بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد العاشر/ القسم الخامس: حکم الولد للفراش و للعاهر الحجر، بطلان تحقق النسب بالزنا

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

حكم‌ رسول‌ الله‌: الولد للفراش‌ وللعاهر الحجر

 يعود خوف‌ أبي‌ سفيان‌ من‌ عمر في‌ عدم‌ إفصاحه‌ بأنّ زياداً منه‌، وأنّ نطفته‌ انعقدت‌ بعد أن‌ زني‌ بأُمّه‌، إلی‌ حكم‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ. أي‌: أنّ الولد المولود هو لمن‌ كانت‌ امرأته‌ في‌ فراشه‌ بعقد صحيح‌، أو مِلك‌ صحيح‌، أو تحليل‌ جائز. وأمّا الزاني‌ فلا حظّ له‌ من‌ الولد، بل‌ حظّه‌ الحجر الذي‌ يرجم‌ به‌.

 أي‌: عندما يولد طفل‌ من‌ امرأة‌، ولا تقوم‌ أمارة‌ قطعيّة‌ أو حجّة‌ ظنّيّة‌ علی‌ أ نّه‌ ابن‌ زنا، فينبغي‌ أن‌ نعتبره‌ من‌ صاحب‌ الفراش‌، لا من‌ الزاني‌، حتّي‌ لو كان‌ تولّده‌ مشكوكاً فيه‌. أو يقوم‌ ظنّ قوي‌ّ غير الحجّة‌ علی‌ أنّ نطفة‌ هذا الطفل‌ من‌ الزنا، كالتشابه‌ في‌ الوجه‌، أو قول‌ القافَة‌، أو تحليل‌ دم‌ الطفل‌، وأمثال‌ ذلك‌. ويتّفق‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ هذا الحكم‌ علی‌ أنّ الزاني‌ لايستطيع‌ أن‌ يستلحق‌ الطفل‌ المولود منه‌ به‌. وصدر هذا الحكم‌ عن‌ رسول‌الله‌ عندما تنازع‌ سعدبن‌ أبي‌ وقّاص‌، وعَبد بن‌ زَمْعَة‌ في‌ ولد كان‌ من‌ زمعة‌.

 لمّا ذهب‌ سَعْد بن‌ أبي‌ وقّاص‌ إلی‌ مكّة‌ في‌ عام‌ الفتح‌، قال‌ له‌ أخوه‌ عُتْبَة‌بن‌ أبي‌ وقّاص‌: إنّ ابن‌ زمعة‌ ولد من‌ نطفتي‌، وهو منّي‌، فخذه‌ وائت‌ به‌! فأخذه‌ سعد في‌ عام‌ الفتح‌، وقال‌: هذا ابن‌ أخي‌، وقد أُوصيتُ به‌. فقام‌ عَبْدبن‌ زَمْعَة‌، وهو أخو ذلك‌ الولد، وقال‌: هذا أخي‌، وقد ولد علی‌ فراش‌ أبي‌.

 فتخاصما عند رسول‌ الله‌. قال‌ سعد: يا رسول‌ الله‌! هذا الغلام‌ ابن‌ أخي‌ عتبة‌ وقد عهد إلی‌ّ أ نّه‌ ابنه‌؛ انظر إلی‌ شبهه‌. فقال‌ عبدبن‌ زمعة‌: يارسول‌ الله‌! هذا أخي‌، وقد ولد علی‌ فراش‌ أبي‌، فهو من‌ أولاده‌. فنظر رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ الطفل‌ ورأي‌ شبهه‌ البيّن‌ بعتبة‌.

 ثمّ التفت‌ إلی‌ عَبْد بْنِ زَمْعَة‌ وقال‌: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ! الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ. وَاحْتَجِبِي‌ مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ! قَالتْ عَائِشَةُ: فَلَمْيَرَ سَوْدَةَ قَطُّ.[1]

 وكتب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ كتاباً إلی‌ معاوية‌ جواباً علی‌ كتاب‌ كان‌ قد بعثه‌ معاوية‌ إلیه‌ وقال‌ فيه‌: يا علی‌ّ! نفيتَ زياد عن‌ أبي‌ سفيان‌! فقال‌ الإمام‌: لم‌أنفه‌، بل‌ نفاه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إذ قال‌: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَر.[2]

 وعندما كتب‌ زياد كتاباً إلی‌ الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه‌ السلام‌، وأساء فيه‌ الادب‌ بقوله‌: من‌ زياد بن‌ أبي‌سفيان‌ إلی‌ الحسن‌ ابن‌ فاطمة‌، فإنّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ أجابه‌ قائلاً: مِنَ الحَسَنِ ابْنِ فَاطِمَةَ إلی‌ زِيَادِ ابْنِ سُمَيَّةَ. أَمَّا بَعْدُ؛ فَإنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ. وَالسَّلاَمُ.[3]

 أجل‌، لا خلاف‌ بين‌ أهل‌ الإسلام‌ جميعهم‌ أنّ الطفل‌ المولود في‌ الفراش‌ الصحيح‌ يعود إلی‌ صاحب‌ الفراش‌. أي‌: أنّ نسبه‌ إلی‌ ذلك‌ الرجل‌ الذي‌ أولده‌ بنكاح‌ شرعي‌ّ صحيح‌.

 هذا الطفل‌ ابنه‌، وهو أبوه‌، وإخوته‌ من‌ هذا النكاح‌ هم‌ إخوته‌، وكذلك‌ علاقته‌ بسائر الارحام‌ من‌ عمّ وعمّة‌، وابن‌ عمّ، وابن‌ عمّة‌، وابن‌ أخٍ، وابن‌ أُخت‌، وغيرهم‌.

 وعندمايحوم‌ الشكّ من‌ خلال‌ عدم‌ قيام‌ أمارة‌ قطعيّة‌ أو حجّة‌ علیه‌، فلارحم‌ بين‌ الزاني‌ وبين‌ هذا الطفل‌. فهو ليس‌ ابنه‌، وذاك‌ ليس‌ والده‌، وأبناء الزاني‌ ليسوا إخوةً لهذا الطفل‌، وأخو الزاني‌ ليس‌ عمّه‌، وهكذا.[4]

 لقد خالف‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ حكم‌ رسول‌ الله‌ جهراً، وأعلن‌ أنّ زيادبن‌ عُبَيْد هو زياد بن‌ أبي‌ سفيان‌، وهو أخوه‌؛ وتصاعدت‌ موجات‌ الاعتراض‌ من‌ جميع‌ أنحاء العالم‌ الإسلامي‌ّ، ومن‌ صحابة‌ رسول‌الله‌ كافّة‌. وعلی‌ الرغم‌ من‌ هذا كلّه‌، فإنّه‌ لم‌ يرتّب‌ أي‌ّ أثر علیه‌. وارتقي‌ منبر الشام‌، وأجلس‌ زياداً علی‌ مرقاة‌ أوطأ منه‌، وأعلن‌ أنّ هذا الرجل‌ ولد من‌ زنا أبي‌، أبي‌ سفيان‌، بسميّة‌ في‌ الطائف‌، فهو ابن‌ أبي‌ سفيان‌، وهو أخي‌. ولايحقّ لاحد أن‌ يسميّه‌ زياد بن‌ عبيد.

 صدر هذا العمل‌ من‌ معاوية‌ كخطّة‌ سياسيّة‌ أراد فيها عطف‌ زياد إلیه‌، لا نّه‌ كان‌ أمير الشام‌ والمسلمين‌ في‌ تلك‌ الارجاء، وإذا كان‌ زياد أخاه‌، فهذا يعني‌ أ نّه‌ أخو الامير وابن‌ أبي‌ سفيان‌ الشخصيّة‌ العربيّة‌ المهمّة‌، علی‌ عكس‌ عبيد الذي‌ كان‌ غلاماً روميّاً، ولا شرف‌ لزياد بالانتساب‌ إلیه‌.

