بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الاول / القسم الاول: الاختلاف الاساسی بین الشیعة و اهل السنة، مراحل العصمة، الوارثون للکتاب

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

مقدّمة‌ المؤلّف

 بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

 

 حمداً أزليّاً و ثناءً لا ينفد و لا يتناهي‌ مختصّاً بالله‌ عزّوجلّ، الذي‌ أوجد بحكمته‌ البالغة‌ عالم‌ الخلقة‌ من‌ كَتْمِ العدم‌، و خلع‌ علیه‌ رداء الوجود، و اختار بني‌ ءادم‌ من‌ بين‌ تلك‌ العوالم‌ بجامعيّة‌ منطق‌ العقل‌ و الاءحساس‌، فشرّفهم‌ لذلك‌ بشرف‌ التكليف‌ و المسؤوليّة‌ و الاءلتزام‌.

 وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي‌´ ءَادَمَ وَ حَمَلْنَـ'هُمْ فِي‌ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَـ'هُم‌ مِّنَ الطَّيِّبَـ'تِ وَ فَضَّلْنَـ'هُمْ علی‌' كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً.

 و سلاماً لا حدَّ له‌، و تحيّةً و إكراماً لا حصر له‌، لقادة‌ تربية‌ البشريّة‌ الذين‌ جعلوا ـ بنشرهم‌ لواء الحمد الاءلهيّ ـ النورَ الساطع‌ للاءيمان‌ و الاءيقان‌ متجلّياً في‌ قلوب‌ أفراد البشر، و الذين‌ أشعلوا في‌ كيان‌ الارواح‌ مشعل‌ التوحيد و الولاية‌، ليمكّنوا البشرَ صاحب‌ النفس‌ الهيولانيّة‌ و القوة‌ و القابليّة‌ غير المحدودة‌ في‌ طريق‌ التمكين‌ بالحقّ. و خاصّةً خاتم‌ النبيّين‌ مُحَمَّد بن‌ عَبْدِالله‌ و وصيّه‌ الكريم‌ سيّد الوصيّين‌ علی بن‌ أَبي‌ طالب‌ صلوات‌ الله‌ علیهما، حاملا لواء الحمد و حائزا مقام‌ الشفاعة‌ الكبري‌، والائمّة‌ المعصومين‌، لا سيّما بقيّة‌ الله‌ في‌ الارضين‌ الحُجَّة‌ بن‌ الحسن‌ العسكري‌ عجّل‌ الله‌ تعالی‌ فرجه‌ الشريف‌، الذين‌ كانوا المظهر التام‌ للاسماء الالهيّة‌: الجمالیة‌ و الجلالیة‌، و الايات‌ الكاملة‌ لانوار الاحديّة‌ و الواحديّة‌، و المرايا الكبري‌ للحقّ، و الخلفاء العينيّين‌ للباري‌ تعالی‌ شأنُه‌ العزيز، وواسطة‌ فيض‌ و إشراق‌ النور الازلي‌ علی‌ هياكل‌ الوجود و ماهيّات‌ الاءمكانية‌.

 اولئك‌ الذين‌ كانوا في‌ الولاية‌ التكوينيّة‌ مرءاةً تامّة‌ للجمال‌ الالهي‌ والجلال‌ الازلي‌، و اللؤلؤ المنير المفيض‌ لنور الاحدية‌ علی‌ عالم‌ ما سواهم‌؛ و في‌ الولاية‌ التشريعيّة‌ باب‌ الشريعة‌ و منهلَ الاءلهام‌، و الاخذَ للاحكام‌ من‌ مصدر التشريع‌ و الحقائق‌.

 و باعتبار انّ مسألة‌ الاءمامة‌ و الولاية‌ من‌ أهمّ المسائل‌ الحياتيّة‌؛ وباعتبار ان‌ جميع‌ جهات‌ القابليّات‌ الاءنسانيّة‌ ستقوي‌ و تنمو ـ بمعرفة‌ هذه‌ الحقيقة‌ ـ في‌ مدارج‌ الكمال‌ و معارجه‌، بينما سيسبّب‌ الجهل‌ بهذه‌ الحقائق‌ و عدم‌ اتّباعها حرفَ القابليّات‌ و الاءمكانات‌ و جعلها تنصبّ في‌ مسير الاءنحراف‌، و في‌ اضمحلالها في‌ المستنقعات‌ العفنة‌ للماديّات‌ و الشهوات‌.

 لذا فقد منّ الله‌ تبارك‌ و تعالی‌ علی‌ هذا الحقير، ليقوم‌ في‌ ايّام‌ شهر رمضان‌ المبارك‌ لسنة‌ ألف‌ و ثلاثمائة‌ و واحد و تسعين‌ هجريّة‌ قمريّة‌ ببحث‌ و مناقشة‌ مسألة‌ الاءمامة‌ و الولاية‌ مع‌ جمع‌ من‌ الاخلاّء الروحيّين‌ والاءخوة‌ الاءيمانيين‌.

 و قد تقرّر ان‌ يكون‌ مبني‌ البحث‌ قائماً علی‌ الايات‌ القرءانيّة‌. ولاهميّة‌ الموضوع‌ بالنسبة‌ للاخوة‌ من‌ أهل‌ السنّة‌، فقد تقرّر الاستفادة‌ من‌ فنّ الجدل‌، و النقل‌ من‌ روايات‌ و تواريخ‌ العامّة‌، مع‌ الاستفادة‌ إجمالاً من‌ روايات‌ الخاصّة‌ كذلك‌.

 و كان‌ متصوّراً انّنا سنستطيع‌ انهاء دورة‌ كاملة‌ من‌ هذا البحث‌ في‌ شهر رمضان‌ المبارك‌، الاّ انّ الشهر قد تصرّم‌، و لم‌ يجرِ بيان‌ أكثر من‌ سُدس‌ ممّا كان‌ في‌ النيّة‌ بيانه‌، بالرغم‌ من‌ انّه‌ قد جري‌ كلّ يوم‌ الكلام‌ و البحث‌ الوافي‌ في‌ الامر.

 و كان‌ من‌ الالطاف‌ السنيّة‌ للخالق‌ اللطيف‌ انّ التوفيق‌ قد شملني‌ في‌ نفس‌ شهر رمضان‌، لاقوم‌ في‌ المنزل‌ بكتابة‌ و جمع‌ مذاكرات‌ البحث‌.

 ثم‌ انقضت‌ سنواتٌ أربع‌ علی‌ هذا الامر حُرمتُ خلالها من‌ جمع‌ مسائل‌ الاءمامة‌ ـ بشكل‌ منّظم‌ و مرتّب‌ طبعاً ـ حتّي‌ شملتني‌ من‌ جديد الالطاف‌ الخفيّة‌ لله‌ عزّوجل‌ في‌ شهر رمضان‌ المبارك‌ لسنة‌ ألف‌ و ثلاثمائة‌ و خمس‌ و تسعين‌، فاستأنفنا البحث‌ السابق‌ في‌ أيام‌ الشهر مع‌ الاعزاء الاءيمانيّين‌ و الاءخوة‌ الروحانيّين‌، فتمّ الی‌ نهاية‌ الشهر مناقشة‌ و تدوين‌ سُدس‌ ءاخر من‌ البحوث‌، فصار مجموع‌ ما جري‌ بحثه‌ و كتابته‌ في‌ شهري‌ رمضان‌ هذين‌ ثُلث‌ ما في‌ نظرنا.

 و ها نحن‌ نقدّم‌ مجموع‌ هذه‌ الكتابات‌ التي‌ جُمعت‌ في‌ مجلدّات‌ أربعة‌ لمطالعة‌ أصحاب‌ النظر و البصيرة‌.

 و الامل‌ أن‌ يوفّقنا اللهُ جلّت‌ أسماؤه‌ لبحث‌ و تحرير باقي‌ الابحاث‌، بمحمّدٍ و ءاله‌ الطّاهرين‌. و سيكون‌ تمام‌ هذه‌ الابحاث‌ في‌ حدود اثني‌ عشر مجلّداً تشكلّ قسم‌ «معرفة‌ الاءمام‌» من‌ دورة‌ العلوم‌ و المعارف‌ الاءسلاميّة‌، حيث‌ سيتمّ تدوينها و تحريرها في‌ هيئّة‌ دروس‌ سيكون‌ مجموعها في‌ حدود مائة‌ و ثمانين‌ درساً.

 و باعتبار أنّ هذه‌ الدروس‌ ستكون‌ في‌ خصائص‌ الاءمام‌ و شروط‌ القيادة‌ و الزعامة‌ و الحكومة‌، و في‌ لزوم‌ العصمة‌ للائمة‌ الطاهرين‌ سلام‌ الله‌ علیهم‌ أجمعين‌؛ فانّه‌ سيجزي‌ البحث‌ و المناقشة‌ ـ ضمناً ـ في‌ شرائط‌ النبوّة‌ ولزوم‌ العصمة‌ و ءاثار و خواصّ الانبياء أيضاً. و في‌ الحقيقة‌ فانّ هذا البحث‌ بحث‌ كامل‌ و شامل‌ يشمل‌ أيضاً البحث‌ في‌ النبوّة‌ العامّة‌ و يُغنينا عن‌ ايراد بحث‌ مستقلّ لها.

 نشكر الله‌ سبحانه‌ الذي‌ منّ علینا بهذه‌ الموهبة‌ لنسعي‌ في‌ هذه‌ البحوث‌ قدر الوسع‌، و في‌ حدود ظرفيّة‌ الحقير البسيطة‌، و لنقدّم‌ مجّاناً ماجاء في‌ الابحاث‌ و المطالعات‌ و الدراسات‌ و المذاكرات‌ في‌ طبق‌ اخلاص‌، فنضعه‌ في‌ مرأي‌ و منظر من‌ اخوتي‌ و نظرائي‌ في‌ الاءنسانية‌.

 فَلِله‌ الْحَمْدُ وَ لَهُ الشُّكرُ و ءاخِرُ دَعْوَانَا أن‌ الْحَمْدُ لِلَهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَصَلَّي‌ اللَهُ علی‌ مُحَمَّدٍ وَ ءاله‌ الطَّاهِرين‌.

 السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينّي‌ الطهرانيّ

 الرجوع الي الفهرس

  

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَ  حِدَةً فَبَعَثَ اللَهُ النَّبِيّـنَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن‌ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَـ'تُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَي‌ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ  وَاللَهُ يَهْدِي‌ مَنْ يَشَآءُ إلی‌' صِرَ  طٍ مُسْتَقِيمٍ.[1]

 الرجوع الي الفهرس

 أساس‌ الاختلاف‌ بين‌ الشيعة‌ والسنّة‌:

 انّ أساس‌ الاختلاف‌ بين‌ الشيعة‌ و السنّة‌ ينحصر في‌ مسألة‌ الولاية‌، فالشيعة‌ يقولون‌ انّ الامام‌ خ00يجب‌ أن‌ يكون‌ معصوماً و مُنصّباً من‌ قبل‌ الله‌ سبحانه‌ و تعإلی‌، بينما يقول‌ السنّة‌ انّ العصمة‌ ليست‌ من‌ شرائط‌ الإمام‌، وأنّ الناس‌ بإمكانهم‌ أن‌ يختاروا إماماً لهم‌ فيتّبعوه‌.

 أمّا بقيّة‌ المسائل‌ المُختلف‌ علیها بين‌ هذين‌ الفريقين‌ فمتفرّعة‌ بأجمعها عن‌ ذلك‌ الاصل‌ و تابعة‌ له‌؛ لانّ أرضيّة‌ الاختلاف‌ في‌ الاساس‌ والاصل‌ لابدّ و أن‌ تؤدّي‌ إلی‌ اختلافات‌ كثيرة‌ في‌ الفروع‌، امّا لو انتفي‌ الاختلاف‌ في‌ الاساس‌، فاتّحد هذان‌ الفريقان‌ في‌ المرام‌ و المذهب‌، فانّ الاختلافات‌ في‌ الفروع‌ ستنتفي‌ بدورها و تتبع‌ الاصل‌ في‌ الوحدة‌.

