌ الی حيث‌ لا رجعة‌ و لا عودة‌، الی حيث‌ لن‌ يري‌ وجه‌ هذا العالم‌ من‌ جديد و لو للحظة‌ واحدة‌، الی حيث‌ تودع‌ كلّ هذه‌ الذخائر والاحبّة‌ و المقاصد في‌ زاوية‌ النسيان‌، حتّي‌ أنّه‌ يلحظ‌ بأمّ عينيه‌ انّ بدنه‌ ـ مع‌ العشق‌ الذي‌ كان‌ يمتلكه‌ له‌، و يجعله‌ يتوسّل‌ بالطبيب‌ لعلاج‌ خدش‌ في‌ جلد يده‌ ـ ينبغي‌ أن‌ يُقبر في‌ التراب‌ أمام‌ أنظاره‌، فيصبح‌ طعاماً لحيّات‌ الارض‌ وديدانها، و يصبح‌ محلّ دفنه‌ مكاناً لتجوال‌ الزواحف‌ الارضيّة‌، و تستحيل‌ مسارب‌ بدنه‌ محلّ ترددّ الحيّات‌ و العقارب‌، و يري‌ انّ التراب‌ الثقيل‌ سيُهال‌ أكداساً علی جثّته‌ فتتبدّل‌ في‌طياتهاالي‌تراب‌ و رماد. يري‌ كلّ ذلك‌ مجسّماً أمام‌ ناظريه‌.

 و من‌ جهة‌ أخري‌ فانّه‌ لم‌ يتحرّك‌ علی أساس‌ من‌ منطق‌ الوجدان‌ والعقل‌، و لم‌ يسعَ لإنارة‌ طريق‌ آخرته‌، و لم‌ يتعرّف‌ علی ناموس‌ الله‌، بل‌ كان‌ علی الدوام‌ في‌ حال‌ نزاع‌ و جدال‌ و خصومة‌ مع‌ العلوم‌ الباطنيّة‌ و عوامل‌ تجرّد النفس‌، و كان‌ منحرفاً عن‌ سبيل‌ العدالة‌، متعدّياً علی حقوق‌ نفسه‌ وحقوق‌ سائر أفراد الناس‌ المحترمة‌ عندالله‌ سبحانه‌ المبدء الاصيل‌ للعالم‌، و خارجاً عن‌ مقام‌ العبوديّة‌ لله‌، لم‌ يُحنِ رأسه‌ في‌ سجود التسليم‌ و التذلّل‌ أمام‌ مُظهر هذه‌ المظاهر العجيبة‌ و المناظر المدهشة‌ في‌ العالم‌، و لم‌ يؤثر علی نفسه‌ أحداً، و لم‌ يُعن‌ بائساً و ضعيفاً، و لم‌ يُحيي‌ روحه‌ بحياة‌ ذلك‌ العالم‌ بأعماله‌ الصالحة‌ و لم‌ يشعل‌ قبساً للظلمات‌ و العقبات‌ و طرقات‌ الطبع‌ المتعرّجة‌.

 و ها هو يريد الذهاب‌ من‌ الدنيا علی هذا الحال‌ و بهذه‌ الكيفيّة‌، و مع‌ هذه‌ المشكلات‌ التي‌ تعترضه‌ من‌ كلّ حدب‌، و تحيط‌ به‌ و تكتنفه‌ من‌ كلّ صوب‌، فهو حائر مدهوش‌، و مفلس‌ خسران‌، يريد الهجرة‌ مع‌ الخسارة‌، والندم‌ و الحسرة‌ التي‌ تغمر كيانه‌ و تتقاطر من‌ وجوده‌، و قد نودي‌ بالرحيل‌ فلا وقت‌ للتأخير و لا لتدارك‌ الامر و تلافيه‌.

 و علی الاخصّ لو كان‌ هذا الشخص‌ قد نال‌ هذه‌ الامور الفانية‌ الدنيوية‌ بتحمّل‌ المحن‌ و بالسعي‌ الدؤوب‌، و حصل‌ عليها بمشقّة‌ و جهد، إذ ستكون‌ علاقته‌ بها إذ ذاك‌ أشدّ، و قطع‌ تعلّق‌ قلبه‌ بها أصعب‌ و أقسي‌، لانّ هناك‌ نسبة‌ موازية‌ بين‌ ميزان‌ الجهد و السعي‌ و المشقّة‌ التي‌ يتحمّلها المرء في‌ سبيل‌ الحصول‌ علی شي‌ء ما مع‌ ميزان‌ شدّة‌ المحبّة‌ لذلك‌ الشي‌ء و التعلّق‌ به‌ و صعوبة‌ مفارقته‌ و قطع‌ الامل‌ منه‌.

 و لو قال‌ أحد لهذا الشخص‌ مع‌ هذه‌ الخصوصيّات‌: انّك‌ ستموت‌ بعد سنة‌، أو بعد عشرة‌ سنين‌ مثلاً، لاظلمّت‌ الدنيا في‌ عينه‌، و كأنّ جميع‌ أنواع‌ العذاب‌ و المحن‌ قد صبّت‌ عليه‌، و كأنّ الجبال‌ قد هُدّت‌ علی أمّ رأسه‌.

 الرجوع الي الفهرس

اشتياق‌ المؤمن‌ للموت‌

 أمّا لو قيل‌ للمؤمن‌ الذي‌ ارتبط‌ بربّه‌ و الهه‌، و وصل‌ الی المدينة‌ الفاضلة‌ إثر تهذيب‌ النفس‌ و تزكية‌ الاخلاق‌، و هاجر من‌ ظاهر عالم‌ الغرور الی باطن‌ دار الخلود، و ارتبط‌ مع‌ موجودات‌ عالم‌ التجرّد و المعني‌ في‌ عبوديّته‌ لله‌، المؤمن‌ الذي‌ لم‌ يقصّر في‌ إطاعة‌ أوامر الله‌، فصقل‌ نفسه‌ الامّارة‌ بصقل‌ العفو و الإيثار و الإنفاق‌ و الإطعام‌ و الجهاد و الصلاة‌ و الصيام‌ و الإنصاف‌ مع‌ الخلق‌ و الإحسان‌ اليهم‌ و إعانة‌ الضعفاء و المساكين‌ و أمثال‌ ذلك‌؛ لو قيل‌ له‌: انّك‌ ستموت‌ بعد يوم‌ أو بعد ساعة‌ مثلاً، لقال‌ مجيباً: الحمدلله‌، سأحزم‌ أمتعتي‌ من‌ هنا الی ملك‌ الخلود، و من‌ الغرور الی عالم‌ الابديّة‌، و من‌ الكوخ‌ المحدود الی عوالم‌ لا تتناهي‌، و من‌ خارج‌ الحَرَم‌

 الی داخله‌، و ها أنا أرتدي‌ لباس‌ الإحرام‌ و أفدي‌ روحي‌ لتفني‌ في‌ قِدم‌ المحبوب‌ الازلي‌ و خلوده‌.

 اين‌ جان‌ عاريت‌ كه‌ به‌ حافظ‌ سپرده‌ دوست‌                روزي‌ رخش‌ ببينم‌ و تسليم‌ وي‌ كنم‌ [1]

 * * *

 همه‌ روز حرف‌ من‌ اينست‌ و همه‌ شب‌ سخنم‌                       كه‌ چرا غافل‌ از احوال‌ دل‌ خويشتنم‌

 از كجا آمده‌ام‌، آمدنم‌ بهر چه‌ بود                 به‌ كجا مي‌روم‌ آخر ننمائي‌ وطنم‌

 من‌ به‌ خود نامده‌ام‌ تا كه‌ به‌ خود باز روم‌                               آنكه‌ آورد مرا باز برد در وطنم‌

 مرغ‌ باغ‌ ملكوتم‌ نيم‌ از عالم‌ خاك                ‌ چند روزي‌ قفسي‌ ساخته‌ اند از بدنم‌

 چه‌ خوش‌ آن‌ روز كه‌ پرواز كنم‌ تا بر دوست                 ‌ به‌ هواي‌سر كويش‌ پر و بالی بزنم‌ [2]

 هنالك‌ حيث‌ عالم‌ الفضاء الفسيح‌ الواسع‌، عالم‌ عظيم‌ لاهمّ فيه‌ و لاتعب‌ و لانصب‌، لامرض‌ أعصاب‌ و لاخوف‌ و لاقلق‌ و لاتهديد، هناك‌ عالم‌ الحياة‌ و الهداية‌ المحضة‌، و مركز نشر الحياة‌ الی العوالم‌، حيث‌ الجمال‌ المطلق‌ و تلالؤ نورانيّة‌ الموجودات‌ المنزّهة‌ المجرّدة‌، و حيث‌ الارواح‌ المطهرّة‌ للملائكة‌ و الانبياء و الائمة‌ و أولياء الله‌، و حيث‌ معدن‌ العظمة‌ و عزّ القدس‌ و النور المحض‌ و العرفان‌ الخالص‌.

 لذا فانّ المؤمن‌ لا يحسّ بالقلق‌ و الاضطراب‌، بل‌ يتلقّي‌ هذا الموت‌ برحابة‌ صدر، و يخطو لاستقباله‌ في‌ ابتهاج‌.

 و لو افترضنا انّ المؤمن‌ كان‌ قد عاش‌ في‌ الدنيا في‌ منتهي‌ الراحة‌ والابّهة‌ و العظمة‌، و كان‌ ميسورا له‌ فيها التنّعم‌ بجميع‌ أنواع‌ الجمال‌ و أقسام‌ اللذائذ المشروعة‌، فانّه‌ مع‌ ذلك‌ كلّه‌ سيفرح‌ لو قيل‌ له‌ انّك‌ ستموت‌،لانه‌ يقول‌: وَ الآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقَي‌ [3]

 منزل‌ الآخرة‌ هو المختار، و هو منزل‌ الابديّة‌ و البقاء، و هو عالم‌ اللقاء و العرفان‌، حيث‌ هناك‌ محلّ ادراك‌ الحقائق‌ و كشف‌ الدقائق‌ بلا ساتر و لا حجاب‌، لذا فانّ المؤمن‌ سيسرع‌ بالحركة‌ عند اخباره‌ بالموت‌، و يسعي‌ اليه‌ خفيفاً نشطاً.

