بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب معرفة الله/ المجلد الاول / القسم الثالث‌عشر:معني‌ سَمِعَ اللَهُ لِمَنْ حَمِدَه،معني‌ كُنْتُ سَمْعَهُ وَ...، كلام‌ الإ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

أبيات‌ ابن‌ الفارض‌ حول‌ حديث‌: «لاَ يَزَالُ العَبْدُ»

 وقد نظّم‌ ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ أبياتاً تفيد معني‌ هذا الحديث‌ في‌ كتابه‌ « نظم‌ السلوك‌ »:

 وَجَـاءَ حَـدِيثِـي‌ فِـي‌ اتِّحَـادِي‌َ ثَـابِـتٌ                     رِوَايَـتُـهُ فِـي‌ النَّـقْـلِ غَـيْــرُ ضَـعِـيـفَـةِ

 يُـشِــيــرُ بِـحُـبِّ الحَـقِّ بَـعْـدَ تَـقَـرُّبٍ                    إلَـيْــهِ بِـنَـفْــلٍ أَوْ أَدَاءِ فَــريـضَــةِ

 وَمَـوْضِـعُ تَـنْـبِـيـهِ الإشَـــارَةِ ظَـاهِــرٌ                   بِـكُـنْـتُ لَهُ سَـمْـعـاً كَـنُـورِ الظَّـهِيـرَةِ

 تَسَـبَّبْتُ فِي‌ التَّـوْحِيـدِ حَتَّـي‌ وَجَـدْتُـهُ                  وَوَاسِـطَـةُ الاَسْــبَـابِ إحْـدَي‌ أَدِلَّـتِـي‌

 وَوَحَّـدْتُ فِي‌ الاَسْـبَابِ حَتَّي‌ فَقَـدْتُهَـا                  وَرَابِـطَـةُ التَّـوْحِيـدِ أَجْـدَي‌ وَسِــيلَتِـي‌

 وَجَـرَّدْتُ نَـفْـسِـي‌ عَنْـهُـمَـا فَتَجَـرَّدَتْ                  وَلَـمْ تَـكُ يَـوْمـاً قَـطُّ غَـيْــرَ وَحِـيــدَةِ

 وَغُصْتُ بِحَارَ الجَمْعِ بَلْ خُضْتُها عَلَی انْـ                ـفِـرَادِي‌َفَـاسْـتَـخْـرَجْـتُ كُلَّ يَـتِـيـمَـةِ

 لاِسْـمَـعَ أَفْـعَـالِـي‌ بِـسَــمْـعٍ بَـصِـيـرَةٍ                 وَأَشْـهَـدَ أَقْـوَالِـي‌ بِـعَـيْـنٍ سَـمِـيـعَـةِ [1]

 واستدلّ كذلك‌ سعيد الدين‌ سعيد الفرغاني‌ّ بهذا الحديث‌ في‌ موضعين‌ من‌ شرحَيْه‌ العربي‌ّ والفارسي‌ّ للتائيّة‌: الاوّل‌ في‌ شرحه‌ لقول‌ ابن‌ الفارض‌:

 جَوَاهِرُ أَنْبَاءٍ، زَوَاهِـرُ وُصْلَةٍ                      طَوَاهِرُ أَبْنَاءٍ، قَوَاهِـرُ صَوْلَةِ [2]

 والثاني‌ في‌ شرحه‌ لقول‌ هذا العارف‌:

 وَجَاءَ حَدِيثِي‌ فِي‌ اتِّحَادِي‌َ ثَابِتٌ                رِوَايَـتُـهُ فِـي‌ النَّقْلِ غَيْـرُ ضَعِيفَةِ

 وقد ذكر هذا البيت‌، وبيتين‌ آخرين‌ بعده‌، سبقت‌ الإشارة‌ إليهما هنا، واستدلّ بهذا الخبر في‌ موضعين‌ أثناء شرحٍ وافٍ لهما، ولانّ شرحه‌، في‌ الحقيقة‌، هو شرحٌ للحديث‌ الذي‌ نحن‌ بصدده‌، فما أجمل‌ أن‌ ننقل‌ هنا عباراته‌، حتّي‌ نتعرّف‌ أكثر علی مفاد ومحتوي‌ هذا الحديث‌، وأن‌ نستوعب‌ واقع‌ معني‌ أبيات‌ ابن‌ الفارض‌ بشكل‌ أفضل‌:

 الرجوع الي الفهرس

شرح‌ الفرغاني‌ّ لاشعار ابن‌ الفارض‌ حول‌ حديث‌ «لاَ يَزَالُ العَبْدُ»

 يقول‌ الفرغاني‌ّ [3]: «يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: «وَجَاءَ حَدِيثِي‌...» أَنْ يَكُونَ عَلَی لِسَانِ الجَمْعِ الإلَهِي‌ِّ؛ فَإنَّ هَذَا حَدِيثٌ إلَهِي‌ٌّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَی لِسَانِ الجَمْعِ المُحَمَّدي‌ِّ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَيْهِ.

 ويُشير ذلك‌ الحديث‌ علی تحقّق‌ محبّة‌ الحقّ لي‌ ومحبّتي‌ له‌، وذلك‌ بعد طلبي‌ للتقرّب‌ والزلفي‌ إلی الحقّ بأداء النوافل‌ والفرائض‌ والعبادات‌. ويبدو موضع‌ الإشارة‌ في‌ هذا الحديث‌ إلی الاتّحاد واضحاً وجَدّ جلي‌ّ وصريح‌ كنور الشمس‌ الوضّاح‌ في‌ صدر النهار وكبد السماء؛ وذلك‌ ممّا قَصَدَه‌ بقوله‌: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً.

 وأمّا لفظ‌ الحديث‌، كما ورد في‌ « صحيح‌ البخاري‌ّ » ومسلم‌ فهو:

 مَا تَقَرَّبَ إلَی عَبْدِي‌ بِشَي‌ءٍ أَحَبَّ إلَی مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَلاَ يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَی بِالنَّوَافِلِ حَتَّي‌ أُحِبَّهُ؛ فَإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي‌ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي‌ يُبْصِرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي‌ يَنْطِقُ بِهِ، وَرِجْلَهُ الَّتِي‌ يَمْشِي‌ بِهَا الحديث‌.

 واعلم‌، أنّ المحبّة‌ شدّة‌ الرغبة‌ الباطنيّة‌ من‌ أجل‌ الوصول‌ إلی كمالٍ من‌ الكمالات‌، وحقيقتها: الآصرة‌ القويّة‌ الوحدانيّة‌ بين‌ الطالب‌ والمطلوب‌، ومعناها: تسلّط‌ عوامل‌ الاتّحاد أو الاشتراك‌، ممّا يستلزم‌ زوال‌ عوامل‌ التفاضل‌ أو الاختلاف‌ بين‌ الطالب‌ والمطلوب‌.

 والمحبّ هو من‌ تظهر فيه‌ هذه‌ الآصرة‌ أوّلاً، وتتغلّب‌ وتتسلّط‌ عليه‌ حتّي‌ يقوم‌ الطالب‌ بإزالة‌ عوامل‌ التفاضل‌ عن‌ نفسه‌، أو عمّا يطلب‌. وأصل‌ هذه‌ المحبّة‌، هو حقيقة‌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ، حيث‌ كانت‌ ذات‌ الحقّ الواحدة‌ مُحبّة‌، وكان‌ المحبوب‌ كمال‌ وجوده‌ وظهور الكمالات‌ الاسمائيّة‌ له‌، وتعكس‌ مرآة‌ المحبوب‌، الحقيقة‌ الإنسانيّة‌، صورةً ومعنيً، ولا شي‌ء غيرها. لِكَمَالِ جَمْعِيَّتِهَا وَتَمَامِ مُضَاهَاتِهَا وَقَابِليَّتِهَا، وَقُصُورِ غَيْرِهَا عَنْ ذَلِكَ.

 وَإلَيْهِ الإشَارَةُ فِيمَا رُوِي‌َ مِنَ الحَدِيثِ الإلَهِي‌ِّ خِطَاباً لِمُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ الكَوْنَ.

 وبحكم‌ هذه‌ المحبّة‌، تعيّن‌ تجلٍّ من‌ الله‌، بصورة‌ إجماليّة‌ في‌ باطن‌ تلك‌ الحقيقة‌ الإنسانيّة‌ في‌ جوهرها، والتي‌ تشير إلی البرزخيّة‌ والجمعيّة‌ بين‌ الواحديّة‌ والاحديّة‌ أوّلاً، وبين‌ العلم‌ بالعالم‌ وبين‌ الوجود ثانياً، ثمّ سار وتنزّل‌ من‌ باطن‌ تلك‌ الحقيقة‌ الإنسانيّة‌ في‌ صورٍ تفصيليّة‌، والتي‌ هي‌ عبارة‌ حقائق‌ العالم‌، لكمال‌ الظهور الذي‌ كان‌ هو المحبوب‌ الاوّل‌، حتّي‌ يصل‌ إلی هذه‌ الصورة‌ العنصريّة‌ الإنسانيّة‌، وهي‌ الصورة‌ الإجماليّة‌ الواقعيّة‌ لتلك‌ الحقيقة‌ الإنسانيّة‌.

 وأمّا مرآة‌ الجمعيّة‌ وكمال‌ ظهور ذلك‌ التجلّي‌، فواقع‌ الوحدانيّة‌ لذلك‌ النزوع‌ والمحبّة‌، تزامن‌ مع‌ هذا التجلّي‌، وهي‌ مستترة‌ في‌ باطنه‌.