 و سنناقش‌ هذه‌ الايّام‌ بعون‌ الله‌ و بالاستعانة‌ بأرواح‌ الطيّبين‌ و أولياء الله‌ أساس‌ هذه‌ المسألة‌، و سنبيّن‌ شرائط‌ الإمام‌ من‌ خلال‌ كتاب‌ الله‌ والنصّوص‌ الصريحة‌ التي‌ و ردت‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌، بِحَوْلِ اللَهِ وَ قُوَّتِهِ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ الْعلی‌ّ الْعظِيم‌. و سنذكر شاهداً و مثالاً كمقدّمة‌ من‌ أجل‌ توضيح‌ هذا المعني‌ قبل‌ الاستدلال‌ بالاية‌ التي‌ وردت‌ في‌ مطلع‌ البحث‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الإمام‌ بمنزلة‌ القلب‌ في‌ جسم‌ الإنسان‌:

  هناك‌ في‌ جسم‌ الإنسان‌ أجهزة‌ متنوّعة‌ و مختلفة‌ يؤدّي‌ كلٌّ منها وظيفةً خاصّة‌، فالعين‌ وظيفتها النظر، و الاذن‌ وظيفتها السّمع‌، و الانف‌ للتنفّس‌ و الشمّ، و اللسان‌ للتذوّق‌ و الكلام‌، و إلید للاخذ و العطاء، و الرجل‌ للمشي‌؛ و كلّ هذه‌ الاعضاء تسعي‌ دائبةً لتنفيذ وظيفتها، الاّ انّها ـ من‌ وجهة‌ نظر الحياة‌ الماديّة‌ ـ تستمدّ قوّتها من‌ القلب‌.

 ثمّ انّ القلب‌ يضخّ الدم‌ إلی‌ جميع‌ أعضاء الجسم‌ و جوارحه‌، فيمدّها في‌ كلّ لحظة‌ بحياةٍ جديدة‌، و يبقيها ـ بهذا العمل‌ ـ في‌ نشاط‌ مستمرّ و حياة‌ دائمة‌. و لو حدث‌ أن‌ توقّف‌ القلب‌ للحظة‌ واحدة‌ و تخلّي‌ عن‌ مسؤوليّته‌، لاُصيبت‌ تلك‌ الاعضاء و الجوارح‌ الحيّة‌ و النشيطة‌ بالموت‌ و الفناء و لتعطّل‌ دورها، فتفقد العينُ رؤيتَهَا، و الاذنُ سمعَها، و إلیدُ حركتها، كما تُشلّ الرِّجلُ و تفقد الإحساس‌.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ فائدة‌ القلب‌ هي‌ الإشراف‌ و الزعامة‌ و إيصال‌ الحياة‌ إلی‌ كافّة‌ أعضاء الجسم‌ التي‌ تخضع‌ لإشرافه‌، و لا يمكن‌ لاحد ان‌ يُنكر حاجتنا للقلب‌ بحجّة‌ انّ القلب‌ لا يعمل‌ شيئاً لانّه‌ لا يري‌ و لا يسمع‌ ولا يتكّلم‌ و لا يكتب‌ و لا... و لا....

 و بحجّة‌ انّ لنا عيناً نري‌ بها، و أذناً نسمع‌ بها، و لساناً نتكلّم‌ به‌، و يداً نكتب‌ بها. فهذا الكلام‌ خاطي‌ و لا محلّ له‌، لان‌ العين‌ و الاذن‌ و اللسان‌ ميّتة‌ بدون‌ القلب‌ لا دور لها و لا عمل‌، و انّما وجد ذلك‌ الإبصار في‌ العين‌، والسمع‌ في‌ الاذن‌ بسبب‌ قوّة‌ القلب‌.

 انّ العين‌ تتعرّض‌ في‌ كلّ لحظة‌ لالاف‌ الافات‌ و حالات‌ الفساد الخارجيّة‌، و الامر كذلك‌ بالنسبة‌ للاذن‌ و لسائر الاعضاء الاخري‌، لكنّ القلب‌ لا يَفتُر لحظةً عن‌ المراقبة‌ و الدفاع‌ و إيصال‌ الدم‌ كطعام‌ و دواء من‌ أجل‌ دفع‌ الاعتداءات‌ الخارجيّة‌ و موجبات‌ الفساد الاخري‌ و الميكروبات‌ المهلكة‌. لذا فانّ العين‌ و الاذن‌ تعيشان‌ تحت‌ ولاية‌ و سلطان‌ القلب‌ الذي‌ يمثّل‌ الجهاز المنظّم‌ لعمل‌ تلك‌ القوي‌، و الذي‌ يمدّ سائر أعضاء الجسم‌ بالحياة‌.

 امّا من‌ الناحية‌ المعنوية‌، فانّ المخّ هو الذي‌ ينظّم‌ عمل‌ هذه‌ القوي‌ والاعضاء، فالعين‌ تري‌ فقط‌، اي‌ انّه‌ اثر انعكاس‌ النور فانّ صورةً للشي‌ المرئي‌ ستنعكس‌ في‌ شبكيّتها، امّا ماهيّة‌ هذا الصورة‌ و ما الذي‌ سنفعله‌ بها؟ فانّ ذلك‌ ليس‌ من‌ وظيفة‌ العين‌، بل‌ من‌ وظيفة‌ المخّ الذي‌ يأخذ هذه‌ الصورة‌ و يدقّق‌ فيها و يهيّؤها لإستفادة‌ الانسان‌.

 لذا فانّ الذين‌ يتعاطون‌ الخمور فيثملون‌، او الذين‌ يُصيبهم‌ الإغماء او الجنون‌، لم‌ يحصل‌ في‌ أعينهم‌ نقصٌ ما، بل‌ انّ عيونهم‌ سليمة‌ تعمل‌ بوظيفتها جيداً في‌ عكس‌ الاشعة‌ و إظهار الصورة‌ المرئيّة‌، لكنّ جهاز المخّ و الفكر صارا لا يعملان‌ بوظيفتهما المعتادة‌، لانّ مجموعة‌ الاعصاب‌ التي‌ تنقل‌ الصورة‌ إلی‌ المخّ قد تعطّلت‌ عن‌ عملها بوظيفتها، فصارت‌ سلسلة‌ الاعصاب‌ توصل‌ هذه‌ الصورة‌ إلی‌ المخّ فلا يستطيع‌ تمييزها و الإفادة‌ منها في‌ محلّها.

 لذا نشاهد انّ الشخص‌ الثمل‌ لا يُميّز بين‌ أخته‌ و أمّه‌ و زوجته‌، فيحاول‌ الإعتداء علیهنّ، أو أنّه‌ يتحرّك‌ في‌ معبرٍ عامّ عارياً، فلا يمكنه‌ ان‌ يشخصّ انّ صورة‌ المعبر التي‌ كانت‌ محفوظةً في‌ قواه‌ الذهنيّة‌ سابقاً مُطابقة‌ لصورة‌ هذا المعبر أم‌ لا كي‌ يحكم‌ بعدم‌ جواز الحركة‌ في‌ هذا المعبر عارياً.

 و هذا الثمل‌ السكران‌ يهذي‌ و يصيح‌ بصوت‌ عال‌، و يعمل‌ اعمالاً مُستهجنة‌ أمام‌ الاخرين‌، و لا يأبي‌ أكل‌ الخبائث‌، و لا يُبإلی‌ بارتكاب‌ الجنايات‌، بالرغم‌ من‌ أنّ قواه‌ السمعيّة‌ و الذوقيّة‌ و الشميّة‌ تعمل‌ بوظيفتها. و ذلك‌ لانّ جهاز المخّ المنظّم‌ و المراقب‌ لا يعمل‌ بوظيفته‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ لانه‌ قد تعطّل‌. لذا فانّه‌ لن‌ يعجز فقط‌ عن‌ الرؤية‌ و تمييز الاشياء، أو أن‌ يسمع‌ بأذنه‌ و يعمل‌ بيده‌، بل‌ انّه‌ سيصرف‌ هذه‌ القوي‌ في‌ إهلاك‌ نفسه‌ وإفسادها، و سيقطع‌ بيده‌ أغصان‌ حياته‌ و يستئصل‌ جذورها.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ وجود جهاز المخّ في‌ الجسم‌ أمر حيوي‌ّ من‌ أجل‌ استخدام‌ هذه‌ الاعضاء و الجوارح‌ و إعمال‌ كلٍّ منها في‌ مواقع‌ الحاجة‌، ولتطبيق‌ الصور الحاصلة‌ مع‌ الصور المحفوظة‌ سابقاً في‌ الذاكرة‌ و الاحكام‌ الصحيحة‌ المترتّبة‌ علیها، و لذلك‌ نري‌ أنّ المجنون‌ الذي‌ فقد قواه‌ العقليّة‌ لا يترتّب‌ علی‌ رؤيته‌ و قوله‌ و فعله‌ أيّ نتيجة‌ صحيحة‌.

 و لو تركنا الإنسان‌ جانباً فاننا سنجد في‌ الحيوان‌ كذلك‌ قلباً و مخّاً لا يستطيع‌ أيّ حيوان‌ بدونهما الاستمرار في‌ الحياة‌ و في‌ أداء وظائفه‌ و لو كان‌ ذا خليّةٍ واحدة‌.

 و الامر كذلك‌ في‌ الجمادات‌ أيضاً، فإنّ الشي‌ الذي‌ يرسم‌ لها وحدتها و يجعلها تحت‌ خاصيّة‌ و كيفيّة‌ واحدة‌ هو الروح‌ و النفس‌ الواحدة‌ التي‌ كانت‌ جارية‌ فيها قبلاً. و لذا فانّها تمتلك‌ خاصيّة‌ واحدة‌ و يُشاهد عنها ءاثار واحدة‌. و قد جرت‌ الاستفادة‌ من‌ هذا الامر في‌ التقنية‌ و صناعة‌ السيارات‌، فاستطاعوا ـ بإيجاد ءالات‌ منظّمة‌ و معدّلة‌ ـ تنظيمَ حركة‌ العجلات‌ والمحرّكات‌.

 اننا حين‌ نريد مل‌ء الساعة‌ و نصبها، فانّ ضغط‌ النابض‌ سيكون‌ قوّياً في‌ البدء، و سيحاول‌ تحريك‌ العجلات‌ المسنّنة‌ بسرعة‌، امّا حين‌ يرتخي‌ النابض‌ و يقلّ ضغطه‌، فانّه‌ سيحاول‌ تحريك‌ تلك‌ العجلات‌ ببط‌ء. و لهذا السبب‌ فقد وضعوا في‌ الساعة‌ جهازاً بإسم‌ (البندول‌ أو الرقّاص‌) ليقوم‌ بتنظيم‌ الحركة‌، بحيث‌ تتحرّك‌ الساعة‌ في‌ كلّ الاحوال‌ علی‌ منوال‌ واحد، سواءً كان‌ ضغط‌ النابض‌ قويّاً أو ضعيفاً، فتنظّم‌ الوقت‌ بشكل‌ صحيح‌.

 كما انّ الماكنات‌ البخارية‌ المستعملة‌ في‌ المعامل‌ الكبيرة‌ اذا خلت‌ من‌ المنظّم‌ فانّها ستتحطّم‌ بأجمعها، لانّ قِدر البخار سيولّد عند غليانه‌ كميّات‌ ضخمة‌ من‌ البخار اذا ما اندفعت‌ خلف‌ المكابس‌ فانّ الالات‌ ستدور ءانذاك‌ بسرعة‌ هائلة‌ فتؤدّي‌ إلی‌ تحطّم‌ الماكنة‌. امّا حين‌ تنخفض‌ الحرارة‌ في‌ قِدر البُخار فانّ من‌ الممكن‌ ان‌ تنخفض‌ السرعة‌ تبعاً لذلك‌. و لذلك‌ يوضع‌ في‌ هذه‌ الالات‌ منظّم‌ للضغط‌ ( pressure Regulator ) لينظّم‌ وصول‌ كميّات‌ البخار إلی‌ المكابس‌، و لا يسمح‌ بوصول‌ الفائض‌ من‌ البخار إلی‌ المحرّكات‌، بل‌ يقوم‌ بخزنه‌ في‌ مخزن‌ الذخيرة‌ ليفيد منه‌ عند انخفاض‌ ضغط‌ البخار، فيرسله‌ ءانذاك‌ مع‌ البخار المولّد، و بذلك‌ تتحرّك‌ المحرّكات‌ بشكل‌ منظّم‌ و هادي‌ دائماً في‌ السرعة‌ الخاصة‌ المطلوبة‌.

