بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الاول / القسم الثانی: معنی نوعی الاجل، علة خوف الناس من الموت، کیفیة حدوث النفس، الموت: یقین شب...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

المجلس‌ الثاني‌:

 في‌ الحياة‌ المؤقّتة‌ و الحياة‌ الدائمة‌

 

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

و الحمد لله‌ ربّ العالمين‌ و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

و صلّي‌ الله‌ علی محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ الی يوم‌ الدين‌

(ألقيت‌ هذه‌ المطالب‌ في‌ اليوم‌ الثاني‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

الدنيا ظاهر الحياة‌، و الآخرة‌ باطنها

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِنَ الْحَيَو 'ةِ الدُّنْيَا وَ هُم‌ عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي‌ أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمَّيً وَ اِءنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاي‌ءِ رَبِّهِمْ لَكَـ'فِرُونَ.[1]

 يمكن‌ الاستنتاج‌ من‌ جعل‌ ظاهر الحياة‌ الدنيا في‌ الآية‌ الاولي‌ في‌ مقابل‌ الآخرة‌ انّ الآخرة‌ هي‌ باطن‌ الدنيا و حقيقتها، و انّ الحياة‌ الدنيا لها ظاهر و باطن‌، و ذلك‌ بقرينة‌ تقابلهما و كون‌ أحدهما قسيماً للآخر.

 و كما أُشير في‌ المجلس‌ السابق‌ فانّ من‌ الممكن‌ ان‌ تكون‌ عبارة‌ «وفي‌ الآخرة‌ عذاب‌ شديد و مغفرة‌ من‌ الله‌ و رضوان‌» الواردة‌ في‌ الآية‌ مورد البحث‌ معطوفة‌ علی لفظ‌ لعب‌؛ اي‌ انّ الحياة‌ الدنيا هي‌ في‌ الاخرة‌ عذاب‌ شديد و مغفرة‌ من‌ الله‌ و رضوان‌. فالحياة‌ الدنيا ظاهرها تلكم‌ المراتب‌ الخمس‌: لهو، و لعب‌، و زينة‌، و تفاخر بينكم‌، و تكاثر في‌ الاموال‌ و الاولاد، و باطنها ـ أي‌ الآخرة‌ ـ عذاب‌ شديد و غفران‌ الربّ الودود ورضوانه‌.

 و عليه‌ فانّ هذه‌ الآية‌ التي‌ نبحثها في‌ هذا المجلس‌ تأييد لمعني‌ الآية‌ السابقة‌ في‌ سورة‌ الحديد.

 و يشهد علی هذا المعني‌ انّ الآية‌ التي‌ تلتها و عُطفت‌ عليها، والقائلة‌: أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي‌ أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمَّيً تفيد هذا المعني‌، و ذلك‌ لانّ خلق‌ السماوات‌ والارض‌ و ما بينهما بالحقّ و أجل‌ مسمّي‌ هو نفسه‌ واقعيّة‌ الدنيا و حقيقتها التي‌ غفل‌ عنها الناس‌، فاكتفوا بظاهر الدنيا و غضّوا طرفاً عن‌ لقاء الله‌ و عن‌ الآخرة‌. بلي‌، يمكن‌ الافادة‌ من‌ هذه‌ الآيات‌، و من‌ آيات‌ كثيرة‌ أخري‌ وردت‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ بهذا البيان‌ و التعبير، انّ خلق‌ السماوات‌ والارض‌ و ما فيهما له‌ أجل‌ معيّن‌ و مدّة‌ محدودة‌، و أنّ عمرها سينقضي‌ بحلول‌ ذلك‌ الاجل‌ و تصرّم‌ تلك‌ المدّة‌.

 و لكن‌، ما حكم‌ غير السماوات‌ و الارض‌ و الموجودات‌ التي‌ فيها؟ أهي‌ الاخري‌ تمتلك‌ أجلاً مسميً و مدّة‌ حياة‌ معيّنة‌ تؤول‌ بعدها الی الفناء والزوال‌ أم‌ لا؟ ليس‌ هناك‌ آية‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ تناولت‌ بصراحة‌ وتفصيل‌ خصوصياتها و كيفيّة‌ مبدأها و مُنتهاها، مع‌ انّه‌ يمكن‌ ـ إجمالاً ـ إفادة‌ دوامها و بقائها من‌ آيات‌ مباركة‌ عديدة‌:

 مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مَا عِنْدَاللَهِ بَاقٍ.[2]

 وَ إن‌ مِّن‌ شَي‌ءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. [3]

 فقد بيّنت‌ هاتان‌ الآيتان‌ لنا انّ حقائق‌ موجودات‌ الدنيا و عالم‌ الطبع‌
 والمادّة‌ لها خزائن‌ عندالله‌ المتعال‌ موجودة‌ علی الدوام‌، لا يطرأ عليها الفناء و الزوال‌، بالرغم‌ من‌ ان‌ هذه‌ الحقيقة‌ يمكن‌ فهمها من‌ نفس‌ الآية‌ مورد البحث‌. فهي‌ تقول‌: مَا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَالاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجْلٍ مُسَمَّيً و يمكن‌ من‌ هذا القول‌ إدراك‌ انّ نفس‌ الحقّ و الاجل‌ المسمّي‌ لا يندرجان‌ تحت‌ حقّ و أجل‌ مسمّيً آخر، و أن‌ لا زمان‌ لها هي‌ الاخري‌، و الاّ لزم‌ التسلسل‌ و الدور، فهي‌ فوق‌ الاجل‌ و التدرّج‌ الزماني‌. و سيأتي‌ هذا البحث‌ ـ ان‌ شاء الله‌ تعالي‌ ـ في‌ بعض‌ المباحث‌ القادمة‌ تحت‌ عنوان‌: الموجودات‌ الخالدة‌ عند الله‌ تعالي‌؛ امّا بحثنا الفعلي‌ فهو عن‌ السماوات‌ و الارض‌ و ما بينهما، و من‌ جملتها الإنسان‌.

 و باعتبار انّ الله‌ سبحانه‌ يقول‌ اننا خلقنا السموات‌ و الارض‌ بأجل‌ مسمّي‌ و زمان‌ معيّن‌ مشخّص‌، فانّه‌ يتضّح‌ لنا انّ مدّتها جميعاً ـ و من‌ بينها مدّة‌ حياة‌ الإنسان‌ ـ معلومة‌ و محدودة‌، فلا يمكنها ان‌ تعيش‌ و تبقي‌ بعد ذلك‌ الاجل‌ و الزمن‌ الذي‌ قُدّر لها.

 علی انّ كمال‌ الإنسان‌ و كمال‌ موجودات‌ عالم‌ الطبع‌ هو في‌ تكاملها في‌ هذا الزمن‌ المعلوم‌ و الاجل‌ المسّمي‌ المقدّر لها، فهي‌ أعجز من‌ أن‌ تتخطّي‌ دائرة‌ هذا الزمن‌ فتسبق‌ أجلها و تتعدّاه‌، أو أن‌ تطيله‌ أو تؤخرّه‌.

 إنّ الموجودات‌ المادّية‌ و الطبيعية‌ التي‌ تمتلك‌ المادّة‌ و الطبع‌ لا تستطيع‌ أبداً و في‌ أي‌ّ وقت‌ من‌ الاوقات‌ الخروج‌ علی هذا القانون‌ العام‌ وتبديل‌ زوالها و فنائها و محدوديّة‌ أجلها و مدّة‌ حياتها الی حيث‌ البقاء والدوام‌ و الاستمرار و الخلود، و هذه‌ الحقيقة‌ مستفادة‌ من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ الصريحة‌. أمّا في‌ خصوص‌ الإنسان‌ فتقول‌:

 وِ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَيَسْتَقْدِمُونَ [4]

 و نظير هذه‌ الآية‌:

 مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَ مَا يَسْتَأْخِرُونَ. [5]

 انّ مسألة‌ الموت‌ تعدّ من‌ المسائل‌ المستعصية‌، فقد بذل‌ أفراد البشر الجهود المضنية‌ و تحمّلوا المحن‌ و المشاق‌ ليمكنهم‌ جعل‌ الحياة‌ في‌ هذه‌ الدنيا خالدة‌ دائمة‌، و ليحّلوا مسألة‌ الموت‌ و يفكّوا رموزها فيزيلوا هذه‌ المشكلة‌، بيد انّ أحداً لم‌ يوفّق‌ في‌ مسعاه‌ هذا.

 الرجوع الي الفهرس

استعصاء لغز الموت‌ علی الحلّ لدي‌ الفلاسفة‌

 و لقد بذل‌ أكثر السلاطين‌ اقتداراً، و العظماء، و العلماء و الحكماء والفلاسفة‌ و المفكّرون‌ طيّ القرون‌ المتطاولة‌ قصاري‌ و سعهم‌ و جهدهم‌ وطاقتهم‌ المادية‌ و المعنويّة‌ و الفكريّة‌ عسي‌ ان‌ يفلحوا في‌ فهم‌ أسرار هذا اللغز و فكّ طلاسمه‌، من‌ أجل‌ أن‌ يتمكن‌ البشر من‌ العيش‌ في‌ الدنيا أبداً، وأن‌ لاينتظر ورود الموت‌ المريع‌ و المخيف‌ ولكنهم‌ فشلوا.

 و من‌ بين‌ الاشعار المعروفة‌ و المشهورة‌ لفيلسوف‌ الشرق‌ و مروّج‌ مدرسة‌ المشّائين‌ الشيخ‌ الرئيس‌ أبي‌ علی سينا قوله‌:

 از قعر گِلِ سياه‌ تا أوج‌ زحل‌             كردم‌ همه‌ مشكلات‌ گيتي‌ را حل‌

 بيرون‌ جستم‌ زقيد هر مكر و حيل‌                هر بند گشاده‌ شد مگر بند أجل‌

 و كذلك‌ يقول‌ الحكيم‌ الخيّام‌ الذي‌ يعدّ نفسه‌ كاشف‌ المعضلات‌ ومبيّن‌ غوامض‌ العلوم‌:

 خيّام‌ كه‌ خيمه‌هاي‌ حكمت‌ مي‌دوخت‌                      در كورة‌ غم‌ فتاد و ناگاه‌ بسوخت‌

 مقراض‌ أجل‌ طناب‌ عمرش‌ ببريد                              دلاّل‌ أمل‌ برايگانش‌ بفروخت‌ [6]

 يقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الايّام‌ التي‌ ضُرب‌ فيها الضربة‌ التي‌ استشهد بها، ضمن‌ خطبة‌ له‌:

 أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِي‌ٍ لاَقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي‌ فِرَارِهِ، وَ الاْجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ اِلَيْهِ، وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوافَاتُهُ، كَمْ اطرَّدَتِ الاْيَّامُ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُـونِ هَـذَا الاْمْرِ، فَأَبَي‌ اللَهُ اِلاَّ إخْفَاءَهُ، هَيْهَـاتَ عِلْــمٌ مَخْزُونٌ. [7]

 و العجب‌ كيف‌ انّ الانسان‌ يقترب‌ من‌ الموت‌ بفراره‌ منه‌! فهو يُسرع‌ راكضاً في‌ عبور الشارع‌ لئلاّ تصدمه‌ سيّارة‌، فتسبّب‌ سرعته‌ نفسها اصطدامه‌ و موته‌، فهو في‌ ظاهره‌ فرار من‌ الموت‌ و في‌ واقعه‌ و حقيقته‌ استقبالٌ له‌. وما أكثر ما راجع‌ مريضٌ طبيباً ليعالج‌ له‌ مرضه‌ فمات‌ من‌ اشتباه‌ بسيط‌ للطبيب‌! أو ذهب‌ الی مستشفي‌ لاجراء عمليّة‌ جراحيّة‌ تمكّنه‌ أن‌ يعيش‌ قدراً أكثر في‌ الدنيا فمات‌ تحت‌ مبضع‌ الجرّاح‌!

