بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد التاسع / القسم الاول: الاحتجاج بحدیث الغدیر علی امامة علی علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الرجوع إلی المجلد الثامن

الدرس‌ الحادي‌ والعشرون‌ بعد المائة‌ إلی‌ السابع‌ والعشرين‌ بعد المائة‌

 الاستدلالات‌ والاستشهادات‌ بحديث‌ الغدير (حديث‌ الولاية‌)

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ ال علی‌ّ العظيم‌

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَـاهَآ إبْرَاهِيمَ علی‌' قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَـ'تٍ مَّن‌ نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمُّ علیمٌ. [1]

 قَمَرٌ أقَامَ قِيامَتي‌ بِقَوامِهِ                           لِمَ لاَ يَجُودُ لِمُهْجَتِي‌ بِذِمَامِهِ؟

 مَلَّكْتُهُ كَبدِي‌ فَأتْلَفَ مُهْجَتِي‌                       بِجَمَالِ بَهْجَتِهِ وَحُسنِ كَلاَمِهِ

 وَبِمَبْسَمٍ عَذْبٍ كَأنَّ رُضَابَهُ                           شَهْدٌ مُذَابٌ فِي‌ عَبيرِ مُدَامِهِ

وَبَنَاظِرٍ غَنْجٍ وَطَرْفٍ أحْوَرٍ                           يُصْمي‌ القُلُوبَ إذَا رَنَا بِسِهَامِهِ

وَكَأنَّ خَطَّ عِذَارِهِ فِي‌ حُسْنِهِ                   شَمْسٌ تَجَلَّتْ وَهِي‌َ تَحْتَ لِثَامِهِ

فَالصُّبْحُ يُسْفِرُ مِنْ ضِياء جَبِينِهِ                    وَالليْلُ يُقْبِلُ مِنْ أثِيثِ ظَلاَمِهِ

 وَالظَّبْي‌ُ لَيْسَ لِحَاظُهُ كَلِحَاظِهِ                 وَالغُصْنُ لَيْسَ قَوَامُهُ كَقَوامِهِ

 قَمَرٌ كَأنَّ الحُسْنَ يَعْشِقُ بَعْضُه              ُ بَعْضاً فَسَاعَدَهُ علی‌ قَسَّامِهِ

 فَالحُسْنُ مِنْ تِلْقَائِهِ وَوَرَائِه                             ِ وَيَمينِهِ وَشِمَالِهِ وَأقَامِهِ

 وَيَكَادُ مِنْ تَرَفٍ لِدِقَّةِ خَصْرِهِ                            يَنْقَدُّ بِالاَرْدَافِ عِنْدَ قِيامِهِ [2]

 الرجوع الي الفهرس

شعر ابن‌ مكي‌ّ النيلي‌ّ المؤدِّب‌ في‌ وصف‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 هذه‌ الابيات‌ للشاعر ابن‌ مكّي‌ النيلي‌ المتوفّي‌ سنة‌ 565ه. وهو سعيدبن‌ أحمدبن‌ مكّي‌ النيلي‌ المؤدّب‌، أحد أعلام‌ الشيعة‌ وشعرائها المجيدين‌ المتفانين‌ في‌ حبّ العترة‌ الطاهرة‌ وولائها. وله‌ في‌ الغدير:

ألَمْ تَعْلَمُوا أنَّ النَّبِي‌َّ مُحَمَّداً                             بِحَيْدَرةٍ أوْصَي‌ وَلَمْ يَسْكُنِالرَّمْسا

وقَالَ لَهُمْ وَالقَوْمُ فِي‌ خُمِّ حُضَّرٌ                   وَيَتْلُوالَّذي‌ فِيهِ وَقَدْ هَمَسُوا هَمْسَا

 علی‌ٌّ كَزِرِّي‌ مِنْ قَمِيصِي‌ وَإنَّهُ                 نَصِيرِي‌ وَمِنِّي‌ مِثْلُ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌

ألَمْ تُبْصِروا الثُّعْبَانُ مُسْتَشْفِعاً بِهِ                 إلی‌ اللَهِ وَالمَعْصُومُ يَلْحَسُهُ لَحْسَا

فَعَادَ كَطَاووسٍ يَطيرُ كَأ نَّهُ                       تَعَشْرَمَ في‌ الاَمْلاَكِ فَاسْتَوْجَبَ الحَبْسَا

أمَا رَدَّ كَفَّ العَبْدِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا                      أمَا رَدَّ عَيْناً بَعْدَمَا طَمَسَتْ طَمْسَا [3]

 وقال‌ الصاحب‌ بن‌ عبّاد:

الَّذِي‌ كَفَّلَهُ صَغِيراً وَرَبَّاهُ                       وَبِالعِلْمِ وَبِالحِكْمَةِ غَذَّاهُ

وَ علی‌ كِتْفِهِ رَقَاهُ وَسَاهَمَهُ                     فِي‌ المَسْجِدِ وَسَاوَاهُ

وَقَامَ بِالغَدِيرِ وَناداهُ                                 وَرَفَعَ ضَبْعَهُ وَأعْلاَهُ

وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ                                       مَوْلاَهُ فَ علی‌ٌّ مَوْلاَهُ

اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ                                    وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ [4]

 الرجوع الي الفهرس

شعر مهيار الديلمي‌ّ في‌ بيعة‌ الغدير

 وقال‌ مهيار الديلمي‌ّ: [5]

وَأسْأَلُهُمْ يَوْمَ خُمٍّ بَعْدَمَا عَقَدُوا                         لَهُ الوَلاَيَةَ لِمْ خَانُوا وَلِمْ خَلَعُوا

قَوْلٌ صَحيحٌ وَنِيّاتٌ بِهَا دَغَلٌ                          لاَ يَنْفَعُ السَّيْفَ صَقْلٌ تَحْتَهُ طَبَعُ

إنْكَارُهُمْ يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ لَهَا                           بَعْدَ اعْتِرَافِهِمْ عَارٌ بِهِ ادَّرَعُوا

وَنَكْثُهُمْ يَكُ مَيْلاً عَنْ وَصِيَّتِهِ                      شَرْعٌ لَعَمْرُكَ ثَانٍ بَعْدَمَا شُرِعُوا [6]

 قال‌ ابن‌ شهرآشوب‌: قال‌ صاحب‌ «الجمهرة‌» في‌ الخاء والميم‌: خُمّ موضع‌ نصّ فيه‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ علی‌ علی علیه‌ السلام‌ بالولاية‌. وذكره‌ عمر بن‌ أبي‌ ربيعة‌ في‌ مفاخرته‌، وذكره‌ حسّان‌ بن‌ ثابت‌ في‌ شعره‌.

 وفي‌ رواية‌ عن‌ الاءمام‌ الباقر علیه‌ السلام‌ قال‌: لَمَّا قَالَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خُمِّ غَدِيرٍ بَيْنَ ألْفٍ وَثَلاَئِمائِةِ رَجُلٍ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی مَوْلاَهُ ـ الخبر.

 وعن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: نُعْطِي‌ حُقُوقَ النَّاسِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، وَمَا أُعْطِي‌َ أمِيرُالمُؤْمِنينَ حَقَّهُ بِشَهَادَةِ عَشْرَةِ آلاَفِ نَفْسٍـيَعْنِي‌ الغَدِيرَـ [7]

 ويحوم‌ بحثنا حول‌ الاحتجاجات‌ المأثورة‌ في‌ حديث‌ الغدير المشهور بحديث‌ الولاية‌؛ أي‌: الاستدلالات‌ والاستشهادات‌ بحديث‌ الولاية‌. وهو ما يمثّل‌ وحده‌ وثيقة‌ هامّة‌ لحديث‌ الغدير، سواء من‌ حيث‌ وروده‌ أم‌ من‌ حيث‌ دلالته‌.

 وعندما تحدّثنا عن‌ آية‌ التطهير في‌ الدرس‌ الاربعين‌ إلی‌ الدرس‌ الخامس‌ والاربعين‌، في‌ الجزء الثالث‌ من‌ كتابنا هذا، فإنّا عقدنا فصلاً في‌ الاحتجاجات‌ بآية‌ التطهير، قد استبان‌ فيه‌ مَنِ استدلّ بهذه‌ الآية‌ علی‌ تخصيص‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ بالطهارة‌، وهم‌: مُحَمَّد، علی، فَاطِمَة‌، الحَسَن‌، الحُسَيْن‌،[8] وذلك‌ اعتباراً من‌ عصر رسول‌ الله‌ حتّي‌ سائر العصور. وأنّ احتجاجاً كاحتجاج‌ رسول‌ الله‌، وأمير المؤمنين‌، والحسن‌، والحسين‌، وكثير من‌ الصحابة‌ والتابعين‌ مستمسك‌ عظيم‌ لمفاد آية‌ التطهير ومدلولها. وأفرد العلماء الكبار كالمجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ والشيخ‌ الطبرسي‌ّ صاحب‌ «الاحتجاج‌» فصلاً في‌ الاحتجاجات‌. وذكر العلاّمة‌ الامينيّ في‌ كتابه‌ القيّم‌ والنفيس‌ «الغدير»، (ج‌ 1، من‌ ص‌ 159 إلی‌ 213) اثنين‌ وعشرين‌ موضعاً تمّ فيها الاحتجاج‌ والاستدلال‌ بحديث‌ الغدير من‌ الطرق‌ المقبولة‌ عند العامّة‌، والكتب‌ المسلّم‌ بها عندهم‌؛ بَيدَ أ نّا نجتزي‌ هنا بعدد من‌ الاحتجاجات‌ الهامّة‌ الواردة‌ في‌ كتب‌ الفريقين‌، ونأمل‌ بحول‌ الله‌ وقوّته‌ أن‌ تكون‌ مناراً لاءرشاد إخواننا السنّة‌ وهدايتهم‌.

