بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایة الفقیه فی حکومة الاسلام / المجلد الثالث / القسم الرابع: شرط الاقوائیة فی الفقیه، شرائط الحاکم الاسلامی، اهل الذ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

مفاد: مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ...

 وما يُستفاد من‌ كلامه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ إلَی‌ الجَنَّةِ إلاَّ وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ بِهِ؛ وَمَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إلاًّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ [1]، هو أنَّ مراده‌ المسائل‌ الكلّيّة‌، والتي‌ من‌ جملتها نصب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ للولاية‌، حيث‌ قد فُتحت‌ جميع‌ طرق‌ الجنّة‌ وأُغلقت‌ جميع‌ طرق‌ جهنّم‌ بواسطته‌ علیه‌ السلام‌، لا أنَّ مراده‌ علیه‌ السلام‌ هو: أ نِّي‌ قد بيّنت‌ لكم‌ جزئيّات‌ جميع‌ الاحكام‌، مثل‌ سائر التصرّفات‌ التفصيليّة‌ في‌ الصلاة‌، كرفع‌ إلید أو وضع‌ الإبهام‌ في‌ السجود.

 صحيح‌ أ نَّه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قد قال‌: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي‌ أُصَلِّي‌ [2]؛ لكن‌ لم‌ يوفّق‌ جميع‌ الناس‌ لرؤية‌ جميع‌ حركات‌ النبي‌ّ وجزئيّات‌ صلاته‌، وبعد وفاة‌ النبي‌ّ اختلف‌ أصحابه‌ اختلافاً كبيراً، حتّي‌ في‌ صلاة‌ الميّت‌، حيث‌ اختلفوا في‌ عدد تكبيراتها، أهي‌ أربع‌ أو خمس‌ أو ستّ، مع‌ أنَّ النبي‌ّ كان‌ يصلّي‌ صلاة‌ الميّت‌ باستمرار؛ لكن‌ بما أنَّ الناس‌ كانوا مطمئنّين‌ لوجوده‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ فقد كانوا يرون‌ أنفسهم‌ غيرمحتاجين‌ إلی‌ تعلّم‌ المسائل‌، ولذا لم‌ يكونوا مطّلعين‌ حتّي‌ علی‌ كيفيّة‌ صلاة‌ الميّت‌. وعندئذٍ، فكيف‌ يمكننا القول‌ إنَّ النبي‌ّ قد بيّن‌ جميع‌ هذه‌ المسائل‌ لاُمّته‌؟!

 إضافة‌ إلی‌ هذا، فليس‌ من‌ الكمال‌ أن‌ يتعلّم‌ الإمام من‌ أبيه‌ جميع‌ جزئيّات‌ المسائل‌ ليقوم‌ بدوره‌ بتعلیم‌ ما تعلّمه‌ للإمام الذي‌ يليه‌.

 ولو تجاوزنا ذلك‌، فلو أراد الإنسان‌ بيان‌ الامر بهذا النحو لاحتاج‌ إلی‌ سنوات‌ طويلة‌ ليتمكّن‌ من‌ تعلّم‌ كتاب‌ الصلاة‌ فقط‌، فضلاً عن‌ سائر الكتب‌. وكم‌ كان‌ عمر الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ لكي‌ يتمكّنوا من‌ ذلك‌؟ فهل‌ كان‌ الإمام محمّدالتقي‌ّ علیه‌ السلام‌ ـ لذي‌ وصل‌ إلی‌ مقام‌ الإمامة‌ وهو في‌ السابعة‌ أو التاسعة‌ من‌ عمره‌ـ يجلس‌ باستمرار عند أبيه‌ فيعلّمه‌ الاحكام‌ واحداً واحداً؟!

 من‌ المسلّم‌ أنَّ الامر لم‌ يكن‌ كذلك‌، والإمام الرضا علیه‌ السلام‌ قد أعطي‌ الولاية‌ للإمام محمّد التقي‌ّ، أي‌ أ نَّه‌ قد فتح‌ قلبه‌ لذلك‌ العالَم‌ الكلّي‌ّ ( الذي‌ تترشّح‌ وتنزل‌ منه‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌ والجزئيّة‌، والذي‌ له‌ إحاطة‌ علی‌ جميع‌ العوالم‌ وعلی‌ جميع‌ الموضوعات‌ والاحكام‌ ). وعلی‌ هذا، فمن‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ الإمام محمّد التقي‌ّ قد وصل‌ إلی‌ ذلك‌ العالَم‌ في‌ لحظة‌ واحدة‌. وهذا هو معني‌ حقيقة‌ الولاية‌.

 إنَّ تلك‌ السعة‌ التي‌ يمتلكها أُولئك‌ العظام‌ علیهم‌ السلام‌ ويرون‌ بواسطتها أنَّ أمرهم‌ أمر الله‌، ويقولون‌ بقاطعيّة‌: إنَّ الرادّ علینا رادّ علی‌ الله‌، إنَّما هي‌ بسبب‌ وصولهم‌ إلی‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌، إذ عند ذلك‌ تكون‌ المخالفة‌ لتلك‌ الولاية‌ مخالفة‌ لعين‌ ولاية‌ الله‌، وسعتهم‌ توجب‌ أن‌ يطيعهم‌ جميع‌ أفراد البشر من‌ دون‌ اعتراض‌، لا نَّهم‌ يمتلكون‌ الولاية‌ الكلّيّة‌، والولاية‌ الكلّيّة‌ عين‌ ولاية‌ الله‌، كما في‌ القرآن‌ الكريم‌: هُنَالِكَ الْوَلَـ'يَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ. [3]

 وفي‌ مقابل‌ هذه‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ هناك‌ الإمارات‌ والقيادات‌ والولايات‌ المجازيّة‌ التي‌ يظهرها بعض‌ الناس‌ بالنسبة‌ لبعضهم‌ الآخر مع‌ كون‌ ولايتهم‌ باطلة‌. فالملوك‌ وأُمراء الجور والظلم‌ وإن‌ كانوا يرون‌ أنفسهم‌ أولياء للامر، لكنَّ ولايتهم‌ ولاية‌ باطلة‌.

 هنالك‌ ( أي‌ عالَم‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ ) الولاية‌ الحقّ، وأُولئك‌ المطهّرون‌ المتّصلة‌ قلوبهم‌ بعالم‌ الولاية‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ ولايتهم‌ ولاية‌ الحقّ ولها سعة‌ مستمدّة‌ من‌: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ[4]، وولاية‌ الفقيه‌ الولي‌ّ الذي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ أعلم‌ الاُمّة‌ حتماً أقلّ من‌ ذلك‌ بدرجة‌. وسائر الولايات‌ أيضاً كلّ منها يستفيد من‌ تلك‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ بسبب‌ استعدادها وقابليّتها وماهيّتها.

 الرجوع الي الفهرس

يشترط‌ في‌ الفقيه‌ إضافة‌ إلی‌ أعلميّته‌ أقوائيّته‌ في‌ أداء الاُمور

بيان‌ ومفاد: زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ

 والمطلب‌ الآخر هو: وجوب‌ كون‌ الفقيه‌ الولي‌ّ قوي‌ّ النفس‌ إضافة‌ إلی‌ أعلميّته‌؛ فإذا كان‌ هناك‌ فقيه‌ ضعيف‌ النفس‌ ولا يمتلك‌ القدرة‌ علی‌ إجراء القوانين‌ والحدود مع‌ كونه‌ أعلم‌ الاُمّة‌، فهو لا يستطيع‌ أن‌ يكون‌ وليّاً. كما أ نَّه‌ إذا كان‌ هناك‌ فقيه‌ قوي‌ّ النفس‌ لكنّه‌ ليس‌ الاعلم‌ فلا يستطيع‌ أيضاً أن‌ يكون‌ وليّاً، لانَّ قوّة‌ النفس‌ وحدها لا تكفي‌؛ فكم‌ من‌ الفقهاء يمتلكون‌ قوّة‌ النفس‌ لكنّهم‌ يستعملون‌ قوّة‌ النفس‌ تلك‌ في‌ الطرق‌ والاعمال‌ غيرالصحيحة‌! فيجب‌ أن‌ تجتمع‌ قوّة‌ النفس‌ مع‌ الاعلميّة‌ لكي‌ تجتمع‌ شرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌، ولذا يقول‌ القرآن‌ الكريم‌:

 أَلَمْ تَرَ إلَی‌ الْمَلاَءِ مِن‌ بَنِي‌´ إِسْرَ ' ´ءِيلَ مِن‌ بَعْدِ مُوسَي‌'´ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَـ'تِلْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن‌ كُتِبَ علیكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَـ'تِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَـ'تِلَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن‌ دِيَـ'رِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ علیهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَهُ علیمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ. [5]

 وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُو´ا أَنَّي‌' يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ علینَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَهَ اصْطَفَـ ' هُ علیكُمْ وَزَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَهُ يُؤْتِي‌ مُلْكَهُ و مَن‌ يَشَآءُ وَاللَهُ وَ ' سِعٌ علیمٌ. [6]

 تقول‌ الآية‌ الاخيرة‌: إنَّ هؤلاء الذين‌ يظنّون‌ أنَّ ذلك‌ القائد الذي‌ يجب‌ أن‌ يخضعوا له‌ ويكونوا تحت‌ ولايته‌ ويقاتلوا لتحصيل‌ حقّهم‌ ويتمكّنوا من‌ الرجوع‌ إلی‌ ديارهم‌ وأبنائهم‌، يجب‌ أن‌ يكون‌ شخصاً متموّلاً يملا أعين‌ الناس‌ وأسماعهم‌ ويكون‌ باستمرار علی‌ مرأي‌ ومنظر منهم‌، الشخص‌ الفلاني‌ يمتلك‌ الشأن‌ والجاه‌ والمقام‌ والمال‌، فيستطيع‌ إذَن‌ أن‌ يكون‌ قائداً ويمسك‌ بزمام‌ الامر! ولذا قالوا: إنَّ طالوت‌ هذا الذي‌ تقول‌ بأنَّ الله‌ قد انتخبه‌ لكم‌ لا يمتلك‌ القابليّة‌ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ؛ وليكن‌ هو الخاضع‌ لنا! فقال‌ النبي‌ّ: إِنَّ اللَهَ اصْطَفَـ'هُ؛ فلم‌ أنتخب‌ لكم‌ هذا الشخص‌ بنفسي‌، وإنَّما اختاره‌ الله‌.

 وهذا يعني‌ أوّلاً: أنَّ هذه‌ الحكومة‌ حكومة‌ إلهيّة‌، ولايستطيع‌ أي‌ّ شخص‌ أن‌ ينتخب‌ للناس‌ حاكماً إلاّ الذي‌ قد اختاره‌ الله‌ إِنَّ اللَهَ اصْطَفـ'هُ؛ فالحكومة‌ هي‌ إلهيّة‌، والله‌ قد اصْطِفاه‌ وانتخبه‌ ( فهو صافٍ مصفّي‌ ولائق‌ لهذه‌ المهمّة‌ ).

