بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الاول/ القسم الثالث: عصمة اميرالمومنين علیه السلام، العصمة فی جمیع الاحوال، آیة الانذار و حدیث ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 عصمة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:

 و هذا الإستدلال‌ راجع‌ لعموم‌ المقرّبين‌ من‌ الله‌ سبحانه‌، لكنّه‌ بالنسبة‌ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ و هو يعسوب‌ الدين‌ و وليّ المؤمنين‌ و قائد الغرّ المحجّلين‌ ـ له‌ دلالة‌ أوفي‌ و أتمّ علی‌ عصمته‌ علیه‌ السّلام‌.

 فلقد تربّي‌ ذلك‌ الإمام‌ في‌ احضان‌ رسول‌ الله‌ منذ الطفولة‌، و كان‌ تحت‌ تربيته‌ و تعلیمه‌؛ يقول‌ محمّد بن‌ طلحة‌ و هو شافعي‌ّ المذهب‌ توفّي‌ سنة‌ 654 هـ[95]، و ابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌ المذهب‌ المتوفّي‌ سنة‌855 هـ: [96] و[97]  لمّا نشأ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ ] علیه‌ السلام‌ [ و بلغ‌ سنّ التمييز، أصاب‌ أهل‌ مكّة‌ جدبٌ شديد و قحطٌ أجحف‌ بذوي‌ المروة‌ و أضرّ بذوي‌ العيال‌ إلی‌ الغاية‌؛ فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ لعمّه‌ العبّاس‌ ـ و كان‌ من‌ أيسر بني‌ هاشم‌ ـ يا عمّ إنّ أخاك‌ أباطالب‌ كثير العيال‌ و قد أصاب‌ الناس‌ ما تري‌، فانطلق‌ بنا إلی‌ بيته‌ لنخفّف‌ من‌ عياله‌ فتأخذ أنت‌ رجلاً واحداً و ءاخذ أنا رجلاً فنكفلهما عنه‌.

 قال‌ العبّاس‌: أفعلُ. فانطلقا حتّي‌ أتيا أبا طالب‌ فقالا: إنّا نريد أن‌ نخفّف‌ عنك‌ من‌ عيالك‌ حتّي‌ ينكشف‌ عن‌ الناس‌ ما هم‌ فيه‌. فقال‌ لهما أبوطالب‌: اذا تركتما لي‌ عقيلاً و طالباً فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ علیاً و ضمّه‌ إلیه‌، و أخذ العبّاسُ جعفراً فضمّه‌ إلیه‌؛ فلم‌ يزل‌ علی مع‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ حتّي‌ بعث‌ الله‌ عزّوجل‌ محمّداً نبيّاً فاتّبعه‌ علی علیه‌ السلام‌ و ءامن‌ به‌ و صدّقه‌ و كان‌ إذ ذاك‌ في‌ السنة‌ الثالثة‌ عشر [98] من‌ عمره‌ لم‌ يبلغ‌ الحلم‌ و قيل‌ غير ذلك‌. و أكثر الاقوال‌ و أشهرها انّه‌ لم‌ يبلغ‌ الحلم‌، و أنّه‌ أوّل‌ من‌ أسلم‌ و ءامن‌ برسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ من‌ الذكور[99]،...

 قاله‌ الثعالبي‌[100]  في‌ تفسير قوله‌ تعإلی‌: السَّـ'بِقُونَ الاْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـ'جِرِينَ وَ الاْنصَار [101]، و هو قول‌ ابن‌ عبّاس‌ و جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاري‌ و زيد بن‌ أرقم‌ و محمّد بن‌ المنكدر و ربيعة‌ المرائي‌؛ و قد أشار علی بن‌ أبي‌ طالب‌ ] علیه‌ السلام‌ [ إلی‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ في‌ أبيات‌ قالها رواها عنه‌ الثقاة‌ الاثبات‌، وهي‌ هذه‌ الابيات‌:

 مُحَمَّدٌ النَّبِي‌ُ أَخِي‌ وَ صِنْوِي        ‌ وَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَداءِ عَمِّي‌

 وَ جَعْفَرٌ الَّذِي‌ يُضْحِي‌ وَ يُمْسِي‌         يَطِيرُ مَعَ الْمَلَئِكَةِ ابْنُ أُمِّي‌

 وَ بِنْتُ مُحَمَّدٍ سَكَنِي‌ وَ عِرْسِي‌         مَنُوطٌ لَحْمُهَا بِدَمِي‌ وَ لَحْمِي‌

 وَ سِبْطَا أَحْمَدٍ وَلَدَايَ مِنْهَا         فَأيُّكُمُ لَهُ سَهْمٌ كَسَهْمِي‌

 سَبَقْتُكُمُ إلی‌ الإسْلاَمِ طُرَّاً         غُلاَمَاً مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي‌

 وَ أَوْجَبَ لِي‌ وِلاَيَتَهُ علیكُمْ         رَسُولُ اللَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمِّ

 فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ         لِمَن‌ يَلْقَي‌ الإلَهَ غَدَاً بِظُلْمِي[102]

 (والعجب‌ من‌ هذين‌ العالمين‌ السنيّين‌ كيف‌ يعدّان‌ هذه‌ الاشعار لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ يقيناً و كيف‌ سيعترفان‌ و يقرّان‌ بدخول‌ ظالميه‌ إلی‌ جهنّم‌ تبعاً لقوله‌ علیه‌ السلام‌!!)

 و قد نُقل‌ عن‌ جابر بن‌ عبدالله‌ الانصاري‌ انه‌ قال‌: سمعتُ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ يُنشِد و رسول‌ الله‌ يسمع‌:

 أَنَا أَخُو الْمُصطَفَي‌ لاَ شَكَّ فِي‌ نَسَبِي        ‌ بِهِ رُبِّيتُ وَ سِبْطَاهُ هُمَا وُلْدِي‌

 جَدِّي‌ وَ جَدُّ رَسُولِ اللَهِ مُنْفَرِدٌ         وَ فَاطِمٌ زَوْجَتِي‌ لاَ قَوْلَ ذِي‌ فَنَذِ

 صَدَّقْتُهُ وَ جَمِيعُ النَّاسِ فِي‌ بُهَمٍ         مِنَ الضَّلاَلَةِ وَ الإشْرَاكِ وَ النَّكَدِ [103]

 قال‌: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَهُ وَ قَالَ: صَدَقْتَ يَا علی!

 و يشرح‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ (نهج‌ البلاغة‌) ضمن‌ خطبته‌ (القاصعة‌) فترة‌ صباه‌ في‌ صُحبته‌ لرسول‌ الله‌:

 وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي‌ مِنْ رَسوُلِ اللَهِ صلّي‌ اللهُ علیه‌ و ءاله‌ بِالقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَ الْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي‌ فِي‌ حِجْرِهِ وَ أَنَا وَلَدٌ وَ يَضُمُّنِي‌ إلی‌ صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي‌ إلی‌ فِرَاشِهِ وَ يَمُسُّنِي‌ جَسَدَهُ، وَ يَشُمُّنِي‌ عُرْفَهُ، وَ كَانَ يَمْضَغُ الطَّعَامَ ثُمَّ يُلَقِّمنِيهِ، وَ مَا وَجَدَ لِي‌ كِذْبَةً فِي‌ قَوْلٍ، وَ لاَ خَطْلَةً فِي‌ فِعْلٍ.

 وَ لَقَدْ قَرَنَ اللَهُ بِهِ صَلّي‌ اللَهُ علیه‌ و ءاله‌ مِن‌ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيمًا أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَ مَحَاسِنِ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ اَثَرَ أمَّهِ، يَرْفَعُ لِي‌ فِي‌ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عِلْمًا وَيَأْمُرُنِي‌ بِالإقْتِدَاءِ بِهِ.

 وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي‌ كُلِّ سَنَةٍ بِحَرَاءَ، فَأَرَاهُ وَ لاَ يَرَاهُ غَيْرِي‌، وَ لَمْ يَجْتَمِعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي‌ الإسْلاَمِ، غَيْرَ رَسُولِ اللَهِ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ وءاله‌ وَ خَدِيجَةَ، وَ أَنَا ثَالِثُهمَا، أَرَي‌ نُورَ الْوَحي‌ِ وَ الرِّسَالَةِ، وَ أَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحي‌ علیهِ صلّي‌ اللَهُ علیه‌ وءاله‌، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: هَذَا الشَّيطَانُ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَي‌ مَا أَرَي‌، إلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِي‌ٍّ ولَكِنَّكَ وَزِيرٌ وَ إنَّكَ لَعلی‌ خَيْرٍ[104].

 والعجب‌ انّه‌ مع‌ هذا المقام‌ و المنزلة‌ و الوصايا التي‌ أكّد علیها الرسول‌ و جعلِهِ علیاً وصيّاً و وزيراً و وليّاً للمؤمنين‌ و خليفته‌ من‌ بعده‌، فانّهم‌ اجتمعوا في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌ قبل‌ أن‌ يُدفن‌ جسد الرسول‌ المطهّر، ففعلوا ما فعلوا، و لم‌ يكتفوا بسلب‌ الخلافة‌، بل‌ عمدوا إلی‌ مصادرة‌ بُستان‌ الصدّيقة‌ الطاهرة‌ فاطمة‌ بنت‌ رسول‌ الله‌، فسلبوا نِحلة‌ رسول‌ الله‌ و كسروا فؤاد بنت‌ رسول‌ الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

ردّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌ علی‌ اعتراض‌ فاطمة‌ علیها السلام‌

 ثمّ انّ فاطمة‌ ذهبت‌ بعد ذلك‌ إلی‌ المسجد لإثبات‌ حقّها، فتحاججت‌ مع‌ أبي‌ بكر؛ يقول‌ ابن‌ شهر ءاشوب‌: و لمّا انصرفت‌ من‌ عند أبي‌ بكر أقبلت‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فقالت‌ له‌:

 يَابْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ! إشتَمَلْتَ شَمْلَةَ الْجَنِينِ، وَقَعَدتَ حُجْرَةَ الظَّنِينِ، نَقَضْتَ قَادِمَةَ الاَجْدَلِ فَخَانَكَ رِيشُ الاَعْزَلِ.

 هَذَا ابْنُ أَبِي‌ قُحَافَةَ، قَد ابْتَزَّنِي‌ نُحَيْلَةَ أَبِي‌، وَ بُلَيْغَةَ إبْنِي‌.

 وَاللَهِ لَقَد أَجَدَّ فِي‌ ظُلاَمَتِي‌، وَ أَلَدَّ فِي‌ خِصَامِي‌، حَتَّي‌ مَنَعَتنِي‌ الْقَيْلَةُ نَصْرَهَا، وَ الْمُهَاجِرَةُ وَصْلَهَا، وَ غَضَّتِ الْجَمَاعَةُ دُونِي‌ طَرْفَهَا؛ فَلاَ مَانِعَ وَلاَ دَافِعَ.

 خَرَجْتُ وَاللَهِ كَاظِمَةً، وَعُدْتُ رَاغِمَةً.

 أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، افتَرَسْتَ الذِّئَابَ وَافْتَرَسَكَ الذُّبَابُ، مَا كَفَفْتَ قَائلاً، وَ لاَ أَغْنَيْتَ بَاطِلاً، وَ لاَ خِيَارَ لِي‌ لَيْتَنِي‌ مِتُّ قَبْلَ ذُلَّتِي‌، وَ تُوِفِّيتُ دُونَ مُنْيَتِي‌ [105].

 عَذِيرِي‌ وَاللهِ فِيْكَ حَامِيَاً، وَ مِنْكَ دَاعِيَاً، وَيْلاَي‌فِي‌ كَلِّ شَاِرقٍ، مَاتَ الْعَمَدُ وَ وَهَنَ الْعَضُدُ.

 شَكْوَايَ إلی‌ رَبَّي‌ وَ عُدْوَايَ إلی‌ أَبِي‌.

 اللَّهُمَّ أَنْتَ أَشْدُّ قُوَّةً وَ أَحَدُّ بَأسَاً وَ تَنْكِيلاً.

 فَأجابها علیه‌ السّلام‌:

 لاَ وَيْلَ لَكِ! بَلِ الْوَيْلُ لِشَانِئِكِ، نَهنِهِي‌ عَنْ عِربِكِ يَا بِنْتَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيّةَ النُّبّوَّةِ.

 فَوَاللَهِ مَا وَ نَيْتُ فِي‌ دِينِي‌، وَ لاَ أَخْطَأتُ مَقْدُورِي‌، فَإن‌ كُنْتِ تُرِيدِينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مِضَمُونٌ وَ كَفِيلُكِ مَأمُونٌ، وَ مَا أُعِدَّ لَكِ خَيْرٌ مِمَّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي‌!

 فَقَالَت‌: حَسْبِيَ اللَهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ [106]!

 يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد: وَ قَدْ رُوِي‌ عَنْهُ علیه‌ السَّلام‌ إنَّ فَاطِمَةَ علیهَا السَّلامُ حَرَّضَتْهُ يَوْمَاً علی‌ النُّهُوضِ وَ الْوُثُوبِ، فَسَمِعَ صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَهُ.

 فَقَالَ لَهَا: أَيَسُرُّكِ زَوَالَ هَذَا النَّدَاءِ مِنَ الارضِ؟

 قَالَت‌: لاَ.

 قَالَ: فِإنَّهُ مَا أَقُولُ لَكِ![107].

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الخامس‌:

العصمة‌ أمرٌ موهبيّ

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَ لَوْلاَ فَضْلُ اللَهُ علیكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّت‌ طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ مَا يُضِلُّونَ إلآ أَنْفَسَهُمْ وَ مَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَ أَنْزَلَ اللَهُ علیكَ الْكِتَـ'بَ وَالْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كَانَ فَضْلُ اللَهِ علیكَ عَظِيمًا [108].

