بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم السابع: الاشکال علی انتخاب الاکثریة، مشورة النبی صلی الله علیه ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الإشکال‌ الوارد علی‌ مؤيّدي‌ فكرة‌ انتخاب‌ الاكثريّة‌ من‌ العامّة‌

 وهنا يُطرح‌ سؤال‌، وعلی‌ أتباع‌ الديمقراطيّة‌ الذين‌ يعطون‌ حقّ انتخاب‌ الحاكم‌ والقائد لعامّة‌ الناس‌ أن‌ يجيبوا عنه‌؛ والسؤال‌ هو:

 إنَّ عموم‌ الشعب‌ ـ في‌ أي‌ّ تجمّع‌ كانواـ ليسوا بمستوي‌ واحد من‌ حيث‌ الفهم‌ والشعور والدراية‌، واختلافهم‌ وكونهم‌ في‌ مراتب‌ متفاوتة‌ ملحوظ‌، فمنهم‌ من‌ بذل‌ جهوداً مضنية‌ وتحمّل‌ الكثير من‌ أجل‌ بناء نفسه‌، فصار حكيماً وفيلسوفاً وصاحب‌ دراية‌، ومن‌ أهل‌ الكفاية‌، وعارفاً ذا ضمير حي‌ّ مطّلع‌ علی‌ الحقائق‌، وعارف‌ بمصالح‌ ومفاسد الناس‌، وله‌ قدرة‌ في‌ معرفة‌ البشر وتشخيص‌ الاعقل‌ والاعلم‌ والاورع‌ والاشجع‌ والاقوي‌ والابصر في‌ الاُمور والمصالح‌ من‌ أبناء الاُمّة‌؛ فينتخب‌ مَن‌ هو أهلاً للقيادة‌ والرئاسة‌. وما أقلّ هكذا أشخاص‌ في‌ كافّة‌ المجتمعات‌ البشريّة‌، وما أصعب‌ الوصول‌ إلیهم‌.

 وهناك‌ طبقة‌ أُخري‌ ممّن‌ لم‌ يصلوا إلی‌ هذه‌ الدرجة‌ من‌ الكمال‌، لكنّهم‌ ساروا في‌ مجال‌ تقوية‌ القوي‌ العلميّة‌ والعمليّة‌ وعملوا علی‌ تكميلها، وسعوا في‌ سبيل‌ ارتقاء الدرجات‌ العلميّة‌ والعمليّة‌ والتربويّة‌ ليوصلوا أنفسهم‌ إلی‌ الكمال‌. وعدد مثل‌ هؤلاء ليس‌ بقليل‌ في‌ المجتمعات‌ البشريّة‌؛ لكنّهم‌ يمثّلون‌ نسبة‌ ضئيلة‌ جدّاً قياساً إلی‌ عامّة‌ أبناء الشعب‌.

 وهؤلاء وإن‌ لم‌ يصلوا إلی‌ درجة‌ الطبقة‌ الاُولي‌ في‌ تشخيصهم‌ للحقّ من‌ الباطل‌، لكنّهم‌ علی‌ معرفة‌ إلی‌ حدّ ما.

 والطبقة‌ الثالثة‌ هي‌ عامّة‌ الناس‌، وهؤلاء ليسوا ممّن‌ لم‌يرتق‌ إلی‌ المستوي‌ العإلی‌ من‌ العلم‌ والعمل‌ فحسب‌، بل‌ ولم‌ يسيروا في‌ هذا الصراط‌ خطوة‌ واحدة‌ أيضاً، وهم‌ يتّبعون‌ المظاهر والالوان‌ والروائح‌، وينجذبون‌ لكلّ ما تراه‌ عيونهم‌، حتّي‌ لو كان‌ فارغاً من‌ المعنويّات‌ والواقعيّة‌. وهؤلاء ينتخبون‌ صاحب‌ المظهر المناسب‌، ومن‌ كانت‌ صوره‌ المعلّقة‌ علی‌ الابواب‌ والجدران‌ أكثر، ومن‌ كانت‌ دعايته‌ أفضل‌.

 بناء علی‌ هذا، فلو فرضنا إعطاء حقّ انتخاب‌ القائد لجميع‌ الناس‌، فيجب‌ أن‌ يكون‌ إعطاء هذا الحقّ متناسباً مع‌ ميزان‌ عقولهم‌ وعلومهم‌ وبصائرهم‌ ودرايتهم‌، فيعطي‌ للشخص‌ العامّي‌ّ صوت‌ واحد، بينما يعطي‌ لطالب‌ العلوم‌ العصريّة‌ الحقّ عشرة‌ أصوات‌، ولطالب‌ العلم‌ الديني‌ّ مائة‌ صوت‌، وللعالم‌ الحقّ ألف‌ صوت‌، وللحكيم‌ الإلهي‌ّ عشرة‌ آلاف‌ صوت‌، وللعالم‌ الربّاني‌ّ والعارف‌ المتجاوز لذاته‌ وهوي‌ نفسه‌ والواصل‌ إلی‌ الحقّ والحقيقة‌ مائة‌ ألف‌ صوت‌.

 وعلی‌ هذا، فينبغي‌ القول‌: يا أدعياء الحرّيّة‌ وعشّاق‌ الجاهليّة‌! هل‌ تعطون‌ الناس‌ حقّ انتخاب‌ القائد والرئيس‌ والحاكم‌ علی‌ أساس‌ هذا الميزان‌؟ وهل‌ تقسّمون‌ الناس‌ إلی‌ مجموعات‌ وطبقات‌ مختلفة‌، فتعطون‌ الناس‌ الاصوات‌ كلٌّ حسب‌ طبقته‌؟!

 من‌ البديهي‌ّ أنَّ الامر ليس‌ كذلك‌؛ وإنَّما علی‌ حساب‌ سواد المجتمع‌ وعدد الافراد. ( فتارة‌ يكون‌ أحد الافراد من‌ العلماء الافاضل‌، وتارة‌ من‌ الجهّال‌؛ وتارة‌ يكون‌ المنتخِب‌ هو العقل‌ المفكِّر للدولة‌، وتارة‌ خاوي‌ الفكرر ) وهذا أمر خاطي‌ في‌ منطق‌ العقل‌ والدراية‌.

 فهذه‌ الطريقة‌ وهذا المنهج‌ يسقطان‌ قيمة‌ العقل‌ والعقلاء والعلم‌ والعلماء، ويجعلان‌ رأي‌ ونظر العالم‌ والعلماء والخبراء بالمجتمع‌ في‌ مستوي‌ واحد مع‌ رأي‌ الجهلة‌، ويساوي‌ بين‌ أصحاب‌ الدراية‌ والمعرفة‌ وبين‌ الناس‌ الاعتياديّين‌! فكيف‌ يجيبون‌ علی‌ هذا السؤال‌؟ وكيف‌ يدافعون‌ عن‌ ذلك‌ أمام‌ العدل‌ والشرف‌ الإنسانيّين‌؟ وكيف‌ يواجهون‌ محكمة‌ العدل‌ الإلهيّة‌ بعد أن‌ أضاعوا حقوق‌ عامّة‌ الناس‌ بترك‌ انتخاب‌ القائد الذي‌ يقتنع‌ به‌ عقلاء المجتمع‌ ومفكّروه‌؟ إنَّهم‌ ـوكنتيجة‌ حتميّة‌ـ سيجرّون‌ المجتمع‌ إلی‌ هاوية‌ الفساد والضلال‌.

 هذا الإشكال‌ وارد علی‌ حملة‌ لواء الديمقراطيّة‌ الجاهليّة‌. ولمّا كانت‌ أجواء الانتخابات‌ في‌ جميع‌ أنحاء العالم‌ علی‌ أساس‌ الاكثريّة‌، فالإشكال‌ يشمل‌ الجميع‌.

 إنَّ الله‌ تبارك‌ وتعإلی‌ قد ألهم‌ بذلك‌، فهيّا وأجيبوا علیه‌، وهيهات‌! وأ نّي‌ لكم‌ من‌ أن‌ تُجيبوا علیه‌، فهو غير قابل‌ للإجابة‌.

 عندما يتقرّر أن‌ نختار لمنصب‌ الولي‌ّ الفقيه‌ أفضل‌ الاشخاص‌ وأكثرهم‌ حرصاً، وأن‌ يجعل‌ الولي‌ّ في‌ كلّ بلد أعقلهم‌ وأكثرهم‌ إدراكاً لمصالح‌ البلد الواقعيّة‌، فلا يمكن‌ أن‌ نجعل‌ انتخاب‌ الولي‌ّ الفقيه‌ ـذلك‌ الاعقل‌ـ بيد العوامّ أو نجعلهم‌ ( العوامّ ) في‌ مستوي‌ واحد مع‌ أصحاب‌ النضج‌ الفكري‌ّ في‌ المجتمع‌ من‌ حيث‌ الدرجة‌ والكفاية‌ والدراية‌، وأن‌ نحسب‌ قيمة‌ آرائهم‌ بشكل‌ مساوٍ لقيمة‌ آراء أُولئك‌، مع‌ احتمال‌ وجود قيمة‌ فكر عالم‌ واحد في‌ مجتمع‌ تعادل‌ قيمة‌ فكر جميع‌ أفراد المجتمع‌، فيجعل‌ ذلك‌ الشخص‌ مع‌ شخص‌ عامّي‌ّ في‌ مستوي‌ واحد، مع‌ كون‌ عدم‌ معرفة‌ الثاني‌ يمينه‌ من‌ شماله‌، ويُعطي‌ لكلّ منهما الحقّ بصوت‌ واحد في‌ الانتخابات‌!

 فهذا العمل‌ إسقاطٌ للجانب‌ العقلي‌ّ في‌ المجتمع‌ وابتعاد عن‌ الاصالة‌ والواقعيّة‌، ويجرّه‌ للتكيّف‌ علی‌ الافكار الهابطة‌ والاوهام‌.

 الرجوع الي الفهرس

الشوري‌ في‌ الإسلام لاهل‌ الحلّ والعقد، وليس‌ لاكثريّة‌ العامّة‌

 الإسلام‌ دينٌ أُسّس‌ علی‌ الاصالة‌ والحقيقة‌ والواقعيّة‌ ولاغير. لذا، فهو يجعل‌ طريق‌ تعيين‌ الولي‌ّ الفقيه‌ ( مع‌ تلك‌ الخصوصيّات‌ والمقامات‌ في‌ عالم‌ الثبوت‌ التي‌ تكلّمنا حولها ) بيد أهل‌ الخبرة‌ والالتزام‌ والحلّ والعقد، ممّن‌ يمتلك‌ كلّ منهم‌ من‌ القيمة‌ الفكريّة‌ والتخصّص‌ والتقوي‌ ما يساوي‌ قيمة‌ ألف‌ أو عشرة‌ آلاف‌ شخص‌ من‌ أبناء الاُمّة‌؛ فمسألة‌ تشخيص‌ الولي‌ّ الفقيه‌ في‌ عهدة‌ أهل‌ الحلّ والعقد والخبرة‌.

 بناء علی‌ هذا، فلا جدوي‌ من‌ اللهاث‌ وراء الاكثريّة‌.

 فمثلاً، أخذ الآراء للمرشّحين‌ لعضويّة‌ مجلس‌ الشوري‌ ـفي‌ هذه‌ الظروف‌ـ والانتخابات‌ الحإلیة‌ ـووفقاً لرأي‌ الاكثريّة‌ـ ليس‌ له‌ أي‌ّ أساس‌ من‌ القرآن‌ والروايات‌.