 و ثانياً: لقد كان‌ علمه‌ كثيراً وجسمه‌ قويّاً، والله‌ تعإلی‌ يُعطي‌ ملكه‌ وقوّته‌ لمن‌ يريد، وبما أنَّ هذا الرجل‌ يمتلك‌ علماً كثيراً وجسماً قويّاً فقد انتخبه‌ الله‌ وزاده‌ في‌ العلم‌ والجسم‌؛ وَاللَهُ وَ ' سِعٌ علیمٌ؛ فالله‌ قد انتخب‌ لكم‌ طالوت‌ الذي‌ يمتلك‌ بسطة‌ في‌ العلم‌ والجسم‌ علی‌ أساس‌ علمه‌ وسعته‌.

 والشاهد في‌ هذه‌ الفقرة‌ هو استدلال‌ ذلك‌ النبي‌ّ حيث‌ يقول‌: زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ؛ فعِلم‌ طالوت‌ أكثر وجسمه‌ أقوي‌.

 أمّا أنَّ علمه‌ أكثر، فلانَّ زيادة‌ العلم‌ توضّح‌ مسار تقدّم‌ الإنسان‌. أمّا لو كان‌ علمه‌ أقلّ، وكان‌ عاجزاً عن‌ رؤية‌ خفايا الاُمور وبواطنها، ومفتقراً للاطّلاع‌ علی‌ الوقائع‌، وغير قادر علی‌ تقدير المصالح‌ والمفاسد بشكل‌ جيّد، في‌ حال‌ عدم‌ وجود من‌ هو أعلم‌ منه‌ في‌ الاُمّة‌، فستكون‌ حركته‌ عندئذٍ في‌ مستوي‌ مُتَدَنٍّ.

 وأمّا كونه‌ أقوي‌ جسماً، فيعني‌ أنَّ قدرته‌ أشدّ، إذ إنَّه‌ بطل‌ حرب‌، يسعي‌ إلی‌ ميدان‌ القتال‌ فيحمل‌ بجسمه‌، ويطيح‌ برؤوس‌ الاعداء وقادتهم‌ في‌ الارض‌، وإذا كان‌ القائد نحيفاً ضعيف‌ المزاج‌ وجاءه‌ بطل‌ من‌ قادة‌ العدوّ يطلب‌ مبارزته‌، فإنَّه‌ لن‌ يستطيع‌ القيام‌ بذلك‌، وسوف‌ يُقتل‌ من‌ أوّل‌ الهجوم‌، وهذا يعطي‌ لزوم‌ القدرة‌ الجسميّة‌ أيضاً.

 والعلم‌ هنا كناية‌ عن‌ المعرفة‌، والجسم‌ أيضاً إشارة‌ إلی‌ القدرة‌، أي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ القائد في‌ المستوي‌ المطلوب‌ من‌ حيث‌ العلم‌ والجسم‌ والمعرفة‌ والقدرة‌؛ ففي‌ ذلك‌ الزمان‌ الذي‌ كان‌ فيه‌ علی‌ القائد الذهاب‌ إلی‌ ميدان‌ القتال‌، حيث‌ كان‌ القتال‌ يجري‌ وجهاً لوجه‌، كان‌ علی‌ القائد أن‌ يكون‌ بأعلی‌ مستويات‌ القدرة‌ البدنيّة‌، ومن‌ أبطال‌ ذلك‌ الزمان‌، كأميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الذي‌ كان‌ بطلاً في‌ الظاهر أيضاً.

 وأمّا في‌ الزمان‌ الذي‌ لم‌ يعدّ فيه‌ القتال‌ مبارزة‌ وجهاً لوجه‌ ( وصارت‌ الحرب‌ فيه‌ عبارة‌ عن‌ صراع‌ فكر، وقدرة‌ عمل‌ خارجيّة‌، وعدم‌ انخداع‌ أمام‌ العدوّ، وهيمنة‌ علیهم‌، وقدرة‌ سلوك‌ الطرق‌ التي‌ يتقنها العدوّ والتفوّق‌ علیهم‌ فيها ) فيكون‌ المراد من‌ القوّة‌ القدرة‌. وباختصار فالجسم‌ هنا يطلق‌ علی‌ القدرة‌، أي‌ يصير هذا الشخص‌ حاكماً علیكم‌ فيما لو كان‌ ممتلكاً لقدرة‌ النفوذ والتقدّم‌، ولم‌ يكن‌ جباناً وخائفاً، وإنَّما شجاعاً وبطلاً. ولايتراجع‌ خوفاً من‌ العدوّ، ولا يخشي‌ تهديداته‌، ولا يفرّ من‌ الحرب‌ لبكاء وضجيج‌ عائلته‌ وأقربائه‌ وأصدقائه‌ وقومه‌ وأبنائه‌، فلا يفرّ من‌ الزحف‌، ويكون‌ قوي‌ّ القلب‌. والخلاصة‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ العلم‌ أعلم‌ الناس‌ إجمالاً، وفي‌ الجسم‌ أيضاً أقدر الناس‌. فيحوي‌ جهتي‌ العلم‌ والقدرة‌ الخارجيّة‌، المعرفة‌ والقدرة‌ معاً.

 فالآية‌ تدلّ علی‌ أنَّ ولاية‌ المسلمين‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ لمن‌ يمتلك‌ القدرة‌ علی‌ التنفيذ، ويستطيع‌ أن‌ يأمر الناس‌ وتعبئتهم‌ وأن‌ يكون‌ الناس‌ مطيعين‌ له‌، ولا ينهزم‌ أمام‌ العدوّ، ولا يخاف‌ أو يجبن‌، بل‌ يكون‌ شجاعاً، ولايهن‌ ولايتراجع‌ أمام‌ تهديدات‌ العدوّ وإعلامه‌ وإشاعاته‌. وهذا من‌ شرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 وقد ورد في‌ رواية‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أ نَّه‌ قال‌ فيمن‌ يتولّي‌ الامر: أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ [7]؛ أي‌ يكون‌ أقوي‌ الاُمّة‌ في‌ إنجاز العمل‌ والاعلم‌ بأمر الله‌ في‌ تلك‌ المسألة‌.

 بناء علی‌ ما تقدّم‌، فشرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌ المستفادة‌ من‌ الروايات‌ إلی‌ الآن‌ ثلاثة‌، هي‌: «الاعلميّة‌»، «الاورعيّة‌»، «الاقوائيّة‌»، يجب‌ علی‌ الولي‌ّ الفقيه‌ أن‌ يكون‌ في‌ ورعه‌ وتقواه‌ أكثر من‌ درجة‌ العدالة‌ ـالتي‌ هي‌ الملكة‌ القدسيّة‌ وصفاء الباطن‌ والتجرّد النفسي‌ّـ.

 وأضاف‌ البعض‌ « الاشجعيّة‌ » أيضاً، كما رأيته‌ في‌ بعض‌ الكتابات‌، ولم‌يرد خصوص‌ هذا العنوان‌ في‌ آية‌ أو رواية‌، ولكن‌ يمكننا استنتاج‌ الاشجعيّة‌ والابصريّة‌ في‌ الاُمور وأمثال‌ ذلك‌ من‌ جملة‌: أَقْوَاهُمْ علیهِ، فنقول‌: إنَّ الولي‌ّ الفقيه‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ الاقوي‌، ويمكن‌ أن‌ نستفيد عنوان‌ الاقوائيّة‌ هذا من‌ جملة‌ وَ زَادَهُ و بَسْطَةً فِي‌ الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ، كما يمكن‌ استفادته‌ كذلك‌ من‌ رواية‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حيث‌ قال‌: أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ. ولازم‌ عنوان‌ القوي‌ّ هو أن‌ تكون‌ شجاعته‌ أكثر وبصيرته‌ في‌ الاُمور ثاقبة‌، حيث‌ تدخل‌ جميع‌ هذه‌ الجهات‌ في‌ عنوان‌ القوي‌ّ.

 وعلی‌ هذا، فيُستفاد من‌ مجموع‌ البحث‌: يجب‌ أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ هو الاعلم‌ والاورع‌ والاقوي‌. وليس‌ المراد من‌ الاقوي‌ في‌ هذه‌ الازمنة‌ أن‌ يكون‌ بدنه‌ أقوي‌، كأن‌ يكون‌ بطل‌ البلاد مثلاً، بل‌ المقصود هو أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ ممتلكاً للقدرة‌ والتمكّن‌ ويستطيع‌ إنفاذ أمره‌ في‌ الخارج‌ ومقابل‌ العدوّ، وإن‌ كان‌ عجوزاً ضعيفاً ومريضاً أيضاً.

 أمّا الذي‌ لا يمتلك‌ القدرة‌ السياسيّة‌ واتّخاذ القرار، وإن‌ كان‌ بطلاً وقوي‌ّ الجسم‌، بل‌ وإن‌ كان‌ الاعلم‌ والاورع‌ أيضاً، فلا يمكنه‌ أن‌ يكون‌ وليّاً وحاكماً، لا نَّه‌ لا يعرف‌ كيفيّة‌ إيقاع‌ الهزيمة‌ بالعدوّ، ولاكيفيّة‌ التعامل‌ مع‌ أُولئك‌ الذين‌ يريدون‌ مصّ دماء المسلمين‌ واستغلال‌ أرواحهم‌ ونواميسهم‌ وأموالهم‌.

 يجب‌ أن‌ يكون‌ الحاكم‌ شخصاً يهدي‌ الجميع‌ إلی‌ الصراط‌ المستقيم‌ بأحسن‌ السبل‌ وأتقنها، ويكون‌ فكره‌ وسياسته‌ بقوّة‌ الإلهام‌ الإلهي‌ّ بنحو يتمكّن‌ من‌ تطبيق‌ خططه‌ وإظهار ولايته‌ في‌ الخارج‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ التاسع‌ والعشرون‌:

 مع‌ الاعلميّة‌، يشترط‌ في‌ ولاية‌ الفقيه‌ الإسلام والتشيّع‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

 من‌ الروايات‌ الدالّة‌ علی‌ اشتراط‌ أقوائيّة‌ الولي‌ّ الفقيه‌ في‌ الإتيان‌ بالاعمال‌ المطلوبة‌ وتنظيم‌ وترتيب‌ الاُمور الراجعة‌ للولاية‌، هي‌ رواية‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » حيث‌ يقول‌: أَمِينُ وَحْيِهِ وَخَاتَمُ رُسُلِهِ وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ؛ أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الاَمْرِ أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ. [8]

 يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ « شرح‌ نهج‌ البلاغة‌ »:[9]

 فَإنْ قُلْتَ: أي‌ُّ فَرْقٍ بَيْنَ أقْواهُمْ علیهِ وَأعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فيهِ؟ قُلْتُ: أقْواهُمْ، أحْسَنُهُمْ سياسَةً؛ وَأعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ، أكْثَرُهُمْ عِلْماً وَإجْراءً لِلتَّدْبير بِمُقْتَضَي‌ العِلْم‌؛ وَبَيْنَ الاَمْرَيْنِ فَرْقٌ واضِحٌ. فَقَدْ يَكونُ سائِساً حاذِقاً وَلايَكونُ عالِماً بِالفِقْهِ، وَقَدْ يَكونُ سائِساً فَقيهاً وَلاَ يُجْري‌ التَّدْبيرَ عَلَیمُقْتَضَي‌ عِلْمِهِ وَفِقْهِه‌.