 ولمّا كان‌ ذلك‌ التجلّي‌ وحدانيّاً، كان‌ لزاماً أن‌ يكون‌ محلّه‌ ومرآته‌ وظهوره‌ في‌ هذا النزول‌، أمراً وحدانيّاً كذلك‌، وما كان‌ لغير العدالة‌ والاعتدال‌ الموحّدين‌ للكثرة‌ في‌ هذه‌ المراتب‌، بل‌ في‌ عالم‌ التركيب‌ والكثرة‌ من‌ أثر وظلّ وصورة‌ من‌ حقيقة‌ الوحدة‌، ولا جرم‌ أنّ مرآة‌ ظهور ذلك‌ التجلّي‌ في‌ كلّ مرتبة‌، هي‌ أمر معتدل‌، حتّي‌ تكون‌ مرآته‌، حقيقة‌ وسطيّة‌، وعدالة‌ إمكان‌ كلّ ممكن‌ في‌ عالم‌ المعاني‌ والارواح‌، وذلك‌ بين‌ جهة‌ الوجوب‌ وجهة‌ المحال‌. وأمّا في‌ عالم‌ المثال‌ والحسّ، فلم‌ يكن‌ مظهر ذلك‌ التجلّي‌ إلاّ مزاجاً معتدلاً من‌ الطبيعة‌ والعناصر والمولّدات‌، وحصيلة‌ هذه‌ الجملة‌ من‌ مراتب‌ الاعتدالات‌، هو إظهار الاعتدال‌ الإنساني‌ّ الموجود في‌ الوسط‌، وصورة‌ الوحدة‌ والعدالة‌ لذلك‌ هي‌ البرزخيّة‌ الاُولي‌ والثانية‌.

 ولمّا كان‌ ظهور ذلك‌ التجلّي‌ في‌ نزوله‌، في‌ جملة‌ هذه‌ المراتب‌، ولا نّه‌ تلبّس‌ بصور إنسانيّة‌ تفصيليّة‌ وإجماليّة‌، فقد اجتمعت‌ حوله‌ أحكام‌ الكثرة‌ والتعيّنات‌، والنسب‌ والإضافات‌، والتي‌ هي‌ من‌ مستلزمات‌ الاجزاء والاطراف‌، وآثار الانحراف‌، فخرج‌ كلّ حكم‌ من‌ تلك‌ الاحكام‌ علی صورة‌ أمل‌ وأُمنية‌ وطلب‌ لذّة‌ وشهوة‌، وأرادت‌ التغلّب‌ علی حُكم‌ الوحدة‌ والبساطة‌ وصورة‌ الجمعيّة‌ وعدالتها وتوجيهها نحو أوصاف‌ الكثرة‌ والتركيب‌ وأحكام‌ الانحرافات‌ والتغلّب‌ عليها. وكان‌ أمر الشجرة‌، والهبوط‌ من‌ الجنّة‌، صورة‌ وأثراً لتلك‌ الغلبة‌.

 فتطلّبت‌ تلك‌ المحبّة‌ الوحدانية‌ ـ وهي‌ الآصرة‌ المستترة‌ في‌ باطن‌ التجلّي‌ وضع‌ ميزان‌ اعتدالي‌ّ يمثّل‌ الشريعة‌ والطريقة‌، لتربط‌ هذا الإنسان‌ المتعرّض‌ للمحبوب‌ بالواسطة‌، بجملة‌ من‌ الإرادات‌ والمقاصد والحركات‌ والسكنات‌ الخاصّة‌ بها، وبالوحدة‌ والعدالة‌، ظاهراً وباطناً.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ «سَمِعَ اللَهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» هو كلام‌ الله‌ علی لسان‌ عبده‌

 وتستتر حقيقة‌ هذه‌ المحبّة‌ في‌ الباطن‌، وهي‌ لسان‌ هذا الميزان‌ الذي‌ هو عين‌ الفرائض‌، بحكم‌ انتشار وحدة‌ الامر «وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَ حِدَهٌ» فإنَّ مُطْلَقَ الاَمْرِ يَقْتَضِي‌ الفَرَضِيَّةَ، فيسري‌ أثر هذه‌ المحبّة‌ في‌ باطن‌ أجزاء عمود الميزان‌ وكفّتيه‌، اللتين‌ هما بمثابة‌ سنن‌ ونوافل‌ هذا الميزان‌، فتغدو حُجُب‌ الحقيقة‌ الإنسانيّة‌ ضعيفة‌ وشفّافة‌ ولطيفة‌، تلك‌ الحقيقة‌ التي‌ تكون‌ بمرتبة‌ المحبوبيّة‌ بحكم‌ العناية‌ اللا عليّة‌ في‌ الازل‌، والتي‌ غلبت‌ عليه‌ بحكم‌ الوجوب‌ والوحدة‌، وبحكم‌ استعداده‌ الكامل‌ زمان‌ السير والمرور عبر المراتب‌ تنازلياً، طرأت‌ الحجب‌ الضعيفة‌ والشفّافة‌ واللطيفة‌ عليه‌، فإذا تيسّر أداء الفرائض‌ بإخلاص‌ وبالكامل‌ بسبب‌ محبوبيّته‌، فبمجرّد أداء تلك‌ الفرائض‌ ظاهراً وباطناً ترتفع‌ الحُجُب‌، وحينها، يظهر حكم‌ حقيقة‌ تلك‌ المحبّة‌ والوحدة‌ الحقيقيّة‌ فيه‌، والتي‌ باطنها لسان‌ في‌ قلبه‌، فتجذبه‌ نحوها رغم‌ إرادته‌، وتجعل‌ منه‌ مرآة‌ كمال‌ ظهورها، حتّي‌ يظهر الحكم‌ السابق‌ فَأَحْبَبْتُ فيه‌ بواسطتها، وتكون‌ نتيجة‌ ذلك‌ الظهور إنَّ اللَهَ قَالَ عَلَی لِسَانِ عَبْدِهِ: سَمِعَ اللَهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.

 وذلك‌ تحقيق‌ قوله‌: مَا تَقَرَّبَ إلَی عَبْدِي‌ بِشَي‌ءٍ أَحَبَّ إلَی مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. ذلك‌ أن‌ لا شي‌ء من‌ الميزان‌ أقرب‌ إلی الوحدة‌ من‌ لسان‌ الميزان‌؛ وكذا لا شي‌ء أقرب‌ إلی الوحدة‌ الحقيقيّة‌ للمحبّة‌ من‌ أداء الفرائض‌ عند سريان‌ وحدة‌ الامر فيه‌.

 وأمّا إذا كان‌ ذلك‌ موجوداً من‌ قبل‌ في‌ مبدأ الحكم‌ والاستعداد الإنساني‌ّ، في‌ زمان‌ مروره‌ ونزوله‌ عبر المراتب‌، فستجتمع‌ حوله‌ قيود وصفات‌ الكثرة‌ الإنسانيّة‌ وبكثافة‌، وتتغلّب‌ علی حكم‌ وحدته‌، فسيحتاج‌ ذلك‌ الشخص‌ إلی رياضة‌ ومجاهدة‌ كثيرتين‌، ولا تتيسّر استقامة‌ واعتدال‌ ذلك‌ الميزان‌ الذي‌ يمثّل‌ أداء الفرائض‌ قلباً وقالباً، إلاّ بملازمة‌ السنن‌ والنوافل‌ من‌ الاذكار والاعمال‌ وشتّي‌ أنواع‌ القُرُبات‌، التي‌ تخالفها النفس‌، شرط‌ توفّر الإخلاص‌ ومجانبة‌ الشبهات‌ وصغائر الرياء، وترك‌ جميع‌ اللذّات‌ والشهوات‌ النفسيّة‌ التي‌ تتوقّف‌ عليها استقامة‌ ميزان‌ الشريعة‌ والطريقة‌ بصورة‌ كاملة‌. كما جاء في‌ الحديث‌:

 إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّلاَةُ؛ فَإنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإنْ فَسَدَتْ خَابَ وَخَسِرَ. وَإنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئاً قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌: انْظُرُوا! هَلْ لِعَبْدِي‌ مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكْمَلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ؟! ثُمَّ يَكُونَ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَی ذَلِكَ.

 يدلّ ظاهر الحديث‌ علی أنّ النوافل‌ هي‌ مكمّلات‌ للفرائض‌.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ «كُنْتُ سَمْعَهُ وَ...» هو انكشاف‌ تجلّي‌ وجود الله‌ في‌ أفعال‌ السالك‌

 وعلي‌ هذا، فيلزم‌ علی السالك‌ الذي‌ وقع‌ في‌ رتبة‌ المحبّ منذ الازل‌ المداومة‌ علی هذه‌ السنن‌ والنوافل‌، حتّي‌ يتسنّي‌ له‌ بعد ملازمته‌ للإخلاص‌ والتوحيد في‌ العمل‌ الاقتراب‌ من‌ لسان‌ الميزان‌، ويتمكّن‌ أثر المحبّة‌ الكامن‌ في‌ كفّتي‌ وأجزاء عمود ميزان‌ الشريعة‌ والطريقة‌ من‌ إزالة‌ كلّ صور وإحكام‌ انحرافات‌ نفس‌ هذا السالك‌، حتّي‌ تعتدل‌ كفّتا الميزان‌ وعموده‌. وحينئذٍ، يظهر القلب‌ الذي‌ هو محلّ ذلك‌ اللسان‌ المذكور، ويظهر فيه‌ ذلك‌ التجلّي‌ الوجودي‌ّ بوحدته‌ الحقيقيّة‌، ويزيل‌ ذلك‌ الاثر من‌ المحبّة‌ الذي‌ تزامن‌ مع‌ هذا التجلّي‌ واللسان‌ ورافقهما كلّ حُكم‌ امتيازي‌ّ فيما بين‌ الوجود المضاف‌ إلی النفس‌ والقوي‌ والمدارك‌ الباقية‌ فيه‌، ويُظهر بدلاً من‌ ذلك‌ حكم‌ عوامل‌ الاتّحاد.

 فينكشف‌ حينئذٍ هذا المعني‌ لهذا السائر المحبّ، في‌ الحقيقة‌، بظهور حكم‌ المحبّة‌ الذي‌ هو إزالة‌ للاحكام‌ الامتيازيّة‌ للنسب‌ والإضافات‌ أنّ هذا الوجود الواحد الذي‌ كان‌ سمعه‌ وبصره‌ ولسانه‌ ويده‌ ورِجله‌ حتّي‌ هذه‌ اللحظة‌، وأ نّه‌ لم‌ يكن‌ يسمع‌ إلاّ بنور الوجود الواحد الحقّ، ولم‌ يكن‌ ليري‌ ولا لينطق‌ ولا يبطش‌ ولا يسير إلاّ به‌.