 بَيْدَ أنّ زياد المسكين‌ التعس‌ قد استساغ‌ الانتساب‌ إلی‌ أبي‌ سفيان‌، واعتبر نفسه‌ ابناً له‌ بالزنا، ونسب‌ إلی‌ أُمّه‌ السِّفاح‌، ونفي‌ انتسابه‌ لابيه‌ عُبَيْد الذي‌ أولده‌ علی‌ فراشه‌ بنكاح‌ صحيح‌ من‌ سميّة‌.

 وآثر زياد بنوّة‌ الزنا علی‌ النسب‌ الصحيح‌ طلباً للرئاسة‌. وقدّم‌ نطفة‌ أبي‌ سفيان‌، ولو كانت‌ نطفة‌ سِفاح‌، علی‌ نطفة‌ عُبَيْد الرومي‌ّ، وإن‌ كانت‌ نطفة‌ نكاح‌ صحيح‌، واعتبر ذلك‌ من‌ دواعي‌ شرفه‌. وكان‌ زياد في‌ أوّل‌ أمره‌ رجلاً عاقلاً لبيباً كيّساً، ومن‌ شيعة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وأتباعه‌. ونصب‌ من‌ قبله‌ حاكماً علی‌ منطقة‌ من‌ مناطق‌ فارس‌. وكما رأينا فإنّ معاوية‌ عندما كتب‌ إلیه‌ رسالة‌، وهدّده‌ فيها، جاء بين‌ الناس‌ وخطب‌ فيهم‌، وأعلن‌ عن‌ استعداده‌ التامّ لحرب‌ معاوية‌؛ واعتبر أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ صاحب‌ الولاية‌ المقصود في‌ الحديث‌ النبوي‌ّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعلی‌ٌّ مَوْلاَهُ، وصاحب‌ الوزارة‌ والمنزلة‌: أَنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌، وصاحب‌ الاُخوّة‌: أَنْتَ أَخِي‌، وهو أبو السبطين‌: الحسن‌، والحسين‌، وبعل‌ فاطمة‌ سيّدة‌ نساء العالمين‌، وابن‌ عمّ رسول‌ الله‌. وظلّ زياد حاكماً علی‌ فارس‌ مادام‌ أميرالمؤمنين‌حيّاً؛ ولم‌يستطع‌ معاوية‌ أن‌ يخدعه‌ أو يكسر شوكته‌ بالتهديد.

 ويستفاد من‌ رسالة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ التي‌ كتبها في‌ جواب‌ رسالته‌ ـوجاء فيها أنّ ما صدر عن‌ أبي‌ سفيان‌ في‌ زمن‌ عمر كان‌ زلّة‌ من‌ الاماني‌ الشيطانيّة‌ المضلّة‌، وتسويلات‌ النفس‌، ولا يثبت‌ فيها نسب‌، ولايُسْتَحَقُّ فيه‌ إرث‌ـ أنّ معاوية‌ قد وجّه‌ نظر زياد إلیه‌ في‌ رسالته‌ من‌ خلال‌ استلحاقه‌ بأبي‌ سفيان‌ وبنوّته‌ إيّاه‌، وأراد أن‌ يخدعه‌ عبر هذا الاُسلوب‌ علی‌ أ نّه‌ أخوه‌، وابتغي‌ من‌ ذلك‌ تحريضه‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

 رسالة‌ أمير المؤمنين‌ إلی‌ زياد في‌ بطلان‌ تحقّق‌ النسب‌ بالزنا

روي‌ الشريف‌ الرضي‌ّ تلك‌ الرسالة‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » بقوله‌: ومن‌ كتاب‌ له‌ علیه‌ السلام‌ إلی‌ زياد بن‌ أبيه‌، وقد بلغه‌ أنّ معاوية‌ كتب‌ إلیه‌ يريد خديعته‌ باستلحاقه‌:

 وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إلیكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَيَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ! فَاحْذَرْهُ فَإنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ، يَأْتِي‌ المُؤْمِنَ مِنْ بَيْن‌ يَدَيْهِ؛ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ؛ وَعَنْ شِمَالِهِ، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ؛ وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ.

 وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي‌ سُفْيَانَ فِي‌ زَمَنِ عُمَرَ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَنَزْعَةٌ مِنْ نَزَعَاتِ الشَّيْطَانِ؛ لاَيَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَلاَ يُسْتَحَقُّ بِهَا إرْثٌ، وَالمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالوَاغِلِ المُدَفَّعِ، وَالنَّوطِ المُذَبْذَبِ.[5]

 فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الكِتَابَ؛ قَالَ: شَهِدَ بِهَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ وَلَمْتَزَلْ فِي‌ نَفْسِهِ حَتَّي‌ ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ.[6]

 أي‌: أنّ معاوية‌ يطلب‌ زلل‌ عقلك‌ وخطأه‌. ويحاول‌ أن‌ يفلّ حدّك‌، أي‌: عزمك‌.

 وظهرت‌ من‌ أبي‌ سفيان‌ فلتة‌ في‌ كلامه‌ أيّام‌ عمر. وهذه‌ الفلتة‌ كانت‌ من‌ حديث‌ النفس‌، وكلمة‌ فاسدة‌ من‌ كلمات‌ الشيطان‌ ( إذ قال‌: إنِّي‌ أَعْلَمُ مَنْ وَضَعَهُ فِي‌ رَحِمِ أُمِّهِ، يقصد نفسه‌ ) وحركاته‌ القبيحة‌ التي‌ تفسد المكلّفين‌. ولا يثبت‌ بواسطة‌ تلك‌ الفلتة‌ وعثرة‌ اللسان‌ نسب‌، ولا يستحقّ بها إرثٌ. ومن‌ أراد أن‌ يثبت‌ له‌ نسباً عن‌ هذا الطريق‌ فمثله‌ مثل‌ من‌ يهجم‌ علی‌ الشرب‌ ليشرب‌ وهو ليس‌ منهم‌، فلا يزالون‌ يدفعونه‌ ويحولون‌ بينه‌ وبين‌ الشرب‌. وكذلك‌ مثله‌ مثل‌ شي‌ء شدّوه‌ علی‌ سرج‌ الحصان‌، أو رحل‌ البعير كالكأس‌ أو القدح‌ وأمثالهما، فهو يتقلقل‌ باستمرار بواسطة‌ السرعة‌ في‌ السير والحركة‌. ولا يقرّ له‌ قرار أبداً.

 ولمّا قرأ زياد كتاب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: شهد علی‌ّ بها وربّ الكعبة‌، بقوله‌: إنّني‌ وليد أبي‌ سفيان‌ وظلّت‌ هذه‌ الفكرة‌ في‌ نفسه‌ حتّي‌ قطع‌ معاوية‌ نسبه‌ من‌ عُبَيْد، ونسبه‌ إلی‌ أبي‌ سفيان‌. وعندما استشهد أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، ظلّ زياد وإلیاً علی‌ فارس‌. وقلق‌ معاوية‌ منه‌ لا نّه‌ كان‌ يعرف‌ ثباته‌ ورسوخ‌ مبدأه‌ واستقامة‌ منهجه‌. وخاف‌ أن‌ يقترب‌ من‌ الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ علیه‌ السلام‌ أكثر، وينهض‌ لمساعدته‌ ونصرته‌، فلهذا كتب‌ إلیه‌ رسالة‌ بهذا المضمون‌:

 الرجوع الي الفهرس

رسالة‌ معاوية‌ النابية‌ إلی‌ زياد ، ورسالة‌ زياد النابية‌ إلیه‌

 من‌ أمير المؤمنين‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ إلی‌ زياد بن‌ عُبَيْد.