 عصمة‌ الانبياء حتميّة‌:

 الرجوع الي الفهرس

قوّة‌ العصمة‌ في‌ الانبياء حاكمة‌ علی‌ وجودهم‌ في‌ جميع‌ الاحوال‌

 انّ قوّة‌ العصمة‌ في‌ الانبياء و الائمّة‌ علیهم‌ السّلام‌ موهبةٌ إلهيّة‌، و هي‌ نوعٌ من‌ المعرفة‌ و الحالة‌ القلبيّة‌ لديهم‌ لا تماثل‌ سائر العلوم‌ البشريّة‌، كما انّها لا تغلبها و لا تقهرها الواردات‌ الطبيعيّة‌ و لا الخيالات‌ الخسيسة‌ الماديّة‌ في‌ النوم‌ أو إلیقظة‌، في‌ إلیسر أو العُسر، في‌ الرخاء أو الشدّة‌، بل‌ تشرق‌ في‌ القلب‌ دائماً كالشمس‌ المنيرة‌ فتخرج‌ النقاط‌ السوداء المظلمة‌ من‌ زواياه‌. وهذا النوع‌ من‌ العلم‌ ليس‌ فقط‌ قويّاً بحيث‌ لا تغلبه‌ القوي‌ الشعوريّة‌ و لا ينكبه‌ طغيانُ الإحساسات‌، بل‌ انّه‌ يُصيّرها جميعاً تحت‌ سيطرته‌، ويستخدمها في‌ مصالحه‌، و يأمرها بأمره‌ و نهيه‌، فلا قدرة‌ لها علی‌ التخطّي‌ و التجاوز.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ قوّة‌ العلم‌ و النور المضي‌ء تصون‌ صاحبها عن‌ الضلالة‌ و المعصية‌ و الخطأ دائماً.

 و قد ورد في‌ الروايات‌ انّ هناك‌ روحاً لدي‌ الانبياء و الائمة‌ تسمّي‌ بـ (روح‌ القدس‌) تحفظهم‌ في‌ مقام‌ الإنسانيّة‌ الرفيع‌، و تصونهم‌ عن‌ الإنزلاق‌ و الإثم‌ و الخطأ.

 و قد وردت‌ في‌ الاية‌ المباركة‌ التي‌ ذُكرت‌ سابقاً في‌ مطلع‌ الحديث‌ كلمةُ الكتاب‌، و المقصود بها الوحي‌ الذي‌ نزل‌ علی‌ قلب‌ النبيّ بواسطة‌ جبرئيل‌، و المتعلّق‌ بقوانين‌ الشريعة‌؛ كما ان‌ المراد بالحكمة‌ العلم‌ بالمعارف‌ الكليّة‌ و الاسرار الالهيّة‌، و المراد من‌ العلوم‌ التي‌ تعلّمها سائر العلوم‌ من‌ الإدراكات‌ الجزئية‌ و تشخيص‌ المطالب‌ الحقّة‌.

 و لانّ جملة‌ (وَ أَنْزَلَ اللَهُ علیكَ الْكِتَـ'بَ) امّا ان‌ تكون‌ حإلیة‌، و امّا بمنزلة‌ تعلیل‌ للجملة‌ السابقة‌؛ لذا نستفيد انّ العلّة‌ لعدم‌ تأثير كلام‌ المنافقين‌ في‌ الرسول‌ يعود إلی‌ تلك‌ الملكة‌ القلبيّة‌ التي‌ يكون‌ قادراً بها علی‌ تلقّي‌ الوحي‌ بواسطة‌ الامين‌ جبرئيل‌ بالنسبة‌ إلی‌ أحكام‌ الشريعة‌ و قوانينها، وبالنسبة‌ إلی‌ المعارف‌ الالهيّة‌، و يكون‌ قادراً أيضاً علی‌ تلقّي‌ الإلهامات‌ نسبةً إلی‌ الاطّلاع‌ علی‌ الاسرار و المغيَّبات‌، و تبيّن‌ واقعيّة‌ الامور و التفريق‌ بين‌ الحقّ و الباطل‌.

 و بناء علی‌ هذا فاننا نستفيد من‌ الاية‌ بأنّ العلّة‌ لعدم‌ انحراف‌ النبيّ أو ضلاله‌ حتّي‌ في‌ بعض‌ الامور الجزئّية‌ تستند إلی‌ ذلك‌ العلم‌ الخاصّ الذي‌ وهبه‌ الله‌ سبحانه‌ له‌ بعنايته‌، فهو يتلقّي‌ الوحي‌ بواسطته‌، و هو ذلك‌ العلم‌ الخاصّ الذي‌ يُعبّر عنه‌ في‌ الروايات‌ بـ (روح‌ القُدس‌) الذي‌ يحفظ‌ الانبياء ويصونهم‌ عن‌ الإثم‌ و الخطأ في‌ كلّ مرحلة‌ من‌ مراحل‌ التشخيص‌.

 استدلال‌ ءاخر من‌ القرءان‌ علی‌ عصمة‌ الانبياء:

و من‌ الاستدلالات [109] الاخري‌ علی‌ عصمة‌ الانبياء ضمّ ءايتين‌ من‌ ءايات‌ القرءان‌ الكريم‌، الاولي‌ قوله‌ تعإلی‌:

 وَ مَن‌ يُطِعِ اللَهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولَـ'´ئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَهُ علیهِمْ مِنَ النَّبِيّـنَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَآءِ وَالصَّـ'لِحِينَ وَ حَسُنَ أُولَـ'´ئِكَ رَفِيقًا [110].

 و الثانية‌ قوله‌ تعإلی‌:

 إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ علیهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ علیهِمْ وَ لاَ الضَّإلینَ[111].

 و نستفيد من‌ الاية‌ الاولي‌ انّ الله‌ قد أنعم‌ علی‌ الانبياء و الشّهداء والصّديقين‌ و الصّالحين‌، و من‌ الاية‌ الثانية‌ انّ الذين‌ أنعم‌ اللهُ علیهم‌ لن‌ يضلّوا و لن‌ ينحرفوا. و بناءً علی‌ هذا فانّ الانبياء و الشهداء و الصدّيقين‌ والصالحين‌ لن‌ يضلّوا. و لانّ كلّ معصيةٍ و ذنب‌ ضلالة‌، لذا فان‌ المعصيّة‌ والذنب‌ لا يصدران‌ منهم‌، أي‌ انّ شأنهم‌ و مقامهم‌ في‌ أنهم‌ يمتلكون‌ مَلَكةً حافظة‌ عن‌ المعصية‌ و الإثم‌، و هذا هو معني‌ العصمة‌ من‌ الذنب‌.

 و كذلك‌ لانّ الخطأ في‌ تلقّي‌ الاحكام‌ و الوحي‌ الالهي‌، و في‌ المعارف‌ الالهيّة‌ الكليّة‌، و في‌ تشخيص‌ الامور الجزئية‌، و الخطأ في‌ التبليغ‌ هو ضلالٌ أيضاً، فانّهم‌ لا يُخطئون‌ و لا يزلّون‌ في‌ أيّ مرحلة‌ من‌ هذه‌ المراحل‌، و بهذا البيان‌ فانّ عصمتهم‌ ستكون‌ أيضاً في‌ مرحلتين‌: مرحلة‌ تلقّي‌ الوحي‌ والمعارف‌ الالهيّة‌، و مرحلة‌ التبليغ‌ و الترويج‌.

 الرجوع الي الفهرس

 حيازة‌ أميرالمؤمنين‌ لمقام‌ العصمة‌:

 لقد حاز أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ من‌ الله‌ سبحانه‌ مقامَ العصمة‌ وكونه‌ وصيّ رسول‌ الله‌ و وارثه‌ و خليفته‌، و أوّل‌ من‌ ءامن‌ برسول‌ الله‌ و صلّي‌ معه‌.

 يروي‌ الطبري‌ بسنده‌ عن‌ ابن‌ عباس‌ قال‌: أوَّلُ مَن‌ صَلَّي‌ علی‌ٌّ[112].

 و يحدّث‌ ايضاً عن‌ زيد بن‌ أرقم‌ قال‌: أوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَهُ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ علی‌ٌّ ] علیه‌ السلام‌ [ [113].

 و يروي‌ عنه‌ أيضاً قال‌: أَوَّلُ رَجُلٍ صَلّي‌ مَعَ رَسُولِ اللَهِ صلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ علی ابنُ أَبِي‌ طَالِبٍ[114].

 و يروي‌ أيضاً بسنده‌ عن‌ عبّاد بن‌ عبدالله‌ قال‌: سَمِعْتُ علیاً يَقُولُ: أَنَا عَبْدُ اللَهِ وَ أَخْو رَسُولِهِ وَ أَنَا الصِّدِّيقُ الاكْبَرُ لاَ يَقُولُهَا بَعْدِي‌ إلاَّ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَهِ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ[115].

 و يقول‌ ابن‌ الصبّاغ‌ المالكي‌ و محمّد بن‌ طلحة‌ الشافعي‌:

 وَ كَانَ رَسُولُ اللَهِ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ قَبلَ بَدْوِ أَمْرِهِ إذَا أَرَادَ الصَّلَو'ةَ خَرَجَ إلی‌ شِعَابِ مَكَّةَ مُسْتَخِفيَاً وَ أَخْرَجَ علیاً مَعَهُ، فَيُصَلِّيَانِ مَا شَاءَ اللَهُ فَإذَا قَضَيَا رَجَعَا إلی‌ مَكَانِهِمَا [116].

 و يروي‌ الطبري‌ بسنده‌ عن‌ يحيي‌ بن‌ عفيف‌ الكندي‌ (عفيف‌ الكندي‌ هو أخ‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌، و كان‌ رفيقاً للعباس‌ بن‌ عبدالمطّلب‌، وكان‌ يأتي‌ إلی‌ مكّة‌ للتجارة‌ فيسكن‌ في‌ بيت‌ العبّاس‌)؛ يقول‌: حدّثني‌ أبي‌ قال‌: كنتُ جالساً مع‌ العبّاس‌ بن‌ عبدالمطّلب‌ بمكّة‌ بالمسجد قبل‌ أن‌ يظهر أمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌، فجاء شابُّ فنظر إلی‌ السماء حين‌ حلقت‌ الشمس‌ ثمّ استقبل‌ الكعبة‌ فقام‌ يصلّي‌، فجاء غلامٌ فقام‌ عن‌ يمينه‌، ثم‌ جاءت‌ امرأة‌ فقامت‌ خلفهما، فركع‌ الشاب‌ فركع‌ الغلام‌ و المرأة‌، ثمّ رفع‌ فرفعا، ثمّ سجد فسجدا؛ فقلتُ: يا عبّاس‌ أمرٌ عظيم‌! فقال‌ العبّاس‌: أتعرف‌ هذا الشابّ؟

 فقلتُ: لا. فقال‌: هذا محمّد بن‌ عبدالله‌ بن‌ عبدالمطّلب‌ ابن‌ أخي‌؛ أتدري‌ من‌ هذا الغلام‌؟ هو علی أبي‌ طالب‌ بن‌ عبدالمطّلب‌ ابن‌ أخي‌؛ أتدري‌ من‌ هذه‌ المرأة‌؟ هذه‌ خديجة‌ بنت‌ خويلد. انّ ابن‌ أخي‌ هذا حدّثه‌ أنّ ربّه‌ ربّ السموات‌ و الارض‌ أمره‌ بهذا الدين‌ و هو علیه‌، و لا واللهِ ] ما أعرفُ [ علی‌ ظهر الارض‌ إلیوم‌ علی‌ هذا الدين‌ غير هؤلاء[117].

 بلي‌، لقد انشغل‌ النبيّ و أميرالمؤمنين‌ و خديجة‌ بالصلاة‌ و عبادة‌ الله‌ سنوات‌ عديدة‌، بينما لم‌ يكن‌ أحد من‌ أهل‌ مكّة‌ مؤمناً ءانذاك‌ أو عالماً برسالته‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌، حتّي‌ نزلت‌ علیه‌ ءاية‌ الإنذار من‌ قبل‌ الله‌ تعإلی‌.

 الرجوع الي الفهرس

 ءاية‌ الإنذار و حديث‌ العشيرة‌:

 وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي‌ بَرِي‌´ء مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَ تَوَكَّلْ علی‌ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي‌ يَرَب'كَ حِينَ تَقُومُ * وَ تَقَلُّبَكَ فِي‌ السَّـ'جِدِينَ * إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعلیمُ [118].

 فدعي‌ رسول‌ الله‌ أقرباءه‌ و عشيرته‌ و أعلن‌ لهم‌ نبوّته‌ كما هو معروف‌ في‌ حديث‌ العشيرة‌ الذي‌ ورد عن‌ طائفة‌ كبيرة‌ من‌ أعلام‌ المحدّثين‌ والمؤرّخين‌ المسلمين‌. يقول‌ العلاّمة‌ الاميني‌: أخرجه‌ (أي‌ حديث‌ العشيرة‌) غير واحد من‌ الائمّة‌ و حفّاظ‌ الحديث‌ من‌ الفريقين‌ في‌ الصحاح‌ و المسانيد، و مرّ علیه‌ ءاخرون‌ ممّن‌ يُعتدّ بقوله‌ و تفكيره‌ مخبتين‌ به‌ من‌ دون‌ أيّ غمز في‌ الإسناد أو توقّف‌ في‌ متنه‌. و تلقّاه‌ المؤرّخون‌ من‌ الامّة‌ الإسلامية‌ و غيرها بالقبول‌، و أُرسل‌ في‌ صحيفة‌ التأريخ‌ إرسال‌ المسلّم‌، و جاء منظوماً في‌ أسلاك‌ الشعر و القريض‌، و سيوافيك‌ في‌ شعر الناشي‌ء الصّغير المتوفّي‌ 365 هـ و غيره‌[119].