 إذَن‌؛ فيجب‌ أن‌ يكون‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ أَقْوَاهُمْ علیهِ،أي‌ أحسنهم‌ سياسة‌ و أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ، أي‌ أقدرهم‌ وأعلمهم‌ بتنفيذ أمر الله‌ في‌ ولايته‌. فيجب‌ أن‌ يكون‌ أقدر من‌ الجميع‌ علی‌ تنفيذ وإجراء علمه‌ بالكتاب‌ والسنّة‌ بين‌ الناس‌، فهكذا شخص‌ هو أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الاَمْرِ.

 ومن‌ هنا نستفيد أ نَّه‌ إضافة‌ إلی‌ كونه‌ أَقْوَاهُمْ علیهِ، يلزم‌ أن‌ يكون‌ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ أيضاً. لا نَّه‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ فقيه‌ ما أعلم‌ الاُمّة‌ وأورعهم‌ وأقواهم‌ علیه‌ أي‌ أحسنهم‌ سياسة‌، لكنّه‌ لا يكون‌ أفضل‌ الناس‌ وأعلمهم‌ من‌ ناحية‌ تنفيذ أحكام‌ الله‌ في‌ أمر الولاية‌ فلايستطيع‌ تنفيذ أحكام‌الله‌ في‌ المجتمع‌ كما ينبغي‌ ويجب‌، ويكون‌ عاجزاً في‌ مسألة‌ إجراء أحكام‌ الكتاب‌ والسنّة‌ في‌ المجتمع‌ ودعوة‌ الناس‌ إلی‌ الإسلام‌ والإيمان‌ والعفّة‌ والطهارة‌ وإقامة‌ الصلاة‌ وتقرّبهم‌ إلی‌ الله‌ ورسوله‌ وتإلیف‌ قلوبهم‌ وتسكينها. ف أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ هو الشرط‌ الرابع‌ الذي‌ يضاف‌ إلی‌ شرائط‌ ولاية‌ الفقيه‌، وهو ما نستفيده‌ من‌ هذه‌ الرواية‌.

 ثمّ يقول‌ علیه‌ السلام‌: فَإنْ شَغَبَ شَاغِبٌ أُسْتُعْتِبَ فَإنْ أَبَي‌ قُوتِلَ.

 الرجوع الي الفهرس

يحرم‌ نكث‌ البيعة‌ بعد مبايعة‌ الولي‌ّ الحقّ

 فإذا أراد أحدٌ إثارة‌ الفساد والمعارضة‌ بعد تسلّم‌ الولي‌ّ لزمام‌ الاُمور، فعلی‌ الولي‌ّ أن‌ يطلب‌ منه‌ الرضا بالحقّ والتخلّي‌ عن‌ الفساد والغوغاء والادّعاء والتسليم‌ في‌ مقابل‌ حكم‌ الكتاب‌ والتوقّف‌ عن‌ إثارة‌ الفساد طبقاً للآية‌ الشريفة‌: «وَإِن‌ طَآنءِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن‌ بَغَتْ إِحْدَب'هُمَا عَلَیالاْخْرَي‌' فَقَـ ' تِلُوا الَّتِي‌ تَبْغِي‌ حَتَّي‌' تَفِي‌´ءَ إلَی‌'´ أَمْرِ اللَهِ.» [10] فإذا قَبِلَ ذلك‌ فهو، وَإلاَّ قوتِلَ؛ أي‌ يجب‌ أن‌ يُجاهد ويُقاتل‌ حتّي‌ يرضخ‌، حتّي‌ لو أدّي‌ ذلك‌ إلی‌ القتل‌ والنهب‌ والاسر. وعلیه‌، فيدعي‌ الشخص‌ المتمرِّد والمعارِض‌ للحكومة‌ الإسلاميّة‌ بعد ثبات‌ النظام‌ الإسلامي‌ّ إلی‌ الخضوع‌ للحكومة‌، فإن‌ لم‌ يخضع‌ يجب‌ أن‌ يُنهض‌ لقتاله‌ ومواجهته‌ إلی‌ أن‌ يُقضي‌ علیه‌ وعلی‌ حزبه‌ وجميع‌ رجاله‌ وأعوانه‌، إلاّ أن‌ يتخلّوا عن‌ المعارضة‌ ويستسلموا.

 وَلَعَمْرِي‌ لَئِنْ كَانَتِ الإمامةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّي‌ يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا إلَی‌ ذَلِكَ سَبِيلٌ؛ وَلَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَیمَنْ غَابَ عَنْهَ، ثُمَّ لَيْسَلِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَلاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ.

 يقول‌: بعد بيعة‌ أهل‌ الحلّ والعقد للحاكم‌ في‌ بلد سكناه‌ لا يبقي‌ لزوم‌ لبيعة‌ الجماعات‌ التي‌ تعيش‌ خارج‌ المدينة‌، ولا يمكن‌ إخبارهم‌، وعلیهم‌ جميعاً الخضوع‌ لحكم‌ الحاضرين‌، ويكون‌ حكم‌ الحاضرين‌ حاكماً علی‌ الغائبين‌، كما لا يستطيع‌ الذين‌ شهدوا وحضروا وبايعوا الرجوع‌ عن‌ البيعة‌ وكسرها. لا نَّه‌ إذا أُريد جميع‌ أبناء الاُمّة‌ واحداً واحداً لاجل‌ أخذ البيعة‌ فَمَا إلَی‌ ذَلِكَ سَبِيلٌ؛ وهذا العمل‌ غير ممكن‌ أساساً.

 ولهذا، فالسيرة‌ قائمة‌ علی‌ أن‌ يُبائع‌ الاشخاص‌ الذين‌ هم‌ في‌ العاصمة‌ وبلد الحاكم‌، أي‌ أنَّ بيعة‌ أهل‌ العقد والحلّ وحدها النافذة‌ وهي‌ كافية‌ للجميع‌.

 وكلام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ هذا دليل‌ علی‌ الامر الذي‌ ذكرناه‌ سابقاً من‌ أنَّ أحد شرائط‌ تحقّق‌ الإمامة‌ هو بيعة‌ الناس‌، وليس‌ ذلك‌ بمعني‌ أنَّ مقتضي‌ وشأنيّة‌ الإمام‌ ] ترتبط‌ [ بالبيعة‌ بنحو لو لم‌ يبايعه‌ الناس‌ لما كان‌ واحداً لمقام‌ الإمامة‌، بل‌ المراد هو أنَّ البيعة‌ واجبة‌ وضروريّة‌ في‌ مقام‌ فعلیة‌ حكومة‌ الإمام‌ وقبول‌ الناس‌ له‌ وإلزام‌ وسيطرة‌ حكومته‌ بالنسبة‌ للناس‌ وتنفيذ أوامره‌. وحتّي‌ أنَّ إمامة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قد استقرّت‌ بالبيعة‌.

 كما يستفاد من‌ كلام‌ الإمام‌ هذا ومن‌ سيرته‌ أيضاً أ نَّه‌ بعد أن‌ يبايع‌ الناس‌ لايحقّ لمن‌ لم‌ يكن‌ حاضراً حين‌ البيعة‌ أن‌ يرفضها ويطالب‌ ببيعة‌ ثانية‌؛ حيث‌ يقول‌ علیه‌ السلام‌: لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَلاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ، فالذين‌ بايعوا لا يحقّ لهم‌ كسر بيعتهم‌، والذين‌ لم‌ يكونوا حاضرين‌ لاحقّ لهم‌ بالانتخاب‌. [11]

 إلی‌ أن‌ يقول‌ علیه‌ السلام‌: أَلاَ وَإنِّي‌ أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلاً ادَّعَي‌ مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي‌ علیهِ.

 فالإمام‌ علیه‌ السلام‌ إذَن‌ يقول‌: بعد أن‌ وصلت‌ السلطة‌ إلی‌ يدي‌ فإنِّي‌ أُقاتل‌ رجلين‌:

 الاوّل‌: رجل‌ ادّعي‌ ما ليس‌ له‌، كأن‌ يدّعي‌ مثلاً كونه‌ حاكماً بعد استقرار الحكومة‌، ويرفض‌ هذه‌ الحكومة‌ والولاية‌ والبيعة‌ ويعتبر نفسه‌ حاكماً، ويجمع‌ الناس‌ حوله‌ علی‌ هذا الاساس‌.

 فهذا منطق‌ خاطي‌، إذ لا مجال‌ في‌ الإسلام‌ لحكومتين‌، فالحكومة‌ حكومة‌ واحدة‌ فقط‌، قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: إذا تسلّم‌ الحاكم‌ الحكم‌ علی‌ أُسس‌ صحيحة‌ وموازين‌ شرعيّة‌، وانتصب‌ للسلطة‌ وبايعه‌ الناس‌، ثمّ ادّعي‌ شخص‌ آخر الحكومة‌ فاقتلوه‌. [12]

 لانَّ الحكومة‌ الثانية‌ باطلة‌، وليس‌ لاحد أن‌ يدّعي‌ الحكم‌ في‌ مقابل‌ الحكومة‌ الحقّة‌ الحقيقيّة‌ التي‌ قد انعقدت‌ بجميع‌ الشرائط‌ واللوازم‌. فمن‌ يأخذ البيعة‌ لنفسه‌ من‌ الناس‌ ويدّعي‌ الحكومة‌ فهو مُدَّعٍ مُبطِل‌ ويجب‌ قتله‌.

 ويقول‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ هنا أيضاً أ نَّه‌ بعد أن‌ استقرّت‌ الحكومة‌ لي‌ باتّفاق‌ الجميع‌، ومع‌ ملاحظة‌ أنَّ الحكومة‌ لا تقبل‌ التعدّد، ولزوم‌ كون‌ الحاكم‌ الإسلامي‌ّ واحداً دوماً، فلو ادّعي‌ رجل‌ ما لَيْسَ لَهُ فإنِّي‌ سوف‌ أُقاتله‌.

 والثاني‌: هو ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يمنعُ الذي‌ علیه‌. فعلیه‌ مثلاً أن‌ يطيع‌ الحاكم‌، ولكنّه‌ يخالفه‌ ويمتنع‌ من‌ إعطاء الحقوق‌ والالتزام‌ بما تطلبه‌ الحكومة‌ ويستنكف‌ عن‌ ذلك‌. ففي‌ هذه‌ الصورة‌ يحكم‌ قانون‌ الشريعة‌ بوجوب‌ مقاتلة‌ ذلك‌ الشخص‌ إلی‌ أن‌ يخضع‌ للحكومة‌.