 أَمَّا بَعْدُ؛ فإنّك‌ عبد قد كفرتَ النعمة‌، واستدعيتَ النقمة‌! ولقد كان‌ الشكر أولي‌ بك‌ من‌ الكفر! وإنّ الشجرة‌ لتضرب‌ بعرِقها، وتتفرّع‌ من‌ أصلها. إنّك‌ -لا أُمّ لك‌ بل‌ لا أب‌ لك‌- قد هلكتَ وأهلكتَ! وظننتَ أ نّك‌ تخرج‌ من‌ قبضتي‌، ولا ينالك‌ سلطاني‌ّ! هيهات‌! ما كلّ ذي‌ لُبّ يصيب‌ رأيه‌، ولا كلّ ذي‌ رأي‌ ينصح‌ في‌ مشورته‌.

 أمسِ عبدٌ، وإلیوم‌ أمير! خطّة‌ ما ارتقاها مثلُكَ يا ابن‌ سُميّة‌!

 وإذا أتاك‌ كتابي‌ هذا، فَخُذِ الناس‌ بالطاعة‌ والبيعة‌! وأسرع‌ الإجابة‌! فإنّك‌ إن‌ تفعل‌، فدمك‌ حقنتَ! ونفسك‌ تداركتَ! وإلاّ اختطفتُكَ بأضعف‌ ريش‌ ( بأضعف‌ قوّة‌ )، ونلتك‌ بأهون‌ سعي‌.

 وأُقسم‌ قسماً مبروراً، ألاّ أُوتَي‌ بك‌ إلاّ في‌ زمّارة‌، تمشي‌ حافياً من‌ أرض‌ فارس‌ إلی‌ الشام‌ حتّي‌ أُقيمك‌ في‌ السوق‌، وأبيعك‌ عبداً، وأردّك‌ إلی‌ حيث‌ كنتَ فيه‌ وخرجتَ منه‌! والسلام‌.[7]

 فلمّا ورد الكتاب‌ علی‌ زياد، غضب‌ غضباً شديداً، وجمع‌ الناس‌، وصعد المنبر. فحمد الله‌. ثمّ قال‌: ابن‌ آكلة‌ الاكباد ( هند )، وقاتلة‌ أسدالله‌ ( حمزة‌ ). وابن‌ أبي‌ سفيان‌ مظهر الخلاف‌، ومُسِرّ النفاق‌، ورئيس‌ الاحزاب‌؛ ومن‌ أنفق‌ ماله‌ في‌ إطفاء نور الله‌. كتب‌ إلی‌ّ يُرعد ويبرق‌ عن‌ سحابةٍ جَفْل‌ لا ماء فيها، وعمّا قليل‌ تصيّرها الرياح‌ قزعاً. والذي‌ يدلّني‌ علی‌ ضعفه‌، تهدّده‌ قبل‌ القدرة‌. يا معاوية‌! أفمن‌ إشفاق‌ علی‌َّ تُنْذِر ؟ وتُعْذِر ؟ كلاّ! ولكن‌ ذهب‌ إلی‌ غير مذهب‌؛ وقعقع‌ لمن‌ رُبِّي‌َ بين‌ صواعق‌ تِهامة‌.

 كيف‌ أرهبه‌ وبيني‌ وبينه‌ ابن‌ بنت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، وابن‌ ابن‌ عمّه‌ في‌ مائة‌ ألف‌ من‌ المهاجرين‌ والانصار ؟!

 والله‌ لو أذِنَ ( الإمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ ) لي‌ فيه‌، أو ندبني‌ إلیه‌ ( معاوية‌ )، لاريته‌ الكواكب‌ نهاراً، ولاسعطته‌ ماء الخردل‌.

 دونه‌ ( معاوية‌ ) الكلام‌ إلیوم‌، والجمع‌ غداً، والمشورة‌ بعد ذلك‌ إن‌ شاء الله‌. قال‌ هذا، ونزل‌ من‌ المنبر. وكتب‌ إلی‌ معاوية‌:

 أَمَّا بَعْدُ! فقد وصل‌ إلی‌ّ كتابك‌ يا معاوية‌، وفهمت‌ ما فيه‌؛ فوجدتك‌ كالغريق‌ يغطّيه‌ الموج‌، فيتشبّث‌ بالطُّحْلُب‌، ويتعلّق‌ بأرجل‌ الضفادع‌، طمعاً في‌ الحياة‌.

 إنّما يكفر النعم‌، ويستدعي‌ النقم‌ من‌ حادّ الله‌ ورسوله‌؛ وسعي‌ في‌ الإرض‌ فساداً.

 فأمّا سبّك‌ لي‌، فلولا حلم‌ ينهاني‌ عنك‌، وخوفي‌ أن‌ أُدعي‌ سفيهاً، لاثرت‌ لك‌ مخازي‌ لا يغسلها الماء.

 وأما تعييرك‌ لي‌ بسُمَيَّة‌، فإن‌ كنتُ ابن‌ سميَّة‌، فأنت‌ ابن‌ جماعة‌ ( أي‌: إذا كان‌ قد زني‌ رجل‌ واحد بأُمِّي‌، وأولدني‌ منها، فقد زني‌ بأُمّك‌ جماعة‌، وأنت‌ ابنهم‌! ).

 وأمّا زعمك‌ أ نّك‌ تختطفني‌ بأضعف‌ ريش‌، وتتناولني‌ بأهون‌ سعي‌، فهل‌ رأيتَ بازياً يُفزعه‌ صغير القنابر ؟! أم‌ هل‌ سمعت‌ بذئب‌ أكله‌ خروف‌ ؟! فامض‌ الآن‌ لطيَّتك‌! واجتهد جهدك‌! فلست‌ أنزل‌ إلاّ بحيث‌ تكره‌! ولا أجتهد إلاّ فيما يسوءك‌! وستعلم‌ أيّنا الخاضع‌ لصاحبه‌ الطالع‌ إلیه‌! والسلام‌.[8]

 الرجوع الي الفهرس

خديعة‌ معاوية‌ زياداً بتوجيه‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌

 ولمّا ورد كتاب‌ زياد علی‌ معاوية‌، غمّه‌ وأحزنه‌، وبعث‌ إلی‌ المُغيرة‌بن‌ شُعْبَة‌، فخلا به‌؛ وقال‌: يا مغيرة‌! إنّي‌ أُريد مشاورتك‌ في‌ أمر أهمّني‌، فانصحني‌ فيه‌، وأشر علی‌َّ برأي‌ المجتهد؛ وكن‌ لي‌، أكن‌ لك‌! فقد خصصتُك‌ بسرّي‌، وآثرتك‌ علی‌ ولدي‌!

 قال‌ المغيرة‌: فما ذاك‌ ؟! والله‌ لتجدني‌ في‌ طاعتك‌ أمضي‌ من‌ الماء إلی‌ الحدور! ومن‌ ذي‌ الرونق‌ في‌ كفّ البطل‌ الشجاع‌!

 قال‌ معاوية‌: إنّ زياداً قد أقام‌ بفارس‌؛ يكشّ لنا كشيش‌ الافاعي‌؛ وهو رجل‌ ثاقب‌ الرأي‌، ماضي‌ العزيمة‌، جوّال‌ الفكر، مصيب‌ إذا رمي‌.

 وقد خفت‌ منه‌ الآن‌ ما كنتُ آمنه‌ إذ كان‌ صاحبه‌ حيّاً، وأخشي‌ ممالاته‌ حَسَناً. فكيف‌ السبيل‌ إلیه‌ ؟ وما الحيلة‌ في‌ إصلاح‌ رأيه‌ ؟!