 وقد كان‌ محجوباً عن‌ هذا العلم‌ حتّي‌ الآن‌ بسبب‌ تقيّده‌ بأحكام‌ تلك‌ النسب‌ والإضافات‌ التي‌ هي‌ أحكام‌ امتيازيّة‌، فارتفعت‌ الحجب‌ والموانع‌ بسبب‌ حقيقة‌ المحبّة‌ التي‌ أزالت‌ تلك‌ القيود، وانكشفت‌ حقيقة‌ هذا العمل‌ ساطعة‌ وضّاءة‌.

 وهذا هو معني‌ قوله‌: وَلاَ يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَی بِالنَّوَافِلِ حَتَّي‌ أُحِبَّهُ؛ فَإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ وَيَدَهُ الحديث‌.

 وإذن‌، ففي‌ هذا الحديث‌ الصحيح‌ دلالة‌ صريحة‌ علی صحّة‌ وثبوت‌ ما ادّعيته‌ في‌ التوحيد؛ وَاللَهُ المُلْهِمُ لِلصَّوَابِ. [4]

 الرجوع الي الفهرس

أشعار المغربي‌ّ والحكيم‌ السبزواري‌ّ في‌ حقيقة‌ الفَناء في‌ وجود الحقّ

 وعلي‌ أساس‌ فناء الصفات‌ واندكاك‌ عالم‌ الوجود في‌ عالم‌ الحقّ، يصرّح‌ العارف‌ الجليل‌ المغربي‌ّ بقوله‌:

 ديده‌اي‌ وام‌ كنم‌ از تو، به‌ رويت‌ نگرم‌             زانكه‌ شايستة‌ ديدار تو نبود نظرم‌

 چون‌ ترا هر نفسي‌ جلوه‌ به‌ حُسني‌ دگر است‌                      هر نفس‌ زان‌ نگران‌ در تو به‌ چشمي‌ دگرم‌

 توئي‌ از منظر چشمم‌ نگران‌ بر رخ‌ خويش‌                 كه‌ توئي‌ مردمك‌ ديده‌ و نور بصرم‌ [5]

 هر كه‌ بي‌رسم‌ و اثر گشت‌ به‌ كويش‌ پي‌برد              من‌ بي‌رسم‌ و اثر ناشده‌، پي‌ مي‌نبرم‌

 تا زمن‌ هست‌ اثر، از تو نيابم‌ اثري‌               كاشكي‌ در دو جهان‌ هيچ‌ نبودي‌ اثرم‌

 نتوانم‌ به‌ سر كوي‌ تو كردن‌ پرواز                  تا ز اقبال‌ تو حاصل‌ نبود بال‌ و پرم‌

 بوي‌ جانبخش‌ تو همراه‌ نسيم‌ سحر است                ‌ زان‌ سبب‌ مردة‌ انفاس‌ نسيم‌ سحرم‌

 يار هنگام‌ سحر بر دل‌ ما كرد گذر                 گفت‌ چون‌ جلوه‌كنان‌ بر دل‌ تو مي‌گذرم‌

 مغربي‌ آينة‌ دل‌ ز غبار دو جهان                  ‌ پاك‌ بزْداي‌ كه‌ پيوسته‌ در او مي‌نگرم‌[6]

 ونظم‌ الحكيم‌ الجليل‌ الحاجّ ملاّ هادي‌ السبزواري‌ّ شعراً قال‌ فيه‌:

 اي‌ به‌ ره‌ جستجوي‌، نعره‌ زنان‌ دوست‌ دوست‌                        گر به‌ حرم‌ ور به‌ دير، كيست‌ جز او، اوست‌ اوست‌

 پرده‌ ندارد جمال‌ غير صفات‌ جلال‌                نيست‌ بر اين‌ رخ‌ نقاب‌، نيست‌ بر اين‌ مغز پوست‌

 جامه‌ دران‌ گل‌ از آن‌ نعره‌ زنان‌ بلبلان‌                        غنچه‌ بپيچد به‌ خود، خون‌ به‌ دلش‌ تو به‌ توست‌

 دم‌ چو فرو رفت‌ هاست‌، هوست‌ چو بيرون‌ رود                       يعني‌ از او در همه‌ هر نفسي‌ هاي‌ و هوست‌

 يار به‌ كوي‌ دل‌ است‌، كوي‌ چو سرگشته‌ گوي‌                        بحر به‌ جوي‌ است‌ و جوي‌ اين‌ همه‌ در جستجوست‌

 با همه‌ پنهانيش‌ هست‌ در اعيان‌ عِيان‌                    با همه‌ بي‌رنگيش‌ در همه‌ ز او رنگ‌ و بوست‌ [7]

 يار در اين‌ انجمن‌ يوسف‌ سيمين‌ بدن                      ‌ آينه‌خانه‌ جهان‌، او به‌ همه‌ رو به‌ روست‌

 پرده‌ حجازي‌ بساز يا به‌ عراقي‌ نواز              غير يكي‌ نيست‌ راز؛ مختلف‌ از گفتگوست‌

 مخزن‌ اسرارِ اوست‌ سرّ سويداي‌ دل‌                        در پيَش‌ اسرار باز در به‌ در و كو به‌ كوست‌ [8]

 روي‌ آية‌ الله‌ المرحوم‌ الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكي‌ّ التبريزي‌ّ هذا الحديث‌ علی صورتَيْن‌. فقد قال‌: فَلَوْ كَانَ العَمَلُ عَمَلاً فَلاَبُدَّ أَنْ يُثْمِرَ نُوراً وَمَعْرِفَةً فِي‌ القَلْبِ. فَلاَ يَزَالُ يَزْدَادُ نُورُهُ حَتَّي‌ يَكُونَ مَحْسُوساً لِكُلِّ أَحَدٍ. أَمَا سَمِعْتَ مَا فِي‌ الحَدِيثِ القُدْسِي‌ِّ:

 لاَ يَزَالُ يَتَقَرَّبُ العَبْدُ إلَی بِالنَّوَافِلِ حَتَّي‌ أَجْعَلَهُ مِثْلِي‌ إلی آخره‌.

 وَلاَ يَزَالُ يَتَقَرَّبُ العَبْدُ إلَی بِالنَّوَافِلِ حَتَّي‌ أُحِبَّهُ وَكُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي‌ يَسْمَعُ بِهِ إلی آخره‌. [9]

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ كلام‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ «حَتَّي‌ سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا»

 ويصف‌ المحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ سماع‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ كلامه‌ هو كلام‌ الله‌ وبإذن‌ الله‌ بما يلي‌:

 وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَ نَّهُ سُئِلَ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ فِي‌ الصَّلاَةِ حَتَّي‌ خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا أَفَاقَ قِيلَ لَهُ فِي‌ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا زِلْتُ أُرَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ عَلَی قَلْبِي‌ حَتَّي‌ سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا، فَلَمْ يَثْبُتْ جِسْمِي‌ لِمُعَايَنَةِ قُدْرَتِهِ. [10]

 ويقول‌ المحقّق‌ الفيض‌ أيضاً في‌ هذا الكتاب‌ [11]: « وقد أخبر جعفر بن‌ محمّد الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ أعلي‌ درجات‌ هذه‌ الحالة‌ بقوله‌: وَاللَهِ لَقَدْ تَجَلَّي‌ اللَهُ لِخَلْقِهِ فِي‌ كَلاَمِهِ وَلَكِنْ لاَ يُبْصِرُونَ. [12] وبعدها بصفحة‌ واحدة‌ يورد الفيض‌ هنا نفس‌ الرواية‌ السابقة‌ التي‌ نقلها في‌ « أسرار الصلاة‌ ».

 يقول‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ رحمه‌ الله‌ في‌ كتاب‌ « فلاح‌ السائل‌ » [13]: فَقَدْ رُوِي‌َ أَنَّ مَوْلاَنَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ ] عَلَيْهِ السَّلاَمُ [ كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ فِي‌ صَلاَتِهِ، فَغُشِي‌َ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَفَاقَ سُئِلَ: مَا الَّذِي‌ أَوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُكَ إلَيْهِ؟ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ أُكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حَتَّي‌ بَلَغْتُ إلَی حَالٍ كَأَ نَّنِي‌ سَمِعْتُ مُشَافَهَةً مِمَّنْ أَنْزَلَهَا، عَلَی المُكَاشَفَةِ وَالعِيَانِ، فَلَمْ تَقُمِ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَاشَفَةِ الجَلاَلَةِ الإلَهِيَّةِ.

 وبعدها يقول‌ السيّد في‌ توضيحه‌: « أنت‌ الذي‌ لا تعرف‌ حقيقة‌ هذا الامر، إيّاك‌ وأن‌ تستبعد ذلك‌، أو يوسوس‌ الشيطان‌ لك‌ فيجعلك‌ تشكّ أو تتردّد في‌ قبول‌ هذا الذي‌ نرويه‌ لك‌. فعليك‌ أن‌ تؤمن‌ بذلك‌، أفلم‌ تسمع‌ بقول‌ الباري‌ جلَّ جلاله‌: فَلَمَّا تَجَلَّي‌' رَبُّهُ و لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ و دَكًّا وَخَرَّ مُوسَي‌' صَعِقًا».

 ويحكي‌ آية‌ الله‌ الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكي‌ّ التبريزي‌ّ في‌ رسالة‌ « لقاء الله‌ » [14] وكذلك‌ في‌ كتاب‌ « أسرار الصلاة‌ »[15] نفس‌ عبارة‌ السيّد في‌ « فلاح‌ السائل‌ »، ويقول‌ في‌ ص‌ 212 من‌ هذه‌ الطبعة‌ ( وفي‌ ص‌ 93 من‌ الطبعة‌ القديمة‌ ): « والارتقاء هو أن‌ تسمو به‌ القراءة‌ صعوداً حتّي‌ يصل‌ إلی الحالة‌ التي‌ يسمع‌ بها كلام‌ الله‌ كما رأيت‌ في‌ قراءة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الجملة‌ التي‌ يقول‌ فيها: حَتَّي‌ سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا».