 وهذا من‌ الادلّة‌ التي‌ تدلّ علی‌ لزوم‌ كون‌ الحاكم‌ هو الاقوي‌ والاقدر علی‌ تنفيذ أحكام‌ الإسلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

علّة‌ امتناع‌ أمير المؤمنين‌ عن‌ قبول‌ مبايعة‌ الناس‌ له‌ بعد مقتل‌ عثمان‌

 لقدأحاط‌ الناس‌ بعد قتل‌ عثمان‌ بأميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وأرادوا مبايعته‌ فقد رفض‌ ذلك‌، إلی‌ أن‌ مضت‌ عدّة‌ أيّام‌، كان‌ الناس‌ خلالها يصرّون‌ علی‌ مبايعته‌، ثمّ قال‌ لهم‌ أخيراً: إنَّ مُبايعتي‌ في‌ الخفاء ليست‌أمراً صحيحاً، بل‌ يجب‌ أن‌ يحضر جميع‌ أهل‌ المدينة‌ بدون‌ استثناء وأهل‌ الحلّ والعقد ممّن‌ يمكن‌ حضورهم‌ في‌ المسجد، ويُبايعونني‌ في‌ الملا العامّ. وأصرَّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ هذا الامر بقوّة‌، مع‌ أنَّ بعض‌ أصحابه‌ كان‌ معارضاً لذهابه‌ إلی‌ المسجد، حيث‌ كان‌ من‌ المتوقّع‌ أن‌ يتعرَّض‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ لضرر من‌ كثرة‌ ازدحام‌ الناس‌. لكنَّ الإمام‌ لم‌ يلتفت‌ لمعارضته‌ وأصرَّ علی‌ كلامه‌ مطالباً بأن‌ تكون‌ بيعته‌ علناً أمام‌ الملا.

 وبالطبع‌، فإنَّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ في‌ البداية‌ رفض‌ الامر ولم‌يرضخ‌ لطلبهم‌، وكان‌ كلامه‌ ومنطقه‌ أ نَّه‌ إذا قبلت‌ استلام‌ الحكم‌ فسوف‌ أعمل‌ بحسب‌ نظري‌، لا علی‌ سنّة‌ السابقين‌ والخلفاء الذين‌ أتوا، فكلّ منهم‌ قد أحدث‌ اعوجاجاً وانحرافاً في‌ الشريعة‌، وقد اعتاد الناس‌ علی‌ تلك‌ الاعوجاجات‌، فلو أردت‌ معاملة‌ الناس‌ الآن‌ علی‌ أساس‌ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لارتفعت‌ الغوغاء والضجيج‌ ولترتّبت‌ علی‌ ذلك‌ المفاسد، فإن‌ شئت‌ استلام‌ الحكم‌ إذَن‌، فلن‌ أتخطّي‌ عن‌ ذلك‌ الميزان‌ والصراط‌ أبداً!

 وبناء علی‌ هذا، فوظيفة‌ الحاكم‌ هي‌ العمل‌ علی‌ أساس‌ كتاب‌الله‌ والسنّة‌ دون‌ اهتمام‌ لعتاب‌ أحد، أو إصغاء لإهانة‌ أحد، أو التفات‌ لمن‌ يحيط‌ به‌، أو ملاحظة‌ للمصالح‌ الآنيّة‌ المؤقّتة‌ علی‌ حساب‌ الكتاب‌ والسنّة‌، إذ يجب‌ ظهور الحقّ وإعلانه‌ علی‌ رؤوس‌ الاشهاد.

 في‌ ولاية‌ الولي‌ّ يتحمّل‌ الوإلی‌ العالم‌ كلّ ظلم‌ يحدث‌ في‌ أيّة‌ زاوية‌ من‌ زوايا العالم‌، ولاي‌ّ شخص‌ كان‌ من‌ رجل‌ أو امرأة‌ أو يتيم‌ ممّن‌ هم‌ تحت‌ ولايته‌؛ ولذا، فللولاية‌ مدإلیل‌ ولوازم‌ خطيرة‌ جدّاً.

 لا يستطيع‌ المرء أن‌ يتقبّل‌ التوجيهات‌ والتأويلات‌ واقتراحات‌ الاشخاص‌ بسهولة‌ فيقول‌ مثلاً: لا مصلحة‌ الآن‌ في‌ القيام‌ بهذا العمل‌، وإنَّما المصلحة‌ في‌ السكوت‌، وأمثال‌ ذلك‌. هذا هو منهج‌ ومذهب‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الذي‌ هو منهج‌ الحقّ ومذهب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وقد جسّده‌ علیه‌ السلام‌ في‌ عهد حكومته‌.

 عندما أراد الناس‌ مبايعة‌ أميرالمؤمنين‌ بعد عثمان‌؛ قال‌ علیه‌ السلام‌ في‌ خطبته‌:

 دَعُونِي‌ وَالتَمِسُوا غَيْرِي‌! فَإنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لاَتَقُومُ لَهُ القُلُوبُ وَلاَ تَثْبُتُ علیهِ العُقُولُ.

 تدور أهواء وآراء الناس‌ حول‌ السمعة‌ وجمع‌ الاموال‌ وسرقة‌ بيت‌ المال‌، وقد تربّوا علی‌ أساس‌ التمييز والطبقيّة‌ التي‌ سنّها الخليفة‌ الثاني‌ والتي‌ قُسّم‌ بيت‌ المال‌ علی‌ أساسها.

 إنَّ أوّل‌ ظلم‌ قام‌ به‌ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ منحوه‌ لقب‌ العادل‌ وأثنوا علیه‌ هو قيامه‌ بتقسيم‌ بيت‌ المال‌ علی‌ أساس‌ اختلاف‌ الطبقات‌ والمراتب‌ الاجتماعيّة‌ بين‌ نساء النبي‌ّ والمهاجرين‌ والانصار وسائر الطبقات‌ بحسب‌ أحوالهم‌. فتبعه‌ الناس‌ في‌ ذلك‌ التصرّف‌. فلو أراد أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الآن‌ العودة‌ إلی‌ سنّة‌ النبي‌ّ وقطع‌ تلك‌ الاسهم‌ فسوف‌ يخالفه‌ ويعارضه‌ جميع‌ أُولئك‌ الذين‌ ذاقوا لذّة‌ تلك‌ الاموال‌ التي‌ اعتادوا علیها.

 وعلی‌ كلّ تقدير، فقد قال‌ علیه‌ السلام‌: إذا شئتم‌ أن‌ تُبايعوني‌ فالامر بهذا النحو.

 وَإنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ، وَالمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ.

 وَاعْلَمُوا أَ نِّي‌ إنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَلَمْ أَصْغَ إلَی‌ قَوْلِ القَائِلِ وَعَتْبِ العَاتِبِ.

 حتّي‌ أ نَّه‌ اقترح‌ علیه‌ في‌ بدء خلافته‌ اثنان‌ من‌ خواصّه‌ ( عبدالله‌بن‌ العبّاس‌ ومالك‌ الاشتر ) قائلين‌ بأ نَّه‌ ليست‌ هناك‌ أيّة‌ مصلحة‌ في‌ خلع‌ معاوية‌ من‌ حكومة‌ الشام‌ في‌ هذا الوقت‌، فأبقِ علی‌ الولاة‌ الآن‌ لمدّة‌ قصيرة‌ في‌ إمارتهم‌ وحكوماتهم‌، وعندما تستحكم‌ قواعد حكومتك‌ اعمل‌ بما يمليه‌ علیك‌ رأيك‌!

 فعاتبهم‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بشدّة‌، وآخذهم‌ علی‌ ذلك‌ الكلام‌ معترضاً علیهم‌ بأنَّ قيامه‌ بهذا العمل‌ سوف‌ يكون‌ تكراراً لتلك‌ التأويلات‌ والمماشاة‌، وذلك‌ التساهل‌ الذي‌ كان‌ يقوم‌ به‌ الآخرون‌، وليست‌ هذه‌ هي‌ المحجّة‌، وإنَّما المحجّة‌ الواضحة‌ والطريق‌ البيِّن‌ هي‌: بما أ نِّي‌ ولي‌ّ أمر المسلمين‌ فيجب‌ ألاَّ أرضي‌ بحصول‌ ظلم‌ ـولو لدقيقة‌ واحدة‌ـ في‌ أيّة‌ ناحية‌ من‌ نواحي‌ البلاد التي‌ هي‌ تحت‌ سلطتي‌ وتحت‌ ولايتي‌.

 وَإنْ تَرَكْتُمُونِي‌ فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ؛ وَلَعلی‌ أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ! وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي‌ أَمِيراً. [13]

 فما دمت‌ أميراً علیكم‌، فجميع‌ المسؤوليّات‌ في‌ عهدتي‌، ومن‌ اللازم‌ عَلَیالعمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ النبي‌ّ من‌ دون‌ أي‌ّ تغيير؛ أمّا فيما لو تولّي‌ هذه‌ المسؤوليّة‌ غيري‌ فإنَّها تخرج‌ من‌ عهدتي‌، ولا يكون‌ بمقدوري‌ القيام‌ بأي‌ّ عمل‌، وسأدعم‌ تلك‌ الحكومة‌ ما أمكنني‌ في‌ حدود شأني‌ وقدرتي‌، وأكون‌ أطوع‌ وأسمع‌ منكم‌ جميعاً.

 الرجوع الي الفهرس

الخطبة‌ 129 في‌ «نهج‌ البلاغة‌» حول‌ شرائط‌ الحاكم‌ في‌ الإسلام

 ويقول‌ علیه‌ السلام‌ في‌ خطبة‌ أُخري‌:

 وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَ نَّهُ لاَ يَنْبَغِي‌ أَنْ يَكُونَ الوَإلی‌ عَلَیالفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالمَغَانِمِ وَالاَحْكَامِ وَإمَامَةِ المُسْلِمِينَ، البَخيلَ فَتَكُونَ فِي‌ أَمْوَالِهِم‌ نَهْمَتُهُ. [14]

 لا نَّه‌ ليس‌ بمقدور البخيل‌ من‌ أداء حقّ الناس‌. وهو لا يتصرّف‌ بمقتضي‌ ذلك‌ البخل‌ في‌ أمواله‌ الشخصيّة‌ فقط‌ ( بعد استلامه‌ الرئاسة‌ العامّة‌، وجميع‌ الاموال‌ العامّة‌ بيده‌ ) بل‌ في‌ جميع‌ هذه‌ الاموال‌، مروراً بنواميس‌ الناس‌ ودمائهم‌ وأموالهم‌؛ ولا يقتصر تصرّفه‌ بحسب‌ شهوته‌ في‌ بيته‌ وأمواله‌ فحسب‌، بل‌ يتعدّي‌ ذلك‌ إلی‌ جميع‌ الاموال‌ العامّة‌ أيضاً. وبناء علی‌ هذا، فكما تعلمون‌ أ نَّه‌ لا ينبغي‌ لمن‌ يتولَّ علی‌ المسلمين‌ أن‌ يكون‌ بخيلاً.

 وَلاَ الجَاهِلَ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ.