 و لو افترضنا في‌ المقابل‌ انّ الكافر الذي‌ قطع‌ علاقته‌ مع‌ الباطن‌ والمعني‌ كان‌ قد صّبّت‌ عليه‌ جميع‌ أنواع‌ المحن‌ و المصائب‌ و الامراض‌، وتحمّل‌ صنوف‌ الفقر و الفاقة‌، بيد انّه‌ لو قيل‌ له‌ أنّك‌ سترحل‌ فانّه‌ لن‌ يرضي‌ بذلك‌، فهو يعلم‌ أنّ المكان‌ الذي‌ سيذهب‌ اليه‌ أكثر ضيقاً و عُسراً، وأشدّ ظلمةً و إزعاجاً، لانّه‌ سيكون‌ غريباً في‌ تلك‌ العوالم‌، غريباً محضاً لامؤنس‌ له‌، باطن‌ المؤمن‌ أفضل‌ من‌ ظاهره‌، و باطن‌ الكافر أسوأ من‌ ظاهره‌ و أشدّ تلوّثاً.

 اشتياق‌ المؤمن‌ للموت‌:

 المؤمن‌ يؤمّل‌ لقاء الله‌ تعالي‌، و الطريق‌ أمامه‌ سالك‌ معبّد ممهّد، لانه‌ يري‌ ان‌ نتيجة‌ أتعاب‌ عمره‌ في‌ هذا السبيل‌ لم‌ تضع‌ هدراً في‌ ناموس‌ عالم‌ الوجود، و ها هو يخطو بقدمه‌ خارج‌ هذه‌ المرحلة‌ فيجد كلّ شي‌ء جاهزاً ومعدّاً أمام‌ عينيه‌، الاجر و الثواب‌، الجنّة‌ و الرضوان‌، و لقاء المحبوب‌، يجدها جميعاً حاضرة‌ أمامه‌، و لقد تجلّي‌ هنا أمامه‌ مشهوداً ما كان‌ خافياً عنه‌ في‌ هذه‌ الدنيا.

 سيزول‌ عنه‌ ستار البدن‌ و حجابه‌ الذي‌ كان‌ يحجبه‌ الی حدٍّما و يمنعه‌ إجمالاً من‌ الوصول‌ الی منتهي‌ مراتب‌ التجرّد و غايتها، و سيجد بموته‌ انّه‌ صار يرتع‌ في‌ أحضان‌ السعادة‌ و التنعّم‌ بجمال‌ الحضرة‌ الازليّة‌، فيبقي‌ في‌ ذلك‌ اللقاء و الوصال‌ الممتدّ السرمدي‌، لذا فانّ موته‌ أشبه‌ بليلة‌ زفاف‌ ووصل‌. يقول‌ حافظ‌:

 روز هجران‌ و شب‌ فرقت‌ يار آخر شد             زدم‌ اين‌ فال‌ و گذشت‌ اختر و كار آخر شد

 آن‌ همه‌ ناز و تنعّم‌ كه‌ خزان‌ ميفرمود                        عاقبت‌ در قدم‌ باد بهار آخر شد

 شكر ايزد كه‌ باِقبال‌ كُلَه‌ گوشة‌ گل‌               نخوت‌ باد دي‌ و شوكت‌ خار آخر شد

 صبح‌ امّيد كه‌ بُد معتكف‌ پردة‌ غيب‌               گو برون‌ آي‌ كه‌ كار شب‌ تار آخرشد[4]

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ المرحوم‌ الحاج‌ مؤمن‌ الشيرازي‌ و ملاقاته‌ لاحد أولياء الله‌ في‌ طريق‌ مشهد المقدّسة‌

 كان‌ لي‌ صديق‌ من‌ أهل‌ شيراز يُدعي‌ الحاج‌ مؤمن‌ التحق‌ بالرحمة الابديّة‌ قبل‌ حوالي‌ خمس‌ عشرة‌ سنة‌، و كان‌ رجلاً مُشرق‌ القلب‌ صافي‌ الضمير مؤمناً متّقياً، و كان‌ الحقير قد عقد معه‌ عهد الاخوة‌، ولي‌ في‌ أدعيته‌ و الاستشفاع‌ به‌ كبير الامل‌.

 كان‌ يقول‌: لقد نلتُ الشرف‌ كراراً بلقاء الحجّة‌ بن‌ الحسن‌ العسكري‌ عجّل‌ الله‌ فرجه‌. و كان‌ ينقل‌ الكثير من‌ المطالب‌ و يأبي‌ الإفصاح‌
 عن‌ بعضها الآخر. و كان‌ يقول‌ في‌ جملتها: قال‌ لي‌ يوماً أحد أئمّة‌ الجماعة‌ في‌ شيراز: تعال‌ نذهب‌ معاً الی زيارة‌ الامام‌ علی بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌؛ و كان‌ قد استأجر سيّارة‌ خاصّة‌ و في‌ معيّته‌ عدّة‌ من‌ التّجار.

 و هكذا فقد تحرّكنا في‌ سفرنا حتّي‌ وصلنا مدينة‌ قم‌، فتوقفّنا هناك‌ ليلةً أو ليلتين‌ لزيارة‌ السيّدة‌ المعصومة‌ عليها السلام‌، فحصلت‌ لي‌ حالات‌ عجيبة‌ و انكشف‌ لي‌ الكثير من‌ الحقائق‌. هذا و قد التقيت‌ عصر أحد الايّام‌ بشخص‌ جليل‌ في‌ الصحن‌ المطهّر للمعصومة‌ سلام‌ الله‌ عليها و وعدني‌ بأمور.

 ثم‌ تحرّكنا صوب‌ طهران‌، و منها في‌ اتّجاه‌ مشهد المقدّسة‌، و حين‌ اجتزنا مدينة‌ نيشابور شاهدنا رجلاً في‌ هيئة‌ عوام‌ الناس‌ يسير بمحاذاة‌ الطريق‌ متّجهاً الی مشهد و هو يحمل‌ جراباً علی ظهره‌، فقال‌ ركّاب‌ السيّارة‌: دعونا نحمل‌ معنا هذا الرجل‌، ففي‌ ذلك‌ ثواب‌ لنا، كما انّ في‌ السيارة‌ مكاناً له‌.

 توقّفت‌ السيارة‌ و ترجّل‌ منها عدّة‌ أشخاص‌ و كنتُ في‌ جملتهم‌، فدعونا ذلك‌ الرجل‌ للركوب‌ معنا في‌ السيارة‌ فلم‌ يوافق‌، ثم‌ قبل‌ بعد إلحاح‌ شديد و اشترط‌ علی أن‌ يركب‌ الی جانبي‌، و أن‌ أطيعه‌ فيما يقوله‌ فلا أخالف‌ له‌ أمراً.

 ركب‌ الرجل‌ السيّارة‌ و جلس‌ الی جانبي‌، فكان‌ يتحدثّ معي‌ طيلة‌ الطريق‌ و يُخبر عن‌ كثير من‌ الوقائع‌ و يصف‌ حالاتي‌ واحدةً واحدة‌ الی آخر العمر، و كنتُ أجد في‌ نصائحه‌ و مواعظه‌ لذّة‌ كبيرة‌ و أعدّ لقائي‌ بشخص‌ كهذا من‌ مواهب‌ الخالق‌ السنيّة‌ و من‌ كرم‌ ضيافة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌.

 و هكذا سرنا حتّي‌ وصلنا الی منطقة‌ «قدمگاه‌»، ذلك‌ المكان‌ الذي‌ كان‌ معاونو السّواق‌ يأخذون‌ نقوداً من‌ المسافرين‌ عند وصوله‌ كبشارة‌ لرؤية‌ القبّة‌ المقامة‌ هناك‌.

 فترجّلنا جميعاً من‌ السيارة‌. و كان‌ قد حلّ وقت‌ تناول‌ الطعام‌، فأردت‌ الالتحاق‌ برفقائي‌ الذين‌ جئت‌ معهم‌ من‌ شيراز، و الذين‌ كنت‌ حتي‌ الآن‌ أتناول‌ معهم‌ الطعام‌ علی مائدة‌ واحدة‌.

 فقال‌ الرجل‌: لا تذهب‌ هناك‌، و تعال‌ لنأكل‌ معاً!

 فاستحييتُ أن‌ أنصرف‌ عن‌ رفقائي‌ الشيرازيين‌ الذين‌ كنت‌ حتّي‌ الآن‌ أشاركهم‌ الطعام‌ بشكل‌ منتظم‌، بيد انّي‌ كنتُ مُلزماً بعدم‌ مخالفة‌ كلامه‌، لذا فقد أجبرت‌ علی الموافقة‌، فذهبتُ معه‌ الی حيث‌ جلسنا في‌ زاوية‌ ما، و قام‌ الرجل‌ بإخراج‌ منديل‌ من‌ الجراب‌ الذي‌ معه‌ ففتحه‌، فكان‌ فيه‌ خبز طازج‌ وقدر من‌ الزبيب‌ الاخضر، فشرعنا بتناول‌ الطعام‌ حتّي‌ اكتفينا، و كان‌ طعاماً لذيذاً هانئاً.

 ثمّ قال‌ لي‌ ءانذاك‌: إن‌ أحببتَ الآن‌ أن‌ تذهب‌ لتري‌ رفقاءك‌ و تتفقّدهم‌ فلا ضير في‌ ذلك‌. فنهضتُ و ذهبتُ اليهم‌ و رأيتُ ـ و يا للهول‌ ـ أنّ الإناء المشترك‌ الذي‌ يأكلون‌ منه‌ كان‌ مليئاً بالدم‌ و الاقذار، و أنّهم‌ كانوا يتناولون‌ منه‌ فيأكلون‌، كانت‌ أيديهم‌ و أفواههم‌ ملوّثة‌ هي‌ الاخري‌، و لم‌ يكونوا يعلمون‌ أبداً بما كانوا يفعلون‌، و بأي‌ّ ذائقة‌ كانوا يأكلون‌.

 لم‌ أنبس‌ ببنت‌ شفة‌، لانيّ كنت‌ مأموراً بالسكوت‌ في‌ جميع‌ الاحوال‌، ثم‌ عدتُ الی ذلك‌ الرجل‌ فقال‌: إجلس‌! أرأيتَ ما كان‌ يأكل‌ رفقاؤك‌؟ لقد كان‌ طعامك‌ أنت‌ الآخر من‌ هذه‌ الاشياء ابتداءً من‌ شيراز الی هنا، لكنّك‌ لم‌تكن‌ تعلم‌، فالاكل‌ الحرام‌ و المشتبه‌ حاله‌ هكذا. لا تتناول‌ من‌ أغذية‌ المقاهي‌ فانّ طعام‌ السوق‌ مكروه‌!

 قلت‌: سأفعل‌ إن‌ شاءالله‌ تعالي‌، أعوذ بالله‌ و أستكفيه‌.