 و ما أكثر الامثلة‌ في‌ هذا الامر! بل‌ يمكن‌ القول‌ انّ الإنسان‌ يسعي‌ في‌ جميع‌ الساعات‌ و اللحظات‌ التي‌ تمرّ عليه‌ ليُنجي‌ نفسه‌ من‌ براثن‌ الموت‌ وليحفظ‌ وجوده‌ مُصاناً، فيفعل‌ ما يفيده‌ لإدامة‌ حياته‌ و يحترز عمّا يسبب‌ قطعها و زوالها. هذه‌ هي‌ غريزة‌ جميع‌ أفراد البشر، بيد انّه‌ مع‌ وجود هذه‌ الغريزة‌ التي‌ تجعل‌ سعي‌ الانسان‌ منصبّاً بشكل‌ كامل‌ علی بقائه‌، حتّي‌ انّه‌ يمتلك‌ في‌ النوم‌ كذلك‌ حسّ تمالك‌ و حفظ‌ النفس‌ هذا، فانّه‌ ـ في‌ متن‌ الواقع‌ و الحقيقة‌ ـ يقترب‌ بنفسه‌ من‌ الموت‌ كلّ لحظة‌، و يتقدّم‌ بها بهذه‌ النشاطات‌ التي‌ تقترن‌ بانقضاء الزمن‌ و طيّه‌، و التي‌ تخرج‌ عن‌ دائرة‌ إرادته‌ و اختياره‌ شاء أم‌ أبي‌، يتقدّم‌ بها لحظةً بعد لحظة‌ لاستقبال‌ أجله‌ و الاقتراب‌ منه‌، وهذا هو معني‌ قول‌ المولي‌ عليه‌ السلام‌: وَالْهَرَبُ مِنْهُ مَوَافَاتُهُ.

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ النبي‌ سليمان‌ مع‌ الرجل‌ الفَزِع‌ و ملك‌ الموت‌

شقيل‌ انّ رجلاً فزعاً جاء صباح‌ يوم‌ ما عند سليمان‌ علی نبيّنا و آله‌ و عليه‌ الصّلاة‌ و السلام‌، فلمّا شاهد سليمان‌ اصفرار وجهه‌ و ازرقاق‌ شفاهه‌ من‌ شدّة‌ الخوف‌ و الهلع‌، سأله‌: ما بالك‌ ايـّها المؤمن‌ و ما علّة‌ خوفك‌ و فزعك‌؟!

 أجاب‌ الرجل‌: لقد نظر اليّ عزرائيل‌ نظر غضب‌ و حقد فأفزعني‌ ذلك‌ كما تري‌.

 فقال‌ سليمان‌: و ما هي‌ حاجتك‌ الآن‌؟

 قال‌: يا نبيّ الله‌ الريح‌ طوع‌ أمرك‌، فمُرها لتأخذني‌ الی الهند، لعلّني‌ أنجو هناك‌ من‌ براثن‌ عزرائيل‌.

 فأمر النبيّ سليمان‌ الريح‌ لتحمله‌ علی وجه‌ السرعة‌ الی الهند. و في‌ اليوم‌ التالي‌ جلس‌ سليمان‌ في‌ مجلسه‌ فجاء عزرائيل‌ لرؤيته‌، فقال‌ له‌: يا عزرائيل‌! لماذا نظرتَ الی ذلك‌ العبد المؤمن‌ نظرة‌ مغضب‌ حافد فدفعتَ ذلك‌ المسكين‌ الفزع‌ الی الفرار من‌ أهله‌ و بيته‌ الی ديار الغربة‌؟

 فقال‌ عزرائيل‌: لم‌انظر اليه‌ قطّ نظر مغضب‌، و لقد أساء الظنّ بي‌، فقد كان‌ الربّ ذوالجلال‌ أمرني‌ بقبض‌ روحه‌ في‌ الهند في‌ الساعة‌ الفلانيّة‌، فوجدته‌ هنا قريباً من‌ تلك‌ الساعة‌، فغرقتُ لذلك‌ في‌ دنيا من‌ العجب‌ و الدهشة‌ و تحيّرت‌ في‌ أمري‌، فخاف‌ ذلك‌ الرجل‌ من‌ تحيّري‌ و ظنّ خطأً انـّي‌ أريد السوء به‌. لقد كان‌ الاضطراب‌ من‌ جهتي‌ أنا، و كنتُ أحدّث‌ نفسي‌: لو امتلك‌ هذا الرجل‌ ألف‌ جناح‌ لما أمكنه‌ الطيران‌ بها و الذهاب‌ الی الهند في‌ هذا الزمن‌ القصير، فكيف‌ سأنجز هذه‌ المهمّة‌ التي‌ أوكلها الله‌ لي‌؟

 ثم‌ قلتُ لنفسي‌: فلاذهب‌ كما أُمرت‌ فليس‌ ذلك‌ من‌ شأني‌. و هكذا فقد ذهبتُ بأمر الحقّ الی الهند ففوجئتُ به‌ هناك‌ فقبضتُ روحه‌. [8]

 أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِي‌ءٍ لاَقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ في‌ فِرارِهِ.

 فهو في‌ فراره‌ من‌ الموت‌ يستقبله‌ و يسقط‌ بين‌ أحضانه‌، و انّما الفرار عين‌ الاستقبال‌، و ليس‌ من‌ أحد قادر علی الفرار، لانّ أيّ فرار مهما كانت‌ كيفيّته‌ و صورته‌، هو نفسه‌ غوصٌ في‌ فم‌ الموت‌ الفارغ‌.

 و للاجل‌ معنيان‌، أحدهما بمعني‌ المدّة‌ و الزمان‌؛ فالتعبير بأن‌ أجل‌ فلان‌ خمسون‌ سنة‌ معناه‌ انّ مدّة‌ عمره‌ هي‌ هذا المقدار، و تعبير لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ يعني‌ ان‌ لكلّ أمّة‌ و جماعة‌ مهلة‌ و زمن‌ خاصّ معيّن‌. و المعني‌ الآخر للاجل‌ هو الحين‌ و الموعد، فأجل‌ الدين‌ يعني‌ حلول‌ الموعد الذي‌ ينبغي‌ قضاؤه‌ فيه‌ و استيفاؤه‌، و في‌التعبير فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ، يعني‌ اذا جاء الزمن‌ الذي‌ يحين‌ فيه‌ حينهم‌ و تنتهي‌ فيه‌ حياتهم‌. و قد ورد في‌ سورة‌ سبأ (34)، الآية‌ 30:

 قُلْ لَّكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ تَسْتَقْدِمُونَ.

 و الميعاد هنا بمعني‌ رأس‌ المدّة‌ و زمن‌ حلول‌ الوعد، فقل‌ أيها النبيّ ان‌ لكم‌ موعداً لا يمكنكم‌ التعجيل‌ فيه‌ ساعةً، و لا دفعه‌ و تأخيره‌ حين‌ حلوله‌ ساعة‌ واحدة‌.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ نوعي‌ الاجل‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌: الاجل‌ و الاجل‌ المسمّي‌

 حين‌ يحلّ ذلك‌ اليوم‌، فان‌ العمر سيكون‌ قد انقضي‌ و الاجل‌ قد حلّ، بيد انّ نكتة‌ ظريفة‌ وردت‌ في‌ القرءان‌ الكريم‌ في‌ هذا الشأن‌ تستلفت‌ الاهتمام‌ و العناية‌، و هي‌ قوله‌ في‌ احدي‌ الآيات‌:

 هُوَ الَّذِي‌ خَلَقَكُم‌ مِن‌ طِينٍ ثُمَّ قَضَي‌ أَجَلاً و أجَلٌ مُسَمًّي‌ عِنْدَهُ. [9]

 حيث‌ يستبين‌ هنا انّ لدينا أجلين‌، أحدهما أجل‌ عيّنه‌ الله‌ لنا، والآخر أجل‌ مسمّيً عندالله‌.

 و باعتبار علمنا وفق‌ الآية‌ 96، من‌ السورة‌ 16: النحل‌، القائلة‌: مَاعِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مَا عِنْدَاللَهُ بَاقٍ. انّ ما لدينا ينفد و يفني‌، و أنّ ما عندالله‌ يبقي‌، فانّ الاجل‌ المسمّي‌ سيكون‌ ـ باعتبار كونه‌ عندالله‌ ـ من‌ الاُمور التي‌ ستبقي‌ و لا يطرأ عليها العدم‌ و الفناء. و عليه‌ فانّ مدّة‌ عمرنا (أجلنا) ستنقضي‌ الاّ انّ الاجل‌ المسمّي‌ سيبقي‌.

 و علينا ان‌ نري‌ كيف‌ انّ لدينا أجلين‌؟ و ما هو الفرق‌ بينهما؟ وكيف‌ انّ أحدهما فانٍ و الآخر باقٍ؟

 لتحليل‌ هذا الموضوع‌ نقول‌ بأنه‌ جاء في‌ الآية‌ 24 من‌ السورة‌ 10: يونس‌:

 إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَ'وةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَـ'هُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاْرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الاْنَعَـ'مُ، حَتَّي‌ إِذَا أَخَذَتِ الاْرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَ'يهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَـ'هَا حَصِيدًا كَأَن‌ لَمْ تَغْنَ بِالاَمْسِ، كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَـ'تِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

 فهذه‌ الآية‌ تبيّن‌ أن‌ حياة‌ الإنسان‌ في‌ الدنيا علی هذا النحو، أي‌ أنّ النطف‌ الباردة‌ تستقرّ في‌ مجمرة‌ أصلاب‌ الآباء، ثمّ في‌ أرحام‌ الاُمّهات‌، وتقضي‌ دورة‌ تكاملها في‌ الرحم‌ في‌ منتهي‌ الدف‌ و الحرارة‌، ثم‌ يقدم‌ الإنسان‌ الی الدنيا و يسعي‌ وراء العلم‌ و القدرة‌ و الجاه‌ و المال‌ و الولد وأنواع‌ التعيّنات‌ و الاعتباريّات‌ و أقسامها، من‌ أجل‌ أن‌ يمتلك‌ العلم‌ والتجربة‌ و قوّة‌ التشخيص‌ و الإدراك‌ و المعرفة‌ من‌ مختلف‌ وجوهها، وليقدر علی القيام‌ بجميع‌ النشاطات‌ في‌ هذه‌ الارض‌، و إجمالاً: ليصل‌ الی الاوج‌ و الذروة‌ من‌ جهة‌ الحياة‌ الدنيوية‌، ثم‌ يفجؤه‌ الموت‌ بغتةً من‌ حيث‌ لم‌ يخطر له‌ علی بال‌، و يأتي‌ عزرائيل‌ فيطوي‌ ملفّ حياته‌ و يُلاشي‌ آثاره‌ وخصائصه‌ لتصبح‌ كلها فانية‌ كأن‌ لم‌ يكن‌ من‌ قبل‌ شيئاً، كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالاْمْسِ وكأنه‌ لم‌ يُقم‌ في‌ الارض‌ أو يسكن‌ فيها.