 وفي‌ ص‌ 242 من‌ هذه‌ الطبعة‌ ( ص‌ 107 من‌ الطبعة‌ القديمة‌ ) يقول‌: وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِي‌َ مِنْ غَشْوَةِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ تَكْرَارِ «مَـ'لِكِ يَوْمِ الدِّينِ»؛ وما روي‌ عن‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌: إذَا قَرَأَهُ، يُكَرِّرُهُ حَتَّي‌ يَكَادُ أَنْ يَمُوتَ».

 الرجوع الي الفهرس

الطرق‌ العديدة‌ عن‌ الخاصّة‌ والعامّة‌ للخبر الصادقي‌ّ: «مَا زِلْتُ...»

 يروي‌ المجلسي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ « بحار الانوار » [16] عن‌ « فلاح‌ السائل‌ »: « قال‌ صاحب‌ كتاب‌ « زهرة‌ المهج‌ وتواريخ‌ الحجج‌ » بسنده‌ عن‌ الحسن‌ بن‌ محبوب‌، عن‌ عبد العزيز العبدي‌، عن‌ ابن‌ أبي‌ يعفور أ نّه‌ قال‌: قَالَ مَوْلاَنَا الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَانَ علی بْنُ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ إذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ وَاصْفَرَّ لَوْنُهُ وَارْتَعَدَ كَالسَّعَفَةِ»[17].

 وبنفس‌ المعني‌ يروي‌ الكليني‌ّ أنّ مولانا زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌ كَانَ إذَا قَالَ: «مَـ'لِكِ يَوْمِ الدِّينِ»، يُكَرِّرُهَا فِي‌ قِرَاءَتِهِ حَتَّي‌ كَانَ يَظُّنُّ مَنْ يَرَاهُ أَ نَّهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَی مَمَاتِهِ. [18]

 وَرُوِي‌َ أَنَّ مَوْلاَنَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ فِي‌ صَلاَتِهِ فَغُشِي‌َ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أَفَاقَ سُئِلَ مَا الَّذِي‌ أَوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُهُ إلَيْهِ، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ أُكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حَتَّي‌ بَلَغْتُ إلَی حَالٍ كَأَ نَّنِي‌ سَمِعْتُهَا مُشَافَهَةً مِمَّنْ أَنْزَلَهَا»[19]. انتهت‌ رواية‌ المجلسي‌ّ رحمه‌ الله‌.

 ويروي‌ الكليني‌ّ في‌ « أُصول‌ الكافي‌ » [20] عن‌ علی بن‌ إبراهيم‌، بإسناده‌ عن‌ الزُّهري‌ّ قال‌: «قَالَ علی بْنُ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ القُرْآنُ مَعِي‌. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إذَا قَرَأَ «مَـ'لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» يُكَرِّرُهَا حَتَّي‌ كَادَ أَنْ يَمُوتَ.

 يقول‌ الملاّ عبد الرزّاق‌ الكاشاني‌ّ في‌ كتاب‌ « الاصطلاحات‌ » علی هامش‌ « شرح‌ منازل‌ السائرين‌ » في‌ « مائة‌ باب‌ » للخواجة‌ عبد الله‌ الانصاري‌ّ: المُطَّلَعُ هُوَ مَقامُ شُهُودِ المُتَكَلِّمِ عِنْدَ تِلاَوَةِ آيَاتِ كَلاَمِهِ مُتَجَلِّياً بِالصِّفَةِ الَّتي‌ هِي‌َ مَصْدَرُ تِلْكَ الآيَةِ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ ] عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ [: لَقَدْ تَجَلَّي‌ اللَهُ لِعِبَادِهِ فِي‌ كَلاَمِهِ وَلَكنْ لاَ يُبْصِرُونَ. وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي‌ الصَّلاَةِ فَخَّرَ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: مَا زِلْتُ أُكَرِّرُهَا حَتَّي‌ سَمِعْتُ مِنْ قَائِلِهَا.

 قالَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ شِهَابُ الدِّينِ قَدَّسَ اللَهُ سِرَّهُ: كَانَ لِسَانُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي‌ ذَلِكَ الوَقْتِ كَشَجَرةِ مُوسَي‌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ نِدَائِهِ مِنْهَا بِأَ نِّي‌ أَنَا اللَهُ. وَلَعَمْرِي‌ أَنَّ المُطَّلَعَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَقَامُ شُهُودِ الحَقِّ فِي‌ كُلِّ شَي‌ءٍ مُتَجَلِّياً بِصِفَاتِهِ الَّتِي‌ ذَلِكَ الشَّي‌ءُ مَظْهَرُهَا؛ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ فِي‌ الحَدِيثِ النَّبَوِي‌ِّ ] صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ [: «مَا مِنْ آيَةٍ إلاَّ وَلَهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ، وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» خَصُّوهُ بِذَلِكَ.[21]

 يقول‌ الغزّالي‌ّ في‌ « إحياء العلوم‌ » [22]: وأخبر جعفر بن‌ محمّد الصادق‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ عن‌ عظمة‌ قراءة‌ القرآن‌ قَالَ: وَاللَهِ لَقَدْ تَجَلَّي‌ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِخَلْقِهِ فِي‌ كَلاَمِهِ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُبصِرُونَ. وَقَالَ أَيْضاً وَقَدْ سَأَلُوهُ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ فِي‌ الصَّلاَةِ حتّي‌ آخر الرواية‌ المروية‌ في‌ « فلاح‌ السائل‌ » وعندها يقول‌: « وعليه‌ ففي‌ مثل‌ هذه‌ الدرجة‌، تزداد حلاوة‌ القراءة‌ ولذّة‌ المناجاة‌ حتّي‌ يقول‌ أحد الحكماء: لقد اعتدتُ علی قراءة‌ القرآن‌ ولكن‌ بدون‌ أن‌ أشعر بحلاوة‌ ذلك‌، حتّي‌ صرتُ أقرأه‌ بشكلٍ وكأ نّي‌ أسمعهُ بصورة‌ مباشرة‌ من‌ لسان‌ النبي‌ّ وهو يتلوه‌ علی أصحابه‌. وبعد ذلك‌، ارتقيتُ مرتبة‌ أعلي‌، وذلك‌ بقراءته‌ بشكل‌ يجعلني‌ وكأ نّي‌ أسمعُ جبرائيل‌ عليه‌ السلام‌ وهو يلقيه‌ علی النبي‌ّ، وبعدها أكون‌ في‌ حالة‌ وكأ نّي‌ أسمعهُ من‌ الناطق‌ بالقرآن‌ نفسه‌. وهنا، أشعرُ بلذّة‌ ونعيم‌ لا أقوي‌ عليهما ولا أتملّك‌ نفسي‌ » انتهي‌ كلام‌ الغزّالي‌ّ.

 يقول‌ مؤلّف‌ « كشف‌ الغايات‌ في‌ شرح‌ ما اكتنفت‌ عليه‌ التجلّيات‌ » [23] وهو شرح‌ علی كتاب‌ « التجلّيات‌ الإلهيّة‌ » لمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌: كَانَ الإمام جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ ـ رَضِي‌َ اللَهُ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي‌ الصَّلاَةِ، فَخَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِلْتُ أُكَرِّرُ آيَةً حَتَّي‌ سَمِعْتُ مِنْ قَائِلِهَا، فَكَانَ بِي‌ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ. ( عن‌ « عوارف‌ المعارف‌ » للسهروردي‌ّ و « إحياء العلوم‌ »).

 يقول‌ الحكيم‌ السبزواري‌ّ في‌ « ديوان‌ أسرار » [24]:

 شورش‌ عشق‌ تو در هيچ‌ سري‌ نيست‌ كه‌ نيست                  ‌ منـظـر روي‌ تـو زيـب‌ بصـري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 نيست‌ يك‌ مرغ‌ دلي‌، كش‌ نفكندي‌ به‌ قفس‌              تـيـر بـيـداد تـو تا پـر به‌ پـري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 ز فغانم‌ ز فراق‌ رخ‌ و زلفت‌ به‌ فغان‌               سگ‌ كويت‌ همه‌ شب‌ تا سحري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 نه‌ همين‌ از غم‌ او سينة‌ ما صد چاك‌ است                ‌ داغ‌ او لاله‌ صـفـت‌ بر جگـري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌ [25]

 موسئي‌ نيست‌ كه‌ دعويّ أنا الحقّ شنود                 ور نه‌ اين‌ زمـزمه‌ اندر شجـري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 چشم‌ ما ديدة‌ خفّاش‌ بود ور نه‌ ترا              پـرتـو حســن‌ به‌ ديـوار و دري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌

 گوش‌ اسرار شنو نيست‌ وگر نه‌ اسرار                     برش‌ از عالم‌ معني‌ خبري‌ نيست‌ كه‌ نيست‌ [26]

 الرجوع الي الفهرس

 

البحثان‌ الحادي‌ عشر والثاني‌ عشر:

 الله‌ في‌ كلّ مكان‌، افتح‌ عينيك‌ وحدِّق‌

 

أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم‌

وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ

وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلي‌ِّ العَظِيمِ

 

 قَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي‌ كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

 مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [27]

 والآيات‌ السابقة‌ لها هي‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ

 ال´م‌´ * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَن‌ يُتْرَكُو´ا أَن‌ يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـ'ذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَاتِ أَن‌ يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ.

 أمّا الآيات‌ اللاحقة‌ لها فهي‌:

 وَمَن‌ جَـ'هَدَ فَإِنَّمَا يُجَـ'هِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَـ'لَمِينَ * وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي‌ كَانُوا يَعْمَلُونَ.

