بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السابع / القسم الثامن :خضوع الاجانب امام امیر المؤ منین علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

إنكار أبي‌ حنيفة‌ حديث‌ الغدير مع‌ إقراره‌ بوقوع‌ واقعة‌ الغدير

 وروي‌ الشيخ‌ محمّد بن‌ محمّد بن‌ النعمان‌ ] المعروف‌ بالشيخ‌ [ المفيد في‌ أمإلیه‌ بسنده‌ عن‌ مُحَمَّدِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَائِذٍ الصَّيْرَفِي‌ّ ] قال‌: كنت‌ عند الهَيْثَم ِبْنِ حَبِيبٍ الصَّيْرَفِي‌ّ [ فدخل‌ علينا أَبُو حَنِيفَة‌: النُّعْمَانُبْنُ ثَابِت‌؛ فذكرنا أميرالمؤمنين‌ ] علی بن‌ أبي‌ طالب‌ [ عليه‌ السلام‌ ودار بيننا كلام‌ في‌ غدير خُمّ.

 فقال‌ أبُو حَنِيفَة‌: قد قلت‌ لاصحابنا: لا تقرّوا لهم‌ ( للشيعة‌ ) بحديث‌ غدير خمّ فيخصموكم‌!

 فتغيّر وجه‌ الهَيْثَمِ بْنِ حَبِيبٍ الصَّيْرَفِي‌ّ، وقال‌ ] له‌ [: لِمَ لايقرّون‌ بحديث‌ الغدير؟ أما هو عندك‌ يا نُعمان‌؟!

 قال‌ ] أبو حنيفة‌ [: ] بلي‌ [ هو عندي‌ وقد رُوِّيتُه‌!

 قال‌ ] الهيثم‌ [: فلم‌ لا تقرّون‌ به‌ وقد حدّثنا به‌ حبيب‌ بن‌ أبي‌ ثابت‌، عن‌ أبي‌ الطُّفَيْل‌، عن‌ زيد بن‌ أرقم‌ أنّ عليّاً عليه‌ السلام‌ أَنشد اللهَ في‌ الرُّحبة‌ مَن‌ سمعه‌؟

 فقال‌ أبو حنيفة‌: أفلا ترون‌ أنـّه‌ قد جري‌ في‌ ذلك‌ خوض‌ حتّي‌ نشد علی الناس‌؟!

 فقال‌ الهيثم‌: فنحن‌ نكذّب‌ عليّاً؟! أو نردّ قوله‌؟!

 فقال‌ أبو حنيفة‌: ما نكذّب‌ عليّاً ولا نردّ قولاً قاله‌، ولكّنك‌ تعلم‌ أنّ الناس‌ قد غلا منهم‌ قوم‌!

 فقال‌ الهيثم‌: يقوله‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ويخطب‌ به‌ ونشفق‌ نحن‌ منه‌ ونتّقيه‌ بغلوّ غالٍ أو قول‌ قائل‌؟![1]

 ثمّ جاء ] في‌ تلك‌ الحال‌ [ من‌ قطع‌ الكلام‌ بمسألة‌ سأل‌ عنها. ودار الحديث‌ بالكوفة‌. وكان‌ معنا في‌ السوق‌ حَبيب‌ بن‌ نَزَار بن‌ حَيَّان‌، فجاء إلی‌ الهيثم‌، فقال‌ له‌: قد بلغني‌ ما دار عنك‌ في‌ علی عليه‌ السلام‌ وقول‌ من‌ قال‌ ـوكان‌ حبيب‌ مولي‌ لبني‌ هاشم‌ـ [2] فقال‌ له‌ الهيثم‌: النظر يمرّ فيه‌ أكثر من‌ هذا، فخفِّض‌ الامر!

 فحججنا بعد ذلك‌ ومعنا حبيب‌، فدخلنا علی أبي‌ عبد الله‌ جعفربن‌ محمّد عليهما السلام‌ فسلّمنا عليه‌؛ فقال‌ له‌ حبيب‌: يا أبا عبدالله‌! كان‌ من‌ الامر كذا وكذا، فتبيّن‌ الكراهيّة‌ في‌ وجه‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌، فقال‌ له‌ حبيب‌: هذا محمّد بن‌ نَوفَل‌ حضر ذلك‌. فقال‌ له‌ ] الإمام‌ [ أبو عبدالله‌ عليه‌ السلام‌: أي‌ حبيب‌ كُفَّ! خالقوا الناس‌ بأخلاقهم‌! وخالفوهم‌ بأعمالكم‌! فَإنَّ لِكُلِّ امْرِي‌ٍ مَا اكْتَسَبَ، وَهُوَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، لاَتَحْمِلُوا النَّاسَ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْنَا! وَادْخُلُوا فِي‌ دَهْمَاءِ النَّاسِ: فَإنَّ لَنَا أَيَّامَاً وَدَوْلَةً يَأتِي‌ بِهَا اللَهُ إذَا شَاءَ. فسكت‌ حبيب‌، فقال‌ عليه‌ السلام‌: أفهمتَ يا حبيب‌؟ لاتخالفوا أمري‌ فتندموا! فقال‌ حبيب‌: لن‌ أُخالف‌ أمرك‌.

 قال‌ أبو العبّاس‌ ] ابن‌ عُقْدَة‌، أحمد بن‌ محمّد بن‌ سعيد [: سألتُ علیبن‌ الحسين‌ عن‌ محمّد بن‌ نَوْفَل‌ فقال‌: كوفي‌ّ. قلت‌: ممّن‌؟ قال‌: أحسبه‌ مولي‌ لبني‌ هاشم‌. وكان‌ حبيبُ بن‌ نَزَار بن‌ حَيَّان‌ مولي‌ لبني‌ هاشم‌. وكان‌ الخبر فيما جري‌ بينه‌ وبين‌ أبي‌ حنيفة‌ حين‌ ظهر أمر بني‌ العبّاس‌ فلم‌ يمكنهم‌ ( الشيعة‌ ) إظهار ما كان‌ عليه‌ آل‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. [3]

 الرجوع الي الفهرس

استشهاد السيّدة‌ فاطمة‌ الزهراء عليها السلام‌ بحديث‌ الغدير

 وذكر ابن‌ بابويه‌ في‌ كتاب‌ « النصوص‌ علی الائمّة‌ الاثني‌ عشر عليهم‌ السلام‌ » بسنده‌ عن‌ محمود بن‌ لُبَيْد قال‌: لمّا قبض‌ رسول‌ الله‌، كانت‌ فاطمة‌ تأتي‌ قبور الشهداء، وتأتي‌ قبر حمزة‌ وتبكي‌. فلمّا كان‌ في‌ بعض‌ الايّام‌ أتيتُ قبر حمزة‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ فوجدتها صلوات‌ الله‌ عليها تبكي‌ هناك‌. فأمهلتها حتّي‌ سكتت‌، فأتيتها، فسلّمت‌ عليها، وقلت‌ لها: ياسَيّدة‌النسوان‌! والله‌ قد قطّعت‌ نياط‌ قلبي‌ من‌ بكائك‌! فقالت‌: يا أبا عَمْرَة‌! يحقّ لي‌ بالبكاء، فلقد أُصبت‌ بخير الآباء رسول‌ الله‌، ثمّ أنشأت‌ تقول‌:

 إذَا مَاتَ يَوْماً مَيِّتٌ قَلَّ ذِكْرُهُ وذِكْرُ أَبي‌ قَدْ مَاتَ وَاللَهِ أكْبَرُ

 قلت‌: يا سيّدتي‌ّ! إنّي‌ سائلك‌ عن‌ مسألة‌ تتلجلج‌ في‌ صدري‌! قالت‌: سَلْ. قلت‌: هل‌ نصّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قبل‌ وفاته‌ علی علی بالإمامة‌؟! قالت‌: وَاعَجَبَا أنَسِيتُمْ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ؟ قلتُ: قد كان‌ ذلك‌ ولكن‌ أخبريني‌ بما أسرّ إلیكِ!

 فقالت‌: أُشْهِدُ اللَهَ تَعَإلی‌ لَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَلِيُّ فِيكُمْ خَيْرُ مَنْ أُخَلِّفُهُ فِيكُمْ؛ وهُوَ الإمام وَالخَلِيفَةُ بَعْدِي‌؛ وسِبْطَاهُ وَتِسْعَةٌ مِنْ صُلْبِ الحُسَيْنِ أَئِمَّةٌ أَبْرَارٌ. لَئِنِ اتَّبَعْتُمُوهُمْ وَجَدْتُمُوهُمْ هَادِينَ مَهْديِّينَ، وَلَئِنْ خَالَفْتُمُوهُمْ لَيَكُونُ الاخْتِلاَفُ فِيكُمْ إلی‌ القِيَامَةِ.

 قلتُ: يَا سَيِّدَتِي‌ فَمَا بَالُهُ قَعَدَ عَنْ حَقِّهِ؟!

 قَالَتْ: يَا أَبَا عَمْرَةَ! لَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: مَثَلُ الإمام مَثَلُ الكَعْبَةِ إذْ تُؤْتَي‌ وَلاَ تَأْتِي‌ ـ أَوْ قَالَتْ: مَثَلُ علیـ ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللَهِ لَوْ تَرَكُوا الحَقَّ علی أهْلِهِ وَاتَّبَعُوا عِتْرَةَ نَبِيِّهِمْ لَمَا اخْتَلَفَ فِي‌ اللَهِ تَعَإلی‌ اثْنَانِ؛ وَلَوَرَثَهَا سَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَخَلَفٌ عَنْ خَلَفٍ حَتَّي‌ يَقُومَ قَائِمُنَا التَّاسِعُ مِنْ صُلْبِ وَلَدِي‌َ الحُسَيْنِ، وَلَكِنْ قَدَّمُوا مَا أخَّرَهُ اللَهُ، وَأَخَّرُوا مَا قَدَمَّه‌ اللَهُ، حَتَّي‌ إذَا أَلْحَدُوا المَبْعُوثَ، وَأَوْدَعُوهُ الجَدَثَ المَجْدُوثَ اخْتَارُوا بِشَهْوَتِهِمْ وَعَمِلُوا بِرَأْيِهِمْ؛ تَبَّاً لَهُمْ أَلَمْ يَسْمَعُوا اللَهَ يَقُولُ: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ». [4] بَلْ سَمِعُوا وَلَكِنَّهُمْ كَمَا قَالَ اللَهُ: «فَإنَّهَا لاَتَعْمَي‌ الاْبْصَـ'رُ وَلَكِن‌ تَعْمَي‌ الْقُلُوبُ الَّتِي‌ فِي‌ الصُّدُورِ». هَيهَاتَ بَسَطُوا فِي‌ الدُّنْيَا آَمَالَهُمْ وَنَسُوا آجَالَهُمْ، فَتَعْساً لَهُمْ وَأضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجَوْرَ بَعْدَ الكَورِ.[5] و [6]

 الرجوع الي الفهرس

وقوع‌ حادثة‌ الغدير من‌ بديهيّات‌ التأريخ‌ وضروراته‌

 وقال‌ المحدّث‌ العظيم‌ والسيّد الاجلّ الاكرم‌ هاشم‌ البحراني‌ّ في‌ كتاب‌ «غاية‌ المرام‌ » بعد نقله‌ أحاديث‌ العامّة‌ والخاصّة‌: علی هذا نقتصر من‌ روايات‌ الخاصّة‌ والروايات‌ في‌ قصّة‌ غدير خمّ لاتحصي‌ من‌ طريق‌ الخاصّة‌ والعامّة‌. قال‌ الشيخ‌ الفاضل‌ محمّد بن‌ علی بن‌ شهرآشوب‌ في‌ فصل‌ قصّة‌ غدير خمّ من‌ كتابه‌:

 العلماء مطبقون‌ علی قبول‌ هذا الخبر وإن‌ وقع‌ الخلاف‌ في‌ تأويله‌. وقد بلغ‌ في‌ الانتشار والاشتهار إلی‌ حدٍّ لا يوازيه‌ خبر من‌ الاخبار وضوحاً وبياناً وظهوراً وعرفاناً حتّي‌ لحق‌ في‌ المعرفة‌ والبيان‌ بالعلم‌ بالحوادث‌ الكبار والبلدان‌، فلا يدفعه‌ إلاّ جاحد، ولا يردّه‌ إلاّ معاند.