 يقول‌ الله‌ تعالي‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌: أَت'ي'ها أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، فيتّضح‌ انّ نهاية‌ الحياة‌ في‌ الدنيا بأمر الله‌ سبحانه‌، و أمر الله‌ بيده‌ و عنده‌، وهو الاجل‌ المسمّي‌ الذي‌ ذكرناه‌.

 و عليه‌ فانّ انقضاء العمر و مجي‌ الاجل‌ مترتّب‌ علی الاجل‌ المسمّي‌ والامر الالهي‌ّ الذي‌ يأتي‌ فيختم‌ هذا الاجل‌ فلا تبقي‌ معه‌ للانسان‌ مهلة‌.

 و يتضّح‌ هنا كيفيّة‌ و نحو هذين‌ الاجلين‌: أجل‌ دنيويّ زمني‌ يمثّل‌ المدّة‌ التي‌ تشكّل‌ مرحلة‌ عمر الإنسان‌، و التي‌ تطوي‌ و تنقضي‌ بطيّ الزمان‌، و نحو وجودها تدريجي‌ّ، ثم‌ تزول‌ في‌ النهاية‌ فيحلّ حينُ الانسان‌ و تنتهي‌ مهلته‌ بشكل‌ متزامن‌ مع‌ وفاته‌. و أجل‌ مسمّي‌ عندالله‌. أمرٌ الهي‌ لا ينتمي‌ الی عالم‌ الزمان‌ و لا يطرأ عليه‌ الهلاك‌ و الفناء، بل‌ هو عندالله‌ ثابت‌ علی الدوام‌. و انّما ينظّم‌ و يضع‌ أساس‌ هذا الاجل‌ الدنيوي‌. فنحن‌ ـ مثلاًـ قد أدّينا الصّلاة‌ اوّل‌ الظهر ثم‌ دعونا، ثم‌ انقضت‌ تلك‌ الازمنة‌ و أحالتنا الی هذا الزمن‌ الفعليّ الذي‌ نشتغل‌ فيه‌ بالتحدّث‌ الی الاصدقاء الاعزّاء، وهذا الزمن‌ ينقضي‌ هو الآخر بدوره‌ و يدفعنا لحظةً بعد لحظة‌ الی الامام‌ في‌ دائرة‌ طيّ الزمان‌ و تدرّجه‌ ساعاتٍ و أيّاماً و شهوراً و سنيناً، حتيّ يوصلنا الی آخر نقطة‌ الاجل‌ التي‌ تمثّل‌ يوم‌ الميعاد و الميقات‌. أمّا الاجل‌ المسمّي‌ الالهي‌ فهو ثابت‌ لا يطوي‌ بطيّ الزمان‌ و مروره‌، و ذلك‌ الاجل‌ المسمّي‌ هو عمر الإنسان‌ من‌ أوّله‌ الی آخره‌ الذي‌ عُيّن‌ له‌ في‌ عالم‌ المعني‌ و الملكوت‌، لاتجاوز و لاتخطٍّ فيه‌، و علی ذلك‌ الاساس‌ و الاصل‌ الثابت‌ يخطط‌ أساس‌ مشروع‌ العمر الدنيويّ و الزمني‌. فذلك‌ الاجل‌ موجود في‌ عالم‌ فسيح‌ أوسع‌ من‌ نشأة‌ الدنيا، و في‌ عالم‌ الملكوت‌ الذي‌ توجد علی أساسه‌ جميع‌ موجودات‌ عالم‌ المادّة‌ و الطبع‌ التي‌ نزلت‌ الی هذا العالم‌. ذلك‌ العالم‌ هو عالم‌ القدوة‌ و النموذج‌ و الحقيقة‌، و هذا العالم‌ عالم‌ المثال‌ و المجاز والنقصان‌، فانقضاء العمر الذي‌ نراه‌ زائلاً من‌ وجهة‌ نظر تدريج‌ المادّة‌ لدرجة‌ أنه‌ اذا ما نظرنا اليه‌ بفهم‌ و إدراك‌ أفضل‌ و أعمق‌، او اذا ما أدركنا عالم‌ الملكوت‌ بالحسّ و المشاهدة‌، فاننّا سنجد ذلك‌ الاجل‌ الثابت‌ والمسمّي‌ موجوداً هناك‌ و ثابتاً لا يفني‌ و لا يزول‌ أبداً. يشهد علی هذا المعني‌ قوله‌ تعالي‌:

 مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَهِ فَاِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ [10]

 و أجل‌ الله‌ هو الاجل‌ المسمّي‌، و هو نفسه‌ الامر الالهي‌.

 اي‌ أنّ اولئك‌ الذين‌ يحدوهم‌ الامل‌ بلقاء الله‌، ينبغي‌ أن‌ يصلوا الی عالم‌ الملكوت‌ ليدركوا ذلك‌ الاجل‌ المسمّي‌ و خصوصيّاته‌ من‌ البداية‌الي‌ الخاتمة‌، او ينبغي‌ أن‌ يعبروا الاجل‌ الدنيويّ ـ بالموت‌ الاختياري‌ او الاضطراري‌ ـ ليصلوا الی عالم‌ الملكوت‌، لانّ لقاء الله‌ بدون‌ طيّ عالم‌ الملكوت‌ و إدراك‌ الثابتات‌ ـ و من‌ جملتها الاجل‌ المسمّي‌ ـ من‌ الامور المستحيلة‌.

 و يمكن‌ القول‌ بتعبير آخر انّ الاجل‌ المسمّي‌ و الاجل‌ الدنيوي‌ّ حقيقة‌ واحدة‌ و أمر واحد، غاية‌ الامر انّ النظر اليها يجري‌ من‌ زوايتين‌ مختلفتين‌، فاحدي‌ وجهتي‌ هذه‌ الحقيقة‌ و أحد أطرافها عالم‌ الطبع‌ و المادّة‌ و هو قضاء العمر، و وجهتها و طرفها الآخر عالم‌ الملكوت‌ الثابت‌، و هو طريق‌ العبور الی أسماء الربّ الودود و صفاته‌، و الفناء أخيراً في‌ الذات‌ المقدّسة‌ الربوبيّة‌، و سيكون‌ الاجل‌ المسّمي‌ الموجود في‌ عالم‌ الملكوت‌ من‌ منازل‌ طريق‌ الوصول‌ الی ذلك‌ الامل‌ و هو لقاء الله‌.

 و قد وردت‌ آيات‌ كثيرة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ لها دلالة‌ علی عودة‌ الانسان‌ و جميع‌ الاشياء الی الله‌ سبحانه‌:

 أَلاَ الی اللَهِ تَصِيرُ الاْمُورُ. [11]

 وَ الی اللَهِ الْمَصِيرُ. [12]

 وِ إِلَيْهِ يَرْجِعُ الاْمْرُ كُلُّهُ. [13]

 وَ الی اللَهِ تُرْجَعُ الاْمُورُ. [14]

 ثُمَّ الی رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ. [15]

 إِنَّ الی رَبِّكَ الرُّجْعَي‌. [16]

 الی اللَهِ مَرْجِعُكُمْ. [17]

 ثُمَّ الی رَبِّكُمْ مِرْجِعُكُمْ. [18]

 إِنَّا لِلهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. [19]

 يَا أَيُّهَا الإنْسَـ'نُ إِنَّكَ كَادِحٌ الی رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ. [20]

 فرجوع‌ نفس‌ الانسان‌، و حلول‌ الاجل‌ الدنيوي‌، و الوصول‌ للاجل‌ المسمّي‌، و الانتقال‌ من‌ المادة‌ الی عالم‌ المثال‌ و الصورة‌ ليست‌ الاّ الموت‌، و بالطبع‌ فانّ حقيقة‌ الموت‌ ليست‌ امراً محسوساً يمكن‌ لمسه‌ أو إدراكه‌ بالحواس‌، لانّه‌ انتقال‌ من‌ عالم‌ الطبع‌ و الحسّ الی عالم‌ ما فوق‌ الحسّ الدي‌ يُقال‌ له‌ عالم‌ البرزخ‌ و المثال‌، و هو ـ لهذا ـ لا يُدرك‌ بالحسّ، لان‌ الموت‌ حركة‌ من‌ عالم‌ الطبع‌ والمادة‌ و أنّي‌ له‌ أن‌ يُدرك‌ بالحسّ و هو نفسه‌ من‌ الطبع‌ و المادّة‌؟

 الرجوع الي الفهرس

مقولة‌ ابن‌ سينا في‌ علّة‌ خوف‌ الناس‌ من‌ الموت‌

 و للشيخ‌ الرئيس‌ أبي‌ علی سينا مطالب‌ بشأن‌ حقيقة‌ الموت‌ و علّة‌ الخوف‌ منه‌ وردت‌ في‌ كتاب‌ «الشفاء» نوردها هنا:

 «و أمّا من‌ يجهل‌ الموت‌ و لا يعرف‌ حقيقته‌ فأبيّن‌ له‌ انّ الموت‌ ليس‌ أكثر من‌ ترك‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ لآلاتها التي‌ تستعملها، أي‌ أعضائها التي‌ يُسمّي‌ مجموعها بالبدن‌، كما يترك‌ الشخص‌ الصانع‌ آلات‌ عمله‌.

 و ذلك‌ لانّ نفس‌ الانسان‌ جوهر غير جسماني‌، و ليست‌ عرضاً من‌ الاعراض‌، و لاتقبل‌ الفساد و التلف‌، و حين‌ يفارق‌ هذا الجوهر البدن‌ فانّه‌ سيقي‌ ببقاءٍ يُناسبه‌، و يصفو من‌ أكدار عالم‌ الطبيعة‌ و ينال‌ سعادته‌ التامّة‌، فلا سبيل‌ الی زواله‌ و فنائه‌ و انعدامه‌، لانّ الجوهر لا يفني‌ و لاتبطل‌ ذاته‌، و ما يبطل‌ هو تلك‌ النسب‌ و الإضافات‌ و الاعراض‌ و الخواصّ و الامور التي‌ بينه‌ و بين‌ الاحسام‌ و الرابطة‌ بينهما.

 أمّا الجوهر الروحاني‌ فلا يقبل‌ أبداً الاستحالة‌ و الانقلاب‌، و لا يتغيّر في‌ ذاته‌، بل‌ يقبل‌ كمالات‌ و تماميّة‌ صورته‌ فقط‌، فكيف‌ يُتصوّر انعدامه‌ و تلاشيه‌؟

 و أمّا من‌ يخاف‌ من‌ الموت‌ فلانه‌ لايعلم‌ أين‌ ستكون‌ عودته‌ و رجوعه‌، أو لانّه‌ يظنّ انّ ذاته‌ ستنحلّ، و نفسه‌ و حقيقته‌ ستبطل‌ بانحلال‌ بدنه‌ و بطلان‌ تركيبه‌، فهو يجهل‌ بقاء نفسه‌ و لا يعلم‌ كيفيّة‌ المعاد، فهو في‌ الواقع‌ لا يخاف‌ من‌ الموت‌ بل‌ يجهل‌ أمراً كان‌ حريّاً به‌ أن‌ يعلمه‌. و علّة‌ خوفه‌ انّما هي‌ جهله‌، هذا الجهل‌ الذي‌ دفع‌ بالعلماء الی طلب‌ العلم‌ و مشقّة‌ سبيله‌، و جعلهم‌ يتركون‌ لذّات‌ الجسم‌ و راحة‌ البدن‌ في‌ سبيله‌». [21]

 الرجوع الي الفهرس

الإشتياق‌ للموت‌ هو معيار القرآن‌ في‌ معرفة‌ المؤمن‌

 و بناءً علی هذه‌ الحقيقة‌ فانّ الموت‌ سوف‌ لن‌ يوجد الاضطراب‌ و لا الحيرة‌ و الفزع‌ للعارف‌ و المؤمن‌، بل‌ انّه‌ سيُثير فزع‌ الافراد الذين‌ ابتعدوا عن‌ تجرّد النفس‌ بالانغمار في‌ عالم‌ المادّة‌ و الشهوات‌، و الذين‌ لم‌ يعرفوا ربّهم‌ بسبب‌ عدم‌ معرفة‌ عوالم‌ القرب‌ و عدم‌ الانس‌ بها، اولئك‌ الذين‌ يجعلهم‌ جهلهم‌ في‌ فزع‌ و اضطراب‌ دائمين‌.