 في‌ الآية‌، موضوع‌ البحث‌، يعد الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌ شأنه‌، المشتاقين‌ إلی رؤيته‌ صراحةً بلقائه‌ وزيارته‌، وينبّه‌ إلی أنّ الامر لا ينتهي‌ بمجرّد قول‌ الشهادتين‌ والإيمان‌ باللسان‌، بل‌ إنّ المؤمنين‌ أمامهم‌ امتحانات‌ عديدة‌ عليهم‌ اجتيازها، وبدون‌ الاختبار، ووضع‌ المتفوّهين‌ بالشهادتين‌ والإيمان‌ باللسان‌ علی محكّ التجربة‌، يستحيل‌ علی أحد الصعود إلی درجات‌ النعيم‌ والفوز بالجنان‌ ولقاء جمال‌ الواهب‌ المنّان‌، وهي‌ سنّة‌ سنيّة‌، ودأب‌ قديم‌ للّه‌ في‌ إخضاع‌ كلّ الاُمم‌ والاقوام‌ للامتحان‌، حتّي‌ يتبيّن‌ المؤمن‌ الصادق‌ من‌ المدّعي‌ الكاذب‌.

 ولقد ساء ما يعتقد به‌ البعض‌ وضلّ ضلالاً كبيراً، أ نّه‌ بارتكاب‌ القبائح‌ والمعاصي‌ يسبقون‌ إرادة‌ الله‌ واختياره‌ وقدره‌ وقضائه‌، بل‌ سيندحرون‌، وسيتبيّن‌ لهم‌ أ نّهم‌ توهّموا كونهم‌ أحراراً غير مقيّدين‌ في‌ ارتكابهم‌ تلك‌ الاعمال‌ في‌ عالم‌ الكون‌ والامر والخلق‌ والإيجاد، ساء ما يعتقدون‌ به‌ ويظنّون‌، حيث‌ لم‌ يعقلوا أنّ استباقهم‌ لامر الله‌ وتأخّرهم‌ عنه‌، هو أمر إلهي‌ّ محيط‌ بهم‌، وأ نّهم‌ بطريقة‌ تفكيرهم‌ هذه‌ إنّما يضعون‌ أنفسهم‌ في‌ قبضة‌ إرادة‌ الله‌ القاهرة‌ ومشيئته‌ الغالبة‌.

 وأمّا الذين‌ يتُوقون‌ إلی رؤية‌ الله‌ ولقائه‌، فستتحقّق‌ لهم‌ أُمنيتهم‌ تلك‌، ولن‌ يخيب‌ أملهم‌ أو تحبط‌ مساعيهم‌؛ وسيحين‌ موعد اللقاء، وتطوي‌ صفحة‌ البُعد والهجران‌، فالله‌ الواحد العالم‌ بالخلق‌ والسميع‌ بهم‌؛ علی علمٍ تامّ بتلك‌ الاُمنية‌، وسيكشف‌ النقاب‌ عن‌ وجهه‌ المشرق‌، وسيُلقّي‌ السالك‌ جائزته‌ لقاء سعيه‌ واجتهاده‌ الحثيث‌ في‌ سبيل‌ لقاء الله‌ ورؤيته‌.

 إنّ اجتهاد الناس‌ ورغبتهم‌ في‌ لقاء الله‌، لا ينفع‌ الله‌ في‌ شي‌ء، لا نّه‌ غني‌ّ عن‌ العالمينَ، وإنّ مردود وثواب‌ اجتهاد وسعي‌ الإنسان‌ المجاهد والساعي‌ والسالك‌، إنّما هو عائد له‌.

 إنّ الذين‌ آمنوا بالله‌ لا بلسانهم‌ بل‌ بأعماق‌ قلوبهم‌، وأعقبوا ذلك‌ أعمالاً صالحة‌ تُرضِي‌ الله‌ المحبوب‌ الازلي‌ّ، الذين‌ تجيش‌ في‌ نفوسهم‌ فكرة‌ لقاء الله‌، فلا جرم‌ أنّ الله‌ سبحانه‌ سيغفر ما تقدّم‌ من‌ ذنوب‌ هؤلاء المحبّين‌ الصادقين‌ ويثيبهم‌ علی صالح‌ أعمالهم‌.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير «الميزان‌» لآية‌: مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ

تفسير أيات‌ أوائل‌ سورة‌ العنكبوت‌ في‌ امتحان‌ المؤمنين‌ ورجاء لقاء الله‌

 قال‌ جناب‌ أُسـتاذنا الاعظـم‌ المفسّـر الاكبر: العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ تربته‌ المنيفة‌ في‌تفسير هذه‌ الآيات‌:

 « يلوح‌ من‌ سياق‌ آيات‌ السورة‌ وخاصّة‌ ما في‌ صدرها من‌ الآيات‌ أنّ بعضاً ممّن‌ آمن‌ بالنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بمكّة‌ قبل‌ الهجرة‌ رجع‌ عنه‌ خوفاً من‌ فتنة‌ كانت‌ تهدّده‌ من‌ قِبَل‌ المشركين‌، فإنّ المشركين‌ كانوا يدعونهم‌ إلی العود إلی ملّتهم‌ ويضمنون‌ لهم‌ أن‌ يحملوا خطاياهم‌ إن‌ اتّبعوا سبيلهم‌ فإن‌ أبوا فتنوهم‌ وعذّبوهم‌ ليعيدوهم‌ إلی ملّتهم‌.

 يشير إلی ذلك‌ قوله‌ تعالي‌: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـ'يَـ'كُمْ ـ الآية‌. [28]

 وقوله‌: وَمِنَ النَّاسِ مَن‌ يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي‌ اللَهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَهِ ـ الآية‌. [29]

 وكأنّ في‌ هؤلاء الراجعين‌ عن‌ إيمانهم‌ من‌ كان‌ رجوعه‌ بمجاهدة‌ من‌ والديه‌ علی أن‌ يرجع‌ وإلحاح‌ منهما عليه‌ في‌ الارتداد كبعض‌ أبناء المشركين‌ علی ما يستشمّ من‌ قوله‌ تعالي‌: وَوَصَّيْنَا الإنسَـ'نَ بِوَ لِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن‌ جَـ'هَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي‌ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا الآية‌ [30]، وقد نزلت‌ السورة‌ في‌ شأن‌ هؤلاء.

 فغرض‌ السورة‌ علی ما يستفاد من‌ بدئها وختامها والسياق‌ الجاري‌ فيها أنّ الذي‌ يريده‌ الله‌ سبحانه‌ من‌ الإيمان‌ ليس‌ هو مجرّد قولهم‌: ءَامَنَّا بِاللَهِ، بل‌ هو حقيقة‌ الإيمان‌ التي‌ لا تحرّكها عواصف‌ الفتن‌ ولا تغيّرها غِيَر الزمن‌، وهي‌ إنما تتثبّت‌ وتستقرّ بتوارد الفتن‌ وتراكم‌ المحن‌.

 فالناس‌ غير متروكين‌ بمجرّد أن‌ يقولوا: ءَامَنَّا بِاللَهِ دون‌ أن‌ يُفتنوا ويمتحنوا فيظهر ما في‌ نفوسهم‌ من‌ حقيقة‌ الإيمان‌ أو وصمة‌ الكفر فليعلمنّ الله‌ الذين‌ صدقوا ويعلم‌ الكاذبين‌.

 فالفتنة‌ والمحنة‌ سُنّة‌ إلهيّة‌ لا معدّل‌ عنها تجري‌ في‌ الناس‌ الحاضرين‌ كما جرت‌ في‌ الاُمم‌ الماضين‌ كقوم‌ نوح‌ وعاد وثمود وقوم‌ إبراهيم‌ ولوط‌ وشعيب‌ وموسي‌ فاستقام‌ منهم‌ من‌ استقام‌ وهلك‌ من‌ هلك‌. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَهُ وَلَـ'كِن‌ كَانُو´ا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.[31]

 فعلي‌ من‌ يقول‌: ءَامَنْتُ بِاللَهِ أن‌ يصبر علی ايمانه‌ ويعبد الله‌ وحده‌ فإن‌ تعذّر عليه‌ القيام‌ بوظائف‌ الدين‌ فليهاجر إلی أرض‌ يستطيع‌ فيها ذلك‌ فأرض‌ الله‌ واسعة‌ ولا يَخَفْ عسر المعاش‌ فإنّ الرزق‌ علی الله‌.

 وَكَأَيِّن‌ مِّن‌ دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ. [32]

 وأمّا المشركون‌ الذين‌ يفتنون‌ المؤمنين‌ من‌ غير جرم‌ أجرموه‌ إلاّ أن‌ يقولوا: رَبُّنَا اللَهُ فلا يحسبوا أ نّهم‌ يُعجزون‌ الله‌ ويسبقونه‌، فأمّا فتنتهم‌ للمؤمنين‌ وإيذاؤهم‌ وتعذيبهم‌ فإنّما هي‌ فتنة‌ لهم‌ وللمؤمنين‌ غير خارجة‌ عن‌ علم‌ الله‌ وتقديره‌، فهي‌ فتنة‌ وهي‌ محفوظة‌ عليهم‌ إن‌ شاء أخذهم‌ بوبالها في‌ الدنيا وإن‌ شاء أخّرهم‌ إلی يوم‌ يُرجعون‌ فيه‌ إليه‌، وما لهم‌ من‌ محيص‌.

 وأمّا ما لفّقوه‌ من‌ الحجّة‌ وركنوا إليه‌ من‌ باطل‌ القول‌ فهو داحض‌ مردود إليهم‌ والحجّة‌ قائمة‌ تامّة‌ عليهم‌.

 ثمّ يصل‌ سماحة‌ الاُستاذ إلی تفسير الآية‌ الثانية‌ فيقول‌:

 قوله‌ تعالي‌: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَـ'ذِبِينَ.