 وأي‌ خبر من‌ الاخبار جمع‌ في‌ روايته‌ ومعرفة‌ طرقه‌ أكثر من‌ ألف‌ مجلّد من‌ تصانيف‌ العامّة‌ والخاصّة‌ من‌ المتقدّمين‌ والمتأخّرين‌؟!

 ذكره‌ ] أي‌ أمر غدير خمّ [: محمّد بن‌ إسحاق‌، وأحمد البَلاذُري‌ّ، ومُسْلم‌بن‌ الحَجَّاج‌، وأبو نُعَيم‌ الإصفهاني‌ّ، وأبو الحسن‌ الدارقطني‌ّ، وأبوبكربن‌ مردويه‌، وابن‌ شاهين‌ المَرْوَزي‌ّ: وأبو بكر الباقلاّني‌ّ، وأبوالمعإلی‌ الجُوَيني‌ّ، وأبو إسحاق‌ الثَّعْلَبي‌ّ، وأبو سعيد الخركُوشي‌ّ، وأبوالمظَفَّر السَّمْعاني‌ّ، وأبوبكربن‌ شَيبَة‌، وعلی بن‌ الجَعْد، وشُعْبَة‌، والاَعْمش‌، وابن‌ عَيَّاش‌، وابن‌ سلاَح‌، والشَّعبي‌ّ، والزُّهْرِي‌ّ، والإقليسي‌ّ، والجِعابي‌ّ، وابن‌ البَيِّع‌، وابن‌ ماجة‌، وابن‌ عَبْدِ رَبِّه‌، والالكاني‌ّ، وشريك‌ القاضي‌، وأبُويَعلی الموصلي‌ّ من‌ عدّة‌ طرق‌، و أحمد بن‌ حَنبَل‌ من‌ عشرين‌ طريقاً، و ابن‌ بَطَّة‌ بثلاثة‌ وعشرين‌ طريقاً. و علی بن‌ هِلال‌ المُهَلَّبي‌ّ صنّف‌ كتاب‌ « الغدير »؛ و أحمد بن‌ مُحمّد بن‌ سَعِيد كتاب‌ « من‌ روي‌ خبر غدير خمّ »؛ و ابن‌ جَرَير الطَبري‌ّ كتاب‌ «الولاية‌» وهو كتاب‌ غدير خمّ، وذكر فيه‌ سبعين‌ طريقاً؛ و مَسْعُود الشجرَي‌ّ كتاباً في‌ رواة‌ هذا الخبر وطرقه‌؛ و الرازي‌ّ في‌ كتابه‌ أسماء رواته‌ علی حروف‌ المعجم‌. ولقد رواه‌ أبو العبَّاس‌ بن‌ عُقْدَة‌، وقال‌: سمعت‌ أبا علی العطّار الهمداني‌ّ يقول‌: روي‌ هذا الحديث‌ علی مائتي‌ وخمسين‌ طريقاً.

 وقال‌: قال‌ جدّي‌ شهرآشوب‌ سمعت‌ أبا المعإلی‌ الجويني‌ّ يتعجّب‌ ويقول‌: شاهدت‌ مجلّداً ببغداد في‌ يدي‌ صحّاف‌ فيه‌ روايات‌ هذا الخبر مكتوباً عليه‌ المجلّدة‌ الثامنة‌ والعشرون‌ من‌ طرق‌ قوله‌ من‌ كنت‌ مولاه‌ ويتلوه‌ في‌ المجلّدة‌ التاسعة‌ والعشرين‌. [7]

 الرجوع الي الفهرس

مكابرة‌ السنّة‌ المتغرّبين‌ في‌ حديث‌ الغدير

 إلی‌ هنا قد وضح‌ لنا أنّ قصّة‌ غدير خمّ من‌ المسلّمات‌ والضروريّات‌ في‌ التأريخ‌؛ وإنكار ذلك‌ كإنكار الشمس‌ وهي‌ في‌ كبد السماء عند رائعة‌ النهار، حتّي‌ أنّ المتجدّدين‌ من‌ علماء السنّة‌ المتعصّبين‌ في‌ مصر أقرّوا بالغدير وسلّموا به‌؛ غاية‌ الامر لمّا كانوا يرون‌ أنّ نصب‌ الإمام‌ مناف‌ للديمقراطيّة‌ الغربيّة‌ علی حدّ زعمهم‌، لذلك‌ لم‌ يستسيغوه‌ علی الصعيد العملي‌ّ والتطبيقي‌ّ. واعتبروا الاقتراع‌ وانتخاب‌ الإمام‌ منسجمين‌ مع‌ روح‌ الديمقراطيّة‌ فيما إذا أفرزهما تصويت‌ الاكثريّة‌.

 فأحمد أمين‌ المصري‌ّ لم‌ يترك‌ تهمة‌ إلاّ وألصقها بالشيعة‌ وعلمائهم‌ وكتبهم‌، وذلك‌ في‌ كتبه‌: « فَجر الإسلام » و « ضُحي‌ الإسلام » و « ظُهر الإسلام »؛ وكلّ من‌ رأي‌ هذه‌ الكتب‌، فإنّه‌ يقف‌ علی عناده‌ ومكابرته‌، ولكن‌ مع‌ ذلك‌ كلّه‌، فهو يقرّ بحديث‌ الغدير ويعترف‌ به‌.

 يقول‌ صاحب‌ كتاب‌ « تفكّر نوين‌ سياسي‌ اسلام‌ » ( =التفكير السياسي‌ّ الحديث‌ في‌ الإسلام ): يحاول‌ أحمد أمين‌، من‌ خلال‌ قلب‌ المعالم‌ الخاصّة‌ لمذهب‌ أهل‌ البيت‌، أن‌ يبسط‌ بحثاً معقّداً في‌ مقابل‌ المذهب‌ السنّي‌ّ، في‌ أربعة‌ مبادي‌ رئيسة‌ هي‌: العصمة‌، والمهدويّة‌، والتقيّة‌، والرجعة‌. ونلحظ‌ في‌ آراء أمين‌ حول‌ هذه‌ المسائل‌ الاربع‌ معايير تنبي‌ عن‌ ذهنيّة‌ ليبرإلیة‌ ذات‌ نزعة‌ عصريّة‌، فهو يعترض‌ علی نظريّة‌ الإمامة‌ عند الشيعة‌، لامن‌ منطلق‌ عدم‌الاعتقاد بوثاقة‌ حديث‌ الغدير ( وهو نفسه‌ يقرّ بأنّ بعض‌ مؤرّخي‌ السنّة‌ يعترفون‌ به‌ )، بل‌ من‌ منطلق‌ الاعتقاد بأنّ نظريّة‌ الإمامة‌ تلغي‌ التصوّرات‌ الحديثة‌ للديمقراطيّة‌. [8]

 قال‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ في‌ « تفسير المنار » الذي‌ أ لّفه‌ السيّد محمّد رشيد رضا: أمّا حديث‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ فقد رواه‌ أحمد في‌ مسنده‌ من‌ حديث‌ البَراء وبُرَيْدة‌، والترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ، والضياء في‌ « المختارة‌ » من‌ حديث‌ زيدبن‌ أرقم‌، وابن‌ ماجة‌ عن‌ البراء؛ وحسّنه‌ بعض‌ أهل‌ الحديث‌؛ وصحّحه‌ الذهبي‌ّ بهذا اللفظ‌؛ ووثّق‌ أيضاً سند من‌ زاد فيه‌: اللَهُمَّ وَالِ مَن‌ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.

 وفي‌ رواية‌ أنّ النبي‌ّ خطب‌ الناس‌، فذكر أُصول‌ الدين‌، ووصّي‌ بأهل‌ بيته‌، فقال‌: إنِّي‌ قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي‌ فِيهِمَا، فَإنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّي‌ يَرِدَا علی الحَوْضَ.

 اللَهُ مَوْلاَي‌َ، وَأَنَا وَلِي‌ُّ كُلِّ مَؤمِنٍ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ علی وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ؛ اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ. [9]

 ثمّ قال‌ بعد بحث‌ مقتضب‌: وأمّا الحديث‌ ( حديث‌ الولاية‌ يوم‌ الغدير )، فنهتدي‌ به‌: نوإلی‌ عليّاً المرتضي‌ ونوإلی‌ من‌ والاهم‌، ونعادي‌ من‌ عاداهم‌؛ ونعدّ ذلك‌ كموالاة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌؛ ونؤمن‌ بأنّ عترته‌ لاتجتمع‌ علی مفارقة‌ الكتاب‌ الذي‌ أنزله‌ الله‌ عليه‌؛ وأنّ الكتاب‌ والعترة‌ خليفتا الرسول‌. فقد صحّ الحديث‌ بذلك‌ في‌ غير قصّة‌ الغدير. فإذا أجمعت‌ العترة‌ علی أمر، قبلناه‌ واتّبعناه‌. وإذا تنازعوا في‌ أمر، رددناه‌ إلی‌ الله‌ وإلی‌ الرسول‌. [10]

 ومع‌ هذا كلّه‌، لمّا كانت‌ روح‌ التبعيّة‌ للإمام‌ المعصوم‌ المنصوب‌ من‌ الله‌ معدومة‌ عندهم‌، لهذا ما فتئوا يحترمون‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌ وحكومة‌ الغاصبين‌، ويؤوّلون‌ الولاية‌ في‌ حديث‌ غدير خمّ وسائر الاحاديث‌ بمعني‌ المحبّة‌ أو النصرة‌، لعلّهم‌ يجدون‌ ملاذاً يفرّون‌ إلیه‌ خشية‌ اتّباع‌ الحقّ. وَأنـَّي‌ لَهُمْ ذَلِكَ؟

 لقد تحدّث‌ محمّد فَريد وَجْدي‌ في‌ دائرة‌ معارفه‌ عن‌ كلّ موضوع‌، وحكم‌، وتأريخ‌، ومذهب‌، وواقعة‌، وحادثة‌، وتقليد، وعادة‌، وكان‌ له‌ بحث‌ تامّ وواف‌ في‌ هذا كلّه‌؛ وحتّي‌ في‌ كلمة‌ الخيار إذ تحدّث‌ عنه‌ في‌ صفحتين‌، وذكر نوعاً من‌ أنواعه‌ يدعي‌ ( خيار شَنبَر ) في‌ عشرة‌ أسطر، إلاّ أنـّه‌ لم‌يتحدّث‌ عن‌ الغدير ووقوف‌ رسول‌ الله‌ بالجحفة‌ وخطبته‌ فيها وحديث‌ الولاية‌، ولم‌ يأت‌ بجملة‌ واحدة‌ عن‌ ذلك‌ لا في‌ مادّة‌ غَدَر، ولا في‌ مادّة‌ خَمَم‌. ولم‌يذكر الغدير أثناء كلامه‌ عن‌ الولاية‌ والخلافة‌، اللهمّ إلاّ في‌ مادّة‌ جَحَفَ فأنّه‌ قال‌: الجُحفة‌ موضع‌ بين‌ مكّة‌ والمدينة‌.

 وتحدّث‌ المشار إلیه‌ عن‌ الخلافة‌ في‌ خمس‌ وعشرين‌ صفحة‌؛[11] وتطرّق‌ إلی‌ ما حدث‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ من‌ اجتماع‌ الانصار في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌، وذهاب‌ عمر، وأبي‌ بكر، وأبي‌ عبيدة‌ الجرّاح‌ إلی‌ السقيفة‌، وبالتإلی‌ بيعة‌ أبي‌ بكر، تحدّث‌ عن‌ ذلك‌ بالتفصيل‌، بَيدَ أنـّه‌ لم‌ يأتِ في‌ دائرته‌ بجملة‌ واحدة‌ عن‌ غدير خمّ، ولم‌ يأت‌ حتّي‌ برواية‌ أُخري‌ حول‌ خلافة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ووزارته‌ وإمارته‌ ووصايته‌؛ وكأنّ هذا الموضوع‌ لم‌يكن‌ في‌ الإسلام. وله‌ في‌ مادّة‌ الولاية‌ بحث‌ مفصّل‌ يقع‌ في‌ سبع‌ وثلاثين‌ صفحة‌.[12] وله‌ بحث‌ عن‌ طرق‌ ارتباط‌ أهل‌ التصوّف‌ وفِرَقهم‌. ولكنّه‌ لم‌يُشِر إلی‌ حديث‌ الولاية‌ والآية‌ القرآنيّة‌ التي‌ تحدّثت‌ عن‌ الولاية‌، وكأنّ نبيّنا عنده‌ لم‌يكن‌ كأحد الانبياء، وعلی بن‌ أبي‌ طالب‌ ليس‌ من‌ هذه‌ الاُمّة‌!