 أمّا المؤمن‌ الذي‌ لم‌ يتخطّ طريق‌ الحقّ قدماً واحداً، و الذي‌ وافق‌ بين‌ عمله‌ و صفاته‌ و بين‌ الحقّ و أمر الحقّ، فطوي‌ كشحه‌ في‌ هذه‌ الدنيا عن‌ عالم‌ الغرور و تجافي‌ عنه‌، و مال‌ الی دار الخلود و الابديّة‌، و كان‌ عاشقاً و محبّاً للقاء الله‌، فهو كذلك‌ عاشق‌ للموت‌، عاشق‌ للتجرّد، لانّه‌ محبّ لله‌ مؤمن‌ بفردانيّته‌، فهو يتمنّي‌ كلّ يوم‌ أن‌ يخلع‌ لباس‌ البدن‌ و يرتدي‌ خلعة‌ التجرّد و زيّه‌، بل‌ انّه‌ يسعي‌ علی الدوام‌ ليقلّل‌ كلّ يوم‌ درجةً من‌ غروره‌ ومجازه‌، و يقترب‌ كلّ يوم‌ درجةً من‌ إدراك‌ المعني‌ و الحقيقة‌، حتّي‌ يصل‌ الی الحد الذي‌ تصبح‌ لديه‌ جميع‌ الامور الدنيويّة‌ الفانية‌ مدفونة‌ في‌ سراب‌ البطلان‌ و العدم‌، و حتي‌ يتحقّق‌ لديه‌ تجلّي‌ عالم‌ الانوار و الحقيقة‌.

 يقول‌ الباري‌ عزّوجل‌ في‌ خطابه‌ لليهود:

 قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الاْخِرَةُ عِنْدَ اللَهِ خَالِصَةً مِن‌ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَـ'دِقِينَ * وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهِمْ وَاللَهُ عَلِيمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ [22]

 يا أيّها النبيّ قل‌ لليهود (الذين‌ يدّعون‌ انّهم‌ مقرّبون‌ عندالله‌، و انّ الآخرة‌ و الجنّة‌ ملكهم‌ المنحصر بهم‌) قل‌: إن‌ كانت‌ الجنّة‌ و المنزل‌ الخالد عندالله‌ لكم‌ فقط‌ لا يستفيد منه‌ الآخرون‌، و إن‌ صدقتم‌ في‌ ادّعائكم‌ هذا فتمنّوا الموت‌. و لن‌ يتمنّونه‌ أبداً بسبب‌ أساليبهم‌ و أعمالهم‌ الظالمة‌ التي‌ اجترحوها و قدّموها قبلهم‌، و الله‌ سبحانه‌ عليم‌ بالظالمين‌.

 أي‌ انّ من‌ عمل‌ صالحاً، و لم‌ يتجاوز علی حقوق‌ الآخرين‌، و لم‌ينحرف‌ عن‌ مقام‌ عبوديّته‌ لله‌ سبحانه‌، سيكون‌ قد وجد الارتباط‌ بالله‌ والمعرفة‌ به‌، و هذا الانس‌ و العلاقة‌ سيوجبان‌ محبّته‌ و نزوعه‌ الی لقاءه‌ والنظر اليه‌ عزّوجل‌، و باعتبار انّ الموت‌ يمثّل‌ جسر العبور للّقاء والوصال‌، فانّ المؤمن‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ عاشقاً للموت‌، لانّ عاشق‌ الحبيب‌ يعشق‌ أيضاً الطريق‌ الذي‌ يقوده‌ الی حبيبه‌.

 و يقول‌ تعالي‌ أيضاً:

 قُلْ يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنُّوُا الْمَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَـ'دِقِينَ * وَ لاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَالَلهُ عَلِيمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ. [23]

 انّ من‌ يعقد آماله‌ علی عالم‌ الغرور، فينحصر نظره‌ الی عالم‌ الوجود من‌ نافذة‌ الشهوة‌ و الغضب‌ و الاستثمار و التعيّن‌ و الحكومات‌ غير اللائقة‌، اي‌ انّ من‌ انغمر في‌ عين‌ الجهل‌ و ابتعد عن‌ عالم‌ الحقيقة‌ الماثل‌ في‌ متن‌ الواقعيّة‌، و ابتعد عن‌ الله‌ سبحانه‌ و لم‌ يُبدِ خضوعاً في‌ مقام‌ العبوديّة‌ له‌، فهو ليس‌ عاشقاً لله‌ أبداً، بل‌ هو مُدّعٍ كاذب‌ و ليس‌ من‌ أولياء الله‌، لانّ الوليّ عاشق‌ لمولاه‌، كما انّه‌ ليس‌ محبّاً لانّ المحبّ مشتاق‌ لزيارة‌ و لقاء حبيبه‌.

 انّ اليهود يدّعون‌ انّهم‌ النخبة‌ و الصفوة‌ من‌ ولد آدم‌، و انّهم‌ لن‌ يحترقوا في‌ نار جهنّم‌ يوم‌ القيامة‌ الاّ أيّاماً معدودات‌ هي‌ الاربعين‌ يوماً التي‌ تمرّدوا فيها علی هارون‌ وصيّ موسي‌ فعبدوا العجل‌، و هم‌ كاذبون‌ في‌ ادّعائهم‌ هذا، لانّ آثار المحبّة‌ لا تبين‌ في‌ هيكل‌ وجودهم‌ و في‌ أرجاء عملهم‌ و اسلوبهم‌ و سلوكهم‌ المعرّف‌ بصفاتهم‌ و ذواتهم‌ وطريقة‌ تفكيرهم‌.

 اولئكم‌ عشّاق‌ الدنيا، المتلهّفون‌ لكنز المال‌ و الثروة‌، و هم‌ لذلك‌ يعشقون‌ ايّ سبيل‌ ينهج‌ بهم‌ الی معشوقهم‌ و معبودهم‌، و لو كان‌ قتل‌ النفوس‌ البريئة‌ و نهب‌ الاموال‌ المحترمة‌. اولئكم‌ عشّاق‌ حياة‌ عالم‌ الغرور لا عشّاق‌ الابديّة‌ و السرمديّة‌.

 آزمودم‌ مرگ‌ من‌ در زندگي‌ است                 ‌ چون‌ روم‌ زين‌ زندگي‌ پايندگي‌ است‌

 اُقتلوني‌ اُقتلوني‌ يا ثِقاة‌                إنَّ فِي‌ قتلي‌ حياةً في‌ حياة‌ [24]

 و في‌ رواية‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 لمّا أراد الله‌ تبارك‌ و تعالي‌ قبض‌ روح‌ ابراهيم‌ عليه‌ السلام‌ أهبط‌ ملك‌ الموت‌ فقال‌: السلام‌ عليك‌ يا ابراهيم‌!

 قال‌: وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا مَلَكَ الْمَوتِ. أدَاعٍ أمْ نَاعٍ؟

 قال‌: بل‌ داعٍ يا ابراهيم‌، فأجب‌.

 قال‌ ابراهيم‌: فَهَلْ رَأَيْتَ خَلِيلاً يُمِيتُ خَلِيلَهُ؟

 قال‌: فرجع‌ ملك‌ الموت‌ حتّي‌ وقف‌ بين‌ يدي‌ الله‌ جلّ جلاله‌ فقال‌:

 الهي‌ قد سمعتَ ما قال‌ خليلُك‌ ابراهيم‌.

 فقال‌ الله‌ جلّ جلاله‌: يا ملك‌ الموت‌ اذهب‌ اليه‌ و قل‌ له‌: هَلْ رَأيْتَ حَبِيبَاً يَكْرَهُ لِقَاء حَبِيبِهِ؟ إنَّ الْحَبِيبَ يُحِبُّ لِقَاءَ حَبِيبِهِ.[25]

 الرجوع الي الفهرس

خطبة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ المتضمنّة‌ أُنسه‌ بالموت‌

 و كان‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يقول‌:

 وَاللهِ لاَبْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي‌ أُمِّهِ. [26]

 و جملة‌ الإمام‌ هذه‌ من‌ بين‌ فقرات‌ خطبة‌ ألقاها بعد رحلة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ حين‌ التفّ حوله‌ الزبير و أبوسفيان‌ و جماعة‌ من‌ المهاجرين‌ يحرّضونه‌ علی النهوض‌ و المطالبة‌ بحقّه‌ [27]، و كان‌ عليه‌ السلام‌ خبيراً بنواياهم‌، و كان‌ يعلم‌ انّ الهمّ الوحيد لاكثرهم‌ كان‌ في‌ الحكومة‌ الظاهريّة‌ و الرياسة‌ الدنيويّة‌، لذا فقد ردّهم‌ جميعاً و قال‌ في‌ خطبته‌ انّ الارضيّة‌ لم‌ تمهّد لي‌ بعدُ لتشكيل‌ حكومة‌ الهيّة‌، و انّ الامور لم‌ تستوسق‌ بعدُ، شأنها كلقمة‌ اعترضت‌ في‌ الحلق‌، او كفاكهة‌ فجّة‌ تقطف‌ من‌ الشجر في‌ غير أوانها. و لست‌ أحكم‌ للحصول‌ علی تاج‌ المفاخرة‌ و الغرور الدنيوي‌، و لست‌ أحكم‌ طمعاً بالمُلك‌، كما ليست‌ التقيّة‌ و السكوت‌ نابعة‌ من‌ خوفي‌ من‌ الموت‌، ثمّ أنشأ الجملة‌ الغرّاء السابقة‌، و قال‌ بعدها:

 بَلِ اندَمَجْتُ علی مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُم‌ اضْطِرَابَ الاْرشِيةِ [28]فِي‌ الطُّوَي‌ الْبَعِيدَةِ. [29]

 كان‌ حبّ أميرالمؤمنين‌ لله‌ و شوقه‌ اليه‌ يجعله‌ مشتاقاً للموت‌، و كان‌ عشقه‌ للقاء الله‌ يجعله‌ يأنس‌ بالموت‌ أشدّ من‌ أنس‌ الطفل‌ بثدي‌ أمّه‌، لذا فقد نادي‌ حين‌ هوي‌ سيف‌ ابن‌ ملجم‌ المرادي‌ علی فرقه‌ الشريف‌:

 بِسمِ اللَهِ وَ بِاللَهِ وَ علی مِلَّةِ رَسُولِ اللَهِ فُزْتُ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ أشقي‌ الآخرين‌، و إخبار الإمام‌ عن‌ شهادته‌ علی يد ابن‌ملجم‌ المرادي‌

 يروي‌ ابن‌ الاثير الجزري‌ في‌ كتاب‌ (أسدالغابة‌) بسلسلة‌ سنده‌ عن‌ عثمان‌ بن‌ صهيب‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 قَالَ لِي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلي‌' اللَهِ عَليه‌ ] وآله‌ [ و سلّم‌: مَنْ أَشقَي‌ الاْوَّلِينَ؟

 قُلتُ: عَاقِرُ النَّاقَةِ. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَمَنْ أشْقَي‌ الآخِرِينَ؟

 قُلتُ: لاَ عِلْمَ لِي‌ يَا رَسُولَ اللَهِ. قَالَ: الَّذِي‌ يَضْرِبُكَ علی هَذَا، وَ أَشَارَ بِيَدِهِ الی يَا فُوخِهِ.