 اللامان‌ للقسم‌، وقوله‌: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ حال‌ من‌ الناس‌ في‌ قوله‌: أَحَسِبَ النَّاسُ، أو من‌ ضمير الجمع‌ في‌ قوله‌: لاَ يُفْتَنُونُ. وعلي‌ الاوّل‌ فالإنكار والتوبيخ‌ متوجّه‌ إلی ظنّهم‌ أ نّهم‌ لا يفتنون‌ مع‌ جريان‌ السنّة‌ الإلهيّة‌ علی الفتنة‌ والامتحان‌، وعلي‌ الثاني‌ إلی ظنّهم‌ الاختلاف‌ في‌ فعله‌ تعالي‌ حيث‌ يفتن‌ قوماً ولا يفتن‌ آخرين‌، ولعلّ الوجه‌ الاوّل‌ أوفق‌ للسياق‌.

 فالظاهر أنّ المراد بقوله‌: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِهِمْ أنّ الفتنة‌ والامتحان‌ سنّة‌ جارية‌ لنا وقد جرت‌ في‌ الذين‌ من‌ قبلهم‌ وهي‌ جارية‌ وَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَهِ تَبْدِيلاً. [33]

 وقوله‌: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ الَّذِينَ صَدَقُوا إلی آخر الآية‌، تعليل‌ لما قبله‌، والمراد بعلمه‌ تعالي‌ بالذين‌ صدقوا ] و [ بالكاذبين‌ ظهور آثار صدقهم‌ وكذبهم‌ في‌ مقام‌ العمل‌ بسبب‌ الفتنة‌ والامتحان‌ الملازم‌ لثبوت‌ الإيمان‌ في‌ قلوبهم‌ حقيقة‌ وعدم‌ ثبوته‌ فيها حقيقة‌ فإنّ السعادة‌ التي‌ تترتّب‌ الإيمان‌ المدعو إليه‌ وكذا الثواب‌ إنما تترتّب‌ علی حقيقة‌ الإيمان‌ الذي‌ له‌ آثار ظاهرة‌ من‌ الصبر عند المكاره‌ والصبر علی طاعة‌ الله‌ والصبر عن‌ معصية‌ الله‌ لا علی دعوي‌ الإيمان‌ المجرّدة‌.

 ويمكن‌ أن‌ يكون‌ المراد بالعلم‌ علمه‌ تعالي‌ الفعلي‌ّ الذي‌ هو نفس‌ الامر الخارجي‌ّ، فإنّ الاُمور الخارجيّة‌ بنفسها من‌ مراتب‌ علمه‌ تعالي‌، وأمّا علمه‌ تعالي‌ الذاتي‌ّ فلا يتوقّف‌ علی الامتحان‌ البتّة‌.

 والمعني‌: أحَسِبُوا أن‌ يتركوا ولا يُفتنوا بمجرّد دعوي‌ الإيمان‌ وإظهاره‌، والحال‌ أنّ الفتنة‌ سنّتنا وقد جرت‌ في‌ الذين‌ من‌ قبلهم‌، فمن‌ الواجب‌ أن‌ يتميّز الصادقون‌ من‌ الكاذبين‌ بظهور آثار صدق‌ هؤلاء وآثار كذب‌ أُولئك‌، الملازم‌ لاستقرار الإيمان‌ في‌ قلوب‌ هؤلاء وزوال‌ صورته‌ الكاذبة‌ عن‌ قلوب‌ أُولئك‌.

 والالتفات‌ في‌ قوله‌ «فليعلمنّ الله‌» إلی اسم‌ الجلالة‌ قيل‌: للتهويل‌ وتربية‌ المهابة‌، والظاهر أ نّه‌ في‌ أمثال‌ المقام‌ لإفادة‌ نوعٍ من‌ التعليل‌.

 وذلك‌ أنّ الدعوة‌ إلی الإيمان‌ والهداية‌ إليه‌ والثواب‌ عليه‌ لمّا كانت‌ راجعة‌ إلی المسمّي‌ بالله‌ الذي‌ (مِنْهُ يَبْدَأُ كُلُّ شَي‌ءٍ، وَبِهِ يَقومُ كُلُّ شَي‌ءٍ، وَإلَيْهِ يَنْتَهي‌ كُلُّ شَي‌ءٍ بِحَقيقَتِهِ.) فمن‌ الواجب‌ أن‌ يتميّز عنده‌ حقيقة‌ الإيمان‌ من‌ دعواه‌ الخالية‌، ويخرج‌ عن‌ حال‌ الإبهام‌ إلی حال‌ الصراحة‌، ولذلك‌ عدل‌ عن‌ مثل‌ قولنا: فَلَنَعْلَمَنَّ، إلی قوله‌: فَلَيَعْلَمَنَّ اللَهُ.

 الرجوع الي الفهرس

المراد بـ «الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَاتِ» هم‌ المشركون‌ الذين‌...

 قوله‌ تعالي‌: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَاتِ أَن‌ يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ.

 «أَمْ» منقطعة‌، والمراد بقوله‌: الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّـَاتِ المشركون‌ الذين‌ كانوا يفتنون‌ المؤمنين‌ ويصدّونهم‌ عن‌ سبيل‌ الله‌، كما أنّ المراد بالناس‌ في‌ قوله‌: أَحَسِبَ النَّاسُ هم‌ الذين‌ قالوا: ءَامَنَّا، وهم‌ في‌ معرض‌ الرجوع‌ عن‌ الإيمان‌ خوفاً من‌ الفتنة‌ والتعذيب‌.

 والمراد بقوله‌: أَن‌ يَسْبِقُونَا، الغلبة‌ والتعجيز بسبب‌ فتنة‌ المؤمنين‌ وصدّهم‌ عن‌ سبيل‌ الله‌، علی ما يعطيه‌ السياق‌.

 وقوله‌: سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ، تخطئة‌ لظنّهم‌ أ نّهم‌ يسبقون‌ الله‌ بما يمكرون‌ من‌ فتنة‌ وصدّ، فإنّ ذلك‌ بعينه‌ فتنة‌ من‌ الله‌ لهم‌ أنفسهم‌ وصدّ لهم‌ عن‌ سبيل‌ السعادة‌؛ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّي‌ُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ. [34]

 ثمّ يصل‌ العلاّمة‌ بعد بيان‌ موجز إلی هذه‌ الآية‌، فيقول‌ في‌ تفسيرها وتفسير الآيتينِ اللتين‌ تعقبانها:

 « قوله‌ تعالي‌: مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. إلی تمام‌ ثلاث‌ آيات‌. لما وبّخ‌ سبحانه‌ الناس‌ علی استهانتهم‌ بأمر الإيمان‌ ورجوعهم‌ عنه‌ بأي‌ّ فتنة‌ وإيذاء من‌ المشركين‌ ووبّخ‌ المشركين‌ علی فتنتهم‌ وإيذائهم‌ المؤمنين‌ وصدّهم‌ عن‌ سبيل‌ الله‌ إرادة‌ لإطفاء نور الله‌ وتعجيزاً له‌ فيما شاء وخطأ الفريقين‌ فيما ظنّوا. رجع‌ إلی بيان‌ الحقّ الذي‌ لا معدّل‌ عنه‌ والواجب‌ الذي‌ لا مخلص‌ منه‌، فبيّن‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ الثلاث‌ أنّ من‌ يؤمن‌ بالله‌ لتوقّع‌ الرجوع‌ إليه‌ ولقائه‌، فليعلم‌ أ نّه‌ آتٍ لا محالة‌ وأنّ الله‌ سميع‌ لاقواله‌ عليم‌ بأحواله‌ وأعماله‌، فليأخذ حذره‌ وليؤمن‌ حقّ الإيمان‌ الذي‌ لا يصرفه‌ عنه‌ فتنة‌ ولا إيذاء وليجاهد في‌ الله‌ حقّ جهاده‌، وليعلم‌ أنّ الذي‌ ينتفع‌ بجهاده‌ هو نفسه‌ ولا حاجة‌ للّه‌ سبحانه‌ إلی إيمانه‌ ولا إلی غيره‌ من‌ العالمينَ، وليعلم‌ أ نّه‌ إن‌ آمن‌ وعمل‌ صالحاً فإنّ الله‌ سيكفّر عنه‌ سيئاته‌ ويجزيه‌ بأحسن‌ أعماله‌.

 والعلمان‌ الاخيران‌ يؤكّدان‌ العلم‌ الاوّل‌ ويستوجبان‌ لزومه‌ الإيمان‌ وصبره‌ علی الفتن‌ والمحن‌ في‌ جنب‌ الله‌.

 فقوله‌: مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ، رجوع‌ إلی بيان‌ حال‌ مَن‌ يقول‌: آمنت‌ فإنّه‌ إنّما يؤمن‌ لو صدق‌ بعض‌ الصدق‌ لتوقّعه‌ الرجوع‌ إلی الله‌ سبحانه‌ يوم‌ القيامة‌، إذ لولا المعاد لَلُغِي‌ الدين‌ من‌ أصله‌، فالمراد بقوله‌: مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ: مَنْ كانَ يُوْمِنُ بِاللَهِ؛ أو من‌ كان‌ يقول‌: آمَنْتُ بِاللَهِ. فالجملة‌ من‌ قبيل‌ وضع‌ السبب‌ موضع‌ المسبّب‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

إرجاعات


[1] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 142، الطبعة‌ الاُولي‌، 1372 ه؛ وطبعة‌ بيروت‌ 1382 ه؛ «نظم‌ السلوك‌» البيت‌ 719 إلی 726؛ وقد ورد البيت‌ الخامس‌ في‌ كِلا النسختين‌ هكذا: أجدي‌ وسيلةٍ. وفي‌ الشرح‌ العربي‌ّ للفرغاني‌ّ في‌ ج‌ 2، ص‌ 201: أجدي‌ وسيلتي‌ وهو الصحيح‌.

[2] ـ عن‌ «مشارق‌ الدراري‌» المشروح‌ بالفارسيّة‌ ص‌ 457، والذي‌ ذكر هذا الحديث‌ في‌ ص‌ 46.