 و يحتاج‌ المجتمع‌ البشري‌ من‌ أجل‌ تغيير القوي‌ و تنظيم‌ الامور ورفع‌ الإختلافات‌ بين‌ الناس‌ و منع‌ التعدّيات‌ علی‌ حقوق‌ الفرد و المجتمع‌، ولهداية‌ جميع‌ الافراد إلی‌ مقصد الكمال‌ و الهدف‌ من‌ الخلقة‌ و نيل‌ المُني‌ من‌ جميع‌ القوي‌ و الكنوز الالهيّة‌، إلی‌ منظّم‌ صحيح‌، و إلاّ لهلك‌ المجتمع‌ ولما استطاع‌ أن‌ يستفيد من‌ كنوز الحياة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 ضرورة‌ وجود الإمام‌ المعصوم‌ في‌ المجتمع‌:

 انّ الإمام‌ هو المنظّم‌ لعالم‌ الإنسانيّة‌ و المجتمع‌، لذا يتحتّم‌ أن‌ يكون‌ ذا قويً متينة‌ و أفكار صائبة‌ و ءاراء قادرة‌، ليكون‌ مشرفاً علی‌ أعمال‌ الامة‌ وأفعالها، و ليسوسها بالتنظيم‌ و العدل‌.

 و تسأل‌ هنا: أيستطيع‌ الإمام‌ ـ تري‌ ـ أن‌ يُصلح‌ المجتمع‌ اذا كان‌ نفسه‌ يُخطي‌ء و يُبتلي‌ بالمعصية‌ والإثم‌ شأنه‌ شأن‌ أفراد المجتمع‌ الاخرين‌، أو إذا كان‌ مثلهم‌ مُصاباً بالهوس‌ و الشهوة‌؟

 أوَ يمكنه‌ ءانذاك‌ أن‌ يرفع‌ الإختلاف‌ فيما بينهم‌، فيُعطي‌ كلَّ ذي‌ حقٍّ حقّه‌، و يقف‌ في‌ وجه‌ الإعتداءات‌، و يمنح‌ العيش‌ لجميع‌ أفراد المجتمع‌، و يعلّمهم‌ المعارف‌ و الحقائق‌ حسب‌ استعدادهم‌ و حاجتهم‌، و يُبيّن‌ لهم‌ موارد الخطأ و الزلل‌ في‌ سلوكهم‌ إلی‌ الله‌ و وصولهم‌ إلی‌ مقصد الكمال‌؟

 كلاّ و حاشا!

 و علی‌ هذا فانّ قائد المجتمع‌ و زعيم‌ الناس‌ و إمامهم‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ معصوماً عن‌ الإثم‌ و عارياً عن‌ أي‌ خطأ و زلل‌، كما ينبغي‌ أن‌ يكون‌ ناظراً إلی‌ الاحوال‌ و الافعال‌ و الخواطر القلبيّة‌ لكلّ واحد من‌ أفراد الامّة‌ بفكرٍ عميق‌ متّسع‌، و صدرٍ منشرح‌ بنور الله‌، و قلبٍ مُنَّور بالتأييدات‌ الغيبيّة‌.

 علی‌ انّ بعض‌ العامّة‌ يقول‌ بعصمة‌ الانبياء، و بعضهم‌ يقول‌ بمرتبة‌ ضعيفة‌ من‌ عصمتهم‌، بينما ينكر البعض‌ الاخر العصمة‌ فيهم‌، فلا يعتبرهم‌ مصونين‌ بأيّ وجه‌ عن‌ الاخطاء و المعاصي‌. الاّ انّ الشيعة‌ عموماً يشترطون‌ العصمة‌ للانبياء بجميع‌ معانيها، كما يقولون‌ بالعصمة‌ للائمّة‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ علیهم‌ أجمعين‌.

 الرجوع الي الفهرس

 عصمة‌ الانبياء علی‌ ثلاث‌ مراحل‌:

 و سنتحدّث‌ في‌ اثباتنا لهذا الموضوع‌ عن‌ عصمة‌ الانبياء، فنثبتها من‌ القرءان‌ الكريم‌، ثم‌ نتحدث‌ عن‌ الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌.

 امّا بشأن‌ الانبياء فنقول‌: انّ العصمة‌ مورد البحث‌ في‌ ثلاثة‌ موضوعات‌:

 1 ـ في‌ موضوع‌ تَلَقِّي‌ الوحي‌، اي‌ انّ قلب‌ النبيّ يجب‌ ان‌ يكون‌ منزّهاً عن‌ الخطأ عند نزول‌ الوحي‌، فيتلقّي‌ ذلك‌ الوحي‌ كما نزل‌، لا يزيد في‌ التلقّي‌ علیه‌ و لا يُنقِص‌، و لا يجلّي‌ في‌ نفسه‌ ذلك‌ الوحي‌ الاّ في‌ حقيقته‌ الواقعة‌.

 2 ـ في‌ موضوع‌ تبليغ‌ الوحي‌: اي‌ انّ علی‌ النبيّ أن‌ يبلّغ‌ الوحي‌ كما أخذه‌، دون‌ أن‌ يُخطي‌ أو ينسي‌ فيما أُوحي‌ إلیه‌، و دون‌ أن‌ يزيد أو ينقص‌ في‌ أدائه‌ للوحي‌ شيئاً علی‌ صورته‌ الحقيقيّة‌.

 3 ـ المعصية‌ و الذنب‌: فالنبيّ لا يرتكب‌ أيّ عمل‌ يُخالف‌ مقام‌ العبوديّة‌ لله‌ أو يتنافي‌ مع‌ الاحترام‌ أو يهتك‌ حرمة‌ مقام‌ المولي‌، سواءً في‌ أقواله‌ أو في‌ أفعاله‌. و إجمالاً فانّ هذه‌ المراحل‌ الثلاث‌ يمكن‌ تلخيصها في‌ جملةٍ واحدة‌: أي‌ وجودُ أمرٍ من‌ جانب‌ الله‌ لدي‌ الإنسان‌ المعصوم‌ يصونه‌ عن‌ الخطأ و المعصية‌.

 امّا الخطأ في‌ غير هذه‌ المواضع‌، مثل‌ الخطأ في‌ الامور الخارجيّة‌ نظير الالتباسات‌ التي‌ تحصل‌ في‌ حواسّ الإنسان‌، أو في‌ إدراكات‌ الامور الإعتباريّة‌، و نظير الخطأ في‌ الامور التكوينيّة‌ من‌ النفع‌ و الضرر و الصلاح‌ والفساد، فهي‌ خارجةٌ بأجمعها عن‌ محل‌ النزاع‌ و الكلام‌ بين‌ الشيعة‌ و السنّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

ءايات‌ القرءان‌ تدّل‌ علی‌ ثلاث‌ مراحل‌ من‌ عصمة‌ الانبياء

 امّا تلك‌ المراحل‌ الثلاث‌ من‌ العصمة‌ فتدلّ علیها الايات‌ القرءانية‌، كقوله‌ تعإلی‌:

 كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَ  حِدَةً فَبَعَثَ اللَهُ النَّبِيّـنَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن‌ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَـ'تُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَي‌ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ  وَاللَهُ يَهْدِي‌ مَنْ يَشَآءُ إلی‌ صِرَ  طٍ مُسْتَقِيمٍ. [2]

 و تبيّن‌ هذه‌ الاية‌ أنّ الغرض‌ من‌ إرسال‌ الانبياء و إنزال‌ الوحي‌ والكتاب‌ انّما هو دعوة‌ الناس‌ إلی‌ الحقّ، و هديهم‌ إلی‌ طريق‌ الحقّ والصواب‌ في‌ جميع‌ موارد الاختلاف‌ قولاً و فعلاً و اعتقاداً.

 و هذا هو هدف‌ الخلقة‌ من‌ بعث‌ الانبياء؛ لانّ الله‌ تعإلی‌ لا يضلّ في‌ هذا القصد بمفاد الاية‌:

 لاَ يَضِلُّ رَبِّي‌ وَ لاَ يَنْسَي‌.[3]

 و هو بالغٌ أمره‌ و هدفه‌، لا يصدّه‌ عنه‌ رادع‌ و لا يمنعه‌ مانع‌، بمفاد الاية‌ الشريفة‌:

 إنَّ اللَهُ بَـ'لِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَهُ لِكُلِّ شَي‌ءٍ قَدْرًا. [4]

 و مفاد الاية‌ الكريمة‌:

 وَ اللَهُ غَالِبٌ علی‌'´ أَمْرِهِ. [5]

 و ينبغي‌ ـ بناءً علی‌ هذا ـ لحفظ‌ الوحي‌ عند إنزاله‌ و إبلاغه‌ و أدائه‌ أن‌ يُصان‌ الانبياء من‌ أي‌ خطأ و زلل‌، لانّ قلب‌ النبي‌ّ اذا أخطأ عند تلقّي‌ الوحي‌ أو تبليغه‌، فانّ الهدف‌ من‌ رسالته‌ سيكون‌ غير متحقّق‌، لانّ المفهوم‌ من‌ الرسالة‌ هو الدعوة‌ إلی‌ الحقّ:

 وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لَيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.

 و سيتردّد الامر في‌ حالة‌ الخطأ بين‌ أن‌ يكون‌ الله‌ تعإلی‌ قد أخطأ ونسي‌ في‌ انتخاب‌ الرسول‌ و طريقة‌ إنزال‌ الوحي‌ علی‌ قلبه‌، أو أن‌ غرضه‌ كان‌ الدعوة‌ إلی‌ الحقّ لكنّه‌ أخطأ في‌ طريقة‌ انزال‌ الوحي‌ علی‌ قلب‌ النبيّ علی‌ نحوٍ لا يكون‌ معه‌ عُرضة‌ للتغيير و التبديل‌؛ و هذا ليس‌ صحيحاً بمقتضي‌ قوله‌ تعإلی‌:

 لاَ يَضِلُّ رَبِّي‌ وَ لاَ يَنْسَي‌.

 أو انّ غرضه‌ كان‌ الدعوة‌ إلی‌ الحقّ، و لم‌ يحصل‌ في‌ إجراء هذه‌ الدعوة‌ أي‌ خطأ و التباس‌، ولكن‌ ظهرت‌ عوائق‌ خارجيّة‌ حالت‌ دون‌ تحقيق‌ أمر الله‌، و هذا أيضاً مستحيل‌ بمفاد الاية‌ الكريمة‌:

 إنَّ اللَهُ بَـ'لِغُ أَمْرِهِ. و الاية‌:

 وَ اللَهُ غَالِبٌ علی‌'´ أَمْرِهِ.

 و بناءً علی‌ هذه‌ المقدّمات‌، فانّ الله‌ سبحانه‌ و تعإلی‌ يحفظ‌ الانبياء حتماً من‌ الخطأ و الالتباس‌ في‌ كيفيّة‌ تلقّي‌ الوحي‌ و إبلاغه‌، و يطهرّ قلوبهم‌ و يُصفّيها بحيث‌ ينعدم‌ فيها اثر إنزال‌ الوحي‌ أيُّ موج‌ أو ارتعاش‌ أو تزلزل‌ يكون‌ باعثاً علی‌ قلب‌ و تغيير كيفيّة‌ و واقعيّة‌ الوحي‌، و بحيث‌ لا يبقي‌ فيها أيّ أثر للإضطراب‌ أو الإبهام‌ الباعث‌ علی‌ تأويل‌ و تفسير الإدراكات‌ الواقعيّة‌ علی‌ غير حقيقتها و واقعيّتها. و هذا هو معني‌ حقيقة‌ العصمة‌ في‌ مرحلتي‌ تلقّي‌ الوحي‌ و إبلاغه‌. و امّا في‌ المرحلة‌ الثالثة‌ و هي‌ صونهم‌ وعصمتهم‌ عن‌ المعاصي‌، فمن‌ الممكن‌ ـ ببيان‌ مقدّمةٍ أخري‌ ـ أن‌ نعتبر دلالة‌ الاية‌ السابقة‌ علیها دلالةً تامّة‌. و هي‌ انّه‌ لو عصي‌ نبيّ او ارتكب‌ إثماً فانّه‌ سيكون‌ بفعله‌ هذا قد أجاز هذا العمل‌ و أباحه‌ لامّته‌، لانّ العاقل‌ لا يفعل‌ شيئاً الاّ اذا كان‌ حسناً؛ فاذا ارتكب‌ المعصية‌ في‌ حالٍ يأمرُ فيها قولاً بخلافها، فانّ ذلك‌ سيبعث‌ علی‌ التهافت‌ و التناقض‌، و سيكون‌ قد دعا بفعله‌ و قوله‌ إلی‌ أمرين‌ متناقضين‌، فهو يمنع‌ الناس‌ بقوله‌ و كلامه‌ من‌ ذلك‌ العمل‌، ثم‌ يُثبت‌ بفعله‌ له‌ إباحة‌ ذلك‌ العمل‌ و يرخّص‌ لامّته‌ فيه‌.