 بينما نلاحظ‌ في‌ كتابه‌ أنـّه‌ يتحدّث‌ عن‌ انتخاب‌ الخليفة‌ وديمقراطيّة‌ الإسلام في‌ مواطن‌ شتّي‌ منه‌؛ ويحاول‌ جاهداً أن‌ يكيّف‌ الآيات‌، والروايات‌، ومنهاج‌ رسول‌ الله‌، وسيرة‌ المسلمين‌ علی أساس‌ الديمقراطيّة‌ الغربيّة‌؛ ولعلّه‌ كان‌ يخيّل‌ إلیه‌ أنـّه‌ يقدّم‌ للإسلام والقرآن‌ خدمة‌ بهذا العمل‌، ويدفع‌ عنهما شبهة‌ نصب‌ الإمام‌ وتعريف‌ الولاية‌.

 ومع‌ أنـّه‌ كان‌ يقرّ بأخطاء عمر، وأبي‌ بكر، وعثمان‌، ويعنّف‌ عثمان‌ أيّما تعنيف‌، ويحمّله‌ المسؤوليّة‌ في‌ رفضه‌ الاقتراح‌ الذي‌ قدّمه‌ إلیه‌ المسلمون‌، القاضي‌ باستقالته‌ عن‌ الخلافة‌. ويعظّم‌ عليّاً عليه‌ السلام‌ ويبجّله‌، بَيدَ أنـّه‌ ـمع‌ ذلك‌ كلّه‌ـ لم‌ يكن‌ مستعدّاً لترك‌ ما وجد عليه‌ آباءه‌ من‌ أُمّةٍ، فيلتحق‌ بمدرسة‌ أتباع‌ أهل‌ البيت‌، فلهذا تترجم‌ لنا الآية‌ الكريمة‌ التإلیة‌ حاله‌ وتقليده‌ الاعمي‌ لآبائه‌ بكلّ وضوح‌: إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا علی'´ أُمَّةٍ وَإِنَّا علی'´ ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ.[13]

 وعندما يتحدّث‌ عن‌ الفرق‌ الواقعة‌ في‌ الإسلام في‌ مادّة‌ فَرَق‌، فإنّه‌ يقرّ بمخالفة‌ عمر لرسول‌ الله‌ حين‌ أمر بإتيانه‌ بدواة‌ وكتف‌، وهو علی فراش‌ المرض‌، ويقرّ أيضاً بمخالفته‌ لإنفاذ جيش‌ أُسامة‌، ويعترف‌ بكلام‌ مأثور عن‌ عمر، وهو قوله‌: مَنْ قَالَ: إنَّ مُحَمَّداً مَاتَ قَتَلْتُهُ بِسَيْفِي‌، ويقرّ بالسقيفة‌ وإمامة‌ أبي‌ بكر، وبيعة‌ عمر، وقوله‌: ألاَ إنَّ بَيْعَةَ أَبي‌ بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَي‌ اللَهُ شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إلی‌ مِثْلِها فَاقْتُلُوهُ، فَأيُّمَا رَجُلٍ بَايَعَ رَجُلاً مِنْ غَيْرِمَشْوَرَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَإنَّهُمَا جَدِيرَانِ أَنْ يُقْتَلاَ؛ ويعترف‌ بدعوي‌ فاطمة‌ فدكاً، ويعترف‌ أيضاً بقتال‌ أبي‌ بكر مانعي‌ الزكاة‌؛ ويحصي‌ النقمات‌ علی عثمان‌ وخطاياه‌ وذنوبه‌. ثمّ يقول‌: وقعت‌ هذه‌ الاحداث‌ كلّها لمصلحة‌ المسلمين‌، وينبغي‌ أن‌ تكون‌ الخلافة‌ باختيار الناس‌ وآرائهم‌. [14]

 وبعد ذلك‌ كلّه‌ يقول‌: وَبالجملة‌ كَانَ علی مَعَ الحَقِّ وَالحَقُّ مَعَ علی ـ الكلام‌. [15]

 فهل‌ جهل‌ هذا الرجل‌ العالم‌ كتب‌ الروايات‌ والسنن‌ والتأريخ‌؟ ألم‌ ير الاحاديث‌ المأثورة‌ في‌ الكتب‌ المفصّلة‌ عن‌ الغدير، وقد ذكرنا نموذجاً منها هنا؟ وهل‌ يجيز لنا الحكم‌ من‌ جانب‌ واحد علی أساس‌ الديمقراطيّة‌ والحريّة‌ أن‌ نغضّ الطرف‌ عن‌ حديث‌ مسلّم‌ ومتواتر، ونعتبره‌ نسْياً مَنْسِيّاً؟

 ومن‌ الثاب‌ أنّ ذنب‌ هذا الجيل‌ من‌ المسلمين‌ الذين‌ يتهافتون‌ علی الباطل‌، ويعرضون‌ عن‌ الحقّ يقع‌ علی عاتق‌ أمثال‌ هؤلاء العلماء الذين‌ شابوا التأريخ‌ الصحيح‌ بآرائهم‌، ثمّ قدّموا هذا التأريخ‌ المشوب‌ إلی‌ المجتمع‌ وعامّة‌ الناس‌.

 إنّ هؤلاء المساكين‌ الذين‌ يبغون‌ من‌ وراء هذه‌ التمحّلات‌ عرض‌ خلافة‌ أبي‌ بكر كخلافة‌ قائمة‌ علی أساس‌ ديمقراطي‌ّ، وتوطيد دعائم‌ مذهبهم‌، ماذا يقولون‌ عن‌ خلافة‌ عمر التي‌ تمّت‌ برأي‌ أبي‌ بكر الفردي‌ّ الاستبدادي‌ّ؟ وماذا يقولون‌ عن‌ خلافة‌ عثمان‌ التي‌ كانت‌ برأي‌ عمر الفردي‌ّ الاستبدادي‌ّ؟ وهل‌ كان‌ اختيار عمر أو عثمان‌ للخلافة‌ قد تمّ بالتشاور مع‌ المسلمين‌؟

 يستبين‌ ممّا عرضناه‌ هنا كنه‌ السرّ من‌ وراء إخفاء حديث‌ الغدير. علماً أنّ حديث‌ الغدير لا يدع‌ مجالاً للتروّي‌ والتأمّل‌؛ وكما قال‌ أبو حنيفة‌: لاَيُقِرُّوا بِهَا فَيَخصِمُوكُمْ! فالحيلة‌ ـ إذَن‌ـ إخفاء حديث‌ الغدير، كما أنّ البُخاري‌ّ، ومُسْلِم‌ لم‌يذكراه‌ في‌ صحيحهما؛ فلهذا نري‌ أنّ هذين‌ الصحيحين‌ يحظيان‌ بأهمّيّة‌ خاصّة‌ عند السنّة‌، لانـّهما يرسيان‌ دعائم‌ التسنّن‌ أكثر فأكثر؛ وكان‌ الحكّام‌ في‌ ضوء سياستهم‌ أقرب‌ إلی‌ هذين‌ الكتابين‌ من‌ غيرهما.

 ولم‌ يذكر البُخاري‌ّ، و مُسْلم‌ أحاديث‌ المهدي‌ّ القائم‌ من‌ آل‌ محمّد، وقد صدفا عنها تماماً. أمّا الصحاح‌ الاربعة‌ الاُخري‌، وهي‌ للنسائي‌ّ، و أحْمدبن‌ حَنْبَل‌، و التِرمَذي‌ّ، و ابن‌ ماجَة‌، فقد ذكرت‌ حديث‌ الغدير، وحديث‌ مهدي‌ّ آل‌ محمّد معاً بأسانيد صحيحة‌. بَيدَ أنّ محلّلي‌ السيرة‌ والتأريخ‌، وحتّي‌ المستشرقين‌ المحايدين‌ صرّحوا ونصّوا وفقاً لمنطق‌ الإسلام أنّ الحقّ كان‌ مع‌ علیبن‌ أبي‌ طالب‌، وقد حرموه‌ من‌ حقّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

خضوع‌ الاجانب‌ أمام‌ شخصيّة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 يقول‌ الكاتب‌ المسيحي‌ّ جُورْجْ سَجْعَان‌ جُرْدَاق‌: وسواء لدي‌ الحقيقة‌ والتأريخ‌ أعرفتَ هذا العظيم‌ أم‌ لم‌ تعرفه‌! فالتأريخ‌ والحقيقة‌ يشهدان‌ أنـّه‌ الضمير العملاق‌ الشهيد أبو الشهداء علی بن‌ أبي‌ طالب‌، صوت‌ العدالة‌ الإنسانيّة‌، وشخصيّة‌ الشرق‌ الخالدة‌.

 مَاذَا عَلَيْكِ يَا دُنْيَا لَوْ حَشَدْتِ قُوَاكِ فَأعْطَيْتِ فِي‌ كُلِّ زَمَانٍ عَلِيَّاً بِعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَذِي‌ فَقَارِهِ»؟! [16]

 ويقول‌ فُؤاد جُردَاق‌ المسيحي‌ّ: وأنـّي‌ قصدتني‌ خطوب‌ الحياة‌، وشئتُ الخلاص‌ من‌ محن‌ الدهر، لجأتُ من‌ حزني‌ إلی‌ أعتاب‌ علی عليه‌ السلام‌، فهو مأوي‌ كلّ ذي‌ عزاء، وهو كالرعد القاصف‌ علی الظالمين‌، وكالرفيق‌ المخلص‌ العطوف‌ علی المنكسرين‌. [17]

 ويقول‌ المادّي‌ّ المصري‌ّ المعروف‌ شِبلي‌ الشُمَيِّل‌: « الإمام‌ علی عليه‌ السلام‌ عظيم‌ العظماء، نسخة‌ مفردة‌ لم‌ ير لها الشرق‌ ولا الغرب‌ صورة‌ طبق‌ الاصل‌، لاقديماً ولا حديثاً ».

 لقد حاول‌ أعداء الولاية‌ وأهل‌ البيت‌ بكلّ قواهم‌ أن‌ لا يبقوا أثراً لاهل‌ البيت‌؛ وكانوا يقتلون‌ رواة‌ حديث‌ الولاية‌ حيثما يثقفونهم‌ في‌ كلّ حدب‌ وصوب‌، وتحت‌ كلّ حجر ومدر. وكان‌ اسم‌ علی جريمة‌. وكانوا يسوقون‌ الاُمّة‌ بأسإلیب‌ بربريّة‌ وجاهليّة‌ كأسإلیب‌ الجاهليّين‌ قبل‌ الإسلام، ويفرضون‌ عليهم‌ إسلاماً فارغاً ليس‌ فيه‌ روح‌ العرفان‌ والمعنويّة‌، إسلاماً لايرتبط‌ بعالم‌ الملكوت‌؛ ويطلبون‌ منهم‌ الاعتقاد بنبي‌ّ بلا علیبن‌ أبي‌ طالب‌، وقرآن‌ بلا محتوي‌ ولا تفسير ولا بيان‌. حتّي‌ بلغ‌ الامر أنّ جلاوزة‌ الحجّاج‌بن‌ يوسف‌ الثقفي‌ّ أتوه‌ برجل‌ يدعي‌ عليّاً، ولمّا سأله‌ الحجّاج‌ عن‌ اسمه‌، قال‌: عقّني‌ أبواي‌ إذ سمّياني‌ عليّاً.