[3] ـ

ترجمة‌ سعد الدين‌ الفرغاني‌ّ وبيان‌ مقامه‌ العلمي‌ّ

 ولبيان‌ عظمة‌ المَقام‌ العِلمي‌ّ للفرغاني‌ّ والقيمة‌ الادبيّة‌ لكلامه‌، نكتفي‌ هنا بذِكر ما قاله‌ آية‌ الله‌ مير سيّد حامد حسين‌ الموسوي‌ّ النيشابوري‌ّ الهندي‌ّ في‌ كتاب‌ «عبقات‌ الانوار» ج‌ 1، من‌ المجلّد( 12 ): سند حديث‌ الثقلينِ والموجود في‌ القسم‌ الثاني‌ حسب‌ طبعة‌ مؤسّسة‌ نشر نفائس‌ المخطوطات‌ (إصفهان‌)، من‌ ص‌ 473 إلی 475، برقم‌ 113. فقد قال‌ آية‌ الله‌ النيشابوري‌ّ الهندي‌ّ ما ترجمته‌:

 «وأمّا إثبات‌ سعيد الدين‌ محمّد بن‌ أحمد الفرغاني‌ّ لحديث‌ الثقليْنِ فقد قال‌ في‌ شرحه‌ بالفارسيّة‌ علی القصيدة‌ التائيّة‌ لابن‌ الفارض‌ عن‌ تفسيره‌ للبيت‌ التالي‌:

 وَأَوْضَحَ بِالتَّأْوِيلِ مَا كَانَ مُشْكُلاً                             عَلِـي‌ٌّ بِـعِـلْـمٍ نَـالَـهُ بِـالـوَصِـيَّـةِ

 ما يلي‌: لقد أوضح‌ علی بالتأويل‌ ما قد أشكلَ من‌ المعني‌ وأشبه‌ فيه‌ من‌ مراد القرآن‌ والحديث‌ علی غيره‌ من‌ الصحابة‌ وخاصّة‌ عمر؛ وهو الذي‌ كان‌ يُردّد دوماً (مقولته‌ المشهورة‌) بهذا الخصوص‌: لَوْلاَ علی لَهَلَكَ عُمَرُ. مع‌ أنّ (عليّاً) كان‌ قد تطرّق‌ إلی هذه‌ المشكلات‌ وحلّها بالعِلم‌ الذي‌ كان‌ قد ورثه‌ عن‌ المصطفي‌ بواسطة‌ الوصيّة‌ التي‌ قال‌ فيها: إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَهِ وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌! أُذَكِّرُكُمُ اللَهَ فِي‌ أَهْلِ بَيْتِي‌، ثلاث‌ مرّات‌، ثمّ عاد وكرّر قوله‌: أَنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ غَيْرَ أَ نَّهُ لاَ نَبِي‌َّ بَعْدِي‌. وبواسطة‌ قوله‌: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعَلِي‌ٌّ بَابُهَا - انتهي‌ كلام‌ الفرغاني‌ّ.

 ومحامد العلاّمة‌ الفرغاني‌ّ المبهرة‌ ومعاليه‌ المُزهرة‌ واضـحة‌ لكلّ مَن‌ يبحث‌ في‌ كتاب‌ «عبرٌ في‌ خَبر مَن‌ غبر» للذهبي‌ّ، و«نفحات‌ الاُنس‌» لعبد الرحمن‌ الجامي‌ّ، و«كتائب‌ أعلام‌ الاخيار من‌ فقهاء مذهب‌ النعمان‌ المختار» لمحمود بن‌ سليمان‌ الكَفوي‌ّ، و«كشف‌ الظنون‌» لمصطفي‌ بن‌ عبد الله‌ القُسطنطيني‌ّ، وغير ذلك‌ من‌ الكتب‌ الاُخري‌. وقد سَبقَ بِعون‌ الله‌ المُنيلِ في‌ مجلّد حديثِ مدينةِ العلمِ، بيانُها بالتفصيلِ. وهنا نكتفي‌ بالاءشارة‌ إلی ما قاله‌ عبد الرحمن‌ الجامي‌ّ في‌ كتاب‌ «نفحات‌ الاُنس‌»، وهو (ما ترجمته‌):

 وكان‌ الشيخ‌ سعيد الدين‌ الفرغاني‌ّ رحمه‌ الله‌ تعالي‌ من‌ أكمل‌ أرباب‌ العرفان‌ وأكابر أصحاب‌ الذوق‌ والوجدان‌. فلم‌ يُبيّن‌ أحد مسائل‌ عِلم‌ الحقيقة‌ بهذه‌ الدقّة‌ والصحّة‌ كما فعله‌ هو في‌ ديباجة‌ «شرح‌ القصيدة‌ التائيّة‌ الفارضيّة‌». فقد قام‌ أوّلاً بشرحها بالفارسيّة‌، ثمّ عرض‌ ذلك‌ علی شيخه‌ (الشيخ‌ صدر الدين‌ القَونوي‌ّ قدّس‌ سره‌، فاستحسن‌ شيخه‌ ذلك‌ وكتب‌ بعض‌ العبارات‌ في‌ هذا الباب‌، فوضع‌ الشيخ‌ سعيد تلك‌ العبارات‌ المكتوبة‌ بعينها في‌ ديباجته‌ علی الشرح‌ الفارسي‌ّ تَيمّناً وتبرّكاً. وثانياً، ولتعميم‌ الفائدة‌ وتتميمها، قام‌ بنقلها إلی العربيّة‌ وأضاف‌ عليها فوائد كثيرة‌ وزيادات‌ أُخري‌. جزاه‌ اللهُ عن‌ الطالبين‌ خيرَ الجزاء.

 وله‌ مُصَنَّفٌ آخر يُسمي‌ بـ «مناهج‌ العباد إلی المعاد» في‌ أصحاب‌ المذاهب‌ الاربعة‌ رضوان‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ وهو في‌ مسائل‌ العبادات‌ وبعض‌ المعاملات‌ التي‌ لا غني‌ لسالكي‌ هذا الطريق‌ عنها؛ والتي‌ لا يمكن‌ سلوك‌ طريق‌ الحقيقة‌ بدونها في‌ بيان‌ آداب‌ الطريقة‌ بعد إصلاح‌ وتصحيح‌ أحكام‌ الشريعة‌. والحقّ أ نّه‌ كتاب‌ مفيد وهو ما لابدّ لاي‌ّ طالبٍ ومريد إلی آخره‌.

 فهذا الفرغاني‌ّ، شيخُهم‌ السعيد المسعود، و حَبرُهم‌ الحميد المحمود؛ قد أثبتَ هذا الخبرَ النافحَ كالازهار والورود العاطِر، كالقُتار الساطِع‌ من‌ العود. فالعجبُ كلُّ العجب‌ من‌ الجاحد العَنود، والمنكر الكَنود؛ كيف‌ لا يَزعُه‌ وازعٌ عن‌ الإنكار والجُحود، ولا يَصرفهُ صارفٌ عن‌ البغي‌ والمُرود! واللهُ العاصمُ عن‌ شرِّ كلِّ معاندٍ حسودٍ لدودٍ، وهو الواقي‌ عن‌ زيغِ كلِّ حيودٍ ميودٍ.

 الرجوع الي الفهرس

[4] ـ شرح‌ «مشارق‌ الدراري‌» ص‌ 605 إلی 610، طبعة‌ انجمن‌ فلسفه‌ و عرفان‌ اسلامي‌ (بالفارسيّة‌)؛ والشرح‌ بالعربيّة‌ المطبوع‌ في‌ مصر سنة‌ 1293 ه: ج‌ 2، ص‌ 197 إلی 200.

 قال‌ العلاّمة‌ شمس‌ الدين‌ محمّد بن‌ محمود الآملي‌ّ في‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌» ج‌ 2، ص‌ 26 و 27 (ما ترجمته‌):

 «ولانّ حقيقة‌ المحبّة‌ هي‌ نوع‌ من‌ علاقات‌ الاتّحاد التي‌ تربط‌ المحبّ بالمحبوب‌، وجذبة‌ من‌ جذبات‌ المحبوب‌ التي‌ تجذب‌ المحبَّ نحوه‌، فينسلخ‌ المحبوب‌ تدريجيّاً من‌ جميع‌ صفاته‌ نتيجة‌ هذه‌ الجذبة‌ وتلك‌ العلاقة‌، ثمّ تسـلبه‌ ذاته‌ بقبضة‌ قـويّة‌ ومقتـدرة‌ وتضفي‌ عليه‌ ذاتاً أُخري‌ غيرها تناسب‌ اتّصافه‌ بصفاته‌ هو. وبعد ذلك‌، تتبدّل‌ صفاته‌ الموجودة‌ داخل‌ تلك‌ الذات‌؛ كما قال‌ الجُنيد:: المحبّةُ دخولُ صفات‌ المُحَبِّ علی البدن‌ من‌ المُحِبِّ. وهنا يتّضح‌ لدينا سرّ فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَبَصَراً، وهي‌ حقيقة‌:

 أَنَا مَـنْ أَهْـوَي‌ وَمَـنْ أَهْـوَي‌ أَنَـا                            نَـحْـنُ رُوحَـانِ حَـلُـلْـنَـا بَـدَنَا

 فَـإذَا أَبْـصَـرْتَـنِــي‌ أَبْـصَــرْتَـهُ                 وَإذَا أَبْـصَــرْتَــهُ أَبْصـَــرْتَـنَـا

 ومع‌ ذلك‌ فلا يوجد سبب‌ معيّن‌ للمحبّة‌ (كما قيل‌) حيث‌:

 إنّ المـحـبّـةَ أمـرُهــا عـجـبُ                  تُلقَـي‌ عليـكَ ومـا لَـهـا سـببُ

 ثمّ قال‌ في‌ ص‌ 32: «وقال‌ بعضهم‌: إنّ الفَناء هو الغياب‌ عن‌ الاشياء، والبقاء حضور مع‌ الحقّ؛ وهذا المعني‌ هو نتيجة‌ السُّكْر. فقد قال‌ صاحب‌ «العوارف‌»: الفناءُ المطلقُ المطابقُ، هو ما يَستَولي‌ من‌ أمر الحقِّ سبحانَه‌ علی العبدِ، فيَغلبُ كونُ الحقِّ علی كونه‌ العبدَ. وهذه‌ هي‌ حقيقة‌ مطلق‌ الفَناء».