 و من‌ المعلوم‌ انّ الدعوة‌ إلی‌ المتناقضين‌ ليست‌ دعوةً للحقّ، لان‌ ذينك‌ المتناقضين‌ سيبطل‌ أحدهما الاخر؛ و الله‌ سبحانه‌ الذي‌ يبعث‌ الانبياء للدعوة‌ إلی‌ الحقّ لا يجعلهم‌ دعاةً إلی‌ الامور المتناقضة‌، بل‌ يصونهم‌ عن‌ فعل‌ غير الحقّ و عن‌ اي‌ معصية‌، لانّ عصمة‌ الانبياء في‌ إبلاغ‌ الرسالات‌ وأداء وحيهم‌ كما ينبغي‌ سوف‌ لن‌ تكون‌ تامّة‌ بدون‌ العصمة‌ عن‌ مقام‌ المعصية‌؛ و قد اتّضح‌ بهذا البيان‌ أنّ الاية‌ السابقة‌ تدلّ علی‌ عصمة‌ الانبياء في‌ ثلاث‌ مراحل‌: التلقّي‌، و ابلاغ‌ الوحي‌، و في‌ مقام‌ الخطأ و المعصية‌.

 كما ان‌ الإمام‌ ـ و هو الحافظ‌ للشريعة‌ و المبيّن‌ للاحكام‌ و الحارس‌ للقانون‌ بالنسبة‌ للامّة‌ ـ حائز علی‌ مقام‌ قلب‌ النبيّ و إدراكه‌، و لا فرق‌ بينه‌ وبين‌ النبيّ من‌ وجهة‌ النظر هذه‌، الاّ انّ النبيّ هو الذي‌ يأتي‌ بالشريعة‌ والكتاب‌، و الإمام‌ هو الذي‌ يقوم‌ بإبلاغها و المحافظة‌ علیها.

 الرجوع الي الفهرس

 و الادلّة‌ التي‌ تفيد في‌ اثبات‌ عصمة‌ الانبياء واردة‌ بعينها في‌ اثبات‌ عصمة‌ الإمام‌.

 مناظرة‌  هِشام‌  بن‌الحكم‌  مع‌  عمروبن‌  عبيد  في‌لزوم‌  وجود  الإمام في‌المجتمع‌

 روي‌ الحجّة‌ الكليني‌ في‌ كتاب‌ (الكافي‌) [6]، عن‌ علی بن‌ ابراهيم‌، عن‌ والده‌، عن‌ حسن‌ بن‌ ابراهيم‌، عن‌ يونس‌ بن‌ يعقوب‌ قال‌: كان‌ عند أبي‌ عبدالله‌ (الصادق‌) علیه‌ السلام‌ جماعةٌ من‌ أصحابه‌ منهم‌ حُمران‌ بن‌ أعين‌ ومحمّد بن‌ النُّعمان‌ و هِشام‌ بن‌ سالم‌ و الطّيار و جماعةٌ فيهم‌ هِشام‌ بن‌ الحَكَم‌ [7] و هو شابّ، فقال‌ أبوعبدالله‌ علیه‌ السّلام‌: يا هشام‌! ألا تخبرني‌ كيفَ صنعتَ بعمرو بن‌ عبيدٍ؟

 فقال‌ هِشام‌: يا ابن‌ رسول‌ الله‌ إنّي‌ أُجِلّك‌ و أستحييك‌ و لا يعمل‌ لساني‌ بين‌ يديك‌. فقال‌ أبو عبدالله‌: إذا أمرتُكم‌ بشي‌ءٍ فافعلوا.

 قال‌ هشام‌: بَلَغني‌ ما كان‌ فيه‌ عمرو بن‌ عبيدٍ و جلوسُه‌ في‌ مسجد البصرة‌، فَعَظُمَ ذلك‌ علی، فخرجتُ إلیه‌ و دخلتُ البصرةَ يومَ الجمعة‌ فأتيتُ مسجدَ البصرة‌، فاذا أنا بحَلْقَة‌ كبيرة‌ فيها عمرو بن‌ عبيد و علیه‌ شَمْلَةٌ سوداء مُتّزراً بها من‌ صوف‌، و شملةٌ مُرتدياً بها، و الناسُ يسألونه‌، فاستفرجتُ الناسَ فأفرجوا لي‌، ثمّ قعدتُ في‌ ءاخر القوم‌ علی‌ ركبتي‌ّ ثمّ قلتُ: أيهّا العالِمُ! إنّي‌ رجلٌ غريبٌ تأذنُ لي‌ في‌ مسألة‌! فقال‌ لي‌: نعم‌!

 فقلتُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟

 فقال‌: يا بُنَيّ أيّ شي‌ء هذا من‌ السؤال‌، و شي‌ء تراه‌ كيف‌ تسألُ عنه‌؟

 فقلتُ: هكذا مسألتي‌.

 فقال‌: يا بُنيّ سَل‌ و إن‌ كانتْ مسألتُك‌ حمقاء.

 قلتُ: أَجِبني‌ فيها.

 قال‌ لي‌: سَل‌!

 قلتُ: أَلَكَ عَيْنٌ؟

 قال‌: نعم‌.

 قلتُ فما تصنعُ بها؟

 قال‌: أري‌ بها الالوان‌ و الاشخاص‌.

 قلتُ: فَلَكَ أَنْفٌ؟

 قال‌: نعم‌.

 قُلتُ: فما تصنعُ به‌؟

 قال‌: أشمّ به‌ الرّائحة‌.

 قلتُ: أَلَكَ فمٌ؟

 قال‌: نعم‌.

 قلتُ: فما تصنعُ به‌؟

 قال‌: أذوقُ به‌ الطَّعْمَ.

 قُلْتُ: فَلَكَ أُذُنٌ؟

 قال‌: نعم‌.

 قلتُ: فما تصنعُ بها؟

 قال‌: أسمعُ بها الصَّوتَ.

 قلتُ: أَلَكَ قَلْبٌ؟

 قال‌: نعم‌.

 قلتُ: فما تصنعُ به‌؟

 قال‌: أُميّزُ به‌ كُلَّما وَرَدَ علی‌ هذه‌ الجوارح‌ و الحواسّ.

 قلتُ: أَوَلَيْسَ في‌ هذه‌ الجوارح‌ غنيً عن‌ القلب‌؟

 فقال‌: لا.

 قلتُ: و كيف‌ ذلك‌ و هي‌ صحيحةٌ سليمةٌ؟

 قال‌: يا بُنيّ! إنّ الجوارح‌ إذا شكّت‌ في‌ شي‌ءٍ شَمَّتْهُ أو رأته‌ أو ذاقته‌ أو سمعته‌ رَدَّتْهُ إلی‌ القلب‌ فَيَسْتَيْقِنُ إلیقينَ و يُبْطِلُ الشَكَّ.

 قال‌ هشام‌: فقلتُ له‌: فإنّما أقامَ اللهُ القلبَ لشكِّ الجوارح‌؟

 قال‌: نعم‌.

 قلتُ: لابُدَّ من‌ القلب‌ و إلاّ لم‌ تستيقن‌ الجوارحُ؟

 قال‌: نعم‌.

 فقلتُ له‌: يا أبا مروان‌ [8]، فاللهُ تبارك‌ و تعإلی‌ لم‌ يترك‌ جوارحك‌ حتّي‌ جعل‌ لها إماماً يُصحِّح‌ لها الصحيحَ و يتيقّنُ به‌ ما شُكَّ فيه‌ و يَتْرُكُ هذا الخلقَ كلَّهم‌ في‌ حَيْرتهم‌ و شكّهم‌ و إختلافهم‌، لا يُقيم‌ لهم‌ إماماً يردّون‌ إلیه‌ شكّهم‌ و حيرتهم‌ و يُقيم‌ لك‌ إماماً لجوارحك‌ تردُّ إلیه‌ حيرتَك‌ و شكّك‌؟!

 قال‌: فسكتَ و لم‌ يقل‌ لي‌ شيئاً، ثمّ التفتَ إلی فقال‌ لي‌: أنت‌ هشامُ بن‌ الحكم‌؟ فقلتُ: لا.

 قال‌: أَمِن‌ جُلسائِهِ؟

 قلتُ: لا.

 قال‌: فمن‌ أين‌ أنتَ؟

 قال‌: قلتُ: من‌ أهل‌ الكوفة‌.

 قال‌: فأنتَ إذاً هو. ثمّ ضمّني‌ إلیه‌ و أقعدني‌ في‌ مجلسه‌ و زال‌ عن‌ مجلسه‌ و ما نطق‌ حتّي‌ قمتُ.

 قال‌: فضحك‌ أبو عبدالله‌ علیه‌ السلام‌ و قال‌: يا هشام‌. مَن‌ علمّك‌ هذا؟

 قال‌: شي‌ءٌ أخذتُه‌ منك‌ و ألّفتُهُ.

 فقال‌: هذا واللهِ مكتوبٌ في‌ صُحُف‌ إبراهيم‌ و موسي‌. [9]

 و باعتبار انّ الإمام‌ بمنزلة‌ قلب‌ العالَم‌ و مخّه‌، فانّ سروره‌ و حُزنه‌ سيؤثرّ في‌ جوارحه‌ و أعضائه‌ أي‌ في‌ جميع‌ مخلوقات‌ الله‌ واحداً فواحداً.

 يقول‌ السيوطي‌ في‌ (الخائص‌ الكبري‌): و أخرج‌ الحاكمُ و البيهقيّ وأبو نعيم‌ عن‌ الزُّهري‌ قال‌: لَمَّا كَانَ صباحُ قُتِلَ علی بنُ أَبي‌ طَالِبٍ، لَمْ يُرْفَعْ حَجَرٌ فِي‌ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ.

 و أخرج‌ أبو نعيم‌ من‌ طريق‌ الزُّهري‌ عن‌ سعيد بن‌ المسيّب‌ قال‌: صَبِيحَةُ يَوم‌ قُتِلَ علی‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ، لَمْ تُرفَعُ حَصَاةٌ مِنَ الاَرضِ إلاَّ وَتَحْتَهَا دَمٌ عَبِيطٌ. [10]ر

 الرجوع الي الفهرس

بكاء جميع‌ الموجودات‌ في‌ عزاء شهادة‌ سيّد الشهداء

 و يروي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ كتابيْ (علل‌ الشرايع‌) و (الامإلی‌) بسند واحد عن‌ جبلّة‌ المكيّة‌ قالت‌: سمعتُ ميثم‌ التمّار (قدّس‌ الله‌ روحه‌) يقول‌: و اللهِ لتقتل‌ هذه‌ الاُمّةُ ابنَ نبيّها في‌ المحرّم‌ لعشرٍ يمضين‌ منه‌، و ليتخّذنّ أعداءُ الله‌ ذلك‌ إلیوم‌ يومَ بركة‌، و إنّ ذلك‌ لكائن‌ قد سبق‌ في‌ علم‌ الله‌ تعإلی‌ ذكره‌، أعلمُ ذلك‌ بعهدٍ عهده‌ إلی مولاي‌ أميرُالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، و لقد أخبرني‌ أنّه‌ يبكي‌ علیه‌ كلُّ شي‌ء، حتّي‌ الوحوش‌ في‌ الفلوات‌ و الحيتان‌ في‌ البحر و الطير في‌ السماء، و يبكي‌ علیه‌ الشمسُ و القمر و النجومُ و السماء والارض‌ و مؤمنو الإنس‌ و الجنّ و جميع‌ ملائكة‌ السماوات‌ و الارضين‌ ورضوانُ و مالكُ و حملةُ العرش‌، و تمطرُ السّماءُ دماً و رماداً.