 الرجوع الي الفهرس

كتابا «الإمامة‌ والسياسة‌» و «ينابيع‌ المودّة‌» كانا محظورين‌

 وكما رأينا فإنّ ابن‌ حجر الهَيتمي‌ّ صاحب‌ « الصَوَاعِق‌ المُحْرَقِة‌ » احتجّ علی ابن‌ قُتَيبَة‌ الدينوري‌ّ صاحب‌ كتاب‌ « الإمامة‌ والسِّيَاسة‌ » لذكره‌ أخباراً توجب‌ القدح‌ في‌ الصحابة‌، وتؤدّي‌ إلی‌ المشاجرة‌ بين‌ العوامّ، وتلفت‌ نظر الناس‌ إلی‌ أُمور لاينبغي‌ أن‌ يطّلعوا عليها، وهو معروف‌ بمنزلته‌ وجلالته‌ العلميّة‌ وعظمته‌ الثقافيّة‌ الإسلام يّة‌. ويجب‌ علی العلماء أن‌ لا يقولوا الحقائق‌ كما هي‌، لانـّها تكون‌ مستمسكاً بِيَدِ العوامّ، والافضل‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ عرض‌ مواضيع‌ لاتبعث‌ علی تشويش‌ ذهن‌ الاُمّة‌.[18]

 إنّ هؤلاء وأمثالهم‌ لمّا لم‌ يجدوا سبيلاً إلی‌ الشكيك‌ في‌ جلالة‌ ابن‌ قُتَيبَة‌، أو في‌ كتابه‌ «الإمامة‌ والسِّياسة‌»، بثّوا وجدهم‌ حرصاً علی مصلحة‌ الاُمّة‌ شاكين‌ من‌ ابن‌ قتيبة‌ ومعاتبين‌ أيّاه‌. ولو وجدوا سبيلاً إلی‌ الطعن‌ فيه‌ لامكنهم‌ ذلك‌ بسهولة‌، فإمّا ينكرون‌ جلالته‌ وعظمته‌ في‌ التأريخ‌، أو ينكرون‌ نسبة‌ هذا الكتاب‌ إلیه‌ بصراحة‌!

 إنّ كتاب‌ «الإمامة‌ والسِّياسة‌» كتاب‌ من‌ العامّة‌ لا مثيل‌ له‌ بين‌ كتب‌ العامّة‌ من‌ حيث‌ صحّته‌ وقدمه‌. مؤلّفه‌ هو أبو محمّد عبد الله‌ بن‌ مُسْلم‌ الدينوري‌ّ المتوفّي‌ في‌ سنة‌ 270 ه.

 يقول‌ محمّد فريد وجدي‌ّ بعد عرضه‌ شيئاً من‌ قضيّة‌ السقيفة‌: هذا موجز لما ذكره‌ العلاّمة‌ الدينوري‌ّ في‌ كتابه‌: «الإمامة‌ والسياسة‌» مفصّلاً.[19]

 وبعد نقله‌ خطبة‌ أبي‌ بكر في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌، وقوله‌ في‌ الهامش‌، نقلنا هذه‌ الخطبة‌ عن‌ كتاب‌ « الإمامة‌ والسياسة‌ » لابي‌ محمّد عبدالله‌بن‌ مسلم‌ الدينوري‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 270 ه يقول‌: إنّ الكتاب‌ الذي‌ ننقل‌ منه‌ هذه‌ الخطبة‌ هو من‌ أقدم‌ الكتب‌ وأوثقها في‌ مسائل‌ الخلافة‌ الإسلاميّة‌. [20]

 ولمّا لم‌ يسعهم‌ إنكار ما جاء في‌ هذا الكتاب‌ من‌ موضوعات‌، أعلنوا أنـّه‌ من‌ الكتب‌ المحظورة‌. وهذا الكتاب‌، وكتاب‌ «ينابيع‌ المَودَّة‌» للقُندوزي‌ّ الحَنَفي‌ّ اللذان‌ طبعا قبل‌ قرن‌ من‌ الزمان‌ بعد انتشار الطباعة‌ كانا محظورين‌ في‌ الدولة‌ العثمانيّة‌ ( تركيا المعاصرة‌ ) والعراق‌. ولكن‌ عندما كثرت‌ نسخهما عند الناس‌ وفي‌ المكتبات‌ شيئاً فشيئاً. لم‌ يستطع‌ أحد أن‌ يمنع‌ تداولهما بيعاً وشراءً في‌ السنين‌ الاخيرة‌.

 جاء في‌ كتاب‌ «الإمامة‌ والسياسة‌» امتناع‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ البيعة‌، واعتصام‌ الزُبَير، والمقداد، وسَلمان‌، وغيرهم‌ في‌ دار فاطمة‌ عليها السلام‌، وسوق‌ أميرالمؤمنين‌ إلی‌ المسجد، وذهاب‌ فاطمة‌ خلفه‌، ولجوؤه‌ إلی‌ قبر رسول‌ الله‌، واستنصاره‌ المهاجرين‌ والانصار بواسطة‌ فاطمة‌ سلام‌الله‌ عليها.

 عجباً لمخالفي‌ الولاية‌ إذ ظلموا أنفسهم‌، مع‌ جميع‌ ضروب‌ الظلم‌ والاذي‌ التي‌ ألحقوها بمقام‌ الولاية‌، وكافّة‌ جهودهم‌ لإخفاء الولاية‌. عجباً لهم‌ إذ حرموا أنفسهم‌ الارتشاف‌ من‌ منهل‌ الحقيقة‌، ولم‌ يهتدوا بضياء الشمس‌ المتأ لّقة‌ كالخُفّاش‌ الذي‌ ظلّ محروماً من‌ شعاع‌ الشمس‌ وإلاّ فهل‌ يمكن‌ حجب‌ الشمس‌ وإسدال‌ الستار عليها؟

 شب‌ پره‌گر وصل‌ آفتاب‌ نخواهد                    رونـق‌ بـازار آفـتـاب‌ نـكـاهد [21]

 لقد أنشد محبّو أهل‌ البيت‌ وولايتهم‌ مدائحهم‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ جيلاً بعد جيل‌ وقرناً بعد قرن‌ مع‌ تجرّعهم‌ الغصص‌ ومعاناتهم‌ صنوف‌ العذاب‌، ودأبوا علی ذلك‌ منذ عصر إمامهم‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ إلی‌ يومنا هذا. وإن‌ كان‌ بينهم‌ مَن‌ مَدَح‌ ومَجَّدَ وهو علی خشبة‌ الصلب‌ ينازع‌ الموت‌ كرُشَيد الهَجري‌ّ، ومَيثَم‌ التمّار، غير أنّ الشعراء أنشدوا قصائدهم‌، والخطباء ألقوا خطبهم‌، وكلّ جيل‌ يري‌ نفسه‌ مديناً للجيل‌ السابق‌، ومسؤولاً عن‌ إيصال‌ ذلك‌ إلی‌ الجيل‌ اللاحق‌، فَلِلَّهِ الحَمْدُ وَلَهُ الشُّكْرُ إذ نري‌ أنّ اسم‌ علی في‌ طليعة‌ أسماء أحرار العالم‌، وأنّ جميع‌ المبادي‌ والمدارس‌ ـبما فيها المبادي‌ والمدارس‌ غير الإسلام يّة‌ـ تنظر إلیه‌ نظرة‌ احترام‌ وتبجيل‌ من‌ حيث‌ عظمته‌، ورفعة‌ شأنه‌، وعلوّ منزلته‌، وكونه‌ قدوة‌ الاحرار في‌ العالم‌. وأنّ الشيعة‌ حيثما كانوا يتباهون‌ بأنـّهم‌ أتباع‌ مدرسته‌. والمخالفون‌ بحاجة‌ إلی‌ إخفاء مطاعن‌ وقبائح‌ أئمّتهم‌ حيال‌ الجرائم‌ التي‌ يكشف‌ عنها التأريخ‌ باستمرار، ويحاولون‌ دائماً التكتّم‌ علی مثالب‌ رجالهم‌ لئلاّ يفتضحوا أكثر فأكثر. ولكن‌ ليعلموا أنـّه‌ قد مضي‌ ما مضي‌، والحادث‌ يتعذّر تجنّبه‌، وأنّ التكتّم‌ علی تلك‌ الفضائح‌ يزيد الطين‌ بلّة‌، بخاصّة‌ مع‌ النقد والتحليل‌ والتدقيق‌ والتنقيب‌ والبحث‌ والمناقشة‌ الحرّة‌ حيال‌ الاحداث‌ التي‌ شاعت‌ في‌ عالم‌الیوم‌.

 الرجوع الي الفهرس

قصيدة‌ الكميت‌ شاعر أهل‌ البيت‌ في‌ الغدير

 وهناك‌ شاعر من‌ شعراء أهل‌ البيت‌ المفلّقين‌، وهو الكُمَيت‌ وفي‌ شعره‌ الهاشميّات‌ قد قطع‌ شوطاً كبيراً في‌ إحياء تأريخ‌ أهل‌ البيت‌. في‌ قصائده‌ «الهاشميّات‌». ولمّا كان‌ ميلاده‌ سنة‌ 60 ه، ووفاته‌ سنة‌ 126 ه، فقد كان‌ عصره‌ متقارناً مع‌ عصر الإمام‌ زين‌ العابدين‌، وولده‌ الباقر سلام‌ الله‌ عليهما؛ كان‌ يعيش‌ أيّام‌ دولة‌ بني‌ أُميّة‌. ولم‌ يدّخر وسعاً في‌ إنشاد قصائده‌ علی الرغم‌ من‌ تحمّله‌ صنوف‌ العذاب‌ والعناء، وتحدّث‌ عن‌ مظلوميّة‌ أهل‌ البيت‌، وكشف‌ جرائم‌ مناوئيهم‌. وفي‌ شعره‌ الذي‌ أنشده‌ في‌ غدير خُمّ، تكلّم‌ عن‌ الولاية‌ ولزوم‌ اتّباعها. وفيما يلي‌ عدد من‌ أبيات‌ قصيدته‌ العينيّة‌.

 وَيَوْمَ الدَّوحِ دَوْحِ غَديرِ خُمٍّ                       أبانَ لَهُ الوَلاَيَةَ لَوْ أُطِيعَا

 وَلَكِنَّ الرِّجَالَ تَبَايَعُوهَا                فَلَمْ أَرَ مِثْلَهَا خَطَراً مَبِيعَا

 فَلَمْ أُبْلِغْ بِهَا لَعْناً وَلَكِنْ               أَساءَ بِذَاكَ أَوَّلُهُمْ صَنِيعَا

 فَصَارَ بِذَلِكَ أَقْرَبُهُمْ لِعَدْلٍ                         إلی‌ جَوْرٍ وَأحْفَظُهُمْ مُضِيعَا

 أضَاعُوا أَمْرَ قَائِدِهِمْ فَضَلُّوا                      وَأَقْوَمِهِمْ لَدَي‌ الْحِدْثَانِ رِيعَا

 تَنَاسَوا حَقَّهُ وَبَغَوْا عَلَيهِ              بِلاَ تِرَةٍ وَكَانَ لَهُمْ قَرِيعَا [22]

 فَقُلْ لِبَنِي‌ أُمَيَّةَ حَيْثُ حَلُّوا                      وَإن‌ خِفْتَ الْمُهَنَّدَ وَالْقَطِيعَا

 ألاَ أُفٍّ لِدَهْرٍ كُنْتُ فِيهِ                 هِدَاناً طَائِعاً لَكُمُ مُطِيعَا

 أجَاعَ اللَهُ مَنْ أشْبَعْتُمُوهُ                        وَأشْبَعَ مَنْ بِجَوْرِكُمُ أُجِيعَا

 وَيَلْعَنُ فَذَّ أُمَّتِهِ جَهَاراً                 إذَا سَاسَ الْبَرِيَّةَ وَالْخَلِيعَا

 بِمَرْضِي‌ِّ السِّيَاسَةِ هَاشِمِي‌ٌّ                   يَكُونُ حَيَّـاً لاِمَّتِهِ رَبِيعَا

 وَلَيْثاً فِي‌ المَشَاهِدِ غَيْرَ نُكْسٍ                 لِتَقْوِيمِ البَرِيَّةِ مُسْتَطِيعَا

 يُقِيمُ أُمْورَهَا وَيَذُّبُّ عَنْهَا              وَيَتْرُكُ جَدْبَها أبَداً مَرِيعاً