[5] ـ يقول‌: «أعرني‌ بصراً لانظر إليك‌ به‌ وإن‌ كانت‌ عيني‌ لا تليق‌ النظر إليه‌.

 إنّ في‌ كلّ نَفَسٍ منك‌ يتجلّي‌ مظهر آخر لجمالك‌، وفي‌ كلّ مرّة‌ أخافُ فيها عليك‌ فألحظك‌ بعيني‌ الاُخري‌.

 أنت‌ ناظر إلی حُسنكَ وجمالك‌ من‌ نظرات‌ عيوني‌، لا نّك‌ أنت‌ إنسان‌ عيني‌ وبُؤبُؤها ونور بصري‌».

[6] ـ يقول‌: «إنّ مَن‌ ذاب‌ في‌ الحقّ وانمحي‌ فيه‌ قد وصل‌ إلی طُوره‌، لكنّني‌ لم‌ أصل‌ إليه‌ لا نّني‌ ما ذُبتُ ولا انمحيتُ فيه‌.

 فما زال‌ أثر منّي‌ موجوداً، لم‌ أعثر لك‌ علی أثر، فيا ليت‌ ما كان‌ لاثري‌ من‌ وجود في‌ العالمين‌.

 ليست‌ لي‌ القدرة‌ علی الطيران‌ في‌ سمائك‌، حتّي‌ تمنَّ علی بجناحَيْن‌.

 إنّ ريحك‌ العطرة‌ تعانق‌ نسيم‌ السَّحَر، ولهذا تراني‌ قتيل‌ نسيم‌ ذلك‌ السحر.

 مرّ الحبيب‌ بجانب‌ قلبي‌ ساعة‌ السَّحَر، قال‌: سأَمُرُّ علی قلبك‌ كما يفعل‌ مَن‌ يُريد الظهور (للآخرين‌).

 يا مغربي‌ّ! أزِل‌ غُبار العالمين‌ عن‌ مرآة‌ القلب‌ وطهِّرها، لا نّني‌ ما فتئتُ أنظر فيها».

 «ديوان‌ شمس‌ مغربي‌» ص‌ 86 و 87، طبعة‌ الإسلاميّة‌.

[7] ـ يقول‌: «يا مَن‌ تصرخ‌ في‌ بحثك‌: الحبيب‌ الحبيب‌، مَن‌ ذا غيره‌ موجود في‌ الحَرم‌ أو الدير؟ إنّه‌ هوَ.

 لا ستار يُغطّي‌ الجمال‌ سوي‌ صفات‌ الجلال‌، ولا خمار يُخفي‌ هذا الوجه‌ ولا قشر يحيط‌ بهذا اللبّ.

 إنّ الزهور تشقّ أكمامها لغناء البلابل‌، والبراعم‌ تملا قلوبها بالدم‌.

 إنّ النَّفَس‌ حين‌ يدخل‌ في‌ الشهيق‌، ويخرج‌ في‌ الزفير يعني‌ أنّ منه‌ (من‌ الله‌) شهيقاً وزفيراً في‌ كلّ نفس‌.

 إنّ الحبيب‌ (موجود) في‌ طريق‌ القلب‌ والطريق‌ كأ نّه‌ حيران‌، واتّحد البحر بالغدير وأضحي‌ الغدير يبحث‌ كلّ هذا البحث‌.

 إنّه‌ مع‌ اختفائه‌ واستتاره‌ ظاهر وعيان‌ في‌ الاعيان‌، وبالرغم‌ من‌ عدم‌ تَلوُّنه‌ فقد اقتبس‌ كلّ شي‌ء لونه‌ وعبيره‌ منه‌».

[8] ـ يقول‌: «إنّ مَثَل‌ الحبيب‌ في‌ حفلنا هذا كمثل‌ يوسف‌ ذي‌ الجسم‌ الفضّي‌ّ اللون‌، يُشبه‌ الحجرة‌ المُغطّاة‌ جدرانها بالمرايا، فأينما وَلّيتَ وجهك‌ رأيته‌، فهو أمام‌ الجميع‌.

 اصنَع‌ ستاراً حجازيّاً أو اعزِف‌ لحناً عراقيّاً، فلا وجود إلاّ لسرّ واحد؛ مُختلفٌ عن‌ كلّ (ما عهدناه‌ من‌) حديث‌.

 إنّه‌ هو مخزن‌ الاسرار وعيبتها وهو سرّ سُوَيداء القلب‌، وهو الذي‌ يعرف‌ الاسرار جميعاً».

 «ديوان‌ حكيم‌ حاج‌ ملاّ هادي‌ سبزواري‌» المعروف‌ بـ «اسرار» ص‌ 38 و 39، مكتبة‌ ثقفي‌، إصفهان‌.

[9] ـ «أسرار الصلاة‌» ص‌ 175، طبعة‌ مطبعة‌ حيدري‌، سنة‌ 1380.

[10] ـ «المحجّة‌ البيضاء» ج‌ 1، ص‌ 352، طبعة‌ مكتبة‌ الصدوق‌، سنة‌ 1339 شمسي‌ّ ( 1380ق)، كتاب‌ «أسـرار الصلاة‌»؛ ويقول‌ في‌ التعليق‌ عليه‌: عن‌ «بحار الانـوار» عن‌ «فـلاح‌ السائل‌».

[11] ـ ج‌ 2، ص‌ 247، كتاب‌ آداب‌ تلاوة‌ القرآن‌.

[12] ـ يقول‌ في‌ تعليقه‌: قد نقله‌ الشهيد في‌ «أسرار الصلاة‌» ص‌ 204.

[13] ـ ص‌ 107 و 108، طبعة‌ فرهومند، سنة‌ 1382.

[14] ـ من‌ النسخة‌ الخطّيّة‌ بقلم‌ الحقير: ص‌ 16 و 17؛ ومن‌ النسخة‌ المطبوعة‌: ص‌ 43.

[15] ـ الطبعة‌ الحجريّة‌، أحمد شاهي‌: ص‌ 84 و 85؛ وطبعة‌ فروهمند: ص‌ 195 و 196.

[16] ـ طبعة‌ الإسلاميّة‌، ج‌ 84، ص‌ 247، كتاب‌ الصلاة‌، باب‌ آداب‌ الصلاة‌.

[17] ـ «فلاح‌ السائل‌» ص‌ 101 ـ التعليقة‌.

[18] ـ «فلاح‌ السائل‌» ص‌ 104 ـ التعليقة‌.

[19] ـ «فلاح‌ السائل‌» ص‌ 107 و 108 ـ التعليقة‌.

[20] ـ ج‌ 2، ص‌ 602، كتاب‌ فضل‌ القرآن‌، الطبعة‌ الثانية‌، سنة‌ 1381، مكتبة‌ الصدوق‌.

[21] ـ الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 120.

[22] ـ طبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌ الكبري‌، ج‌ 1، ص‌ 259.

[23] ـ طبعة‌ مركز نشر دانشگاهي‌ ـ طهران‌ 1408 ه، بتحقيق‌ عثمان‌ إسماعيل‌ يحيي‌، ص‌ 172.

[24] ـ ص‌ 39 و 40، طبعة‌ كتابفروشي‌ ثقفي‌ ـ إصفهان‌، سنة‌ 1338 شمسي‌ (=1379ق‌).

[25] ـ يقول‌: «ليس‌ من‌ رأس‌ إلاّ وفيه‌ هياج‌ حبّك‌، وليس‌ من‌ بصر إلاّ وهو ناظر إلی طلعتك‌ الجميلة‌.

 لقد أسرتَ في‌ قفصك‌ كلّ طائر من‌ طيور القلوب‌ وحبسته‌ فيه‌، وإنّ سهامك‌ القاتلة‌ لا تعرف‌ الخيبة‌ أبداً.

 ما بقي‌ صوت‌ لعواء كلبٍ عند حيّك‌ لارتفاع‌ صوت‌ صراخي‌ وأنيني‌ كلّ ليلة‌ إلی وقت‌ السَّحَر.

 ليست‌ صدورنا هي‌ وحدها التي‌ تمزّقت‌ بسبب‌ الحزن‌ عليه‌ وحسب‌، بل‌ إنّ الاسي‌ الذي‌ خَلّفَه‌ فينا وَضعَ علائمه‌ واضحة‌ علی جميع‌ الاكباد».

[26] ـ يقول‌: «ليس‌ هناك‌ موسي‌ ليسمع‌ نداء (أنا الحقّ)، وإلاّ فليس‌ من‌ شجرة‌ إلاّ وتضجّ بهذا النداء.

 لا شكّ أنّ عيوننا تشبه‌ عيون‌ الخفافيش‌، وإلاّ، فنور جمالك‌ الذي‌ لا نظير له‌ يملاُ الابواب‌ والجدران‌.

 وليست‌ هناك‌ أُذُنٌ واعية‌ تعي‌ تلك‌ الاسرار، وإلاّ فمن‌ أين‌ حصل‌ «أسرار» علی (كلّ تلك‌) الاخبار من‌ عالَم‌ المعني‌؟».

[27] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[28] ـ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[29] ـ الآية‌ 10، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[30] ـ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[31] ـ ذيل‌ الآية‌ 33، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[32] ـ صدر الآية‌ 60، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[33] ـ ذيل‌ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌.

[34] ـ الآيتان‌ 42 و 43، من‌ السورة‌ 35: فاطر: وَأَقْسَمُوا بِاللَهِ جَهْدَ أَيْمَـ'نِهِمْ لَنءِن‌ جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَي‌' مِنْ إِحْدَي‌ الاْمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي‌ الاْرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّي‌ءِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّي‌ُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الاْوَّلِينَ فَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَهِ تَبْدِيلاً وَلَن‌ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَهِ تَحْوِيلاً.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com