 و سننقل‌ أوّلاً نصّ الحديث‌ عن‌ تاريخ‌ الطبري‌ ثم‌ نناقش‌ جوانبه‌ المختلفة‌؛ فقد أخرج‌ الطبري‌ عن‌ ابن‌ حميد، عن‌ سلمة‌، عن‌ محمّد بن‌ اسحق‌، عن‌ عبد الغفّار بن‌ قاسم‌، عن‌ المنهال‌ بن‌ عمرو، عن‌ عبدالله‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ نوفل‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ عبدالمطّلب‌، عن‌ عبدالله‌ بن‌ العبّاس‌، عن‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ قال‌: لمّا نزلت‌ هذه‌ الاية‌ علی‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَقْرَبِينَ؛ دعاني‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ فقال‌: يا علی! انّ الله‌ أمرني‌ أن‌ أنذر عشيرتي‌ الاقربين‌ فضقتُ بذلك‌ ذرعاً و عرفتُ أنّي‌ متي‌ أبادئهم‌ بهذا الامر أري‌ منهم‌ ما أكره‌، فصمتُّ علیه‌، حتّي‌ جاء جبريل‌ فقال‌: يا محمّد! إنّك‌ إلاّ تفعل‌ ما تؤمر به‌ يُعذّبك‌ ربّك‌. فاصنع‌ لنا صاعاً من‌ طعام‌ واجعل‌ علیه‌ رِجل‌ شاة‌ و املا لنا عسّاً من‌ لبن‌، ثم‌ اجمع‌ لي‌ بني‌ عبدالمطّلب‌ حتّي‌ أكلّمهم‌ و أُبلّغهم‌ ما أُمرتُ به‌. ففعلتُ ما أمرني‌ به‌، ثمّ دعوتهم‌ له‌ و هم‌ يومئذٍ أربعون‌ رجلاً يزيدون‌ رجلاً أو ينقصونه‌، فيهم‌ أعمامه‌: أبوطالب‌ و حمزة‌ و العبّاس‌ و أبولهب‌، فلّما اجتمعوا إلیه‌ دعاني‌ بالطّعام‌ الذي‌ صنعتُ لهم‌ فجئتُ به‌، فلمّا وضعتُه‌ تناول‌ رسولُ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ حذية‌ من‌ اللحم‌ فشقّها بأسنانه‌ ثمّ ألقاها في‌ نواحي‌ الصحفة‌ ثم‌ قال‌: خذوا بسم‌ الله‌. فأكل‌ القوم‌ حتي‌ ما لهم‌ بشي‌ءٍ حاجة‌ و ما أري‌ الاّ موضع‌ أيديهم‌، و أيم‌ اللهِ الذي‌ نفس‌ علی بيده‌ وإن‌ كان‌ الرجلُ الواحدُ منهم‌ ليأكل‌ ما قدّمت‌ لجميعهم‌. ثم‌ قال‌: إسقِ القوم‌. فجئتهم‌ بذلك‌ العُسّ فشربوا حتّي‌ رووا منه‌ جميعاً، و أيم‌ الله‌ إن‌ كان‌ الرجلُ الواحد منهم‌ ليشرب‌ مثله‌، فلمّا أراد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ وسلّم‌ أن‌ يكلّمهم‌ بَدَره‌ أبولهب‌ إلی‌ الكلام‌ فقال‌: لَقدماً سحركم‌ صاحبُكم‌. فتفرّق‌ القوم‌ و لم‌ يكلّمهم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌، فقال‌ الغد: يا علی! انّ هذا الرجل‌ سبقني‌ إلی‌ ما قد سمعتَ من‌ القول‌ فتفرّق‌ القوم‌ قبل‌ أن‌ أكلّمهم‌، فعُد لنا من‌ الطعام‌ بمثل‌ ما صنعتَ ثمّ اجمعهم‌ إلی. قال‌: ففعلتُ ثمّ جمعتُهم‌، ثمّ دعاني‌ بالطعام‌ فقرّبتُه‌ لهم‌، ففعل‌ كما فعل‌ بالامس‌، فأكلوا حتّي‌ ما لهم‌ بشي‌ءٍ حاجة‌، ثمّ قال‌: إسقهم‌، فجئتُهم‌ بذلك‌ العُسّ، فشربوا حتّي‌ رووا منه‌ جميعاً، ثمّ تكلّم‌ رسولُ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌ فقال‌: يا بني‌ عبدالمطّلب‌! إنّي‌ واللهِ ما أعلم‌ شابّاً في‌ العرب‌ جاءَ قومَه‌ بأفضل‌ ممّا جئتُكم‌ به‌، إنّي‌ قد جتئكم‌ بخير الدنيا و الاخرة‌، و قد أمرني‌ الله‌ تعإلی‌ أن‌ أدعوكم‌ إلیه‌، فأيُّكم‌ يوازرني‌ علی‌ هذا الامر علی‌ أن‌ يكون‌ أخي‌ ووصيّي‌ وخليفتي‌ فيكم‌؟ قال‌: فأحجم‌ القوم‌ عنها جميعاً و قلتُ و إنّي‌ لاحدثهم‌ سنّاً، و أرمصهم‌ عيناً، و أعظمهم‌ بطناً، و أحمشهم‌ ساقاً؛ أنا يا نبيّ الله‌! أكون‌ وزيرك‌ علیه‌ [120].

 فأخذ برقبتي‌ ثمّ قال‌: إِنَّ ه'ذَا أخِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَخَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا، قال‌: فقام‌ القوم‌ يضحكون‌ و يقولون‌ لابي‌ طالب‌: قد أمرك‌ أن‌ تسمع‌ لابنك‌ و تُطيع‌[121].

 الرجوع الي الفهرس

 صحّة‌ اسناد حديث‌ العشيرة‌:

 يقول‌ العلاّمة‌ الاميني‌: و بهذا اللفظ‌ أخرجه‌ أبوجعفر الإسكافي‌ المتكلّم‌ المعتزلي‌ البغدادي‌ المتوفّي‌ 240 هـ في‌ كتابه‌ (نقض‌ العثمانيّة‌) [122]، وقال‌: إنّه‌ روي‌ في‌ الخبر الصحيح‌. و رواه‌ الفقيه‌ برهان‌ الدين‌ في‌ (أنباء نجباء الابناء)، ص‌ 46 ـ 48؛ و ابن‌ الاثير في‌ (الكامل‌) ج‌ 2، ص‌ 24؛ وأبو الفداء عماد  الدين‌ الدمشقي‌ في‌  تاريخه‌، ج‌  1، ص‌ 116؛ وشهاب‌ الدين‌ الخفاجي‌ في‌ (شرح‌ الشفا) للقاضي‌ عياض‌، ج‌ 3، ص‌ 37 (و بتر ءاخره‌) وقال‌: ذكر في‌ دلايل‌ البيهقي‌ و غيره‌ بسند صحيح‌؛ والخازن‌ علاء الدين‌ البغدادي‌ في‌ تفسيره‌، ص‌ 390؛ والحافظ‌ السيوطي‌ في‌ (جمع‌ الجوامع‌) كما في‌ ترتيبه‌، ج‌ 6، ص‌ 392 نقلاً عن‌ الطبري‌، و في‌ ص‌ 397 عن‌ الحّفاظ‌ الستّة‌: ابن‌ اسحق‌، و ابن‌ جرير، و ابن‌ أبي‌ حاتم‌، و ابن‌ مردويه‌، وأبي‌ نعيم‌، والبيهقي‌؛ وابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ج‌ 3، ص‌ 254. وذكره‌ المؤرّخ‌ جرجي‌ زيدان‌ في‌ (تاريخ‌ التمّدن‌ الحديث‌) ج‌1، ص‌ 31؛ والاستاذ محمّد حسين‌ هيكل‌ في‌ (حياة‌ محمّد) ص‌ 104 من‌ الطبعة‌ الاولي‌.

 و رجال‌ السند كلّهم‌ ثقات‌ الاّ أبو مريم‌ عبدالغفّار بن‌ القاسم‌، فقد ضعّفه‌ القوم‌ و ليس‌ ذلك‌ الاّ لتشيّعه‌، فقد أثني‌ علیه‌ ابن‌ عقدة‌ و أطراه‌ و بالغ‌ في‌ مدحه‌ كما في‌ (لسان‌ الميزان‌) ج‌ 4، ص‌ 43، و أسند إلیه‌ و روي‌ عنه‌ الحفّاظ‌ المذكورون‌ و هم‌ أساتذة‌ الحديث‌، و أئمّة‌ الاثر، و المراجع‌ في‌ الجرح‌ و التعديل‌، و الرفض‌ و الإحتجاج‌، و لم‌ يقذف‌ أحدٌ منهم‌ الحديث‌ بضعف‌ أو غمز لمكان‌ أبي‌ مريم‌ في‌ إسناده‌، و احتجّوا به‌ في‌ دلايل‌ النبوّة‌ والخصايص‌ النبويّة‌. و صحّحه‌ أبو جعفر الإسكافي‌ و شهاب‌ الدين‌ الخفاجي‌ كما سمعت‌، و حكي‌ السيوطي‌ في‌ (جمع‌ الجوامع‌) كما في‌ ترتيبه‌ (ج‌ 2، ص‌ 396) تصحيح‌ ابن‌ جرير الطبري‌ له‌. علی‌ انّ الحديث‌ ورد بسند ءاخر رجاله‌ كلّهم‌ ثقاتٌ كما يأتي‌، أخرجه‌ أحمد في‌ مسنده‌ (ج‌ 1، ص‌ 111) بسندٍ، رجاله‌ كلّهم‌ من‌ رجال‌ الصحاح‌ بلا كلام‌، و هم‌: شريك‌، الاعمش‌، المنهال‌، عبّاد[123].

 بلي‌، نقل‌ حديث‌ العشيرة‌ الكثير من‌ الاعلام‌ أمثال‌ ابن‌ مردويه‌ والسيوطي‌ و ابن‌ أبي‌ حاتم‌ و البغوي‌ و الحلبي‌ في‌ (السيرة‌ النبويّة‌)، و نقله‌ غيرهم‌ بألفاظ‌ أخري‌، مثل‌: أَيُّكُمْ يُبَايِعُني‌ علی‌ أَنْ يكونَ أَخِي‌ وَصَاحِبي‌ وَوَارِثِي‌؟ فَلَمْ يَقُمْ إلیه‌ أَحَدٌ، فَقُمْتُ إلیهِ وَ كُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ... إلی‌ أن‌ قال‌: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَهِ بِيَدِهِ علی‌ يَدِهِ. و مثل‌: مَن‌ بَايَعَنِي‌ علی‌ أنْ يَكُونَ أَخِي‌ وَ صَاحِبِي‌ وَ وَلِيُّكُمْ مِنْ بَعْدِي‌؟ فَمَدَدْتُ يَدِي‌ وَ قُلْتُ: أَنَا أُبَايُعَكَ! ومثل‌: أَنَا أَدْعُوكُمْ إلی‌ كَلِمَتينِ خَفِيفَتَيْنِ علی‌ اللِّسَانِ ثَقِيلَتَيْنِ فِي‌ الميزانِ: شَهادَةُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَ أَنِّي‌ رَسُولُ اللَهِ، فَمَنْ يُجِيبُني‌ إلی‌ هَذا الاَمْرِ وَيُوَازِرُني‌ يُكُنْ أَخِي‌ وَوَزِيرِي‌ وَ وَصِيّي‌ وَ وَارِثِي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ مِنْ بَعْدِي‌؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَقَامَ علی‌ٌّ وَ قالَ: أَنَا يَا رَسُولُ اللَهِ! قالَ: إجلِس‌! ثُمَّ أَعادَ القولَ علی‌ القومِ ثَانياً فَصَمَتُوا، فَقَامَ علی‌ٌّ و قال‌: أَنَا يَا رَسُولَ اللَهِ! فَقَالَ: إجلِس‌! ثُمَّ أَعَادَ القولَ علی‌ القومِ ثَالِثاً، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَقَامَ علی‌ٌّ وَ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَهِ! فَقَالَ: إجلِسْ فَأَنْتَ أَخِي‌ وَ وَزِيرِي‌ وَوَصِيِّي‌ وَ وَارِثِي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ مِنْ بَعْدِي‌.

 و مثل‌: أَيُّكُمْ يَنْتَدِبُ أَنْ يَكُونَ أَخِي‌ وَ وَزِيرِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فِي‌ أَمَّتِي‌ وَ وَلِي‌ُّ كُلَّ مُؤمِنٍ بَعْدِي‌؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، حَتَّي‌ أَعَادَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ علی: أَنَا يَا رَسُولَ اللَهِ!

 فَوَضَعَ رَأسَهُ فِي‌ حِجِرِهِ وَ تَفَلَ فِي‌ فِيهِ، وَ قَالَ: اللَهُّمَ امْلاَ جَوْفَهُ عِلْمَاً وَفَهْمَاً وَ حُكْمَاً، ثُمَّ قَالَ لاِبِي‌ طَالِبٍ: يَا أَبَا طَالِبٍ اسْمَعِ الانُ لاِبنِكَ وَ أَطِعْ فَقَدْ جَعَلَهُ اللَهُ مِنْ نَبِيِّهِ بِمنزِلَةِ هَرونَ مِن‌ مَوسَي‌.

 و مثل‌: مَنْ يُؤَاخِينِي‌ وَ يُوَازِرُني‌ وَ يَكُونَ وَلَِيي‌ وَ وَصِيِّي‌ بَعْدِي‌ وَخَلِيفَتِي‌ فِي‌ أَهْلِي‌ يَقْضِي‌ دَيْنِي‌؟ إلی‌ أن‌ قال‌ رسول‌ الله‌ لِعلی: أَنْتَ، فَقَامَ الْقَومُ وَ هُمْ يَقُولُونَ لاِبِي‌ طَالِبٍ: أَطِعْ ابْنَكَ فَقِدْ أُمِّرَ علیكَ.

 و مثل‌: فَأَيُّكُمْ يَقُومُ فَيُبَايِعُنِي‌ علی‌ أَنَّهُ أَخِي‌ وَ وَزِيرِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَيَكُونُ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَـ'رِونَ مِنْ مُوسَي‌، إلاَّ أَنَّهُ لاَ نَبِي‌َّ بَعْدِي‌، إلی‌ أَن‌ قَالَ: فَقَامَ علی‌ٌّ فَبَايَعَهُ وَ أَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: اُدْنُ مِنِّي‌، فَدَنَا مِنْهُ، فَفَتَحَ فَاهُ وَ مَجَّ فِي‌ فِيهِ مِنْ رِيِقِهِ وَ تَفَلَ بَيْنَ كِتْفَيهِ وَ ثَدْيَيْهِ، فَقَالَ أَبُولَهَبٍ: بِئسَ مَا حَبَوتَ بِهِ ابنَ عَمِّكَ أَن‌ أَجَابَكَ فَمَلاَتَ فَاهُ وَ وَجْهَهُ بُزَاقَاً.

 فَقَالَ صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌: مَلاَتُهُ حِكْمَةً وَ عِلْمًا.

 و قد نقل‌ مؤخّراً الاستاذ حسن‌ أحمد لطفي‌ في‌ كتابه‌ (الشهيد الخالد الحسين‌ بن‌ علی) ذيل‌ الحديث‌ وفق‌ رواية‌ الطبري‌، كما أورده‌ أيضاً توفيق‌ الحكيم‌ ذيل‌ كتاب‌ (محمّد) وفقاً للطبري‌، و أورده‌ المحرّر القدير ] شاعر الغدير [ عبدالمسيح‌ الانطاكي‌ المصري‌ و أنشد فيه‌ قصيدةً غرّاء[124].