 قال‌ الرجل‌: ايّها الحاج‌ مؤمن‌! لقد حان‌ موتي‌، و سأذهب‌ الی أعلي‌ هذا التلّ فأموت‌ هناك‌، فخُذ هذه‌ الصرّة‌ فانّ فيها نقود عليك‌ أن‌ تنفقها في‌ تغسيلي‌ و تكفيني‌ و دفني‌، و عليك‌ ان‌ تدفنّي‌ حيثما أشار السيد هاشم‌. (السيد هاشم‌ هو إمام‌ الجماعة‌ الشيرازي‌ الذي‌ قدم‌ الجماعة‌ في‌ معيته‌ الی مشهد).

 قلتُ: يا للويل‌! أتريد أن‌ تموت‌؟!

 قال‌: صَهْ! انّني‌ سأموت‌، فلا تخبر بذلك‌ أحداً.

 ثم‌ وقف‌ مستقبلاً المرقد المطهّر للإمام‌ عليه‌ السلام‌ فسلّم‌ عليه‌ و أكثر من‌ البكاء، ثم‌ قال‌: لقد جئت‌ الی هنا للثم‌ أعتابك‌، بيد انّه‌ لم‌ يُكتب‌ لي‌ من‌ السعادة‌ أكثر من‌ ذلك‌ بحيث‌ أحظي‌ بالتشرّف‌ بالوصول‌ الی مرقدك‌.

 ثمّارتقي‌ ذلك‌ الرجل‌ التلّ، و كنتُ حائراً مدهوشاً، لكأنّ عنان‌ تفكيري‌ و إرادتي‌ قد خرج‌ من‌ يدي‌.

 ثم‌ ارتقيت‌ التلّ، فرأيته‌ مستلقياً علی ظهره‌ مستقبلاً القبلة‌ بوجهه‌ وقدميه‌، و قد فارق‌ الحياة‌ باسماً، يُخال‌ للمرء انّ ألف‌ سنة‌ قد مرّت‌ علی موته‌.

 هبطتُ الی الاسفل‌ و توجّهت‌ نحو السيدّ هاشم‌ و سائر الرفقاء وأخبرتهم‌ بالامر، فتأسّفوا لذلك‌ كثيراً و لا موني‌ قائلين‌: لِمَ لَمْ تخبرنا بذلك‌ و تطلعنا علی هذه‌ الوقائع‌؟

 قلتُ: لقد أمرني‌ نفسه‌ بذلك‌، و لو كنت‌ أعلم‌ أنه‌ لا يرضي‌ بذلك‌ بعد موته‌، لما أظهرته‌ لكم‌ الآن‌. فأظهر سائق‌ السيّارة‌ و معاونه‌ و السيّد و سائر الرفقاء أسفهم‌، ثم‌ ارتقينا الی أعلي‌ التلّ فأنزلنا الجنازة‌ و وضعناها داخل‌ السيّارة‌ و اتجهنا نحو مشهد المقدّسة‌.

 و كان‌ السيد (هاشم‌) يقول‌: لقد كان‌ هذا الرجل‌ حقّاً من‌ أولياء الله‌، وقد جعل‌ الله‌ شرف‌ صحبته‌ من‌ نصيبك‌، و ينبغي‌ أن‌ تُدفن‌ جنازته‌ باحترام‌. و ردنا مشهد المقدّسة‌ فذهب‌ السيّد علی الفور الی أحد العلماء هناك‌ وأطلعه‌ علی هذه‌ الواقعة‌، فجاء ذلك‌ العالم‌ مع‌ جماعة‌ كثيرة‌ للتجهيز والتكفين‌، فغسّله‌ و كفّنه‌ و صلّي‌ عليه‌، ثم‌ دُفن‌ في‌ أحدي‌ زوايا الصحن‌ المطهّر، و كنتُ أُنفق‌ علی مصارف‌ ذلك‌ من‌ الصرّة‌، حتي‌ اذا فرعنا من‌ الدفن‌ نفدت‌ نقود الصرّة‌، لم‌ تنقص‌ و لم‌ تزد شيئاً، و كان‌ مجموع‌ نقود تلك‌ الصرّة‌ اثني‌ عشر توماناً.

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ المرحوم‌ الحكيم‌ الهيدجي‌ و الموت‌ الاختياري‌

 كان‌ المرحوم‌ الشيخ‌ محمّد الحكيم‌ الهيدجي‌ من‌ علماء طهران‌، و قد بقي‌ الی آخر عمره‌ يقطن‌ غرفة‌ في‌ المدرسة‌ المنيرية‌ المتّصلة‌ بقبر ذريّة‌ الامام‌: السيد ناصرالدين‌ (الذي‌ يرجع‌ نسبه‌ الی أحد الائمة‌ الاطهار). و قد هُدمت‌ تلك‌ المدرسة‌ فيما بعد بسبب‌ تعريض‌ الشارع‌ و توسعته‌.

 و كان‌ رجلاً حكيماً و عارفاً منزّهاً عن‌ طريقة‌ أهل‌ الغرور، و كان‌ مراقباً ذا ضمير صاف‌ و قلب‌ مشرق‌ مُضاء و فكرٍ سام‌.

 و قد اشتغل‌ الحكيم‌ الهيدجي‌ بالتدريس‌ الی آخر عمره‌، فكان‌ يشرح‌ لاي‌ّ طالب‌ من‌ طلبة‌ العلوم‌ الدينيّة‌ ماشاء من‌ الدروس‌، ابتداءً من‌ شرح‌ المنظومة‌ السبزواريّة‌، و أسفار الملاّ صدرا، و الشفاء، و الإشارات‌، وصولاً الی دروس‌ العربيّة‌ التي‌ تدرس‌ في‌البدايات‌، كجامع‌ المقدّمات‌. كان‌ يشرح‌ ذلك‌ كلّه‌ بلا إباء، و كان‌ يستقبل‌ الجميع‌ في‌ تعليم‌ الدروس‌الدينيّة‌ لا يستثني‌ منهم‌ أحداً.

 و من‌ بين‌ تلامذة‌ المرحوم‌ الهيدجي‌: الآخوند المولي‌ علی الهمداني‌، العالم‌ المتّقي‌ الذي‌ يعدّ حاليّاً من‌ علماء همدان‌ البارزين‌، حيث‌ درس‌ لديه‌ الحكمة‌ و تتلمذ فيها عنده‌.

 قيل‌ أنّ المرحوم‌ الهيدجي‌ كان‌ يُنكر حصول‌ الموت‌ الإختياري‌، ويعدّ الخلع‌ و اللبس‌ الإختياري‌ أمراً محالاً، و يتصوّر هذه‌ الدرجة‌ و الكمال‌ أمراً بعيد المنال‌ عن‌ الناس‌، و كان‌ يُنكر ذلك‌ و يرفضه‌ بشدّة‌ في‌ بحثه‌ مع‌ تلامذته‌.

 و حصل‌ ليلةً أن‌ كان‌ في‌ غرفته‌ مشغولاً بورده‌ بعد فراغه‌ من‌ فريضة‌ العشاء، فدخل‌ عليه‌ فجأة‌ رجل‌ قرويّ عجوز فسلّم‌ و وضع‌ عصاه‌ في‌ زواية‌ الغرفة‌ و قال‌: ما شأنك‌ يا سماحة‌ الشيخ‌ و هذه‌ الامور؟

 ردّ الهيدجي‌: أيّ أمور؟!

 قال‌ الرجل‌ العجوز: الموت‌ الإختياري‌ و إنكاره‌، فما علاقتك‌ أنت‌ بمثل‌ هذه‌ الكلام‌؟

 قال‌ الهيدجي‌: هذا واجبنا. البحث‌ و النقد و التحليل‌ عملنا، فنحن‌ ندرّس‌ و لدينا مطالعات‌ حول‌ هذه‌ الامور بذلنا فيها جهوداً و أتعاباً، نحن‌
 لا نقول‌ شيئاً من‌ عندنا!

 قال‌ العجوز: ألا تقبل‌ بالموت‌ الإختياري‌؟

 قال‌ الهيدجي‌: كلاّ!

 فمدّ العجوز رجليه‌ تجاه‌ القبلة‌ أما أعين‌ الهيدجي‌، و استلقي‌ علی قفاه‌ و قال‌: إِنَّا لِلهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، و رحل‌ عن‌ الدنيا لكأنّه‌ توفّي‌ منذ ألف‌ سنة‌.

 فاضطرب‌ الحكيم‌ الهيدجي‌ أن‌: يا الـهي‌، ما هذا البلاء الذي‌ حلّ بنا الليلة‌؟ ماذا ستفعل‌ الحكومة‌ بنا؟ سيقولون‌: أخذتَ رجلاً غريباً الی غرفتك‌ فقتلتَه‌ سمّاً أو خنقاً.

 يقول‌ الهيدجي‌: هُرعتُ بلا شعور فأخبرت‌ الطلاّب‌، فجاءوا الی الغرفة‌ و تحيّروا بأجمعهم‌ و لفّهم‌ القلق‌ من‌ هذه‌ الحادثة‌. ثم‌ صار الاتفّاق‌ علی ان‌ يقوم‌ خادم‌ المسجد بجلب‌ تابوت‌ لينقلونه‌ ليلاً الی ساحة‌ المدرسة‌ المسيّجة‌، علی ان‌ نقوم‌ غداً بأمور تجهيزه‌ و اعداد الاستشهادات‌ المطلوبة‌. و فجأة‌ نهض‌ الرجل‌ من‌ مكانه‌ جالساً و قال‌: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم‌، ثم‌ التفتَ الی الهيدجي‌ و قال‌ ضاحكاً، أصدّقتَ الآن‌؟

 ردّ الهيدجي‌: نعم‌! صدّقتُ، باللهِ لقد صدّقتُ. لقد زعزعتني‌ الليلة‌ وأهلكتني‌.

 فقال‌: العجوز: أيّها العزيز، ليس‌ الامر بقراءة‌ الدروس‌ فقط‌، عبادة‌ نصف‌ الليل‌ هي‌ الاخري‌ واجبة‌. التعبّد أيضاً مطلوب‌، الامر الفلاني‌ مطلوب‌ و مطلوب‌ و مطلوب‌... إلخ‌. انّك‌ تقرأ و تكتب‌ و تتحدّث‌ فقط‌، أفهذا وحده‌ كافٍ للامر؟!

 و هكذا فقد غيرّ الحكيم‌ الهيدجي‌ طريقته‌ منذ تلك‌ الليلة‌، فصار يصرف‌ نصف‌ ساعاته‌ للمطالعة‌ و الكتابة‌ و التدريس‌، و النصف‌ الآخر للتفكرّ و الذكر و عبادة‌ الله‌ جلّ و عزّ، و صار يتجافي‌ عن‌ المضجع‌ اذا جنّه‌ الليل‌، و مجمل‌ الامر انّه‌ وصل‌ الی حيث‌ ينبغي‌ له‌ أن‌ يصل‌، فصار قلبه‌ منورّاً بنور الله‌، و تنزّه‌ سرّه‌ عن‌ غير الله‌ سبحانه‌، و صار له‌ الانس‌ و الالفة‌ بربّه‌ في‌ كلّ حال‌. و يمكن‌ فهم‌ حالاته‌ و أطواره‌ من‌ ديوان‌ شعره‌ بالفارسيّة‌ و التركيّة‌، كما انّ له‌ حاشية‌ علی شرح‌ المنظومة‌ السبزواريّة‌ في‌ غاية‌ الفائدة‌.