 فقد رأينا في‌ قضيّة‌ بني‌ صدر كيف‌ قد انْتُخِبَ لرئاسة‌ الجمهوريّة‌ بنسبة‌ كبيرة‌ جدّاً من‌ آراء الشعب‌؛ فكيف‌ انتخبوه‌؟ وكيف‌ ظهر للعيان‌، وإلی‌ أين‌ وصلت‌ عاقبة‌ الامر؟ ولو لم‌ تُكشف‌ حقيقته‌ في‌ تلك‌ الظروف‌ لاستمرّ نهجه‌ في‌ البلاد إلی‌ مئات‌ السنين‌، ومن‌ رحمة‌ الله‌ علی‌ الشعب‌ وعنايته‌ الغيبيّة‌ أن‌ فضحه‌ وأفهم‌ الشعب‌ واقع‌ حاله‌. وما كانت‌ تلك‌ السقطة‌ إلاّ بسبب‌ تحكيم‌ الاهواء وتسليم‌ الامر بيد أكثريّة‌ الناس‌.

 إن‌ شاء الله‌، سنقوم‌ بتبيان‌ ـ فيما لو سنحت‌ لنا الفرصة‌ـ: أنَّ الإسلام‌ لايعبأ بمسألة‌ الدعاية‌ في‌ الانتخابات‌، ولا ينبغي‌ الاهتمام‌ بهذا الموضوع‌. ولاينبغي‌ انتخاب‌ من‌ يريد تعريف‌ نفسه‌ للناس‌ من‌ أجل‌ التقدّم‌ والفوز علی‌ الآخرين‌ عن‌ طريق‌ الدعاية‌ وإلصاق‌ الصور علی‌ الجدران‌؛ فلااعتبار لهكذا أشخاص‌ لابتعادهم‌ عن‌ التقوي‌ المعنويّة‌، ونفس‌ العمل‌ الدعائي‌ّ يدلّل‌ علی‌ الانحطاط‌ الروحي‌ّ وفساد النفوس‌؛ فمن‌ يقوم‌ بذلك‌ ساقط‌ عن‌ درجة‌ الاعتبار في‌ شرع‌ العقل‌ وعقل‌ الشرع‌.

فالذي‌ يستطيع‌ تسلّم‌ زمام‌ أُمور الناس‌ هو مَن‌ لا يحمل‌ في‌ قلبه‌ حبّ التغلّب‌ علی‌ الآخرين‌ ( سواء كان‌ بصفة‌ نائب‌ في‌ المجلس‌ أم‌ عضو في‌ مجلس‌ الخبراء) بل‌ علیه‌ أن‌ يري‌ نفسه‌ خادماً من‌ الخدم‌، وأن‌ يعدّ الاشتغال‌ في‌ هذا المركز أمراً لا قيمة‌ له‌ من‌ الناحية‌ الدنيويّة‌، ويدخل‌ في‌ الاُمور من‌ أجل‌ القيام‌ بتكليفه‌، ومعالجة‌ أُمور المسلمين‌، والتكفّل‌ بأيتام‌ آل‌ محمّد فحسب‌، لاأن‌ يشغل‌ هذه‌ المراكز عن‌ طريق‌ إبعاد الآخرين‌ عنها من‌ خلال‌ صرف‌ الاموال‌ الطائلة‌ في‌ نصب‌ الملصقات‌ والصور والدعايات‌، فهذه‌ دعايات‌ كفر؛ وهذه‌ الدعايات‌ دعايات‌ شيطانيّة‌، ونهجها وطريقتها ليسا علی‌ أساس‌ الحقّ.

 علی‌ الذين‌ يسيرون‌ علی‌ نهج‌ الحقّ ويهدفون‌ خدمة‌ الإسلام‌ والبلاد أن‌ يقدّموا أنفسهم‌ من‌ دون‌ أي‌ّ عمل‌ دعائي‌ّ فيه‌ تنافس‌. وعلی‌ جميع‌ أبناء الشعب‌ أيضاً أن‌ يفكّروا ويشاوروا كبارهم‌ من‌ دون‌ دعاية‌ ظاهريّة‌ وخارجيّة‌، وعلی‌ أهل‌ الحلّ والعقد أيضاً تشخيص‌ من‌ يمتلك‌ أهليّة‌ هذا المقام‌ وإيصاله‌ إلیه‌.

 هذا الطريق‌ هو المتحصّل‌ من‌ الروايات‌ والآيات‌.

 الرجوع الي الفهرس

دلالة‌ آية‌: وَشَاوِرْهُمْ فِي‌ الاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَیاللَهِ

 وأمّا كون‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد عمل‌ في‌ معركة‌ أُحد برأي‌ الاكثريّة‌، واتّبع‌ الاكثريّة‌، وأوكل‌ مسألة‌ الحرب‌ للشوري‌، وعمل‌ علی‌ أساس‌ الآية‌ القرآنيّة‌: وَشَاوِرْهُمْ فِي‌ الاْمْرِ[1]؛ فقد كان‌ ذلك‌ لانَّ شيوخ‌ المدينة‌ وكبار السنّ فيها قالوا لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: يارسول‌الله‌! لانري‌ مصلحة‌ في‌ الخروج‌ من‌ المدينة‌ للحرب‌، وإنَّهم‌ سوف‌ يُقاتلون‌ في‌ المدينة‌، ولم‌ يحدث‌ أن‌ قاتلوا من‌ داخل‌ المدينة‌ وانتصر علیهم‌ عدوّهم‌، وإنَّ العدوّ سيحطّ الرحال‌ خارج‌ المدينة‌، ومن‌ ثمّ يرجع‌ بعد أن‌ تنفد مؤنته‌، ونكون‌ أثناء الحصار في‌ بلدنا، وتقوم‌ نساؤنا وأطفالنا برمي‌ الحجارة‌ والسهام‌ علیهم‌ لتفريقهم‌.

 وأمّا الشباب‌ الذين‌ لم‌ يكونوا قد شاركوا في‌ المعركة‌ السابقة‌ ( في‌ ميدان‌ بدر )، وسمعوا بقصص‌ وتضحيات‌ البدريّين‌، فقد قالوا بأ نَّهم‌ يريدون‌ الخروج‌ والقتال‌ خارج‌ المدينة‌، وتلقين‌ العدوّ درساً يُبقي‌ ذكر شجاعتهم‌ مدي‌ التأريخ‌!

 ولم‌ يكن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يميل‌ إلی‌ القتال‌ خارج‌ المدينة‌، وكان‌ يرجّح‌ أن‌ يبقوا داخلها. فقام‌ كلّ واحد من‌ هؤلاء الشباب‌ وأخذ يذكر فصلاً مشبعاً من‌ مزايا القتال‌ خارج‌ المدينة‌، ومن‌ أ نَّه‌ سوف‌ يكون‌ ميدان‌ جهاد وحرب‌ وتضحية‌ وفداء، وسواء قُتل‌ الإنسان‌ أم‌ قَتل‌ فمصيره‌ إلی‌ الجنّة‌، وأنَّ البقاء في‌ المدينة‌ عار علینا، وسوف‌ يقال‌ بأنَّ الكفّار قد جاؤوا لحربنا فخاف‌ النبي‌ّ والمسلمون‌ منهم‌ ولم‌يخرجوا من‌ بيوتهم‌. فهذا أمر مشين‌ بالنسبة‌ لنا، فعلی‌ الرجل‌ أن‌ يحمل‌ سيفه‌ ويخرج‌، وأمثال‌ هذه‌ العبارات‌.

 والخلاصة‌، أنَّ النبي‌ّ لم‌ يكن‌ يميل‌ بشكل‌ من‌ الاشكال‌ إلی‌ القتال‌ خارج‌ المدينة‌، واختار رأي‌ القلّة‌ من‌ الاصحاب‌، وكانت‌ المصلحة‌ في‌ ذلك‌ أيضاً. لكنَّ الإنسان‌ سواء قُتل‌ أم‌ قَتل‌ يدخل‌ الجنّة‌، فنحن‌ نريد أن‌ نُقتل‌، وقد وعدنا الله‌ بقبض‌ سبعين‌ منّا، ونحن‌ نتمنّي‌ القتل‌. وما كانوا يعلمون‌ أ نَّهم‌ سيفرّون‌ من‌ هذه‌ الحرب‌ ويتركون‌ النبي‌ّ وأمير المؤمنين‌ صلوات‌الله‌ علیهما وحيدين‌ في‌ ساحة‌ القتال‌ بين‌ يدي‌ العدوّ.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فقد ماشي‌ النبي‌ّ في‌ تلك‌ المرحلة‌ آراءهم‌ مكرهاً فخرج‌ من‌ المدينة‌، وإن‌ كان‌ البعض‌ من‌ الذين‌ كانوا يحثّون‌ ويحرّضون‌ علی‌ الخروج‌ من‌ المدينة‌ قد وقفوا علی‌ المسألة‌ واعتذروا من‌ النبي‌ّ وطلبوا منه‌ البقاء في‌ المدينة‌، لكنّ النبي‌ّ رفض‌ ذلك‌ قائلاً: إنَّ الله‌ عندما يلبس‌ نبيّاً لامة‌ الحرب‌ لايرضي‌ له‌ أن‌ ينزعها دون‌ أن‌ يُقاتل‌.

 لم‌ يختر النبي‌ّ هنا رأي‌ الاكثريّة‌، وإنَّما سايرهم‌. وثمّة‌ فرق‌ بين‌ المماشاة‌ والمسايرة‌ وبين‌ اختيار رأي‌ الاكثريّة‌.

 فقد يحصل‌ للإنسان‌ أحياناً أن‌ يقرّ رأي‌ الاكثريّة‌ بعد المشورة‌ ويعتبره‌ أمارة‌ علی‌ الواقع‌، بما أنَّ الاكثريّة‌ قد اختارت‌ ذلك‌، فهو أقرب‌ وصولاً إلی‌ الواقع‌؛ فيكون‌ هذا الإقرار اتّباعاً لرأي‌ الاكثريّة‌.

 وقد يختار الإنسان‌ رأي‌ الاكثريّة‌ أحياناً أُخري‌ لا لا نَّها أكثريّة‌، وإنّما مماشاة‌ لها، ومثال‌ ذلك‌ لو أراد أحدكم‌ أن‌ يطبخ‌ طعاماً في‌ بيت‌، وفي‌ البيت‌ شخصان‌ من‌ كبار السنّ وعدّة‌ أطفال‌، فسألهم‌ عمّا يرغبون‌ من‌ الطعام‌. فاختار الكبيران‌ نوعاً معيّناً، بينما رغب‌ الاطفال‌ جميعاً في‌ نوع‌ آخر، ففي‌ هذه‌ الحالة‌ ستنفّذ طلبات‌ الاطفال‌ مراعاة‌ لهم‌، لا لانَّ ما اختاروه‌ هو الافضل‌.

 فمماشاة‌ ومسايرة‌ الاطفال‌ أو الشباب‌ أو الاكثريّة‌ من‌ الطبقات‌ المختلفة‌ أمر يختلف‌ عن‌ اختيار رأي‌ الاكثريّة‌. وجميع‌ الصدمات‌ التي‌ تعرّض‌ لها النبي‌ّ إنّما كانت‌ من‌ هذه‌ الجهة‌، وهذا غير اختيار رأي‌ الاكثريّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

مفاد ومعني‌ الاخذ بالمجمع‌ علیه‌ وترك‌ الشاذّ النادر

 نعم‌؛ توجد هنا مسألة‌، وهي‌ إذا كان‌ كلا الطرفين‌ متساويين‌ في‌ إصابة‌ الواقع‌، وكان‌ أحدهما أكثر عدداً، فالكثرة‌ هنا أمارة‌ علی‌ الحقّ.