 قال‌ المغيرة‌: أنا له‌ إن‌ لم‌ أَمُت‌! إنّ زياداً رجل‌ يحبّ الشرف‌، والذِّكر، وصعود المنابر. فلو لاطفته‌ المسألة‌، وألِنْتَ له‌ الكتاب‌، لكان‌ لك‌ أميل‌! وبك‌ أوثق‌! فاكتب‌ إلیه‌ وأنا الرسول‌.

 فكتب‌ معاوية‌ إلیه‌:

 من‌ أمير المؤمنين‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ إلی‌ زياد بن‌ أبي‌ سفيان‌:

 أَمَّا بَعْدُ؛ فإنّ المرء ربمّا طرحه‌ الهوي‌ في‌ مطارح‌ العَطَب‌؛ وإنّك‌ للمرء المضروب‌ به‌ المثل‌، قاطع‌ الرحم‌، وواصل‌ العدوّ! وحملك‌ سوء ظنّك‌ بي‌، وبغضك‌ لي‌ علی‌ أن‌ عققتَ قرابتي‌، وقطعت‌ رحمي‌، وتبتّ نسبي‌ وحرمتي‌، حتّي‌ كأ نّك‌ لست‌ أخي‌، وليس‌ صخر بن‌ حرب‌ أباك‌ وأبي‌. وشتّان‌ مابيني‌ وبينك‌، أطلب‌ بدم‌ ابن‌ أبي‌ العاص‌ [9]وأنت‌ تقاتلني‌! ولكن‌ أدركك‌ عِرق‌ الرخاوة‌ من‌ قبل‌ النساء، فكنتَ:

 كَتَارِكَةٍ بَيْضَهَا بِالعَرَاءْ                              وَمُلْحِفَةٍ بَيْضَ أُخْرَي‌ جَنَاحَا

 وقد رأيتُ أن‌ أعطفَ علیك‌، ولا أؤاخذك‌ بسوء سعيك‌، وأن‌ أصل‌ رحمك‌، وأبتغي‌ الثواب‌ في‌ أمرك‌!

 فاعلم‌ أبا المغيرة‌ ( زياد ) أ نّك‌ لو خضتَ البحر في‌ طاعة‌ القوم‌ فتضرب‌ بالسيف‌ حتّي‌ انقطع‌ متنه‌، لما ازددت‌ منهم‌ إلاّ بعداً! فإنّ بني‌ عبدشمس‌ أبغض‌ إلی‌ بني‌ هاشم‌ من‌ الشفرة‌ إلی‌ الثور الصريع‌، وقد أُوثق‌ للذبح‌. فارجع‌ رحمك‌الله‌ إلی‌ أصلك‌، واتّصل‌ بقومك‌! ولا تكن‌ كالموصول‌ بريش‌ غيره‌!

 فقد أصبحتَ ضالّ النسب‌! ولعمري‌ ما فعل‌ بك‌ ذلك‌ إلاّ اللجاج‌! فدعه‌ عنك‌! فقد أصبحتَ علی‌ بيّنة‌ من‌ أمرك‌، ووضوحٍ من‌ حجّتك‌!

 فإن‌ أحببتَ جانبي‌، ووثقت‌ بي‌، فإمرة‌ بإمرة‌! وإن‌ كرهت‌ جانبي‌، ولم‌تثق‌ بقولي‌، ففعل‌ جميل‌ لا علی‌َّ ولا لي‌؛ والسلام‌.[10]

 فرحل‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌ بالكتاب‌ حتّي‌ قدم‌ فارس‌؛ فلّما رآه‌ زياد، قرّبه‌ وأدناه‌، ولطف‌ به[11]‌؛ فدفع‌ إلیه‌ الكتاب‌. فجعل‌ زياد يتأمّله‌، ويضحك‌. فلمّا فرغ‌ من‌ قراءته‌، وضعه‌ تحت‌ قدمه‌؛ ثمّ قال‌: حسبك‌ يامغيرة‌! فإنّي‌ أطّلع‌ علی‌ ما في‌ ضميرك‌؛ وقد قدمت‌ من‌ سفرة‌ بعيدة‌! فقم‌ وأرح‌ ركابك‌! قال‌ المغيرة‌: أجل‌! فدع‌ عنك‌ اللجاج‌! يرحمك‌ الله‌! وارجع‌ إلی‌ قومك‌! وصل‌ أخاك‌! وانظر لنفسك‌! ولا تقطع‌ رحمك‌!

 قال‌ زياد: إنّي‌ رجل‌ صاحب‌ أناة‌! ولي‌ في‌ أمري‌ رويّة‌! فلاتعجل‌ علی‌َّ! ولا تبدأني‌ بشي‌ء حتّي‌ أبدأك‌!

 ثمّ جمع‌ الناس‌ بعد يومين‌ أو ثلاثة‌؛ فصعد المنبر؛ فحمد الله‌ وأثني‌ علیه‌، ثمّ قال‌: أيُّهَا النَّاسُ! ادفعوا البلاء ما اندفع‌ عنكم‌! وارغبوا إلی‌ الله‌ في‌ دوام‌ العافية‌ لكم‌! فقد نظرتُ في‌ أُمور الناس‌ منذ قُتِل‌ عثمانُ، وفكّرت‌ فيهم‌ فوجدتهم‌ كالاضاحي‌، في‌ كلّ عيد يذبحون‌؛ ولقد أفني‌ هذان‌ إلیومان‌ -الجمل‌ وصفّين‌- ما ينيف‌ علی‌ مائة‌ ألف‌، كلّهم‌ يزعم‌ أ نّه‌ طالب‌ حقّ، وتابع‌ إمام‌، وعلی‌ بصيرة‌ من‌ أمره‌.

 فإن‌ كان‌ الامر هكذا، فالقاتل‌ والمقتول‌ في‌ الجنَّة‌. كلاّ! ليس‌ كذلك‌! ولكن‌ أشكل‌ الامر، والتبس‌ علی‌ القوم‌؛ وإنّي‌ لخائف‌ أن‌ يرجع‌ الامر كما بدأ؛ فكيف‌ لامري‌ بسلامة‌ دينه‌ ؟!

 وقد نظرت‌ في‌ أمر الناس‌، فوجدت‌ إحدي‌ العاقبتين‌ العافية‌. وسأعمل‌ في‌ أُموركم‌ ما تحمدون‌ عاقبته‌ ومغبّته‌! فقد حمدت‌ طاعتكم‌ إن‌ شاءالله‌! ثمّ نزل‌.

 الرجوع الي الفهرس

رسالة‌ زياد إلی‌ معاوية‌ واستعداده‌ للتعاون‌ معه‌

 وكتب‌ جواب‌ الكتاب‌:

 أَمَّا بَعْدُ! فقد وصل‌ كتابك‌ يا معاوية‌ مع‌ المغيرة‌ بن‌ شُعْبة‌؛ وفهمتُ ما فيه‌. فالحمد للّه‌ الذي‌ عرّفك‌ الحقّ، وردّك‌ إلی‌ الصلة‌؛ ولستَ ممّن‌ يجهل‌ معروفاً! ولايغفل‌ حَسَباً!

 ولو أردتُ أن‌ أُجيبك‌ بما أوجبته‌ الحجّة‌، واحتمله‌ الجواب‌؛ لطال‌ الكتاب‌، وكثر الخطاب‌!

 ولكنّك‌ إن‌ كنتَ كتبتَ كتابك‌ هذا عن‌ عقد صحيح‌، ونيّة‌ حسنة‌؛ وأردتَ بذلك‌ برّاً، فستزرع‌ في‌ قلبي‌ مودّة‌ وقبولاً!