 هذا و قد طُبعت‌ وصيّته‌ آخر ديوانه‌، و هي‌ وصيّة‌ جميلة‌ تستحقّ المطالعة‌، فقد كتب‌ بعد حمد الله‌ و بيان‌ الشهادتين‌ و تقسيم‌ أثاثه‌ و كتبه‌ يقول‌: «و أرجو من‌ الرفقاء أن‌ لا يضعوا عمامتي‌ عند موتي‌ علی التابوت‌، فليس‌ هناك‌ من‌ داعٍ لإثارة‌ الضجّة‌، و ان‌ لا يكون‌ مجلس‌ الفاتحة‌ علی مدعاةً لإزعاج‌ أحد، فقد خُتم‌ عمري‌ و خُتم‌ عملي‌، فليفرح‌ أصدقائي‌ لانيّ أنجو من‌ سجن‌ الطبيعة‌ و أذهب‌ الی المقصود و أحصل‌ علی عمر دائمي‌ّ. و اذا ما كان‌ الاصدقاء مغتميّن‌ للفراق‌، فانّهم‌ سيأتون‌ إن‌ شاءالله‌ فنزور بعضنا البعض‌ هناك‌. و لقد كان‌ بودّي‌ أن‌ يكون‌ لديّ نقود لاعطيها للرفقاء ليعدّوا مجلس‌ فرح‌ و سرور في‌ ليلة‌ رحيلي‌ ليبعث‌ ذلك‌ السرور، و ذلك‌ لان‌ تلك‌ الليلة‌ كانت‌ ليلة‌ وصالي‌. و قد كان‌ المرحوم‌ الرفيق‌ الشفيق‌ السيد مهدي‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ و عدني‌ أن‌ يضيفني‌ و سَيفي‌ بوعده‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌».

 كان‌ جميع‌ طلاّب‌ المدرسة‌ المنيريّة‌ يقولون‌ انّ المرحوم‌ الهيدجي‌ قام‌ عند حلول‌ الليل‌ بجمع‌ الطلاّب‌ جميعاً فنصحهم‌ و وعظهم‌ و دعاهم‌ الي‌التحلّي‌ بالاخلاق‌، و كان‌ يضحك‌ و يمزح‌ كثيراً، و كنّا نعجب‌: لماذا يمزح‌ الليلة‌ كلّ هذا المزاح‌ هذا الرجل‌ الذي‌ طالما شُغل‌ بالعبادة‌ ليلاً؟! ولماذا يشغلنا بعبارات‌ النصائح‌؟ بيد اننا لم‌ نكن‌ نعلم‌ بحقيقة‌ الامر.

 و لقد صلّي‌ الهيدجي‌ صلاة‌ الصبح‌ أوّل‌ حلول‌ الفجر الصادق‌ ثم‌ دخل‌ غرفته‌ فأخلد للنوم‌، ثم‌ دخلوا عليه‌ الغرفة‌ بعد ساعة‌ فوجدوه‌ نائماً مستقبلاً القبلة‌ و قد أسلم‌ الروح‌، رحمة‌ الله‌ عليه‌.

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ المرحوم‌ الحاج‌ هادي‌ الابهري‌ و المرحوم‌ ءاية‌ الله‌ الشيخ‌ مرتضي الطالقاني‌

 كان‌ لي‌ فيما مضي‌ صديق‌ يمتلك‌ ضميراً حيّاً و قلباً مضاءاً، و كان‌ متّقياً مخلصاً وَلِهاً من‌ العشّاق‌ الحسينيّن‌ الحقيقييّن‌ ذا فهم‌ واسع‌ يدعي‌ الحاج‌ هادي‌ خان‌ صنمي‌ الابهري‌. و قد عاش‌ 82 سنة‌ و رحل‌ عن‌ الدنيا منذ خمس‌ سنين‌. و قد دامت‌ رفقتي‌ له‌ ما يقارب‌ الثمان‌ عشرة‌ سنة‌، و كنتُ قد عقدتُ معه‌ عهد الاخوّة‌ و آمل‌ في‌ شفاعته‌ لي‌.

 و قد نقل‌ لي‌ هذا الشخص‌: حصل‌ في‌ أحد أسفاري‌ التي‌ تشرّفت‌ فيها بزيارة‌ العتبات‌ المقدّسة‌، أن‌ بقيت‌ للزيارة‌ في‌النجف‌ الاشرف‌ عدة‌ أيّام‌، فلم‌ أجد أحداً أُجالسه‌ و أبثّه‌ همّي‌ عسي‌ أن‌ يجد قلبي‌ الولهان‌ برد الراحة‌ والطمئنان‌.

 ثم‌ تشرّفت‌ يوماً بالذهاب‌ الی الحرم‌ المطهّر، فأدّيت‌ الزيارة‌ وجلستُ مدّة‌ في‌ الحرم‌ فلم‌ أعثر علی أحد. فالتفتُّ الی أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ و قلتُ: فديتُك‌ يا مولاي‌! نحن‌ ضيوفك‌، و أنا أدور في‌ النجف‌ منذ عدّة‌ أيّام‌ فلا أجد أحداً، حاشي‌ لكرمك‌!

 ثم‌ خرجتُ من‌ الحرم‌ و وردتُ بلا اختيار منّي‌ في‌ سوق‌ الحُوَيْش‌، حتي‌ وصلتُ الی مدرسة‌ المرحوم‌ السيد محمّد كاظم‌ اليزدي‌، فجلست‌ في‌ ساحة‌ المدرسة‌ علی منصّة‌ تقابل‌ احدي‌ الغرف‌.

 ثمّ حلّ الظهر فشاهدت‌ أمامي‌ في‌ الطابق‌ العلوي‌ّ شيخاً قد خرج‌ من‌ غرفته‌، و كان‌ مشرق‌ القلب‌ و في‌ غاية‌ الوسامة‌ و النضارة‌، فذهب‌ الی سطح‌ المدرسة‌ فأذّن‌ للصلاة‌ و عاد، و حين‌ أراد الدخول‌ الی غرفته‌ سقط‌ بصري‌ علی وجهه‌ فرأيت‌ عارضيه‌ تبلالآن‌ إثر الاذان‌ كسفطي‌ نور، ثم‌ دخل‌ الشيخ‌ الغرفة‌ و ردّ الباب‌.

 شرعتُ بالبكاء و قلتُ: يا أميرالمؤمنين‌، وجدتُ رجلاً بعد عدّة‌ أيّام‌، لكنّه‌ لم‌ يعرني‌ اهتماماً.

 و فجأة‌ فتح‌ الشيخ‌ باب‌ الغرفة‌ و التفت‌ الی و أشار: تعال‌ الی فوق‌. نهضتُ و صعدتُ الی الطابق‌ العلوي‌ و دخلتُ غرفته‌ فاعتنقنا و بكينا مدّة‌، ثم‌ جلسنا صامتين‌ ننظر الی بعضنا، ثم‌ انفصلنا عن‌ بعضنا. و كان‌ ذلك‌ الشيخ‌ ذو الضمير المشرق‌ هو المرحوم‌ الشيخ‌ مرتضي‌ الطالقاني‌ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ الشريف‌، الذي‌ كان‌ يمتلك‌ ملكات‌ نفسيّة‌ فاضلة‌، و الذي‌عاش‌ في‌ المدرسة‌ الی آخر عمره‌، و كان‌ يشتغل‌ بالتدريس‌ شأنه‌ شأن‌ الحكيم‌ الهيدجي‌، فكان‌ يشرح‌ لكلّ فرد من‌ الطلاّب‌ ما يشاء من‌ الدروس‌، من‌ جامع‌ المقدّمات‌، و المغني‌، و المطوّل‌، و شرح‌ اللمعة‌، و مكاسب‌ الشيخ‌، و شرح‌ المنظومة‌، الی الاسفار. و كانت‌ طريقته‌ في‌ التدريس‌ انّ الطلاّب‌ يقرأون‌ المتن‌ فيشرح‌ لهم‌ و يفسّر المعاني‌.

 و ينقل‌ طلاّب‌ مدرسة‌ السيّد «اليزدي‌» بأجمعهم‌: جمع‌ المرحوم‌ الشيخ‌ مرتضي‌ جميع‌ الطلبة‌ ليلة‌ رحلته‌، و كان‌ مبتهجاً سعيداً طوال‌ الليل‌، يمزح‌ مع‌ الجميع‌ و يذكر النكات‌ المضحكة‌، و كان‌ كلّما أراد طلاّب‌ المدرسة‌ الذهاب‌ الی غرفهم‌ يقول‌ لهم‌: انّ ليلة‌ واحدة‌ غنيمة‌. و لم‌ يكن‌ لاحد منهم‌ خبر عن‌ موته‌.

 و عند طلوع‌ الفجر الصادق‌ ذهب‌ الشيخ‌ الی سطح‌ المدرسة‌ فأذّن‌، ثم‌ نزل‌ و ذهب‌ الی غرفته‌، ثم‌ وجدوه‌ و الشمس‌ لم‌ تبزغ‌ بعدُ نائماً في‌ غرفته‌ مستقبلاً القبلة‌ و قد وضع‌ علی بدنه‌ ملاءة‌ و أسلم‌ الروح‌.

 الرجوع الي الفهرس

إخبار المرحوم‌ ءاية‌ الله‌ الشيخ‌ مرتضي‌ الطالقاني‌ عن‌ موته‌

 يقول‌ خادم‌ مدرسة‌ السيّد «اليزدي‌»: صادفني‌ الشيخ‌ في‌ ساحة‌ المدرسة‌ عند عبوره‌ عصر اليوم‌ الذي‌ سبق‌ وفاته‌، فقال‌ لي‌:

 (أنْتَ تَنَامُ اللَّيْلَةَ وَ تَقْعُدُ بِالصُّبْحِ وَ تَرُوحُ إلَي‌' الْخَلْوَةِ وَ تَجِي‌ء يَمَّ الْحَوضَ تَتَوَضَّأُ، يَقُولُونَ شَيْخَ مُرتْضَي‌' مَاتَ).