 كأن‌ يكون‌ للاكثريّة‌ والاقلّيّة‌ رأيان‌ مختلفان‌ في‌ مسألة‌ ما، ويكونان‌ ـ أي‌ الاقلّيّة‌ والاكثريّة‌ـ متساويين‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ من‌ حيث‌ الإحكام‌ والمتانة‌ والقيمة‌، وكان‌ اختيار أحد الطرفين‌ بالنسبة‌ لنا أمراً مشكلاً، ففي‌ هذه‌ الصورة‌ ومع‌ وجود التساوي‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، فإنَّ أمارة‌ المجموعة‌ الاكثر عدداً أكثر للواقع‌.

 وذلك‌ مثل‌ مقبولة‌ عمر بن‌ حنظلة‌ التي‌ يقول‌ فيها الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌: انْظُرُوا إلَی‌ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَي‌ حَدِيْثَنَا، وَنَظَرَ فِي‌ حَلاَلِنَا وَحَرَامِنَا وَعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَارْضَوْا بِهِ حَكَماً.

 فيسأل‌ الراوي‌: إن‌ اختار كلّ منهما قاضياً لنفسه‌، فما العمل‌ في‌ حال‌ اختلاف‌ القاضيان‌ في‌ الحكم‌؟

 فيقوم‌ الإمام علیه‌ السلام‌ هنا ببيان‌ الميزان‌ للاختيار، ويقول‌: الحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أَفْقَهُهُمَا وَأَفْضَلُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي‌ الحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا.

 ثمّ يقول‌ الراوي‌: كِلاَهُمَا عَدْلاَنِ مَرْضِيَّانِ؛ فهما من‌ هذه‌ الجهة‌ متساويان‌.

 فيقول‌ الإمام علیه‌ السلام‌: يُنْظَرُ إلَی‌ مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمَا عَنَّا فِي‌ ذَلِكَ الَّذِي‌ حَكَمَا بِهِ المُجْمِعُ علیهِ أَصْحَابُكَ، فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِهِمَا وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي‌ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ؛ فَإنَّ المُجْمَعَ علیهِ لاَرَيْبَ فِيهِ.

 فالإمام علیه‌ السلام‌ يقول‌ هنا: علیك‌ بملاحظة‌ الاكثريّة‌، فإذا كان‌ كلا الفقيهين‌ ناظرين‌ في‌ حكمنا وحلالنا وحرامنا، وكلاهما أفقه‌ وأبصر وأورع‌ وأصدق‌ في‌ الحديث‌ ( يعني‌ كانا كاملين‌ من‌ ناحية‌ المضمون‌ والاساس‌ العلمي‌ّ ) فيقدّم‌ هنا الرأي‌ المطابق‌ مع‌ المجمع‌ علیه‌ علی‌ ذلك‌ الرأي‌ الشاذّ النادر. فقد جُعل‌ هنا رأي‌ الاكثريّة‌ والإجماع‌ أمارة‌ وعلامة‌ وآية‌ علی‌ الحقّ. وهذا لاإشكال‌ فيه‌.

 وهذا لا يعني‌ ترجيح‌ رأي‌ الفقيه‌ ابتداءً علی‌ أساس‌ الاكثريّة‌ والشهرة‌. فالاكثريّة‌ هنا ليست‌ ميزاناً، بل‌ أصالة‌ وواقعيّة‌ ذلك‌ الفقيه‌ هي‌ المرجّح‌ والامارة‌ علی‌ الواقع‌، وتأتي‌ أصدقيّة‌ الفقيه‌ وأعدليّته‌ في‌ الدرجة‌ الثانية‌، بينما تأتي‌ موافقة‌ المشهور كأمارة‌ علی‌ الواقع‌ في‌ الدرجة‌ الثالثة‌.

 فلا نستطيع‌ إذَن‌ أن‌ نعطي‌ الرأي‌ في‌ الانتخابات‌ للاكثريّة‌ ابتداءً. وتدلّ مقبولة‌ عمربن‌ حنظلة‌ علی‌ هذا المعني‌؛ فعلینا أوّلاً الرجوع‌ إلی‌ الاشخاص‌ المؤمنين‌ الملتزمين‌ والاخصّائيّين‌ وأهل‌ الحلّ والعقد، وإذا اختلف‌ أهل‌ الحلّ والعقد مع‌ جميع‌ تلك‌ الشروط‌ واختارت‌ مجموعة‌ منهم‌ شخصاً للحكم‌ بينما اختارت‌ مجموعة‌ أُخري‌ آخراً فلا مانع‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ من‌ مراعاة‌ جانب‌ الاكثريّة‌. ومقبولة‌ عمر بن‌ حنظلة‌ ناظرة‌ إلی‌ هذه‌ النقطة‌.

 وعلی‌ هذا، فيجب‌ أن‌ يكون‌ الاخذ برأي‌ الاكثريّة‌ علی‌ أساس‌ عنوان‌ الخبرويّة‌ والقوانين‌ الواردة‌ في‌ الإسلام‌ وميزان‌ الحقّ، لاعلی‌ عنوان‌ الاكثريّة‌ فحسب‌.

 ولا ينبغي‌ أن‌ يكون‌ الرأي‌ في‌ المجلس‌ علی‌ أساس‌ أكثريّة‌ الاصوات‌؛ إذ بإمكان‌ الفقيه‌ أن‌ يعمل‌ بما يري‌ فيه‌ مصلحة‌ بحسب‌ نظره‌ ( بعد مقام‌ الثبوت‌ لجميع‌ الشرائط‌ ) سواء كان‌ ذلك‌ مطابقاً للاكثريّة‌ أم‌ غيرمطابق‌.

 فإذا صوّت‌ أكثريّة‌ المجلس‌ علی‌ رأي‌ ما فيجوز له‌ ترجيح‌ رأي‌ الاقلّيّة‌، كما يمكنه‌ أن‌ يقرّ ما تبنّاه‌ من‌ رأي‌ وإن‌ خالف‌ إجماع‌ المجلس‌ علی‌ ذلك‌. وهذا هو معني‌ الولاية‌.

 لانَّ المجلس‌ مركّب‌ من‌ مشاورين‌ ومعاونين‌ خاضعين‌ لولاية‌ الفقيه‌، لافي‌ مرتبة‌ ومقام‌ الولاية‌.

 وكلام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لعبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ الوارد في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » يشكّل‌ شاهداً علی‌ كلامه‌.

 وَقَالَ علیهِ السَّلاَمُ لِعَبْدِ اللَهِ بنِ العَبَّاسِ وَقَدْ أَشَارَ إلَیهِ فِي‌ شَي‌ءٍ لَمْيُوَافِقْ رَأْيَهُ علیهِ السَّلاَمُ: لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَیوَأَرَي‌؛ فَإنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي‌! [2]

 بيّن‌ عبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ رأيه‌ في‌ مسألة‌ من‌ المسائل‌ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، ولم‌يكن‌ ذلك‌ الرأي‌ موافقاً لرأي‌ الإمام ( وكأنَّ عبدالله‌بن‌ عبّاس‌ كان‌ يمتلك‌ ثقة‌ عإلیة‌ بعقله‌ ودرايته‌ ونظره‌، فأراد فرض‌ رأيه‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ).

 فقال‌ له‌ الإمام علیه‌ السلام‌: عَلَیأن‌ أُشاورك‌، لكنَّ الرأي‌ لي‌ بعد المشاورة‌. وإذا استدعيتك‌ للمشورة‌ وطلبت‌ رأيك‌، فهذا لا يعني‌ أ نِّي‌ قد جعلت‌ رأيك‌ عدلاً لرأيي‌؛ أبداً.

 الرجوع الي الفهرس

مشورة‌ النبي‌ّ مقدّمة‌ لاخذه‌ الرأي‌ النهائي‌ّ

 ولو شاور النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ مائة‌ ألف‌ شخص‌ فلاتكون‌ آراؤهم‌ عِدلاً لرأيه‌ أبداً، فالرأي‌ هو رأي‌ النبي‌ّ.

 فليس‌ من‌ حقّهم‌ أن‌ يقولوا: نحن‌ خمسة‌ أشخاص‌ والنبي‌ّ شخص‌ واحد، ونحن‌ خمسة‌ أصوات‌ مخالفة‌ في‌ قبال‌ صوت‌ واحد للنبي‌ّ وعلی‌ النبي‌ّ أن‌ يتبعنا لانَّ الاكثريّة‌ معنا!!

 وَشَاوِرْهُمْ فِي‌ الاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَیاللَهِ. [3]

 يا أيّها النبي‌ّ! شاور الناس‌ وأصحابك‌ في‌ كلّ حادثة‌، لكنّ الرأي‌ رأيك‌ أنت‌، ولايحقّ لك‌ أن‌ تعمل‌ بآرائهم‌.

 فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَیاللَهِ. فبعد مشاورتهم‌ واتّضاح‌ الامر لك‌، فعلیك‌ البتّ في‌ الامر والعمل‌ بما ترجّحه‌؛ وتوكّل‌ علی‌ الله‌.

 ليست‌ المشورة‌ انتخاباً لرأي‌ الاكثريّة‌، بل‌ هي‌ استيضاح‌ المطلب‌ لنفس‌ الإنسان‌، ويكون‌ الرأي‌ النهائي‌ّ لصاحب‌ المشورة‌. وفي‌ مقام‌ الولاية‌، لايستطيع‌ أحد أن‌ يكون‌ في‌ درجة‌ نفس‌ الولي‌ّ من‌ حيث‌ الفكر والرتبة‌، وليس‌ بالضرورة‌ أن‌ يكون‌ المشار في‌ مستوي‌ المشير، ولاهي‌ معياراً لرفع‌ المشار إلی‌ درجة‌ الولي‌ّ.

 ظنّ عبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ أنَّ موقعيّته‌ تؤهّله‌ لان‌ يفرض‌ رأياً علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، باعتباره‌ من‌ القادة‌ المقرّبين‌ والمختصّين‌ بالإمام علیه‌ السلام‌، ومن‌ طلاّب‌ مدرسته‌ القرآنيّة‌، وقد ائتمنه‌ الإمام علی‌ بعض‌ المسائل‌ والمواقف‌، وكان‌ يجالس‌ الإمام ويتحدّث‌ معه‌ ويسايره‌! فعندما شاوره‌ الإمام علیه‌ السلام‌ في‌ مسألة‌ ما كان‌ يتوقّع‌ أن‌ يفرض‌ رأيه‌ علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌.

 فقال‌ له‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌: لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَیوَأَرَي‌؛ فَإنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي‌!

 إذا جعلتك‌ مستشاراً لي‌، فليس‌ لك‌ إلاّ أن‌ تبدي‌ رأيك‌ لي‌ والاختيار لي‌؛ وإذا عملتُ بما يخالف‌ رأيك‌، فمن‌ الواجب‌ علیك‌ أن‌ تطيعني‌؛ وإيّاك‌ أن‌ تصرّ علی‌ رأيك‌ وتخالف‌ أمري‌ كأن‌ تقول‌: مادام‌ خالفني‌ أميرالمؤمنين‌ فمن‌ حقّي‌ أن‌ أعمل‌ بما أري‌!