 كلّما كان‌ فكر الوإلی‌ ( الذي‌ يتولّي‌ تدبير أمر المجتمع‌ ) أنضج‌ ودرايته‌ أحسن‌ وعلمه‌ أوسع‌، فإنَّه‌ يسير بالمجتمع‌ نحو الكمال‌ بشكل‌ أفضل‌ وأنقي‌. أمّا لو كان‌ الوإلی‌ جاهلاً وغير مطّلع‌ علی‌ الاُمور، فلا يكون‌ أهلاً للقيادة‌، لانَّ الجاهل‌ لا يرشح‌ منه‌ إلاّ الضلال‌، فبمقدار ما يكون‌ جاهلاً فهو يعيق‌ المجتمع‌ عن‌ سيره‌ التكاملي‌ّ. وعلیه‌، فلا يمكن‌ للجاهل‌ أن‌ يكون‌ وإلیاً، لانَّ الوإلی‌ الجاهل‌ يضلّ الاُمّة‌ بجهله‌.

 وَلاَ الجَافِي‌َ فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ.

 وينبغي‌ أن‌ لا يكون‌ الوإلی‌ شخصاً حادّاً وخشناً وجافياً، لا نَّه‌ بجفائه‌ يقطع‌ علاقة‌ الناس‌ به‌. علی‌ الوإلی‌ أن‌ يرتضي‌ وجود الناس‌ حوله‌، وأن‌ يحويهم‌ برعايته‌ وتربيته‌، وأن‌ يتعامل‌ معهم‌ بوجه‌ سمح‌، ويرتبط‌ بهم‌ علی‌ الدوام‌؛ يُرشد أيتامهم‌، ويصغي‌ لكلام‌ ضعيفهم‌ وفقيرهم‌ ومسكينهم‌، ويفسح‌ لهم‌ مكاناً عنده‌، ويكون‌ له‌ حضور بين‌ الناس‌ كما يكون‌ للناس‌ طريق‌ إلیه‌.

 أمّا قاسي‌ القلب‌ والحادّ الجافي‌، فالناس‌ يفرّون‌ منه‌.

 وَلاَ الحَائِفَ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ.

 دُوَل‌: بضمّ الدال‌ جمع‌ دُولَة‌ بمعني‌ المال‌.وعُبِّرَ عن‌ المال‌ بالدولة‌ لا نَّه‌ يدور بين‌ الافراد باستمرار، ويتداول‌ من‌ يد إلی‌ يد دونما ثبات‌. وبهذا المعني‌ وردت‌ كلمة‌ دُولَة‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌: كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْغْنِيَآءِ مِنكُمْ. [15]

 فيقول‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌: لا ينبغي‌ للحاكم‌ أن‌ يكون‌ حائِفاً لِلدُّوَلِ. و الحائِف‌ يعني‌ الجائر والذي‌ ينهب‌ أموال‌ الناس‌ ظلماً وجوراً، و يَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ، فيعطيه‌ لجماعة‌ دون‌ جماعة‌، يعطي‌ بيت‌ المال‌ لخواصّه‌ وقومه‌ وقبيلته‌، أو لزوجته‌ كما فعل‌ عثمان‌، حيث‌ أعطي‌ زوجته‌ نائلة‌ بنت‌ فَرافِصَة‌ عقداً يساوي‌ قيمته‌ ثلث‌ خراج‌ إفريقيا، وكان‌ له‌ عطايا من‌ هذا القبيل‌، وكان‌ يدّعي‌ بأ نَّه‌: ولي‌ّ ومختار ويجوز له‌ القيام‌ بأي‌ّ تصرّف‌!

 علی‌ الحاكم‌ أن‌ لا يستحلّ أي‌ّ ظلم‌ وجور لاموال‌ الناس‌، ولا يخصّ به‌ طبقة‌ خاصّة‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌، وعلیه‌ أن‌ يتعامل‌ مع‌ العامّة‌ والخاصّة‌ بالسويّة‌، فلا يميّز قوماً علی‌ قوم‌ أبداً ( من‌ حيث‌ قطع‌ الاراضي‌ وإعطاء العطايا وأمثال‌ ذلك‌ ). وعلیه‌ أن‌ يقسّم‌ جميع‌ الاموال‌ العامّة‌ بين‌ الناس‌ بمقتضي‌ الكتاب‌ والسنّة‌، أو يصرفها في‌ المصارف‌ العامّة‌ وفقاً لهذا الاساس‌ أيضاً.

 وَلاَ المُرْتَشِي‌َ فِي‌ الحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالحُقُوقِ.

 ويجب‌ أن‌ يكون‌ الحاكم‌ نزيهاً، فلا يأخذ الرشوة‌ في‌ أحكامه‌ ( سواء كانت‌ رشوة‌ مإلیة‌ أم‌ مقاميّة‌ أم‌ اعتباريّة‌، أم‌ كانت‌ خوفاً من‌ منصب‌ أم‌ لاجل‌ كسب‌ صداقة‌ وأمثال‌ ذلك‌ ) لئلاّ يذهب‌ بالحقوق‌ هدراً.

 ويجب‌ أن‌ يكون‌ الحاكم‌ شخصاً قاطعاً لا يمنعه‌ شي‌ء عن‌ أداء حقوق‌ الناس‌، ولاتغريه‌ الرشوة‌ عن‌ الحكم‌ بغير الحقّ.

 فَيَذْهَبَ بِالحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ.

 إنَّ المرتشي‌ يتخلّي‌ عن‌ الحكم‌ عند إجرائه‌ قبل‌ أن‌ يصل‌ في‌ الخارج‌ إلی‌ مرحلة‌ التنفيذ، وقبل‌ أن‌ يصل‌ إلی‌ المرحلة‌ الحاسمة‌ ووضوح‌ أمره‌ علی‌ أساس‌ الكتاب‌ والسنّة‌، فيطبّق‌ بالنتيجة‌ حكماً آخر لم‌ تتشخّص‌ قاطعيّته‌ من‌ الكتاب‌ والسنّة‌. ومن‌ المسلّم‌ به‌ أنَّ ذلك‌ الحكم‌ علی‌ خلاف‌ الحقّ، لا نَّه‌ حينما يعيّن‌ الكتاب‌ والسنّة‌ حكماً فالتخلّي‌ عنه‌ بسبب‌ الرشوة‌ يعني‌ تنفيذ حكم‌ آخر بخلافه‌. وهذا وقوف‌ في‌ الحقوق‌ دون‌ المقاطع‌، أو تنفيذ لغير الحكم‌ الذي‌ قطع‌ به‌ الكتاب‌ والسنّة‌.

 وَلاَ المُعَطِّلَ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُمَّةُ. [16]

 علی‌ الوإلی‌ أن‌ لا يعطّل‌ سنّة‌ الله‌ ورسوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ خوفاً من‌ هلاك‌ الاُمّة‌ بهذا العمل‌. علیه‌ أن‌ ينفّذ سنّة‌ الله‌ ورسوله‌، لانَّ حكومة‌ الإسلام‌ حكومة‌ قائمة‌ علی‌ السنّة‌، فهي‌ ليست‌ كسائر حكومات‌ الناس‌ الاعتياديّة‌ التي‌ وظيفتها الوحيدة‌ الإعمار، وزيادة‌ الارزاق‌، وتوفير الخدمات‌، وحفظ‌ الحدود، والامن‌ الداخلي‌ّ وأمثال‌ ذلك‌. فهذه‌ أُمور تشترك‌ فيها جميع‌ دول‌ العالم‌، فينصبّ همّ كلّ دولة‌ وحكومة‌ تأتي‌ علی‌ إعمار البلاد وراحة‌ الناس‌ وحفظ‌ أمنهم‌ الداخلي‌ّ وحدودهم‌ وثغورهم‌؛ وهذا غيركافٍ بالنسبة‌ لحكومة‌ الإسلام‌. فعلی‌ حكومة‌ الإسلام‌ أن‌ تُقيم‌ السنّة‌، لا نَّها قائمة‌ علی‌ أساس‌ الإسلام‌، والحاكم‌ الإسلامي‌ّ مسؤول‌ عن‌ تطبيق‌ القرآن‌ الكريم‌ وسنّة‌ النبي‌ّ بين‌ الناس‌، فلو عطَّل‌ الحاكم‌ هذا المعني‌ فلايمكنه‌ أن‌ يكون‌ حاكماً إسلاميّاً، وإن‌ أمَّن‌ المال‌ والثروة‌ والمياه‌ والاطعمة‌ والرفاه‌ وكلّ ما يحتاجه‌ الناس‌، لا نَّه‌ قد ترك‌ العمل‌ بسنّة‌ الرسول‌ الاكرم‌.

 إنَّ معني‌ قول‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌: وجود عدم‌ اتّصاف‌ الحاكم‌ بهذه‌ الصفات‌ ( أي‌ لا ينبغي‌ للحاكم‌ أن‌ يكون‌ بخيلاً وجافياً وحائفاً ومرتشياً ومعطِّلاً للسنّة‌ ) هو لزوم‌ كون‌ الحاكم‌ واحداً لخلاف‌ هذه‌ الصفات‌، أي‌: لابُدَّ أنْ يَكونَ الوإلی‌، الجَوادَ وَصاحِبَ الوَفاءِ وَالرَّجُلَ العادِلَ القَيِّمَ القائِمَ بِالقِسْطِ المُؤَيِّدَ لِلسُّنَّةِ وَالمُقَوِّي‌ لِلشَّريعَة‌. فيجب‌ توفّر هذه‌ في‌ الحاكم‌.

 هل‌ هذه‌ الصفات‌ إضافيّة‌ ويجب‌ أن‌ نجعلها للحاكم‌، أم‌ تنضوي‌ تحت‌ عناوين‌ العدالة‌ والاورعيّة‌ التي‌ هي‌ أسمي‌ من‌ العدالة‌، والتي‌ هي‌ من‌ شروط‌ الحاكم‌؟

 من‌ المقطوع‌ به‌ أنَّ الشقّ الثاني‌ هو الصحيح‌، فلو قلنا: يجب‌ أن‌ يكون‌ حاكم‌ الشرع‌ عادلاً، بل‌ في‌ درجة‌ علیا من‌ العدالة‌ أيضاً، فهذا يعني‌ أ نَّه‌ أورع‌ الناس‌، فهو ليس‌ بخيلاً ولا جافياً، بل‌ ممّن‌ ينفق‌ الاموال‌ علی‌ أساس‌ الاوامر والقوانين‌ الإلهيّة‌، وليس‌ مرتشياً ولا معطِّلاً للسنّة‌ أيضاً. كان‌ هذا البحث‌ فيما يتعلّق‌ بمسألة‌ الاقوائيّة‌ وأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيهِ.