 ـ و قد تكلّم‌ المرحوم‌ بهذه‌ العبارات‌ باعتبار ان‌ خادم‌ المدرسة‌ كان‌ عربيّاً ـ يقول‌ الخادم‌: لم‌ أدرك‌ قصده‌ أبداً، و تلقيّت‌ هذه‌ الجملات‌ باعتبارها كلاماً بسيطاً مقروناً بالمزاح‌ و النكتة‌، لكنني‌ نهضت‌ صباح‌ اليوم‌ التالي‌ وكنت‌ مشغولاً بالوضوء جنب‌ حوض‌ الماء حين‌ سمعت‌ طلبة‌ المدرسة‌ يقولون‌: مات‌ الشيخ‌ مرتضي‌. رحمة‌ الله‌ عليه‌ رحمةً واسعة‌.

 مرگ‌ اگر مرد است‌ گو نزد من‌ آي                 ‌ تا در آغوشش‌ بگيرم‌ تنگ‌ تنگ‌

 من‌ ز او جاني‌ ستانم‌ پر بها                       او ز من‌ دلقي‌ ستاند رنگ‌ رنگ‌ [5]

 يروي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «معاني‌ الاخبار»، عن‌ محمد بن‌ ابراهيم‌، عن‌ أحمد بن‌ يونس‌ المعاذي‌، عن‌ أحمد بن‌ محمد بن‌ سعيد
 الكوفي‌، عن‌ محمد بن‌ محمد بن‌ الاشعث‌، عن‌ موسي‌ بن‌ اسماعيل‌،
 عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌، عن‌ الامام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌: قال‌:

 كان‌ للحسن‌ بن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ صلوات‌ الله‌ عليهما صديق‌، و كان‌ ماجناً فتباطي‌ عليه‌ أيّاماً، فجاءه‌ يوماً فقال‌ له‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌:

 كيف‌ أصبحتَ؟

 فقال‌: يا بن‌ رسول‌ الله‌ أصبحتُ بخلاف‌ ما أحبُّ و يحبُّ اللهُ و يحبّ الشيطان‌.

 فضحك‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، ثم‌ قال‌: و كيف‌ ذاك‌؟

 قال‌: لان‌ الله‌ عزّوجلّ يحبّ أن‌ أطيعه‌ و لا أعصيه‌ و لستُ كذلك‌، والشيطان‌ يحبّ أن‌ أعصي‌ الله‌ و لا أطيعه‌ و لستُ كذلك‌، و أنا أحبّ أن‌ لا أموت‌ و لستُ كذلك‌.

 فقام‌ اليه‌ رجل‌ فقال‌: يَابنَ رَسولِ اللَهِ! مَا بَالَنَا نَكْرَهُ الْمَوتَ وَ لاَنُحِبُّهُ؟

 قال‌: فقال‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌: لانَّكُمْ أَخرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ وَ عَمَّرتُمْ دُنْيَاكُمْ، و أَنْتُمْ تَكْرَهُونَ النَّقْلَةَ مِنَ الْعُمْرانِ الی الْخَرَابِ. [6]

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ في‌ كيفيّة‌ إشراق‌ سيماء سيد الشهداء عليه‌ السلام‌

 و يروي‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «معاني‌ الاخبار» أيضاً عن‌ مفسّر، عن‌ أحمد بن‌ الحسن‌ الحسيني‌، عن‌ الحسن‌ بن‌ علی الناصري‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ أبي‌ جعفر الجواد، عن‌ آبائه‌ عليهم‌ السلام‌، عن‌ عليّ ابن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌:

 لَمَّا اشتَدَّ الامْرُ بِالحُسَيْنِ بنِ علی بنِ أَبِي‌ طَالِبٍ عليه‌ السَّلامُ نَظَرَ اِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَاذَا هُوَ بِخِلاَفِهِمْ؛ لاِنَّهُمْ كُلَّمَا اشتَدَّ الاْمْرُ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، وَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ كَانَ الْحُسَيْنُ عليه‌ السلامُ وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تَشْرَقُ أَلْوَانُهُمْ، وَ تَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ، وَ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:

 أُنْظُرُوا لاَ يُبَالِي‌ بِالْمَوتِ!

 فَقَالَ لَهُم‌ الْحُسَينُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: صَبْراً بَنِي‌ الْكِرَامِ! فَمَا الْمَوتُ اِلاَّ قَنْطَرَةٌ تَعْبُر بِكُمْ عَنِ الْبُؤسِ وَ الضَّرّاءِ اِلَي‌' الْجِنَانِ الْوَاسِعَةِ وَ النَّعِيمِ الدَّائِمَةِ. فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَن‌ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ الی قَصْرٍ؟

 وَ مَا هُوَ لاِعَْدَائِكُمْ اِلاَّ كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ الی سِجْنٍ وَ عَذَابٍ. إِنَّ أَبِي‌ حَدَّثَنِي‌ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اِنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ وَ الْمَوتُ جِسْرُ هَؤُلاَءِ الی جَنَّاتِهِمْ، وَ جِسْرُ هُؤلاَءِ الی جَحِيمِهِمْ، ما كَذِبْتُ وَ لاَ كُذِبْتُ. [7]

 الرجوع الي الفهرس

 

 

المجلس‌ الرابع‌:

 في‌ انّ العمر هو الرأس مال‌ الافضل‌ لتكامل‌ الإنسان‌ و تساميه‌

 

بسم‌ اللَه‌ الرحمن‌ الرحيم‌

و الحمد لله‌ ربّ العالمين‌ و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

و صلّي‌ الله‌ علی محمد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ الی يوم‌ الدين‌

 

(اُلقيت‌ هذه‌ المطالب‌ في‌ اليوم‌ الرابع‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

 قال‌ اللَه‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإذْنِ اللَهِ كِتَـ'بًا مُؤَجَّلاً وَ مَن‌ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَ مَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤتِهِ مِنْهَا وَ سَنْجزِي‌الشَّـ'كِرِينَ.[8]

 يستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ انّ الدنيا هي‌ محلّ الاختيار، فقد خلق‌ الله‌ سبحانه‌ الإنسان‌ مختاراً، و وهبه‌ الغرائز المختلفة‌ من‌ الإحساسات‌ والعواطف‌ و القوي‌ العقليّة‌ و الرغبات‌ الطبعية‌ و الماديّة‌ و المعنويّة‌، ليقوم‌ الإنسان‌ بطيّ هذا الطريق‌ باختياره‌ و إرادته‌.

 فإن‌ كان‌ هدفه‌ من‌ الحياة‌ علی ظهر الارض‌ ركوب‌ الشهوات‌ و غلبة‌ الإحساسات‌ علی القوي‌ العقليّة‌، و في‌ النتيجة‌ التجاسر علی حقوق‌ الآخرين‌ و التعدّي‌ عليها، فان‌ النتيجة‌ ستكون‌ هذه‌ المتع‌ و اللذائذ الفانية‌ و غلبة‌ العواطف‌ الزائلة‌ المؤقتّة‌ فقط‌، امّا اذا عيّن‌ اسلوبه‌ علی أساس‌ من‌ منطق‌ العقل‌، و عدّل‌ مسار أحاسيسه‌ علی الدوام‌ بتلك‌ الطاقة‌ العظيمة‌ المقتدرة‌، فأفاد من‌ كلّ منها بالقدر اللازم‌، و في‌ موقع‌ الحاجة‌، فانّ العاقبة‌ ستكون‌ أيضاً محفوظة‌ عند الله‌ الذي‌ سيجزيه‌ ثوابه‌ وفق‌ ذلك‌ القانون‌ الاصيل‌.

 الرجوع الي الفهرس

مقولة‌ أبي‌ذر في‌ علّة‌ الخوف‌ من‌ الموت‌

 روي‌ في‌ كتاب‌ «جامع‌ الاخبار» انّ رجلاً سأل‌ أباذر الغفاري‌:

 مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوتَ؟ قَالَ: لاِنَّكُمْ عَمَّرتُمُ الدُّنْيَا وَ خَرَّبْتُمُ الآخِرَةِ، فَتَكْرَهُونَ أَن‌ تَنْتَقِلُوا مِن‌ عُمْرانٍ الی خَرَابٍ.

 قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرَي‌ قُدُومَنَا علی اللَهِ؟

 قَالَ: أمَّا الْمُحْسِنُ فَكَالْغَائِبِ يَقْدِمُ علی أَهْلِهِ، وَ أَمَّا الْمُسِي‌ء فَكَالآبِقِ يَقْدِمُ علی مُوْلاَهُ.

 أيّ سرور و نشاط‌ و لذّة‌ لا توصف‌ يحسّ بها ذلك‌ الغائب‌ الذي‌ يعودالي‌ بيته‌ فيلتقي‌ بأهله‌ و أقاربه‌؟ ذلك‌ السرور و النشاط‌ الذي‌ لا حدّ له‌ سيحسّ الغائب‌ به‌ حين‌ يرد علی ربّه‌ المحسن‌ فيصبح‌ مورداً لانعامه‌ و إكرامه‌ و إحسانه‌ الذي‌ لا يتناهي‌، و سينعم‌ هذا الشخص‌ بالجمال‌ الظاهر للشاهد الازلي‌ّ.

 أمّا قدوم‌ المذنب‌ المسي‌ء علی ربّه‌ فأشبه‌ بورود الغلام‌ الآبق‌ الفارّ علی مولاه‌ حين‌ يُعتقل‌ و يؤتي‌ به‌، فأيّ حال‌ سيتملّك‌ ذلك‌ الغلام‌ المتمّرد المتجرّي‌ء الذي‌ يري‌ نفسه‌ تحت‌ براثن‌ غضب‌ المولي‌ و سخطه‌ الذي‌ لا حدود له‌؟ تلك‌ الحال‌ شبيهة‌ بحال‌ المسي‌ء الذي‌ تخطّي‌ ساحة‌ العبوديّة‌ للخالق‌ العزيز، و تجاسر و تعدّي‌ علی حقوقه‌ و حقوق‌ مخلوقاته‌، و تمرّد وتهوّر و تظاهر بأكثر ممّا هو فيه‌ من‌ مقام‌، حين‌ يحضر عند ربّه‌ الرؤوف‌ اللطيف‌ المنتقم‌، و ستغمره‌ حالة‌ من‌ الخجل‌ و الخزي‌ لا نهاية‌ لها، و سيري‌ نفسه‌ جديراً و معرّضاً لايّ نوع‌ من‌ العذاب‌ و العقاب‌.

 قِيلَ: فَكَيْفَ تَرَي‌ حَالَنَا عِنْدَ اللَهِ؟ قَالَ: اِعْرِضُوا أَعْمَالَكُمْ علی كِتَابِ اللَهِ تَبَارَك‌ وَ تَعَالَي‌: إنَّ الاَبْرَارَ لَفِي‌ نَعِيمٍ وَ إنَّ الْفُجَّارِ لَفِي‌ جَحِيمٍ.