 فاختيار الرأي‌ محفوظ‌ لي‌ وحدي‌؛ فَإنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي‌: فإذا عصيتك‌ بمخالفة‌ رأيك‌، فما يجب‌ علیك‌ هو الطاعة‌ لي‌، لا نَّه‌ أنا الولي‌ّ وأنت‌ المولّي‌ علیه‌، ولا يستوجب‌ حقّ المشاورة‌ أن‌ يكون‌ رأيك‌ عِدلاً وموازناً لرأيي‌. فالرأي‌ هو رأي‌ الولي‌ّ الفقيه‌ فقط‌؛ وفي‌ شرع‌ الإسلام‌، لايحقّ لغيرالفقيه‌ الاعلم‌ والاورع‌ والجامع‌ للشرائط‌، الإلهي‌ّ والعارف‌ بالله‌ بأمر الله‌ أن‌ يتّخذ قراراً في‌ أي‌ّ شأن‌ من‌ الشؤون‌ العامّة‌ للمسلمين‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الرابع‌ والثلاثون‌:

 اعتماد ولاية‌ الفقيه‌ علی‌ القدرتين‌ العقليّة‌ والخارجيّة‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

 بيّنا فيما سبق‌ كما أنَّ لولاية‌ الفقيه‌ شروطاً خاصّة‌ في‌ مقام‌ الثبوت‌ لايتحقّق‌ أصل‌ الولاية‌ بدونها، فلها من‌ مقام‌ الإثبات‌ أيضاً موازين‌ وطرق‌ لاتثبت‌ الولاية‌ من‌ دون‌ مراعاتها. من‌ جملتها، أنَّ الشارع‌ المقدّس‌ لم‌يقرّر لها أي‌ّ طريق‌ من‌ خلال‌ آراء الاكثريّة‌.

 وكما يستطيع‌ الشارع‌ المقدّس‌ أن‌ يجعل‌ أصل‌ الشي‌ء بيده‌، فله‌ أن‌ يقوم‌ بنفسه‌ بجعل‌ طريق‌ الوصول‌ إلیه‌ أيضاً. أي‌ كما يكون‌ أصل‌ كلّ شي‌ء بجعل‌ الشارع‌، فالطريق‌ الموصل‌ إلیه‌ أيضاً بيده‌. فيستطيع‌ أن‌ يسدّ طريقاً ويفتح‌ آخر.

 وهو لم‌ يجعل‌ آراء الاكثريّة‌ طريقاً موصلاً إلی‌ هذه‌ الحقيقة‌، لانَّ آراء الاكثريّة‌ غالباً ما تكون‌ مقترنة‌ مع‌ الفساد والبطلان‌ والجهل‌ وممارسة‌ الاغراض‌ الشخصيّة‌ والاهداف‌ المادّيّة‌ والنوايا الشهويّة‌، وهذه‌ الاُمور تبعد الإنسان‌ عن‌ الحقيقة‌ والواقعيّة‌، ولا يمكن‌ جعلها مرآة‌ لامر معنوي‌ّ وواقعي‌ّ وحقيقي‌ّ.

 وعلی‌ هذا الاساس‌، فعندما بُعِثَ النبي‌ّ بالرسالة‌، لم‌ يجعل‌ الوصول‌ إلی‌ ذلك‌ من‌ خلال‌ آراء أكثريّة‌ الناس‌، ووجدنا أكثريّة‌ الناس‌ قد وقفت‌ ضدّ الانبياء باستمرار، وسفكوا الدماء، ونشروا الانبياء بالمناشير، وألقوهم‌ بالقدور المملوءة‌ بالزيت‌ المغلي‌ّ، واضطرّوهم‌ إلی‌ ترك‌ الديار والهجرة‌، وآراء الاكثريّة‌ كانت‌ وراء كلّ تلك‌ الفجائع‌.

 الرجوع الي الفهرس

إثبات‌ ولاية‌ الفقيه‌ بواسطة‌ نفس‌ الطرق‌ العقلائيّة‌

 أمّا في‌ ولاية‌ الفقيه‌، وإن‌ لم‌ يكن‌ فيها معني‌ نصب‌ إلهي‌ّ بالمعني‌ الاوّلي‌ّ كما في‌ الإمامة‌، لكنَّ الشارع‌ هنا أيضاً لم‌ يجعل‌ آراء الاكثريّة‌ طريقاً، وحصر الطريق‌ في‌ تشخيص‌ أهل‌ الخبرة‌، الذين‌ يسمّون‌ اصطلاحاً بأهل‌ الحلّ والعقد، وذلك‌ لا نَّهم‌ يستطيعون‌ في‌ مقام‌ الإثبات‌ من‌ التعرّف‌ إلی‌ الفقيه‌ الاعلم‌ والاورع‌ والاشجع‌ والاقوي‌ والخبير بالمصالح‌ والاُمور وما إلی‌ ذلك‌، ومن‌ ثمّ تعريفه‌ للناس‌ ومبايعته‌ لكي‌ تتمّ إقامة‌ الحكومة‌ بواسطة‌ هذه‌ البيعة‌.

 وبيعة‌ أهل‌ الحلّ والعقد هذه‌ هي‌ التي‌ تعيّن‌ مصير الناس‌، وقد كان‌ إشكالنا أيضاً علی‌ حملة‌ لواء الاكثريّة‌ والقائلين‌ باعتبار قول‌ الاكثريّة‌ في‌ الدنيا هو: يجب‌ـ وفق منطق‌ العقل‌ـ أن‌ يكون‌ لذوي‌ الدراية‌ والعلم‌ حصة‌ أكبر من‌ الرأي‌. لانَّ جعل‌ العالِم‌ الذي‌ تعب‌ طوال‌ عمره‌ حتّي‌ وصل‌ إلی‌ درجة‌ إدراك‌ وتشخيص‌ الحقيقة‌ في‌ مستوي‌ واحد مع‌ الجاهل‌ العامّي‌ّ، ما هو إلاّ تضييع‌ لحقّ العلم‌ والمجتمع‌. وجعل‌ عظمة‌ وشخصيّة‌ هذه‌ الطائفة‌ في‌ حكم‌ الحيوانات‌ وتحويلهم‌ إلی‌ مجرّد أرقام‌ مضافة‌ وتشبيههم‌ بالاغنام‌ وسائر الحيوانات‌.

 هناك‌ فرق‌ بين‌ العالم‌ الذي‌ يمكنه‌ تسلّم‌ مقإلید حكم‌ الشعب‌ بلحاظ‌ معرفته‌ وقوّة‌ فكره‌، وبين‌ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ لم‌ يتبيّن‌ الطريق‌ ولايعرف‌ إلیمين‌ من‌ الشمال‌. فجعل‌ هذين‌ الشخصين‌ متساويين‌ وعِدلين‌ في‌ إدراك‌ مصالح‌ البلاد العلیا أمر خاطي‌ من‌ وجهة‌ النظر الإسلاميّة‌، بل‌ حتّي‌ في‌ سائر المذاهب‌. وكلّ من‌ يقوم‌ بهذا العمل‌ يكون‌ قد انحدر بميزان‌ الواقعيّة‌ والحقيقة‌ إلی‌ مستوي‌ الإحساسات‌ والتأثّرات‌. وهذا العمل‌ ( الإحصاء ) بأن‌ يضاف‌ العالم‌ إلی‌ الجاهل‌ كإضافة‌ الاثنين‌ إلی‌ واحد، والنتيجة‌ تتبع‌ أخسّ المقدّمتين‌ باستمرار.

 وإقامة‌ أيّة‌ حكومة‌ علی‌ هذا الاساس‌ مؤشّر علی‌ أ نَّها قائمة‌ علی‌ التخيّلات‌ والتوهّمات‌ والاعتباريّات‌؛ وسوف‌ لن‌ يكون‌ بناؤها علی‌ أساس‌ الحقّ والدراية‌ والمصلحة‌ الواقعيّة‌ العامّة‌ مطلقاً.

 وقد نقدنا طريقة‌ حلّ المتبنّين‌ لمنهج‌ رأي‌ الاكثريّة‌، وقلنا لهم‌: إذا تقرّر أن‌ يكون‌ لرأي‌ الاكثريّة‌ دخل‌ في‌ مثل‌ هذا المقام‌، فيجب‌ أن‌ يكون‌ ذلك‌ بشكل‌ مضاعف‌، فيُعطي‌ للجاهل‌ مثلاً صوت‌ واحد، بينما يُعطي‌ للطالب‌ الجامعي‌ّ عشرة‌ أصوات‌، وللطلاّب‌ المجتهدين‌ مائة‌ صوت‌، وللعالِم‌ أكثر فأكثر، حتّي‌ تصل‌ حصّة‌ البعض‌ في‌ بعض‌ الموارد إلی‌ عشرة‌ آلاف‌ أو مائة‌ ألف‌ أو مليون‌ صوت‌.

 هذا إشكال‌ علی‌ حملة‌ لواء الحضارة‌ والمدنيّة‌ الحديثة‌، الذين‌ يرون‌ أنفسهم‌ متطوّرون‌ في‌ الدنيا، وفي‌ نفس‌ الوقت‌ يعتبرون‌ الآراء علی‌ أساس‌ الاكثريّة‌. فيجب‌ أن‌ يقال‌ لهم‌: علیكم‌ طبقاً لمنهجكم‌ أن‌ تتّبعوا طريقة‌ كهذه‌، لاأن‌ تجعلوا الفيلسوف‌ الفلاني‌ والعالِم‌ في‌ درجة‌ واحدة‌ مع‌ الشخص‌ العامّي‌ّ والعادي‌ّ.

 لقد كان‌ هذا نقداً علیهم‌، وطريق‌ حلّ لكيفيّة‌ تنظيم‌ رأي‌ الاكثريّة‌ علی‌ الفرض‌ المتصوّر، لا أنَّ هذا الفرض‌ هو المعمول‌ به‌ إسلاميّاً وقد جعله‌ الشرع‌.

 أبداً؛ فلا يقرّ الإسلام‌ هذا الطريق‌، لانَّ اتّباعه‌ يستتبع‌ بنفسه‌ مشاكل‌ في‌ الخارج‌، فلم‌ يعيّن‌ الشرع‌ هكذا عمل‌، كما أ نَّه‌ لم‌يمدحه‌ ولم‌يقرّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

دلالة‌ عهد الإمام لمالك‌ علی‌ انحصار تعيين‌ القاضي‌ بنظر الحاكم‌

 ينحصر طريق‌ الانتخاب‌ في‌ الإسلام‌ بأهل‌ الحلّ والعقد، وقد رأينا في‌ الحكومات‌ الإسلاميّة‌، وفي‌ حكومة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ قد فوّض‌ حقّ انتخاب‌ القاضي‌ لاهل‌ الحلّ والعقد.

 جاء في‌ عهد أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لمالك‌ الاشتر:

 ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي‌ نَفْسِكَ مِمَّنْ لاَتَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ.

 وذلك‌ لانَّ القضاء ورفع‌ الخلاف‌ بين‌ الناس‌ لا علاقة‌ له‌ بالآراء العامّة‌.

 وحيث‌ إنَّ الحكم‌ ينحصر بالإسلام‌، فلم‌ يعيّن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أشخاصاً للتقنين‌ بصفة‌ مجلس‌ مقنّن‌، لانَّ الحكم‌ حكم‌ الحاكم‌، فليس‌ في‌ مقابله‌ حكم‌ ليحتاج‌ إلی‌ التعيين‌.

 ويقسّم‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ هذا العهد أفراد الناس‌ إلی‌ سبعة‌ طوائف‌: الكُتَّاب‌، وعمّال‌ الديوان‌، والتجّار، وأهل‌ الصناعات‌، والجيش‌، والقضاة‌ وأهل‌ المشورة‌، وأهل‌ المسكنة‌، أي‌ المحتاجون‌ للحماية‌ والمراعاة‌ من‌ الضعفاء والمساكين‌ وذوي‌ العاهات‌ والعلل‌.

 ويقول‌ الإمام لمالك‌ الاشتر: من‌ بين‌ هذه‌ المجموعات‌ السبع‌، علیك‌ بتعيين‌ القضاة‌ بنفسك‌، أي‌ ليس‌ من‌ الصحيح‌ إيكال‌ حقّ القضاء للاكثريّة‌ ( إذ كما في‌ أيّامنا هذه‌ حيث‌ يتمّ تعيين‌ القضاة‌ في‌ أمريكا بواسطة‌ الاكثريّة‌ ).