 و كَانَ يَقُولُ: وَدَدْتُ أَنَّهُ قَدانْبَعَثَ أَشْقَاكُمْ فَخَضَبَ هُذِهِ مِن‌ هَذِهِ. يَعْنِي‌ لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ رَأسِهِ.

 و يروي‌ ابن‌ الاثير أيضاً بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ الطفيل‌: اِنَّ عَلِيَّاً جَمَعَ النَّاسَ لِلْبَيْعَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ مُلْجِمِ الْمُرادِي‌ُّ فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ علی: مَا يَحْبِسُ أَشْقَاهَا فَوَاللَهِ لَيَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِن‌ هَذِهِ؟ ثُمَّ تَمَثَّلَ:

 اشدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوتِ فَاِنَّ الْمَوْتَ لاَقِيكَ              وَ لاَ تَجْزَعَ مِنَ الْقَتْلِ إذَا حَلَّ بِوَادِيكَ [30]

 و يقول‌ مالك‌ الاشتر: كنتُ ألحظ‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ دوماً، فكان‌ لونه‌ يتغيّر عند الصلاة‌، و روحه‌ تذهب‌ الی الملا الاعلي‌، فيلاقي‌ ربّه‌. و لم‌ أره‌ يتزلزل‌ أو يخاف‌ في‌ شي‌ من‌ الحروب‌ و الاهوال‌، حتّي‌ كأنّ الموت‌ لم‌ يكن‌ له‌ عنده‌ من‌ معني‌. [31]

 و يقول‌ الاصبغُ بن‌ نباته‌: لَمَّا ضُرِبَ أَمِيرُ المؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ دَخَلْتُ عليه‌ وَ أكْبَبتُ عليه‌ فَقَبَّلْتُهُ وَ بَكَيْتُ. فَقَالَ لِي‌: لاَتَبكِ يَا أصبَغُ فَانَّهَا وَاللَهِ الجَنّةُ. فَقلتُ له‌: جُعِلْتُ فِدَاك‌ اِنِّي‌ أَعْلَمُ وَاللَهِ اِنَّكَ تَصيرُ الی الجَنَّةِ وَ اِنَّمَا أَبكِي‌ لِفِقداني‌ اِيَّاكَ. [32]

 و لقد كان‌ قرّة‌ عينه‌ و قرّة‌ عين‌ الزهراء: سيّد الشهداء المولّه‌ بحب‌ الله‌ و العاشق‌ للقائه‌ يقول‌ في‌ تلك‌ الساعات‌ الاخيرة‌ في‌ مناجاته‌ مع‌ ربّه‌:

 اِلَهي‌ رِضًي‌ بِقَضَائِكَ تِسْلِيمًا لاِمْرِكَ لاَ مَعْبُودَ سِوَاكَ يَا غِيَاثَ الْمُستَغِيثِينَ.

 تَرَكْتُ الْخَلْقَ طُرًا فِي‌ هَواكَا                   وَ أَيتَمْتُ الْعِيَالَ لِكَي‌ أَرَاكَا

 فَلَوْ قَطَّعْتَنِي‌ فِي‌ الْحُبِّ إربًا                    لَمَا حَنَّ الْفُؤادُ الی سِوَاكَا

 الرجوع الي الفهرس

 

المجلس‌ الثالث‌:

 في‌ علّة‌ الخوف‌ من‌ الموت‌

 

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

والحمد للَه‌ ربّ العالمين‌ و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلي‌ّ العظيم‌

و صلّي‌ اللَه‌ علی محمد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ الی يوم‌ الدين‌

(ألقيت‌ هذه‌ المطالب‌ في‌ اليوم‌ الثالث‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

 قال‌ اللَه‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَ رَضُوْا بِالْحَيَـ'وةِ الدُّنْيَا واطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ  ¥ اُول´ئِكَ مَأْويـ'هُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. [33]

 لقد انتهي‌ بنا البحث‌ الی انّ الموت‌ عبارة‌ عن‌ انتقال‌ نفس‌ الانسان‌ من‌ نشأة‌ الدنيا و تعلّق‌ عالم‌ المادّة‌ الی الآخرة‌ و عالم‌ البرزخ‌ و الصورة‌، و من‌ ثَمّ الی القيامة‌ الكبري‌، و ذلك‌ لانّ النفس‌ ليست‌ مادّية‌ و لا من‌ آثار المادّة‌، بل‌ هي‌ جوهرة‌ مجرّدة‌ و لطيفة‌ ربّانيّة‌.

 و سواءً قلنا الآن‌ بأنّ اصل‌ خلق‌ الروح‌ كان‌ من‌ عالم‌ التجرّد في‌ حين‌ كان‌ البدن‌ من‌ عالم‌ المادّة‌، فأنزل‌ الله‌ الروح‌ من‌ العالم‌ العلوي‌ و أسكنها في‌ البدن‌، فاستخدمت‌ الروح‌ آلات‌ البدن‌ و أعضاءه‌ بعنوان‌ أدوات‌ و وسائل‌ للعمل‌، ثم‌ انّها تتركها عند الموت‌ كما يترك‌ الصانع‌ آلاته‌ و أدواته‌ التي‌ كان‌ يعمل‌ بها، كما اعتقد بذلك‌ الشيخ‌ الرئيس‌ ابوعلي‌ سينا في‌ قصيدته‌ العينيّة‌، علی الرغم‌ من‌ انّه‌ وضع‌ قواعد مباحث‌ النفس‌ في‌ آثاره‌ و كتبه‌ الاخري‌ علی أساس‌ آخر. [34]

 الرجوع الي الفهرس

نظريّتان‌ مختلفتان‌ لابن‌ سينا و صدر المتألّهين‌ في‌ كيفيّة‌ حدوث‌ النفس‌

 و ذلك‌ لانّ الشيخ‌ يقول‌ في‌ أشعاره‌ المعروفة‌ المشهورة‌ التي‌ تعدّ من‌ قصائده‌ الرائعة‌ في‌ باب‌ النفس‌:

 1ـ هَبَطَتْ اَلَيْكَ مِنَ الْمَحَلِّ الاْرْفَعِ وَرْقَاءُ ذَاتُ تَعَزُّزٍ وَ تَمَنُّعِ

 مَحجُوبَةٌ عَنْ كُلِّ مُقْلَةِ عَارِفٍ وَ هِيَ الَّتِي‌ سَفَرَتْ وَ لَمْ تَتَبَرْقَعِ

 وَصَلَتْ علی كُرْهٍ اِلَيْكَ وَ رُبَّمَا كَرِهَتْ فِرَاقَكَ فَهْي‌َ ذَاتُ تَفَجُّعِ

 أَنِفَتْ وَ مَا أَنِسَتْ فَلَمَّا وَاصَلَتْ أَلِفَتْ مُجَاوَرَةَ الْخَرَابِ الْبَلْقَعِ

 الی قوله‌:

 18ـ وَ تَعُودُ عَالِمَةً بِكُلِّ خَفِيَّةٍ فِي‌ العَالَمِينَ فَخَرْقُهَا لَمْ يُرْقَعِ

 19ـ وَ هِيَ الَّتِي‌ قَطَعَ الزَّمَانُ طَرِيقَهَا حَتَّي‌ لَقَدْ غَرَبَتْ بِغَيْرِ الْمَطْلَعِ

 20ـ فَكَأَنَّهَا بَرْقٌ تَأَلَّقَ بِالْحِمي‌ ثُمَّ انْطَوَي‌ فَكَأَنَّهَا لَمْ يَلْمَعِ [35]

 و قد شبّه‌ الشيخ‌ في‌ قصيدته‌ هذه‌ الروح‌ الانسانيّة‌ و النفس‌ الناطقة‌ باليمامة‌ الورقاء ذات‌ التحليق‌ البعيد و الوجود العزيز و المحلّ المنيع‌، التي‌ هبطت‌ من‌ عشّها العالي‌ ذلك‌ الی قفص‌ البدن‌ و سجنه‌. فيقول‌ في‌ وصفها:

 1 ـ لقد هبطت‌ و رقاء الروح‌ ذات‌ المقام‌ العزيز و المحلّ المنيع‌ من‌ ذُراها و محلّها الرفيع‌ السامي‌ و اتّجهت‌ نحو بدنك‌.

 2 ـ و لقد كانت‌ لطيفة‌ الروح‌ تلك‌ محتجبة‌ عن‌ أنظار كلّ عارف‌ و خبير مع‌ انّها ـ و يا للعجب‌ ـ لم‌ تسدل‌ علی طلعتها نقاباً، بل‌ برزت‌ سافرة‌ أمام‌ أنظار الجميع‌.

 3 ـ و لم‌ يكن‌ اتّصال‌ تلك‌ الروح‌ و اللطيفة‌ الناطقة‌ و اقترانها بالبدن‌ طوعيّاً، بل‌ كان‌ اقتراناً أُكرهت‌ عليه‌ و أجبرت‌ علی قبوله‌، بيد انّها ـ و يا للعجب‌ ـ صارت‌ بعد وصولها للبدن‌ تأبي‌ مفارقته‌، و لا ترضي‌ بمغادرة‌ قفص‌ البدن‌ و سجنه‌، فهي‌ تتفجّع‌ و تئنّ في‌ مأتمها لفراقه‌، و تنهمك‌ محزونةً في‌ الغمّ و الغصّة‌ الشديدين‌.

 4 ـ لقد شُغلت‌ تلك‌ النفس‌ الناطقة‌ في‌ مقامها بنفسها فأنفت‌ أن‌ يكون‌ لها ارتباط‌ بعالم‌ المادّة‌، كما انّها لم‌ تأنس‌ بالطبع‌، لكنّها بمجرّد اتّصالها ببدن‌ الانسان‌ ألفت‌ دير الخراب‌ و الصحراء القفر القاحلة‌ للجسد بواسطة‌ علاقة‌ المجاورة‌ معها.

 18 ـ و ستعود هذه‌ النفس‌ الناطقة‌ الی محلّها الاوّل‌ و قد صارت‌ عالمةً بخفايا العالم‌ و أسرار هيكل‌ الوجود الشامخ‌، لذا فقد جبرت‌ بذلك‌ ذلّة‌ انكسارها و هبوطها، و رقعت‌ الخرق‌ الذي‌ أصابها بهبوطها، بل‌ انّها قد سمت‌ بامتزاجها بنور العلم‌ و معرفة‌ أسرار الخلقة‌ فكأنّها لم‌ تهبط‌ قبلاً و لم‌ يصبها خرق‌ و انكسار أبداً.

 19 ـ و لطيفة‌ الروح‌ هذه‌ هي‌ التي‌ قطع‌ الزمان‌ طريقها، فقد جاءت‌ و ذهبت‌ بسرعة‌ بحيث‌ غربت‌ قبل‌ طلوع‌ و بروز مقاماتها و كمالاتها و درجاتها في‌ هذا العالم‌، فكأنّها اختفت‌ في‌ مغربها قبل‌ طلوعها.