 ثمّ قال‌: وجبت‌ لعنةُ الله‌ علی‌ قتلة‌ الحسين‌ علیه‌ السّلام‌ كما وجبت‌ علی‌ المشركين‌ الذين‌ يجعلون‌ مع‌ الله‌ إلها ءاخر، و كما وجبت‌ علی‌ إلیهود والنّصاري‌ و المجوس‌.

 قالت‌ جبلّة‌: فقلتُ له‌: يا ميثم‌! فكيف‌ يتّخذ الناسُ ذلك‌ إلیوم‌ الذي‌ قُتِلَ فيه‌ الحسينُ علیه‌ السلام‌ يومَ بركةٍ؟ فبكي‌ ميثم‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ ثمّ قال‌: يزعمون‌ لحديثٍ يضعونه‌ أنّه‌ إلیوم‌ الذي‌ تابَ اللهُ فيه‌ علی‌ ءادم‌، و انّما تاب‌ اللهُ علی‌ ءادم‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌؛ و يزعمون‌ أنّه‌ إلیوم‌ الذي‌ قبل‌ اللهُ فيه‌ توبةَ داود، و انما قبلَ اللهُ عزّوجل‌ توبتَهُ في‌ ذي‌ الحجّة‌، و يزعمون‌ انّه‌ إلیوم‌ الذي‌ أخرج‌ اللهُ فيه‌ يُونسَ من‌ بطن‌ الحوت‌، و انّما أخرج‌ اللهُ عزّوجل‌ يونس‌ من‌ بطن‌ الحوت‌ في‌ ذي‌ الحجّة‌؛ و يزعمون‌ أنّه‌ إلیوم‌ الذي‌ استوت‌ فيه‌ سفينةُ نوحٍ علی‌ الجودي‌، و انّما استوت‌ علی‌ الجودي‌ يوم‌ الثامن‌ عشر من‌ ذي‌ الحجّة‌؛ و يزعمون‌ أنّه‌ إلیوم‌ الذي‌ فلقَ اللهَ تعإلی‌ فيه‌ البحرَ لبني‌ إسرائيل‌ و انّما كان‌ ذلك‌ في‌ ربيع‌ الاوّل‌.

 ثمّ قال‌ ميثم‌: يا جبلّة‌! إعلمي‌ أنّ الحسين‌ بن‌ علی علیه‌ السلام‌ سيّد الشهداء يوم‌ القيامة‌، و لاصحابه‌ علی‌ سائر الشهداء درجة‌. يا جبلّة‌ اذا نظرتِ السماء حمراء كأنّها دمٌ عبيط‌ فاعلمي‌ أنّ سيّدالشهداء الحسين‌ قد قُتِل‌.

 قالت‌ جبلّة‌: فخرجتُ ذاتَ يومٍ فرأيتُ الشمسَ علی‌ الحيطان‌ كأنّها الملاحف‌ المعُصفرة‌، فصحتُ حينئذٍ و بكيتُ و قلتُ: قد واللهِ قُتِلَ سيّدنا الحسين‌ علیه‌ السلام‌. [11]

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الثاني‌:

بيان‌ أصل‌ الوراثة‌ في‌ العصمة‌

 

بسم‌ الله‌ الرّحمن‌ الرّحيم‌

و صلّي‌ اللهُ علی‌ محمّد و ءاله‌ الطاهرين‌

و لعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ الاّ بالله‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ اللهُ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 ثّمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَـ'بَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَهِ ذَ  لِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.[12]

 الرجوع الي الفهرس

 اصل‌ الوراثة‌ من‌ السنن‌ الإلهيّة‌ غير القابلة‌ للتغيير

قانون‌ الوراثة‌ أصلٌ مهم‌ جرت‌ مطالعته‌ بدقّة‌ في‌ جميع‌ شؤون‌ الموجودات‌، من‌ الإبنسان‌ و الحيوان‌ و النبات‌، حيث‌ استُحصلت‌ منه‌ ءاثار ونتائج‌ هامّة‌؛ ويمكن‌ القول‌ أنّه‌ أحد السُنن‌ الالهيّة‌ التي‌ لا تتبدّل‌ و لا تتغيّر. إنّ التمعّن‌ في‌ أفراد البشر و ملاحظة‌ إنتقال‌ الخصوصيّات‌ و الكيفيّات‌ من‌ نطفة‌ الاب‌ و الامّ و لقاحها و ظهورها علی‌ هيئة‌ جنين‌ ثم‌ ظهورها في‌ الطفل‌، سيُثبت‌ هذا الاساس‌ بصورة‌ كليّة‌ لدي‌ الإنسان‌.

 انّ نطفة‌ الانسان‌ هي‌ ذرّة‌ من‌ نظامه‌ الوجودي‌ تتراكم‌ فيها و تندمج‌ جميع‌ الاثار و الخصائص‌ الإنسانية‌ و توجد في‌ صورة‌ القوّة‌ و الاستعداد. وعندما تستقرّ النطفة‌ في‌ رحم‌ الامّ في‌ وعائها الخاصّ و شرائطها الخاصّة‌، فانّها تصل‌ إلی‌ مرحلة‌ الفعلیة‌ و تظهر بصورة‌ النشر مُشيرةً إلی‌ جميع‌ الخصائص‌ المادّية‌ و الاخلاقيّة‌ و الروحيّة‌ التي‌ حصل‌ علیها الجنين‌ من‌ والديه‌.

 فالولد لا يرث‌ من‌ أبيه‌ لون‌ الجلد و شكل‌ الاعضاء و الجوارح‌ وتركيب‌ العظام‌ فقط‌، بل‌ انّه‌ يرث‌ كذلك‌ التشابه‌ في‌ كلّ ذرّة‌ من‌ الدّم‌ و في‌ كلّ خليّة‌ لا تُري‌؛ بحيث‌ انّه‌ لو حصل‌ هناك‌ شكّ في‌ الطفل‌، فانّه‌ يمكن‌ تعيين‌ أبيه‌ الحقيقي‌ عن‌ طريق‌ فحص‌ الدم‌.

 و ليس‌ ذلك‌ الاّ لانّ الطفل‌ في‌ الحقيقة‌ فرعٌ أو غصن‌ تفرّع‌ من‌ شجرة‌ وجود أبيه‌ و أصله‌ الماديّ و المعنويّ، فصار يُحاكي‌ ذلك‌ الاصل‌ في‌ جميع‌ خواصّه‌. و بغضّ النظر عن‌ العين‌ و الدماغ‌ و الاذن‌ و القلب‌ و المعدة‌ و الكلية‌ والعظام‌ و الهيكل‌، فانّ الطفل‌ يكتسب‌ من‌ أبويه‌ بعنوان‌ الوراثة‌ خواصّ الوجود و ءاثاره‌، حتّي‌ في‌ الاجزاء البسيطة‌ المجهريّة‌. حتّي‌ انّ بعض‌ الامراض‌ تنتقل‌ إلیه‌ من‌ أجداده‌ عن‌ طريق‌ الوراثة‌، فإن‌ لم‌ تظهر هذه‌ الامراض‌ في‌ النسل‌ الاوّل‌ أو الثاني‌، فانّ تلك‌ الامراض‌ ستحفظ‌ في‌ مرحلة‌ التطورّ و التغيّر في‌ عدّة‌ أجيال‌ حتي‌ تنهي‌ مرحلة‌ كمونها فتظهر في‌ أجيال‌ أخري‌ حين‌ تتحقّق‌ شرائط‌ وجودها.

 و هذه‌ الخصائص‌ و الاثار لا تنتقل‌ من‌ الوالد إلی‌ نطفته‌ فحسب‌، بل‌ انّ ءاثارها الوجوديّة‌ ستكون‌ مشهودةً واحدة‌ في‌ جميع‌ خلايا الإنسان‌. ويمكن‌ القول‌ بأنّ هناك‌ في‌ كلّ ذرّة‌ من‌ جسم‌ الإنسان‌ إنساناً كاملاً علی‌ نحو الاستعداد و القوّة‌ الوجوديّة‌، بحيث‌ اذا توفّرت‌ له‌ شرائط‌ التربية‌ و التكامل‌ فانّه‌ سيظهر في‌ هيئة‌ إنسان‌ كامل‌.

 و بعبارة‌ اخري‌ فليس‌ هناك‌ في‌ النطفة‌ وحدها إنسان‌ كامل‌ يظهر في‌ الرحم‌ و الظرف‌ المستعدّ، بل‌ انّ هناك‌ في‌ كلّ خليّة‌ إنساناً كاملاً موجوداً علی‌ نحو الوراثة‌ و انتقال‌ مراتب‌ الوجود.

 و علی‌ الرغم‌ من‌ انّهم‌ لم‌ يتمكّنوا عملاً من‌ تلقيح‌ خليّة‌ رجل‌ مع‌ خليّة‌ امرأة‌ في‌ وعاء معدّ خاص‌ لإيجاد طفل‌ خارج‌ و عاء الرحم‌، لكنّ ذلك‌ ليس‌ دليلاً قاطعاً علی‌ إمتناع‌ هذا الامر، بل‌ انّ هناك‌ أدلّة‌ قد أقيمت‌ علی‌ إمكانه‌. ولربّما سيري‌ البشر يوماً من‌ خلال‌ تقدّم‌ مسيرة‌ العلم‌، نشوءَ طفل‌ من‌ تلقيح‌ خلايا المرأة‌ و الرجل‌ في‌ أوعية‌ معدّة‌ و مناسبة‌ خارج‌ بدن‌ الام‌، فيظهر في‌ زمن‌ قصير مليارات‌ الاطفال‌ من‌ امرأة‌ و رجل‌ واحد.

 و هذا الموضوع‌ علی‌ اثر ذلك‌ الاصل‌ في‌ الوراثة‌ الذي‌ يجعل‌ جميع‌ خصائص‌ الفرد مؤثّرة‌ في‌ كلّ ذرّة‌ من‌ ذرّات‌ بدنه‌، فتحكي‌ تلك‌ الذرّة‌ جميع‌ الاثار الوجوديّة‌ لذلك‌ الشخص‌.

 كما انّه‌ يُشاهد في‌ النباتات‌ انّ أصل‌ الوراثة‌ قد فعل‌ فعله‌ ليس‌ فقط‌ عن‌ طريق‌ زرع‌ البذور في‌ الارض‌، بل‌ و عن‌ طرق‌ شتّي‌ أخري‌ كالتكثير بالاقلام‌، و عن‌ طريق‌ التطعيم‌، حيث‌ تنشأ بذلك‌ شجرة‌ تُناظر أصلها الذي‌ اُخذت‌ منه‌، و سيحمل‌ ذلك‌ الغُصن‌ المقتطع‌ جميع‌ خصائص‌ الشجرة‌ من‌ الجذر و الساق‌ و الاوراق‌ و الثمار نظير جذر و ساق‌ و أوراق‌ و ثمار أصله‌ الذي‌ اقتُطع‌ منه‌.

 و كذلك‌ الحال‌ في‌ عملية‌ التكثير بالبراعم‌، فانّ البراعم‌ المطعّمة‌ ستجعل‌ ساق‌ الشجرة‌ الاخري‌ رحماً لتربيتها، فتنمو هناك‌ و تنشأ و تظهر فيها جميع‌ ءاثار أصلها بدون‌ أيّ تخّطٍ أو أدني‌ تجاوز.