 يقول‌ أبوجعفر الإسكافي‌ (بعد ذكر الحديث‌ مفصّلاً): فهل‌ يُكلَّف‌ عمل‌ الطعام‌ ودعاء القوم‌ صغيرٌ غير مميّز؟! و غرُّ غير عاقل‌؟! و هل‌ يؤتمن‌ علی‌ سرّ النبوّة‌ طفلٌ ابن‌ خمس‌ سنين‌ أو ابن‌ سبع‌ سنين‌؟! و هل‌ يُدعي‌ في‌ جملة‌ الشيوخ‌ و الكهول‌ الاّ عاقلٌ لبيبٌ؟! و هل‌ يضع‌ رسولُ الله‌ صلّي‌ علیه‌ و ءاله‌ يده‌ في‌ يده‌ و يُعطيه‌ صفقةَ يمينه‌ بالاُخوّة‌ و الوصيّة‌ والخلافة‌ الاّ و هو أهلٌ لذلك‌؟! بالغٌ حدّ التكليف‌، محتملٌ لولاية‌ الله‌ وعداوة‌ أعدائه‌، و ما بالُ هذا الطفل‌ لم‌ يأنس‌ بأقرانه‌؟! و لم‌ يلصق‌ بأشكاله‌؟! و لم‌ يُرَ مع‌ الصبيان‌ في‌ ملاعبهم‌ بعد إسلامه‌؟! و هو كأحدهم‌ في‌ طبقته‌، كبعضهم‌ في‌ معرفته‌، و كيف‌ لم‌ ينزع‌ إلیهم‌ في‌ ساعةٍ من‌ ساعاته‌؟! فيُقال‌: وعاه‌ بعضُ الصبا، و خاطرٌ من‌ خواطر الدنيا، و عملته‌ الغرَّة‌ والحدثة‌ علی‌ حضور لهوهم‌، و الدخول‌ في‌ حالهم‌، بل‌ ما رأيناه‌ إلاّ ماضياً علی‌ إسلامه‌، مصمّماً علی‌ أمره‌، محقّقاً لقوله‌ بفعله‌، قد صدّق‌ إسلامه‌ بعفافه‌ وزهده‌، ولصق‌ برسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ من‌ بين‌ جميع‌ مَن‌ بحضرته‌، فهو أمينه‌ وإلیفه‌ في‌ دنياه‌ و ءاخرته‌، و قد قهر شهوتَه‌، و جاذب‌ خواطره‌، صابراً علی‌ ذلك‌ نفسَه‌، لما يرجو من‌ فوز العاقبة‌ و ثواب‌ الاخرة‌ [125].

 الرجوع الي الفهرس

حديث‌ العشيرة‌ عند المستشرقين‌

 بلي‌، لقد كان‌ حديث‌ العشيرة‌ و تنصيب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ ذلك‌ إلیوم‌ في‌ منصب‌ الخلافة‌ واضحاً و مسلّماً بحيث‌ نقله‌ بعض‌ المستشرقين‌، و منهم‌: جورج‌ سيل‌ JEORGE SALE في‌ كتابه‌ (قرءان‌ محمّد) ALCORAN OF MOHAMMAD يقول‌ فيه‌: لقد أظهر محمد ءانذاك‌ محبّة‌ و مودّة‌ كبيرة‌ لعلی‌، فقد ضمّه‌ إلی‌ صدره‌ و أمر الحاضرين‌ في‌ المجلسي‌ أن‌ يسمعوا له‌ و يعتبروه‌ خليفته‌ و أن‌ يطيعوا أمره‌، فتفرّق‌ اولئك‌ القوم‌ عن‌ المجلس‌ و هم‌ يقولون‌ لابي‌ طالب‌: صار علیك‌ الان‌ أن‌ تُطيع‌ ابنك‌!

 و يقول‌ جوف‌ دون‌ بُرت‌ JOHN DAVEN PORT في‌ كتاب‌ (محمد و القرءان‌) MOHAMMAD AND CORAN ص‌ 21 ضمن‌ هذه‌ القصّة‌: فنهض‌ النبيّ و أظهر أخلاقه‌ الحميدة‌ و شمائله‌ الكريمة‌، ووهب‌ لمن‌ يتبعه‌ كنزاً أبديّاً (كناية‌ عن‌ السعادة‌ الابديّة‌)، و أورد في‌ الختام‌ خطبةً اشتهرت‌ ببلاغتها و فصاحتها ضمّنها الاسئلة‌ التإلیة‌: أيّكم‌ يوازرني‌ علی‌ هذا الامر؟ أيّكم‌ يكون‌ وصيّي‌ و وزيري‌ كما كان‌ هـ'رون‌ وصيّ موسي‌ ووزيره‌؟ فكان‌ السكوت‌ مخيّماً علی‌ جماعة‌ الحاضرين‌، فلم‌ يجرؤ أحد منهم‌ علی‌ قبول‌ تلك‌ المهمّة‌ الخطرة‌ التي‌ عرضها علیهم‌، إلی‌ أن‌ قام‌ ابن‌ عمّ الرسول‌ علی، ذلك‌ الشاب‌ الشجاع‌ فصاح‌: أنا اؤازرك‌ يا ايّها النبيّ! ـ إلی‌ أن‌ يقول‌ ـ فطوّق‌ محمّدٌ بيديه‌ ذلك‌ الفتي‌ الكريم‌ و ضمّه‌ إلیه‌ و صاح‌: هاكم‌ فانظروا إلی‌ أخي‌ و وزيري‌!

 و قد كتب‌ و اشنجتن‌ ارونيك‌ الامريكي‌ هذه‌ القصّة‌ في‌ («الكتاب‌ المقدّس‌» ترجمة‌ الميرزا ابراهيم‌ خان‌ الشيرازي‌ من‌ الانجليزية‌ إلی‌ الفارسيّة‌، ص‌ 60) ضمن‌ شرحه‌ أحوال‌ النبيّ إلی‌ أن‌ يقول‌:

 قال‌ النبيّ: من‌ يتقدّم‌ منكم‌ فيؤاخيني‌؟ من‌ منكم‌ يكون‌ وزيري‌ ووصيّي‌ و خليفيتي‌؟ فصمت‌ اهل‌ المجلس‌ مدّةً و لم‌ يجبه‌ أحد، و ظلّوا ينظرون‌ إلی‌ بعضهم‌ و يتبسّمون‌ في‌ وجوه‌ بعضهم‌ تعجبّاً او سخرية‌، إلی‌ أن‌ قام‌ علی أبي‌ طالب‌ بجرأة‌ الشباب‌ و قوّته‌ غير مُبالٍ بأحد، فتقدّم‌ بقدم‌ صادقة‌ و قال‌: أنا غلامك‌ و خادمك‌ يا رسول‌ الله‌، و لو انني‌ لا زلت‌ طفلاً لا أصلح‌ للخدمة‌.

 فألقي‌ النبيّ يده‌ إلی‌ عنق‌ ذلك‌ الشاب‌ الصادق‌ و جذبه‌ إلیه‌ فاحتضنه‌ وهو يقول‌ بصوتٍ عال‌: هاكم‌ فانظروا إلی‌ أخي‌ و وزيري‌ و وصيّي‌ وخليفتي‌!

 و لقد أضحكت‌ جرأة‌ و جسارة‌ و تفاخر طفل‌ كمثل‌ علی‌ في‌ محفلٍ كهذا قريشاً و أثارت‌ استهزاءهم‌، فالتفتوا إلی‌ أبي‌ طالب‌ و هم‌ يقولون‌ في‌ سخرية‌: و أنتَ بالطبع‌ تنتظرُ منّا ان‌ نركع‌ في‌ حضور ولدك‌ و نقوم‌ بتعظيمه‌ [126].

 و اجمالاً فانّ علینا ان‌ نتحدّث‌ عن‌ هذا الحديث‌ من‌ جهتين‌: الاولي‌ في‌ السند، و الثانية‌ في‌ الدلالة‌.

 فأمّا من‌ جهة‌ السند، فانّه‌ ـ و كما ذكر ـ لا توجد أي‌ شبهة‌ أو شك‌ تعتريه‌، لان‌ سنده‌ في‌ نظر أهل‌ السنّة‌ في‌ غاية‌ القوّة‌ و الإتقان‌، لم‌ يضعّفه‌ منهم‌ أحد الاّ ابن‌ تيمية‌ حيث‌ قال‌ بأن‌ هذه‌ الحديث‌ موضوع‌ و مفتعل‌. وليس‌ لكلام‌ ابن‌ تيمية‌ اي‌ اعتبار، لان‌ الكلّ يعلم‌ انّه‌ كان‌ رجلاً متعصّباً معانداً و معادياً لاهل‌ البيت‌، و كان‌ يُنكر الاحاديث‌ المسلّمة‌ لمجرّد تضمّنها لفضيلةٍ من‌ فضائل‌ أهل‌ بيت‌ رسول‌ الله‌. بل‌ انّ من‌ المسلّم‌ عند أهل‌ الفنّ ان‌ ميزان‌ ابن‌ تيمية‌ في‌ ردّ و قبول‌ الروايات‌ هو تضمّنها لفضائل‌ أهل‌ البيت‌ أم‌ عدم‌ ذلك‌.

 يقول‌ إلیافعي‌ في‌ (مرءاة‌ الجنان‌): و لابن‌ تيمية‌ فتاوي‌ عجيبة‌ وغريبة‌ عُدَّ بسببها مُبعداً عند أهل‌ السنّة‌، حيث‌ قاموا بسجنه‌ لهذه‌ العلّة‌، و من‌ أقبح‌ نظريّاته‌ الحكم‌ بحرمة‌ زيارة‌ قبر الرسول‌ محمّد صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ وسلّم‌. و العجب‌ من‌ الحلبي‌ الذي‌ نقل‌ رواية‌ العشيرة‌ عن‌ ابن‌ تيمية‌، إلی‌ قوله‌: فقال‌ رسول‌ الله‌: فَمَنْ يُجِيبُنِي‌ إلی‌ هذَا الاَمْرِ وَ يُوَازِرُنِي‌، أَي‌ يُعَاوِنُنِي‌ علی‌ الْقِيَامِ بِهِ.

 قَالَ علی‌ٌّ: أَنَا يَا رَسُولِ اللَهِ وَ أَنَا أَحْدَثُهُمْ سِنًّا، وَ سَكَتَ الْقَومُ.

 ثم‌ يختم‌ الحديث‌ إلی‌ هذا الحدّ و لا يتطرّق‌ إلی‌ شي‌ء من‌ مقامات‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ سؤال‌ النبي‌ و جوابه‌ علیه‌ السلام‌، فيُسقط‌ كلمة‌ (علی‌ أن‌ يَكونَ أَخِي‌ وَ وَصِيّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ مِنْ بَعْدِي‌) و جواب‌ النبيّ: (فَأَنْتَ أَخِي‌ وَوَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ مِنْ بَعْدِي‌)[127]. و الاعجب‌ من‌ ذلك‌ قوله‌: و أضاف‌ البعض‌ كلمة‌ (أَخِي‌ وَ وَصِيّي‌ وَ وَارِثِي‌ وَ وَزِيرِي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ مِنْ بَعْدِي‌) [128].

 الرجوع الي الفهرس

 جنايات‌ الطبري‌ في‌ حديث‌ العشيرة‌:

 يقول‌ العلاّمة‌ الاميني‌ تحت‌ عنوان‌ (جنايات‌ علی‌ الحديث‌): منها ما ارتكبه‌ الطبري‌ في‌ تفسيره‌ (ج‌ 19، ص‌ 74)، فإنّه‌ بعد روايته‌ له‌ في‌ تاريخه‌ كما سمعت‌، قلّب‌ علیه‌ ظهر المجنّ في‌ تفسيره‌ فأثبته‌ برمّته‌ حرفيّاً متناً وسنداً، غير أنّه‌ أجملَ القول‌ فيما لهج‌ به‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ في‌ فضل‌ من‌ يُبادر إلی‌ تلقّي‌ الدعوة‌ بالقبول‌، قال‌: فَقَال‌: فَأيُّكُمْ يُوَازِرُنِي‌ علی‌ هَذَا الاَمْرِ علی‌ أَن‌ يَكُونَ أَخِي‌ وَ كَذَا وَ كَذَا؟

 و قال‌ في‌ كلمته‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ الاخيرة‌: ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا أَخِي‌ وَكَذَا وَ كَذَا. (و يلاحظ‌ مدي‌ الجناية‌ الفاضحة‌ التي‌ ارتكبها حين‌ عمد، من‌ أجل‌ اخفاء الحق‌ و طمسه‌ و من‌ اجل‌ اخفاء مقامات‌ و فضائل‌ أميرالمؤمنين‌، إلی‌ إجمال‌ لفظ‌ (وَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فِيكُم‌) و إيراده‌ علی‌ نحو الإبهام‌!)

 الرجوع الي الفهرس

 جناية‌ ابن‌ كثير في‌ نقل‌ حديث‌ العشيرة‌:

 و تبعه‌ علی‌ هذا التقلّب‌ ابن‌ كثير الشامي‌ في‌ البداية‌ و النهاية‌ (ج‌ 3، ص‌ 40) و في‌ تفسيره‌ (ج‌ 3، ص‌ 351). فعل‌ ابن‌ كثير هذا و ثَقُل‌ علیه‌ ذكرُ الكلمتين‌ (وصيّي‌ و خليفتي‌ فيكم‌) و بين‌ يديه‌ تاريخ‌ الطبري‌ و هو مصدره‌ الوحيد في‌ تأريخه‌ و قد فصّل‌ فيه‌ الحديث‌ تفصيلاً، لانّه‌ لا يروق‌ اثبات‌ النصّ لاميرالمؤمنين‌ بالوصيّة‌ و الخلافة‌ الدينية‌، والدلالة‌ علیه‌ و الإرشارة‌ إلیه‌. و هل‌ هذه‌ الغاية‌ مقصد الطبري‌ حينما حرّف‌ الكلم‌ عن‌ مواضعه‌ في‌ التفسير بعد ما جاء به‌ صحيحاً في‌ التأريخ‌ علی‌ حين‌ غفلة‌ عنها؟! أنا لا ادري‌، لكنّ الطبري‌ يدري‌، و أحسبك‌ أيّها القاري‌ء جِدَّ علیم‌ بذلك‌.