 إنّ حديث‌ الولاية‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی مَوْلاَهُ كان‌ ولازال‌ من‌ الاُصول‌ الثابتة‌ المسلَّم‌ بها منذ عصر صدر الإسلام‌، والقرون‌ الاُوْلي‌، حتّي‌ عصرنا هذا. وكان‌ الشيعة‌ الموالون‌ يلجأون‌ إلیه‌ في‌ البحث‌ والمناظرة‌، ولاقِبَل‌ للخصوم‌ والمعاندين‌ بإنكار صدوره‌. وكانت‌ تختتم‌ المجادلات‌ والمخاصمات‌ بالاستشهاد والاستدلال‌ به‌. ومن‌ هذا المنطق‌ نلحظ‌ أنّ الاحتجاجات‌ بهذا الحديث‌ كانت‌ كثيرة‌ منذ البداية‌، وقد شاعت‌ بين‌ الصحابة‌ والتابعين‌، كما شاعت‌ في‌ عهد خلافة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وقبله‌ وبعده‌. وما نشاهده‌ في‌ الاحتجاجات‌ حتّي‌ عصرنا الراهن‌ أنّ هذا الحديث‌ يشعّ في‌ مطلع‌ الاستدلالات‌ والاستشهادات‌ كالشمس‌ الساطعة‌ من‌ وراء الاُفق‌، المرسلة‌ أشعّتها إلی‌ الارض‌.

 الرجوع الي الفهرس

الاحتجاجات‌ بحديث‌ الغدير أمام‌ المنكرين‌ واعتراف‌ هؤلاء به‌

 يشير التأريخ‌ إلی‌ أنّ أوّل‌ احتجاج‌ بهذا الحديث‌ صدر عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ نفسه‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ عندما أُخِذ من‌ قبل‌ أعوان‌ أبي‌ بكر وعمر إلی‌ المسجد للبيعة‌، فاحتجّ بالحديث‌ المشار إلیه‌ أمام‌ عامّة‌ الناس‌. ثمّ تلته‌ احتجاجات‌ أُخري‌ ذكرها التأريخ‌.

 الاحتجاج‌ الاوَّل‌: ورد في‌ كتاب‌ «سُلَيْم‌ بن‌ قَيْس‌ الهلإلی‌ الكوفي‌». [9]

 تطرّق‌ سليم‌ إلی‌ الاحداث‌ الواقعة‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌، وعرض‌ بيعة‌ أبي‌ بكر، ثمّ ذكر شرحاً مفصّلاً لكيفيّة‌ أخذ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ إلی‌ المسجد، إلی‌ أن‌ بلغ‌ قوله‌: فانتهوا ب علی علیه‌ السلام‌ إلی‌ أبي‌ بكر وهو يقول‌: أما والله‌ لو وقع‌ سيفي‌ في‌ يدي‌، لعلمتم‌ أ نّكم‌ لم‌تصلوا إلی‌ هذا أبداً. أما والله‌ ما ألوم‌ نفسي‌ في‌ جهادكم‌. ولو كنت‌ استمكنت‌ من‌ الاربعين‌ رجلاً لفرّقت‌ جماعتكم‌. ولكن‌ لعن‌ الله‌ أقواماً بايعوني‌ ثمّ خذلوني‌، ولمّا أن‌ بصر به‌ أبو بكر صاح‌: خلّوا سبيله‌!

 فَقَالَ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا أسْرَعَ مَا ثَوَثَّـبْتُمْ علی‌ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ! بِأَي‌ِّ حَقٍّ وَبِأي‌ِّ مَنْزِلَةٍ دَعَوْتَ النَّاسَ إلی‌ بَيْعَتِكَ؟! أَلَمْ تُبَايِعنِي‌ بِالاَمْسِ بِأمْرِ اللَهِ وَأَمْرِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ؟!

 وتزامن‌ كلام‌ الاءمام‌ مع‌ قيام‌ قُنْفُذُ لعنه‌ الله‌ بضرب‌ فاطمة‌ سلام‌الله‌ علیها بالسوط‌ حين‌ حالت‌ بينه‌ وبين‌ زوجها. وأرسل‌ إلیه‌ عمر إن‌ حالت‌ بينك‌ وبينه‌ فاطمة‌ فاضربها! فضربها قنفذ بعضادة‌ باب‌ بيتها، ودفعها فكسر ضلعها من‌ جنبها، فألقت‌ جنيناً من‌ بطنها. فلم‌تزل‌ صاحبة‌ فراش‌ حتّي‌ ماتت‌ صلّي‌الله‌ علیها شهيدة‌ (مظلومة‌).

 ولمّا انتهي‌ ب علی علیه‌ السلام‌ إلی‌ أبي‌ بكر انتهره‌ عمر، وقال‌ له‌: بايع‌ ودع‌ عنك‌ هذه‌ الاباطيل‌! فقال‌ له‌ علی: فإن‌ لم‌ أفعل‌، فما أنتم‌ صانعون‌؟! قالوا: نقتلك‌ ذلاّ وصغاراً! فقال‌: إذاً تقتلون‌ عبداً للّه‌ وأخا رسوله‌!

 قال‌ أبو بكر: أمّا عبد الله‌ فنعم‌، وأمّا أخا رسول‌ الله‌، فما نقرّ بهذا.

 قَالَ: أتَجْحَدُونَ أنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ آخَي‌ بَيْنِي‌ وَبَيْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأعَادَ ذَلِكَ علیهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ أقْبَلَ علیهِمْ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ وَالمُهَاجِرِينَ وَالاَنصَارِ! أُنْشِدُكُمُ اللَهَ أسَمِعْتُمْ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ غَديرِ خُمِّ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَدَعْ علیهِ السَّلاَمُ شَيْئاً قَالَهُ فِيهِ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلاَنِيَةً لِلعَامَّةِ إلاَّ ذَكَّرَهُمْ إيَّاهُ!

 قَالُوا: نَعَمْ! فَلَمَّا تَخَوَّفَ أبُوبَكْرٍ أنْ يَنْصُرَهُ النَّاسُ وَأَنْ يَمْنَعُوهُ، بَادَرَهُمْ فَقَالَ: كُلُّ مَا قُلْتَ حَقٌّ قَدْ سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا وَوَعَتْهُ قُلُوبُنَا وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَاللَهِ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا: إنَّا أهْلُ بَيْتٍ اصْطَفَانَا اللَهُ وَأكْرَمَنَا وَاخْتَارَ لَنَا الآخِرَةَ علی‌ الدُّنْيَا، وَإنَّ اللَهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَنَا أهْلَ البَيْتِ النُّبُوَّةَ وَالخِلافَةَ.

 فقال‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌: هل‌ أحد من‌ أصحاب‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ شهد هذا معك‌؟!

 فقال‌ عمر: صدق‌ خليفة‌ رسول‌ الله‌، قد سمعته‌ منه‌ كما قال‌. وقال‌ أبوعبيدة‌، وسالم‌ مَوْلَي‌ أبي‌ حذيفة‌، ومَعاذ بن‌ جَبَل‌: قد سمعنا ذلك‌ من‌ رسول‌الله‌.

 فَقَالَ علی‌ٌّ علیهِ السَّلاَمُ: لَقَدْ وَفَيْتُمْ بِصَحيفَتِكُمُ الَّتي‌ تعاقَدْتُمْ علیها فِي‌ الكَعْبَةِ إنْ قَتَلَ اللَهُ مُحَمَّداً أوْ مَاتَ لَتَزْوُنَّ هَذَا الاَمْرَ عَنَّا أهْلَ البَيْتِـ الحديث‌. [10]

 الاحتجاج‌ الثاني‌: وكان‌ في‌ يوم‌ الشوري‌ التي‌ عيّن‌ عمر أعضاءها لنصب‌ الخليفة‌ بعده‌.