 وكان‌ توفيق‌ الفكيكي‌ّ في‌ شرحه‌ لعهد أمير المؤمنين‌ لمالك‌ الاشتر قلقاً جدّاً من‌ هذه‌ الناحية‌؛ فيقول‌ ] ما خلاصته‌ [:

 من‌ جوانب‌ عظمة‌ عهد أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ هي‌ جعله‌ انتخاب‌ القاضي‌ بيد الحاكم‌ الذي‌ هو الولي‌ّ ووإلی‌ الحكومة‌ في‌ الإسلام‌. فحاصل‌ إيكال‌ الامريكيّون‌ أمر انتخاب‌ القضاة‌ للاكثريّة‌ ـوجعلوا انتخابهم‌ بواسطة‌ آراء الاكثريّة‌ كما في‌ أعضاء البرلمان‌ والقوّة‌ المقنّنة‌ـ هو وجود نفس‌ المفاسد الموجودة‌ في‌ المجالس‌ المقنّنة‌ المنتخبة‌ عن‌ طريق‌ آراء الاكثريّة‌، والتوصيات‌ والالاعيب‌ في‌ القوّة‌ القضائيّة‌ أيضاً. فيأمل‌ المنتخِبون‌ من‌ المنتخَب‌ بأن‌ يجسّد آمالهم‌ ويحقّق‌ مطالبهم‌. والقضاة‌ الذين‌ ينتخبون‌ هناك‌ للسلطة‌ القضائيّة‌، ينتخبون‌ علی‌ هذا الاساس‌. ولذا، فمن‌ بداية‌ جلوسهم‌ علی‌ كرسي‌ القضاء علیهم‌ أن‌ يحقّقوا طوال‌ العمر مطالب‌ أُولئك‌ الذين‌ انتخبوهم‌. وهذه‌ الطريقة‌ تسبّب‌ في‌ إيجاد مفاسد كبيرة‌ جدّاً، إذ تسقط‌ مكانة‌ القضاء، إذ سيبذل‌ القضاة‌ كلّ جهودهم‌ من‌ أجل‌ التنافس‌ علی‌ المقام‌ والمنصب‌ كسائر الناس‌، ممّا يترتّب‌ علیه‌ تلك‌ النتائج‌ الفاسدة‌.

 والإسلام‌ بعظمته‌ لم‌ يوكل‌ حقّ القضاء للاكثريّة‌، وكذا الحال‌ بالنسبة‌ لإيكال‌ حقّ الوكالة‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌ ( واعتباره‌ مجلساً مقنّناً )، ومجلس‌ الشوري‌ يعني‌ مجلس‌ أهل‌ الحلّ والعقد. فوضعه‌ بيد الاكثريّة‌ غيرصحيح‌. إنَّ أهل‌ الحلّ والعقد هم‌ الذين‌ يحتاجهم‌ المجتمع‌ لكي‌ يشاورهم‌ في‌ الاُمور ويستعين‌ بآرائهم‌، ولايمكن‌ لآراء الاكثريّة‌ أن‌ تكون‌ طريقاً وأمارة‌ لمعرفة‌ تعيين‌ أهل‌ الحلّ والعقد.

 الرجوع الي الفهرس

العلم‌ الوجداني‌ّ لكلّ شخص‌ هو الذي‌ يقوده‌ إلی‌ ولاية‌ الفقيه‌

 ولو أشكل‌ البعض‌ قائلاً: لو لم‌ تكن‌ آراء الاكثريّة‌ هي‌ الطريق‌ لمعرفة‌ أهل‌ الحلّ والعقد، فكيف‌ يمكن‌ معرفتهم‌؟ وما هو الطريق‌ الموصل‌ إلیهم‌؟ فلابدّ من‌ وجود جماعة‌ أُخري‌ ترشدنا إلیهم‌. وعندئذٍ ننقل‌ الكلام‌ إلی‌ هذه‌ الجماعة‌ ونقول‌: من‌ هم‌ هـؤلاء الاشـخاص‌ الذين‌ يدلّونا علی‌ أهل‌ الحلّ والعقد؟ فلابدّ من‌ القول‌ إنَّه‌ هناك‌ جماعة‌ أُخري‌ يجب‌ أن‌ تدلّنا علی‌ هؤلاء الاشخاص‌، وهَلُمَّ جَرَّاً. وهذا هو التسلسل‌ بعينه‌، والتسلسل‌ باطل‌.

 والجواب‌: أنَّ المسألة‌ ليست‌ بهذا الشكل‌، فآراء أهل‌ الحلّ والعقد التي‌ لها حجّيّة‌ في‌ تعيين‌ الرئيس‌ هي‌ في‌ النتيجة‌ حكم‌، وليست‌ دلالة‌ علی‌ الطريق‌. فأهل‌ الحلّ والعقد معروفون‌ في‌ المجتمع‌ بأنفسهم‌، وهم‌ قائمون‌ بأنفسهم‌، وطريق‌ الوصول‌ إلیهم‌ هو العلم‌ الوجداني‌ّ في‌ كلّ شخص‌. فأهل‌ الحلّ والعقد لهم‌ ملامح‌ خاصّة‌ وعنوان‌ مشخّص‌ خارجي‌ّ مستقلّ عن‌ سائر الطبقات‌.

 وعلینا الرجوع‌ إلیهم‌ بعنوان‌ «فَسْئَلُو´ا أَهْلَالذِّكْرِ إِن‌ كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ» [4]

 فكما نرجع‌ في‌ بناء المنزل‌ إلی‌ البنّاء، وفي‌ علاج‌ الامراض‌ إلی‌ الاطبّاء الحاذقين‌، ونشاور قضيّة‌ الاقتصاد التجّار من‌ أهل‌ الخبرة‌، فعلینا الرجوع‌ إلی‌ أهل‌ الحلّ والعقد في‌ مسائل‌ الحكومة‌ وولاية‌ الفقيه‌، وهم‌ أُناس‌ معروفون‌ في‌ المجتمع‌ كسائر الاخصّائيّين‌، فلا حاجة‌ إلی‌ انتخابهم‌ عن‌ طريق‌ الناس‌ عموماً عبر آراء الاكثريّة‌.

 فعندما يعرف‌ الناس‌ في‌ مدينة‌ ما بنّاءً ماهراً في‌ فنّه‌، فإنَّهم‌ يرجعون‌ إلیه‌، كما يعرفون‌ الطبيب‌ الفلاني‌ كأفضل‌ جرّاح‌، بعد أن‌ برهن‌ علی‌ تبحّره‌ وتخصّصه‌ ومهارته‌ والتزامه‌ وعدالته‌ من‌ خلال‌ الجهود التي‌ كان‌ يبذلها في‌ العمليّات‌ الجراحيّة‌ المختلفة‌، وعدم‌ ملاحظته‌ عند قيامه‌ بوظيفته‌ لاي‌ّ علاقة‌ شخصيّة‌ علی‌ الإطلاق‌. فوجود شخص‌ كهذا يعرّف‌ نفسه‌ بنفسه‌، ولذا يرجع‌ إلیه‌ الناس‌. وكذا في‌ سائر الحرف‌ والصناعات‌.

 والامر في‌ مسائل‌ الاحكام‌ الدينيّة‌ والولاية‌ من‌ هذا القبيل‌ أيضاً، وهو ليس‌شيئاً معقّداً لكي‌ نخرجه‌ بصور أُخري‌، ونحتاج‌ لحلّه‌ إلی‌ عمليّة‌ تحليل‌ رياضيّة‌، كعمليّات‌ الجذر التكعيبي‌ّ أو المعادلات‌ الجبريّة‌ الرياضيّة‌ من‌ الدرجة‌ الثالثة‌.

 ويرجع‌ الناس‌ في‌ مشاكلهم‌ إلی‌ الاشخاص‌ الذين‌ هم‌ أفضل‌ في‌ فنّهم‌ وفي‌ علمهم‌، وبصيرتهم‌ في‌ علم‌ الدين‌ أكثر، ودقّتهم‌ في‌ المطالب‌ أعمق‌، وفكرهم‌ أنقي‌ وأصدق‌؛ ويكون‌ فكرهم‌ وطهارتهم‌ الباطنيّة‌ وعلمهم‌ أمارةً علی‌ ولاية‌ الفقيه‌، فيجب‌ الرجوع‌ إلی‌ هكذا أشخاص‌ والفحص‌ عن‌ آرائهم‌ بالنسبة‌ إلی‌ الحاكم‌ في‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ ( الذي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ بقيّة‌ الفقهاء خاضعين‌ لحكومته‌ ) ومبايعة‌ كلّ من‌ ينتخبونه‌ بعد ملاحظتهم‌ للمصلحة‌.

 وعلی‌ هذا فطريق‌ الوصول‌ إلی‌ أهل‌ الخبرة‌ هو العلم‌ الوجداني‌ّ للناس‌، فيقول‌ الإمام الصادق‌ علیه‌ السلام‌ في‌ الحديث‌ الذي‌ ذكرناه‌ حسب‌ رواية‌ الإمام الحسن‌ العسكري‌ّ علیه‌ السلام‌: وَاضْطَرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ... فالجميع‌ مجبورون‌ ومضطرّون‌ بحسب‌ علمهم‌ الوجداني‌ّ ومعرفتهم‌ القلبيّة‌ لكي‌ يقبلوا ذلك‌.

 فلم‌ يعد باستطاعة‌ أحد بعد ذلك‌ أن‌ يدّعي‌ عدم‌ علمه‌ وعدم‌اطّلاعه‌ ومعرفته‌ بطريق‌ الحلّ وإلی‌ من‌ يرجع‌ في‌ مسائله‌، كما يدّعيه‌ البعض‌ في‌ مقام‌ الاعتذار من‌ أ نَّه‌ لا يمتلك‌ التوفيق‌ لصلاة‌ الليل‌، فما الذي‌ يمكن‌ عمله‌ لينال‌ ذلك‌ التوفيق‌؟! فلا محلّ لهذه‌ الاعذار، فمن‌ كان‌ قاصداً لذلك‌ فلينهض‌ من‌ نومه‌ ويصلّي‌ صلاة‌ الليل‌، وإلاّ فكلّ ذلك‌ تبريرات‌ غيرموجّهة‌.

 لو أخبركم‌ أحد الاشخاص‌ مثلاً أ نَّه‌ سيأتي‌ شخص‌ إلی‌ بيتكم‌ عند أذان‌ الصبح‌ ويؤمّن‌ ما تريدونه‌ من‌ احتياجاتكم‌ المادّيّة‌ مثلاً، أو ليعطيكم‌ الكتاب‌ الفلاني‌ النفيس‌ النادر الذي‌ كنتم‌ تبحثون‌ عنه‌ سنيناً طويلة‌، أو ليمنحكم‌ خاتماً ثميناً تعادل‌ قيمته‌ مقدار دخلكم‌ الشهري‌ّ، أو ليؤدّي‌ ديونكم‌، وأمثال‌ ذلك‌؛ فهل‌ تستطيعون‌ النوم‌ طوال‌ الليل‌؟ أو أ نَّكم‌ تظلّون‌ حاملين‌ همّ من‌ سيوقظكم‌، فتنتظرونه‌ قرب‌ الباب‌ لتبادروا لفتحها له‌ خشية‌ أن‌ ينتظر ذلك‌ القادم‌ خلف‌ الباب‌ فيشعر بالاذي‌ ويعود إلی‌ أدراجه‌. وقد لايتمكّن‌ المرء من‌ النوم‌ في‌ تلك‌ الليلة‌، لشدّة‌ رغبته‌ وانتظاره‌ لفتح‌ الباب‌ في‌ تلك‌ اللحظة‌ المعيّنة‌ لذلك‌ القادم‌!