 مَا مِن‌ دَآبّةٍ إلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إنَّ رَبِّي‌ علی‌' صِرَ  طٍ مُسْتَقِيمٍ.[13]

 الرجوع الي الفهرس

شمول‌ قانون‌ الوراثة‌ للمعنويّات‌ و الاسرار الإلهيّة‌

 و اذا ما تجاوزنا الماديّات‌ و مراتب‌ الظهور الطبيعي‌ في‌ الإنسان‌ إلی‌ الافكار و الاخلاق‌ و الروحيّات‌، فانّنا سنري‌ أنّ الطفل‌ يتأثّر و راثياً أيضاً بأصله‌، فتظهر فيه‌ عن‌ طريق‌ النطفة‌ غرائز و أخلاق‌ و الديه‌، و من‌ تركيب‌ تلك‌ النطفتين‌ فانّ مجموعاً مركّباً منهما سيُظهر الطفل‌ بأخلاق‌ خاصة‌ هي‌ نتاج‌ غرائزالوالدين‌ معاً.

 فالولد الذي‌ له‌ والدان‌ يتصّفان‌ بالشجاعة‌ سيكون‌ شجاعاً بالتأكيد، أمّا إذا كان‌ والداه‌ يتصّفان‌ بالجبن‌ و الخوف‌ فانّه‌ سيصبح‌ جباناً، و اذا كانا سخيّين‌ فانّه‌ سيكون‌ سخيّاً، أو كانا لئيمين‌ أو مُضحيّين‌ فانّه‌ سيماثلهما في‌ ذلك‌. كما انّ الوالدين‌ العاقلين‌ سينجبان‌ ولداً عاقلاً، فإن‌ كانا أبلهين‌ صار طفلهما أبلهاً. و علی‌ أيّ حال‌ فانّ جميع‌ الاخلاقيّات‌ و الغرائز الروحيّة‌ للولد لن‌ تخرج‌ عن‌ أصل‌ الوالديين‌، بل‌ هي‌ تابعة‌ إلی‌ صفاتهما، و ناتجة‌ عن‌ اللقاح‌ و الفعل‌ و الانفعال‌ لقواهما الروحيّة‌ و الاخلاقية‌.

 و قد يحصل‌ أحياناً أنّ شخصاً عاقلاً يخرج‌ من‌ صلبه‌ ولدٌ جاهل‌، والعكس‌ صحيح‌، و بالطبع‌ فانّ ذلك‌ سيكون‌ ناجماً من‌ شرائط‌ و ظروف‌ التربية‌ في‌ الرحم‌، أو من‌ انتقال‌ نطفة‌ أحد أجداده‌ الذين‌ كانوا كذلك‌، فظهرت‌ هذه‌ الصفة‌ في‌ هذا النسل‌، و هذا بالطبع‌ ينطبق‌ علی‌ أصل‌ الوراثة‌.

 و كما انطبق‌ أصل‌ الوراثة‌ في‌ الإنسان‌، فانّه‌ ينطبق‌ كذلك‌ علی‌ النباتات‌ و الحيوانات‌، فولد الذئب‌ سيكون‌ ذئباً، و ولد الخروف‌ خروفاً وولد الاسد أسداً، ثم‌ انّ ءاثار اولئك‌ و كيفيّتهم‌ ستنتقل‌ إلی‌ الاجيال‌ والطبقات‌ التإلیة‌ نسلاً بعد نسل‌ من‌ وجهة‌ نظر كيفيّة‌ تشكيل‌ الجسم‌ والخلايا الجسميّة‌ و الصفات‌ الروحيّة‌. و الامر في‌ النباتات‌ كذلك‌، فورد إلیاسمين‌ ينتج‌ ياسميناً، و الورد المحمّدي‌ ينتج‌ ورداً محمّدياً يتبع‌ أصله‌ في‌ شكله‌ ولونه‌ و رائحته‌، كما انّه‌ لن‌ يخرج‌ من‌ شجرةِ التفّاح‌ إجاص‌ و لو مضي‌ علیها ألف‌ عام‌، و لو تعاقبت‌ الاجيال‌.

 بلي‌، لقد كان‌ أصل‌ الوراثة‌ أساس‌ عالم‌ الوجود، و هذه‌ الظهورات‌ ستستمرّ و تتقدّم‌ طبقاً لهذه‌ السُنن‌.

 فَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَهِ تَحْوِيلاً.[14]

 و لقد حفظ‌ أصل‌ الوراثة‌ ثباته‌ و بقاءه‌ في‌ جميع‌ الشؤون‌ المذكورة‌، والاهمّ و الاعلی‌ من‌ ذلك‌ بقاؤه‌ و ثباته‌ في‌ المعنويّات‌ و الاسرار الالهيّة‌.

 إنّ الله‌ سبحانه‌ و تعإلی‌ خلق‌ ءادم‌ أبا البشر و جعله‌ خليفته‌ في‌ الارض‌، و جعل‌ قلبه‌ مركز تجليّات‌ أنوار جماله‌، و جعل‌ عقله‌ قوّياً و صدره‌ منشرحاً و قلبه‌ متّسعاً، بحيث‌ يمكنه‌ الاطّلاع‌ علی‌ جميع‌ أسرار عالم‌ الكون‌، و العلم‌ بحقائق‌ الموجودات‌، و تمزيق‌ حجب‌ الاوهام‌، و الاستقرار فِي‌ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [15]. و الوصول‌ إلی‌ مقام‌ الاطمئنان‌، والاطّلاع‌ علی‌ أسرار الغيب‌، و محادثة‌ الملائكة‌، و السكني‌ في‌ حرم‌ الامن‌ و الامان‌ الالهي‌ّ، فيصبح‌ قلبه‌ مركز تجلّيات‌ أسماء و صفات‌ المعبود جلّ شأنُه‌.

 و هكذا فانّه‌ سيُشاهد رأي‌ العين‌ إحاطة‌ قدرة‌ و علم‌ و حياة‌ الله‌ في‌ جميع‌ مراحل‌ الوجود، و سُيناجي‌ ربّه‌ و يتكلّم‌ معه‌ من‌ السرّ و الباطن‌، وسيفوز بمقام‌: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي‌' * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي‌' * وَ هُوَ بِالاُفُقِ الاْعلی‌' * ثُمَّ دَنَا فَتَدلَّي‌' * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي‌' * فَأَوْحَي‌' إلی‌' عَبْدِهِ مَآ أَوْحَي‌' [16].

 و البقاء ببقاء الله‌ بعد فناء النفس‌، و طيّ أسفاره‌ الاربعة‌ ليكون‌ مرءاةً تامّة‌ و مظهراً تامّاً كاملاً للحضرة‌ الاحديّة‌.

 و قد أودع‌ هذا النور في‌ ءادم‌ علیه‌ السلام‌ منذ بدء الخلقة‌؛ وبمقتضي‌: وَ عَلَمَّ ءَادَمَ الاْسْمَآءَ كُلَّهَا [17].

 و كذلك‌ بمفاد قوله‌:

 وَ إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـ'´نءِكَةِ إِنِّي‌ جَاعِلٌ فِي‌ الاْرْضِ خَلِيفَةً.[18]

 فانّ ءادم‌ وحده‌ جوهر عالم‌ الوجود، و هو وحده‌ اللؤلؤة‌ الثمنية‌ في‌ صدف‌ عالم‌ الكون‌، و خزينة‌ أسرار الحضرة‌ الربوبيّة‌ التي‌ طلعتْ و ظهرت‌ فيه‌ إلی‌ حدٍّ ما. و بموجب‌ أصل‌ الوراثة‌ فقد انتقل‌ ذلك‌ السرّ إلی‌ أبناء ءادم‌، فظهر و برز في‌ الانبياء واحداً بعد الاخر كلاّ بدوره‌، و بمراتب‌ الاختلاف‌ التي‌ تُشاهد فيهم‌، فأصبح‌ كلّ واحد منهم‌ مركزاً لتجلّي‌ ذلك‌ النور بقدر استعداده‌ و ظرفيّته‌.

 تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ علی‌' بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـ'تٍ و ءَاتَيْنَا عِيسَي‌ ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَـ'تِ وَ أَيَّدْنَـ'هُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [19]. إلی‌ أن‌ وصل‌ الدور إلی‌ خاتم‌ الانبياء و سيّد المرسلين‌ محمّد بن‌ عبدالله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌، فأشرق‌ ذلك‌ النور فيه‌ علی‌ أتمّ نحوٍ و أكمله‌، و بمقتضي‌ أصل‌ الوراثة‌ فقد مرّ في‌ دور الكمون‌ في‌ أصلاب‌ الاباء، و ها قد وصل‌ إلی‌ مرحلة‌ الظهور و البروز، و أشرق‌ كما ينبغي‌ له‌ بلا زيادة‌ و لا نقصان‌ لذا فانّ شريعته‌ صلوات‌ الله‌ و سلامه‌ علیه‌ ناسخة‌ لجميع‌ الاديان‌، ودينه‌ متمّم‌ و مكمّل‌ لجميع‌ الاديان‌، و باقٍ و خالد إلی‌ يوم‌ القيامة‌.

 الرجوع الي الفهرس

انتقال‌ النور الإلهي‌ و الحقيقة‌ المحمّدية‌ بعد النبيّ الاكرم‌ إلی‌ أميرالمؤمنين‌

 و قد حصلت‌ هذه‌ الاثار بواسطة‌ سعة‌ روح‌ النبيّ و سعة‌ قلبه‌ المبارك‌، و ليست‌ أمراً اعتباريّاً تشريفيّاً، ثمّ انّها انتقلت‌ في‌ ذريّته‌، اي‌ انّ ذلك‌ النور انقسم‌ إلی‌ قسمين‌، أحدهما في‌ نفسه‌ المباركة‌ و الاخر في‌ نفس‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، و انتقل‌ من‌ ‌ نور أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام إلی‌ ذريّته، حيث‌ قال‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ علیه‌:

 إنَّ اللَهَ جَعَل‌ ذُرِّيَّةَ كُلِّ نَبِيٍّ فِي‌ صُلْبِهِ و جَعَلَ ذُرِّيَّتِي‌ فِي‌ صُلْبِ علی بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ. [20]

 و روي‌ أحمد بن‌ حنبل‌، و هو أحد كبار أئمّة‌ أهل‌ السنّة‌، عن‌ سلمان‌ الفارسي‌، تبعاً لرواية‌ كتاب‌ (الرياض‌ النضرة‌) انّه‌ قال‌:

 سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صلّي‌ اللَهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سَلَّم‌ يقولُ: كُنْتُ أَنَا وَ علی‌ُّ نُورًا بَيْنَ يَدِي‌ اللَهِ تَعَإلی‌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ ءادَمَ بِأَرْبَعَةِ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ، فَلَمَّا خَلَقَ اللهُ ءادَمَ قَسَّمَ ذَلِكَ النُّورِ جُزْئَيْنِ جُزْءٌ أَنَا وَ جُزْءٌ علی [21]. خرّجه‌ أحمد في‌ المناقب‌.

 و يحدّث‌ أيضاً في‌ (ينابيع‌ المودّة‌) نقلاً عن‌ كتاب‌ (مودّة‌ القربي‌)، عن‌ عثمان‌ انّه‌ روي‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سلّم‌:

 خُلِقْتُ أَنَا وَعلی‌ٌّ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَن‌ يَخْلُقَ اللَهُ ءادَمَ بِأَرْبَعَةِ ءالاَفِ عَامٍ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَهُ ءادَمَ رَكِبَ ذَلِكَ النُّور فِي‌ صُلْبِهِ فَلَمْ يَزَل‌ شَيئًا وَاحِدًا حَتَّي‌ افتَرَقْنَا فِي‌ صُلْبِ عَبْدِ الْمُطَلَب‌، فَفِي‌َّ النُّبُوَّةُ وَ فِي‌ علی‌ٍّ الْوَصِيَّةُ.[22]

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الهاتف‌ لآدم‌ في‌ انتقال‌ النور الإلهيّ منه‌ إلی‌ الائمّة‌ علیهم‌ السّلام‌

 و ينقل‌ المؤرّخ‌ الامين‌ الحسين‌ بن‌ علی‌ المسعودي‌ في‌ (مروج‌ الذهب‌) روايةً جامعة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حول‌ ابتداء الخلقة‌ وكيفيّة‌ خلق‌ نور محمّد و ءال‌ محمد علیهم‌ السلام‌، و عن‌ كيفيّة‌ انتقال‌ ذلك‌ النور في‌ النشئآت‌ المختلفة‌ إلی‌ أن‌ يصل‌ إلی‌ خلقة‌ الملائكة‌ و خلقة‌ ءادم‌، ثم‌ يقول‌:

 ثُمَ نَبّه‌ ءادَمَ علی‌ مُستُودِعِه‌، وَ كَشَفَ لَهُ ] عَنْ [ خَطَرِ مَا ائْتَمَنَهُ علیهِ، بَعْدَ ما سَمَّاهُ إماماً عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ.