 قَالَ الرَّجُلُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَهِ؟ قَالَ: إنَّ رَحَمَةَ اللَهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. [9]

 لا أن‌ يتصور الإنسان‌ أنه‌ بالرغم‌ من‌ افترافه‌ كل‌ انواع‌ التعديات‌ و كل‌ جرم‌ و جناية‌ فهو في‌ نفس‌ الوقت‌ موضع‌ رحمة‌ الله‌ فهذا الرجاء رجاء كاذب‌.

 الرجوع الي الفهرس

العمل‌ بالحقّ صعب‌ و بغير الحقّ سهل‌ و ملائم‌ للنفس‌

 و قد روي‌ العامّة‌ و الخاصّة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ أنّه‌ قال‌:

 اَلْجَنَّةُ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ وَ الصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ علی الْمَكَارِهِ فِي‌ الدُّنْيَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَ جَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَاتِ وَ الشَّهَواتِ، فَمَنْ أَعْطَي‌ نَفْسَهُ لَذَّتَهَا وَ شَهْوَتَهَا دَخَلَ النَّارَ. [10]

 و يمكن‌ الافادة‌ من‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ انّ جميع‌ الاعمال‌ التي‌ يقوم‌ بها الإنسان‌ ينبغي‌ أن‌ تكون‌ علی أساس‌ الحقّ، و انّ العمل‌ وفقاً للحقّ أمر لا يخلو من‌ الصعوبة‌، فحين‌ يرغب‌ الانسان‌ مثلاً في‌ إطعام‌ الفقراء و في‌ تقديم‌ معونة‌ الی يتيمٍ ما، فانّ هذا الامر يستلزم‌ فعاليّة‌ و جهداً، و يتطلّب‌ صرف‌ المال‌، و يستدعي‌ فقدان‌ الراحة‌ و الهدوء.

 و اذا ما أراد عيادة‌ مريض‌، فانّ عليه‌ ان‌ يقطع‌ الطريق‌ اليه‌، يصطحب‌ معه‌ هديّةً له‌، و أن‌ يجلس‌ مقابله‌ لحظات‌، فيري‌ المريض‌ في‌ حال‌ مرضه‌ وسقمه‌، و يسمع‌ تأوّهاته‌، و يُصغي‌ الی شكواه‌، ثم‌ يسعي‌ الی تهدئته‌ ومشاركته‌ ألمه‌ و حزنه‌ ببيانٍ لطيف‌ مناسب‌، و الی دعوته‌ الی الصبر والتحمّل‌. و علی هذا العائد ان‌ يتغاضي‌ بأناةٍ و كرامة‌ إن‌ بدرت‌ من‌المريض‌ عبارة‌ خشنة‌ لنفاد صبره‌ اثر شدّة‌ المرض‌ أو طوله‌، و أصولاً فانّ علی الانسان‌ عيادة‌ المريض‌ و لو باعدت‌ بينهما سنوات‌ طويلة‌ من‌ التنافر والخصام‌. و هي‌ اُمور يشقّ علی الانسان‌ القيام‌ بها، و ينبغي‌ عليه‌ ان‌ يتسلّط‌ علی رغباته‌ و ميوله‌ بقوي‌ العقل‌ و التقوي‌ ليمكنه‌ فعل‌ شي‌ءٍ منها.

 كما انّ الانسان‌ يرغب‌ في‌ أداء صلاة‌ الليل‌، فيرقد في‌ الليل‌ في‌ نوم‌ مريح‌ هاني‌ء، و يصافحه‌ النسيم‌ العليل‌ في‌ رقوده‌، فيصعب‌ عليه‌ النهوض‌ والتجافي‌ عن‌ فراش‌ الدعة‌ و الراحة‌.

 و كذلك‌ يعسر الصيام‌ في‌ شهر رمضان‌ في‌ ايّام‌ الصيف‌ الحارّة‌ الطويلة‌، و يعسر الجهاد في‌ سبيل‌ الله‌ و البُعد عن‌ الوطن‌ و تعريض‌ النفس‌ للسهام‌ و السيوف‌، و يعسر القيام‌ بالحجّ و ترك‌ الاهل‌ و البيت‌، و الحركة‌ حاسراً حافياً الی الكعبة‌ الحقيقيّة‌ في‌ أرض‌ مكّة‌، كما انّ الطواف‌ و السعي‌ والذهاب‌ الی عرفات‌ و المجي‌ء ليلاً الی المشعر و القيام‌ بمناسك‌ مني‌ هي‌ كلّها أمور يصعب‌ القيام‌ بها.

 كذلك‌ فانّ التحلّي‌ بالاخلاق‌ الحسنة‌ في‌ معاشرة‌ الناس‌، و العفو والتغاضي‌، و مسامحة‌ الجاهل‌ علی جهله‌ و تعدّيه‌ هي‌ الاخري‌ اُمور يشقّ تحمّلها علی النفس‌.

 و كذلك‌ فانّ الرحمة‌ بالاتباع‌، و العطف‌ علی الفقراء و الضعفاء، ومعاشرتهم‌ و مخالطتهم‌ و مجالستهم‌ و الاكل‌ معهم‌ علی مائدة‌ واحدة‌ أمر صعب‌.

 كما انّ التحّلي‌ بالحلم‌ و سعة‌ الصدر مقابل‌ شتم‌ الناس‌ و سبّهم‌ ولعنهم‌، و مسالمة‌ الجاهلين‌ أمر شاق‌ و صعب‌ أيضاً.

 و خلاصة‌ الامر انّ الإنسان‌ اذا شاء أن‌ يعيش‌ في‌ الدنيا عيشة‌ شريفة‌ حميدة‌، و أن‌ يجعل‌ سلوكه‌ علی أساس‌ من‌ الفضيلة‌ و النزاهة‌، و أن‌ لا يفتر أو يتراخي‌ في‌ مقام‌ عبوديته‌ و تسليمه‌ لامر الحقّ المتعال‌، و ان‌ يشارك‌ الرجال‌ الالهيّين‌ في‌ السرّاء و الضرّاء، و أن‌ يؤدّب‌ نفسه‌ بالرياضات‌ الشرعيّة‌، فانّ أرجاء حياته‌ ستواجه‌ العراقيل‌ و المشاكل‌، و علی الرجل‌ الالهيّ ان‌ يخطو بقدمٍ راسخة‌ ثابتة‌ في‌ ميدان‌ الجهاد هذا، لان‌ هذه‌ الاُمور هي‌ سبيل‌ الجنّة‌ و الرضوان‌، و مقدّمة‌ طهارة‌ النفس‌ و تهذيبها، و ما لم‌ تنزّه‌ النفس‌ و تهذّب‌، فانّ الوصول‌ للجنّة‌ سيكون‌ أمراً بعيداً غير ممكن‌.

 أمّا جهنّم‌ فهي‌ طافحة‌ بالشهوات‌ و اللذّات‌ بغير قيد و لا حساب‌.

 مشحونة‌ بالكذب‌ و الغيبة‌ و الخيانة‌ و الفسق‌ و الفجور و القمار و شُرب‌ الخمر و التعدّي‌ علی أموال‌ الناس‌ و نواميسهم‌، و الاعتداء علی حقوق‌ الزوجة‌ و الولد و الجار و الشريك‌ و الرفيق‌ و العالم‌ و الإمام‌ و النبي‌ّ.

 انّ العين‌ التي‌ لا يقيّدها شي‌ء طامحة‌ مفتوحة‌ تري‌ ما شاءت‌، كما انّ القلب‌ يتمنّي‌ من‌ هذه‌ النافذة‌ ماشاء ان‌ يتمنّي‌، ثم‌ تعمد النفس‌ الامّارة‌ موافقةً لرغبة‌ القلب‌ الی أمر الإنسان‌ بكلّ قبيح‌ شاهدته‌ العين‌ و تمنّاه‌ القلب‌، وصولاً الی اشباع‌ النفس‌ من‌ القبائح‌. و هي‌ جميعاً من‌ نتائج‌ جهنّم‌، لانّ سبيل‌ جهنّم‌ ليس‌ الاّ سبيل‌ إرخاء العنان‌ و رفض‌ القيود و الحدود، وطريق‌ عدم‌ الالتزام‌ و فقدان‌ المسؤوليّة‌.

 بلي‌، انّ من‌ لم‌ يتّبع‌ في‌ مسيره‌ الدنيوي‌ الميزان‌ الصحيح‌ و المقياس‌ الصائب‌ و لم‌ يعمل‌ وفق‌ و اجباته‌ الانسانيّة‌، و عدّ نفسه‌ مهملاً، و افترض‌ أن‌ لا حساب‌ عليه‌ و لا جزاء، و من‌ رأي‌ نفسه‌ منعزلاً عن‌ هذا العالم‌ المدهش‌ و الدنيا العجيبة‌ القائمة‌ علی هذا النظام‌ البديع‌، لا تربطه‌ به‌ رابطة‌، فتصرّف‌ كما يحلوله‌، فانه‌ سيكون‌ مسؤولاً و محاسباً أمام‌ الجهاز المنظّم‌ لهذا العالم‌، و سيؤاخذ علی عمله‌ و يلقّي‌ جزاءه‌ و عقابه‌. و هذا هو معني‌ جهنّم‌.

 معني‌ الدنيا المذمومة‌: ورد في‌ الاخبار انّ الدنيا ملعونة‌ عندالله‌؛ فقد ورد انّ الرسول‌ صلي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ قال‌ في‌ جملة‌ وصاياه‌ لابي‌ذر الغفاري‌: يَا أَبَاذَر! إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا. [11]

 كما ورد ذمّ الدنيا في‌ الكثير من‌ الروايات‌، و عُدّ الابتعاد عن‌ الدنيا والإعراض‌ عنها سبباً للسعادة‌، كما عُدّ الإقبال‌ عليها سبباً للشقاء.

 و معني‌ الدنيا العيش‌ علی أساس‌ التخيّلات‌ و الشهوات‌ و اللذائذ الفانية‌، و الغفلة‌ عن‌ البرنامج‌ الحقيقي‌ للإنسان‌، و الجهل‌ بالله‌ و الغفلة‌ عنه‌.

 معني‌ الدنيا اتباع‌ منطق‌ الإحساس‌ و العواطف‌ الحيوانيّة‌ و الغرائز البهيميّة‌، و الإعراض‌ و الابتعاد عن‌ منطق‌ العقل‌. هذا هو معني‌ الدنيا، اي‌ الحياة‌ المتدنّية‌ مقابل‌ الحياة‌ العليا، أي‌ المتعالية‌ في‌ مستوي‌ الفضائل‌ الانسانية‌.