 الرجوع الي الفهرس

دلابة‌ آية‌: وَلَن‌ يَجْعَلَ اللَهُ لِلْكَـ'فِرِينَ عَلَی الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً

وفقاً للآية‌ القرآنيّة‌: لا حكومة‌ للكافر علی‌ المؤمن‌

 ومن‌ الشروط‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تتوفّر في‌ الولي‌ّ الفقيه‌ أيضاً هو: شرط‌ الإسلام‌، إذ إنَّ حكومة‌ الكافر علی‌ المسلمين‌ غير جائزة‌؛ يقول‌ الله‌ تبارك‌ وتعإلی‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 وَلَن‌ يَجْعَلَ اللَهُ لِلْكَـ'فِرِينَ عَلَی الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً.[17]

 فلم‌ يجعل‌ الله‌ تعإلی‌ أيّة‌ سبيل‌ للكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ لكي‌ يكون‌ لهم‌ ـوحتّي‌ لو كانت‌ سبيلاً جزئيّة‌ـ تسلّطاً واستيلاءً وسيطرة‌ علیهم‌. فلم‌يجعل‌ الله‌ تعإلی‌ سبيلاً كهذه‌ للكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ يكون‌ لصالحهم‌ علی‌ المؤمنين‌.

 «علی‌» بمعني‌ السلطة‌ والاستيلاء. أي‌ أنَّ نفوذ وقدرة‌ وهيمنة‌ وسيطرة‌ الكفّار علی‌ المؤمنين‌ أمر غير صحيح‌، أمّا العكس‌ وهو أن‌ يكون‌ للمؤمنين‌ علی‌ الكافرين‌ سبيل‌ فذلك‌ أمر صحيح‌ وسليم‌. فلم‌ يكتف‌ بـ: إنَّ اللَهَ جَعَلَ لِلْمُؤْمِنينَ عَلَیالْكافِرينَ سَبيلاً فحسب‌، بل‌ جَعَلَ علیهِمْ سُبُلاً؛ فتلك‌ السبيل‌ التي‌ تكون‌ للمؤمن‌ علی‌ الكافر هي‌ ممّا يوجب‌ عزّة‌ وشرف‌ وإيمان‌ وهداية‌ وتربية‌ الكافر.

 وإنَّما أمر الله‌ تعإلی‌ المؤمنين‌ بالجهاد وبذل‌ دمائهم‌، فلاجل‌ أن‌ يؤمن‌ المشرك‌، فجعل‌ الله‌ تعإلی‌ سبيلاً كهذه‌ للمؤمن‌ علی‌ الكافر، لكنّه‌ لم‌يجعل‌ أي‌ّ سبيل‌ للكافر تكويناً وتشريعاً للتغلّب‌ والسيطرة‌ علی‌ المسلمين‌.

 أمّا عدم‌ تمكّن‌ الكافر في‌ عالم‌ التكوين‌ من‌ امتلاك‌ نفوذ علی‌ المؤمن‌ فلانَّ المؤمن‌ ـوانطلاقاً من‌ الإيمان‌ الذي‌ يملكه‌ والذي‌ قد نفذ في‌ قلبه‌ـ لو جلس‌ مع‌ الكافر ألف‌ سنة‌ لما استطاع‌ الكافر أن‌ ينفذ في‌ قلبه‌، لانَّ الإيمان‌ توأم‌ النور، والكفر توأم‌ الظلمة‌، والنور غالب‌ علی‌ الظلمة‌ دوماً؛ والإيمان‌ حقّ والكفر باطل‌، والإيمان‌ منتصر علی‌ الباطل‌ علی‌ الدوام‌.

 فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَ أَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي‌ الاْرْضِ. [18]

 إِنَّ الْبَـ'طِلَ كَانَ زَهُوقًا. [19]

 بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَیالْبَـ'طِلِ فَيَدْمَغُهُ و فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ. [20]

 الباطل‌ هو الشي‌ء الذي‌ لا يمتلك‌ أصالة‌ واستقلالاً، وليس‌ له‌ أساس‌ ودعامة‌. ويقابله‌ الحقّ، والمؤمن‌ متحقّق‌ بالحقّ دائماً. الكافر يعني‌ ذلك‌ الذي‌ يحجب‌ وجه‌ الإيمان‌، ويجعل‌ الحقّ مستتراً من‌ خلال‌ التمويه‌ والخداع‌. إنَّ التمويه‌ والخداع‌ ليس‌ حقّاً، لكنّه‌ باطلاً بصورة‌ حقّ، وتصوير للحقّ بصورة‌ الباطل‌، لا أ نَّه‌ تبديل‌ للباطل‌ بالحقّ والحقّ بالباطل‌. بناء علی‌ هذا، فالكافر لا يجد من‌ الناحية‌ التكوينيّة‌ سبيلاً علی‌ المؤمن‌ مطلقاً.

 وكذلك‌ الامر في‌ عالم‌ التشريع‌، لانَّ الله‌ تعإلی‌ لم‌ يجعل‌ أي‌ّ حكم‌ يكون‌ للكافرين‌ فيه‌ علی‌ المؤمنين‌ عنوان‌ تسلّط‌ وقدرة‌ وامتياز وأفضليّة‌ وآمريّة‌ ونفوذ وهيمنة‌ واستيلاء، بل‌ سدّ كلّ ثغرة‌ نفوذ للكافر علی‌ المؤمن‌، وأغلق‌ طريقه‌. والملفت‌ أ نَّه‌ قد ذكر السبيل‌ بصورة‌ نكرة‌ في‌ سياق‌ النفي‌، ممّا يفيد العموم‌، وأنَّ الله‌ لم‌ يجعل‌ أيّة‌ سبيل‌ للكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ إطلاقاً، حتّي‌ لو كانت‌ تلك‌ السبيل‌ قصيرة‌ وتمثّل‌ سلطة‌ جزئيّة‌ وتفوّقاً في‌ الجملة‌. وعلی‌ هذا، فكلّ قانون‌ يوجب‌ حصول‌ سبيل‌ للكافر علی‌ المؤمن‌ يكون‌ بحكم‌ هذه‌ الآية‌ منفيّاً وممنوعاً.

 ويؤيّد ذلك‌ استشهاد الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ في‌ كثير من‌ الروايات‌ ـ حين‌ بيانهم‌ حكماً يتضمّن‌ عدم‌ قدرة‌ وتسلّط‌ الكافر علی‌ المؤمن‌ـ بآية‌: وَلَن‌ يَجْعَلَ اللَهُ لِلْكَـ'فِرِينَ عَلَیالْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً. وعلی‌ هذا، فمن‌ المحال‌ أن‌ يتصدّي‌ غيرالمسلم‌ لمنصب‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 وهنا يطرح‌ سؤال‌، هو: ما الإشكال‌ في‌ أن‌ يدرس‌ يهودي‌ّ أو نصراني‌ّ ويصير أعلم‌ مَن‌ في‌ الاُمّة‌ ومن‌ ثمّ يتسلّم‌ أمر الولاية‌؟

 والجواب‌: لا يجوز أن‌ يتسلّم‌ زمام‌ الامر وإن‌ كان‌ أعلم‌ من‌ جميع‌ الاُمّة‌، لانَّ من‌ الشروط‌ المسلّمة‌ للولي‌ّ الفقيه‌ أن‌ يكون‌ مسلماً.

 والامر كذلك‌ في‌ جميع‌ الاُمور التي‌ هي‌ من‌ شؤون‌ الولاية‌، فلايمكن‌ لغير المسلم‌ أن‌ ينصّب‌ في‌ أي‌ٍّ من‌ المراكز الولايتيّة‌، كرئاسة‌ الجمهوريّة‌ ومقاعد مجلس‌ الشوري‌ الإسلامي‌ّ ورئاسة‌ الوزراء وسائر الكراسي‌ّ الوزاريّة‌ ومنصب‌ المدير العامّ، وبشكل‌ عامّ في‌ كلّ مركز يكون‌ فيه‌ رئاسة‌ وولاية‌ علی‌ أُمور المسلمين‌، لانَّ تنصيبه‌ في‌ هذه‌ المواقع‌ بمثابة‌ إيجاد للسبيل‌، وولايته‌ منفيّة‌ بآية‌ نفي‌ السبيل‌، ولانَّ سلطة‌ غير المسلم‌ تدخل‌ تحت‌ عنوان‌ الولاية‌، وعنوان‌ ولاية‌ الكافرين‌ منفيّة‌ بمقتضي‌ هذه‌ الآية‌.

 الرجوع الي الفهرس

طبقاً للآية‌.. انتفاء دخول‌ ممثّلي‌ أهل‌ الذمّة‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌

 ويصحّ انتخاب‌ أشخاص‌ من‌ إلیهود والنصاري‌ بصفة‌ ممثّلين‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌، ولايكون‌ منافياً للآية‌ القرآنيّة‌ فيما لو كان‌ مجلس‌ الشوري‌ الإسلامي‌ّ مجلس‌ وكالة‌، أي‌ كما يرسل‌ جميع‌ المسلمين‌ أشخاصاً من‌ قبلهم‌ ليمثّلوهم‌ في‌ المجالس‌، فلليهود والنصاري‌ أن‌ يوكّلوا من‌ ناحيتهم‌ أشخاصاً يقومون‌ بنقل‌ مطالبهم‌، وهذا لا إشكال‌ فيه‌.

 لكنَّ الكلام‌ يدور حول‌ ما إذا لم‌ يكن‌ مجلس‌ الشوري‌ الإسلامي‌ّ بمجلس‌ وكالة‌، بل‌ هو مجلس‌ ولاية‌ عامّة‌. فمجلس‌ الشوري‌ له‌ دور عملي‌ّ، والقوانين‌ التي‌ يقرّها لها من‌ يضمن‌ تنفيذها في‌ الخارج‌ علی‌ أساس‌ كونها مطابقة‌ لقانون‌ القرآن‌ والإسلام‌، وعدم‌ اشتمالها علی‌ أيّة‌ مخالفة‌، ويقوم‌ أعضاء مجلس‌ الشوري‌ بأعمال‌ البلاد بعنوان‌ أولياء، غاية‌ الامر لاتكون‌ الولاية‌ فيه‌ لشخص‌ واحد بل‌ هي‌ للجماعة‌، فيقومون‌ بالعزل‌ والنصب‌ والسلم‌ والحرب‌، ويصدرون‌ جميع‌ قرارات‌ البلاد، فهكذا مجلس‌ إذَن‌ هو مجلسٌ ولايتي‌ّ لا مجلس‌ وكالة‌، ولا يحقّ لغير المسلمين‌ أن‌ يشاركوا فيه‌.