 وإن‌ كنتَ إنّما أردتَ مكيدةً ومكراً وفساد نيّة‌، فإنّ النفس‌ تأبي‌ ما فيه‌ العطب‌!

 ولقد قمت‌ يوم‌ قرأت‌ كتابك‌ مقاماً يعبأ به‌ الخطيب‌ المِدْرَة‌.[12] فتركتُ من‌ حضر؛ لا أهل‌ ورد ولا صدر؛ كالمتحيّرين‌ بمهمَةٍ ضلّ بهم‌ الدليل‌؛ وأنا علی‌ أمثال‌ ذلك‌ قدير. وكتب‌ في‌ أسفل‌ الكتاب‌:

 إذَا مَعْشَرِي‌ لَمْ يُنْصِفُونِي‌ وَجَدْتَنِي‌                     أُدَافِعُ عَنِّي‌ الضَّيْمَ مَا دُمْتُ بَاقِيَا

 وَكَمْ مَعْشَرٍ أعْيَتْ قَناتِي‌ علیهِمُ              فَلاَمُوا وَألْفَوْني‌ لَدَي‌ العزْمِ مَاضِيَا

 وَهَمٍّ بِهِ ضَاقَتْ صُدُورٌ فَرَحْبُهُ                               وَكُنْتُ بِطِبِّي‌ لِلرِّجَالِ مُداوِيَا

 أُدَافِعُ بِالحِلْمِ الجَهُولَ مَكِيدَةً                   وَأُخْفِي‌ لَهُ تَحْتَ العِضَاةِ الدَّوَاهيَا

 فَإنْ تَدْنُ مِنِّي‌ أَدْنُ مِنْكَ وَإنْ تَبِنْ              تَجِدْنِي‌ إذَا لَمْ تَدْنُ مِنِّي‌ نَائِيَا

فأعطاه‌ معاوية‌ جميع‌ ما سأله‌، وكتب‌ إلیه‌ بخطّ يده‌ ما وثق‌ به‌. فدخل‌ إلیه‌ الشام‌؛ فقرّبه‌ وأدناه‌، وأقرّه‌ علی‌ ولايته‌ في‌ فارس‌؛ ثمّ استعمله‌ علی‌ العراق‌.[13]

 وروي‌ ابن‌ أبي‌ الحديد عن‌ علی‌ّ بن‌ محمّد المدائني‌ّ قال‌: لمّا أراد معاوية‌ استلحاق‌ زياد، وقد قدم‌ علیه‌ الشام‌، جمع‌ الناس‌، وصعد المنبر، وأصعد زياداً معه‌ فأجلسه‌ بين‌ يديه‌ علی‌ المرقاة‌ التي‌ تحت‌ مرقاته‌.

 وحمد الله‌ وأثني‌ علیه‌، وقال‌: أَيُّهَا النَّاسُ! إنّي‌ قد عرفتُ نسبنا أهل‌ البيت‌ في‌ زياد؛ فمن‌ كان‌ عنده‌ شهادة‌، فليقم‌ بها!

 فقام‌ ناس‌، فشهدوا أ نّه‌ ابن‌ أبي‌ سفيان‌، وأ نّهم‌ سمعوا ما أقرّ به‌ أبو سفيان‌ قبل‌ موته‌.

 فقام‌ أَبُو مَرْيَمَ السَّلُولِي‌ّ -وكان‌ خمّاراً في‌ الجاهليّة‌- فقال‌: أشهد ياأمير المؤمنين‌ أنّ أبا سفيان‌ قدم‌ علینا بالطائف‌، فأتاني‌ فاشتريت‌ له‌ لحماً وخمراً وطعاماً، فلمّا أكل‌، قال‌: يا أبا مريم‌! أصب‌ لي‌ بغيّاً! فخرجت‌ فأتيت‌ سُمَيَّة‌، فقلت‌ لها: إنّ أبا سفيان‌ ممّن‌ قد عرفت‌ شرفه‌ وجوده‌! وقد أمرني‌ أن‌ أُصيب‌ له‌ بغيّاً! فهل‌ لكِ ؟!

 فقالت‌: نعم‌! يجي‌ء الآن‌ عبيد بغنمه‌ ( وكان‌ راعياً )، فإذا تعشّي‌، ووضع‌ رأسه‌، أتيته‌.

 فرجعتُ إلی‌ أبي‌ سفيان‌، فأعلمته‌. فلم‌ نلبث‌ أن‌ جاءت‌ تجرّ ذيلها، فدخلتْ معه‌؛ فلم‌تزل‌ عنده‌ حتّي‌ أصبحت‌. فقلت‌ له‌ لمّا انصرفت‌: كيف‌ رأيت‌ صاحبتك‌ ؟! قال‌: خير صاحبة‌، لولا ذَفَرٌ في‌ إبطيها. ] الذَفَر: رائحة‌ نتنة‌ كريهة‌ [.

 فقال‌ زياد من‌ فوق‌ المنبر: يا أبا مريم‌! لا تشتم‌ أُمهّات‌ الرجال‌، فتُشْتَم‌ أُمُّك‌!

 فلمّا انقضي‌ كلام‌ معاوية‌ ومناشدته‌، قام‌ زياد، وأنصت‌ الناس‌، فحمد الله‌ وأثني‌ علیه‌؛ ثمّ قال‌: أَيُّهَا النَّاسُ! إنّ معاوية‌ والشهود قد قالوا ما سمعتم‌؛ ولست‌ أدري‌ حقّ هذا من‌ باطله‌؛ وهو والشهود أعلم‌ بما قالوا، وإنّما عُبَيْد أب‌ مبرور، ووال‌ مشكور. ثمّ نزل‌.[14]

 إنّنا بحمد الله‌ ومنّته‌ ذكرنا هنا قصّة‌ معاوية‌ وزياد بالنحو المتقدّم‌ ليتبيّن‌ أنّ معاوية‌ كان‌ رجلاً متجرّئاً متهوّراً لم‌ يرْعَوِ عن‌ كلّ جناية‌ وخيانة‌ لتحقيق‌ مآربه‌ السياسيّة‌ المتمثّلة‌ بالتحكّم‌ في‌ رقاب‌ المسلمين‌ وإلصاق‌ نفسه‌ بأهل‌ البيت‌.

 إنّه‌ استطاع‌ تذليل‌ زياد الذي‌ كان‌ رجلاً جموحاً شموساً بأسإلیب‌ ماكرة‌. وزياد هذا كان‌ قد كتب‌ في‌ رسالة‌ يخاطب‌ بها معاوية‌ قائلاً: « وستعلم‌ أيّنا الخاضع‌ لصاحبه‌، الطالع‌ إلیه‌! » وإذا هو يذهب‌ إلی‌ الشام‌ بمكيدة‌ معاوية‌، وتزوير خدينه‌ وشريك‌ سرّه‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌. وحضر مجلس‌ معاوية‌ راغباً، ووضع‌ في‌ عنقه‌ طوق‌ العبوديّة‌ والذلّ بمرأي‌ الحاضرين‌، وجعل‌ بنوّة‌ الزنا لقباً يفخر به‌. وظفر معاوية‌ بأُمنيته‌ عن‌ هذا الطريق‌. ومن‌ هو معاوية‌ ؟ إنّه‌ الشخص‌ الذي‌ كان‌ يقول‌: لا شغل‌ لنا بكلام‌ الناس‌ ما لم‌ يمسّ إمارتنا وحكومتنا.

 وكان‌ يقول‌: لَوْ أَنَّ بَيْنِي‌ وَبَيْنَ النَّاسِ شَعْرَةً مَا انْقَطَعَتْ أَبَدَاً.