 جناية‌ هيكل‌ في‌ نقل‌ حديث‌ العشيرة‌:

 و منها خزاية‌ فاضحة‌ تحمّلها محمد حسنين‌ هيكل‌، حيث‌ أثبت‌ الحديث‌ كما أوعزنا إلیه‌ في‌ الطبعة‌ الاولي‌ من‌ كتاب‌ (حياة‌ محمّد) ص‌ 104 بهذا اللفظ‌ (يذكر الحديث‌ كما ورد ثم‌ يختمه‌ بهذه‌ الكيفيّة‌):

 فَأَيُّكُمْ يُوَازِرُنِي‌ هَذَا الاَمْرَ وَ أَن‌ يَكُونَ أَخِي‌ وَ وَصِيّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ؟ فَأَعْرَضوا عَنْهُ وَ هَمُّوا بِتِركِهِ، لَكِنَّ علیاً نَهَضَ وَ مَا يَزَالُ صَبِيِّاً دُونَ الْحُلُمِ وَ قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَهِ عَوْنُكَ، أَنَا حَربٌ علی‌ مَنْ حَارَبْتَ. فَابْتَسَمَ بَنُو هَاشِمٍ وَ قَهْقَهَ بِعضُهُمْ وَ جَعَلَ نَظَرُهُمْ يَنْتَقِلُ مِنْ أَبِي‌ طَالِبٍ إلی‌ ابنِهِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مُسْتَهزِئِينَ [129].

 فانّه‌ أسقط‌ من‌ الحديث‌ اوّلاً ما فرّع‌ به‌ رسولُ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ كلامَه‌ من‌ قوله‌ لعلی: فَأَنْتَ أَخِي‌ وَ وَصِيَّي‌ وَ وَارِثِي‌.

 ثم‌ نسب‌ إلی‌ أميرالمؤمنين‌ ثانياً انّه‌ قال‌: (أَنَا يا رسول‌ الله‌ عَوْنُكَ، أَنا حَربٌ علی‌ مَن‌ حَارَبْتَ) ليته‌ دلّنا علی‌ مصدر هذه‌ النسبة‌ في‌ لفظ‌ أي‌ محدّث‌ أو مؤرخّ من‌ السلف‌؟ وراقه‌ أن‌ يحكم‌ في‌ الحضور في‌ تلك‌ الحفلة‌ بتبسّم‌ بني‌ هاشم‌ و قهقة‌ بعضهم‌، و لم‌ نجد لهذا التفصيل‌ مصدراً يُعوَّل‌ علیه‌. ومهما لم‌ يجد (هيكل‌) وراءه‌ ممّن‌ يأخذه‌ بمقاله‌، و لم‌ يَرَ هناك‌ من‌ يُناقشه‌ الحساب‌ في‌ تقوّلاته‌ و تصرّفاته‌، أسقط‌ منه‌ ما يرجع‌ إلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ الطبعة‌ الثانية‌ [130] سنة‌ 1354، ص‌ 139. و لعلّ السرّ فيه‌ لفتةٌ منه‌ إلی‌ غاية‌ ابن‌ كثير و أمثاله‌ بعد النشر، أو انّ اللغط‌ و الصخب‌ حول‌ القول‌ قد كثرا علیه‌ هناك‌ من‌ مناوئي‌ العترة‌ الطاهرة‌، فأخذته‌ أمواج‌ اللوم‌ و العتب‌ حتي‌ اضطرّته‌ إلی‌ الحذف‌ و التحريف‌، أو انّ العادة‌ المطّردة‌ في‌ جملة‌ من‌ المطابع‌ عاثت‌ في‌ الكتاب‌ فغضّ عنها الطرف‌ صاحبه‌ لاشتراكه‌ معها في‌ المبدء أو عجزه‌ عن‌ دفعها. و علی‌ أيّ فحيَّ الله‌ الشعور الحيَّ، و الامانة‌ الموصوفة‌، و الحقّ المضاع‌ المأسوف‌ علیه‌[131].

 و أمّا الجهة‌ الثانية‌ من‌ البحث‌ التي‌ تتناول‌ مفهوم‌ و دلالة‌ الحديث‌، فقد جاء في‌ هذا الحديث‌ باختلاف‌ المضامين‌ التي‌ نُقل‌ بها جملة‌ (أَنْتَ أَخِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَخَلِيفَتِي‌ فِيكُمْ، و اسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا) وهو نصّ من‌ رسول‌ الله‌، بل‌ هو نصٌّ جليّ و مُبين‌ علی‌ خلافته‌ بلا فصل‌ و علی‌ وصايته‌ علیه‌ السلام‌، مثل‌ حديث‌ غدير خم‌، غاية‌ الامر انّ هذا التنصيص‌ كان‌ في‌ بدء النبوّة‌ والدعوة‌، و حديث‌ الغدير في‌ نهايتها، حيث‌ وقع‌ عند نزول‌ جبرئيل‌ واخباره‌ النبيّ بقرب‌ حلول‌ أجله‌، هذا اذا ما أعرضنا عن‌ بعض‌ الروايات‌ المذكورة‌ ءانفاً، و التي‌ ورد فيها أيضاً عنوان‌: وَارِثِي‌ وَ وَزِيري‌، وَ وَلِيّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعْدِي‌، وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسيَ، وَ يَقْضِي‌ دَينْي‌، و لفظ‌ (اسمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا)، التي‌ يدلّ كلُّ منها علی‌ ولايته‌ و خلافته‌ صراحةً.

 و لو فرضنا انّه‌ لا يوجد في‌ مجموع‌ هذه‌ الاحاديث‌ غير جملة‌ (أَخِي‌ وَوَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتي‌ فِيكُم‌)، فانّ هذه‌ الجملة‌ ـ مع‌ ذلك‌ ـ ستدلّ بوضوح‌ وصراحة‌ علی‌ تنصيبه‌ علیه‌ السلام‌ في‌ مقام‌ الخلافة‌ و الوصاية‌.

 الرجوع الي الفهرس

 ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ كانت‌ توأماً مع‌ توحيد الله‌ و نبوّة‌ رسول‌ الله‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌.

 يمكن‌ القول‌ يقيناً بأنّ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ قد بدأت‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌ مع‌ شهادة‌ (لاَ إلهَ إلاَّ اللَهُ وَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ)، و بأنّ جملة‌ (علی‌ُّ وَلِي‌ُّ اللَهِ) هي‌ جملة‌ متّصلة‌ و غير قابلة‌ للإنفكاك‌ عن‌ الشهادتين‌؛ لانه‌ و منذ إلیوم‌ الاوّل‌ الذي‌ دعا فيه‌ رسول‌ الله‌ قومه‌ إلی‌ الاسلام‌ و أمرهم‌ بإقرار الشهادتين‌، فانّه‌ أمرهم‌ في‌ نفس‌ إلیوم‌ و في‌ نفس‌ المجلس‌ بإطاعة‌ مولي‌ الموإلی‌ أميرالمؤمنين‌ و اتّباعه‌[132]، و أعلنَ ولايتَه‌ و خلافته‌.

 و بناءً علی‌ ذلك‌ فانّ الاسلام‌ قد طلع‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌ بهذه‌ الجمل‌ الثلاث‌:

 الشهادةُ بالله‌، و الشهادة‌ بنبوّة‌ رسول‌ الله‌، و الشهادة‌ بولاية‌ علی وليّ الله‌، و ما تقوله‌ الشيعة‌ من‌ وجوب‌ اتّباع‌ أميرالمؤمنين‌ هو واحد من‌ المسائل‌ القطعيّة‌ في‌ الإسلام‌، فحقيقة‌ التشيّع‌ هي‌ حقيقة‌ الاسلام‌. و اولئك‌ الذين‌ اكتفوا بالشهادتين‌ و رفضوا ولاية‌ و خلافة‌ أميرالمؤمنين‌ قد رفضوا بذلك‌ جزءاً من‌ الاسلام‌، و في‌ الحقيقة‌ فانّهم‌ قد رفضوا الاسلام‌.

 كما انّ الذين‌ يشهدون‌ بالتوحيد و لا يشهدون‌ بالنبوّة‌ قد أقرّوا بجزءٍ من‌ الحقيقة‌ و أنكروا الجزء الاخر، بل‌ قد أنكروا الحقيقة‌ بأجمعها.

 لقد أُسّس‌ التشيّع‌ و التبعيّة‌ لاهل‌ البيت‌ و أوصياء رسول‌ الله‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌ للإسلام‌، و علی‌ هذا الاساس‌ فقد أضيفت‌ للولاية‌ تدريجاً النصوصُ الصريحة‌ للآيات‌ القرءانيّة‌ و لكلام‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌، كما أضيف‌ للتوحيد و النبوّة‌ تدريجاً نصوص‌ صرحية‌ من‌ الايات‌ القرءانية‌ وكلام‌ حضرة‌ الرسول‌.

 الرجوع الي الفهرس

أميرالمؤمنين‌ هو الناصر و المعين‌ للنبي‌ّ الاكرم‌ في‌ جميع‌ مراحل‌الرسالة‌

 و إضافة‌ إلی‌ ذلك‌ فانّه‌ يُستفاد من‌ هذا الحديث‌ انّ أميرالمؤمنين‌ كان‌ شريكاً و مساهماً في‌ تحمّل‌ أعباء النبوّة‌ و القيام‌ بوظيفة‌ التبليغ‌ الخطيرة‌ وإبلاغ‌ الاحكام‌ و الجهاد، و إيصال‌ أهل‌ العالم‌ إلی‌ المقصود الذي‌ هو واجب‌ الرسالة‌، لانّ مضمون‌ الرواية‌ ليس‌ (كلّ من‌ ءامن‌ بي‌ هو وصيّي‌ و خليفتي‌) بل‌ مضمونها (كلُّ من‌ يعاونني‌ و يعاضدني‌ يكون‌ خليفتي‌)، لان‌ جملات‌ الرسول‌ التي‌ رُويت‌ عنه‌ كانت‌: أيُّكُمْ يُوازِرُني‌ علی‌ هَذا الاَمرِ؟ و أَيُّكُمْ يُبَايِعُني‌ علی‌ أَنْ يَكُونَ أَخِي‌ وَ صَاحِبي‌ وَ وَارِثِي‌؟

 من‌ منكم‌ يُبايعني‌، اي‌ من‌ منكم‌ يوطّن‌ نفسه‌ علی‌ الموت‌، و من‌ يشري‌ نفسه‌ فيضع‌ اختياره‌ جانباً فيؤاخيني‌ و يلازمني‌ و يصاحبي‌ و يكون‌ وارثي‌ في‌ كلّ مراحل‌ النبوّة‌ و في‌ مواجهة‌ ءالاف‌ المشاكل‌ و تحمّل‌ مشاقّ رسالتي‌ الخطيرة‌، بحيث‌ يتحمّل‌ بعدي‌ لوحده‌ هذه‌ المسؤوليّة‌، و يقف‌ وحيداً في‌ مواجهة‌ دنيا الكفر ليبلّغ‌ رسالتي‌، فيقوم‌ بذلك‌ علی‌ خير وجه‌.

 و أَيُّكُم‌ يُؤاخيني‌ و يُوازِرُني‌ وَ يَكُونَ وَلِيّي‌ وَ وَصِيِّي‌ بَعْدِي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فِي‌ أَهْلِي‌ يَقْضِي‌ دَيْنِي‌؟

 وَ أَيُّكُمْ يَنْتَدِبُ أَن‌ يَكُونَ أَخِي‌ وَ وَزِيرِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَ خَلِيفَتِي‌ فِي‌ أُمَّتِي‌ وَوَلِيّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعْدِي‌؟

و يُستفاد من‌ كلّ هذه‌ الاحاديث‌ انّ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ كان‌ يبحث‌ عن‌ الصاحب‌ و المعين‌ و الناصر الذي‌ يُعاضده‌. و هذه‌ الجملات‌ صريحة‌ في‌ التساؤل‌: مَن‌ منكم‌ يأتي‌ في‌ وضعي‌ هذا و حالتي‌ هذه‌، فلا يدعني‌ وحدي‌، و يقوم‌ بنُصرة‌ دين‌ الله‌، و يُعينني‌ في‌ حياتي‌ و بعد مماتي‌ في‌ تحمّل‌ هذه‌ المسؤولية‌، و يصاحبني‌ في‌ حياتي‌، و يقوم‌ بوظائف‌ الرسالة‌ خير قيام‌ بعد مماتي‌، و يؤدّي‌ عنّي‌ دَيني‌ و عهدي‌ تجاه‌ ربّي‌؟

 و بناءً علی‌ هذا فانّ أميرالمؤمنين‌ بقبوله‌ لمثل‌ هذا الامر كان‌ سهيماً مع‌ الوجود المقدّس‌ لرسول‌ الله‌ في‌ جميع‌ مراحل‌ أداء الرسالة‌ و إيصال‌ الناس‌ إلی‌ منزل‌ السعادة‌، و في‌ الالتزام‌ بالقيام‌ بأعباء الخلافة‌ و مشكلاتها.

 صَلَّي‌ اللَهُ علیكَ يَا أَبَا الْحَسَن‌، و يجب‌ ان‌ لا يُتصوّر انّ المقام‌ الذي‌ منحه‌ رسول‌ الله‌ لذلك‌ الوجود العزيز بعنوان‌ الاخ‌ و الوزير و الخليفة‌ والوارث‌ كان‌ أمراً تشريفيّاً، او نتيجةً و استفادةً حصل‌ علیها مقابل‌ موافقته‌، و كأنه‌ كان‌ يريد أن‌ يجزيه‌ بإعطائه‌ مثل‌ هذه‌ المناصب‌، بل‌ انّه‌ قد طلبه‌ بهذه‌ الجملات‌ و ندبه‌ لتحمّل‌ المشاق‌ في‌ جميع‌ الامور.