 يقول‌ أبو الفتوح‌ الرازي‌ّ: روي‌ عن‌ الكميت‌ أنـّه‌ قال‌: رأيت‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ المنام‌، فقال‌: أنشدني‌ قصيدتك‌ العينيّة‌، فأنشدته‌ حتّي‌ انتهيت‌ إلی‌ قولي‌ فيها:

 وَيَوْمَ الدَّوْحِ دَوْحِ غَدِيرِ خُمٍّ                       أبَانَ لَهُ الوَلاَيَةَ لَوْ أُطِيعَا

 فقال‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌: صَدَقْتَ! ثمّ أنشد ] الإمام‌ [ عليه‌ السلام‌ هذا البيت‌:

 وَلَمْ أَرَ مِثْلَ ذَاكَ إلیوْمَ يَوْماً                      وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ حَقَّاً أُضِيعَا[23]

 وفي‌ كتاب‌ « الصِّراط‌ المستقيم‌ » للبياضي‌ّ العاملي‌ّ: أنـّه‌ روي‌ ابن‌ الكميت‌: أنـّه‌ رأي‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ النوم‌، فقال‌: أنشدني‌ قصيدة‌ أبيك‌ العينيّة‌، فلمّا وصل‌ إلی‌ قوله‌:

 * وَيَوْمَ الدَّوْحِ دَوْحِ غَدِيرِ خُمٍّ *

 بكي‌ رسول‌ الله‌ بكاء شديداً وقال‌: صَدَقَ أبُوكَ رَحمَهُ اللَهُ؛ إي‌ وَاللَهِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ حَقَّاً أُضِيعَا. [24]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ رحاب‌ هاشميّات‌ الكميت‌

 قيل‌: إنّ أوّل‌ قصيدة‌ قالها الكميّت‌ من‌ الهاشميّات‌ هي‌ هذه‌ القصيدة‌:

 طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إلی‌ البِيضِ أطْرَبُ                     وَلاَ لَعِبأ مِنِّي وَذُوالشَيْبِ يَلْعَب؟

 وَلَمْ يُلْهِني‌ دَارٌ وَلاَ رَسْمُ مَنْزِلٍ                وَلَمْ يَتَطَرَّبْني‌ بَنَانٌ مُخضَّبُ

 وَلاَ السَّانِحَاتِ البَارِحَاتِ عَشِيَّةً                أَمَرَّ سَلِيمُ القَرْنِ أَمْ مَرَّ أعْضَبُ

 وَلَكِنْ إلی‌ أَهْلِ الفَضَائِلِ وَالتُّقَي              ‌ وَخَيْرِ بَني‌ حَوَّاءِ وَالخَيْرُ يُطْلَبُ

 إلی‌ النَّفَرِ البِيْضِ الَّذِينَ بِحُبِّهِمْ                 إلی‌ اللَهِ فِيمَا نَابَني‌ أتَقَرَّبُ

 بَني‌ هَاشِمٍ رَهْطِ النَّبِي‌ِّ فَإنَّني                ‌ بِهِمْ وَلَهُمْ أَرْضَي‌ مِرَاراً وَأغْضَبُ

 خَفَضْتُ لَهُمْ مِنِّي‌ جَنَاحِي‌ مَودَّةً                         إلی‌ كَنَفٍ عِطْفَاهُ أَهْلٌ وَمَرْحَبُ

 وَكُنْتُ لَهُمْ مِنْ هَؤلاَءِ وَهُؤلاَ                     مُحِبّاً علی أَنـِّي‌ أُذَمُّ وَأُغْضَبُ

 وَأُرْمَي‌ وَأَرْمِي‌ بِالعَدَاوَةِ أَهْلَهَا                 وَإنِّي‌ لاَذَي‌ فِيهِمُ وَأُؤَنَّبُ[25] و [26]

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 فَمَا لِي‌َ إلاَّ آلُ أَحْمَدَ شِيعَةٌ                     وَمَا لِي‌َ إلاَّ مَذْهَبُ الحَقِّ مَذْهَبُ

 بِأي‌ِّ كِتَابٍ أمْ بِأيَّةِ سُنَّةٍ               تَرَي‌ حُبَّهُمْ عَاراً علی وَتَحْسِبُ؟

 وَجَدْنَا لَكُمْ فِي‌ آلِ حم‌ آيَةً                      تَأوَّلَهَا مِنَّا تَقِي‌ٌّ وَمُعْرِبُ

 علی أَي‌ِّ جُرْمٍ أَمْ بِأيَّةِ سِيرَةٍ                   أُعَنَّفُ فِي‌ تَقْرِيظِهِمْ وَأُكَذَّبُ

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 أَلَمْ تَرَني‌ مِنْ حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ                    أرُوحُ وَأغْدُو خَائِفاً أتَرَقَّبُ

 فَطَائِفَةٌ قَدْ أَكْفَرَتَني‌ بِحُبِّهِمْ                     وَطَائِفَةٌ قَالَتْ مُسِي‌ءٌ وَمُذْنِبُ

 إلی‌ أن‌ قال‌:

 فَإنْ هِي‌َ لَمْ تَصْلَحْ لِحَي‌ٍّ سِوَاهُمُ             فَإنَّ ذَوي‌ القُرْبَي‌ أَحَقُّ وَأَوْجَبُ

 يَقُولُونَ لَمْ يُورَثُ وَلَوْلاَ تُرَاثُهُ                     لَقَدْ شَرِكَتْ فِيهَا بَكِيلٌ وَأَرحَبُ [27]

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الثاني‌ بعد المائة‌ إلی‌ الخامس‌ بعد المائة‌:

 في‌ تفسير ومفاد الحديث‌ النبوي‌ّ الشريف‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ

 

 بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 إلیوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن‌ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ إلیوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتمَّمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي‌ وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَـ'مَ دِينًا. [28]

 بعد أن‌ فرغنا والحمد للّه‌ تعإلی‌ من‌ الحديث‌ عن‌ سند حديث‌ الولاية‌ يوم‌ عيد الغدير: مَنْ كُنتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ، ننتقل‌ الآن‌ إلی‌ الحديث‌ عن‌ معني‌ المَوْلَي‌ ومُفاد نصّ هذا الحديث‌؛ ووجوب‌ طاعة‌ الاُمّة‌ لمولي‌ الموحّدين‌ عليه‌ صلوات‌ الله‌ وصلوات‌ ملائكته‌ المقرّبين‌ وأنبيائه‌ المرسلين‌.

 الرجوع الي الفهرس

غديريّة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ رسالته‌ إلی‌ معاوية‌

 جاء في‌ مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌ عن‌ أبي‌ الحسن‌ المدائني‌ّ أنـّه‌ قال‌: كتب‌ معاوية‌ إلی‌ الإمام أميرالمؤمنين‌ رسالة‌ قال‌ له‌ فيها:

 يَا أَبَا الحَسَن‌! إنَّ لِي‌ فَضَائِلَ كَثيرةً: كَانَ أبِي‌ سَيِّداً فِي‌ الجَاهِلِيَّةِ وَصِرْتُ مَلِكاً فِي‌ الإسْلاَمِ، وَأَنَا صِهْرُ رَسُولِ اللَهِ، وَخَالُ المُؤْمِنِينَ،[29] وَكَاتِبُ الوَحْي‌!

 فَلَمّا قرأ أميرالمؤمنين‌ الكتاب‌، قال‌: أبا الفضل‌ يفخر علينا ابن‌ آكلة‌ الاكباد؟ اكتب‌ يا غلام‌:

 مُحَمَّدٌ النَّبِي‌ُّ أَخِي‌ وَصِنْوي                     ‌ وَحَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّي‌

 وَجَعْفَرٌ الَّذِي‌ يُضْحِي‌ وَيُمْسِي                ‌ يَطيرُ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ ابْنُ أُمِّي‌

 وَبِنْتُ مُحَمَّدٍ سَكَنِي‌ وَعِرْسِي                 ‌ مَنُوطٌ لَحْمُهَا بِدَمي‌ وَلَحْمِي‌

 وَسِبْطَا أَحْمَدٍ وَلَدَاي‌َ مِنْهَا                       فَأيُّكُمْ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِي‌؟

 سَبَقْتُكُمُ إلی‌ الإسْلاَمِ طُرَّاً                      علی مَا كَانَ مِنْ فَهْمِي‌ وَعِلْمِي‌ [30]

 فَأوْجَبَ لِي‌ وَلاَيَتَهُ عَلَيْكُمْ                       رَسُولُ اللَهِ يَوْمَ غَدِيرِ خُمِّ

 فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ                  لِمَنْ يَلْقَي‌ الإلَه‌ غَدَاً بِظُلْمِي‌

 فلمّا قرأ معاوية‌ الكتاب‌، قال‌: مزّقه‌ يا غلام‌! لايقرأه‌ أهل‌ الشام‌ فيميلون‌ معه‌ نحو علی بن‌ أبي‌ طالب‌! [31]

 نري‌ في‌ هذه‌ الابيات‌ أنّ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قد استشهد بحديث‌ الغدير، واستنبط‌ وجوب‌ ولايته‌ علی الاُمّة‌ من‌ قوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ؛ فولايته‌ عليه‌ السلام‌ واجبة‌ علی الاُمّة‌ كافّة‌، وهي‌ تستلزم‌ الإمامة والإمارة والاستخلاف‌.

 تلقّت‌ الاُمّة‌ الإسلاميّة‌ هذا الإشعار بالقبول‌، وتسالمت‌ جميعها علی روايته‌ عنه‌ عليه‌ السلام‌. غير أنّ كلّ عالم‌ أخذ من‌ هذه‌ الابيات‌ ما يتّصل‌ بموضوع‌ بحثه‌. فمنهم‌ من‌ أخذ منها ما يتعلّق‌ بالصهريّة‌، ومنهم‌ من‌ أخذ ما يتعلّق‌ بالنسب‌، ومنهم‌ من‌ أخذ ما يرتبط‌ بالسبق‌ إلی‌ الإسلام‌، ومنهم‌ من‌ أخذ منها ما يتعلّق‌ بالولاية‌ في‌ غدير خمّ.

 فمن‌ علماء الشيعة‌ البارزين‌ الذين‌ أوردوها في‌ كتبهم‌: الشيخ‌ المفيد والكراجُكي‌ّ، والفتّال‌ النيسابوري‌ّ، وأبو منصور الطبرسي‌ّ، وابن‌ شهرآشوب‌، والإربلي‌ّ، وابن‌ سنجر النخجواني‌ّ، وعلی البياضي‌ّ، والمجلسي‌ّ العظيم‌ ] الثاني‌ [ والسيّد علی خان‌ المدني‌ّ، وأبوالحسن‌ الشريف‌. ورواها من‌ أعلام‌ العامّة‌: البيهقي‌ّ الذي‌ رواها برمّتها وقال‌: إنّ هذا الشعر ممّا يجب‌ علی كلّ أحد متوال‌ في‌ علی حفظه‌، ليعلم‌ مفاخره‌ في‌ الإسلام‌.

 ومنهم‌: الحافظ‌ زيد بن‌ الحسن‌ الكِندي‌ّ الحنفي‌ّ، وياقوت‌ الحَمَوي‌ّ، ومحمّد بن‌ طلحة‌ الشافعي‌ّ، ويوسف‌ بن‌ محمّد المالكي‌ّ المعروف‌ بابن‌ الشَّيخ‌، وسبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ، وابن‌ أبي‌ الحديد، ومحمّد بن‌ يوسف‌ الكنجي‌ّ الشافعي‌ّ، وسعيد الدين‌ الفَرْغَاني‌ّ، وشيخ‌ الإسلام‌ الحمُّوئي‌ّ، وأبوالفداء، ومحمّدبن‌ يوسف‌ الزَّرَندي‌ّ، وابن‌ كثير الشامي‌ّ، والخواجه‌ بارسا، وابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌ّ، وخواند مير، وابن‌ حَجَر الهَيْتَمي‌ّ، والمتّقي‌ الهندي‌ّ، والإسحاقي‌ّ، والحلبي‌ّ الشافعي‌ّ، والشبراوي‌ّ الشافعي‌ّ، والسيّد أحمد قادين‌ خواني‌، والسيّد محمود الآلوسي‌ّ، والقُنْدُوزي‌ّ، والسيّد أحمد زَيني‌ دَحْلان‌، ومحمّد حبيب‌ الله‌ الشنقيطي‌ُّ المالكي‌ّ. [32]

 الرجوع الي الفهرس

استنباط‌الإمامة من‌ شعر حسّان‌ والكميت‌

 ورأينا في‌ أبيات‌ حسّان‌ بن‌ ثابت‌ أنـّه‌ ذكر الولاية‌ بمعني‌ الإمامة والقيادة‌ والهداية‌. وقال‌ بعد ذلك‌:

 فَقَالَ لَهُ قُمْ يَا علی فَإنَّنِي                      ‌ رَضِيتُكَ مِنْ بَعْدِي‌ إمَاماً وَهَادِياً

 ويتفرّع‌ علی ذلك‌:

 فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ                     فَكُونُوا لَهُ أتْبَاعَ صِدْقٍ مُوَإلیاً

 أي‌: أنّ شرط‌ الولاية‌ إمامة‌ الناس‌ وهدايتهم‌؛ وهذان‌ المعنيان‌ متلازمان‌.