 20 ـ و لقد كان‌ تعلّقها بعالم‌ المادّة‌ و البدن‌ الإنساني‌ كالبرق‌ الذي‌ لمع‌ فجأة‌ فأضاء الحمي‌، ثم‌ اختفي‌ و تلاشي‌ بسرعة‌، حتّي‌ كأنّه‌ لم‌ يلمع‌ و لم‌ يبرق‌. و هذه‌ هي‌ عقيدة‌ أبي‌ علی سينا و مذهبه‌ في‌ خلقة‌ الروح‌ و كيفيّة‌ تعلّقها بالبدن‌ و مفارقتها له‌.

 أو إذا قلنا بأنّ أساس‌ تكوّن‌ النفس‌ الناطقة‌ كان‌ جسمانيّاً ثم‌ صار اثر الحركة‌ الجوهريّة‌ و طيّ مدارج‌ الكمال‌ و معارجه‌ روحانيّاً، فتجسّم‌ علی هيئة‌ موجود مجرّد، كما اعتقد بذلك‌ المرحوم‌ صدر المتألّهين‌ الشيرازي‌ و قام‌ بوضع‌ هويّة‌ النفس‌ و موجوديتّها علی هذا المبني‌، فقال‌:

 ألنّفْسُ جِسمانيّة‌ الحدوث‌ و روحانيّة‌ البقاء.

 و قد تابع‌ المرحوم‌ الحاج‌ المولي‌ هادي‌ السبزواري‌ هذا النهج‌ و سار عليه‌، فقال‌ في‌ غرر الفرائد:

 ألنَّفْسُ فِي‌ الْحُدُوثِ جِسْمَانِيَّة                ‌ وَ فِي‌ البَقَا تَكُونُ رُوحَانِيَّة‌

 و بالطبع‌ فاننا لو لاحظنا النفس‌ في‌ الحركة‌ و الاستهلاك‌ ـ لا في‌ مرحلة‌ الوقوف‌ و الفعليّة‌ ـ لوجدناها تمتلك‌ مراحل‌ كهذه‌، و قد عمدوا ـ توضيحاً للامر ـ الی تشبيه‌ النفس‌ في‌ مراتب‌ و درجات‌ حيازتها لكمالاتها بمراتب‌ و درجات‌ الحرارة‌ التي‌ تنبعث‌ في‌ الفحم‌. فلو وضع‌ الفحم‌ بجوار النّار لسخن‌ أوّلاً و ارتفعت‌ حرارته‌، ثم‌ يحمرّ و يتوهّج‌ في‌ المرحلة‌ الثانية‌، ثم‌ يشتعل‌ و يلتهب‌ في‌ المرحلة‌ الثالثة‌، و يصل‌ في‌ المرحلة‌ الرابعة‌ الي‌الإضاءة‌ و بعث‌ النور. و علی هذا الاساس‌ قال‌ العطّار:

 تن‌ زجان‌ نبود جدا عضوي‌ ازوست                ‌ جان‌ ز كل‌ نبود جدا جزوي‌ ازوست‌ [36]

 الرجوع الي الفهرس

نتيجة‌ واحدة‌ لكلتا النظريتين‌ في‌انتقال‌ الروح‌ بعد الموت‌ الی عالم‌ الملكوت‌

 و بناءً علی كلا المنهحين‌ فان‌ الموت‌ عبارة‌ عن‌ انتقال‌ الروح‌
 عن‌ البدن‌ و ترك‌ تعلّقها بالمادّة‌ و آثارها، فذلك‌ الجوهر المجرّد سينتقل‌ الی محلّه‌ المنيع‌ ودرجته‌ الرفيعة‌ تاركاً قالب‌ البدن‌ و قفصه‌ الذي‌ حُبس‌ فيه‌.

 روي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ و غيره‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أنّه‌ قال‌:

 مَا خُلِقْتُمْ لِلْفَنَاءِ بَلْ خُلِقْتُمْ لِلْبَقَاءِ وَ اِنَّمَا تَنْتَقِلُونَ مِنْ دَارٍ الی دَارٍ[37].

 و روي‌ في‌ علل‌ الشرايع‌ ضمن‌ حديث‌، باسناده‌ عن‌ السكوني‌، عن‌ الامام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 فَهكَذَا الإنسان خُلِقَ مِنْ شَأنِ الدُّنْيَا وَ شَأنِ الاخِرَةِ فَإذَا جَمَعَ اللَهُ بَيْنَهُمَا صَارَت‌ حَيوتُهُ فِي‌ الاْرْضِ لاِنَّهُ نَزَلَ مِن‌ شَأنِ السَّمَآءِ الی الدُّنْيَا، فَاِذَا فَرَّقَ اللَهُ بَيْنَهُمَا صَارَتْ تِلْكَ الفُرْقَةُ الْمَوتَ تُرَدُّ شَأنُ الاُخْرَي‌ الی السَّمَاءِ؛ فَالْحَيَو'ةُ فِي‌ الاْرْضِ وَ الْمَوتُ فِي‌ السَّمَاءِ، وَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الاْرْوَاحِ وَالْجَسَدِ فَرُّدَّت‌ الرُّوحُ و النُّورُ الی الْقُدْرَةِ الاُولَي‌' وَ تُرِكَ الْجَسَدُ لاِنَّهُ مِن‌ شَأنِ الدُّنْيَا... الحديث‌ [38]

 و من‌ هنا كان‌ التعبير عن‌ الموت‌ في‌ القرآن‌ المجيد بالحقّ، اي‌ أنّه‌ أمر واقعي‌ حقيقي‌ و ليس‌ حادثة‌ تخيلية‌ و موضوعاً توهميّاً.

 وَ جَائَتْ سَكْرَةُ الْمَوتِ بِالْحَقِّ ذَ'لِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [39]

 و يقول‌ في‌ الآيات‌ 16 ـ 22، من‌ السورة‌ 50: ق‌

 وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَـ'نَ وَ نَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إذ يَتَلَقَّي‌ الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَ جَائَتْ سَكْرةُ الْمَوتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ* وَ نُفِخَ فِي‌ الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَ جَائَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي‌ غَفْلَةٍ مِنْ هَـ'ذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ معني‌ رواية‌: أكيس‌ المؤمنين‌ أكثرهم‌ ذكراً للموت‌ و أشدّهم‌ استعداداً  له‌

 و لذلك‌ فانّ من‌ الكياسة‌ و الفطنة‌ أن‌ يدرك‌ الانسان‌ معني‌ الموت‌ ومفهومه‌ الحقيقي‌ و يستعّد له‌.

 روي‌ المجلسي‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتاب‌ «العدل‌ و المعاد» عن‌ كتابي‌ْ الحسين‌ بن‌ سعيد، و هو من‌ كبار المحدّثين‌، مسنداً عن‌ الامام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ قال‌:

 سُئلَ رَسُولُ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌: أَي‌ُّ الْمُؤمِنِينَ أَكْيَسُ؟

 قَالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرَاً لِلْمَوتِ وَ أَشَدُّهُمْ اسْتِعْدَاداً لَهُ [40].

 و قد وردت‌ أيضاً رواية‌ في‌ كتاب‌ «روضة‌ الكافي‌» عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ [41]، و في‌ أمالي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ عن‌ الامام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌[42] انّه‌ قال‌:

 أَكْيَسُ النَّاسِ مَنْ كَانَ أَشَدَّ ذِكْرَاً لِلْمَوتِ.

 و اذا ما كان‌ الموت‌ بمعني‌ هذا الامر المعلوم‌ و المشهود، من‌ تلف‌ البدن‌ و فساده‌ و انقطاع‌ سلسلة‌ الفعاليّة‌ و النشاط‌، فانّه‌ سيكون‌ أمراً لاترديد و لا شكّ فيه‌ لاحد من‌ جميع‌ أصناف‌ الناس‌ و طبقاتهم‌، و سيكون‌ من‌ أوضح‌ الواضحات‌ و البديهيات‌.

 فأي‌ّ موت‌ ـ تري‌ ـ يكون‌ ذكره‌ و الاستعداد له‌ مفيداً و مؤثراً، و يعدّ الإيقان‌ به‌ من‌ فضائل‌ الإنسان‌ و كمالاته‌، و خاصّة‌ من‌ قبل‌ المؤمنين‌ بالله‌ وعدله‌؟!

 من‌ البيّن‌ انّ المراد بذلك‌ هو المنازل‌ و المراحل‌ التي‌ يطويها الانسان‌ بعد الموت‌، حيث‌ يحصل‌ الانسان‌ علی نتيجة‌ عمله‌، فهي‌ التي‌ توجب‌ الشكّ و الترديد، و هي‌ التي‌ عُهد من‌ أجلها للانبياء و الاولياء بالمهامّ الشاقّة‌ و الابلاغات‌ الصعبة‌، و التي‌ يقيم‌ من‌ أجلها الحكماء و الفلاسفة‌ الالهيّون‌ البراهين‌ و الادلّة‌ لإثبات‌ تجرّد النفس‌ و بقائها، و يوصلون‌ الامر الی مرحلة‌ الاثبات‌ و القطع‌ و اليقين‌.

 و علّة‌ هذا الشك‌ و الترديد انّ الانسان‌ يريد أن‌ يحسّ جميع‌ تلك‌ المنازل‌ و المراحل‌ و عواقب‌ أعماله‌ في‌ هذه‌ الدنيا، و يلمس‌ حقيقتها بأعضاءه‌ و قواه‌ المادّية‌ الحسيّة‌، و لإستحالة‌ هذا الامر فانّ الشك‌ و الترديد سيطرأ علی هذا الامر.

 امّا استحالة‌ ذلك‌ فسببها انّ تلك‌ المنازل‌ و المراحل‌ ينبغي‌ ـ حسب‌ الفرض‌ ـ ان‌ تأتي‌ بعد الموت‌ لا قبله‌، و الاّ لما كانت‌ معاداً، و لما كانت‌ منازل‌ متحقّقة‌ بعد الموت‌، بل‌ منزلاً من‌ منازل‌ الدنيا كسائر الاُمور التي‌ تتكرّر يوميّاً و تواجه‌ الانسان‌ في‌ تاريخ‌ حياته‌ و الحوادث‌ التي‌ تصادفه‌ في‌ معيشته‌.

 الرجوع الي الفهرس

عدم‌ إمكان‌ معرفة‌ أحوال‌ ما بعد الموت‌ الاّ بالتجريد

 و الآخر انّه‌ وفقاً للادلّة‌ المتقنة‌ لتجرّد النفس‌ الناطقة‌ و بقائها، فانّ ما يدركه‌ الانسان‌ بعد الموت‌ لا يحصل‌ بحواسه‌ الظاهريّة‌ و قواه‌ الماديّه‌ التي‌ يستعلمها في‌ الدنيا و في‌ عالم‌ البدن‌، بل‌ انّه‌ ادراك‌ يحصل‌ بالقوي‌ المجرّده‌ بعد تلف‌ البدن‌ و بقاء النفس‌. فكيف‌ يمكن‌ آنذاك‌ تصوّر انّ ما ينبغي‌ ادراكه‌ بالقوي‌ المجرّدة‌ الفعليّة‌ بعد الموت‌ و تلف‌ البدن‌ و خرابه‌ سيمكن‌ ادراكه‌ بالحواس‌ الظاهريّة‌ و القوي‌ الماديّة‌، و انّه‌ سيمكن‌ وجدانه‌ بشكل‌ ملموس‌ و مشهود. و لهذا فانّ البشر يسعي‌ لفهم‌ أسرار ما بعد الموت‌ (اي‌ الاسرار التي‌ ينبغي‌ ان‌ توجد حقيقتها بعد الموت‌) في‌ زمن‌ حياته‌ (أي‌ قبل‌ الموت‌)، بيد انّه‌ لن‌ يفهمها.