 مَن‌ يتحمّل‌ هذا الجبل‌ العظيم‌ الذي‌ ينوء به‌ الظهر؟ من‌ يقف‌ معي‌ كتفاً إلی‌ كتف‌ في‌ مواجهة‌ المشركين‌ و دنيا الكفر و الشرك‌، فلا يدعني‌ أتحمّل‌ لوحدي‌ كلّ تلك‌ الضغوط‌؟

 مَن‌ ينهض‌ معي‌ و يقف‌ إلی‌ جانبي‌ بروحه‌ و قلبه‌ بكلّ معني‌ الكلمة‌ في‌ جميع‌ الحروب‌ و الغزوات‌ لإعلاء كلمة‌ الحقّ؟

 من‌ يهيّي‌ء نفسه‌ للوقوف‌ بشجاعة‌ امام‌ المخالفات‌ الشديدة‌ لقريش‌ ولكلّ طوائف‌ الكفر؟ من‌ يستعدّ للهجرة‌ و التشرّد في‌ الجبال‌ و القفار؟

 من‌ يرضي‌ بالنوم‌ في‌ فراشي‌ ليلة‌ المبيت‌، فيري‌ جسده‌ تحت‌ سيوف‌ شجعان‌ العرب‌ مقطّعاً إرباً إرباً؟

 مَن‌ و من‌ لا يهاب‌ مواجة‌ منافقي‌ أمّتي‌ حتّي‌ بعد موتي‌، و لا يسمح‌ لذرّةٍ من‌ الهوي‌ بالدخول‌ إلی‌ قلبه‌، و يتحمّل‌ ءالاف‌ المشاكل‌ و جبال‌ الحزن‌ و الغمّ، و لا يتخطّي‌ الرسول‌ قيد أنملة‌، لا تحرّكهُ صرخات‌ ابنتي‌ الزهراء ولا أنينها، و لا تثير فيه‌ الإحساسات‌ القبليّة‌ أو القوميّة‌، فيبقي‌ عاملاً بوظيفته‌ في‌ وقار و مهابة‌ أشبه‌ بالبحر الخضّم‌ العظيم‌، فيُعلّم‌ و يُربّي‌، ليس‌ فقط‌ ذلك‌ العصر بمفرده‌، بل‌ جميع‌ عالم‌ البشريّة‌ و الإنسانيّة‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، بالعلم‌ و الحلم‌ و العظمة‌ و الوفاء و الصفاء و الصدق‌ و الزهد و عدم‌ الاعتناء بغيرالله‌ سُبحانه‌.

 فاعلموا يا أهل‌ الدنيا انّ أميرالمؤمنين‌، ذلك‌ الطفل‌ الصغير في‌ ذلك‌ إلیوم‌، قد ردّ بالإيجاب‌ علی‌ الرسول‌ الاكرم‌ مقابل‌ تلكم‌ المشكلات‌، و أبعد بجوابه‌ هذه‌ الامواج‌ العاصفة‌ للخطرات‌ بصدرٍ منشرح‌ و قلب‌ قويّ، و أعدّ نفسه‌ للفداء في‌ أحرج‌ اللحظات‌ و أصعبها، و كان‌ يري‌ متجليّاً أمامه‌ كالمرءاة‌ المصاعب‌ و المصائب‌ خلال‌ ثلاث‌ و عشرين‌ سنة‌ تمثّل‌ فترة‌ رسالة‌ النبيّ، و المصائب‌ والمحن‌ علی‌ مدي‌ ثلاثين‌ سنة‌ بعد رحلة‌ الرسول‌. لكنّه‌ نهض‌ وصاح‌: أنَا يَا رَسُولَ اللَهِ! أنا يا رسول‌ الله‌ الذي‌ يُعينك‌ ويصاحبك‌ و يلازمك‌ و ينصرك‌؛ لا أغفل‌ عنك‌ لحظة‌ واحدة‌، أنثر تحت‌ قدمك‌ المباركة‌ روحي‌ و مإلی‌ و شخصيّتي‌ و حيثيّتي‌ و عزّي‌ و دنياي‌. مستعدٌّ أنا لاراهم‌ يُلقون‌ الحبل‌ في‌ عنقي‌ فيقودونني‌ إلی‌ المسجد للبيعة‌[133]، فلا أدعُ لساني‌ يتخطّي‌ جادّة‌ العفّة‌ و الصواب‌، و لا الإحساسات‌ أن‌ تحرّكني‌ وتُثيرني‌.

 مستعدٌّ أنا لرؤية‌ المشركين‌ و هم‌ يجمعون‌ الحطب‌ جوار بيت‌ ابنتك‌ فيحرقونه‌ [134]، و لسماع‌ صوت‌ (ويلاه‌ وا محمّداه‌!) من‌ قرّة‌ عينك‌؛ لكنّني‌ لن‌ أفدي‌ ألاهم‌ للمهّم‌ و لن‌ اتخطّي‌ واجبي‌ و وظيفتي‌ حفظاً علی‌ الشريعة‌ و بقاء القرءان‌ و إعلإ الإسلام‌.

 أنا الذي‌ اختارَ السكوت‌ و لم‌ يُجب‌ في‌ أدقّ أوقات‌ الامتحان‌، و في‌ اللحظات‌ التي‌ جاء فيها كبيرا قريش‌ أبوسفيان‌ و العباس‌ يقولون‌: ابسط‌ يدك‌ يا علی لنبايعك‌ فلا يستطيع‌ أحد مخالفتك‌ [135] فواللهِ إن‌ شئت‌ لاملانّها علی‌ أبي‌ فضيل‌ ـ يعني‌ أبابكر ـ خيلاً و رجلاً [136].

 أنا الذي‌ لجأتُ إلی‌ قبرك‌ منتحباً محزوناً من‌ الظلم‌ الذي‌ لحق‌ بابنتك‌، فقلتُ: يَا ابنُ اُمَّ إِنَّ القَوْمَ استَضعَفُوِنِي‌ وَ كَادُوا يَقْتُلُونَنِي‌[137].

 لذا فانّ عدم‌ قيام‌ أحد من‌ المدعوّين‌ في‌ مجلس‌ العشيرة‌ لقبول‌ هذا المعني‌، مع‌ علمهم‌ بصدق‌ الرسول‌ الاكرم‌، لم‌ يكن‌ بغير سبب‌، فلقد ترعرع‌ رسول‌ الله‌ بينهم‌ منذ طفولته‌، و لم‌ يكن‌ غريباً أو مجهولاً في‌ قومه‌، لكنّهم‌ كانوا يشعرون‌ انّ القبول‌ بهذا المعني‌ يعني‌ تحمّل‌ ءالاف‌ المشاكل‌ والغُصص‌ و المصاعب‌، لذا قاموا و تركوا مجلس‌ رسول‌ الله‌ ساخرين‌ مقهقهين‌. و قد اشار المرحوم‌ السيّد الحميري‌ في‌ بعض‌ قصائده‌ إلی‌ حديث‌ العشيرة‌، كهذه‌ القصيدة‌:

 بأَبي‌ أَنْتَ وَ اُمِّي        ‌ يَا أَمِيرَ الْمُؤمِينَنا

 بِأَبِي‌ أَنْتَ وَ أُمِّي‌         وَ بِرَهْطِي‌ أَجْمَعِينَا

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 كُنْتَ فِي‌ الدُّنْيَا أَخَاهُ         يَوْمَ يَدْعُو الاَقْرَبِينَا [138]

 و يقول‌ أيضاً:

 مِنْ فَضْلِهِ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ         صَلَّي‌ وَ ءامَنَ بِالرَّحْمَنِ إذ كَفَرُوا

 سِنِينَ سَبْعَاً وَ أَيَّامَاً مُحَرَّمَةً         مَعَ النَّبِيِّ علی‌ خَوْفٍ وَ مَا شَعروا

 وَ يَوْمَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ قَدْ عَلِموا         أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَدْنَيْنَ إن‌ بَصُرُوا

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 مَنِ الَّذِي‌ قَالَ مِنْهُمْ وَ هُوَ أَحْدَثُهُمْ         سِنَّاً وَ خَيْرَهُمْ فِي‌ الذِّكْرِ إذ سَطُرُوا

 ءامَنْتُ بِاللهِ قَدْ أَعْطَيْتَ نَافِلَةً         لَمْ يُعْطِهَا أَحَدٌ جِنٌّ وَ لاَ بَشَرُ

 وَ إنَّ مَا قُلْتَهُ حَقٌّ وَ إنَّهُمْ         إنْ لَمْ يُجِيبُوا فَقَد خَانُوا وَ قَدْ خَسِرُوا

 فَفَازَ قِدْمَاً بِهَا وَ اللهُ أكْرَمَهُ         وَ كَانَ سَبَّاقَ غَايَاتٍ إذَا ابتَدَرُوا [139].

 و يقول‌ أيضاً في‌ قصيدة‌ أخري‌:

 علی‌ٌّ علیهِ رُدَّتِ الشَّمسُ مَرَّةً         بِطَيبَةَ يَوْمَ الْوَحي‌ِ بَعْدَ مَغِيبِ

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 و قِيلَ لَهُ أَنذِر عَشِيرَتَكَ الاُولَي        ‌ وَ هُمْ مِن‌ شَبَابٍ أَرْبَعِينَ وَ شِيبِ

 إلی‌ أن‌ يقول‌:

 فَفَازَ بِهَا مِنْهُمْ علی‌ٌّ وَ سَادَهُمْ         وَ مَا ذَاكَ مِن‌ عَادَاتِهِ بِعَجِيبِ [140]

 الرجوع الي الفهرس
 

الدرس‌ السادس‌:

عصمة‌ الانبياء لا تتنافي‌ مع‌ اختيارهم‌ في‌ فعل‌ أفعالهم‌

 

بسم‌ اللَه‌ الرحمن‌ الرحيم‌

و صلي‌ اللَه‌ علی‌ محمد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدآئهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوة‌ إلاّ باللَه‌ العلی‌ العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ علی‌ اللَهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [141].

 الرجوع الي الفهرس

 عصمة‌ الانبياء عن‌ طريق‌ إتمام‌ الحجّة‌ من‌ قبل‌ الله‌:

 تبيّن‌ هذه‌ الاية‌ المباركة‌ السبب‌ من‌ إرسال‌ الانبياء إلی‌ الناس‌ و الغاية‌ من‌ التبشير و الإنذار، و هي‌ إتمام‌ الحجّة‌ علی‌ الناس‌ لئلاّ يكون‌ لديهم‌ عذر في‌ ارتكاب‌ الاخطاء و الذنوب‌، و لئلاّ يُقيموا الحجّة‌ علی‌ الله‌ يوم‌ القيامة‌ بأنّهم‌ لم‌ يكونوا يدركون‌ شيئاً و أن‌ أحداً لم‌ يوجد ليقوم‌ بهدايتهم‌.

 و من‌ الجلّي‌ انّ قاطعيّة‌ العذر و كون‌ أفعال‌ الانبياء و أقوالهم‌ حجّة‌ سيكون‌ حين‌ لا يعصون‌ و لا يرتكبون‌ أي‌ زلل‌ في‌ أقوالهم‌ و أفعالهم‌، و لا يُبتلون‌ بالخطأ عند تلقّي‌ الاحكام‌ من‌ قبل‌ الله‌ أو عند تبليغها، و الاّ فانّ حجّة‌ الناس‌ و عذرهم‌ سيكونان‌ باقيين‌.

 و سيقولون‌ انّنا قد عملنا بالمعاصي‌ لاننّا شاهدنا الانبياء يرتكبونها، ولقد بدرت‌ منّا الاخطاء و المعاصي‌ بسبب‌ أخطاء النبيّ في‌ قوله‌ و فعله‌، فلقد أخطأ النبيّ و لم‌ يتلقّ الوحي‌ بصورة‌ صحيحة‌، او انّه‌ تلقّاه‌ بصورة‌ صحيحة‌ لكنّه‌ أخطأ واضطرب‌ في‌ تبليغه‌، لذا فقد قمنا بأفعالنا نتيجة‌ لذلك‌ خلافاً للحقّ.

 و لذا فانّ الانبياء الذين‌ بُعثوا لهذا الهدف‌ ينبغي‌ أن‌ لا يقعوا في‌ الزلل‌ و الخطأ، و الاّ لما تحقّق‌ الهدف‌ من‌ بعثتهم‌، و هذا هو معني‌ العصمة‌.

 إثبات‌ العصمة‌ من‌ ءاية‌ أخري‌:

 كما يمكن‌ استفادة‌ العصمة‌ من‌ ءاية‌ اخري‌:

 وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن‌ رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَهِ[142].

 فكما أنّ الانبياء يصبحون‌ مُطاعين‌ بإذن‌ الله‌، فانّ من‌ يتبعونهم‌ سيكونون‌ بالملازمة‌ مطيعين‌ بإذن‌ الله‌، و ستتعلقّ إرادة‌ الله‌ و إذنه‌ بأفعالهم‌، و من‌ المعلوم‌ انّ النّبي‌ لو أخطأ في‌ تبليغه‌ او ارتكب‌ ذنباً فتجاوز الحقّ في‌ النتيجة‌ في‌ قوله‌ و فعله‌ الّذين‌ هما وسيلتان‌ لإبلاغ‌ الاحكام‌، فانّ الناس‌ الذين‌ يتبعونه‌ سيكونون‌ بالتأكيد قد تجاوزوا الحقّ و عملوا خلافه‌.

  و وفقاً للاية‌ المباركة‌ السابقة‌ في‌ تعلّق‌ إذن‌ الله‌ بأفعالهم‌، فإنّ إرادة‌ الله‌ و إذنه‌ ستتعلّق‌ أيضاً بالافعال‌ الباطلة‌. و باعتبار انّ إرادة‌ الله‌ هي‌ حقّ علی‌ الدوام‌ و متعلّقة‌ بالحقّ، فانّه‌ ينبغي‌ الاّ يرتكب‌ نبي‌ٌّ من‌ الانبياء أيّ خطأ أو معصية‌، ليكون‌ إذن‌ الله‌ الذي‌ يتعلّق‌ بفعل‌ من‌ يُتابعهم‌ في‌ العمل‌ متعلّقاً بفعل‌ الحق‌.

 وَاللَهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي‌ السَّبِيلَ[143].