 وكان‌ حسّان‌ بن‌ ثابت‌ من‌ العرب‌ الخالصة‌، [33] ويعتمد أهل‌ اللغة‌ والادب‌ في‌ تفاسيرهم‌ وكتبهم‌ النحويّة‌ والبلاغيّة‌ علی شعره‌ لمعرفة‌ اللغة‌ وتفسير القرآن‌. فكيف‌ يُتَصوَّر أن‌ يفرّع‌ هذا التفريع‌ علی غير المعني‌ اللغوي‌ّ والمتفاهَم‌ العُرفي‌ّ، وهو الذي‌ قوله‌ حجّة‌، والاستشهاد بشعره‌ عند أهل‌ الادب‌ يقطع‌ العذر علی المعذّرين‌؟

 ورأينا في‌ شعر الكُمَيت‌ أيضاً أنـّه‌ استنتج‌ الرئاسة‌ والحكومة‌ والإمامة من‌ حديث‌ الولاية‌ في‌ يوم‌ الغدير، إذ قال‌:

 وَيَوْمَ الدَّوْحِ دَوْحِ غَديرِ خُمٍّ                       أبَانَ لَهُ الْوَلاَيَةَ لَوْ أُطِيعَا

 ولمّا كان‌ وجوب‌ الطاعة‌ المرتكز علی الولاية‌ مستخرج‌ من‌ حديث‌ رسول‌الله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ، فمعني‌ الولاية‌، أو بكلمة‌ أفضل‌: شرط‌ الولاية‌ هو وجوب‌ الطاعة‌ المرتكز علی الرئاسة‌ والإمارة والإمامة.

 الكميت‌ شاعر عربي‌ّ، وهو عربي‌ّ المحتد أيضاً. [34] مثله‌ كحسّان‌ إذ يفاد من‌ كلامه‌، ويُستشهد به‌ لفهم‌ اللغة‌ وآيات‌ القرآن‌ وشعر العرب‌ وطبّهم‌.

 فكيف‌ يُخال‌ أنّ مثل‌ هذا الشخص‌ الحاقّ في‌ اللغة‌ العربيّة‌، يستعمل‌ عبارة‌ أو كلمة‌ في‌ غير موضعها، ويجعلها في‌ موضع‌ لم‌ تستعمل‌ فيه‌ قطّ، وهو علی ما هو عليه‌ من‌ الجلالة‌ والعظمة‌ في‌ العربيّة‌ ومفرداتها؟ ولو قدّر أن‌ يكون‌ استعمال‌ كلمة‌ في‌ غير معناها الحاقّ والاصلي‌ّ صحيحاً، فإنّه‌ صحيح‌ بالنسبة‌ إلی‌ الجميع‌؛ ويتسنّي‌ لكلّ خطيب‌ أو شاعر أن‌ يستخدم‌ الالفاظ‌ في‌ غير معانيها الحقيقيّة‌ بدون‌ التوكّؤ علی قرينة‌. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ تضيع‌ اللغة‌ ويسقُم‌ الشعر والادب‌ تماماً، وعندئذٍ لا سبيل‌ لنا إلی‌ فهم‌ معاني‌ الالفاظ‌ من‌ كلام‌ البُلَغاء والفُصحاء.

 ومن‌ الاشعار المأثورة‌ عن‌ صحابة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ حديث‌ الغدير، الدالّة‌ علی إمامة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ووجوب‌ طاعته‌ علی الاُمّة‌، أبيات‌ الصحابي‌ّ المعروف‌ بجلالة‌ منزلته‌ وعظيم‌ قدره‌ قَيْس‌بن‌ سَعْدبن‌ عُبَادَة‌، الشيعي‌ّ الوفي‌ّ المخلص‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جميع‌ المواطن‌، والخطيب‌ البليغ‌ من‌ قبيلة‌ الخَزرَج‌، وهم‌ من‌ أنصار المدينة‌. وأنّ سيرته‌ الحميدة‌، وحياته‌ الكريمة‌، وعقله‌ الحصيف‌، واستقامته‌ وصموده‌، وركونه‌ إلی‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ منذ بدء نشأته‌، كلّ ذلك‌ حقيق‌ ببحث‌ تأريخي‌ّ مفصّل‌.

 ينقل‌ التأريخ‌ عنه‌ أنـّه‌ عندما عاد من‌ معركة‌ الجمل‌، وقف‌ أمام‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وأنشده‌ الابيات‌ التإلیة‌:

 قُلْتُ لَمَّا بَغَي‌ العَدُوُّ عَلَيْنَا                       حَسْبُنَا اللَهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ

 حَسْبُنَا رَبُّنَا الَّذِي‌ فَتَقَ البَصـ                    ـرَةَ بِالاَمْسِ وَالحَدِيثُ طَويلُ

 وَعلی إمَامُنَا وَإمَامٌ                    لِسِوَانَا أَتي‌ بِهِ التَنْزِيلُ

 يَوْمَ قَالَ النَّبِي‌ُّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَ                 هُ فَهَذا مَوْلاَهُ خَطْبٌ جَلِيلُّ

 إنَّمَا قَالَهُ النَّبِي‌ُّ علی الاُمَّةِ                     حَتْماً مَا فِيهِ قَالٌ وَقِيلُ [35]

 فلاحظ‌ في‌ الابيات‌ المذكورة‌ كيف‌ بهذا الصحابي‌ّ الجليل‌، وهو من‌ سادة‌ العرب‌ وعظمائها، ونجل‌ سيّد الخَزْرَج‌: سَعْد بن‌ عُبَادَة‌، يعتبر عليّاً صلوات‌ الله‌ عليه‌ إماماً له‌ ولمن‌ سواه‌. وقد انتهل‌ ذلك‌ من‌ الآية‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌: يَـ'´أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إلیكَ مِن‌ رَّبِّكَ وَإِن‌ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ و، التي‌ قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ أعقابها: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ.

 وعلی هذا، فإنّ الولاية‌ هنا ينبغي‌ أن‌ تكون‌ بمعني‌ الإمامة، أو أنّ الإمامة شرطها لا محالة‌، وعندئذٍ يتسنّي‌ مثل‌ هذا الاستنتاج‌. لذلك‌ فإنّ اللغة‌ العربيّة‌ الاصيلة‌ الحقّة‌ تفيد أنّ الولاية‌ تعني‌ الإمامة، أو أنـّها شرطها.

 الرجوع الي الفهرس

أشعار الحِميري‌ّ في‌ غدير خمّ واستنباط‌الإمامة منها

 وللسيّد إسماعيل‌ الحِمْيَرِي‌ّ قصائد جمّة‌ في‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌السلام‌. وبعامّة‌، أنّ ديوانه‌ يتأ لّف‌ من‌ مدائح‌ أهل‌ البيت‌، ومطاعن‌ مناوئيهم‌. وفيما يلي‌ عدد من‌ أبياته‌، نذكرها هنا مثالاً لما نقول‌:

 وِبِخُمٍّ إذْ قَالَ الإلَهُ بِعَزْمَةٍ                        قُمْ يَا مُحَمَّدُ فِي‌ البَرِيَّةِ فَاخْطِبِ

 وَانْصِبْ أَبَا حَسَنٍ لِقَوْمِكَ إنَّهُ                   هَادٍ وَمَا بَلَّغْتَ إنْ لَمْ تَنْصِبِ

 فَدَعَاهُ ثُمَّ دَعَاهُمُ فَأقَامَهُ                        لَهُمُ فَبَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبِ

 جَعَلَ الوَلاَيَةَ بَعْدَهُ لِمُهَذَّبٍ                       مَا كَانَ يَجْعَلُهَا لِغَيْرِ مُهَذَّبِ [36]

 ونلاحظ‌ أنّ السيّد الحِمْيَري‌ّ ذكر في‌ هذه‌ الابيات‌ أمر التبليغ‌ بالولاية‌ النازل‌ من‌ الله‌ بلفظ‌ النَصْب‌. والنَصب‌ لا يناسب‌ إلاّ الخلافة‌ والإمامة، لاالمحبّة‌ والنصرة‌. يقال‌: نُصب‌ فلان‌ في‌ الخلافة‌ أو الإمارة؛ ولايقال‌: نُصب‌ فلان‌ في‌ المحبّة‌ أو النصرة‌ للناس‌.

 هذا من‌ جهة‌، ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فإنّه‌ يقول‌ في‌ البيت‌ الرابع‌: جعل‌ الولاية‌ بعده‌ لإنسان مهذّب‌. ويستبين‌ من‌ ذلك‌ أنّ الولاية‌ لو كانت‌ بمعني‌ المحبّة‌ أو النصرة‌، فهي‌ لا تختصّ بما بعده‌، بل‌ إنّ علی الاُمّة‌ أن‌ تحبّ عليّاً وتوإلیه‌ وتنصره‌ سواء في‌ عصر رسول‌ الله‌، أو في‌ العصر الذي‌ يأتي‌ بعده‌؛ ولكنّها الإمامة التي‌ جعلت‌ بعد وفاة‌ الرسول‌ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ عقداً لابدّ منه‌.

 ويقول‌ السيّد الحِميَري‌ّ أيضاً:

 لَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَهُ بِخُمٍّ              غَدَاةَ يَضُمُّهُمْ وَهُوَ الغَدِيرُ

 فَمَنْ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْكُمْ فَقَالُوا                   مَقَالَةَ وَاحِدٍ وَهُمُ الكَثيرُ

 جَمِيعاً أَنْتَ مَوْلاَنَا وَأَوْلَي             ‌ بِنَا مِنَّا وَأَنْتَ لَنَا نَذِيرُ

 فَإنَّ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي‌ علی               وَمَوْلاَكُمْ هُوَ الهَادِي‌ الوَزِيرُ

 وَزِيري‌ فِي‌ الحَيَاةِ وَعِنْدَ مَوْتِي                ‌ وَمَنْ بَعْدِي‌ الخَلِيفَةُ وَالامِيرُ

 فَوَإلی‌ اللَهُ مَنْ وَالاَهُ مِنْكُمْ                     وَقَابَلَهُ لَدَي‌ المَوْتِ السُّرُورُ

 وَعَادَ اللَهُ مَنْ عَادَاهُ مِنْكُمْ                      وَحَلَّ بِهِ لَدَي‌ المَوْتِ النُّشُورُ [37]

 استهدي‌ الحميري‌ّ في‌ هذه‌ الابيات‌ بكلام‌ رسول‌ الله‌: مَنْ أَوْلَي‌ بِكُمْ، واستنتج‌ من‌ كلامه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ أَمرَ الخلافة‌ والإمارة. ذلك‌ أنّ رسول‌ الله‌ بعد أن‌ أشهد الناس‌ علی أَولويّته‌، وجعل‌ ولاية‌ علی كولايته‌، نظّم‌ القيادة‌ والوزارة‌ في‌ حياته‌ حتّي‌ دنوّ أجله‌، كما هيّأ الاجواء للخلافة‌ والإمارة بعد وفاته‌. ومن‌ المعلوم‌ أنّ هذه‌ المعاني‌ والمفاهيم‌ تستنبط‌ من‌ الولاية‌، وإلاّ فإنّ الاستنتاج‌ والتفرّع‌ والترتّب‌ أُمور غير صحيحه‌.