 قال‌ ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ مناقبه‌: والجمع‌ علیه‌ أنّ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌الحجّة‌ كان‌ يوم‌ غدير خمّ، فأمر النبي‌ّ منادياً فنادي‌: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ. وقال‌: مَنْ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ! قَالُوا: اللَهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ. ثمّ أخذ بِيَدِ علی‌ّ فقال‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذا علی‌ٌّ مَوْلاَهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادٍ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. ويؤكّد ذلك‌: أنّه‌ استشهد به‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يوم‌ الدار حيث‌ عدّد فضائله‌ فقال‌: أفيكم‌ من‌ قال‌ له‌ رسول‌ الله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی‌ٌّ مَوْلاَهُ؟ فقالوا: لا. فاعترفوا بذلك‌ وهم‌ جمهور الصحابة‌. [11]

 الرجوع الي الفهرس

 احتجاج‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بحديث‌ الغدير في‌ يوم‌ الشوري‌

روي‌ أخطب‌ خطباء خوارزم‌: موفّق‌ بن‌ أحمد في‌ مناقبه‌ عن‌ أبي‌ نَجيب‌ سَعْدبن‌ عبدالله‌ الهَمَداني‌ّ المَروزَي‌ّ بسندين‌: الاوّل‌ عن‌ الحافظ‌ أبي‌ علی‌ّبن‌ الحسن‌بن‌ أحمد، والآخر عن‌ الحافظ‌ سليمان‌بن‌ محمّد. وكلاهما يروي‌ عن‌ أبي‌ الطفيل‌: عامر بن‌ وَاثَلَة‌، قال‌: كُنْتُ علی‌ البابِ يَوْمَ الشُّورَي‌ مَعَ علی‌ٍّ فِي‌ البَيْتِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُمْ: لاَحْتَجَّنَّ علیكُمْ بِمَا لاَيَسْتَطِيعُ عَرَبِيُّكُمْ وَلاَعَجَمِيُّكُمْ تَغْيِيرَ ذَلِكَ! ثُمَّ قَالَ: أُنْشِدُكُمْ اللَهَ أيُّهَا النَّفَرُ جَمِيعاً أِفِيكُمْ أَحَدٌ وَحَّدَ اللَهَ قَبْلِي‌؟! قَالُوا: لاَ!

 قَالَ: فَأُنْشِدُكُمُ اللَهَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ لَهُ أخٌ مِثْلُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ فِي‌ الجَنَّةِ مَعَ المَلاَئِكَةِ؟

 قَالُوا: اللَهُمَّ، لاَ!

 قَالَ: فَأُنْشِدُكُمُ اللَهَ هَلْ فِيكُمْ أَحَدُ لَهُ عَمٌّ كَعَمِّي‌ حَمْزَةَ أَسَدِاللَهِ وَأَسَدِ رَسُولُهِ سَيِّدِ الشُّهَداءِ غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ لاَ!

 قَالَ: فَأُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ زَوْجَةٌ مِثْلُ زَوْجَتِي‌ فَاطَمَةَ بِنْتٍ مُحَمَّدٍ سَيِّدِةِ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ لاَ!

 قَالَ: أُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ لَهُ سِبْطَانِ مِثْلُ سِبْطَي‌َّ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدي‌ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ لاَ!

 قَالَ: فَأُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ نَاجَي‌ رَسُولَ اللَهِ مَرَّاتِ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَي‌ نَجْوَاهُ صَدَقَةً قَبْلِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ لاَ!

 قَالَ: فَأُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ، فَ علی‌ٌّ مَوْلاَهُ، اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ لاَـ الحديث‌ مفصّلاً. [12]

 وقال‌ العلاّمة‌ الامينيّ بعد نقل‌ هذا الاحتجاج‌ عن‌ الخوارزمي‌ّ: وأخرجه‌ الاءمام‌ الحمّوئيّ في‌ «فرائد السمْطَيْن‌» في‌ الباب‌ الثامن‌ والخمسين‌ عن‌ تاج‌ الدين‌ علی بن‌ المحبّ بن‌ عبد الله‌ الخازن‌ المعروف‌ بابن‌الساعي‌. [13]

 وما وجدناه‌ في‌ «فرائد السمطين‌» هو حديث‌ المناشده‌ الذي‌ في‌ أيّام‌ حكومة‌ عثمان‌، إذ استهشد به‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ مسجد رسول‌الله‌ بحضور جماعة‌ من‌ قريش‌ عندما كان‌ يعرض‌ مفاخره‌ ومناقبه‌. ورواه‌ الحمّوئيّ في‌ الباب‌ الثامن‌ والخمسين‌ من‌ السمط‌ الاوّل‌، [14] وليس‌ هو حديث‌ المناشدة‌ في‌ يوم‌ الشوري‌، وبسند آخر غير السند الذي‌ نقله‌ صاحب‌ «الغدير».

 واعترف‌ الفخر الرازيّ في‌ تفسيره‌ باحتجاج‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ يوم‌ الشوري‌ بحديث‌ الغدير. وقال‌ في‌ ذيل‌ تفسير آية‌ الولاية‌: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَو'ةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَو'ةَ وهُمْ رَ ' كِعُونَ، وهي‌ الآية‌ التي‌ يقول‌ الشيعة‌ إنّها نزلت‌ في‌ أميرالمؤمنين‌، وفيها نصّ علی‌ ولايته‌ عندما تصدّق‌ بخاتمه‌ للفقير: إنّ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ كان‌ أعرف‌ بتفسير القرآن‌ من‌ هؤلاء الروافض‌. فلو كانت‌ هذه‌ الآية‌ دالّة‌ علی‌ إمامته‌، لاحتجّ بها في‌ محفل‌ من‌ المحافل‌ وليس‌للشيعة‌ أن‌ يقولوا: إنّ أميرالمؤمنين‌ تركه‌ للتقيّة‌، فإنّهم‌ ينقلون‌ عنه‌ أنّه‌ تمسّك‌ يوم‌ الشوري‌ بخبر الغدير، وخبر المباهلة‌، وجميع‌ فضائله‌ ومناقبه‌، ولم‌يتمسّك‌ ألبتة‌ بهذه‌ الآية‌ في‌ إثبات‌ إمامته‌. [15]

 ونقل‌ صاحب‌ «الغدير» هذا الكلام‌ نفسه‌ عن‌ الطبريّ في‌ تفسيره‌، ج‌3، ص‌418. [16] ولم‌ يُذْكَرْ هذا الموضوع‌ في‌ تفسير الطبريّ. والذي‌ يلوح‌ أنّ الطبريّ قد اشْتُبِهَ بالفخر الرازيّ.

 إنّ احتجاج‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يوم‌ الشوري‌ بحديث‌ الغدير، كما قال‌ الفخر الرازيّ، ثابت‌. وأمّا ما قاله‌ في‌ آية‌ الولاية‌ المذكورة‌ محاولاً حرفها عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بكلّ ما أُوتي‌ من‌ جهد، فلايصحّ. وقد ناقشنا هذا الموضوع‌ بحمدالله‌ وقوَّتِه‌ نقاشاً وافياً في‌ الجزء الخامس‌ من‌ كتابنا هذا، في‌ الدرس‌ الثاني‌ والسبعين‌ إلی‌ الدرس‌ الخامس‌ والسبعين‌ عندما تعرّضنا إلی‌ آية‌ الولاية‌ وشأن‌ نزولها في‌ أميرالمؤمنين‌ وردّ الفخر الرازي‌ّ. وبيّنا هناك‌ المواضع‌ التي‌ احتجّ واستشهد أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فيها بهذه‌ الآية‌. وَالحَمْدُ لِلّهِ وَحْدَهُ.

 وذكر ابن‌ أبي‌ الحديد أيضاً احتجاج‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بحديث‌ الغدير يوم‌ الشوري‌ في‌ ذيل‌ شرع‌ كلام‌ الاءمام‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌» لمّا عزم‌ أعضاء الشوري‌ علی‌ بيعة‌ عثمان‌.

 وكلام‌ الاءمام‌ يتمثّل‌ في‌ قوله‌: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أ نِّي‌ أحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي‌: وَوَاللَهِ لاَسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمورُ المُسْلِمِينَ، وَلَمْيَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إلاَّ علی‌َّ خَاصَّةً، التِمَاساً لاِجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فيما تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ. [17]

 قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: نحن‌ نذكر في‌ هذا الموضع‌ ما استفاض‌ في‌ الروايات‌ من‌ مناشدة‌ أصحاب‌ الشوري‌ وتعديده‌ فضائله‌ وخصائصه‌ التي‌ بان‌ بها منهم‌ ومن‌ غيرهم‌، قد روي‌ الناس‌ ذلك‌ فأكثروا. والذي‌ صحّ عندنا أنّه‌ لم‌يكن‌ الامر كما روي‌ من‌ تلك‌ التعديدات‌ الطويلة‌، ولكنّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قال‌ لهم‌ بعد أن‌ بايع‌ عبدالرحمن‌ بن‌ عَوْف‌ والحاضرون‌ عثمانَ، وتلكّأهُ علیه‌ السلام‌ عن‌ البيعة‌: إنَّ لَنَا حَقَّاً إنْ نُعْطَهُ نَأخُذُهُ وَإنْ نُمْنَعْهُ نَرْكَبْ أعْجَازَ الاءبِلِ وَإن‌ طَالَ السُّرَي‌. [18]

 في‌ كلام‌ قد ذكره‌ أهل‌ السيرة‌، وقد أوردنا بعضه‌ فيما تقدّم‌.