 كما انّ البشر يحصل‌ له‌ شكّ و ترديد في‌ الذات‌ المقدّسة‌ للحضرة‌ الاحديّة‌ جلّ و عزّ، لانّه‌ يريد أن‌ يدرك‌ بالحسّ ذلك‌ الوجود السامي‌ الرفيع‌، مع‌ انّ المفروض‌ في‌ الامر انّ ذلك‌ الوجود المقدّس‌ ليس‌ موجوداً محسوساً، فكيف‌ ـ علی هذا ـ يمكن‌ لمسه‌ ومشاهدته‌بالحسّ؟!

 كما انّ البشر يريد أن‌ يدركه‌ بالقوي‌ المفكّرة‌ و المتخيّلة‌، والمفروض‌ في‌ الامر انّ ذلك‌ الوجود السبحاني‌ خالق‌ أزليّ سرمدي‌ غير متناه‌، فكيف‌ يتصوّر أن‌ يسعه‌ الذهن‌ أو تتسلّط‌ عليه‌ أو تقيّده‌ قوي‌ الفكر البشري‌ و هو خلاف‌ الافتراض‌؟

 و هكذا فكما انه‌ ينبغي‌ الاعتقاد اجمالاً بوجود الله‌ مع‌ عدم‌ حصول‌ حقيقة‌ المعرفة‌ بساحة‌ قدسه‌ الاّ بعد مرحلة‌ الفناء و الانعدام‌ في‌ ذاته‌، فكذلك‌ ينبغي‌ الاعتقاد ـ اجمالاً ـ بوجود عوالم‌ ما بعد الموت‌، تلك‌ العوالم‌ التي‌ يشهد علی وجودها القلب‌ و الوجدان‌، مع‌ ترك‌ حقيقة‌ المعرفة‌ و العلم‌ بخصوصيّاتها و كيفيّاتها الی ما بعد الموت‌، و هو أمر لا مناص‌ منه‌.

 و ذلك‌ لانّ معني‌ الموت‌ العبور من‌ عالم‌ الطبيعة‌ الی عالم‌ التجرّد الذي‌ هو ماوراء الطبيعة‌ و المادّة‌، و هذا المعني‌ لا يحصل‌ الاّ بزوال‌ حركة‌ الحواسّ الظاهريّة‌ و الباطنيّة‌ و تعطّلها، و عليه‌ فانّ هذا الامر لا يمكن‌ إدراكه‌ بالعين‌ الماديّة‌ و الحركات‌ الماديّة‌، بينما نريد نحن‌ ان‌ نري‌ الموت‌ و نشاهد الورود في‌ عالم‌ آخر بهذه‌ العين‌، و ندركه‌ بهذا البدن‌ الماديّ و الفكر الماديّ.

 و باعتبار انّ هذا المعني‌ معنيً غير مقبول‌ و غير ممكن‌ التحقّق‌، فانّ أفراد البشر يصيبهم‌ الشكّ والترديد في‌ ما سيحدث‌ بعد الموت‌، و فيما اذا كان‌ هناك‌ حساب‌ بعد الموت‌، و يتساءلون‌ فيما اذا كان‌ الانسان‌ هو هذه‌ المجموعة‌ الماديّة‌، و انّه‌ سيتلاشي‌ بمجي‌ء الموت‌ فلا روح‌ له‌ و لانفس‌، و الذي‌ سينعدم‌ كأن‌ لم‌ يكن‌ شيئاً مذكورا.

 الرجوع الي الفهرس

لَمْ يَخْلُقِ اللهُ يَقِينًا لاَشَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍ لاَيَقِينَ فِيهِ مِنَ الْمَوتِ

 يروي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «الخصال‌»، عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد بن‌ عبدالله‌، عن‌ أحمد بن‌ محمد البرقي‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ عمير، عن‌ حمزة‌ بن‌ عمران‌، عن‌ الامام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ انّه‌ قال‌:

 لَمْ يَخْلُقِ اللهُ يَقِينًا لاَشَكَّ فِيهِ أَشْبَهَ بِشَكٍ لاَيَقِينَ فِيهِ مِنَ الْمَوتِ. [43] و [44]

 و قد روي‌ المرحوم‌ السيّد ابن‌ طاوس‌ نظير هذه‌ الرواية‌ بتفصيل‌ أكثر في‌ كتاب‌ «فلاح‌ السائل‌» عن‌ كتاب‌ «الاشعثيّات‌» لمحمّد بن‌ محمد بن‌ الاشعث‌، باسناده‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌. [45]

 انّ الموت‌ حقّ و يقين‌ لاشبهة‌ فيه‌ و لا شكّ، بيد انّه‌ أشبه‌ بأمر مشكوك‌ بحيث‌ انّ الكثير من‌ أفراد البشر يتعاملون‌ معه‌ بموازين‌ الاُمور المشكوكة‌ و المشتبهة‌، لكأنّه‌ لا يمتلك‌ أبداً أساساً من‌ اليقين‌ و جذوراً من‌ الحقيقة‌ و الواقعيّة‌.

 و ليس‌ هناك‌ من‌ موجود كالموت‌، مع‌ انّ جميع‌ أفراد البشر يرونه‌ أمام‌ أعينهم‌ رأي‌ العين‌ يختطف‌ اخوتهم‌ و أخواتهم‌ و آباءهم‌ و أمّهاتهم‌ وأولادهم‌ و أرحامهم‌ و أصدقاءهم‌ و رفقاءهم‌ و أشباههم‌، و يلحظون‌ كيف‌ انّ جميع‌ الاتعاب‌ و المساعي‌ و المحن‌ التي‌ تحملّها اولئك‌ قد ضاعت‌ من‌ أيديهم‌ فلم‌ يبق‌ منها أثر، و أنّ اولئكم‌ قد رقدوا لوحدهم‌ في‌ طيّات‌ التراب‌، الاّ انّ هؤلاء أيضاً يكرّرون‌ نفس‌ أعمال‌ و تصرّفات‌ اولئك‌، ثم‌ يرحلون‌ مثلهم‌ الی تلك‌ الديار، حتّي‌ كأنّ الله‌ سبحانه‌ قد كتب‌الموت علی اولئك‌ لا علی هؤلاء، و لكأنّ الموت‌ أمر مختص‌ باولئك‌ الذين‌ ماتوا ورحلوا، و كأنّه‌ لم‌ يكتب‌ علی الاحياء.

 و هكذا تخيّل‌ اولئك‌ الذين‌ ماتوا و بنوا افتراضاتهم‌ في‌ معيشتهم‌، فكانوا يقولون‌ أنّ الموت‌ مختصّ بالذين‌ ماتوا و رحلوا، لكنّ هذا الحكم‌ لم‌ يكن‌ صائباً لاولئك‌، كما انّه‌ لن‌ يكون‌ صائباً للاحياء الحاليّين‌.

 هذا هو اليقين‌ الذي‌ هو بالشكّ أشبه‌، فهو في‌ شبهه‌ الی الحدّ الذي‌ يُخال‌ للمرء انّ الموت‌ اليقيني‌ لم‌ يقع‌ أساساً في‌ العالم‌، و انّ جميع‌ الافراد الذين‌ ماتوا كان‌ موتهم‌ مشكوكاً لا يقين‌ فيه‌.

 بينما كان‌ الامر علی العكس‌ تماماً، فقد كانت‌ جميع‌ تلك‌ الميتات‌ يقينيّة‌، و ليس‌ هناك‌ من‌ فرد واحد كان‌ موته‌ مشكوكاً فيه‌، و يقال‌ في‌ المثل‌ عن‌ الموت‌: انّه‌ كالجمل‌ الذي‌ سيبرك‌ علی عتبة‌ كلّ بيت‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 7 و 8، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.ـ الآية‌ 96، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[2] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[3] ـ الآية‌ 34 من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[4] ـ الآية‌ 5 من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[5] ـ أورد هذا الرباعي‌ في‌ «لغت‌نامة‌ دهخدا» من‌ بين‌ الاشعار الفارسيّة‌ لابي‌ علی سينا في‌ مادّة‌ «أبوعلي‌ سينا»، ص‌ 654، و وردت‌ كذلك‌ في‌ المجلّد الاول‌ من‌ كتاب‌ «جشن‌ نامه‌ ابن‌ سينا» انتشارات‌ جمعيّة‌ دار الآثار، سنة‌ 1371: تأليف‌ الدكتور ذبيح‌ الله‌ صفا، ص‌ 114   من‌ جملة‌ أشعاره‌ بالفارسية‌ و يقول‌ في‌ ص‌ 217 من‌ نفس‌ الكتاب‌: كتب‌ هذا الرباعي‌ بالخطّ «النستعليق‌» علی صخرة‌ رخاميّة‌ من‌ يزد في‌ الكتابات‌ المنقوشة‌ أعلي‌ بوّابة‌ مقبرة‌ ابن‌ سينا، ولكن‌ نُقل‌ هذا الرباعي‌ في‌ ص‌ 97 من‌ كتاب‌ «رباعيّات‌ الخيّام‌» تقديم‌ الدكتور فريد رخ‌ روزن‌ و المطبوع‌ في‌ برلين‌ سنة‌ 1304 شمسية‌ و نُسب‌ الی الخيّام‌:

 أز جرم‌ حضيض‌ خاك‌ تا اوج‌ زحل‌                   كردم‌ همه‌ مشكلات‌ گردون‌ را حل‌

 بيرون‌ جستم‌ ز بند هر مكر و حيل              هر بند گشاده‌ شد مگر بند أجل‌

 يقول‌:

 حللتُ كلّ مشكلات‌ الكون‌ من‌ قعر الصلصال‌ المسوّد الی أوج‌ زُحل‌.

 و تخطيّتُ قيود كل‌ مكر و حيله‌، فانحلّ أمامي‌ كلّ قيد إلاّ قيد الاجل‌.

[6] ـ «ديوان‌ رباعيات‌ خيّام‌»، ط‌ برلين‌، 1304 شمسيّة‌، ص‌ 20.

 يقول‌:

 انّ الخيّام‌ الذي‌ كان‌ يخيط‌ خِيام‌ الحكمة‌ قد سقط‌ فجأة‌ في‌ موقد الغمّ فاحترق‌.

 فقد قطع‌ حبلَ عمره‌ مقراضُ الاجل‌، و باعه‌ مجّاناً دلاّل‌ الامل‌.

[7] ـ الخطبة‌ 147 من‌ نهج‌ البلاغة‌، شرح‌ محمّد عبدة‌ ج‌ 1، طبع‌ مصر، عيسي‌ البابي‌ الحلبي‌، ص‌ 268. و قد أورد المجلسي‌ الجملة‌ الاولي‌ للاءمام‌ الی لفظ‌ «موافاته‌» في‌ بحار الانوار، كتاب‌ العدل‌ و المعاد، ص‌ 126 من‌ الجزء السادس‌ لطبعة‌ الآخوندي‌.