 و إضافة‌ إلی‌ ذلك‌ فانّ النبّي‌ اذا ارتكب‌ معصية‌ إمّا في‌ القول‌ أو الفعل‌، في‌ حين‌ ان‌ المعصية‌ مبغوضة‌ من‌ قبل‌ الله‌ و مورد نهيه‌ سُبحانه‌، فانّ تلك‌ المعصية‌ ستكون‌ مبغوضة‌ و منهيّاً عنها من‌ قبل‌ الله‌ كما ستكون‌ محبوبةً مأموراً بها من‌ قبله‌ تعإلی‌. فمورد البُغض‌ و النهي‌ من‌ جهة‌ انّ عمله‌ كان‌ ـ حسب‌ الفرض‌ ـ معصيّةً، و كلّ معصية‌ مبغوضة‌ منهيّ عنها؛ و امّا مورد حبّ الله‌ و أمره‌، فمن‌ جهة‌ انّ فعله‌ و قوله‌ كان‌ ـ حسب‌ الفرض‌ ـ بإذن‌ الله‌. و ان‌ الهدف‌ من‌ الرسالة‌ هو اطاعة‌ الله‌، و بناءً علی‌ ذلك‌ فانّ قوله‌ و فعله‌ هذا قد نشأ بإذن‌ الله‌ و رخصته‌ و إرادته‌. و لانّ اجتماع‌ البُغض‌ و الحبّ في‌ شي‌ء واحد من‌ جهة‌ واحدة‌، و كذلك‌ اجتماع‌ الامر و النهي‌ في‌ فعل‌ واحد من‌ جهة‌ واحدة‌ أمر مستحيل‌، لذا فانّ المعصية‌ و الإثم‌ من‌ قبل‌ الانبياء أمر مستحيل‌، و هذا هو معني‌ العصمة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 ملكة‌ العصمة‌ ليست‌ سبباً في‌ جعل‌ الافعال‌ اضطراريّة‌ اجباريّة‌:

 يظنّ كثير من‌ الناس‌ انّ الافعال‌ التي‌ تصدر من‌ الانبياء و الائمّة‌ الذين‌ يمتلكون‌ ملكة‌ العصمة‌ تصدر بدون‌ قوّة‌ علميّة‌ و لا إرادة‌ اختياريّة‌، و انّ ملائكة‌ السماء التي‌ جعلها الله‌ لحفظ‌ و حراسة‌ قلوبهم‌ عن‌ الخطأ و المعصية‌ هي‌ كالرصد الدائم‌ في‌ مقام‌ المصونيّة‌ و المحافظة‌ الدائمة‌ تحذّرهم‌ من‌ أي‌ اختيار أو تصرّف‌.

 و بناءً علی‌ هذا فانّه‌ لا يجب‌ قياس‌ عبادتهم‌ و مجاهدتهم‌ مع‌ سائر أفراد البشر، لانّ أفراد البشر يسلكون‌ طريق‌ الله‌ اثر مجاهدتهم‌ النفسيّة‌ ويواجهون‌ المشاكل‌ و المشاقّ؛ في‌ حين‌ أن‌ الانبياء يُهْدَون‌ باطمئنان‌ بواسطة‌ جبرئيل‌ و سائر الملائكة‌، فهم‌ لهذه‌ الجهة‌ طاهرون‌ و طيّبون‌ ذاتاً، ولا يرد في‌ سيرتهم‌ شي‌ء غير الطهارة‌ و الطيب‌. و بناءً علی‌ ذلك‌ فانّ كلّ ما فعلوه‌ من‌ التبليغ‌ و الترويج‌ و الإستقامة‌ و العبوديّة‌ و المجاهدة‌ و الصدق‌ لا ينبغي‌ توقّعه‌ و انتظاره‌ من‌ سائر الناس‌، لان‌ سنخ‌ وجودهم‌ يغاير سائر أفراد البشر. و بالنتيجة‌ فانّ أفعالهم‌ و أقوالهم‌ تغاير أقوال‌ و أفعال‌ أفراد البشر، ونتيجة‌ لذلك‌ فانّ عصمتهم‌ ليست‌ منهم‌، بل‌ من‌ الله‌ الذي‌ يُسيرّهم‌ بين‌ يديه‌ فيتحركون‌ بتحريكه‌ دون‌ أي‌ يكون‌ لهم‌ أيّ اختيار أو أي‌ قوّة‌ علميّة‌ قلبيّة‌.

 و هذا الظنّ خاطي‌ء جدّاً و لا محلّ له‌، علاوةً علی‌ انّه‌ سيفتح‌ لافراد الامّة‌ طريق‌ التثاقل‌ و التهاون‌، لانّه‌ من‌ الواضح‌ ان‌ الانبياء مع‌ وجود مقام‌ العصمة‌ و الطهارة‌ لديهم‌، و مع‌ وجود مصونيّتهم‌ و حفظهم‌ بإرادته‌ واختياره‌ و ملائكته‌، ولكن‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ فانّ الله‌ و إرادته‌ تلك‌ ليست‌ خارجة‌ عن‌ وجودهم‌، و أن‌ أعمالهم‌ لا تصدر بدون‌ قوّة‌ علميّة‌ و إدراكيّة‌، وبدون‌ إرادة‌ قلبيّة‌ و اختيار.

 و لإيضاح‌ هذا المطلب‌ نقول‌ انّ جميع‌ الحوادث‌ التي‌ تحدث‌ والموجودات‌ التي‌ توجد في‌ العالم‌، مرتبطة‌ كلّها و منوطة‌ بالسبب‌ و العلّة‌ التي‌ نشأت‌ عنها، و انّها تتحقّق‌ في‌ الخارج‌ بعلّة‌ الصدور عن‌ تلك‌ العلّة‌.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ جميع‌ الافعال‌ و الاقوال‌ التي‌ يفعلها النبيّ علی‌ ميزان‌ واحد، و هي‌ كلّها علی‌ صواب‌ و حقّ و طاعة‌، و معلولة‌ لسبب‌ موجود في‌ نفس‌ النبي‌، و هو نفس‌ الملكة‌ و القوّة‌ الرادعة‌ التي‌ توجد في‌ النبيّ.

 تماماً مثل‌ حالنا حين‌ نعمل‌ عملاً، فاننا لانفعله‌ دون‌ ان‌ نتصوّر صورته‌ أولاً، و نميل‌ إلیه‌ ثانياً، ثم‌ نصدر إرادة‌ تحقّقه‌. كما انّه‌ يجب‌ علینا ـ من‌ اجل‌ أن‌ نفعل‌ شيئاً ـ ان‌ نتصوّر في‌ الوهلة‌ الاولي‌ شكله‌ و منظره‌، ثم‌ نجد رغبة‌ إلی‌ ذلك‌ العمل‌ في‌ الوهلة‌ الثانية‌، ثم‌ نوجد في‌ الوهلة‌ الثالثة‌ في‌ أنفسنا إرادة‌ القيام‌ بذلك‌ العمل‌.

 والحال‌ كذلك‌ لدي‌ الانبياء أيضاً، فانّ الافعال‌ التي‌ تصدر عنهم‌ تكون‌ بعد تصوّرهم‌ للصورة‌ العلميّة‌، و بعد ميلهم‌ و إرادتهم‌ لتحقّق‌ ذلك‌ العمل‌.

 و لإيضاح‌ هذه‌ المسألة‌ نضيف‌: قد تصدر منّا نحن‌ البشر أعمال‌ حسنة‌ أو سيّئة‌، فالاعمال‌ الحسنة‌ ينبغي‌ علینا أوّلاً ان‌ نتصوّر صورتها العلمية‌، ثمّ نقدم‌ علی‌ فعلها بعد أن‌ نجد لها في‌ أنفسنا ميلاً و إرادة‌، و الامر كذلك‌ بالنسبة‌ للاعمال‌ السيّئة‌. و لو فرضنا انّ هناك‌ أفراداً لا تخطر في‌ أذهانهم‌ صور يميلون‌ إلیها الاّ و كانت‌ صوراً جميلة‌ و حسنة‌، لذا فانّه‌ بعد تعلّق‌ الإرادة‌ بهذه‌ الافعال‌ فانّه‌ سيظهر من‌ هؤلاء علی‌ الدوام‌ اعمال‌ حسنة‌. وعلی‌ العكس‌ فاذا ما وجدت‌ علی‌ الدوام‌ في‌ أذهان‌ بعض‌ الناس‌ صور قبيحة‌ و مناظر للخيانة‌ و الجناية‌ و المعصية‌ مع‌ توفّر الإرادة‌ أيضاً، فانّه‌ ستصدر منهم‌ علی‌ الدوام‌ أفعال‌ قبيحة‌، و هؤلاء هم‌ أهل‌ الشقاء، كما أن‌ الفئة‌ الاولي‌ هم‌ أهل‌ السعادة‌.

 انّ الانبياء هم‌ من‌ اولئكم‌ الفئة‌ التي‌ تنعكس‌ في‌ أذهانهم‌ دوماً صور الخيرات‌ و الافعال‌ الحسنة‌ فيميلون‌ إلیها، ثم‌ يفعلونها بعد تحقّق‌ إرادتهم‌. ولان‌ تلك‌ الصور تظهر في‌ أذهانهم‌ بشكل‌ متعاقب‌، فانّ حصول‌ تلك‌ الصور يتحوّل‌ لديهم‌ إلی‌ ملكة‌ مثل‌ ملكة‌ العفّة‌ و الشجاعة‌ و السخاء و غيرها. وهذا عبارة‌ عن‌ ملكة‌ العصمة‌ فيهم‌. و بناءً علی‌ هذا فانّ صدور أفعال‌ الانبياء بوصف‌ الطاعة‌ سيكون‌ دائماً و باستمرار مسبّباً عن‌ الصورة‌ العلميّة‌ الحسنة‌ الدائميّة‌، و ذلك‌ هو إذعانهم‌ القلبي‌ بالعبوديّة‌، و المراد من‌ الملكة‌ هو رسوخ‌ و عدم‌ تغيّر الصورة‌ العلمية‌ في‌ النفس‌.

 الرجوع الي الفهرس

 أفضليّة‌ الانبياء بسبب‌ وجود الاختيار في‌ أفعالهم‌:

 و هذا هو سبب‌ مزيتّهم‌ و أفضليّتهم‌ علی‌ سائر أفراد البشر، لان‌ ملكتهم‌ النفسانية‌ و قوّتهم‌ العلميّة‌ عإلیة‌ جداً، بحيث‌ يختارون‌ دائماً الخيرات‌ و الطاعات‌ بعلمهم‌ و إرادتهم‌ غير المنفكّة‌ عنهم‌، و الاّ فاذا فُرض‌ انّ العمل‌ الحسن‌ يصدر منهم‌ بدون‌ العلم‌ و الاختيار المرتبط‌ بوجودهم‌، فانّهم‌ سيكونون‌ أشبه‌ بالساعة‌ التي‌ تُنصب‌ فتتحرّك‌ دون‌ اختيار، او كمثل‌ مفتاح‌ الباب‌ الذي‌ يفتح‌ الباب‌ دون‌ اختيار و إرادة‌، بل‌ بسبب‌ حركة‌ إلید.

 فأي‌ فضيلة‌ و شرف‌ سيكون‌ لهم‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌؟!!

 و إضافة‌ إلی‌ ذلك‌ فانّنا نعلم‌ انّ الانبياء يتلقّون‌ الوحي‌ فلا يُخطئون‌ في‌ التلقّي‌ و التبليغ‌، و لو كان‌ هذا التلّقي‌ و التبليغ‌ غير مستند إلی‌ القوّة‌ النفسانيّة‌ و الملكة‌ الموجودة‌ فيهم‌، و بدون‌ الاسباب‌ الموجودة‌ بوجود الانبياء والمقترنة‌ بواقعيّتهم‌ و وجودهم‌، لاستلزم‌ ذلك‌ انّ هذه‌ الافعال‌ ستصدر بدون‌ علم‌ النبيّ و إرادته‌، و بذلك‌ فانّ أفعال‌ النبيّ ستخرج‌ عن‌ الاختيار، وهو ما يتنافي‌ مع‌ افتراضنا بأن‌ النبيّ مختار كسائر أفراد البشر.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ كلّ الافعال‌ التي‌ تصدر عن‌ الانبياء قولاً و فعلاً، والمعجزات‌ التي‌ تظهر علی‌ يدهم‌، كانت‌ كلّها بسبب‌ علمهم‌ و اختيارهم‌، ومستنده‌ إلی‌ ملكتهم‌ و كيفيّتهم‌ و حالتهم‌ القلبيّة‌، و ذلك‌ كلّه‌ مستند أيضاً إلی‌ إذن‌ الله‌ و حفظ‌ الملائكة‌ الذين‌ يحفظون‌ بهذا الطريق‌ حالاتهم‌ القلبيّة‌ والاختياريّة‌ و صورهم‌ العلمية‌ و ملكاتهم‌ النفسيّة‌.

 و ينتهي‌ هنا بحثنا عن‌ عصمة‌ الانبياء، و يتضّح‌ بشكل‌ كامل‌ كيفيّة‌ إفاضة‌ هذه‌ الموهبة‌ الالهية‌، و يتعيّن‌ فضلهم‌ و شرفهم‌ بالنسبة‌ لسائر البشر، فلا بدّ ـ من‌ أجل‌ توضيح‌ مقاماتهم‌ و درجاتهم‌ التي‌ ذكرناها في‌ الدروس‌ السابقة‌ ـ أن‌ نبحث‌ عن‌ كيفيّة‌ الخلقة‌ و عن‌ كيفيّة‌ حصول‌ ملكة‌ العصمة‌ فيهم‌، و هذا مايحتاج‌ إلی‌ عدّة‌ أبحاث‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[95] ـ (مطالب‌ السؤل‌ في‌ مناقب‌ ءال‌ الرسول‌) ، ص‌  11  .

[96] ـ (الفصول‌ المهمّة‌) ، ص‌  14  .

[97] ـ و قد أورد الطبري‌ هذه‌ القصّة‌ في‌ تاريخه‌ (تاريخ‌ الامم‌ و الملوك‌) ، ص‌  58  .

[98]  ـ أكثر علماء الشيعة‌ يقولون‌ بأن‌ السنّ المبارك‌ لاميرالمؤمنين‌ زمن‌ بعثة‌ رسول‌ الله‌ كان‌ عشرة‌ سنوات‌ .

[99] ـ روي‌ الطبري‌ في‌ ج‌  2  ، ص‌  57  عن‌ ابن‌ اسحق‌ قال‌ : كان‌ أوّل‌ ذَكَر ءامن‌ برسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌  ] و ءاله‌ [  و سلّم‌ و صدّق‌ بما جاء به‌ من‌ عندالله‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ ، و هو يؤمئذٍ ابن‌ عشر سنين‌ . و كان‌ ممّا أنعم‌ الله‌ به‌ علی‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ أنّه‌ كان‌ في‌ حجر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌  ] و ءاله‌ [  و سلّم‌ قبل‌ الإسلام‌ . كما يقول‌ ابن‌ الاثير في‌ (أسد الغابة‌) ، ج‌  4  ، ص‌  16  : و هو اوّل‌ الناس‌ إسلاماً في‌ قول‌ كثير من‌ العلماء علی‌ ما نذكره‌ . و ينقل‌ في‌ (غاية‌ المرام‌) ، ص‌  499  في‌ انّ أميرالمؤمنين‌ كان‌ اوّل‌ من‌ أسلم‌  47  حديثاً من‌ طريق‌ العامة‌ ، و في‌ ص‌  4 0 5  الباب‌  22  يورد  18  حديثاً من‌ طريق‌ الخاصة‌ .