 لم‌ يكن‌ من‌ المقرّر في‌ بداية‌ الحركة‌ الدستوريّة‌ ـعندما تقرّر تأسيس‌ المجلس‌ـ دخول‌ إلیهود والنصاري‌ ومشاركتهم‌ فيه‌ أبداً؛ وبذل‌ حملة‌ لواء الدستوريّة‌ الاُولي‌، الذين‌ كانوا يتولّون‌ السياسة‌ المزوّرة‌ في‌ الخفية‌ والسرّ، جهوداً كبيرة‌ في‌ هذا المجال‌، لا نَّهم‌ كانوا يريدون‌ إخراج‌ الحكم‌ عن‌ صفته‌ الإسلاميّة‌ وترتيب‌ مجلس‌ بعيد عن‌ سلطة‌ فقهاء الاُمّة‌ ومنفصلاً عن‌ ولاية‌ الفقيه‌! ولذا، أدخلوا إلیهود والنصاري‌ بصفة‌ ممثّلين‌ عن‌ أقلّيّات‌ مذهبيّة‌ في‌ المجلس‌، ومن‌ ثمّ انتقل‌ الدور إلی‌ المجوس‌، أي‌ الزرادشتيّين‌ حيث‌ لم‌يكن‌ العلماء مستعدّين‌ لإفساح‌ المجال‌ لممثّل‌ الزرادشتيّين‌ في‌ المجلس‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 ينقل‌ في‌ كتاب‌ « تاريخ‌ رجال‌ إيران‌ » عن‌ أرباب‌ جمشيد: أ نَّهم‌ ذهبوا إلی‌ أحد كبار الساسة‌ المعروفين‌ في‌ طهران‌ ( وذكر اسمه‌ وصفاته‌، الذي‌ كان‌ من‌ حملة‌ لواء الدستوريّة‌ ) وطلبوا منه‌ الموافقة‌ علی‌ السماح‌ للزرادشتيّين‌ بانتخاب‌ ممثّل‌ لهم‌ في‌ المجلس‌ بصفة‌ أقلّيّات‌ مذهبيّة‌، وأعطوه‌ ما شاءالله‌ من‌ المال‌ إلی‌ أن‌ وافق‌ أخيراً علی‌ أن‌ يوضع‌ في‌ القانون‌ الاساسي‌ّ: أنَّ للزرادشتيّين‌ أن‌ ينتخبوا ممثّلاً لهم‌ في‌ المجلس‌ بصفتهم‌ أقلّيّة‌ دينيّة‌.[21]

 هذا ما بأيدينا حإلیاً من‌ التأريخ‌، ولو أردنا أن‌ نرجع‌ حقيقة‌ إلی‌ الكتاب‌ والسنّة‌ ونعمل‌ بهما، فيجب‌ منع‌ مشاركة‌ إلیهود والنصاري‌ والزرادشتيّين‌ في‌ مجلس‌ الشوري‌، وكذلك‌ كلّ جماعة‌ خارجة‌ عن‌ الإسلام‌ كالشيوعيّين‌ والمشركين‌ والطبيعيّين‌ والمرتدّين‌ والملحدين‌ وغيرهم‌، وإن‌ كانوا من‌ مواطني‌ البلاد الإسلاميّة‌.

 كان‌ بحثنا هذا حول‌ ما يتعلّق‌ بشرط‌ الإسلام‌ الذي‌ ذكرناه‌.

 ومن‌ الشروط‌ الاُخري‌ للحاكم‌ الإسلامي‌ّ هو: التشيّع‌، فيجب‌ أن‌ يكون‌ الولي‌ّ الفقيه‌ الذي‌ يتولّي‌ زمام‌ أُمور الناس‌ شيعيّاً إضافة‌ إلی‌ كونه‌ مسلماً. ولانحتاج‌ لإثبات‌ اشتراط‌ التشيّع‌ في‌ الولي‌ّ الفقيه‌ سوي‌ نفس‌ دليل‌ اشتراط‌ الإسلام‌، فعندما نقول‌: يجب‌ أن‌ يكون‌ الحاكم‌ الإسلامي‌ّ مسلماً فهذا يعني‌ وجوب‌ كونه‌ شيعيّاً أيضاً.

 إنّنا نتصوّر الآن‌ أنَّ التشيّع‌ والتسنّن‌ حزبان‌ مختلفان‌ يقف‌ كلّ منهما مقابل‌ الآخر، وقد وجدا بعد وفاة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، ولذا نعدّ كلاّ من‌ التشيّع‌ والتسنّن‌ فرقة‌ من‌ الإسلام‌، فعندما نحتاج‌ لإثبات‌ اشتراط‌ التشيّع‌ في‌ الولي‌ّ الفقيه‌ إلی‌ إقامة‌ الدليل‌ كما أقمناه‌ لإثبات‌ الإسلام‌ فيه‌، مع‌ أنَّ المسألة‌ ليست‌ بهذا النحو، لانَّ الإسلام‌ ليس‌ شيئاً سوي‌ التشيّع‌، فالإسلام‌ هو نفس‌ التشيّع‌.

 وبعبارة‌ أُخري‌: التشيّع‌ والإسلام‌ يُحملان‌ علی‌ بعضهما بحمل‌ (الإسْلامُ هُوَ التَّشَيُّعُ وَالتَّشَيُّعُ هُوَ الإسْلامُ مَفْهومَاً لاَ مِصْداقَاً) لابالحمل‌ الشايع‌ الصناعي‌ّ، كأن‌ يوجد شيعة‌ في‌ الخارج‌ ونقول‌ بالحمل‌ الشايع‌ الصناعي‌ّ: إنَّ التشيّع‌ يحمل‌ علی‌ هذا الفرد المسلم‌، كما يقال‌ في‌ زَيْدٌ قائِمٌ، بل‌ ما نحن‌ فيه‌ هو من‌ هذا القبيل‌: الإنسان حَيوانٌ ناطِقٌ.

 لقد وجد التشيّع‌ في‌ زمان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وكان‌ مؤسّسه‌ نفس‌ رسول‌ الله‌، وحقيقته‌ متّحدة‌ مع‌ حقيقة‌ الإسلام‌، والكثير من‌ أهل‌ السنّة‌ كالسيوطي‌ّ في‌ تفسير « الدرّ المنثور » وغيره‌ في‌ كتب‌ تفسيرهم‌ ينقلون‌ أنَّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كان‌ جالساً عند الكعبة‌ عندما وصل‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فالتفت‌ النبي‌ّ إلی‌ أصحابه‌ وقال‌: إنَّ هَذَا وَشِيعَتَهُ هُمُ الفَائِزُونَ.

 لقد جري‌ ذكر اسم‌ التشيّع‌ لاوّل‌ مرّة‌ علی‌ لسان‌ نفس‌ النبي‌ّ، ونسبه‌ إلی‌ أميرالمؤمنين‌ وأتباعه‌. بناء علی‌ هذا، فالإسلام‌ مقترن‌ مع‌ الولاية‌، وأصل‌ الإسلام‌ هو نفس‌ التشيّع‌، وأصحاب‌ الفرق‌ غير الشيعيّة‌ هم‌ أُناس‌ قد انفصلوا عن‌ الإسلام‌ وخرجوا عنه‌.

 ليس‌ الإسلام‌ سوي‌ التشيّع‌، وكانت‌ هذه‌ الحقيقة‌ موجودة‌ من‌ زمان‌ النبي‌ّ، وهي‌ كذلك‌ إلی‌ زمان‌ صاحب‌ الزمان‌ عجّل‌ الله‌ تعإلی‌ فرجه‌ الشريف‌. وسيتحقّق‌ هذا الامر عندما يريد الله‌ له‌ ذلك‌، وهذا برهان‌ قاطع‌ في‌ أيدينا دائماً.

 وعلی‌ الذين‌ خرجوا وانفصلوا واعتبروا أنفسهم‌ محوراً، وتسمّوا بالإسلام‌، واعتبروا أنفسهم‌ سنّة‌ أي‌ تابعي‌ سنّة‌ رسول‌الله‌، وعدّوا الشيعة‌ فرقة‌ مستقلّة‌ عن‌ الإسلام‌، وجعلوهم‌ الاقلّيّة‌؛ علیهم‌ أن‌ يعدّوا الجواب‌ في‌ محضر العدل‌ الإلهي‌ّ فرداً فرداً، وكلّهم‌ مسؤولون‌.

 وبناء علی‌ هذا، فمن‌ شرائط‌ الولي‌ّ الفقيه‌ هو أن‌ يكون‌ شيعيّاً إماميّاً اثنا عشريّاً، بنصّ النبي‌ّ الذي‌ عيّن‌ أوصياءه‌ الاثنا عشر بعده‌، وهم‌ لايُنتخبون‌ انتخاباً، بل‌ ينصَّبون‌ نصباً، وهذه‌ هي‌ حقيقة‌ التشيّع‌، ولانحتاج‌ لإثبات‌ هذا الشرط‌ إلی‌ دليل‌ غير ما أقمناه‌ لشرط‌ الإسلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ حول‌ حقيقة‌ التشيّع‌

 وكم‌ كان‌ قد أوضح‌ أُستاذنا الجليل‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌الله‌ تربته‌ الشريفة‌ هذا المطلب‌ بنحو يمكن‌ أن‌ يُعَدّ من‌ كلماته‌ الخالدة‌، ولذا فقد اختيرت‌ هذه‌ العبارة‌ ووضعت‌ تحت‌ صورته‌:

 التشيّع‌ هو حقيقة‌ الاتّباع‌ لسنة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ المتجلّي‌ في‌ الولاية‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ  وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الثلاثون‌:

 من‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌: الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّی اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العلی‌ِّ العَظِيمِ

 

 ومن‌ شروط‌ ولاية‌ الفقيه‌ إضافة‌ إلی‌ شرطي‌ الإسلام‌ والتشيّع‌ هو: لزوم‌ الهجرة‌ إلی‌ دار الإسلام‌. فبقاء أي‌ّ فقيه‌ في‌ دار الكفر وعدم‌هجرته‌ إلی‌ دار الإسلام‌ مانعٌ من‌ تولّيه‌ ولاية‌ المسلمين‌.

 إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَـ'هَدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُو´ا أُولَـ'´ءِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ حَتَّي‌' يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي‌ الدِّينِ فَعلیكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ علی‌' قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم‌ مِّيثَـ'قٌ وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. [22]

 الذين‌ آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم‌ وأنفسهم‌ في‌ سبيل‌ الله‌ والذين‌ آووا ونصروا بعضهم‌ أولياء بعض‌، كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ وَلي‌ٌّ لِلآخَرِ. ( كمهاجري‌ مكّة‌ الذين‌ بعد أن‌ آمنوا بالله‌ هاجروا إلی‌ رسول‌ الله‌ في‌ المدينة‌ وجاهدوا بأموالهم‌ في‌ سبيل‌ الله‌، وأنصار المدينة‌ الذين‌ منحوهم‌ المأوي‌ والمسكن‌ وقاسموهم‌ طعامهم‌ وشرابهم‌ وقبلوهم‌ وساعدوهم‌ في‌ جميع‌ أحوالهم‌ ) فجميع‌ هؤلاء من‌ المهاجرين‌ والانصار بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.

 أمّا أُولئك‌ الذين‌ آمنوا ولم‌ يهاجروا فليس‌ لهم‌ أيّة‌ ولاية‌ بالنسبة‌ لكم‌ حَتَّي‌' يُهَاجِرُوا، ( فشرط‌ الولاية‌: الإيمان‌ والهجرة‌ )، أمّا الآن‌ وقد آمنوا ولم‌يهاجروا فلو طلبوا منكم‌ النصرة‌ في‌ الدين‌ والعون‌ والمساعدة‌، فعلیكم‌ أن‌ تساعدوهم‌، إلاّ إذا كان‌ ذلك‌ العدوّ قد ارتبط‌ معكم‌ بميثاق‌ ومعاهدة‌ ( معاهدة‌ عدم‌الحرب‌ ) فلا يمكنكم‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ من‌ نصرة‌ ذلك‌ المستنصر ( المؤمن‌ غيرالمهاجر ) لا نَّكم‌ قد ارتبطتم‌ بميثاق‌ مع‌ ذلك‌ العدوّ.