 ثُمَّ قَالَ: أُنْشِدُكُمْ اللَهَ: أفيكُمْ أَحَدٌ آخَي‌ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ حَيْثُ آخَي‌ بَيْنَ بَعْضِ المُسْلِمينَ وَبَعْضٍ، غَيْرِي‌؟! فَقَالُوا: لاَ.

 فَقَالَ: أفِيكُمْ أَحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذا مَوْلاَهُ غَيْرِي‌؟! فَقَالُوا: لاَ.

 فَقَالَ: أفِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: أنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إلاَّ أ نَّهُ لاَ نَبِي‌َّ بَعْدِي‌، غَيْرِي‌؟! قَالُوا: لاَ.

 فَقَالَ: أفِيكُمْ مَنْ أُؤْتُمِنَ علی‌ سُورَةِ بَراءَةٍ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهِ علیهِ وَآلِهِ: إنَّهُ لاَ يُؤَدِّي‌ عَنِّي‌ إلاَّ أنَا أَوْ رَجُلٌ مِنِّي‌، غَيْرِي‌؟! قَالُوا: لاَ.

 قَالَ: ألاَ تَعْلَمُونَ أنَّ أصْحَابَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلَهِ فَرُّوا عَنْهُ فِي‌ مَأْقِطِ الحَرْبِ فِي‌ غَيْرِ مَوْطِنٍ، وَمَا فَرَرْتُ قَطُّ؟! قَالُوا: بَلَي‌.

 قَالَ: ألاَ تَعْلَمُونَ أ نِّي‌ أوَّلُ النَّاسِ إسْلاَماً؟! قَالُوا: بَلَي‌.

 ] ثمّ [ قال‌: فأيّنا أقرب‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ نسباً؟! قالوا: أنت‌. فقطع‌ علیه‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ كلامه‌ وقال‌: يَا علی‌ٌّ! أَبَي‌ النَّاسُ إلاَّ علی‌ عُثْمَانَ، فَلاَتَجْعَلَنَّ علی‌ نَفْسِكَ سَبِيلاً.

 فقال‌ ] له‌ الاءمام‌ [: يا أبا طلحة‌، ما الذي‌ أمرك‌ به‌ عمر؟ قال‌: أن‌ أقتل‌ من‌ شقّ عصا الجماعة‌.

 فقال‌ عبد الرحمن‌ ل علی‌ّ: بايع‌ إذَن‌، وإلاّ كنتَ متّبعاً غيرسبيل‌ المؤمنين‌، وأنفذنا فيك‌ ما أمرنا به‌. فقال‌ ] الاءمام‌ [: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي‌ أحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي‌. إلی‌ آخر ما نقلناه‌. ثمّ مدّ يده‌ فبايع‌ ]عثمان‌[.[19]

 الرجوع الي الفهرس

رواية‌ يوسف‌ بن‌ حاتم‌ الشامي‌ّ في‌ الاحتجاج‌ بحديث‌ الغدير في‌ الشوري‌

 ومن‌ الذين‌ رووا احتجاج‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بحديث‌ الغدير يوم‌ الشوري‌ يُوسُف‌بن‌ حاتم‌ الشاميّ في‌ كتاب‌ «الدرّ النَّظيمُ في‌ مَنَاقِبِ الاَئِمَّةِ اللَّهَاميم‌».[20] رواه‌ عن‌ الحافظ‌ ابن‌ مردويه‌ بسند آخر غيرسندي‌ الخوارزميّ،وبنفس‌العبارات‌ التي‌ نقلناها عن‌ الخوارزميّ.

 قال‌: حدّث‌ أبو المظفّر عبدالواحد بن‌ حمد بن‌ محمّدبن‌ شيذة‌ المُقري‌، عن‌ عبدالرزّاق‌ بن‌ عمر الطهرانيّ، عن‌ أبي‌ بكر أحمدبن‌ موسي‌ الحافظ‌ (ابن‌ مردويه‌)، عن‌ أبي‌ بكر أحمد بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ دام‌،[21] عن‌ المنذربن‌ محمّد، عن‌ عمّه‌، عن‌ أبان‌ بن‌ تَغْلِب‌، عن‌ عامر بن‌ واثلة‌، قال‌: كنتُ علی‌ الباب‌ يوم‌ الشوري‌، و علی في‌ البيت‌ فسمعته‌ يقول‌ (باللفظ‌ المذكور عن‌ الخوارزميّ، إلی‌ أن‌ قال‌) قَالَ: أُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ أمِنْكُمْ مَنْ نَصَبَهُ رَسُولُاللَهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ لِلْوَلاَيَةَ غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ! لاَ. [22]

 وحدّث‌ الشيخ‌ طوسيّ عن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ الصَّلْت‌، عن‌ أحمدبن‌ محمّدبن‌ سعيد،[23] عن‌ علی‌ّبن‌ محمّد بن‌ حبيبة‌ الكنديّ، عن‌ أبي‌ الغيلان‌: سعدبن‌ طالب‌ الشيبانيّ، عن‌ إسحاق‌، عن‌ أبي‌ الطفيل‌، قال‌: كنت‌ في‌ البيت‌ يوم‌ الشوري‌ وسمعت‌ علیاً علیه‌ السلام‌ يقول‌: أُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ جَمِيعاً هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ صَلَّي‌ القِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ غَيْرِي‌؟ قَالُوا: اللَهُمَّ! لاَ.

 ثمّ ذكر عدداً من‌ فضائله‌ ومناقبه‌ الخاصّة‌ به‌ علی‌ نحو المناشدة‌ حتّي‌ بلغ‌ قوله‌:

 أُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی‌ٌّ مَوْلاَهُ، اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ! لاَ.

 وبعد ذلك‌ ينشدهم‌ بحديث‌ المنزلة‌، وحديث‌ الطَّيْر لاغير. [24]

 ونقل‌ ابن‌ حَجَر الهَيْتَمِي‌ّ قائلاً: أخرج‌ الدارقطنيّ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ قال‌ للستّة‌ الذين‌ جعل‌ عمر الامر شوري‌ بينهم‌ كلاماً طويلاً من‌ جملته‌: أُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ: هَلْ فِيكُمْ أحَدٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ: يَا علی‌ُّ! أنْتَ قَسيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ! لاَ. [25]

 وذكر ابن‌ حجر أيضاً أنّ الدارقطنيّ أخرج‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ احتجّ يوم‌ الشوري‌ علی‌ أهلها فقال‌ لهم‌: أُنْشِدُكُمْ بِاللَهِ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أقْرَبُ إلی‌ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ فِي‌ الرَّحِم‌ مِنِّي‌؛ وَمَنْ جَعَلَهُ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ نَفْسَهُ، وَأبْنَاءَهُ أبْنَاءَهُ، وَنِسَاءَهُ نِسَاءَهُ، غَيْرِي‌؟! قَالُوا: اللَهُمَّ! لاَـ الحديث‌. [26]

 وكما لاحظنا، فإنّ ابن‌ حَجَر نقل‌ هاتين‌ الفقرتين‌ من‌ المناشدة‌ عن‌ الدارقطنيّ لمناسبة‌ الموضوع‌، مع‌ تصريحه‌ بأنّ المناشدة‌ كانت‌ كثيرة‌، وأنّ هذه‌ الفقرات‌ قد عُرِضت‌ في‌ سياق‌ ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

احتجاج‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بحديث‌ الغدير في‌ مسجد النبي‌ّ

الاحتجاج‌ بحديث‌ الغدير وإقرار الصحابة‌ في‌ عصر عثمان‌

 الاحتجاج‌ الثالث‌: ويتمثّل‌ في‌ الخطبة‌ التي‌ ألقاها أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ المسجد النبويّ أيّام‌ عثمان‌ بحضور مائتي‌ شخص‌ من‌ المهاجرين‌ والانصار الذين‌ كان‌ كلّ واحد منه‌ يذكر فضيلة‌ من‌ فضائل‌ قريش‌ أو الانصار، ثمّ طلبوا من‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أن‌ يتحدّث‌، فاستجاب‌ لطلبهم‌ وطفق‌ يشرع‌ ميزات‌ أهل‌ البيت‌، وميزات‌ شخصيّته‌ الشريفة‌ مفصّلاً، وكانت‌ الجماعة‌ الحاضرة‌ في‌ المسجد تؤيّد ذلك‌ كلّه‌ ومن‌ جملة‌ ما عرضه‌ هو الاستشهاد بحديث‌ الغدير.