 ويقول‌ الحميري‌ّ أيضاً:

 نَفْسِي‌ فِدَاءُ رَسُولِ اللَهِ يَوْمَ أَتَي                        ‌ جَبْرِيِلُ يَاْمُرُ بِالتَّبْلِيغِ إعْلاَنَا

 إنْ لَمْ تُبَلِّغْ فَمَا بَلَّغْتَ فَانْتَصَبَ                 النَّبِي‌ُّ مُمْتَثِلاً أَمْراً لِمَنْ دَانَا

 وَقَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ مَوْلاَكُمُ قُبُلاً                  يَوْمَ الغَدِيرِ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ مَوْلاَنا

 أَنْتَ الرَّسُولُ وَنَحْنُالشَّاهِدُونَ عَلَي                      ‌ أَنْ قَدْ نَصَحْتَ وَقَدْ بَيَّنْتَ تِبْيَانَا

 هَذَا وَلِيُّكُمُ بَعْدِي‌ أُمِرْتُ بِهِ                      حَتْماً فَكُونُوا لَهُ حِزْبَاً وَأَعْوَانَا

 هَذَا أبَرُّكُمُ بِرّاً وَأَكْثَرُكُمْ               عِلْماً وَأَوَّلُكُمْ بِاللَهِ إيمَانَا

 هَذَا لَهُ قُرْبَةٌ مِنِّي‌ وَمَنْزِلَةٌ                       كَانَتْ لِهَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ بنِ عِمْرَانَا [38]

ونشاهد الحميري‌ّ هنا أيضاً يذكر بعد العبارة‌ المتمثّلة‌ بقوله‌: مَنْ مَوْلاَكُمْ، وقولهم‌: أَنْتَ مَوْلاَنا، عبارة‌: هَذَا وَليّكم‌ بعدي‌، ويتفرّع‌ عليها أنّ منزلة‌ الإمام من‌ رسول‌ الله‌ هي‌ كمنزلة‌ هارون‌، وأُخوّته‌ له‌ كأُخوّة‌ هارون‌ لموسي‌بن‌ عمران‌.

 ومن‌ الواضـح‌ أنّ الولاية‌ بعد الموت‌، والخلافة‌ والوصـاية‌ هي‌ من‌ المعاني‌ المسـتفادة‌ من‌ الولاية‌ بمعني‌ الإمارة والإمامة، لابمعني‌ المحبّة‌ والنُّصـرة‌.

 وأنشد القاضي‌ّ التَّنُوخي‌ّ قائلاً: [39]

 وَزيرُ النَّبِي‌ِّ المُصْطَفي‌ وَوَصِيُّهُ         وَمُشْبِهُهُ فِي‌ شِيمَةٍ وَضَرائِبِ

 وَمَنْ قَالَ فِي‌ يَوْمِ الغَدِيرِ مُحَمَّدٌ         وَمَنْ خَافَ مِنْ غَدْرِ العِدَاةِ النَّواصِبِ

 أَمَا أنـَّنِي‌ أَوْلَي‌ بِكُمْ مِنْ نُفُوسِكُمْ         فَقَالُوا بَلَي‌ رَيْبَ المُرِيبِ المَوارِبِ

 فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ مِنْكُمُ         فَهَذَا أَخِي‌ مَوْلاَهُ بَعْدِي‌ وَصَاحِبِي‌       

 أطِيعُوهُ طُرَّاً فَهْوَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلٍ         كَهَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ الكَلِيمِ المُخَاطَبِ [40]

 والقاضي‌ّ التنوخي‌ّ هذا يصل‌ نسبه‌ إلی‌ يَعْرب‌ بن‌ قَحْطَان‌ أيضاً. [41] وراه‌ في‌ هذه‌ الابيات‌ بعد ذكره‌ حديث‌ الولاية‌: مَنْ كُنتُ مَوْلاَهُ... يجعل‌ وجوب‌ طاعة‌ الإمام كوجوب‌ طاعة‌ هارون‌. ولا طائل‌ تحت‌ هذا الامر ما لم‌يحمل‌ معني‌ ومفاد الإمام والإمامة.

 الرجوع الي الفهرس

شعر الشريف‌ المرتضي‌ علم‌ الهدي‌ في‌ الغدير واستنباط‌الإمامة منه‌

 وأنشد الشريف‌ المرتضي‌ عَلَمُ الْهُدَي‌ قائلاً:

 أمَّا الرَّسُولُ فَقَدْ أبَانَ وِلاَءَهُ                     لَوْ كَانَ يَنْفَعُ جَائِراً أنْ يُنْذَرَا

 أمْضَي‌ مَقَالاً لَمْ يَقُلْهُ مُعَرِّضاً                   وَأَشَادَ ذِكْراً لَمْ يُشِدْهُ مُعَذِّرَا

 وَسَنَي‌ إلیهِ رِقَابَهُمْ وَأَقَامَهُ                     عَلَماً علی بَابِ النَّجَاةِ مُشَهَّرَا

 وَلَقَدْ شَفَي‌ يَوْمُ الغَدِيرِ مَعَاشِراً               ثَلِجَتْ نُفُوسُهُمُ، وأُدْوَي‌ مَعْشَرَا

 قَلِقَتْ بِهِمْ أَحْقَادُهُمْ فَمُرَجِّعٌ                   نَفَساً وَمَانِعُ أَنـَّةٍ أنْ تُجْهَرَا

 يَا رَاكِباً رَقَصَتْ بِهِ مَهْرِيَّةٌ [42]                    أَشِبَتْ بِسَاحَتِهِ الهُمُومُ فَأَصْحَرَا

 عُجْ بِالغَرِي‌ِّ فَإنَّ فِيهِ ثَاوِياً                        جَبلاً تَطَأْطَأَ فَاطْمَأَنَّ بِهِ الثَّرَي‌

 وَاقْرَ السَّلاَمَ عَلَيْهِ مِنْ كَلِفٍ بِهِ                كُشِفَتْ لَهُ حُجُبُ الصَّبَاحِ فَأَبْصَرَا

 فَلَوِ اسْتَطَعْتُ جَعَلْتُ دَارَ إقَامَتِي             ‌ تِلْكَ القُبُورَ الزُّهْرَ حَتَّي‌ أُقْبَرَا [43]

 نري‌ في‌ هذه‌ الابيات‌ أنّ الشريف‌ المرتضي‌، وهو حفيد أهل‌ البيت‌، يعبّر عن‌ حبّه‌ وكلفه‌ بأميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وتعلّقه‌ بشخصيّة‌ المقدّسة‌. يشبّه‌ ـ شاكراًـ تشيُّعَهُ بالبصيرة‌ عند انبلاج‌ الفجر وتمزّق‌ حجب‌ الجهل‌ والجور والتعدّي‌ والمرض‌، التي‌ تحول‌ دون‌ قبول‌ الحقّ. فيقول‌: إنّ الرسول‌ قد أصحر عن‌ ولائه‌، لو كان‌ فيه‌ نفع‌ لجائر قاسط‌. ويقول‌: لم‌ يقل‌ النبي‌ّ ما قاله‌ معرّضاً، ولم‌ يبغ‌ هدفاً خاصّاً أو خديعة‌. وأقام‌ عليّاً باباً للنجاة‌؛ أمّا ذوو الضغائن‌، فإنّهم‌ حبسوا أنفاسهم‌ في‌ صدورهم‌ حقداً وحسداً، ولم‌يجهروا بأنـّاتهم‌. وهذه‌ كلّها آثار ومواصفات‌ نصب‌ الإمامة المتّخذة‌ من‌ كلام‌ النبي‌ّ الاعظم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی مَوْلاَهُ. وإلاّ فإنّ وصيّة‌ رسول‌الله‌ بحبّ الإمام أو نصره‌ لا تتمخّض‌ بهذه‌ النتائج‌ كلّها.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 96، الحديث‌ الثامن‌ والثلاثون‌.

[2] ـ لمّا أضافوا كلمة‌ (المولي‌) إلي‌ الشخص‌، فهو يعطي‌ معني‌ العبد أو معني‌ السيّد، كما نقول‌: قَنْبر مَوْلي‌ علي‌ٍّ، أي‌: عبده‌، أو نقول‌: عَلِي‌ٌّ مَوْلي‌ قَنْبَر، أي‌ سيّده‌؛ إلاّ أنـّنا لو نسبنا المولي‌ إلي‌ القبيلة‌، كأن‌ نقول‌: مَوْلَي‌ بني‌ أسَد، مولي‌ الازْد، مولي‌ ثقيف‌، فإنّ المراد به‌ معنيان‌:

 1 ـ الحليف‌. 2 ـ النزيل‌ والمهاجر إلي‌ تلك‌ القبيلة‌. وعلي‌ هذا فإنّ حبيب‌بن‌ نَزَاربن‌ حَيَّان‌ الذي‌ كان‌ مولي‌ لبني‌ هاشم‌، إمّا أنـّه‌ كان‌ حليفاً لهم‌ أو أنـّه‌ كان‌ نزيلاً عندهم‌ أو مهاجراً إليهم‌. ومن‌ هنا يستبين‌ أنّ شَوذَباً الذي‌ كان‌ مع‌ عابس‌ بن‌ شبيب‌ الشاكري‌ّ يوم‌ عاشوراء، ويسمّونه‌: شَوذب‌ مَوْلَي‌ شاكر، لم‌ يكن‌ عبداً لعابس‌، بل‌ كان‌ حليفاً لشاكر، قبيلة‌ عابس‌ أو مهاجراً إليها. وشاكر قبيلة‌ في‌ اليَمَنْ من‌ هَمْدان‌، من‌ أولاد شاكر بن‌ ربيعة‌ بن‌ مالك‌؛ وكان‌ عابس‌ من‌ تلك‌ القبيلة‌، لذلك‌ يسمّونه‌: الشاكري‌ّ. وكان‌ شوذب‌ إمّا حليفاً لتلك‌ القبيلة‌ أو نزيلاً عندها؛ ولهذا كان‌ رفيقاً لعابس‌ في‌ سفره‌ مستمتعاً بفيض‌ كربلاء. ولعلّ منزلته‌ كانت‌ أرفع‌ من‌ منزلة‌ عابس‌، لانّ المؤرّخين‌ يقولون‌ فيها: وَكَانَ مُتَقَدِّماً فِي‌ الشِّيعَةِ.

[3] ـ «الامالي‌» للشيخ‌ المفيد، ص‌ 26 إلي‌ 28، طبعة‌ سنة‌ 1403 ه، المجلس‌ الثالث‌.

[4] ـ الا´ية‌ 68، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[5] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 96 و 97، الحديث‌ 39.

[6] ـ ذكر ابن‌ الاثير في‌ «النهاية‌»: الحَوْر بالحاء المهملة‌ وقال‌: «نَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الحَوْرِ ï ïبَعْدَالكَوْرِ، أي‌: من‌ النقصان‌ بعد الزيادة‌. وقيل‌: من‌ فساد أُمورنا بعد إصلاحها. وقيل‌: من‌ الرجوع‌ عن‌ الجماعة‌ بعد أن‌ كنّا منهم‌. وأصله‌ من‌ نقض‌ العمامة‌ بعد لَفِّها» ولكن‌ لمّا ذكرها صاحب‌ «غاية‌ المرام‌» بالجيم‌ المعجمة‌، فقد جئنا بها كما ذكرها تبعاً له‌.

[7] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 103.

[8] ـ «تفكّر نوين‌ سياسي‌ اسلام‌»، تأليف‌ الدكتور حميد عنايت‌، في‌ ترجمة‌ أبي‌ طالب‌ الصارمي‌ّ، ص‌ 39.

[9] ـ «تفسير المنار» ج‌ 6، ص‌ 464 و 465.

[10] ـ «تفسير المنار» ج‌ 6، ص‌ 467.

[11] ـ «دائرة‌ المعارف‌» وجدي‌، ج‌ 3، ص‌ 743 إلي‌ 768.

[12] ـ «دائرة‌ المعارف‌»، وجدي‌، ج‌ 10، ص‌ 811 إلي‌ 848.

[13] ـ الا´ية‌ 23، من‌ السورة‌ 43: الزخرف‌.