 ولا يجوز نقض‌ الميثاق‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌، أي‌ كما لا يجوز نقض‌ العهد والميثاق‌ مع‌ المؤمن‌ والمسلم‌، فكذلك‌ لا يجوز نقض‌ الميثاق‌ مع‌ العدوّ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌.

 والآية‌ صريحة‌ في‌ أنَّ الذين‌ آمنوا ولم‌ يهاجروا مَا لَكُم‌ مِّن‌ وَلَـ'يَتِهِم‌ مِّن‌ شَيْءٍ.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «الوافي‌» ج‌ 3، ص‌ 12، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ وفي‌ «الكافي‌» عن‌ عدّة‌، عن‌ أحمد، عن‌ ابن‌ فضّال‌، عن‌ عاصم‌ بن‌ حميد، عن‌ الثمإلی‌ّ، عن‌ أبي‌ جعفر علیه‌ السلام‌، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُاللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسلَّمَ فِي‌ حِجَّةِ

الوَدَاعِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! وَاللَهِ مَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ؛ وَمَا مِنْ شَي‌ءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الجَنَّةِ إلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ ـ الرواية‌.

وروي‌ في‌ ص‌ 13 أيضاً من‌ «الكافي‌» عن‌ أحمد، عن‌ علی‌ّ بن‌ نعمان‌، عن‌ عمروبن‌ شمر، عن‌ جابر، عن‌ أبي‌ جعفر علیه‌ السلام‌، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صلَّی اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إنِّي‌ لَمْ أَدَعْ شَيْئاً يُقَرِّبُكُمْ إلی‌ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إلاَّ وَقَدْ نَبَّأْتُكُمْ بِهِ ـ الرواية‌.

[2] ـ «جواهر الكلام‌» ج‌ 10، ص‌ 13، الطبعة‌ الحروفيّة‌، وذكر في‌ الهامش‌ أنَّ مصدرها «صحيح‌ البخاري‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 124 و 125.

[3] ـ صدر الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[4] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 255، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[5] ـ الآية‌ 246، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[6] ـ الآية‌ 247، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[7] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 171؛ ومن‌ الطبعة‌ المصريّة‌ بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 321. يقول‌ علیه‌ السلام‌: أَمِينُ وَحْيِهِ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَنَذِيرُ نَقْمَتِهِ؛ أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الاَمْرِ أَقْوَاهُمْ علیهِ وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَهِ فِيِه‌.

 [8] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 171؛ ومن‌ الطبعة‌ المصريّة‌ بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 321.

[9] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 9، ص‌ 329، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌.

[10] ـ صدر الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 49: الحجرات‌.

[11] ـ يروي‌ في‌ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 136، كتاب‌ الإمارة‌، بابُ الاَمر بِلُزومِ الجَماعة‌ عندَ ظُهورِ الفِتَن‌ وتَحذيرِ الدُّعاةِ إلی الكُفر، طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌ّ الحلبي‌ّ، بثلاثة‌ أسانيد متّصلة‌ له‌ عن‌ نافع‌، قال‌: جاء عبد الله‌ بن‌ عمر إلی‌ عبدالله‌بن‌ مُطيع‌ حين‌ كان‌ من‌ أمر الحَرَّة‌ ما كان‌ زمن‌ يزيد بن‌ معاوية‌، فقال‌: اطرحوا لابي‌ عبدالرحمن‌ وسادة‌ فقال‌: إنِّي‌ لم‌ آتك‌ لاجلس‌، أتيتك‌ لاُحدِّثك‌ حديثاً سمعته‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ بقوله‌: سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يقول‌: مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِي‌َ اللَهَ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ؛ وَمَنْ مَاتَ وَ َيْسَ فِي‌ عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.

 ويجب‌ أن‌ يُعلم‌ أنَّ المراد بكسر البيعة‌ والطاعة‌ من‌ هذه‌ الرواية‌ وأشباهها هو نقض‌ بيعة‌ وطاعة‌ الإمام‌ الحقّ، وهذا بالطبع‌ له‌ معني‌ صحيح‌. لكنَّ ابن‌ عمر قد أوهم‌ أنَّ المراد نقض‌ البيعة‌ من‌ طاعة‌ كلّ شخص‌، حتّي‌ لو ادّعي‌ كونه‌ حاكماً بالظلم‌ والعدوان‌، وحتّي‌ لو كان‌ يزيدبن‌ معاوية‌. إنَّ تطبيق‌ الرواية‌ علی‌ هذا المورد وأمثاله‌ ممّا هو نهج‌ ودأب‌ علماء العامّة‌ من‌ أعظم‌ المصائب‌ التي‌ وردت‌ علی‌ الإسلام‌ والمسلمين‌.

[12] ـ «صحيح‌ مسلم‌» ج‌ 2، ص‌ 137، كتاب‌ الإمارة‌، بابُ إذا بويعَ لِخليفَتيْن‌، طبعة‌ مصر، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌ّ الحلبي‌ّ: وَحَدَّثَنِي‌ وَهَبُ بْنُ بَقِيَّةِ الوَاسِطِي‌ّ: حَدَّثَنَا خَالِدُبْنُ عَبْدِاللَهِ عَنِ الجُرَيْرِي‌ِّ عَنْ أَبِي‌ نَضْرَةَ عَنْ أَبِي‌ سَعِيدِ الخُدْرِي‌ِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُاللَهِ صلَّیاللَهُ علیهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ: إذَا بُويِـعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا.

 وفي‌ تعلیقته‌: أي‌ْ فادْفَعوا الآخَرَ بِالقَتْلِ إذا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ بِدونِهِ؛ وَمُقْتَضاهُ أ نَّهُ لايُجوزُ عَقْدُ البَيْعَةِ لِخَليفَتَيْنِ في‌ زَمَنٍ واحِدٍ، وَإلاَّ لَما جازَ قَتْلُ الآخَرِ مِنْهُما.

[13] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 90، ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 181 و 182.

[14] ـ نَهْمَة‌: بُلوغُ الهِمِّةِ في‌ الشَّهْوَةِ في‌ الشَّي‌ءِ. يُقالُ لَهُ في‌ هَذَا الاَمْرِ نَهْمَةٌ، أي‌ْ شَهْوَةٌ. وَقَضَي‌ مِنْهُ نَهْمَتَهُ، أي‌ْ شَهْوَتَه‌.

[15] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[16] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 129؛ ومن‌ طبعة‌ مصر بتعلیقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 1، ص‌ 248 و 249.

[17] ـ ذيل‌ الآية‌ 141، من‌ السورة‌ 4: النساء. والعجيب‌ أنَّ الله‌ تبارك‌ تعإلی‌ يبيّن‌ في‌ الآية‌ 144 من‌ نفس‌ هذه‌ السورة‌ نتيجة‌ ولاية‌ الكفّار علی‌ المؤمنين‌، فيقول‌ تعإلی‌:

 يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَتَتَّخِذُوا الْكَـ'فِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن‌ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن‌ تَجْعَلُوا لِلَّهِ علیكُم‌ سُلْطَـ'نًا مُّبِينًا.

 ويظهر من‌ هذه‌ الآية‌ بوضح‌: أنَّ نتيجة‌ ولاية‌ الكفّار علی‌ المؤمنين‌ هي‌ الذلّ والضياع‌ في‌ الدنيا والآخرة‌ وفقدان‌ جميع‌ القيم‌ الإنسانيّة‌ والفضيلة‌ والشرف‌ الإنسانيّينِ وهو ما قدّره‌الله‌ بواسطة‌ حكومة‌ الكافرين‌ علیكم‌ وباختياركم‌، وما قدرة‌ الكافرين‌ علیكم‌ حين‌ ولايتهم‌ إلاّ سلطة‌ الله‌ علیكم‌ بسبب‌ فسادكم‌ الحاصل‌ بإرادتكم‌ واختياركم‌. ويتّضح‌ من‌ الآية‌ توحيد الله‌ الافعإلی‌ّ، إذ كانت‌ سلطة‌ وحكومة‌ الكافرين‌ علی‌ المؤمنين‌ عين‌ قدرة‌ وحكومة‌ الله‌ علی‌ المؤمنين‌ التي‌ نالوها وتعلّقت‌ بهم‌ نتيجة‌ اتّخاذهم‌ لهؤلاء أولياء.

[18] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[19] ـ ذيل‌ الآية‌ 81، من‌ السورة‌ 17: الإسراء؛ وتمام‌ الآية‌ هكذا: وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَـ'طِلُ إِنَّ الْبَـ'طِلَ كَانَ زَهُوقًا.

[20] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[21] ـ «تاريخ‌ رجال‌ إيران‌» قرون‌ 12 ـ 13 ـ 14 هجري‌ّ، تإلیف‌ مهدي‌ بامداد، ج‌ 1، ص‌ 280؛ يقول‌ في‌ ترجمة‌ أحوال‌ أرباب‌ جمشيد:

 أرباب‌ جمشيد بن‌ بهمن‌ الزرادشتي‌ّ إلیزدي‌ّ، كان‌ من‌ الصرّافين‌ المعروفين‌ في‌ طهران‌، وصار نائباً في‌ الدورة‌ الاُولي‌ لمجلس‌ الشوري‌ الوطني‌ّ عن‌ الزرادشتيّين‌ (لقد استمرّ المجلس‌ الاوّل‌ من‌ 18 شعبان‌ 1324 إلی‌ 23 جمادي‌ الآخرة‌ 1326 ه) في‌ إيران‌.

 وقال‌ أرباب‌ جمشيد للكاتب‌ في‌ أحد الايّام‌ ضمن‌ حديث‌: إنَّه‌ في‌ بداية‌ تأسيس‌ الحركة‌ الدستوريّة‌ وتدوين‌ القانون‌ الاساسي‌ّ، لم‌ يكن‌ بعض‌ النوّاب‌ يميلون‌ لإعطاء الزرادشتيّين‌ ممثّلاً في‌ مجلس‌ الشوري‌ الوطني‌ّ، وقد أعطيتُ مبلغاً كبيراً من‌ المال‌ للسيّد عبدالله‌ البهبهاني‌ّ الذي‌ كان‌ أكثر الاشخاص‌ نفوذاً في‌ المجلس‌ إلی‌ أن‌ رضي‌ أخيراً واستغلّ نفوذه‌ لكي‌ يُعطي‌ مقعد للزرادشتيّين‌، وبالفعل‌ فقد تمّ ذلك‌ وأُعطي‌ لهم‌ ممثّل‌.

[22] ـ الآية‌ 72، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com