 فهنا لا مجال‌ للاخذ والردّ، فنفس‌ السبب‌ الذي‌ جعل‌ الإنسان‌ يقظاً لاينام‌ دعاه‌ ليكون‌ حاضراً عند الاذان‌ لفتح‌ الباب‌ لذلك‌ الشخص‌ القادم‌، يجب‌ أن‌ يدعوه‌ للقيام‌ لصلاة‌ الليل‌.

 ومن‌ هنا يُعلم‌ أنَّ ما أُتي‌ به‌ مجرّد تبرير، وقد موَّه‌ الامر علی‌ نفسه‌ وتجاهل‌ الحقيقة‌ عندما قال‌ إنَّ الله‌ لم‌ يوفّقه‌. وكأنَّ الإنسان‌ يظنّ واقعاً أنَّ الملائكة‌ المقرّبين‌ ( مثل‌ جبرائيل‌ وإسرافيل‌ ) يجب‌ أن‌ يهبطوا من‌ أعإلی‌ السماوات‌ ليأخذوا بيده‌ ويوقظوه‌، مع‌ أنَّ الامر ليس‌ كذلك‌، فإذا أمراللهُ تعإلی‌ الإنسان بأمر، فإنَّ سعي‌ الإنسان‌ لتنفيذه‌ يكون‌ ذلك‌ توفيقاً. وإذا لم‌يسعَ يكون‌ قد جرَّ نفسه‌ بنفسه‌ إلی‌ الشقاوة‌.

 وكذلك‌ أهل‌ الخبرة‌ الذين‌ هم‌ أهل‌ الحلّ والعقد، فيمتلك‌ جميع‌ الناس‌ طريق‌ معرفتهم‌ من‌ أعماق‌ قلوبهم‌ ومن‌ ضمائرهم‌ ومعارف‌ قلوبهم‌ وعلمهم‌ الوجداني‌ّ، وإذا رجعوا إلیهم‌ فإنَّهم‌ يصلون‌ إلی‌ الواقع‌، بينما إذا أرادوا إهمال‌ علمهم‌ الوجداني‌ّ والتصرّف‌ علی‌ أساس‌ آراء وأفكار العامّة‌، ولم‌يعملوا وفق‌ ذلك‌ العلم‌ إلیقيني‌ّ والوجداني‌ّ والقلبي‌ّ الذي‌ يمتلكونه‌، واتّبعوا أقاويل‌ الناس‌ ( من‌ أنَّ زيداً أفضل‌ من‌ عمرو ) عن‌ هوي‌ وهوس‌، فحينئذٍ سيحتجب‌ الحقّ خلف‌ الحجب‌، ولا يمكن‌ للوهلة‌ الاُولي‌ تمييز الحقّ من‌ الباطل‌ بواسطة‌ الاُمور المصطنعة‌.

 أمّا إذا اتّبعوا الحقّ ببصيرة‌ قلوبهم‌ وتشخيص‌ وجدانهم‌ ومعارف‌ قلوبهم‌ فسوف‌ يتعرّفون‌ علی‌ أهل‌ الحلّ والعقد، ممّن‌ يمتلكون‌ في‌ مقام‌ الثبوت‌ لياقة‌ هذا المقام‌ حقيقةً. وإن‌ لم‌ يرجعوا إلیهم‌ فسوف‌ يحتلّ مكانهم‌ آخرون‌.

 كما احتلّ كرسي‌ الإمارة‌ والولاية‌ والإمامة‌ آلاف‌ الاشخاص‌ منذ أكثر من‌ ألف‌ سنة‌ باسم‌ الإمام أو الخليفة‌، وتمّ ذلك‌ بمن‌ انتحلوا اسم‌ أهل‌ الحلّ والعقد وعملوا تحت‌ هذا العنوان‌، فاتّبعهم‌ الجهلة‌ والعوامّ علی‌ تلك‌ الحال‌ المعروفة‌ إلی‌ هذه‌ الايّام‌.

 فطريق‌ الوصول‌ إلی‌ أهل‌ الحلّ والعقد إذَن‌ هو ذلك‌ الإلهام‌ وتلك‌ الإدراكات‌ العاديّة‌ والضروريّة‌ للإنسان‌، وليس‌ هناك‌ من‌ طريق‌ خاصّ لمعرفتهم‌ والوصول‌ إلیهم‌ سوي‌ هذا الطريق‌. وعلیه‌، فآراء الاكثريّة‌ ليستّطريقاً موصلة‌.

 ليس‌ الذين‌ يجتمعون‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌ بعنوان‌ أهل‌ الخبرة‌ وأهل‌ الحلّ والعقد، ويقومون‌ بمساعدة‌ ولاية‌ الفقيه‌ بمستقلّين‌، ولايمتلكون‌ نظراً وفكراً وقانوناً خاصّاً، ولا يستطيعون‌ جعل‌ قانون‌ آخر مقابل‌ قانون‌ الولي‌ّ الفقيه‌، ولا يرون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ مجبوراً علی‌ العمل‌ طبق‌ آرائهم‌ أو الخضوع‌ لامرهم‌ أو مماشاتهم‌ في‌ بعض‌ الموارد؛ فهذا ما لايمكن‌ اعتباره‌ صحيحاً.

 وأساساً، لا يوجد في‌ الإسلام‌ مجلس‌ بهذه‌ الصورة‌ والكيفيّة‌، وإنَّما هناك‌ مجلس‌ أهل‌ الحلّ والعقد فقط‌، وليس‌ من‌ الضروري‌ّ أن‌ يكون‌ عدد أعضائه‌ كبيراً، وكما يصطلح‌ علیه‌ في‌ هذه‌ الايّام‌ بحدّ النصاب‌ المقرّر. بل‌ ما إن‌ يجتمع‌ عدد من‌ أهل‌ الخبرة‌ والتجربة‌ والفكر وأصحاب‌ الغيرة‌ والتديّن‌، فذلك‌ يكفي‌ لإدارة‌ هذه‌ المجلس‌.

 الرجوع الي الفهرس

أرسطو هو مؤسّس‌ مبدأ تفكيك‌ القوي‌ الثلاث‌

 لقد كان‌ أرسطو وراء أصل‌ تفكيك‌ القوي‌ ( أي‌ القوي‌ الثلاث‌: التشريعيّة‌ والقضائيّة‌ والتنفيذيّة‌ ) إذ كان‌ يري‌ الذين‌ يتسلّمون‌ السلطة‌ والحكم‌ ويتولّون‌ علی‌ الناس‌ ملوكاً ظالمين‌ وجائرين‌، وكانوا يمسكون‌ بكامل‌ السلطات‌ ويسيطرون‌ علی‌ الاُمور بشكل‌ كامل‌ ( سواء الاُمور التنفيذيّة‌ أم‌ القضائيّة‌ أم‌ في‌ مجال‌ السنن‌ والآداب‌ التي‌ كانوا يعلّمونها للناس‌ ) فهم‌ الذين‌ يصدّرون‌ الاوامر، وهم‌ الذين‌ يضعون‌ القوانين‌. وباختصار فقد كانوا فَعّالٌ لِما يَشاءُ وَحاكِمٌ لِما يُريدُ في‌ جَميعِ شُؤُونِهِمْ وَآثارِهِمْ؛ ولذا اقترح‌ أرسطو هذا الاقتراح‌ لكي‌ لا يتمكّن‌ السلطان‌ في‌ البلاد التي‌ يكون‌ حاكمها سلطاناً جائراً ـوكان‌ الامر ولا يزال‌ في‌ جميع‌ الاماكن‌ بهذا النحوـ من‌ أن‌ يفعل‌ ما يشاء ويرتكب‌ أي‌ّ ظلم‌ يريده‌.

 فاستلام‌ السلطة‌ وعلوّ المقام‌ والرفعة‌ وتخيّل‌ الإنسان‌ نفسه‌ في‌ عالم‌ من‌ التصوّر الموهوم‌ والسمو الاعتباري‌ّ يبدّل‌ شخصيّته‌ الاوّليّة‌ ويفسد ويضيّع‌ الإنسان‌ الطاهر بشكل‌ كامل‌؛ فقد كان‌ كثير من‌ الملوك‌ ـفي‌ بداية‌ أمرهم‌ـ أُناساً صالحين‌ وجيّدين‌، كما كان‌ الكثير من‌ الحكّام‌ أيضاً من‌ المناسبين‌ لهذا المنصب‌؛ لكن‌ ما أن‌ تبدّلت‌ الظروف‌ حتّي‌ صارت‌ سلطتهم‌ تتصرّف‌ في‌ جوّ موهوم‌ اعتباري‌ّ شيطاني‌ّ بالشكل‌ الذي‌ صاروا يرون‌ أنفسهم‌ أصحاب‌ النفوذ والقدرة‌ والولاية‌ الواقعيّة‌ علی‌ الناس‌، ففقدوا بالنتيجة‌ تلك‌ الصفات‌ الحسنة‌ والمُثلي‌ وتحوّلوا إلی‌ حكّام‌ وملوك‌ جائرين‌ وظالمين‌! وأساساً، فقاعدة‌ السلطنة‌ والحكومة‌ ليست‌ غير هذا.

 والسبب‌ في‌ قول‌ الإسلام‌ بوجوب‌ كون‌ الحكومة‌ بيد الإمام المعصوم‌ المعيّن‌ من‌ الله‌ تعإلی‌ مع‌ تلك‌ الخصوصيّات‌، ولاسبيل‌ غير ذلك‌، هو هذا الذي‌ ذكرناه‌.

 أجل‌؛ فأرسطو، ولكي‌ يعالج‌ ظلم‌ الحكّام‌، قال‌: يجب‌ أن‌ تفكّك‌ تلك‌ القوي‌ عن‌ بعضها. فتكون‌ هناك‌ قوّة‌ تشريعيّة‌ تقوم‌ باتّخاذ القرار في‌ الاُمور المتداولة‌ بين‌ الناس‌ طبقاً للمصالح‌ العامّة‌.

 بينما تقوم‌ مجموعة‌ أُخري‌ مستقلّة‌ عنها بفصل‌ الخصومات‌ بين‌ الناس‌ وحلّ النزاعات‌.

 وتقوم‌ مجموعة‌ ثالثة‌ أيضاً بتنفيذ الاحكام‌ والمسائل‌، ويكون‌ لها حكم‌ الرقابة‌ والإشراف‌ علی‌ تنفيذ أُمور الناس‌.

 ففصل‌ هذه‌ القوي‌ الثلاث‌ عن‌ بعضها بهذا النحو لكي‌ لاتكون‌ مرتبطة‌ ببعضها بنحوٍ تؤثّر إحداهما علی‌ الاُخري‌، بل‌ لكلّ منها استقلإلیة‌، وتكون‌ تحت‌ نظر الحاكم‌ دون‌ التمكّن‌ من‌ السيطرة‌ الكاملة‌ علیها. فإذا تمكّن‌ الحاكم‌ من‌ السيطرة‌ علی‌ الاُمور فستكون‌ سيطرته‌ محدودة‌، لاسيطرة‌ تامّة‌ واستبداديّة‌ بذلك‌ الشكل‌ الذي‌ يجرُّ به‌ جميع‌ الشعب‌ باتّجاه‌ شهواته‌، ويجعلهم‌ طعمة‌ له‌.