 روي‌ شيخ‌ الإسلام‌: إبراهيم‌ بن‌ محمّد الحمّوئيّ في‌ «فرائد السمطين‌» عن‌ السيّد النسّابة‌: جلال‌ الدين‌ عبد الحميد بن‌ فخّار بن‌ مَعْدبن‌ فخّار الموسويّ رحمه‌الله‌ قال‌: أنبأنا والدي‌ السيّد شمس‌ الدين‌ فخّار الموسويّ رحمه‌الله‌ إجازة‌ بروايته‌ عن‌ شاذان‌ بن‌ جبرئيل‌ القمّيّ، عن‌ جعفربن‌ محمّد الدوريستيّ، عن‌ أبيه‌، عن‌ أبي‌ جعفر محمّد بن‌ علی بن‌ بابويه‌ القمّيّ، عن‌ محمّدبن‌ الحسن‌، عن‌ سعد بن‌ عبد الله‌، عن‌ يعقوب‌ بن‌ يزيد، عن‌ حمّادبن‌ عيسي‌، عن‌ عمر بن‌ أُذَينة‌، عن‌ أبان‌ بن‌ أبي‌ عيّاش‌، عن‌ سُلَيم‌بن‌ قَيْس‌ الهلإلی، أنّه‌ قال‌: رأيتُ علیاً علیه‌ السلام‌ في‌ مسجد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ خلافة‌ عثمان‌، وجماعة‌ يتحدّثون‌ ويتذاكرون‌ العلم‌ والفقه‌، فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال‌ فيها رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ الفضل‌، مثل‌ قوله‌: الائمّة‌ من‌ قريش‌. وقوله‌: الناس‌ تبع‌ لقريش‌، وقريش‌ أئمّة‌ العرب‌، وقوله‌: لاتسبّوا قريشاً، وقوله‌: إنّ للقرشيّ قوّة‌ رجلين‌ من‌ غيرهم‌. وقوله‌: من‌ أبغض‌ قريشاً أبغضه‌ الله‌، وقوله‌: من‌ أراد هوان‌ قريش‌، أهانه‌ الله‌.

 وذكروا الانصار وفضلها وسوابقها ونصرتها وما أثني‌ الله‌ علیهم‌ في‌ كتابه‌ وما قال‌ فيهم‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وذكروا ما قال‌ في‌ سَعْدبن‌ عُبَادَة‌ وغَسيل‌ الملائكة‌ (حَنْظَلَة‌)، فلم‌ يدعوا شيئاً من‌ فضلهم‌، حتّي‌ قال‌ كلّ حيّ: منّا فلان‌ وفلان‌.

 وقالت‌ قريش‌: منّا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ومنّا حمزة‌، ومنّا جعفر، ومنّا عُبَيْدَة‌بن‌ الحَرْث‌، وزيد بن‌ حارثة‌، وأبوبكر، وعمر، وعثمان‌، وأبوعُبَيْدَة‌، وسالم‌ (مولي‌ أبي‌ حُذَيفة‌)، وابن‌ عَوْف‌.

 فلم‌ يدعوا من‌ الحيّين‌ أحداً من‌ أهل‌ السابقة‌ إلاّ سمّوه‌. وفي‌ الحقلة‌ أكثر من‌ مائتي‌ رجل‌ فيهم‌ علی بنُ أَبِي‌ طَالِب‌ علیهِ السَّلاَمُ، و سَعْدُبنُ أبي‌ وَقَّاص‌، و عَبْدُالرَّحمنِبنُ عَوْف‌، و طَلْحَة‌، و الزُّبَيْر، و المِقْداد، و أَبُوذَرّ، و هَاشِم‌بنُ عُتْبَة‌، و ابن‌ عُمَر، و الحَسَن‌ و الحُسَيْن‌ علیهما السلام‌، و ابنُ عَبَّاس‌، و مُحَمَّدُبنُ أَبي‌ بَكْر، و عَبْدُ اللَهِ بنُ جَعْفَر.

 وكان‌ في‌ الحلقة‌ من‌ الانصار: أُبَي‌ّ بنُ كَعْب‌، و زَيْدُبنُ ثَابِت‌، و أَبُوأيُّوبُ الانصاريّ، و أبُو الهَيْثَمُ بنُ التَّيِّهان‌، و مُحَمَّدُبنُ مُسْلِمَة‌، و قَيْسُبنُ سَعْدبنُ عُبَادة‌، و جَابِرُ بنُ عَبداللَهِ، و أَنَسُبنُ مَالِك‌، و زَيْدُبنُ أرْقَم‌، و عَبْدُاللَهِبنُ أَبِي‌ أَوْفَي‌، و أبو لَيْلَي‌ ومعه‌ ابنه‌ عَبْدُالرَّحْمَن‌ قاعد بجنبه‌، غلام‌ صبيح‌ الوجه‌ أمرد. فجاء أبو الحسن‌ البصريّ ومعه‌ ابنه‌ الحسن‌ غلام‌ أمْرَد صبيح‌ الوجه‌ معتدل‌ القامة‌.

 قال‌ سُلَيم‌: فجعلت‌ أنظر إلیهما (عبد الرحمن‌ بن‌ أبي‌ ليْلي‌، والحَسَن‌بن‌ أبي‌ الحَسَن‌) فلا أدري‌ أيّهما أجمل‌؟ غير أنّ الحسن‌ أعظمها وأطولهما.

 فأكثر القوم‌ في‌ مدح‌ قريش‌ والانصار، وذلك‌ من‌ بكرة‌ إلی‌ حين‌ الزوال‌، وعثمان‌ في‌ داره‌ لا يعلم‌ بشي‌ء ممّا هم‌ فيه‌، و علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ ساكت‌ لا ينطق‌ هو ولا أحد من‌ أهل‌ بيته‌.

 فأقبل‌ القوم‌ علیه‌ فقالوا: يا أباالحسن‌ ما يمنعك‌ أن‌ تتكلّم‌؟

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 83 من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[2] ـ «الغدير» ج‌ 4، ص‌ 392 و 393.

[3] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 524، الطبعة‌ الحجريّة‌.

 وجاء في‌ البيت‌ الخامس‌: تَغَشْرَمَ بالغين‌ المجمة‌. وعندما نقل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ «الغدير» ج‌ 4، ص‌ 392 هذه‌ الابيات‌ عن‌ «المناقب‌» فإنّه‌ ذكر الكلمة‌ المشار إلیها بالغين‌ المعجمة‌ أيضاً. بَيدَ أنّ هذه‌ الكلمة‌ غير موجودة‌ في‌ كتب‌ اللغة‌ مثل‌: «أقرب‌ الموارد»، «صحاح‌ اللغة‌»، «لسان‌ العرب‌»، «مجمع‌ البحرين‌». فلهذا ينبغي‌ أن‌ نقول‌: هي‌ إمّا تَغَشَّمَ، والمعني‌: ظلم‌، أو تَغَشْمَرَ، والمعني‌: أخذ الشي‌ء قهراً، وفيها تصحيف‌. والاقرب‌ أن‌ نقول‌: هي‌ تَعَشْرَمَ بالعين‌ المهملة‌، وعَشْرَمَ كما ذكر الفيروزآبادي‌ّ في‌ «قاموس‌ اللغة‌»: خشن‌ وصلب‌. ف علی‌ هذه‌ ينبغي‌ أن‌ نقول‌ إنّ تَعَشْرَمَ أُخذ منه‌، وهو بمعني‌ تصلّب‌ واست علی‌. وذكر الشاعر ابن‌ حمّاد هذه‌ القصّة‌ في‌ أبيات‌ له‌، كما نقل‌ ذلك‌ ابن‌ شهرآشوب‌ في‌ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 457.

 وَمَـنْ نَـاجَــاهُ ثُـعْـبـانٌ عَـظـيـمٌ                                بِبَـابِ الطُّـهْـرِ ألْقَـتْـهُ السَّـحَـابُ

 رَآهُ الـنَّـاسُ فَـانْـخَـلَـفُـوا بِـرُعْـبٍ                            وَأُغْـلِـقَـتِ المَسَـالِـكُ وَالرِّحَـابُ

 فَـلَـمَّــا أنْ دَنَـــا مِــنْــهُ علی‌ٌّ                                  تَدَانَـي‌ النَّاسُ وَانْخَـشَـدَ الحُـبَـابُ

 فَـكَـلَّـمَــهُ علی‌ٌّ مُـسْــتَـطِـيــلاً                                       فَـأقْـبَـلَ لاَ يَـخَــافُ وَلاَ يَـهَـابُ

 وَرَنَّــا رَنَّــةً وَانْـسَـــــابَ فِـيــهِ                                يَـقُـولُ وَقَـدْ تَـسَـــتَّـرَهُ الـثِّـيـابُ

 أنَا مَـلِـكٌ مُـسِـخْـتُ وَأنْـتَ مَوْلـيً                          دُعَــاؤكَ إنْ مَـنَـنْــتَ بِـهِ عُـجَـابُ

 أتَـيْـتُـكَ تَائِبـاً فَاشْـفَـعْ إلی‌ مَـنْ                             إلیـهِ مِــنْ جِـنَـايَـتِــي‌ الـمَـتَـابُ

 فَأقْـبَــلَ دَاعِـيـــاً وَأتَــي‌ أخــوهُ                              يُؤمِّـنُ فِـي‌ الدُّعَـاءِ لَـهُ انْـسِــكَـابُ

 فَـلَـمَّــا أنْ أُجـيــبَ أظَـلَّ يَـعْـلُـو                              كَـمَـا يَعْـلُـو لَـدَي‌ الجَـوِّ الـعُـقَـابُ

 نَـيَـتْـهُ بِـريــشِ طَـاوُوسٍ علیـهِ                               جَـوَاهِـر زَانَـهَــا التَّـبْــرُ الـمُـذابُ

 يَقُـولُ لَـقَـدْ نَـجَـوْتُ بِأهْـلِ بَـيْـتٍ                             بِهِـمْ يُصْـلَـي‌ لَظَـي‌ وَبِـهِـم‌ يُـثـابُ

[4] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 530.