[100] ـ النقل‌ عن‌ الثعالبي‌ في‌ (الفصول‌ المهمّة‌) فقط‌ ، و ليس‌ موجوداً في‌ (مطالب‌ السؤل‌) .

[101]  ـ صدر الاية‌ 00 1  ، من‌ السورة‌  9  : التوبة‌ .

[102] ـ يذكر في‌ (الفصول‌ المهمّة‌) أربعة‌ أبيات‌ فقط‌ من‌ الاشعار أعلاه‌ ( 1  و  3  و  5  و  7 )

[103] ـ (مطالب‌ السؤل‌) ، ص‌  11  ؛ و ينقل‌ كذلك‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  57  هذه‌

 الاشعار عن‌ الموفق‌ بن‌ احمد بسنده‌ عن‌ جابر بن‌ عبدالله‌ قال‌ : سمعتُ علیاً يقول‌ ... الخ‌

 [104] ـ (نهج‌ البلاغة‌) عبدة‌ ، ج‌  1  ، ص‌  392  ، الخطبة‌ 0 19  القاصعة‌ .

[105] ـ دُون‌ مُنيتي‌ ، و في‌ بعض‌ النسخ‌ (دون‌ هَيْنتي‌) اي‌ قبل‌ ذلّي‌ و هواني‌ ، و (مُنْيتي‌) بمعني‌ موتي‌ ، أي‌ ليتني‌ متّ قبل‌ أوان‌ موتي‌ (اي‌ الاجل‌ المسمي‌') .

[106] ـ (مناقب‌ ابن‌ شهر ءاشوب‌) ، ج‌  1  ، ص‌  382  ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ، و الطبعة‌ الحروفية‌ ج‌  2  ، ص‌  8 0 2  ؛ و (الاحتجاج‌) للطبرسي‌ ج‌  1  ، ص‌  145  .

[107] ـ (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌) (الطبعة‌ ذات‌ 0 2  مجلّداً) ، ج‌  11  ، ص‌  113  .

[108]  ـ الاية‌  113  ، من‌ السورة‌  4  : النساء .

[109] ـ (تفسير الميزان‌) ، ج‌  2  ، ص‌ 0 14

[110] ـ الاية‌  69  ، من‌ السورة‌  4  : النساء .

[111] ـ الاية‌  6  و  7  ، من‌ السورة‌  1  : الفاتحة‌ .

[112] ـ (تاريخ‌ الطبري‌) ، ج‌  2  ، ص‌  55  .

[113] ـ الطبري‌ ، ج‌  2  ، ص‌  56  ؛ و يروي‌ الحديث‌ الرابع‌ كذلك‌ في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) ص‌ 0 6 عن‌ ابن‌ ماجة‌ القزويني‌ و أحمد في‌ المسند و أبي‌ نعيم‌ الحافظ‌ و الثعلبي‌ و الحمويني‌ بأدني‌ أختلاف‌ في‌ اللفظ‌ .

[114]  ـ المصدر السابق‌ .

[115]  ـ المصدر السابق‌ .

[116]  ـ (الفصول‌ المهمّة‌) ص‌  14  ، و (مطالب‌ السول‌) ص‌  11  ، و (تاريخ‌ الطبري‌) ج‌  2  ، ص‌  58  .

[117] ـ (تاريخ‌ الطبري‌) ، ج‌  2  ، ص‌  56  ؛ و (الفصول‌ المهمّة‌) ، ص‌  16  ؛ و (مطالب‌ السؤل‌) ، ص‌  11  الطبعة‌ الحجريّة‌ .

[118] ـ الايات‌  214  الی‌ 0 22  ، من‌ السورة‌  26  : الشُّعراء .

[119] ـ (الغدير) ، ج‌  2  ،  278  .

[120] ـ يقول‌ السيّد اسماعيل‌ الحميري‌ في‌ ديوانه‌ ص‌  73  :

 أبو حسن‌ غلام‌ من‌ قريش        ‌ أبرّهم‌ و أكرمهم‌ نصابا

 دعاهم‌ أحمد لمّا أتتهُ         من‌ الله‌ النبوّةُ فاستجابا

 فأدّبه‌ و علّمه‌ و أملي‌         علیه‌ الوحي‌ يكتبه‌ كتابا

 فأحصي‌ كلّما أملي‌ علیه‌         و بيّنه‌ له‌ باباً فبابا

 و تخريج‌ هذه‌ الاشعار عن‌ (أعيان‌ الشيعة‌) ج‌  12  ، ص‌  216  ؛ كما أورد الحميري‌ في‌ ص‌  213  فما فوق‌ ثلاثة‌ عشر بيتاً مفصّلاً عن‌ حديث‌ العشيرة‌ . 

[121] ـ (تاريخ‌ الطبري‌) ، ج‌  2  ، ص‌  62  و  63  .

 [122] ـ (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌) ابن‌ أبي‌ الحديد ، ج‌  3  ، ص‌  263  ،

 و يقول‌ العلاّمة‌ ءاية‌ الله‌ السيّد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ في‌ كتاب‌ (المراجعات‌) الطبعة‌ الاولي‌ ، هامش‌ ص‌  111  بعد نقله‌ هذا المطلب‌ عن‌ شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ لابن‌ أبي‌ الحديد : و كتاب‌ (نقض‌ العثمانية‌) من‌ الكتب‌ التي‌ لا نظير لها ، و يجب‌ علی‌ كلّ شخص‌ باحث‌ ان‌ يرجع‌ الیه‌ ، و هو موجود في‌ ص‌  257  الی‌ ص‌  281  من‌ المجلد الثالث‌ من‌ شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ لابن‌ أبي‌ الحديد في‌ نهاية‌ الخطبة‌ القاصعة‌ .

[123] ـ (الغدير) ، ج‌  2  ، ص‌  279  ـ 0 28  .

[124] ـ ملخّص‌ لمطالب‌ (الغدير) ، ج‌  2  ، ص‌ 0 28  ـ  284  .

[125] ـ (الغدير) ، ج‌  2  ، ص‌  287  .

[126] ـ نقلاً عن‌ كتاب‌ (شيعه‌ در اسلام‌) سبط‌ ، الجزء الاول‌ ، ص‌  5  ـ  7  .

[127] ـ (السيرة‌ الحلبية‌) ، المجلد الاول‌ ، ص‌  322  .

[128] ـ وزير الثقافة‌ الاسبق‌ في‌ مصر ، و رئيس‌ تحرير مجلّة‌ الاهرام‌ . 

[129] ـ يذكر في‌ كتاب‌ (علی و الوصيّة‌) ، من‌ ص‌  4  الی‌ ص‌  19  ، روايات‌ كثيرة‌ بطرق‌ مختلفة‌ مع‌ ذكر اسنادها و العلماء الذين‌ نقلوها في‌ كتبهم‌ ، ثم‌ يقوم‌ في‌ ص‌  337  ببيان‌ اسناد هذا الحديث‌ بالتفصيل‌ . ثم‌ انّه‌ يذكر في‌ ص‌  374  (و هي‌ مستدركات‌ الكتاب‌) تحت‌ عنوان‌ : الحديث‌ الرابع‌ ، روايةً عجيبة‌ في‌ هذا الشأن‌ عن‌ أبي‌بكر يخاطب‌ بها العبّاس‌ بن‌ عبدالمطلب‌ ، ورد فيها انّ أبابكر قال‌ : فجمع‌ رسول‌ الله‌ عشيرته‌ و قال‌ : فمن‌ يقوم‌ منكم‌ يُبايعني‌ علی‌ أن‌ يكون‌ أخي‌ و وزيري‌ و وصيّي‌ و خليفتي‌ في‌ أهلي‌ ؟ فلم‌ يقم‌ ... الخ‌ ؛ و ينقل‌ في‌ ص‌  375 نظير هذا الحديث‌ ؛ ينقل‌ هذين‌ الحديثين‌ عن‌ التاريخ‌ المخطوط‌ لابن‌ عساكر الذي‌ توجد له‌ صورة‌ فوتوغرافيّة‌ في‌ مكتبة‌ الامام‌ اميرالمؤمنين‌ العامّة‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌ . كما ينقل‌ هذا الحديث‌ عن‌ أبي‌ بكر في‌ (المناقب‌) لابن‌ شهرءاشوب‌ ، ج‌  1  ، ص‌  544  .

 [130] ـ يقول‌ الشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ في‌ كتاب‌ (الشيعة‌ و التشيّع‌) ص‌  14  :

 و نقل‌ الشيخ‌ محمد حسن‌ المظفّر في‌ كتاب‌ (دلائل‌ الصدق‌) ، ج‌  2  ، ص‌  233  عن‌ كتاب‌ (كنز العمال‌) ج‌  6  ، ص‌  397  انّ النَّبيَّ قَالَ لِعَشِيرَتِهِ : قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَ الاْخِرَةِ ، وَ قَدْ أَمَرَنِي‌ رَبِّي‌ أَنْ أَدْعُوكُمْ الیهِ ؛ فَأَيُّكُمْ يُوَازِرُنِي‌ علی‌ أَمْرِي‌ هَذَا ؟ قَالَ علی‌ّ : أَنَا يَا نَبِي‌َّ اللَهِ أَكُونُ وَزِيرَكَ علیهِ . فَأَخَذَ النَّبِي‌ُّ بِرَقَبَتِهِ وَ قَالَ : إنَّ هَذَا أَخِي‌ وَ وَصِيِّي‌ وَ خَلَيفَتِي‌ فِيكُمْ ؛ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ! فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ وَ يَقُولُونَ لاَبِي‌ طَالِبٍ : قَدْ أَمَرَكَ أَن‌ تَسْمَعَ وَتُطِيعَ لِوَلَدِكَ علی‌ٍّ .

 ثمَّ يقول‌ في‌ التعلیقة‌ : ذكر هذه‌ الحديث‌ محمد حسين‌ هيكل‌ في‌ كتاب‌ (حيوة‌ محمّد) الطبعة‌ الاولي‌ ، ثمّ حذفه‌ في‌ الثانية‌ لقاء 00 5  جنيه‌ (الجُنيه‌ هو العُملة‌ المتداولة‌ في‌ مصر) ودليلُنا المقابلة‌ بين‌ الطبعتين‌ . انظر التعلیق‌ ص‌  114  من‌ (أعيان‌ الشيعة‌) ج‌  1  ، القسم‌ الاول‌ ، طبعة‌ 0 196  انتهي‌ .

[131] ـ خلاصة‌ ما جاء في‌ (الغدير) ، ج‌  2  ، ص‌  287  الی‌  289  .

[132] ـ من‌ الجدير بالذكر في‌ هذه‌ الرواية‌ ، انّه‌ لم‌ يعيِّن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وليًّا وإمامًا واجب‌ الطاعة‌ بعد رحلته‌ فقط‌ ، بل‌ انّه‌ عيّنه‌ كذلك‌ في‌ حياته‌ أيضًا . ذلك‌ لانّه‌ يقول‌ فَاسمعوا له‌ و أطيعوا  . و هذه‌ العبارة‌ تثبت‌ وجوب‌ السمع‌ و الطاعة‌ له‌ علیه‌ السلام‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ و تدل‌ علی‌ عصمته‌ علیه‌ السلام‌ منذ ذلك‌ الیوم‌ ، لان‌ هناك‌ ملازمة‌ بين‌ العصمة‌ وبين‌ وجوب‌ الاتّباع‌ ، كما انّه‌ كان‌ من‌ رسول‌ الله‌ منذ ذلك‌ الیوم‌ بمنزلة‌ هـرون‌ من‌ موسي‌ الاّ انّه‌ ليس‌ بنبيّ . و يَدلّ علی‌ هذه‌ المقولة‌ ، كلام‌ العلاّمة‌ ءاية‌ الله‌ السيّد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ في‌ كتاب‌ (النّص‌ و الاجتهاد) ، الطعبة‌ الثانية‌ ، مطبعة‌ دار النهج‌ ـ بيروت‌ ، ص‌  376  في‌ التعلیقة‌ الاولي‌ .

[133] ـ (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ابن‌ ابي‌ الحديد) ، ج‌  2  ، ص‌  19  ؛ و ج‌  1  ، ص‌  134  ؛ و (الإمامة‌ و السياسة‌) ، ج‌  1  ، ص‌  12  .

[134] ـ (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ابن‌ أبي‌ الحديد) ، ج‌  2  ، ص‌  19  ؛ المختصر في‌ أخبار البشر و(تاريخ‌ أبوالفداء) ، ج‌  1  ، ص‌  156  ؛ و (العقد الفريد) ابن‌ عبد ربّه‌ ، ج‌  3  ، ص‌  63  .

[135] ـ (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌) ابن‌ أبي‌ الحديد ، ج‌  1  ، ص‌  131  ، نقلاً عن‌ كتاب‌ (السقيفة‌) .

[136]  ـ و هذا هو كلام‌ أبي‌ سفيان‌ . (شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ ابن‌ أبي‌ الحديد) ، ج‌  1  ، ص‌ 0 13  .

[137]  ـ (الإمامة‌ و السياسة‌) ، ج‌  1  ، ص‌  13  .

[138] ـ هذه‌ القصيدة‌ مذكورة‌ في‌ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  436  ؛ و قد نقل‌ أصلها من‌ (الغدير) ، ج‌  2  ، ص‌ 0 25  و (أعيان‌ الشيعة‌) ، ج‌  12  ، ص‌  268  ؛ و (المناقب‌) ، ج‌  2  ، ص‌  26 و 176  ، و ج‌  3  ، ص‌  55  .

[139] ـ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  3 0 2  ؛ و قد ذكر أصل‌ القصيدة‌ من‌ (اعيان‌ الشيعة‌) ج‌  12  ، ص‌  248  ؛ و (الغدير) ، ج‌  2  ، ص‌ 0 25  ، و (المناقب‌) ، ج‌  2  ، ص‌  26  .

 [140] ـ (ديوان‌ الحميري‌) ، ص‌  117  ، و قد ذكر أصل‌ القصيدة‌ من‌ (الغدير) ج‌  2  ، ص‌  251  ، و (المناقب‌) ص‌  26  ، و ص‌  318  .

[141]  ـ الاية‌  165  ، من‌ السورة‌  4  : النساء .

[142] ـ الاية‌  64  ، من‌ السورة‌  4  : النساء .

[143] ـ الاية‌  4  ، من‌ السورة‌  33  : الاحزاب‌ .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com