 فَكَانَ حَظُّ ءادَمَ مِنَ الْخَيرِ مَا أواهُ مِنْ مُسْتَودَعِ نُورِنا، وَ لَمْ يَزَل‌ اللهُ تَعإلی‌ يخبأ النُورَ تَحتَ الزّمانِ إلی‌ أَنَ فَضَّلَ مُحَمَّداً صَلّي‌ اللهُ علیه‌ ] و ءاله‌ [ و سَلمّ في‌ ظَاهِرِ الفَتَراتِ.

 فَدَعَي‌ النّاسَ ظَاهِرًا وَ بَاطِنًا، وَ نَدَبَهُمْ سِرًّا و عَلاَنِيّةً، واسْتَدْعي‌ علیه‌ السّلامُ التَنْبيهَ علی‌ العَهْدِ الَّذي‌ قدّمه‌ إلی‌ الذّرِ قبلَ النسلِ.

 فَمَنْ وَافَقَهُ و قَبَسَ مِنْ مِصباحِ النّورِ المُقْدِمِ، اهْتدي‌ إلی‌ سِرّهِ و استَبانَ وَاضِحَ أمرِهِ؛ و مَنْ أبلسته‌ الغفلةُ، استحقّ السّخطَ.

 ثمّ انتقل‌ النّورُ إلی‌ غَرائزِنا، و لَمَعَ فِي‌ أئمتِنَا، فَنَحْنُ أنوارُ السّماءِ و أنوارُ الارضِ فَبِنَا النَّجاةُ، و مِنّا مَكنونُ العِلمِ، و إلینا مَصيرُ الاْمُورِ، و بمهديِّنا تنقطعُ الحُججُ، خَاتمةُ الائمّةِ و مُنقذِ الامَّةِ، وَ غَايَةِ النَّورِ، وَ مصدر الامورِ.

 فَنَحْنُ أَفْضَلُ الْمَخْلوقينَ، و أَشْرَفُ الْمُوَحِّدينَ، وَ حُجَجُ رَبِّ الْعالَمينَ.

 فَلْيَهْنأ بالنّعمةِ مَنْ تَمَسّكَ بِوِلايَتِنا، وَ قَبَضَ علی‌ عُرْوَتِنَا.

 ثم‌ يقول‌ المسعودي‌: فهذا ما نروي‌ عن‌ أبي‌ عبدالله‌ جعفر بن‌ محمّد، عن‌ أبيه‌ محمّد بن‌ علی، عن‌ أبيه‌ علی بن‌ الحسين‌، عن‌ أبيه‌ الحسين‌ بن‌ علی، عن‌ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ كرّم‌ الله‌ وجهه‌[23].

 و يقول‌ المسعودي‌ أيضاً: و قد رأيت‌ في‌ كثير من‌ كتب‌ التواريخ‌ والسيرة‌ و الانساب‌ انّ ءادم‌ أباالبشر حين‌ سمع‌ هاتفاً يُخبره‌ عن‌ مقتل‌ ولده‌ هابيل‌ زاد حزنه‌ و غمّه‌ لما جري‌ و ما سيأتي‌.

 فَأَوْحَي‌ اللَهُ إلیهِ: إنّي‌ مُخْرِجٌ نُوري‌ الّذي‌ بِهِ السُّلوكُ فِي‌ الْقَنَواتِ الطَّاهِرةِ، و الاُروماتِ الشَّريفَةِ، و أُباهِي‌ بِهِ الاَنْوارَ، و أَجْعَلُهُ خَاتَمَ الاْنْبياءِ، وَ أَجْعَلُ ءَالَهُ خِيارَ الاْئِمَّةِ الْخُلَفاءِ.

 و أَخْتَمُ الزَّمانَ بِمُدَّتِهِمْ، و أَغُصّ الاْرْضَ بِدَعْوَتِهِمْ، و أَنْشُرُها بِشيعَتِهِمْ.

 فَشَمِّرْ و تَطَهَّرْ، و قدِّسْ، و سَبِّحْ، وَ اغْشَ زَوْجَتَكَ علی‌ طَهَارَةٍ مِنْهَا، فانَّ وَدِيعَتي‌ تَنْتَقِلُ مِنْكُما إلی‌ الْوَلَدِ الْكائِنِ مِنْكُمَا[24].

 الرجوع الي الفهرس

 تفسير ءاية‌ « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـ'بِ الَّذِينَ اصْطَفَينا مِنْ عِبَادِنَا »

امّا الان‌ و قد اتّضح‌ الموضوع‌، فاننا نرجع‌ إلی‌ تفسير الاية‌ التي‌ ذكرناها في‌ مطلع‌ كلامنا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَـ'بَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.

 و علینا أن‌ نري‌ ما هو هذا الميراث‌؟ و هذا البحث‌ يتناول‌ موضوعين‌:

 1 ـ الموضوع‌ الاوّل‌: ما هو المقصود من‌ الكتاب‌؟

 2 ـ الموضوع‌ الثاني‌: من‌ هم‌ العباد المصطفون‌ الذين‌ أورثهم‌ الله‌ الكتاب‌؟

 امّا الموضوع‌ الاوّل‌، فليس‌ هناك‌ من‌ شكّ في‌ انّ المقصود بالكتاب‌ هو القرءان‌ الكريم‌، لانّه‌ يقول‌ في‌ الاية‌ التي‌ سبقتها:

 وَ الَّذِي‌ أوْحَيْنَا إلیكَ مِنَ الْكِتَـ'بِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إنَّ اللَهَ بِعِبَادَهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ [25].

 و هذا الخطاب‌ موجّه‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌؛ كما انّ الكتاب‌ الذي‌ أوحي‌ إلیه‌ هو القرءان‌ الكريم‌.

 و باعتبار انّه‌ يقول‌ بعد هذه‌ الاية‌ مباشرة‌:

 ثُمَّ أوْرَثْنَا الْكِتَـ'بَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.

 فقد اتّضح‌ بأن‌ المراد بهذا القرءان‌ المورث‌ ليس‌ القرءان‌ المكتوب‌، بل‌ انّ المراد بذلك‌ هو حقيقة‌ القرءان‌ الذي‌ نزل‌ علی‌ قلوبهم‌. فقد تلقّي‌ رسول‌ الله‌ ـ وفق‌ نهجٍ معيّن‌ ـ تلك‌ الحقائق‌ من‌ جبرئيل‌ الامين‌، و بنفس‌ ذلك‌ النهج‌ تلقّي‌ هؤلاء العباد المصطفون‌ القرءان‌ من‌ رسول‌ الله‌ صّلي‌ الله‌ علیه‌ وءاله‌ و تلك‌ الحقائق‌ و الاسرار و اللطائف‌ التي‌: لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ [26]. و إنَّا جَعَلْنَـ'هُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَ إِنَّهُ فِي‌ أُمِّ الْكِتَـ'بِ لَدَيْنَا لَعلی حَكِيمٌ[27]؛ حيث‌ وردت‌ علی‌ قلوبهم‌ بمستو رفيع‌ مختصّ بهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

من‌ هم‌ المعنيّون‌ بـ (عبادالله‌ المصطفين‌ الذين‌ ورثوا الكتاب‌)

 امّا فيما يخصّ الموضوع‌ الثاني‌، فحسب‌ الروايات‌ المستفيضة‌ والمتظافرة‌ التي‌ وردت‌ عن‌ الامام‌ محمد الباقر و الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیهما السلام‌، فانّ المراد بهؤلاء العباد المصطفين‌، ذريّة‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌ من‌ أولاد فاطمة‌ الزهراء سلام‌ الله‌ علیها؛ الذين‌ يقعون‌ في‌ ذريّة‌: (وءالَ إبراهيم‌) بمقتضي‌ الاية‌ المباركة‌: إنَّ اللَهُ اصْطَفَي‌'´ ءَادَمَ وَنُوحًا وَ ءَالَ إِبْراهِيمَ وَ ءَالَ عِمْرَانَ علی‌ الْعَـ'لَمِينَ [28].

 و علاوةً علی‌ ذلك‌، فلم‌ يدّعِ أحد منذ صدر الإسلام‌ حتّي‌ الان‌ أنّ هناك‌ شخصاً أعلم‌ بكتاب‌ الله‌ من‌ أميرالمؤمنين‌ و الائمّة‌ الطاهرين‌ علیهم‌ السلام‌؛ بل‌ انّ أميرالمؤمنين‌ ـ حسب‌ الروايات‌ المتواترة‌ الواردة‌ عن‌ كبار أهل‌ السنّة‌ ـ أعرف‌ الامّة‌ و أعلمها بكتاب‌ الله‌. و بناءً علی‌ هذا فانّ من‌ المُسَلَّم‌ انّ المراد بالعباد المصطفين‌ الذين‌ أورثهم‌ اللهُ القرءان‌ هؤلاء الائمّة‌ الطاهرين‌.

 و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌ فانّه‌ وفقاً للحديث‌ المتواتر بين‌ السّنّة‌ و الشيعة‌ الذي‌ جعل‌ فيه‌ النبي‌ُّ عترته‌ ملازمةً للقرءان‌ و قرينةً له‌، فانّه‌ يتّضح‌ أنّ المراد من‌ العباد المصطفين‌ عترة‌ رسول‌ الله‌:

 إِنِّي‌ تَاركٌ فِيكُمُ الثَقلينِ كِتابَ اللَهِ وَ عِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّي‌ يَرِدَا علی‌َّ الحَوضَ[29].

 علاوة‌ علی‌ الروايات‌ الكثيرة‌ الواردة‌ في‌ علم‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السّلام‌، كالحديث‌ الوارد عن‌ أمّ سلمة‌ حيث‌ قالت‌: قال‌ النبيّ:

 علی مَعَ الْقُرْءانِ و الْقُرْءانُ مَعَ علی[30].

 و حديث‌: أَنَا مَدِيَنَةُ الْعِلْمِ وَ علی بَابُهَا.

 و نظائرها من‌ الروايات‌ الواردة‌ في‌ علم‌ أميرالمؤمين‌، و التي‌ تفيد انّه‌ كان‌ من‌ وارثي‌ كتاب‌ الله‌ من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ و ءاله‌.

 امّا بشأن‌ قوله‌ تعإلی‌:

 فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذِنِ اللَهِ[31].

 فمن‌ الجلّي‌ انّ المقصودَ بهم‌ أصحاب‌ الشمال‌ و أصحاب‌ إلیمين‌ والمقربّون‌، و مسلّماً فانّ المراد بالعباد المصطفين‌ هم‌ الفئة‌ الثالثة‌ الذين‌ سبقوا إلی‌ الخيرات‌.

 و بناءً علی‌ هذا فانّ الضمير في‌ (منهم‌) امّا ان‌ يكون‌ عائداً إلی‌ (عبادنا) بدون‌ قيد الاصطفاء، أي‌ انّ مطلق‌ عبادنا ينقسمون‌ إلی‌ ثلاث‌ مجاميع‌، لكنّ من‌ بينهم‌ السابقون‌ إلی‌ الخيرات‌ الذين‌ كانوا هم‌ المصطفين‌ وورثة‌ الكتاب‌.

 و امّا أن‌ يعود الضمير في‌ (منهم‌) إلی‌ (الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)، اي‌ انّ الطوائف‌ الثلاث‌ شركاء في‌ وراثة‌ الكتاب‌، علی‌ الرغم‌ من‌ انّ الفئة‌ الثالثة‌ ستكون‌ العالمة‌ بالكتاب‌ و المحافظة‌ علیه‌ و الوارث‌ الحقيقي‌ّ له‌.