[8] ـ الدفتر الاول‌ للمثنوي‌، طبع‌ ميرخاني‌، ص‌ 26.

[9] ـ الآية‌ 2، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[10] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[11] ـ الآية‌ 53، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[12] ـ الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 24: النور؛ و الآية‌ 18 من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[13] ـ الآية‌ 123، من‌ السورة‌ 11: هود.

[14] ـ الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 35: فاطر؛ و الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[15] ـ الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌؛ و الآية‌ 15، من‌ السورة‌ 45: الجاثية‌. ) ـ الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌؛ و الآية‌ 15، من‌ السورة‌ 45: الجاثية‌.

[16] ـ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 96: العلق‌.

[17] ـ الآية‌ 48 و 105، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌؛ و الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 11: هود.

[18] ـ الآية‌ 164، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌؛ و الآية‌ 7 من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[19] ـ الآية‌ 156، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[20] ـ الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 84: الانشقاق‌.

[21] ـ كتاب‌ الشفاء، مجلّد الالهيّات‌، و قد خُطّت‌ عين‌ عبارة‌ بوعلي‌ العربيّة‌ حول‌ الاطراف‌ الاربعة‌ لصندوق‌ قبره‌ الموضوع‌ علی محلّ دفنه‌ في‌ همدان‌.

[22] ـ الآية‌ 94 و 95، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[23] ـ الآية‌ 6 و 7، من‌ السورة‌ 62: الجمعة‌.

[24] ـ يقول‌: وجدتُ في‌ حياتي‌ موتي‌، ادركتُ انّ الخلود في‌ رحيلي‌ عن‌ هذه‌ الحياة‌ اقتلوني‌ اقتلوني‌...

[25] ـ بحار الانوار طبع‌ الاسلامية‌، ج‌ 6، ص‌ 127، نقلاً عن‌ أمالي‌ الصدوق‌، عن‌ الدقاق‌، باسناده‌ عن‌ ابن‌ ظبيان‌، عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ آبائه‌ الواحد تلو الآخر الی أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ كما يرويه‌ في‌ ج‌ 12، ص‌ 78 بنفس‌ السند عن‌ الامالي‌ و علل‌ الشرايع‌.

[26] ـ نهج‌ البلاغة‌، شرح‌ محمّد عبده‌، ط‌ مصر، ص‌ 41، الخطبة‌ 5.

[27] ـ شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ابن‌ أبي‌ الحديد، المجلّد الاول‌، ص‌ 218 و 219 من‌ الطبعة‌ ذات‌ العشرين‌ مجلّداً.

[28] ـ طوي‌: جمع‌ طوية‌، كقُري‌ و قرية‌، و هي‌ البئر؛ و يمكن‌ ان‌ تكون‌ العبارة‌ هكذا: في‌ الطويّ البعيدة‌، كعليّ، و الطوي‌ بمعني‌' السّقاء و القربة‌، و في‌ هذه‌ الحال‌ تكون‌ «البعيدة‌» صفة‌ تتعلق‌ بموصوفها «الطوي‌»، أي‌: في‌ الطوي‌ البعيدة‌ محلّها و مقرّها، أي‌ كالسّقاء المستقرّة‌ في‌ أعماق‌ البئر البعيدة‌ القعر.

[29] ـ اسد الغابة‌، طبع‌ الاسلامية‌ في‌ احوال‌ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ - ج‌ 4، ص‌ 34 و 35. و كذلك‌ ذكرت‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ الصواعق‌ المحرقة‌ ص‌، 74. طبع‌ المكتبة‌ المرتضوية‌، طهران‌.

[30] ـ أسد الغابة‌، ج‌ 4، ص‌ 35.

[31] ـ لم‌ نعثر علی أصل‌ الرواية‌، فترجمنا النصّ الفارسي‌ (م‌).

[32] ـ بحار الانوار المطبعة‌ الحيدرية‌، ج‌ 42، ص‌ 204.

[33] ـ الآية‌ 7 و 8، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[34] ـ اختار الشيخ‌ الرئيس‌ في‌ آثاره‌ الاخري‌ كالشفاء و النجاة‌ القول‌ بتزامن‌ النفس‌ والبدن‌، لكن‌ نظريّته‌ في‌ قصيدته‌ العينيّة‌ المذكورة‌ اقتربت‌ من‌ حكمة‌ الاءشراق‌.

[35] ـ وردت‌ هذه‌ القصيدة‌ بأكملها في‌ «لغت‌ نامه‌ دهخدا»، مادّة‌ أبوعلي‌ سينا، ص‌ 653. و أوردها كذلك‌ الدكتور ذبيح‌ الله‌ صفا في‌ كتاب‌ (جشن‌ نامه‌ ابن‌ سينا)،   *المجلّد الاول‌، ص‌ 116 و 117. و يقول‌ في‌ ص‌ 116: و هناك‌ في‌ اليد شروح‌ متعدّدة‌ لهذه‌ القصيدة‌، مثل شرح‌ تلميذ الشيخ‌: عبدالواحد بن‌ محمد الجوزجاني‌، و شرح‌ عفيف‌ الدين‌ التلمساني‌ (المتوفّي‌ سنه‌ 690 هجرية‌) و اسمه‌ الكشف‌ و البيان‌ في‌ علم‌ معرفة‌ الإنسان‌، و شرح‌ سليمان‌ الماحوزي‌ البحراني‌، و شرح‌ داود الانطاكي‌، و شرح‌ سديد الدين‌ المنائي‌، و شرح‌ محيي‌ الدين‌ ابن‌ العربي‌، و شرح‌ ميرسيد شريف‌ الجرجاني‌، و شروح‌ أخري‌ للمتأخرّين‌.

 و يقول‌ أيضاً: و قد طبعت‌ هذه‌ القصيدة‌ أيضاً في‌ «طبقات‌ الاطبّاء» لابن‌ أبي‌ صبيعة‌ (ج‌ 2، ص‌ 10 ـ 11 )، و كتاب‌ «نامة‌ دانشوران‌»، و «كشكول‌ الشيخ‌ البهائي‌» (طبع‌ مصر، ص‌ 186 )، كما قام‌ كاردفكس‌ Baron Carrade Vaux بترجمتها الي‌' الفرنسية‌ و نشرها في‌ المجلة‌ الآسيوية‌ (الدورة‌ التاسعة‌، ج‌ 4، ص‌ 157 ـ 173 ). و في‌ اليد أيضاً ترجمتها باللغة‌ التركيّة‌ للسيّد حريمي‌، و كذلك‌ فان‌ ترجمتها الفارسيّة‌ موجودة‌، انتهي‌. ثم‌ ذكر بعد القصيدة‌ العربية‌ قصيدة‌ بالفارسيّة‌ كشرح‌ لها و لا يُعلم‌ اسم‌ الشارح‌ فقد كتب‌ في‌ نهاية‌ الشرح‌: كتبت‌ علی يد أضعف‌ عباد الله‌ أقلّ الطلبة‌ غلام‌ حسين‌ الطبيب‌ في‌ شهر شعبان‌ المعظم‌ من‌ شهور سنة‌ تسع‌ و تسعين‌ و مائتين‌ بعد الالف‌ من‌ الهجرة‌. و يمكن‌ ان‌ يكون‌ الشارح‌ هو غلام‌ حسين‌ الطبيب‌ نفسه‌ أو شخص‌ آخر غيره‌ قام‌ غلام‌ حسين‌ بكتابة‌ الشرح‌ نقلاً عنه‌، حيث‌ جمع‌ ذلك‌ الشرح‌ مع‌ أصل‌ القصيدة‌ العربيّة‌ و رسالة‌ حيّ بن‌ يقظان‌ و تفسيرها عن‌ أبي‌ منصور بن‌ رتليه‌ في‌ مجموعة‌ واحدة‌ ضمّها كتاب‌ واحد.

  * ـ مهرَجَان‌ ابن‌ سينا

[36] ـ يقول‌: انّ البدن‌ ليس‌ منفصلاً عن‌ النفس‌ بل‌ هو عضو منها، كما ان‌ النفس‌ ليست‌ منفصلة‌ عن‌ الجمع‌ بل‌ هي‌ جزء منه‌.

 أورده‌ الحكيم‌ السبزواري‌ في‌ شرح‌ المنظومة‌ في‌ هامش‌ غرر النفس‌ الناطقة‌؛ طبع‌ ناصري‌، ص‌ 289.

[37] ـ رسالة‌ (الانسان‌ بعد الدنيا) للعلاّمة‌ الطباطبائي‌، مخطوطة‌، ص‌ 2، و أصل‌ هذا الحديث‌ في‌ رسالة‌ عقائد الصدوق‌، حيث‌ أورد المجلسي‌ في‌ بحار الانوار، الطبعة‌ الكمباني‌، المجلّد 14، ص‌ 409: قال‌ الصّدوق‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ في‌ رسالة‌ العقائد:

 قول‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌: مَا خُلِقْتُمْ لِلْفَنَاءِ بَلْ خُلِقْتُمْ لِلْبَقَاءِ وَ اِنَّمَا تَنْتَقِلُونَ مِنْ دَارٍ الی دَارٍ وَ إنَّهَا فِي‌ الاْرْضِ غَرِيبَةٌ وَ فِي‌ الاْبْدَانِ مَسْجُونَةٌ.

[38] ـ علل‌ الشرايع‌، ط‌ النجف‌ سنة‌ 1385، ص‌ 107، الباب‌ 96، علّة‌ الطبايع‌ والشهوات‌ و المحبّات‌.

[39] ـ الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[40] ـ بحار الانوار، ج‌ 6، طبعة‌ الآخوندي‌، ص‌ 126.

[41] ـ المصدر السابق‌، ص‌ 135.

[42] ـ المصدر السابق‌، ص‌ 130.

[43] ـ «الخصال‌»، المطبعة‌ الحيدرية‌، طبع‌ سنة‌ 1398 هجرية‌، ص‌ 14. و قد أوردها أيضاً في‌ كتاب‌ «من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌»، باب‌ النوادر ج‌ 38، من‌ كتاب‌ الاموات‌، المجلّد الاول‌، ص‌ 124، ط‌ النجف‌.

[44] ـ و قد أورد اليعقوبي‌ في‌ تاريخه‌، طبع‌ دار صادر ـ بيروت‌ سنة‌ 1379، ج‌ 2، ص‌ 100،في‌ فصل‌ خطب‌ و كلمات‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌:

 خطب‌ رسول‌ الله‌ علي‌' ناقته‌ فقال‌:

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ! كَأَنَّ الْمَوتَ علی غَيْرِنَا كُتِبَ، وَ كَأَنَّ الْحَقَّ علی غَيْرِنَا وَجَبَ، وَ كَأَنَّ الَّذِينَ يُشَيَّعُونَ مِنْ الاْمْوَاتِ سَفرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إلَيْنَا رَاجِعُونَ، نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ، وَ نَأكُلُ تُرَاثَهُمْ، كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ. قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظَةٍ وَ أَمَّنَا كُلَّ جَائِحَةٍ؛ طُوبَي‌ لِمَن‌ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَأَنْفَقَ مِنْ مَالٍ قَدْ اكْتَسَبَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَ رَحِمَ وَ صَاحَبَ أَهْلَ الذِّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ، طُوبَي‌' لِمَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ وَ حَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وَ صَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وَ وَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَ لَمْ يُبْعِدْهَا الی الْبِدْعَةِ.

[45] ـ بحار الانوار، ج‌ 6، ص‌ 137، طبعة‌ الآخوندي‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com