 وقد دوّن‌ هذا الرأي‌ في‌ منتصف‌ القرن‌ الثامن‌ عشر الميلادي‌ّ من‌ قبل‌ مونتِسكيو، أحد روّاد إلیقظة‌ الفكريّة‌ في‌ فرنسا، ومنذ ذلك‌ الحين‌ تقبّل‌ العالَم‌ ( إلاّ في‌ دول‌ قليلة‌ ) هذه‌ القوي‌ الثلاث‌.

 وبالرغم‌ من‌ ذلك‌ لم‌ يقضَ علی‌ الاستبداد عمليّاً، كما أنَّ هدف‌ أرسطو لم‌يتحقّق‌، فكلّ مَن‌ تسلّم‌ مقإلید الحكم‌، راح‌ ينازع‌ هذه‌ القوي‌ الثلاث‌ حتّي‌ إلغائهاوإخضاعها لقدرته‌ ونفوذه‌ وحمكه‌ ليحكم‌ جميع‌ أبناء الشعب‌ من‌ خلال‌ واجهتها.

 الرجوع الي الفهرس

اقتراح‌ النائيني‌ّ في‌ تفكيك‌ القوي‌ علی‌ فرض‌ وجود الحكومة‌ الجائرة‌

 فمونتسكيو هو الذي‌ دوّن‌ القوي‌ الثلاث‌ وعرّفها لتصبح‌ متداولة‌ بين‌ المجتمعات‌.

 وحتّي‌ أنَّ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الميرزا محمّد حسين‌ النائيني‌ّ رضوان‌الله‌ علیه‌ قد تقبّل‌ هذا الرأي‌ في‌ كتاب‌ « تنبيه‌ الاُمّة‌ وتنزيه‌ الملّة‌ » وامتدح‌ مبتدعه‌ ومبتكره‌، واعتبر رأيه‌ هذا ناشئاً من‌ النبوغ‌، وكان‌ يعتقد أنَّ رأياً كهذا يمنع‌ ظلم‌ الحكّام‌ من‌ أهل‌ الجور وينظّم‌ أمره‌ في‌ الحكومة‌، ويقول‌ بعد ذلك‌ في‌ جملة‌ ( تتّمة‌ لهذا المطلب‌ ): إنَّ هذا المطلب‌ يبعث‌ علی‌ غبطتنا نحن‌ المسلمين‌ أيضاً، ويجب‌ أن‌ نعترف‌ هنا بسرورنا، ومع‌ وجود جميع‌ هذه‌ الاحكام‌ المتقنة‌ والمحكمة‌ والمستدلّة‌ الموجودة‌ فلِمَ لانسعي‌ إلیها ونتّبع‌ تلك‌ الاحكام‌ الدقيقة‌؟ لكي‌ يأتي‌ الاجانب‌ ويجعلوا لنا القوانين‌ ويفرضوها علینا، ويكون‌ علینا أن‌ نتقبّل‌ عاجزين‌ تلك‌ القوانين‌ بصفتها قوانين‌ متقنة‌. [5]

 وكان‌ كلام‌ المرحوم‌ النائيني‌ّ هذا في‌ كتاب‌ « تنزيه‌ الملّة‌ » مبتنياً علی‌ أساس‌ الاستدلال‌ علی‌ صحّة‌ وإتقان‌ الحكومة‌ الدستوريّة‌، لانَّ هذا الكتاب‌ قد أُ لِّف‌ لتصحيح‌ القوانين‌ الدستوريّة‌، وجهد فيه‌ لتطبيق‌ قوانينه‌ مع‌ أحكام‌ الإسلام‌.

 لقد رتّب‌ أساس‌ ذلك‌ الكتاب‌ علی‌ أساس‌ الحكومة‌ الجائرة‌ لحكّام‌ الجور، علی‌ اعتبار عدم‌ إمكاننا حإلیاً من‌ قلب‌ نظام‌ الحكم‌ الملكي‌ّ واقتلاع‌ الحكّام‌ الظالمين‌ من‌ المجتمع‌ الإسلامي‌ّ؛ فعلینا إذَن‌ ـ من‌ باب‌ الاضطرار، وفي‌ مرحلة‌ أدني‌ـ أن‌ نكتفي‌ ونرضي‌ بأقلّ الظلم‌؛ وأقلّ الظلم‌ هو أن‌ نأتي‌ إلی‌ ذلك‌ الملك‌ المتسلّط‌ علی‌ الناس‌ ـيقوم‌ باختلاس‌ أموال‌ الناس‌ وسفك‌ دمائهم‌ وزهق‌ أرواحهم‌ من‌ دون‌ أي‌ّ رادع‌، كما يقوم‌ بإعطاء الامتيازات‌ للاجانب‌ دون‌ رادع‌ـ فنحدّد من‌ سلطته‌ ونقيّده‌ علی‌ الاقلّ ببعض‌ الحدود من‌ خلال‌ تفكيك‌ قوي‌ الحكومة‌ وإخراجه‌ من‌ حالة‌ العنان‌ المرخي‌، وليس‌ هناك‌ من‌ حلّ غير تفكيك‌ القوي‌ الثلاث‌ وتأسيس‌ مجلس‌ يجتمع‌ فيه‌ الناس‌ ويتشاورون‌ فيه‌ حول‌ أُمورهم‌ فتصدر الاحكام‌ منه‌ علی‌ أساس‌ رأي‌ الاكثريّة‌.

 ويجب‌ أن‌ يتمّ التفكيك‌ بين‌ القوي‌ التنفيذيّة‌والقوّة‌ القضائيّة‌ أيضاً. فإذا كانت‌ كلّ هذه‌ القوي‌ مستقلّة‌ ومنفصلة‌ عن‌ القوي‌ الاُخري‌، ومستقلّة‌ أمام‌ سلطة‌ ذلك‌ الحاكم‌، فعندئذٍ يمكن‌ للناس‌ أن‌ تتنفّس‌ وتصل‌ إلی‌ بعض‌ حقوقها؛ وبهذا الشكل‌ يمكن‌ تخفيف‌ وطأة‌ الظلم‌ والاستبداد المحض‌ بنسبة‌ معيّنة‌.

 لقد بنيت‌ هذه‌ الرسالة‌ علی‌ هذا الاساس‌، وإلاّ فهو رحمه‌الله‌ يعترف‌ بعدم‌شرعيّة‌ هذه‌ الحكومة‌. وأنَّ حكومة‌ الجور لا تنسجم‌ مع‌ مذهب‌ التشيّع‌ من‌ الاساس‌ إلاّ بنحو الموجبة‌ الجزئيّة‌. ولذا، كان‌ يقول‌ كراراً ومراراً في‌ هذا الكتاب‌: مع‌ وجود الحكومة‌ الإسلاميّة‌، وبالاخصّ الحكومة‌ الشيعيّة‌، فلامعني‌ للخضوع‌ للظلم‌ وإقرار الحكومة‌ الجائرة‌ في‌ مقابل‌ حكومة‌ الفقيه‌ العادل‌. والإسلام‌ والتشيّع‌ أبطل‌ هذا الامر من‌ الاساس‌.

 لكن‌ ما العمل‌ وقد تولّي‌ هؤلاء الحكومة‌، وإزاحتهم‌ عنها غيرممكنة‌ لنا، لكن‌ في‌ المرحلة‌ الثانية‌ ـومن‌ باب‌ أنَّ الضَّروراتُ تُقَدَّرُ بِقَدَرِها ـ نقوم‌ بتحديد حكوماتهم‌ الجائرة‌ بهذه‌ الحدود.

 وكلامنا هو: أنَّ كلام‌ المرحوم‌ النائيني‌ّ قد ارتضي‌ بتجزئة‌ القوي‌، لكنَّ تجزئة‌ القوي‌ واستقلالها أمر خاطي‌ قياساً بأُسس‌ الدين‌.

 ففي‌ دين‌ الإسلام‌، يجب‌ أن‌ يكون‌ الحاكم‌ ـالذي‌ يترشّح‌ منه‌ أصل‌ الحكم‌ـ هو الانقي‌، والاعقل‌، والاطهر، والاقوي‌ فكريّاً والاعرف‌ بالإسلام‌ وبالنبي‌ّ، والاكثر تجرّداً من‌ بين‌ أبناء الاُمّة‌.

 فالحكم‌ ينزل‌ منه‌ وينحدر بشكل‌ مخروطي‌ّ، وكلّما انحدر نزولاً اتّسعت‌ دائرة‌ المخروط‌ أكثر إلی‌ أن‌ يصل‌ إلی‌ مستوي‌ عامّة‌ الناس‌؛ فتكون‌ القوي‌ الثلاث‌ مندكّة‌ في‌ إرادته‌ وأمره‌. فيجب‌ أن‌ يكون‌ التنصيب‌ والعزل‌ برأي‌ القاضي‌، فبيده‌ عزل‌ ونصب‌ القضاة‌ وأئمّة‌ الجمعة‌.

 كما أنَّ بيده‌ تعيين‌ المستشارين‌ والوزراء والحكّام‌ والولاة‌ وإرسالهم‌ إلی‌ المناطق‌. وعلی‌ الجميع‌ أن‌ يرسلوا له‌ التقارير في‌ جميع‌ أُمورهم‌، ويكون‌ هو علی‌ رأس‌ ذلك‌ المخروط‌ الكبير، وجميع‌ المسؤوليّات‌ أيضاً في‌ عنقه‌. وهذا مقام‌ رفيع‌ جـدّاً وجليل‌ وقـد وضعه‌ الله‌ بيد من‌ هـو أهلاً لذلك‌.

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌، فجميع‌ وزر ووبال‌ وثقل‌ ذنوب‌ الاُمّة‌ في‌ عنقه‌. فلو قام‌ بأي‌ّ تعدٍّ في‌ الجملة‌، فإنَّ الله‌ تعإلی‌ يبتليه‌ بعذاب‌ لايعذّبه‌ آلاف‌ الآلاف‌ من‌ الاشخاص‌ العاديّين‌، لانَّ صدور الباطل‌ منه‌ وإن‌ قلّ، فإنَّه‌ واسع‌ من‌ خلال‌ نزوله‌ المخروطي‌ّ، فيشمل‌ بالنتيجة‌ جميع‌ أبناء الاُمّة‌.

 أمّا لو قام‌ شخص‌ في‌ زاوية‌ من‌ زوايا البلاد وناحية‌ من‌ نواحي‌ هذا المخروط‌ بخطأ ما، فإنَّ ذنبه‌ سيختصّ به‌ ولا يسري‌ من‌ أسفل‌ إلی‌ أعلی‌.

 هذا هو مقام‌ ولاية‌ الفقيه‌ الذي‌ كان‌ التأكيد علیه‌ إلی‌ هذا الحدّ في‌ الروايات‌. ولاطريق‌ للوصول‌ إلیه‌ سوي‌ أهل‌ الحلّ والعقد. فالإمامة‌ والزعامة‌ مقام‌ كبير، لارتباط‌ نظام‌ الاُمّة‌ بها.