 و لا مانع‌ هناك‌ أن‌ يكون‌ القائمون‌ بكتاب‌ الله‌ و المحافظون‌ علیه‌ فئةً خاصّة‌ بينما تُنسب‌ الوراثة‌ إلی‌ الجميع‌، كما في‌ الاية‌ الكريمة‌ الشريفة‌:

 وَ أَوْرَثْنَا بَنِي‌ إِسْرَ  ءِيلَ الْكِتَـ'ب‌ [32]، التي‌ تنسب‌ الوراثة‌ إلی‌ بني‌ إسرائيل‌ مع‌ انّ نزول‌ التوراة‌ كان‌ علی‌ موسي‌ (علیه‌ السلام‌) لا علیهم‌ جميعاً، ولكن‌ باعتبار انّ موسي‌ كان‌ يعيش‌ في‌ بني‌ اسرائيل‌، فانّ نسبة‌ إعطاء التوراة‌ لبني‌ اسرائيل‌ صحيحة‌ تجوّزاً. و بناءً علی‌ هذا الاحتمال‌، فسيكون‌ المراد بعبارة‌ (ظالمٌ لنفسه‌) أفراد المسلمين‌ الذين‌ ظلموا أنفسهم‌ بارتكاب‌ السيئّات‌ والمعاصي‌، و ذلك‌ لانّه‌ تبعاً لهذا الاحتمال‌ فانّ فئة‌ (ظالمٌ لنفسه‌) سيكونون‌ من‌ المصطفين‌، لذا لا يمكن‌ جعلهم‌ من‌ أصحاب‌ الشمال‌، بل‌ هم‌ من‌ أصحاب‌ إلیمين‌، غاية‌ الامر انّ فيهم‌ بعض‌ النقائص‌.

 و علی‌ كلّ حال‌ فلنعد إلی‌ أصل‌ البحث‌، و هو ان‌ اميرالمؤمنين‌ والائمة‌ الاطهار باعتبارهم‌ عبادالله‌ المصطفين‌ ـ طبقاً للنصوص‌ الصريحة‌ التي‌ نقلها أهل‌ السنّة‌ بأنفسهم‌ عن‌ كبار المحدّثين‌ ـ فانّهم‌ حارسو و حافظو كتاب‌ الله‌. فالحافظ‌ للقرءان‌ و الوارث‌ له‌ هو الذي‌ يمتلك‌ مقامَ و منزلة‌ رسول‌ الله‌، و يمتلك‌ قلباً كقلب‌ رسول‌ الله‌ في‌ تحمّل‌ تلك‌ الحقائق‌ واستيعابها.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ الاية‌  213  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[2] ـ الاية‌  213  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[3] ـ ذيل‌ الاية‌  52  ، من‌ السورة‌ 0 2  : طه‌ .

[4] ـ ذيل‌ الاية‌  3  ، من‌ السورة‌  65  : الطّلاق‌

[5]  ـ ذيل‌ الاية‌  21  ، من‌ السورة‌  12  : يوسف‌

[6] ـ (اُصول‌ الكافي‌) ، المجلّد الاول‌ ، ص‌  169  ، كتاب‌ الحجّة‌ ، باب‌ الإضطرار الی‌ الحجّة‌ .

[7] ـ ولد هشام‌ بن‌ الحكم‌ في‌ الكوفة‌ ، و نشأ و ترعرع‌ في‌ واسط‌ ، ثم‌ عمل‌ بالتجارة‌ في‌ بغداد و سكن‌ هناك‌ الی‌ ءاخر عمره‌ ؛ و قد نُقل‌ مدحُه‌ و الثناء علیه‌ عن‌ الائمّة‌ الصادق‌ والكاظم‌ و الرضا علیهم‌ السّلام‌ . كان‌ راوياً للحديث‌ و له‌ أصل‌ في‌ الاُصول‌ الاربعمائة‌ الشيعيّة‌ ، و كان‌ من‌ أجلّة‌ المحدّثين‌ و مهرة‌ المتكلّمين‌ و المناظرين‌ ، و كان‌ له‌ في‌ فتوّته‌ مهارة‌ كبيرة‌ في‌ فنّ المناظرة‌ (رجال‌ الميرزا محمّد بن‌ علی‌ الاردبيلي‌ المعروف‌ بـ (جامع‌ الرواة‌) ج‌ 2 ، ص‌ 313 وهذه‌ الرواية‌ يرويها المجلسي‌ أيضاً في‌ (بحار الانوار) ج‌ 7 ، ص‌ 3 ، نقلاً عن‌ (إكمال‌ الدين‌) و(علل‌ الشرايع‌) و (الامالی‌) للشيخ‌ الصّدوق‌ .

[8] ـ (أبو مروان‌) كُنية‌ عمرو بن‌ عبيد .

[9] ـ يروي‌ الصدوق‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ (الامالی‌) ، ص‌  351  ، عن‌ سعد بن‌ عبدالله‌ ، عن‌ ابراهيم‌ بن‌ هاشم‌ ، عن‌ اسماعيل‌ بن‌ مرار ، عن‌ يونس‌ بن‌ عبدالرحمن‌ ، عن‌ يونس‌ بن‌ يعقوب‌ قال‌ : كان‌ عند أبي‌ عبدالله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ جماعة‌ من‌ أصحابه‌ فيهم‌ حُمران‌ بن‌ أعين‌ ومؤمن‌ الطّاق‌ و هشام‌ بن‌ سالم‌ و الطيّار و جماعة‌ من‌ أصحابه‌ فيهم‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌ و هو شابّ ؛ ثمّ ينقل‌ عين‌ الحديث‌ الی‌ ءاخره‌ . و أورده‌ المرحوم‌ المجلسي‌ في‌ (بحار الانوار) الطبعة‌ الكمباني‌ ج‌  14  ، ص‌  549  (السماء و العالم‌) ، و في‌ الطبعة‌ الحروفية‌ ج‌  61  ، ص‌  248 عن‌ (أمالی‌ الصدوق‌) .

[10] ـ (الخصائص‌ الكبري‌) ، ج‌  2  ، ص‌  124  ، حسب‌ نقل‌ (شيعه‌ در اسلام‌) للسبط‌ ، القسم‌ الثاني‌ ، ص‌  124  .

[11] ـ (الامالی‌) للصدوق‌ ، ص‌  77  ، و (علل‌ الشرايع‌) ج‌ 1 ، ص‌  228  ، الباب‌  162  ؛ وينقل‌ المجلسي‌ هذه‌ الرواية‌ عن‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ (بحار الانوار) الطبع‌ الكمباني‌ ، ج‌ 0 1  ، ص‌  224 

[12]  ـ الاية‌  32  ، من‌ السورة‌  35  : فاطر .

 و قد أورد ابن‌ بابويه‌ في‌ تفسير هذه‌ الاية‌ الشريفة‌ حديثًا عن‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ بيّنه‌ في‌ مجلس‌ المأمون‌ في‌ مرو ، و كان‌ حاضرًا ءانذاك‌ مع‌ علماء العراق‌ و خراسان‌ فسأله‌ المأمون‌ عن‌ تفسير هذه‌ الاية‌ . و هذا الحديث‌ شيّق‌ للغاية‌ و حاوٍ لمطالب‌ قيّمة‌ . و قد ورد كذلك‌ في‌ كتاب‌ (غاية‌ المرام‌) ، ص‌ 219 تحت‌ عنوان‌ : التاسع‌ .

[13] ـ ذيل‌ الاية‌  56  ، من‌ السورة‌  11  : هود .

[14] ـ ذيل‌ الاية‌  43  ، من‌ السورة‌  35  : فاطر .

[15] ـ الاية‌  55  ، من‌ السورة‌  54  : القمر .

[16] ـ الايات‌  5  ـ  11  ، من‌ السورة‌  53  : النجم‌ .

[17] ـ صدر الاية‌  31  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[18] ـ صدر الاية‌ 0 3  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[19]  ـ صدر الاية‌  253  ، من‌ السورة‌  2  : البقرة‌ .

[20] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  252  .

[21] ـ (الرياض‌ النضرة‌) ، ج‌  1  ، ص‌  154  .

[22] ـ (ينابيع‌ المودّة‌) ، ص‌  256  .

[23] ـ (مروج‌ الذهب‌) المجلّد الاول‌ ، في‌ طبعة‌ مطبعة‌ السعادة‌ مصر ،  1367  هجرية‌ ، ص‌  32  و  33  ؛ و في‌ طبعة‌ مطبعة‌ دار الاندلس‌ بيروت‌  1393  هجرية‌ ، ص‌  42  و  43  . و ورد فيه‌ لفظ‌ (أراه‌) بدلاً من‌ (أواه‌) .

[24] ـ (مروج‌ الذهب‌) المجلّد الاوّل‌ ، في‌ طبع‌ مطبعة‌ السعادة‌ ـ مصر ،  1367  هجرية‌ ، ص‌  37  ؛ و في‌ طبع‌ مطبعة‌ دار الاندلس‌ ـ بيروت‌  1393  هجرية‌ ، ص‌  47  .

[25] ـ الاية‌  31  ، من‌ السورة‌  35  : فاطر .

[26] ـ الاية‌  79  ، من‌ السورة‌  56  : الواقعة‌ .

[27] ـ الاية‌  3  و  4  ، من‌ السورة‌  43  : الزخرف‌ .

[28] ـ الاية‌  33  ، من‌ السورة‌  3  : ءال‌ عمران‌ .

[29] ـ يروي‌ أحمد بن‌ حنبل‌ هذا الحديث‌ عن‌ حديث‌ زيد بن‌ ثابت‌ بطريقين‌ صحيحين‌ ، أوّلهما بداية‌ ص‌  182  من‌ الجزء  الخامس‌ من‌ مسنده‌ ، لكن‌ العبارة‌ هكذا : قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌  ] و ءاله‌ [  و سلّم‌ : انّي‌ تارك‌ فيكم‌ خليفتين‌ كتاب‌ الله‌ حبلٌ ممدود ما بين‌ السمآء و الارض‌ او ما بين‌ السماء الی‌ الارض‌ و عترتي‌ اهل‌ بيتي‌ و انّهما لن‌ يفترقا حتّي‌ يردا علی‌ الحوض‌ . و ثانيهما في‌ نهاية‌ ص‌  189  من‌ الجزء الخامس‌ من‌ مسنده‌ ، لكنّ عبارته‌ بهذه‌ الكيفيّة‌ : قال‌ النبيّ : إنّي‌ تارك‌ فيكم‌ نليفتين‌ كتاب‌ الله‌ و أهل‌ بيتي‌ و انّهما لن‌ يفترقا حتّي‌ يردا علی‌ الحوض‌ جميعاً . و يقول‌ في‌ تفسير (الدّر المنثور) ، ج‌  6  ، ص‌  7  : و أخرج‌ الترمذي‌ وحسن‌ ابن‌ الانباري‌ في‌ المصاحف‌ عن‌ زيد بن‌ أرقم‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ قال‌ : قال‌ رسول‌ الله‌ صلي‌ الله‌ علیه‌  ] و ءاله‌ [  و سلّم‌ : إنّي‌ تارك‌ فيكم‌ ما إن‌ تمسّكتم‌ به‌ لن‌ تضلّوا بعدي‌ ، أحدهما أعظم‌ من‌ الاخر ، كتاب‌ الله‌ حبلٌ ممدودٌ من‌ السماء الی‌ الارض‌ و عترتي‌ أهل‌ بيتي‌ ، و لن‌ يفترقا   ï ïحتّي‌ يردا علی الحوض‌ فانظروا كيف‌ تخلفوني‌ فيهما .

[30] ـ (كنز العمال‌) ، ج‌  12  ، ص‌  3 0 2  ، الحديث‌  1152  ، طبعة‌ الهند  1384  .

[31] ـ (كنز العمال‌) ، ج‌  12  ، ص‌  1 0 2  ، الحديث‌ 0 113  ، طبعة‌ الهند  1384  .

[32] ـ الاية‌  53  ، من‌ السورة‌ 0 4  : المؤمن‌ .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com