 قِيلَ لَهُ: كَيْفَ ذَلِكَ ؟! قَالَ: إذَا مَدُّوَهَا أَرْخَيْتُهَا، وَإذَا أَرْخَوْهَا مَدَدْتُهَا.[15]

 الرجوع الي الفهرس

جلب‌ معاوية‌ زياداً إلی‌ الشام‌ ووضع‌ وسام‌ الفخر ببنوّة‌ الزنا في‌ عنقه‌

 وكان‌ معاوية‌ يري‌ أنّ زياداً سياسي‌ٌّ محنّك‌ ووالٍ قوي‌ّ. ولو ظلّ وإلیاً علی‌ فارس‌ من‌ قبل‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، أو من‌ قبل‌ الإمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌، وهو من‌ شيعة‌ أهل‌ البيت‌ وأنصارهم‌، لكان‌ خطر الثورة‌ علی‌ حكومته‌ شديداً. ولمّا شعر بعقم‌ تهديده‌ زياداً، انتهج‌ سبيلاً آخر، فناشده‌ بصلة‌ الرحم‌، وسمّاه‌ أخاه‌، وابنَ أبيه‌، إلی‌ أن‌ أوقعه‌ في‌ الفخّ آخر الامر. ولم‌يبال‌ بسحق‌ الحكم‌ الثابت‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: الوَلَدُ لِلفِرَاشِ وَلِلعَاهِرِ الحَجَرُ، بل‌ نسخه‌ وأبطله‌ بكلّ قبح‌ ووقاحة‌. وأعلن‌ علی‌ رؤوس‌ الاشهاد أنّ زياداً وليد من‌ نطفة‌ أبيه‌ أبي‌سفيان‌؛ فهو أخوه‌ وابن‌ أبي‌ سفيان‌.

 بينما يعلم‌ المسلمون‌ جميعهم‌ أنّ الطفل‌ المتولّد في‌ الفراش‌ من‌ نكاح‌ صحيح‌ يعود إلی‌ صاحب‌ الفراش‌، لا إلی‌ الشخص‌ الزاني‌.

 نقول‌ هنا: أوّلاً: إنّ زنا أبي‌ سفيان‌ بسميّة‌ غير ثابت‌. وكان‌ ذلك‌ الكلام‌ قد صدر من‌ أبي‌ سفيان‌، واعتبره‌ أمير المؤمنين‌ من‌ أَمَانِي‌ِّ التَّيْهِ وَكَذِبِ النَّفْسِ. وما يدرينا لعلّ قوله‌ في‌ مجلس‌ عمر: أَنَا وَضَعْتُهُ فِي‌ رَحِمِ أُمِّهِ كان‌ كذباً وبهتاناً. إذ عندما أثني‌ عمرو بن‌ العاص‌ علی‌ خطبة‌ زياد، وقال‌: لو كان‌ هذا الغلام‌ من‌ قريش‌. فأراد أبو سفيان‌ أن‌ ينسب‌ هذه‌ الفضيلة‌ إلی‌ نفسه‌، وهو من‌ قريش‌، وذلك‌ من‌ منطلق‌ حبّ الشرف‌ القبلي‌ّ.

 والدليل‌ علی‌ هذا الكلام‌ رواية‌ نقلها ابن‌ أبي‌ الحديد عن‌ أبي‌ عثمان‌. قال‌: كتب‌ زياد إلی‌ معاوية‌ ليستأذنه‌ في‌ الحجّ. فكتب‌ إلیه‌ معاوية‌: أ نّي‌ قد أذنتُ لك‌، واستعملتك‌ علی‌ الموسم‌، وأجزتُك‌ بألف‌ ألف‌ درهم‌!

 فبينا هو يتجهّز، إذ بلغ‌ ذلك‌ أبا بكرة‌ أخاه‌ -وكان‌ مصارماً له‌ منذ لجلج‌ في‌ الشهادة‌ علی‌ المغيرة‌ بن‌ شعبة‌ أيّام‌ عمر لا يكلّمه‌، قد لزمته‌ أيمان‌ عظيمة‌ ألاّ يكلّمه‌ أبداً- فأقبل‌ أبو بكرة‌ يدخل‌ القصر يريد زياداً. فبصر به‌ الحاجب‌، فأسرع‌ إلی‌ زياد قائلاً: أَيُّهَا الاَمِيرُ! أخوك‌ أبو بكرة‌ قد دخل‌ القصر!

 قال‌ زياد: ويحك‌! أنت‌ رأيته‌ ؟!

 قال‌ الحاجب‌: ها هو ذا قد طلع‌؛ وفي‌ حجر زياد بُنَي‌ّ يلاعبه‌.

 وجاء أبو بكرة‌ حتّي‌ وقف‌ علیه‌، فقال‌ للغلام‌:

 كيف‌ أنت‌ يا غلام‌ ؟! أباك‌ ركب‌ في‌ الإسلام‌ عظيماً: زنَّي‌ أُمَّهُ، وانتفي‌ من‌ أبيه‌. ولا والله‌ ما علمت‌ سُميّة‌ رأت‌ أبا سفيان‌ قطّ.

 ثمّ أبوك‌ يريد أن‌ يركب‌ ما هو أعظم‌ من‌ ذلك‌. يوافي‌ الموسم‌ غداً، ويوافي‌ أُمّ حبيبة‌ بنت‌ أبي‌ سفيان‌ ( زوجة‌ رسول‌ الله‌ )[16]، وهي‌ من‌ أُمهّات‌ المؤمنين‌. فإن‌ جاء يستأذن‌ علیها، فأذنت‌ له‌، فأعظم‌ بها فِرْية‌ علی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ومصيبة‌! وإن‌ هي‌ منعته‌، فأعظم‌ بها علی‌ أبيك‌ فضيحة‌! ثمّ انصرف‌ أبو بكرة‌ بعد أن‌ تحدّث‌ مع‌ الغلام‌.

 قال‌ زياد: جزاك‌ الله‌ يا أخي‌ عن‌ النصيحة‌ خيراً! ساخطاً كنتَ أو راضياً! ثمّ كتب‌ إلی‌ معاوية‌: إنّي‌ قد اعتللت‌ عن‌ الموسم‌، فليوجّه‌ إلیه‌ أميرالمؤمنين‌ من‌ أحبَّ. فوجّه‌ معاوية‌ عتبة‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌.[17]

 وذكر ابن‌ عبد البرّ أيضاً أنّ معاوية‌ لمّا ادّعي‌ معاوية‌ زياداً في‌ سنة‌ أربع‌ وأربعين‌ ( من‌ الهجرة‌ ) وألحقه‌ به‌ أخاً، زوّج‌ ابنته‌ من‌ ابنه‌ محمّدبن‌ زياد ليؤكّد بذلك‌ صحّة‌ الاستلحاق‌.

 وكان‌ أبو بكرة‌ أخا زياد لاُمّه‌، أُمّهما جميعاً سُمَيَّة‌. فحلف‌ ( أبو بكرة‌ ) ألاّ يكلّم‌ زياداً أبداً وقال‌: هذا زَنّي‌ أُمَّهُ، وانتفي‌ من‌ أبيه‌. ولا والله‌ ما علمتُ سميّة‌ رأت‌ أبا سفيان‌ قبل‌. ويلَهُ! ما يصنع‌ بأُمّ حبيبة‌ ؟ أيريد أن‌ يراها ؟ فإن‌ حجبته‌، فضحته‌. وإن‌ يراها، فيا لها من‌ مصيبة‌ يهتك‌ من‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ حرمةً عظيمة‌.