 الرجوع الي الفهرس

نهج‌ البلاغة‌: وَالإمَامَة نِظَاماً لِلاُمَّةِ وَالطَّاعَةَ تَعظِيماً لِلإمَامَة

 يقول‌ الإمام أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ إحدي‌ حكمه‌ المذكورة‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ »، وعبارتها طبقاً لنسخة‌ فتح‌ الله‌ الكاشاني‌ّ والمطابقة‌ لنسخة‌ شرح‌ الخوئي‌ّ التي‌ هي‌ بقلم‌ الحاجّ الميرزا محمّدباقر الكمراي‌، مايلي‌:

 وَالإمَامَة نِظَاماً لِلاُمَّةِ وَالطَّاعَةَ تَعظِيماً لِلإمَامَةِ. [6]

 أي‌ أنَّ الله‌ تعإلی‌ جعل‌ الإمامة‌ لكي‌ يكون‌ للاُمّة‌ نظام‌، فلو لم‌تجعل‌ الإمامة‌ ولم‌يكن‌ للناس‌ رئيس‌ وإمام‌ ( الرئيس‌ والإمام الذي‌ ذكر الله‌ أوصافه‌ وأمر باتّباعه‌ ) لانفرط‌ نظام‌ الاُمّة‌؛ ويجب‌ علی‌ الاُمّة‌ أن‌ تطيع‌ الإمام احتراماً وتقديساً لمقام‌ الإمامة‌، لا نَّه‌ إذا لم‌ يقدّس‌ مقام‌ الإمام فلافائدة‌ للاُمّة‌ من‌ الإمامة‌، وسيكون‌ نظامها الذي‌ هو الإمامة‌ من‌ دون‌ فائدة‌ أيضاً.

 وإنَّما تؤثّر الإمامة‌ وتجسِّد لمفهومها مصداقاً وتأخذ مكانها وتصل‌ إلی‌ النتيجة‌ المطلوبة‌، عندما يكون‌ جميع‌ أبناء الاُمّة‌ مطيعين‌ للإمام.

 فإذا أطاعوا الإمام، فعندها تمسك‌ الإمامة‌ بنظام‌ الاُمّة‌ وتوصلها علی‌ أساس‌ ذلك‌ النظام‌ إلی‌ مصالحها الحقيقيّة‌ وكمالها المطلوب‌.

 نقلنا الرواية‌ عن‌ « نهج‌ البلاغة‌ » طبقاً لنسخ‌ النهج‌ المتعارفة‌ الموجودة‌ بأيدينا وبما أمكننا مراجعته‌، وربّما كانت‌ عبارة‌ وَالاَمَانَاتِ نِظَاماً لِلاُمَّةِ موجودة‌ في‌ جميع‌ النسخ‌. فأصل‌ عبارة‌ الإمام في‌ صدر الرواية‌ هو قوله‌: فَرَضَ اللَهُ الإيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ... ثمّ قام‌ ببيان‌ فلسفة‌ جعل‌ وتشريع‌ الصلاة‌ والزكاة‌ والجهاد وغيرها واحداً واحداً إلی‌ أن‌ قال‌: وَالاَمَانَاتِ نِظَاماً لِلاُمَّةِ؛ أي‌ جعل‌ الامانات‌ لنظام‌ الاُمّة‌، وعدَّ الإطاعة‌ والانصياع‌ أيضاً تقديساً لمقام‌ الإمامة‌. هذا ما وجد في‌ النسخ‌ المتعارفة‌ والمتداولة‌ بين‌ الايادي‌.

 لكن‌ قال‌ لي‌ ذات‌ إلیوم‌ المرحوم‌ العالم‌ الجليل‌ الحاجّ السيّد جواد المصطفوي‌ّ رحمة‌الله‌ علیه‌، مؤلّف‌ كتاب‌ « الكاشف‌ عن‌ ألفاظ‌ نهج‌ البلاغة‌ » ـوالحقّ يقال‌: إنَّ هذا الكتاب‌ المؤلَّف‌ من‌ الخدمات‌ الكبري‌ لـ « نهج‌ البلاغة‌ » وهو كتاب‌ نفيس‌ جدّاًـ: جاء في‌ بعض‌ النسخ‌ الخطّيّة‌ لـ « نهج‌ البلاغة‌ » بدلاً من‌ (وَالاَمَانَاتِ) عبارة‌: (وَالإمَامَة نِظَاماً لِلاُمَّةِ)؛ وهذه‌ العبارة‌ هي‌ أفضل‌، سواء من‌ ناحية‌ الطبع‌ والسياق‌ أم‌ من‌ ناحية‌ المعني‌.

 وعندما راجعنا فيما بعد النسخ‌ المختلفة‌ لـ « نهج‌ البلاغة‌ » اتّضح‌ أ نَّه‌ إضافة‌ إلی‌ النسخ‌ الخطّيّة‌ التي‌ ذكرها، فقد جاءت‌ هذه‌ العبارة‌ في‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» للملاّ فتح‌الله‌، وفي‌ الجزء الحادي‌ والعشرين‌ من‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ » للخوئي‌ّ بلفظ‌ «وَالإمَامَة» وهذا أيضاً صحيح‌، وسياقه‌ واضح‌ جدّاً. ويريد الإمام أن‌ يقول‌: إنَّ الله‌ تعإلی‌ قد جعل‌ الإمامة‌ نظاماً للاُمّة‌، وإطاعة‌ الاُمّة‌ تعظيماً لمقام‌ الإمامة‌.

تفسير آية‌: وَاجْعَل‌ لِّي‌ مِن‌ لَّدُنكَ سُلْطَـ'نًا نَصِيرًا

 وينقل‌ أبو الفداء الدمشقي‌ّ في‌ الجزء الثالث‌ من‌ تفسيره‌ المعروف‌ بـ « تفسير ابن‌ كثير » في‌ تفسير الآية‌ 80، من‌ السورة‌ 17: الإسراء: وَاجْعَل‌ لِّي‌ مِن‌ لَّدُنكَ سُلْطَـ'نًا نَصِيرًا، السلطان‌ يعني‌ القدرة‌ ( القدرة‌ النفسيّة‌ )، أي‌ انصرني‌ بقدرة‌ الجدارة‌ والصلاحيّة‌ لاتمكّن‌ من‌ تنفيذ أوامرك‌. وتمام‌ الآية‌: وَقُل‌ رَّبِّ أَدْخِلْنِي‌ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي‌ مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل‌ لّـِي‌ مِن‌ لَّدُنكَ سُلطَـ'نًا نَّصِيرًا. [7]

 لقد أعطيتني‌ مقام‌ النبوّة‌ لكنّي‌ ضعيف‌ وليس‌ لي‌ معين‌ ولانصير، فلاحكومة‌ لي‌ ولاسلاح‌ وليس‌ هناك‌ من‌ يسمع‌ كلامي‌ ولا من‌ يضمن‌ تنفيذ نبوّتي‌ وعلی‌َّ أن‌ أستمرّ في‌ الدعوة‌ بشكل‌ دائم‌، ويستمرّ المشركون‌ في‌ عنادهم‌ وتعدّيهم‌ أيضاً دون‌ أن‌ تترتّب‌ فائدة‌ علی‌ ما أقوم‌ به‌ من‌ دعوة‌ وتبليغ‌، ولايتمّ العمل‌ بمجرّد الإرشاد والتبليغ‌، فهؤلاء يزدادون‌ في‌ شدّة‌ وعصبيّة‌ يوماً بعد يوم‌، وليس‌ للإسلام‌ موضع‌ قدم‌ في‌ الدنيا أصلاً.

 فلابدّ من‌ وجود السيف‌، وأن‌ يكون‌ ثمّة‌ سوط‌ لاتمكّن‌ من‌ تطويع‌ المتمرّدين‌ والمعتدين‌.

 إنَّ حرّيّة‌ المتمرّد والمتجاوز حجر عثرة‌ أمام‌ حرّيّة‌ البريئين‌ والمظلومين‌. والذي‌ جعل‌ أبو سفيان‌ وجماعته‌ وأعوانه‌ وأتباع‌ مسلكه‌ أن‌ يلجأ أمثال‌ سلمان‌ وأبي‌ ذرّ للتواري‌ في‌ الصحاري‌، وأن‌ يحتجزوا خَبَّاب‌بن‌ الارَت‌ وأمثاله‌ بالبدن‌ العاري‌ في‌ الصحاري‌ علی‌ رمال‌ وحجارة‌ الحجاز الساخنة‌، ويقومون‌ بتعذيبهم‌ وإحداث‌ جراح‌ في‌ أبدانهم‌، ويضعون‌ الملح‌ علی‌ جروحهم‌ بشكل‌ أثّر في‌ أبدانهم‌ بشكل‌ عجيب‌، حتّي‌ جي‌ء بخبّاب‌بن‌ الارت‌ إلی‌ عمر بعد مدّة‌ طويلة‌، فطلب‌ منه‌ أن‌ يُريه‌ مواضع‌ التعذيب‌، وعندما كشف‌ خبّاب‌ عن‌ بدنه‌ وأراه‌ ظهره‌، بهت‌ عمر لرؤية‌ آثار التعذيب‌!

 طلب‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ الله‌ أن‌ يعطيه‌ الحكومة‌ ليتمكّن‌ من‌ تطبيق‌ هذا الدين‌ والقانون‌ الإلهيّين‌ بين‌ الناس‌ بواسطته‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 159، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[2] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الحكمة‌ 321؛ ومن‌ طبعة‌ محمّد عبده‌، ج‌ 2، ص‌ 212.

[3] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 159، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[4] ـ وردت‌ هذه‌ الجملة‌ في‌ موضعين‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌: الاوّل‌: ذيل‌ الآية‌ 43، من‌ السورة‌ 16: النحل‌. الثاني‌: ذيل‌ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[5] ـ أوردنا هنا ترجمة‌ عبارته‌ نقلاً عن‌ الطبعة‌ الثانية‌ لهذا الكتاب‌، ص‌ 95 تحت‌ عنوان‌ «الحكومة‌ في‌ نظر الإسلام‌»؛ يقول‌ رحمه‌ الله‌:

 الحقّ أنَّ جودة‌ استنباط‌ وحسن‌ استخراج‌ أوّل‌ حكيم‌ تعرّض‌ لهذه‌ المعاني‌، واستفاد واستنبط‌ المسؤولة‌ والاتّحاديّة‌ والمقيّدة‌ والدستوريّة‌، ومحدوديّة‌ نمط‌ السلطة‌ العادلة‌ الولايتيّة‌، وبناء أساسها علی‌ هذين‌ الاصلين‌ المباركين‌ (الحرّيّة‌ والمساواة‌)، والمسؤوليّة‌ المترتّبة‌ علیهما، وتوقّف‌ حفظ‌ مقوّماتها علی‌ هذين‌ الركنين‌ الركينين‌ علی‌ ضوء ما بيّناه‌، ورتّبها بشكل‌ قانوني‌ّ بنحو مطّرد ورسمي‌ّ بهذا الشكل‌ التامّ، واستخرج‌ إمكان‌ إقامة‌ القوّة‌ المسدّدة‌ والرادعة‌ الخارجيّة‌ مكان‌ قوّة‌ العصمة‌ العاصمة‌، أو علی‌ الاقلّ ملكة‌ التقوي‌ والعلم‌ والعدالة‌، في‌ كيفيّة‌ انبعاث‌ الإرادات‌ النفسيّة‌ من‌ الملكات‌ والإدراكات‌، وجعل‌ السلطات‌ في‌ وجودها الخارجي‌ّ خاضعة‌ لآراء القوّة‌ المسدّدة‌ وتحت‌ مسؤوليّتها، كما جعل‌ القوّة‌ المسدّدة‌ مسؤولة‌ أمام‌ أفراد الشعب‌ من‌ خلال‌ تجزئة‌ السلطات‌ وحصر سلطة‌ المتصدّين‌ للاُمور بالسلطة‌ التنفيذيّة‌ فقط‌ من‌ دواعي‌ الشرف‌ والاعتزاز له‌ ومن‌ موجبات‌ سرورنا وغبطتنا.

[6] ـ «نهج‌ البلاغة‌» قسم‌ الحِكَم‌، الحكمة‌ 252؛ ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 2، ص‌ 191. وقد ضبطها بهذه‌ العبارة‌: وَالاَمَانَاتِ نِظَاماً لِلاُمَّةِ وَالطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلإمَامَةِ.

[7] ـ الآية‌ 80، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com