 و لذلك‌ فقد عُدّت‌ الحياة‌ الدنيا في‌ القران‌ الكريم‌ مقابل‌ الآخرة‌:

 يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِنَ الحَيَـ'وةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ. [12]

 الحياة‌ الآخرة‌ ـ أي‌ باطن‌ الدنيا ـ هي‌ الحياة‌ العليا، حياة‌ الإنسان‌ العقلاني‌، أما حياة‌ الدنيا فهي‌ حياة‌ منطق‌ الإحساسات‌ و الحياة‌ النفسانيّة‌.

 و ليس‌ المقصود بالدنيا المذمومة‌ العيش‌ علی الارض‌ و التمتّع‌ بنعم‌ الخالق‌ المنّان‌، فليس‌ ذنباً للانسان‌ أن‌ يعيش‌ علی الارض‌ و ينعم‌ بالعمر الطويل‌ و الصحّة‌ و السلامة‌ و الامان‌ و راحة‌ البال‌ و اطمئنان‌ القلب‌ و سكينة‌ الخاطر، ذلك‌ لاننا لم‌ نأت‌ الی هذه‌ الدنيا و نعيش‌ عليها باختيارنا،كمااننا لا نرحل‌ عنها باختيارنا، و هذا المجي‌ء و الذهاب‌ ليس‌ هو الدنيا المذمومة‌.

 كما ان‌ الارض‌ لم‌ تقترف‌ ذنباً، و الجبال‌ و المياه‌ و الشلاّلات‌ و المراتع‌ و المناظر العجيبة‌ الغريبة‌ علی الارض‌، و الريح‌ و المطر و تعاقب‌ الفصول‌ الاربعة‌ و المناظر المذهلة‌ لطلوع‌ الشمس‌ و غروبها، و مناظر القمر و النجوم‌ و المجرّات‌ لم‌ تجترح‌ سيّئة‌.

 لقد عاش‌ علی الارض‌ الانبياء و الائمة‌ و أولياء الله‌ و لا يزالوا يعيشون‌ و هم‌ ليسو بملعونين‌... و حياتهم‌ علی الارض‌ لن‌ تكون‌ منقصة‌ وذلة‌ لهم‌. فهم‌ لم‌ يبتعدوا عن‌ رحمة‌ الله‌ و لن‌ يبتعدون‌...

 الرجوع الي الفهرس

الحياة‌ علی الارض‌ علی أساس‌ التقوي‌ و العدالة‌ ليست‌ حياةً دنيويّة‌

 المقصود بالدنيا المعيشة‌ الحيوانيّة‌، أي‌ حين‌ يقوم‌ الانسان‌ الذي‌ ينبغي‌ له‌ ـ بامتلاكه‌ القوي‌ العقليّة‌ ـ أن‌ يصل‌ الی ذروة‌ قوس‌ الصعود والإرتقاء الی أعلي‌ قمم‌ مدارج‌ الانسانية‌ و معارجها، بالحطّ من‌ حياته‌ الی أسفل‌ السافلين‌ حيث‌ يعيش‌ علی أساس‌ منطق‌ الحيوان‌، و يغفل‌ عن‌ التفكير في‌ عالم‌ الخلقة‌ العجيب‌ هذا، و عن‌ التأمّل‌ في‌ برنامج‌ الانسانيّة‌ وهدفها، فيجعل‌ همّه‌ منحصراً في‌ المأكل‌ و المشرب‌ و مواثبة‌ الآخرين‌، وهدفَه‌ و مرامه‌ في‌ القتل‌ و الغارة‌ و الاعتداء علی الضعفاء، و تنظيم‌ حياته‌ علی أساس‌ الخيالات‌ الواهية‌ و الآمال‌ الجوفاء التي‌ يستحيل‌ لها اكتساب‌ التحقّق‌ و الواقعيّة‌.

 و قد التبس‌ هذا المعني‌ علی الكثير من‌ الناس‌ الذين‌ فهموا من‌ معني‌ الحياة‌ الدنيا الحياة‌ علی الارض‌ و الحياة‌ الماديّة‌، و لذلك‌ فقد عدّوا المقصود بذمّ الدنيا ذمّ الحياة‌ الماديّة‌ و ذمّ التمتع‌ بالمواهب‌ الالهيّة‌ المشروعة‌ علی الارض‌، و هو توهّم‌ كبير و خاطي‌ء جداً. لان‌ الحياة‌ علی الارض‌ والتنّعم‌ بما انعمه‌ الباري‌ اذا اقترن‌ بالتقوي‌ و الورع‌ و العدل‌ و الملكات‌ الحسنة‌، و توائم‌ مع‌ العبوديّة‌ في‌ محضر ذات‌ الله‌ المقدّسة‌، فانّه‌ سيكون‌ أفضل‌ وسيلة‌ لنيل‌ الجنّة‌ و الرضوان‌، و حقيقته‌ هي‌ الحياة‌ العليا مقابل‌ الحياة‌ الدنيا.

 لقد كانت‌ هذه‌ الارض‌ بآثارها و خصائصها مهداً تربّي‌ فيه‌ النزهاء المخلَصون‌ المطهّرون‌، أولئك‌ الذين‌ التحقوا بالعالم‌ العلوي‌ مباشرة‌ و لم‌ يردوا في‌ الحياة‌ الدنيا طرفة‌ عين‌، بل‌ جعل‌ اولئكم‌ علی الدوام‌ مأواهم‌ ومستقرّهم‌ في‌ الحياة‌ العليا بالرغم‌ من‌ تمتّعهم‌ بالمواهب‌ الالهيّة‌ علی الارض‌.

 و ذلك‌ لان‌ العيش‌ علی الارض‌، و الحياة‌ الماديّة‌، و سلامة‌ البدن‌، وطول‌ العمر و هدوء البال‌ هي‌ أفضل‌ أسس‌ الآخرة‌ و سبل‌ السعادة‌ و طرق‌ تكامل‌ الإنسان‌، بل‌ هي‌ الوسيلة‌ الوحيدة‌ للكمال‌ و السعادة‌.

 و قد ورد في‌ روايات‌ كثيرة‌ أنّ الانبياء و الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ كانوا يعملون‌ و يشتغلون‌ بالتجارة‌ و الزراعة‌، و يرعون‌ الاغنام‌، و ينظّمون‌ الحدائق‌ و بساتين‌ النخيل‌ و يعملون‌ علی سقيها بإجراء قنوات‌ الماء.

 فإن‌ كانت‌ هذه‌ الاُمور من‌ الحياة‌ الدنيا، و إن‌ كانت‌ مذمومةً مُستقبحة‌، فلِمَ أقدم‌ هؤلاء علی أعمال‌ كهذه‌؟!

 ما أكثر قنوات‌ الماء التي‌ أجراها أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، و ما أكثر أشجار النخيل‌ التي‌ غرسها، لكنّها كانت‌ في‌ الحياة‌ العليا لا الحياة‌ الدنيا، فقد كان‌ عليه‌ السلام‌ يوقفها علی الفقراء و المساكين‌ و الضعفاء و ذوي‌ القربي‌.

 كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يحمل‌ علی ظهره‌ يوماً جراباً فيه‌ و سق‌ نوي‌، فسأله‌ أحد أصحابه‌: ما هذا يا أبا الحسن‌؟ قال‌: مائة‌ ألف‌ نخل‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌. فغرسه‌ فلم‌ يغادر منه‌ نواةً واحدة‌. [13]

 الرجوع الي الفهرس

لقاء محمّد بن‌ المنكدر مع‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌

 التقي‌ يوماً أحد الصوفيين‌ الساكنين‌ في‌ المدينة‌، واسمه‌ محمّد بن‌ المنكدر بالامام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ و هو متّكٍ علی غلامين‌ له‌ أسودين‌ في‌ طريقه‌ الی بساتين‌ النخل‌، و كان‌ بديناً.

 فقال‌ ابن‌ المنكدر في‌ نفسه‌: شيخٌ من‌ شيوخ‌ قريش‌ في‌ هذه‌ الساعة‌ علی هذه‌ الحال‌ في‌ طلب‌ الدنيا، أُشهدُ لاعظنَّه‌.

 فدني‌ منه‌ فقال‌: أصلحك‌ الله‌، شيخ‌ من‌ أشياخ‌ قريش‌ في‌ هذه‌ الساعة‌ علی هذه‌ الحال‌ في‌ طلب‌ الدنيا، لو جاءك‌ الموت‌ و أنت‌ علی هذه‌ الحال‌؟! فوقف‌ الإمام‌ و التفت‌ الی ذلك‌ الرجل‌ و قال‌ له‌:

 لو جاءني‌ ـ واللهِ ـ الموتُ و أنا علی هذه‌ الحال‌ جاءني‌ و أنا في‌ طاعة‌ من‌ طاعات‌ الله‌ تعالي‌ أكفّ بها نفسي‌ عنك‌ و عن‌ الناس‌. و انّما كنت‌ أخاف‌ الموت‌ لو جاءني‌ و أنا علی معصية‌ من‌ معاصي‌ الله‌.

 فقال‌: يرحمك‌ الله‌، أردتُ أن‌ أعظك‌ فوعظتني‌. [14]

 و قد عقد في‌ كتب‌ الروايات‌ بابٌ في‌ صدقات‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ و أوقافه‌، ذُكر فيه‌ جميع‌ المزارع‌ و الآبار التي‌ جعلها الامام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ وجوه‌ البّر المختلفة‌.

 و قد ورد في‌ تفسير الآية‌ الشريفة‌: رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي‌ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَ فِي‌ الاْخِرَةِ حَسَنَةً. [15] انّ المراد بالحسنة‌ في‌ الدنيا المال‌ الحلال‌ الذي‌ يحصل‌ عليه‌ الانسان‌. [16]

 و ورد في‌ رواية‌: الْكَادُّ علی عِيَالِهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ. [17]

 و مال‌ كهذا ليس‌ من‌ الحياة‌ الدنيا، بل‌ محسوبٌ من‌ الآخرة‌.

 و ينبغي‌ لذلك‌ الالتفات‌ الی هذه‌ النكتة‌، فاذا طرق‌ سمع‌ الانسان‌ انّ الدنيا لا تنفع‌ شيئاً لانّ الإنسان‌ سيموت‌ في‌ عاقبة‌ الامر، فإن‌ المعنيّ بذلك‌ دنيا الشهوة‌ و الغفلة‌، فتلك‌ هي‌ الدنيا التي‌ لا تنفع‌، لا الدنيا الصحيحة‌، فهذه‌ الاخيرة‌ ليست‌ دنيا.