 وحجّ زياد مع‌ معاوية‌؛ ودخل‌ المدينة‌؛ فأراد الدخول‌ علی‌ أُمّ حبيبة‌، ثمّ ذكر قول‌ أبي‌ بكرة‌، فانصرف‌ عن‌ ذلك‌. وقيل‌: إنّ أُمّ حبيبة‌ حجبته‌ ولم‌تأذن‌ له‌ في‌ الدخول‌ علیها. وقيل‌: إنّه‌ حجّ ولم‌ يرد المدينة‌ من‌ أجل‌ قول‌ أبي‌ بكرة‌. وإنّه‌ قال‌: جزي‌ الله‌ أبا بكرة‌ خيراً فما يَدَع‌ النصيحة‌ في‌ حال‌.[18]

 إنّ الوثيقة‌ التأريخيّة‌ الوحيدة‌ لزنا أبي‌ سفيان‌ بسميّة‌ كلام‌ أبي‌ مريم‌ السلولي‌ّ. وهي‌ شهادة‌ رجل‌ خمّار وفاسق‌. وما يدرينا لعلّه‌ افتري‌ ذلك‌ في‌ مجلس‌ الشام‌ إرضاءً لمعاوية‌ ؟

 وحينئذٍ تلد سميّة‌ المسكينة‌ طفلاً وهميّاً بعد سنين‌ طويلة‌ في‌ التأريخ‌؛ وتتّهم‌ بمثل‌ هذه‌ التهمة‌. يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: وممّن‌ عيّر معاوية‌ بهذا عبدالرحمن‌بن‌ الحَكَم‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ أخو مروان‌، وهو من‌ بني‌ أُميّة‌. فقد دخل‌ يوماً علی‌ معاوية‌ مع‌ جماعة‌ من‌ بني‌ أُميّة‌، وقال‌: يَا مُعَاوِيَةُ! لَوْ لَمْتَجِدْ إلاَّ الزَّنْجَ لاَسْتَكْثَرْتَ بِهِمْ علینَا قِلَّةً وَذِلَّةً! فقال‌ معاوية‌ لمروان‌: أخرج‌ عنّا هذا الخليع‌ -المتهتّك‌ الصلف‌- فأخرجه‌ مروان‌. وشرح‌ ذلك‌ مفصّل‌.

 الرجوع الي الفهرس

أشعار عبد الرحمن‌ بن‌ الحكم‌ في‌ هجاء معاوية‌

 وعبد الرحمن‌ بن‌ الحكم‌ هو الذي‌ أنشد الابيات‌ الآتية‌ في‌ هجاء معاوية‌ وزياد:

 أَلاَ أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ                         لَقَدْ ضَاقَتْ بِمَا يَأْتِي‌ إلیدَانِ

 أَتَغْضَبُ أَنْ يُقَالُ: أَبُوكَ عَفٌّ                                 وَتَرْضَي‌ أَنْ يُقَالَ: أَبُوكَ زَانِ

 فأْشْهَدُ أَنَّ رِحْمَكَ مِنْ زِيَادٍ                                              كَرِحْمِ الفِيلِ مِنْ وَلَدِ الاَتَانِ

 وَأشْهَدُ أَ نَّهَا حَمَلَتْ زِيَادَاً                                     وَصَخْرٌ مِنْ سُمَيَّةَ غَيْرُ دَانِ [19]

 الرجوع الي الفهرس

للفراش‌ أمارة‌ لصحّة‌ النسب‌

 يقول‌ في‌ البيت‌ الثالث‌ أن‌ لا نسب‌ ولا قرابة‌ بين‌ معاوية‌ وزياد كما لانسب‌ بين‌ الفيل‌ وولد الاتان‌ ( انثي‌ الحمار ). ويقول‌ لمعاوية‌: أنت‌ في‌ الشرف‌ كالفيل‌ الضخم‌، وزياد في‌ الوضاعة‌ كولد الاتان‌.

 ثانياً: لو فرضنا أنّ أبا سفيان‌ زني‌ بسميّة‌، فمن‌ أين‌ نعلم‌ أنّ زياداً قد صُوِّر من‌ نطفة‌ أبي‌ سفيان‌ ؟ بل‌ المورد هو المقصود من‌ كلام‌ رسول‌الله‌: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ [20]. أي‌: عند عدم‌ وجود دليل‌ قطعي‌ّ عقلي‌ّ، كأن‌ يكون‌ الزوج‌ قد سافر مثلاً قبل‌ مدّة‌ الحمل‌، أو كان‌ في‌ السجن‌، وحملت‌ المرأة‌. وعند عدم‌ وجود دليل‌ قطعي‌ّ شرعي‌ّ، كأن‌ تكون‌ مدّة‌ الحمل‌ بين‌ المواقعة‌ وتولّد الطفل‌ أقلّ من‌ ستّة‌ أشهر، وبصورة‌ عامّة‌، عند عدم‌ وجود حجّة‌ عقليّة‌ وشرعيّة‌، ينبغي‌ أن‌ يُلْحَق‌ الطفل‌ بصاحب‌ الفراش‌ فيما لو ولد من‌ الزنا، واحتملنا ولادته‌ بسبب‌ الزنا. أي‌: يلحق‌ بزوج‌ تلك‌ المرأة‌، لابالزاني‌. وللفراش‌ الصحيح‌ أمارة‌ لصحّة‌ النسب‌.

 ثالثاً: لو تيقّنّا أنّ زياداً كان‌ من‌ نطفة‌ أبي‌ سفيان‌، كأن‌ يقوم‌ دليل‌ عقلي‌ّ أو حجّة‌ شرعيّة‌ علی‌ أنّ زياداً لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ ابن‌ عُبَيْد، كأن‌ تكون‌ مدّة‌ الحمل‌ منذ مواقعةِ عبيدٍ سُمَيَّةَ أقلّ من‌ ستّة‌ أشهر، أو أكثر من‌ مدّة‌ الحمل‌ المعهودة‌ ( تسعة‌ أشهر أو عشرة‌ أو سنة‌ علی‌ حسب‌ اختلاف‌ الاقوال‌ ) أو كان‌ عُبَيْد غائباً، وأمثال‌ ذلك‌، وبصورة‌ عامّة‌، لو ثبت‌ عقلاً وشرعاً أنّ زياداً ولد بسبب‌ زنا أبي‌ سفيان‌ بأُمّه‌، فلايمكن‌ أن‌ نعتبره‌ ابناً لابي‌ سفيان‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] - «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 1080 مفهرس‌، طبعة‌ بيروت‌، دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌، باب‌ الولد للفراش‌ وتوقّي‌ الشبهات‌، ونقل‌ هنا أيضاً رواية‌ أُخري‌ عن‌ عائشة‌، وروايتين‌ عن‌ أبي‌ هريرة‌ أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: الولد للفراش‌ وللعاهر الحجر.

 إنّ أمر رسول‌ الله‌ سودة‌ أُخت‌ عبد بن‌ زمعة‌ بالاحتجاب‌ كان‌ من‌ باب‌ الاحتياط‌، لامن‌ باب‌ الحكم‌ الشرعي‌ّ المسلّم‌. إذ إنّ عبداً كان‌ يشبه‌ عتبة‌ بن‌ أبي‌ وقّاص‌ كثيراً كما جاء في‌ الرواية‌. والمقرّر في‌ علم‌ الاُصول‌ أنّ الاحتياط‌ حسن‌ عقلاً وشرعاً حتّي‌ مع‌ وجود الحجّة‌ المعتبرة‌ علي‌ أحد الاحتمالين‌.