[5] ـ هو أبو الحسن‌ مَهيار بن‌ مرزويه‌ الديلميّ البغداديّ من‌ أساطين‌ الادب‌ العربيّ. ويعدّ في‌ الرعيل‌ الاوّل‌ من‌ الشعراء في‌ قوّة‌ الشعر. وكان‌ كبار العلماء والاُدباء يستفيدون‌ منه‌ لا نّه‌ رفع‌ أعظم‌ راية‌ للادب‌ العربيّ بين‌ المشرق‌ والمغرب‌. وهو من‌ أعلام‌ التشيّع‌ وشعره‌ طافح‌ بالبرهنة‌ والحجاج‌ والاستدلال‌ الدامغ‌. ويعتبر من‌ أهمّ أركان‌ الشعر العلويّ الذابّ عن‌مذهب‌أهل‌ البيت‌ في‌ عصره‌.

 كان‌ مهيار فارسيّاً مجوسيّاً، وهو من‌ أحفاد كسري‌ أنوشيروان‌ العادل‌ كما ذكرنا ذلك‌ سابقاً نقلاً من‌ عبدالجليل‌ القزوينيّ في‌ كتاب‌ «النقض‌». وأسلم‌ علی‌ يد الشريف‌ الرضي‌ّ، وتربّي‌ علی‌ يده‌، وتخرّج‌ علیه‌ في‌ الشعر والادب‌، وتعلّم‌ منه‌ ما استطاع‌ إلی‌ ذلك‌ سبيلاً. توفّي‌ في‌ 25 جمادي‌ الآخرة‌ سنة‌ 428 ه. والعجيب‌ أنّ مهيار وهو فارسيّ اللغة‌ والاصل‌ كان‌ أُستاذاً في‌ العربيّة‌ بحيث‌ إنّ شعراء العرب‌ كانوا يعرضون‌ أشعارهم‌ علیه‌، فيصحّحها لهم‌. وسلّم‌ كبار الشعراء بأُستاذيّته‌. وكان‌ مقدّماً علی‌ شعراء عصره‌ لا يوزن‌ به‌ أحد. ولاغرو أن‌ يبلغ‌ امرؤ كمهيار المتشرّف‌ بولاء أهل‌ البيت‌، المتعلّم‌ من‌ الشريفين‌ العظيمين‌: المرتضي‌ والرضيّ، المقتصّ آثار الشيخ‌ المفيد، درجة‌ رفيعة‌ من‌ الدين‌ والعقل‌ والشرع‌ والادب‌ ويصبح‌ علماً في‌ عصره‌ يتحدّث‌ فيه‌ الخاصّ والعامّ. جاء في‌ كتاب‌ «الغدير» ج‌ 4، ص‌ 232 إلی‌ 261 بحث‌ يدور حول‌ مَهيار الديلميّ ونقل‌ صاحب‌ «الغدير» عدداً من‌ قصائده‌ سواء في‌ الغدير، أم‌ في‌ مدح‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ ورثائهم‌. وذكر له‌ في‌ ص‌ 256 قصيدة‌ في‌ رثاء الشيخ‌ المفيد: ابن‌ المعلّم‌ محمّدبن‌ محمّد بن‌ النعمان‌ المتوفّي‌ سنة‌ 413 ه، وتتكوّن‌ من‌ واحد وتسعين‌ بيتاً.

[6] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 530، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[7] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 529، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[8] ـ ذكرنا في‌ ذلك‌ البحث‌ أنّ الاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ سواء كانت‌ عن‌ طريق‌ الشيعة‌ أو عن‌ طريق‌ العامّة‌ تحصر أصحاب‌ الكساء الذين‌ خصّوا بآية‌ التطهير في‌ هؤلاء الخمسة‌، ولكنّها تشمل‌ الائمّة‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌ كلّهم‌ حسب‌ الإجماع‌ القطعي‌ّ، والمناط‌ الكلّيّ، والروايات‌ المتواترة‌.

[9] ـ سُلَيم‌ بن‌ قيس‌ الهِلإلی العامريّ الكوفيّ من‌ أصحاب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ توفّي‌ حوإلی‌ سنة‌ 90 ه. ولاشكّ في‌ جلالته‌ ووثوقه‌ وورعه‌ بين‌ أصحاب‌ التراجم‌ ورجال‌ الشيعة‌ والعامّة‌، إذ نعتوه‌ كلّهم‌ بالعظمة‌ والعدالة‌ والزهد. له‌ كتاب‌ يعرف‌ بكتاب‌ سُليم‌، وهو مشهور بين‌ الاعاظم‌، ويروي‌ عنه‌ كبار الشيعة‌ والعامّة‌. وورد عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ فيه‌ قوله‌: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ شِيعَتِنَا وَمُحِبِّنَا كِتَابُ سُلَيْم‌ بْنِ قَيْسٍ الهِلإلی فَلَيْسَ عَنْدَهُ مِنْأَمْرِنَا شَي‌ْءٌ وَلاَ يَعْلَمُ مِنْ أسْبَابِنَا شَيْئاً وَهُوَ أبْجَدُ الشِّيعَةِ، وَهُوَ سِرٌّ مِنْ أسْرَارِ آل‌ محمّدٍ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 يروي‌ سليم‌ في‌ كتابه‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بلا واسطة‌، وكذلك‌ يروي‌ عن‌ سلمان‌، والمقداد، وأبي‌ ذرّ ونظائرهم‌ من‌ الصحابة‌. والروايات‌ التي‌ ينقلها عن‌ أحد الاصحاب‌، كان‌ يعرضها علی‌ الآخرين‌، فيؤيّدونها. أدرك‌ سليم‌ أميرالمؤمنين‌ علیاً، والحسن‌، والحسين‌، والسجّاد، والباقر علیهم‌ السلام‌. وعندما سافر إلی‌ المدينة‌ مرّة‌، عرض‌ أحاديثه‌ علی‌ الإمام‌ السجّاد فأقرّها. ولمّا جاء الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ الثقفيّ إلی‌ العراق‌ ولاحقه‌، فرّ منه‌، نزل‌ علی‌ أبان‌ بن‌ أبي‌ عيّاش‌ فآواه‌، وأقام‌ عنده‌ حتّي‌ مات‌. دفع‌ سليم‌ كتابه‌ إلی‌ أبان‌ وأجازه‌ أن‌ يرويه‌ لثقات‌ الشيعة‌ وحفّاظها. فلهذا نجد أنّ جميع‌ الروايات‌ التي‌ يرويها أبان‌ عن‌ سُليم‌ هي‌ من‌ هذا الكتاب‌. ويعتبر كتاب‌ سليم‌ من‌ أهمّ أُصول‌ الشيعة‌. وكان‌ يعوّل‌ علیه‌ محدّثو الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ العصور القديمة‌.

 ونقل‌ عن‌ سليم‌ بأسانيد متعدّدة‌ كثير من‌ قدماء الاصحاب‌ في‌ كتبهم‌، مثل‌ كتاب‌ «إثبات‌ الرجعة‌»، و«الاحتجاج‌»، و «عيون‌ المعجزات‌»، و «من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌»، و«بصائر الدرجات‌»، و«الكافي‌»، و «الخصال‌»، و «تفسير فرات‌ بن‌ إبراهيم‌»، و«تفسير محمّدبن‌ عبّاس‌بن‌ ماهيار»، و «الدّر النظيم‌ في‌ مناقب‌ الائمّة‌ اللهاميم‌»، وروي‌ عن‌ كتابه‌ أيضاً أعاظم‌ العامّة‌ كالحاكم‌ الحسكاني‌ّ في‌ «شواهد التنزيل‌»، والإمام‌ الحمّوئيّ في‌ «فرائد السمطين‌»، والسيّد علی‌ّبن‌ شهاب‌ الدين‌ الهَمَداني‌ّ في‌ «مودّة‌ القربي‌»، والقندوزيّ الحنفيّ في‌ «ينابيع‌ المودّة‌» وغيرهم‌.