[14] ـ «دائرة‌ المعارف‌»، وجدي‌، ج‌ 7، ص‌ 218 فما يليها.

[15] ـ «دائرة‌ المعارف‌»، وجدي‌، ج‌ 7، ص‌ 222.

[16] ـ «الإمام‌ علي‌ّ صوت‌ العدالة‌ الإنسانيّة‌» ص‌ 30.

[17] ـ لم‌ نعثر علي‌ نصّ كلامه‌، فترجمناه‌ من‌ الفارسيّة‌ (م‌).

[18] ـ جاء ذلك‌ في‌ كتاب‌ «تطهير اللسان‌» المطبوع‌ في‌ حاشية‌ كتاب‌ «الصواعق‌ المُحرقة‌» ص‌ 94.

[19] ـ «دائرة‌ المعارف‌»، وجدي‌، ج‌ 3، ص‌ 745.

[20] ـ «دائرة‌ المعارف‌»، وجدي‌، ج‌ 3، ص‌ 749.

[21] ـ يقول‌: «إذ لم‌ يرغب‌ الخفّاش‌ في‌ وصال‌ الشمس‌، فهو لا يقلّل‌ من‌ قيمتها ورونقها».

[22] ـ القريع‌: السيّد والرئيس‌. (م‌)

[23] ـ «تفسير أبي‌ الفتوح‌» ج‌ 2، ص‌ 193، طبعة‌ المظفّري‌ّ.

[24] ـ «الغدير» ج‌ 2، ملخّص‌ ص‌ 180 إلي‌ 183.

[25] ـ وأضاف‌ السيوطي‌ّ هذا البيت‌ في‌ شرح‌ شواهد المغني‌، ج‌ 1، ص‌ 34:

 وَلاَ أَنَا مِمَّنْ يَزْجُرُ الطَّيْرَ هَمُّهُ                       أَصَاحَ غُرَابٌ أَمْ تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ

[26] ـ «الاغاني‌» ج‌ 15، ص‌ 119 و 120، طبعة‌ ساسي‌، ضمن‌ عرض‌ ذلك‌ علي‌ الفرزدق‌.

[27] ـ «شرح‌ شواهد المغني‌» تأليف‌ السيوطي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 35 إلي‌ 39.

[28] ـ وسط‌ الا´ية‌ 3، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[29] ـ لمّا كانت‌ أُمّ حبيبة‌ بنت‌ أبي‌ سفيان‌ وأُخت‌ معاوية‌ من‌ أزواج‌ رسول‌ الله‌، والقرآن‌يصرّح‌ أنّ أزواج‌ النبي‌ّ أُمّهات‌ المؤمنين‌: وَأَزوَ'جُهُ أُمَّهَاتُهُمْ، لذلك‌ استغلّ معاوية‌ هذه‌ الا´ية‌ فاختلق‌ له‌ نسباً يتمثّل‌ في‌ خؤولة‌ المؤمنين‌. وكان‌ يسمّي‌ نفسه‌ في‌ الشام‌: خال‌ المؤمنين‌.

[30] ـ جاء هذا البيت‌ في‌ كتاب‌ «النقض‌» ص‌ 145 علي‌ الشكل‌ التالي‌:

 سبقتكم‌ إلي‌ الاءسلام‌ طرّاً                  غُلاَماً ما بلغت‌ أوَانَ حُلْمِي‌

 وفي‌ كتاب‌ «كشف‌ الغمّة‌» للاءربلي‌ّ، ص‌ 92:

 * صَغِيراً مَا بَلَغْتُ أَوانَ حُلمي‌ّ *

[31] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 356 الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«معجم‌ الاُدباء» ج‌ 14، ص‌ 48؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8، ص‌ 8 و 9؛ و «الغدير» ج‌ 2 ص‌ 25.

 ونُقِلَت‌ هذه‌ الابيات‌ عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ «فرائد السمطين‌» ج‌ 1، الباب‌ 70، ص‌ 427. وقال‌ في‌ مستهلّ هذا الموضوع‌: «لمّا قرأ الاءمام‌ كتاب‌ معاوية‌، قال‌: أباالفضل‌ يفخر عَلَي‌َّ ابن‌ آكلة‌ الاكباد؟ اكتب‌ إليه‌ يا قنبر: إنّ لي‌ سيوفاً بدريّة‌، وسهاماً ï ïهاشميّة‌،قد عرفت‌ مواضع‌ نصالها في‌ أقاربك‌ وعشائرك‌ يوم‌ بدر؛ وما هي‌ من‌ الظالمين‌ ببعيد (ثمّ قال‌ له‌: اكتب‌: محمّد النبي‌ّ... إلي‌ آخره‌)؛ و «الاحتجاج‌» للشيخ‌ الطبرسي‌ّ، طبعة‌ النجف‌، ج‌ 1، ص‌ 265 و 266.

[32] ـ «الغدير» ج‌ 2، ص‌ 26 إلي‌ 30. إكتفي‌ بذكر أسماء المؤلّفين‌ فحسب‌.

[33] ـ ذكر أبو الفرج‌ الاءصفهاني‌ّ نسبه‌ في‌ «الاغاني‌» طبعة‌ ساسي‌ ج‌ 4، ص‌ 3 كمايلي‌: «حسّان‌ بن‌ ثابت‌ بن‌ المنذر بن‌ حرام‌ بن‌ عمرو بن‌ زيد مناة‌ بن‌ عدي‌ّ بن‌ عمرو بن‌ مالك‌بن‌ النجّار ـوهو تيم‌ الله‌ بن‌ ثَعْلبة‌ بن‌ عمرو بن‌ الخزرج‌ بن‌ حارثة‌ بن‌ ثعلبة‌ـ وهو العنقاءبن‌ عمرو (وإنّما سمّي‌ العنقاء لطول‌ عُنُقه‌) وعمرو ـهو مزيقياءـ بن‌ عامر بن‌ ماءِ السَّماءِبن‌ حارثة‌ الغِطْريف‌بن‌ امري‌ القيس‌ البطريق‌ بن‌ ثعلبة‌ البهلول‌ بن‌ مازن‌ بن‌ الازد، وهو ذري‌ ـوقيل‌: ذراء ممدودـ بن‌ الغوث‌ بن‌ بنت‌ بن‌ مالك‌ بن‌ زيد بن‌ كهلان‌ بن‌ سبا بن‌ يشجب‌ بن‌ يعرب‌بن‌ قحطان‌.

[34] ـ جاء نسبه‌ في‌ «الاغاني‌» ج‌ 15، ص‌ 108 كما يلي‌: هو الكميت‌بن‌زيدبن‌خنيس‌ ابن‌مخالدبن‌ وهيب‌ بن‌ عمرو بن‌ سبيع‌ ـوقيل‌: الكميت‌ بن‌ زيد بن‌ خنيس‌ بن‌ مخالدبن‌ ذؤيبة‌ بن‌ قيس‌ بن‌ عمرو بن‌ سبيع‌ـ بن‌ مالك‌ بن‌ سعد بن‌ ثعلبة‌ بن‌ دودان‌ بن‌ أسد بن‌ خزيمة‌ بن‌ مدركة‌بن‌ إلياس‌ بن‌ مُضَر بن‌ نزار. وجاء في‌ التعليقة‌ من‌ «المؤتلف‌ والمختلف‌» للا´مدي‌ّ أنّ المسمّين‌ باسم‌ الكُميت‌ بين‌ الشعراء ثلاثة‌ من‌ بني‌ أسد: أوّلهم‌: الكميت‌ أكبر بن‌ ثعلبة‌بن‌ نوفل‌بن‌ فضلة‌ بن‌ الاشتر بن‌ جحوان‌ بن‌ فقعس‌. الثاني‌: الكميت‌ بن‌ المعروف‌بن‌ الكميت‌ الاكبر، والثالث‌: الكميت‌ بن‌ زيد ] بن‌ خنيس‌، موضوع‌ بحثنا [.

[35] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» الطبعة‌ الحجريّة‌ ج‌ 1، ص‌ 530؛ و «تفسير أبي‌ الفتوح‌ الرازي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 193. وذكرها ابن‌ الفتّال‌ في‌ «روضة‌ الواعظين‌» ص‌ 90؛ إلاّ أنـّه‌ نسبها إلي‌ علي‌ّبن‌ أحمد الفنجكردي‌ّ سهواً. ونسب‌ شعر الفنجكردي‌ّ:

 * يوم‌ الغدير سوي‌ العيدين‌ لي‌ عيد *

 إلي‌ قيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌.

[36] ـ «ديوان‌ الحميري‌ّ» ص‌ 111 و 112. وهذه‌ الابيات‌ الاربعة‌ هي‌ البيت‌ المائة‌ وما بعده‌ بالترتيب‌، وهي‌ من‌ قصيدة‌ تبلغ‌ 113 بيتاً، ومطلعها:

 هَلاّ وقفت‌ علي‌ المكان‌ المعشب                              ‌ بين‌ الطويلع‌ فاللوي‌ من‌ كبكبِ

[37] ـ «ديوان‌ الحميري‌ّ» ص‌ 198. وجاء في‌ التعليقة‌: ورد في‌ البيت‌ السابع‌: «النُّشُور» حسب‌ نقل‌ «المناقب‌» و«الغدير». وصوابه‌ علي‌ ما أعتقد: «الثُّبور».

[38] ـ «ديوان‌ الحِمْيَريّ» ص‌ 420.

[39] ـ القاضي‌ّ التنوخي‌ّ أحد علماء القرن‌ الثالث‌ والرابع‌. توفّي‌ سنة‌ 342 ه. نظم‌ قصيدة‌ ردّ فيها علي‌ عبد الله‌ بن‌ المعتزّ المتوفّي‌ سنة‌ 296 ه، وكان‌ عبد الله‌ قد نظم‌ قصيدة‌ في‌ مدح‌ العبّاسيّين‌، افتخَرَ بهم‌ علي‌ الطالبيّين‌، ومطلعها:

 أبي‌ الله‌ إلاّ ما ترون‌ فما لكم‌                                غضاباً علي‌ الاقدار يا آل‌ طالبِ

 فانبري‌ إليه‌ التنوخي‌ّ بقصيدة‌ في‌ غاية‌ الروعة‌ والجمال‌، وأوّلها:

 من‌ ابن‌ رسول‌ الله‌ وابن‌ وصيّه                              ‌ إلي‌ مُدْغلٍ في‌ عقدة‌ الدين‌ ناصبِ

 نَشَا بين‌ طُنْبور ودفّ ومزهر                  وفي‌ حجر شادٍ أو علي‌ صَدر ضاربِ

 ومن‌ ظَهر سَكران‌ إلي‌ بطن‌ قينةٍ                          علي‌ شُبَهٍ في‌ ملكها وشوائبِ

 ويعدّد الشاعر الظلامات‌ التي‌ حلّت‌ بأهل‌ البيت‌ حتّي‌ يصل‌ إلي‌ سمّ الإمام الرضا عليه‌ السلام‌ من‌ قبل‌ المأمون‌ فيقول‌:

 ومأمونكم‌ سَمَّ الرِّضا بعد بَيعةٍ                    تودّ ذري‌ شمِّ الرجال‌ الروا سبِ

[40] ـ «المناقب‌» ص‌ 531.

[41] ـ أبو القاسم‌ التنوخي‌ّ: وهو علي‌ّ بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ الفهم‌ داود بن‌ إبراهيم‌بن‌ تميم‌بن‌ جابربن‌ هاني‌بن‌ زيد بن‌ عبيد بن‌ مالك‌... بن‌ حارث‌ بن‌ عمرو (ملك‌ تنوخ‌)... يَعرب‌بن‌ قحطان‌.

[42] ـ الناقة‌ المهريّة‌، وهي‌ ناقة‌ معروفة‌ بسرعة‌ السير والحركة‌. تنسب‌ إلي‌ مَهرة‌بن‌ حيدان‌ من‌ بني‌ قضاعة‌.

[43] ـ «ديوان‌ الشريف‌ المرتضي‌» ج‌ 2، ص‌ 36 و 37، تصحيح‌ رشيد الصفّار. ونقلت‌ خمسة‌ أبيات‌ منها في‌ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌»، الطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، ص‌ 538.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com