[2] - «بحارالانوار» ج‌ 10، ص‌ 127، وكتاب‌ «القواعد الفقهيّة‌» ج‌ 4، ص‌ 21. وروي‌ مشايخنا الثلاثة‌ في‌ الكتب‌ الاربعة‌ عن‌ الحسن‌ بن‌ صيقل‌، عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌ الحسن‌: سمعته‌ ويُسأل‌ عن‌ رجل‌ اشتري‌ جارية‌ ثمّ وقع‌ عليها قبل‌ أن‌ يستبرء رحمها، قال‌ عليه‌ السلام‌: بئس‌ ما صنع‌ يستغفر الله‌ ولا يعد؛ قلتُ: فإن‌ باعها من‌ آخر ولم‌يستبري‌ رحمها، ثمّ باعها الثاني‌ من‌ رجل‌ آخر فوقع‌ عليها ولم‌ يستبري‌ رحمها فاستبان‌ حملها عند الثالث‌؛ فقال‌ أبو عبد الله‌ عليه‌ السلام‌: الولد للفراش‌ وللعاهر الحجر.

[3] - «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 16، ص‌ 194.

[4] - قال‌ في‌ «جواهر الكلام‌» ج‌ 29، ص‌ 256 و 257، الطبعة‌ الحديثة‌: وكيف‌ كان‌  فلايثبت‌ النسب‌ مع‌ الزنا إجماعاً بقسميه‌؛ بل‌ يمكن‌ دعوي‌ ضروريّته‌ فضلاً عن‌ دعوي‌ معلوميّته‌ من‌ النصوص‌ أو تواترها فيه‌. فلو زني‌ فانخلق‌ من‌ مائه‌ ولد علي‌ الجزم‌ لم‌ينسب‌ إليه‌ شرعاً علي‌ وجه‌ يلحقه‌ الاحكام‌ وكذا بالنسبة‌ إلي‌ أُمّه‌.

[5] - قال‌ الشريف‌ الرضي‌ّ في‌ تفسير هذين‌ التشبهين‌: الوَاغِلُ هُوَ الَّذِي‌ يَهْجُمُ عَلَي‌ الشُّرْبِ لِيَشْرَب‌ مَعَهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ، فَلاَ يَزَالُ مُدَفَّعَاً مُحَاجَزَاً. وَالنَّوطُ المُذَبْذَبُ هُوَ مَا يُنَاطُ بِرَحْلِ الرَّاكِبِ مِنْ قَعْبٍ أَوْ قَدَحٍ أَوْ مَا أَشْبَهُ ذَلِكَ فَهُوَ أَبَدَاً يَتَقَلْقَلُ إذَا حَثَّ ظَهْرَهُ وَاسْتَعْجَلَ سَيْرَهُ.

[6] - «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الرسائل‌، رسالة‌ 44.

[7] - «جمهرة‌ رسائل‌ العرب‌» لاحمد زكي‌ صفوت‌، ج‌ 2، ص‌ 29 و 30، عن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد.

[8] - «جهرة‌ رسائل‌ العرب‌» ج‌ 2، ص‌ 30 و 31، عن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد.

[9] - أي‌: عثمان‌. لانّ عثمان‌ هو ابن‌ عفّان‌ بن‌ أبي‌ العاص‌ بن‌ أُميَّة‌.

[10] - «جمهرة‌ رسائل‌ العرب‌» ج‌ 2، ص‌ 32 و 33، عن‌ «شرح‌ ابن‌ أبي‌ الحديد».

[11] - جاء في‌ «العقد الفريد» ج‌ 3، ص‌ 230، طبعة‌ سنة‌ 1331 ه: كان‌ زياد من‌ أصدقاء المغيرة‌. وذلك‌ أنّ زياداً كان‌ أحد الشهود الاربعة‌ الذين‌ قدموا المدينة‌ للشهادة‌ علي‌ المغيرة‌ بالزنا أيّام‌ عمر. وفيهم‌ أيضاً أبو بكرة‌ أخو زياد. وشـهد الثلاثة‌ الآخرون‌ أمّا زياد فقد تلجلج‌ في‌شهادته‌ ولم‌يشهد مع‌ أ نّه‌ كان‌ من‌ المقرّر أن‌ يشهد. فلهذا نجا المغيرة‌ من‌ إقامة‌ الحدّ عليه‌.وحبس‌ عمر الثلاثة‌ الآخرين‌ ثمّ أقام‌ عليهم‌ حدّ القذف‌. ولذلك‌ تدهورت‌ العلاقات‌ بين‌ أبي‌ بكرة‌ وزياد. أمّا المغيرة‌ فقد كان‌ صديقاً لزياد. ولمّا قدم‌ المغيرة‌ فارس‌ مبعوثاً من‌ قبل‌ معاوية‌، قال‌ له‌ زياد: أَشِرْ عَلَي‌َّ وَارْمِ الغَرَضَ الاَقْصَي‌! فَاِنَّ المُسْتَشَارَ مُِؤْتَمَنٌ. قَالَ: أَرَي‌ أَنْ تَصِلَ حَبْلِكَ بِحَبْلِهِ وَتَسِيرَ إلَيْهِ وَتَعِيرَ النَّاسَ أُذُنَاً صَمَّاءَ وَعَيْنَاً عَمْيَاء. وقد عمل‌ زياد بمشورة‌ المغيرة‌ وسار إلي‌ معاوية‌. («جمهرة‌ رسائل‌ العرب‌» ج‌ 2، تعليقة‌ ص‌ 32 ).

[12] - جاء في‌ النسخة‌ المطبوعة‌ من‌ شرح‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: ولقد قمتُ يوم‌ قرأت‌ كتابك‌ مقاماً يعبأ به‌ الخطيب‌ المِدْرَة‌. ولكن‌ ورد في‌ نسخة‌ «جمهرة‌ رسائل‌ العرب‌»: يعيا به‌. أي‌: يعجز.

[13] - إنّ جميع‌ المطالب‌ التي‌ ذكرناها هنا حول‌ معاوية‌ وزياد بعد ذكر رسالة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ «نهج‌ البلاغة‌» مثبّتة‌ في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌، ج‌ 16، ص‌ 182 إلي‌ 186. ورواها ابن‌ أبي‌ الحديد عن‌ أبي‌ جعفر محمّدبن‌ حبيب‌. وهذه‌ الرسالة‌ الاخيرة‌ في‌ «جمهرة‌ رسائل‌ العرب‌» ج‌ 2، ص‌ 33 إلي‌ 35.

[14] - «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 16، ص‌ 187.

[15] - «العقد الفريد» ج‌ 3، ص‌ 126، الطبعة‌ الاُولي‌ سنة‌ 1331 ه

[16] - ذلك‌ أ نّها عرضت‌ نفسها لرجل‌ أجنبي‌ّ، وهي‌ ناموس‌ النبي‌ّ وعرضه‌، فتكون‌ قد هتكت‌ ناموسه‌ وعرضه‌ بذلك‌. وقد نزلت‌ آية‌ الحجاب‌: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن‌ وَرَاءِ حِجَابٍ. والآية‌: وَقرْنَ فِي‌ بِيُوتِكُنَّ فيها وفي‌ أمثالها من‌ نساء النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌.

[17] - «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 16، ص‌ 188 و 189، طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌.

[18] - «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 16، ص‌ 189؛ و«الاستيعاب‌» ج‌ 2، ص‌ 526.

[19] - «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 16، ص‌ 189 و 190؛ و «الاستيعاب‌» ج‌ 2، ص‌ 527.

[20] - تحدّث‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الميرزا حسن‌ البجنوردي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ حديثاً وافياً حول‌ القاعدة‌ العامّة‌: الولد للفراش‌ وللعاهر الحجر في‌ كتابه‌ المفيد: «القواعد الفقهيّة‌» ج‌ 4، ص‌ 21 إلي‌ 44.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com