 وحول‌ كتابه‌ هذا يقول‌ محمّد بن‌ إسحاق‌ الورّاق‌ المعروف‌ بابن‌ النديم‌ في‌ كتاب‌ «الفهرست‌»، ص‌ 275، طبعة‌ جامعة‌ طهران‌: «سليم‌ من‌ أصحاب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وكان‌ هارباً من‌ الحجّاج‌ لا نّه‌ طلبه‌ ليقتله‌، فلجأ إلی‌ أبان‌ بن‌ أبي‌ عيّاش‌ فآواه‌. فلمّا حضرته‌ الوفاة‌، قال‌ لابان‌: إنّ لك‌ علی‌َّ حقّاً، وقد حضرتني‌ الوفاة‌، يابن‌ أخي‌! إنّه‌ كان‌ من‌ أمر رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كيت‌ وكيت‌! وأعطاه‌ كتاباً وهو كتاب‌ سليم‌بن‌ قيس‌ الهلإلی المشهور، رواه‌ عنه‌ أبان‌ بن‌ أبي‌ عيّاش‌ لم‌ يروه‌ عنه‌ غيره‌. وكان‌ سليم‌ شيخاً له‌ نور يعلوه‌؛ وأوّل‌ كتاب‌ ظهر للشيعة‌ كتاب‌ سليم‌ بن‌ قيس‌ الهلإلی»ـ انتهي‌.

 وقال‌ المسعوديّ في‌ كتاب‌ «التنبيه‌ والإشراف‌» ص‌ 198 و 199: «والقطعيّة‌ وهم‌ الذين‌لم‌يقفوا علی‌ إمامة‌ موسي‌ بن‌ جعفر، بل‌ اعتقدوا بإمامة‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر. وأصلهم‌ في‌ حصر العدد ما ذكره‌ سليم‌بن‌ قيس‌ الهلإلی في‌ كتابه‌ الذي‌ رواه‌ عنه‌ أبان‌ بن‌ أبي‌ عيّاش‌ أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌ لامير المؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌: أنْتَ وَاثْنَا عَشَرَ مِنْ وُلْدِكَ أئِمَّةُ الحَقِّ. ولم‌ يَرْوِ هذا الخبر غير سليم‌. وأنّ إمامهم‌ المنتظر ظهوره‌ في‌ وقتنا هذا المؤرّخ‌ به‌ كتابنا (التنبيه‌ والإشراف‌) هو محمّدبن‌ الحسن‌بن‌ علی‌ّبن‌ محمّدبن‌ علی‌ّبن‌ موسي‌بن‌ جعفربن‌ محمّد بن‌ علی بن‌ الحسين‌ بن‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ رضوان‌الله‌ علیهم‌ أجمعين‌».

 وقال‌ القاضي‌ بدر الدين‌ السبكيّ في‌ كتاب‌ «محاسن‌ الوسائل‌ في‌ معرفة‌ الاوائل‌»: إنّ أوّل‌ كتاب‌ صنّف‌ للشيعة‌ هو كتاب‌: «سليم‌ بن‌ قيس‌ الهلإلی»ـ انتهي‌.

[10] ـ «كتاب‌ سليم‌» ص‌ 85 و 86، طبعة‌ النجف‌ الثالثة‌.

[11] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 530، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[12] ـ «مناقب‌ الخوارزمي‌ّ» ص‌ 216 و 217، الطبعة‌ الحجريّة‌، والطبعة‌ الحديثة‌، ص‌ 221 و 222؛ و«الغدير» ج‌ 1،، ص‌ 159 و 160 عن‌ «مناقب‌ الخوارزمي‌ّ».

[13] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 160.

[14] ـ «فرائد السمطين‌»، ج‌ 1، الباب‌ 58، ص‌ 312 إلی‌ 318.

[15] ـ «تفسير مفاتيح‌ الغيب‌» ج‌ 3، ص‌ 620 و 621، الطبعة‌ الاُولي‌.

[16] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 162.

[17] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 72.

[18] ـ السُّرَي‌: السير ليلاً: وأعجاز جمع‌ عَجُز: مؤخّر الشي‌ء. وأعجاز الإبل‌ مؤخّرها القريب‌من‌ذيلها، ويكون‌ الركوب‌ علیه‌ صعباً. وهذا مَثَلٌ يُضرب‌ عند العرب‌، ويعني‌: أ نّنا نركب‌ علی‌ مؤخّر الإبل‌ ونتحمّل‌ المشقّة‌ والذلّ وإن‌ طال‌ السير ليلاً، وزادت‌ أتعابنا ومشقّاتنا، ونحن‌ راكبون‌ علیه‌.

[19] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد ج‌ 6، ص‌ 166 إلی‌ 168، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌، وطبعة‌ دار إحياء التراث‌ العربيّ، ج‌ 2، ص‌ 61.

[20][20] ـ لُهْمُوم‌ علی‌ وزن‌ عُصْفُور، الجواد والسخيّ من‌ الناس‌، وكذلك‌ المطر الغزير القطر. الجمع‌ لَهَاميم‌. و لَهاميم‌ الناس‌ أسخياؤهم‌ وأشياخهم‌. وقال‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الشيخ‌ آغا بزرك‌ الطهرانيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ أُستاذي‌ في‌ الحديث‌ والإجازة‌ واصفاً كتاب‌ «الدرّ النظيم‌ في‌ مناقب‌ الائمّة‌ اللَّهاميم‌» في‌ الجزء الثامن‌ من‌ «الذريعة‌» ص‌ 88 من‌ الطبعة‌ الاُولي‌: هذا الكتاب‌ للشيخ‌ جمال‌ الدين‌ يوسف‌ بن‌ حاتم‌ الشاميّ، تلميذ المحقّق‌ الحلّيّ الذي‌ توفّي‌ (676 ه)، والمجاز عن‌ السيّد رضيّ الدين‌ علی بن‌ طاووس‌ الحلّيّ الذي‌ توفّي‌ (664 ه). وهو كتاب‌ جليل‌ في‌ بابه‌ ينقل‌ فيه‌ عن‌ كتاب‌ «مدينة‌ العلم‌» للشيخ‌ الصدوق‌، وكتاب‌ «النبوّة‌» له‌ أيضاً فيظهر وجودهما عنده‌. كانت‌ نسخة‌ منه‌ عند العلاّمة‌ المجلسيّ ينقل‌ عنه‌ في‌ «بحار الانوار». والموجود من‌ نسخه‌ حسب‌ ما اطّلعتُ علیه‌ ثلاث‌ نسخ‌ إحداها كانت‌ في‌ مكتبة‌ كُبَّة‌، واشتراها الطهرانيّ بسامرّاءـ إلی‌ آخر ما ذكر حول‌ النسختين‌ الاُخريين‌.

 أقول‌: لمّا بلغنا إلی‌ هذا الموضع‌، يحسن‌ بنا أن‌ نذكر هذه‌ القصّة‌. قيل‌: إنّ كتباً مختلفة‌ صنّفت‌ في‌ السيرة‌ النبويّة‌ منذ عصر صدر الإسلام‌ إلی‌ يومنا هذا، بَيدَ أنّ سيرة‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر لم‌تحظ‌ إلاّ بالنزر إلیسير من‌ الكتب‌ المؤلّفة‌ فيها. ويعتبر كتاب‌ «الدرّ النظيم‌ في‌ مناقب‌ الائمّة‌ اللهاميم‌» من‌ الكتب‌ النادرة‌ والنفيسة‌ المصنّفة‌ في‌ هذا الحقل‌. وضاعت‌ نسخ‌ هذا الكتاب‌ تدريجيّاً، إلاّ أنّ عدداً يسيراً منها قريب‌ المنال‌، وتعود إحدي‌ النسخ‌ إلی‌ مكتبة‌ كبّة‌، وانتقلت‌ بعد وفاته‌ إلی‌ مكتبة‌ المرحوم‌ خال‌ أبينا العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الميرزا محمّد الطهرانيّ رضوان‌الله‌ علیه‌ نزيل‌ سامرّاء. نقل‌ لي‌ ابن‌ خال‌ أبينا حجّة‌ الإسلام‌ الميرزا أبوالحسن‌ شريف‌ العسكريّ دام‌ توفيقه‌ أنّ ذوي‌ المرحوم‌ كبّة‌ أرادوا عرض‌ مكتبته‌ في‌ المزاد بعد وفاته‌. وأرسلني‌والدي‌من‌ سامرّاء إلی‌ الكاظميّة‌ لشراء بعض‌ المخطوطات‌، ومنها هذا الكتاب‌، وأوصاني‌ أن‌ أشتري‌ هذا الكتاب‌ مهما كان‌ ثمنه‌. فجئت‌ الكاظميّة‌، واشتريت‌ هذا الكتاب‌ عند عرض‌ المكتبة‌ في‌ المزاد بسسعر باهظ‌، وجلبته‌ إلی‌ سامرّاء مع‌ كتب‌ أُخري‌. وأصبحت‌ هذه‌ الكتب‌ جزءاً من‌ مكتبة‌ والدي‌. فلم‌ تمض‌ مدّة‌ طويلة‌ علی‌ ذلك‌ حتّي‌ جاءني‌ سادن‌ حرم‌ الإمامين‌ العسكريّينِ علیهما السلام‌ يوماً وهو رجل‌ سنّي‌ّ فقال‌: جاء أحد المستشرقين‌ ونزل‌ في‌ بيتنا وهو يرغب‌ في‌ لقاء والدك‌ ليطرح‌ علیه‌ أسئلته‌. فاستأذن‌ أباك‌ ليأتي‌ عنده‌. وأخبرتُ والدي‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا محمّد الطهرانيّ بذلك‌ فقال‌: لا مانع‌ من‌ مجيئه‌ فليأت‌ متي‌