 و إن‌ لم‌ يكن‌ للإنسان‌ دنيا صحيحة‌ فانّه‌ لن‌ يكون‌ له‌ آخرة‌ أيضاً، لانّ الآخرة‌ قائمة‌ علی أساس‌ الدنيا الصحيحة‌. كما انّ جميع‌ الكمالات‌ التي‌ نحوزها نكتسبها في‌ الدنيا، لذا فانّ الآخرة‌ متوقفّة‌ علی الدنيا مرهونة‌ عليها، يضاف‌ الی ذلك‌ انّ تلك‌ الكمالات‌ يُصار الی اكتسابها خلال‌ مدّة‌ العمر، لذا فانّ العمر من‌ أعلي‌ و أثمن‌ المواهب‌ و الثروات‌ الالهيّة‌.

 يروي‌ المرحوم‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «معاني‌ الاخبار» عن‌ أبيه‌، عن‌ سعيد بن‌ عبدالله‌، عن‌ ابن‌ فضال‌، عن‌ يونس‌ بن‌ يعقوب‌، عن‌ شعيب‌ العقرقوفي‌، قال‌: قلتُ لابي‌ عبدالله‌ عليه‌ السلام‌: شي‌ءٌ يروي‌ عن‌ أبي‌ذر ـرحمة‌ الله‌ عليه‌ ـ أنه‌ كان‌ يقول‌: ثلاثة‌ يبغضها الناس‌ و أنا أحبّها: أُحبُّ الموت‌، و أُحبُّ الفقر، و اُحبُّ البلاء. فقال‌ إنّ هذا ليس‌ علی ما يرون‌، إنّما عني‌: الموت‌ في‌ طاعة‌ الله‌ أحبُّ اليّ من‌ الحياة‌ في‌ معصية‌ الله‌ و الفقر في‌ طاعة‌ الله‌ أحبُّ اليّ من‌ الغني‌ في‌ معصية‌ الله‌، و البلاء في‌ طاعة‌ الله‌ أحبُّ الی من‌ الصحّة‌ في‌ معصية‌ الله‌. [18]

 و أورد المفيد في‌ مجالسه‌ باسناده‌ عن‌ ابن‌ فضّال‌ رواية‌ مثلها. [19]

 و ينقل‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ (عيون‌ أخبار الرضا) عن‌ مفسّر، عن‌ أحمد بن‌ الحسن‌ الحسيني‌، عن‌ أبي‌ محمّد العسكري‌، عن‌ آبائه‌ عليهم‌ السلام‌ قال‌:

 جَاءَ رَجلٌ الی الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: قَدْ سَئِمْتُ الدُّنْيَا، فَأَتَمَنَّي‌ علی اللَهِ الْمَوتَ. فَقَالَ تَمَنَّ الْحَيَاةَ لِتُطِيعَ لاَ لِتَعْصِيَ؛ فَلَئِن‌ تَعِيشَ فَتُطِيعَ خَيرٌ لَكَ مِن‌ أَن‌ تَمُوتَ فَلاَ تَعْصِيَ وَ لاَ تُطِيعَ. [20]

 و يروي‌المرحوم‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ (معاني‌ الاخبار) عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد بن‌ عبدالله‌، عن‌ البرقي‌، عن‌ محمّد بن‌ علی، عن‌ حارث‌ بن‌ الحسن‌ الطحّان‌، عن‌ ابراهيم‌ بن‌ عبدالله‌، عن‌ فضيل‌ بن‌ يسار، عن‌ أبي‌ جعفر الباقر عليه‌ السلام‌ قال‌:

 لاَ يبلغُ أحدُكُمْ حَقِيقةَ الإيمانِ حتّي‌ يكونَ فيه‌ ثلاثُ خِصالٍ، حتّي‌ يكونَ الموتُ أحَبَّ إليَهِ مِنَ الحياةِ، و الفقرُ أحبَّ اليهِ مِنَ الغِني‌، و المرضُ أحبَّ اليهِ مِنَ الصِّحَةِ. قُلنا: و مَن‌ يكونُ كَذلكَ؟ قال‌: كُلُّكُمْ؛ ثمَّ قالَ: أَيمّا أَحبّ الی أحدِكُمْ يَمُوتُ في‌ حبِّنَا أو يعيشُ في‌ بُغضِنَا؟

 فقلتُ: نَمُوتُ و اللهِ فِي‌ حُبِّكُمْ أَحبُّ إلينا.

 قال‌: و كذلكَ الفقرُ و الغِني‌ و المرضُ و الصحّةُ. قلتُ: إي‌ واللهِ [21]

 بلي‌، حين‌ يقول‌ أبوذر انّ الموت‌ خيرٌ لي‌ من‌ الحياة‌، فان‌ مقصوده‌ كان‌ صحيحاً ايضاً نظير هذا المعني‌، و لم‌ يكن‌ ليريد القول‌ (انني‌ لا أريد الحياة‌ علی الارض‌ أصلاً).

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ يقول‌: هذه‌ الروح‌ عارية‌ اودعها الحبيب‌ لحافظ‌ و سأري‌ وجهه‌ يوماً من‌ الايام‌ فأردّها اليه‌.

[2] ـ يقول‌: حديثي‌ طوال‌ نهاري‌ و ليلي‌: لماذا أنا غافل‌ عن‌ أحوال‌ قلبي‌.   من‌ أين‌ جئتُ؟ و ما علّة‌ مجيئي‌؟ و أين‌ سأذهب‌؟ فوطني‌ لم‌ يتّضح‌ لي‌ أخيراً.

 و لم‌ آتِ بطوع‌ إرادتي‌ لاذهب‌ بمشيئتي‌، بل‌ انّ من‌ جاء بي‌ سيردّني‌ الي‌' وطني‌.

 فأنا طائر روضة‌ الملكوت‌ و لست‌ من‌ عالم‌ التراب‌، و لقد صنعوا لي‌ قفصاً من‌ بدني‌ لايّام‌ معدودات‌.

 فما أسعد ذلك‌ اليوم‌ الذي‌ سأحلّق‌ فيه‌ الي‌' الحبيب‌، و أخفق‌ بأجنحتي‌ بهوي‌ دياره‌.

[3] ـ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 87: الاعلي‌

[4] ـ يقول‌: انقضي‌ نهار الهجر و ليل‌ الفراق‌، فلقد تفألّت‌ بذلك‌ و صار الامر وفق‌ مرادي‌.

 و لقد أنهت‌ قدم‌ نسيم‌ ربيع‌ الوصل‌ بخطوتها الميمونة‌ دلال‌ خريف‌ الهجر و تنعّمه‌.

 فشكراً لله‌! فقد انكسرت‌ نخوة‌ ريح‌ الشتاء و عنفوان‌ الاشواك‌ ببزوغ‌ طلائع‌ الورد من‌ أكمامها

 فقل‌ لصباح‌ الامل‌ المعتكف‌ خلف‌ ستار الغيب‌: أسفِرْ فقد لفظ‌ الليل‌ البهيم‌ أنفاسه‌!

[5] ـ يقول‌: لو كان‌ الموت‌ رجلاً فأخبره‌ ليأتيني‌، فسأضمّه‌ بشدة‌ الي‌' صدري‌.

 فسأستعيد منه‌ روحاً ثمينةً غالية‌، و سيستعيد منّي‌ خرقةً ملوّنةً بالية‌.

[6] ـ معاني‌ الاخبار، المطبعة‌ الحيدرية‌، سنة‌ 1379، باب‌ نوادر المعاني‌، ص‌ 389، وص‌ 39، الرواية‌ التاسعة‌ و العشرون‌.

[7] ـ معاني‌ الاخبار، باب‌ معني‌ الموت‌، ص‌ 288 و ص‌ 289

[8] ـ الآية‌ 145، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[9] ـ بحار الانوار، ج‌ 6، ص‌ 137، عن‌ كتاب‌ جامع‌ الاخبار.

[10] ـ مصباح‌ الفلاح‌، تأليف‌ الآخوند الملاّ محمد جواد الصافي‌ الگلبايگاني‌، ص‌ 30 و 31.

[11] ـ كتاب‌ مكارم‌ الاخلاق‌ للشيخ‌ الطبرسي‌، الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 258، ضمن‌ وصيّة‌ مفصّلة‌ لرسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلم‌ يوصيها لابي‌ ذر الغفاري‌، يقول‌: يا أباذر!

 انّ الدنيا ملعونة‌، ملعون‌ ما فيها الاّ ما ابتُغي‌ به‌ وجه‌ الله‌.

[12] ـ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

[13] ـ بحار الانوار، ج‌ 41، ص‌ 32، ط‌ الآخوندي‌.

[14] ـ أورد المفيد هذه‌ الرواية‌ في‌ كتاب‌ الارشاد في‌ باب‌ محمد بن‌ علی الباقر عليه‌ السلام‌، عن‌ ابي‌محمد الحسن‌ بن‌ محمد، عن‌ جدّه‌، عن‌ يعقوب‌ بن‌ يزيد، عن‌ محمد بن‌ أبي‌ عمير، عن‌ عبدالرحمن‌ بن‌ الحجّاج‌، عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌. و رواها كذلك‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ (ره‌) في‌ كتاب‌ «إعلام‌ الوري‌ بأعلام‌ الهدي‌»، ص‌ 263، في‌ فصل‌ مناقب‌ الامام‌

 و خصائصه‌ عن‌ محمد بن‌ أبي‌ عمير، بنفس‌ السند.

[15] ـ الآية‌ 201، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[16] ـ مجمع‌ البيان‌، مطبعة‌ العرفان‌، صيدا، ج‌ 1، ص‌ 297. و يقول‌ في‌ ص‌ 298: قيل‌ هي‌ المال‌ في‌ الدنيا، و في‌ الآخرة‌ الجنّة‌، عن‌ أبي‌ زيد و السدي‌.

[17] ـ وسائل‌ الشيعة‌، ج‌ 12، ص‌ 43، طبع‌ المكتبة‌ الاسلامية‌ ـ طهران‌.

[18] ـ معاني‌ الاخبار، ص‌ 165.

[19] ـ أمالي‌ المفيد، المجلس‌ الثالث‌ و العشرون‌، ص‌ 112، عن‌ أحمد بن‌ محمد،
 عن‌ أبيه‌ محمّد بن‌ الحسن‌ بن‌ الوليد القمّي‌، عن‌ محمّد بن‌ الصفّار، عن‌ عباس‌ بن‌ معروف‌، عن‌ علی بن‌ مهزيار، عن‌ الحسن‌ بن‌ علی الفضّال‌، عن‌ يونس‌ بن‌ يعقوب‌، عن‌ شعيب‌ العقرقوفي‌، عن‌ الامام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌.

[20] ـ بحار الانوار، ج‌ 6، ص‌ 128.

[21] ـ معاني‌ الاخبار، ص‌ 189.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com