 شاء. وأخبرت‌ السادن‌ بموافقة‌ والدي‌ علی‌ اللقاء. وفي‌ إلیوم‌ الثاني‌ جاء السادن‌. بمعيّة‌ ذلك‌ المستشرق‌ إلی‌ بيتنا وجلسا في‌ مكتبة‌ والدي‌ حيث‌ محلّ مطالعته‌ وتإلیفه‌. ووجّه‌ المستشرق‌ أسئلته‌ حول‌ بعض‌ العلوم‌ والكتب‌، وأجابه‌ والدي‌، ثمّ سأله‌ عن‌ كتاب‌ «الدرّ النظيم‌» ومؤلّفه‌ ومواصفاته‌ فأجابه‌ الوالد. وبعد ذلك‌ سأله‌ قائلاً: هل‌ عندك‌ الكتاب‌؟! فقال‌ الوالد: نعم‌، هو عندي‌. قال‌ المستشرق‌: هل‌ لي‌ أن‌ أراه‌؟ قال‌: نعم‌! قم‌ يا أباالحسن‌ واجلب‌ الكتاب‌ من‌ الرفّ الفلاني‌ّ وأعطه‌ إيّاه‌! فقمت‌ وأخذت‌ الكتاب‌ ووضعته‌ بين‌ يديه‌. فرفعه‌ وتصفّحه‌ بدقّة‌، وأنعم‌ النظر في‌ ورقه‌ وجدوله‌ المرسول‌ وصفحاته‌ وغلافه‌، ثمّ أطبقه‌ ووضعه‌ علی‌ الارض‌، وقال‌: هل‌ تبيعه‌؟! قال‌ والدي‌: لا! قال‌: أرجوك‌ أن‌ تبيعني‌ هذا الكتاب‌ بأي‌ّ ثمن‌ كان‌! قال‌: لا، لايمكن‌! قال‌: لا تهتمّ لقيمته‌، فأنا أشتريه‌ بأيّ ثمن‌ تتفضّل‌ به‌. فقال‌ والدي‌: ألا تنظر هذه‌ المكتبة‌، لو صُبّت‌ لي‌ كلّها ذهباً خالصاً علی‌ أن‌ أبيع‌ هذا الكتاب‌، ما بعته‌. فيئس‌ المستشرق‌ وقام‌ وذهب‌ مع‌ السادن‌، وأرجعتُ الكتاب‌ في‌ مكانه‌. وفي‌ إلیوم‌ الثاني‌ قال‌ لي‌ السادن‌: هذا الرجل‌ يريد الكتاب‌، وجاء من‌ أُوروبّا لشرائه‌. ولمّا كان‌ يعلم‌ أنّ الكتاب‌ هو من‌ كتب‌ المرحوم‌ كبّة‌ وانتقل‌ إلی‌ مكتبة‌ الميرزا محمّد الطهرانيّ، لذلك‌ قدم‌ إلی‌ سامرّاء مباشرة‌ من‌ قبل‌ المسؤولين‌ العراقيّين‌، ونزل‌ في‌ بيتنا، وطلب‌ منّي‌ أن‌ أتوسّط‌ لشراء الكتاب‌، وأنا أُطمئنك‌ أنّه‌ يشتريه‌ مهما كان‌ ثمنه‌. فقلت‌ له‌: هذا الكتاب‌ ناموس‌. إنّه‌ ناموس‌ الإسلام‌. وهل‌ يبيع‌ المرء ناموسه‌ للاجنبيّ!؟ هل‌ أنت‌ مستعدّ لبيع‌ ناموسك‌ وعرضك‌ ولو كان‌ الثمن‌ باهظاً؟! قال‌: لا. قلتُ: إنّ أهمّيّة‌ هذا الكتاب‌ تفوق‌ العرض‌ والناموس‌ الإنسانيّ. ذلك‌ أنّه‌ ناموس‌ الدين‌ والشريعة‌ وناموس‌ الإسلام‌، وهو كتاب‌ مخطوط‌ فريد. فيئس‌ السادن‌ من‌ شراء الكتاب‌ وأخبر المستشرق‌ بالامر. وعلم‌ المستشرق‌ أنّ والدي‌ متعصّب‌ دينيّاً، وأ نّه‌لن‌يبيع‌الكتاب‌ أبداً. فترك‌ سامرّاء. ولمّا أخبرت‌ والدي‌ بحديثي‌ مع‌ السادن‌، قال‌: لابدّ أن‌ تغيّر موضع‌ الكتاب‌، انقله‌ إلی‌ الرفّ الفلانيّ! ذلك‌ أنّه‌ علم‌ موضعه‌، وربّما يسرق‌ بطريقة‌ ماكرة‌ من‌ جرّاء تردّد الناس‌ علی‌ المكتبة‌. وبعد وفاة‌ المرحوم‌ الميرزا محمّد الطهرانيّ، أوقف‌ ورثته‌ كتبه‌ كلّها وختموها بختم‌ الوقف‌، ثمّ انتقلت‌ وفيها الكتاب‌ المذكور إلی‌ الكاظميّة‌. وتشرف‌ علیها الآن‌ دائرة‌ الاوقاف‌ الاثريّة‌ العراقيّة‌. وتعتبر من‌ الكتب‌ المحظور إخراجها من‌ العراق‌.

[21] ـ كذا في‌ النسخ‌، والصحيح‌: أبي‌ دارم‌. وهو أبو دارم‌ الكوفيّ، سمع‌ عنه‌ التلعكبريّ سنة‌ 330 ه، وله‌ منه‌ إجازة‌.

[22] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 160.

[23] ـ أحمد بن‌ محمّد بن‌ سعيد، وهو أبو العبّاس‌ المعروف‌ بابن‌ عُقْدة‌، يعتبر أحد الاكابر في‌ الحفظ‌ والإتقان‌ والجلالة‌. له‌ ترجمة‌ في‌ «تنقيح‌ المقال‌»؛ وحكي‌ عن‌ أبي‌ الطيّب‌بن‌ هرثمة‌ أنّه‌ قال‌: كنّا نحضر ابن‌ عقدة‌ المحدّث‌ ونكتب‌ عنه‌ وفي‌ المجلس‌ رجل‌ هاشميّ إلی‌ جانبه‌. قال‌ ابن‌ عقدة‌: أنا أُجيب‌ في‌ ثلاثمائة‌ ألف‌ حديث‌ من‌ أحاديث‌ أهل‌ البيت‌، هذا سوي‌ غيرهم‌. وضرب‌ بيده‌ إلی‌ الهاشميّ. ونقل‌ عن‌ الدارقطنيّ أنّه‌ قال‌: أجمع‌ أهل‌ الكوفة‌ أنّه‌ لم‌ير من‌ زمن‌ عبدالله‌ بن‌ مسعود إلی‌ زمان‌ أبي‌ العبّاس‌بن‌ عُقدة‌ أحفظ‌ منه‌.ونقل‌عن‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ «الفهرست‌» وعن‌ «رجال‌ النجاشيّ» أنّه‌ كان‌ زيديّاً جاروديّاً، و علی‌ هذا مات‌. وإنّما روي‌ عنه‌ أصحابنا واعتبروا رواياته‌ موثوقة‌ لكثرة‌ حفظه‌ وأمانته‌ وصدقه‌ واختلاطه‌ مع‌ أصحابنا الإماميّة‌. له‌ كتب‌ كثيرة‌، منها: كتاب‌ «مَنْ رَوَي‌ غدير خمّ» توفّي‌ في‌ الكوفة‌ سنة‌ 333،ه.

[24] ـ «أمإلی‌ الطوسي‌ّ» ص‌ 212، الطبعة‌ الحجريّة‌، وطبعة‌ النجف‌ ص‌ 342، وهما مذكوران‌ في‌ المجلس‌ الثاني‌ عشر.

[25] ـ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 75.

[26] ـ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 93.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com