|

الصفحة السابقة
المقدّمة الخامسة
الخامسة:
أنّهم
قسّموا الدائرة الكاملة ثلاثمائة وستّين درجةً فقسّموا الارضـ بما
أنّها تدور حول نفسها علي محور القطبين شرقاً وغرباً علي 360
درجةً.
واعتبروا هذا
التقسيم في البلاد مبتدَءاً من [ جزيرة «فِرو»، إحدي ] جزائر الخالدات،
التي كانت في غرب إسبانيا، مائلاً نحو المشرق
وسمّوها بالطول الجغرافيّ.
مثلاً قالوا: إنّ
طول مكّة 77 درجةً
يعني أنّها بعيدة عن هذه الجزيرة شرقاً بهذا المقدار.
ولمّا أصبحت هذه
الجزائر غريقةً تحت الماء ذهبوا يعيّنون المبدأ من رصد كرنويج
الواقع في ناحية الجنوب الشرقيّ من مدينة لندن، وذلك لانّ هذه المدينة
واقعة في ما يقرب طولاً من أوّل المعمورة من الرُّبع المسكون ولا يختلف
طولها عن جزائر الخالدات إلاّ بدرجات قليلة أوّلاً؛ ولانّ فيها رصداً يمكن
النظر منه إلي الكواكب جميعاً وإلي السيّارات والشمس والقمر وإرصادها في أيّ
نقطة من المدار ثانياً.
فإذا وصل مركز
الشمس إلي نصف النهار بالنسبة إلي ذلك الرصد، جعلوا يقدّرون مبدأ الطول.
والمنجّم المعروف:
فِلا مِسْتيد في القرن الثامن عشر الميلاديّ كان رئيساً لهذا الرصد، وألّف
تأليفات نافعةً لطول البلاد وعرضها، وخرائط مهمّةً وطرقاً نافعةً لاءرصاد
الكواكب.
وقسّموا الارض أيضاً
جنوباً وشمالاً
علي مائة وثمانين درجةً وسمّوها بالعرض الجغرافيّ، وكان المبدأ خطّ الاستواء
أو دائرة الاستواء إلي قطبَي الشمال والجنوب.
فقسّموا النواحي
الشماليّة علي 90 درجةً مائلاً نحو الشمال حتّي إذا وصل نفس القطب الشماليّ؛ مثلاً عرض بلدة طهران يساوي 35 درجةً و 41 دقيقةً و 59 ثانيةً، يعني أنّها
واقعة في العرض الشماليّ علي هذا البُعد من دائرة الاستواء. وقسّموا النواحي
الجنوبيّة أيضاً كذلك وسمّوها بالعرض الجنوبيّ.

الرجوع الی الفهرس
السّادسة:
أنّ
الارض كرويّة لامسطّحة. وهذه النظريّة قد أصبحت في هذا العصر من
البديهيّات التي لا مجال للنقد والبحث فيها أيّ مجال. فإذاً تطلع الكواكب
وتغرب ومنها القمر في ناحية دون أُخري.
السابعة:
أنّ
الاُفق الحقيقيّ في كلّ ناحية هو محيط الدائرة العظيمة التي تنصف كرة
الارض بنصفين متساويين، بحيث يمرّ الخطّ القائم المارّ علي رؤوس أهل هذه
الناحية علي مركز هذه الدائرة. والاُفق المَحَلّيّ في كلّ ناحية هو أكبر
دائرة صغيرة علي سطح الارض يراها أهل هذه الناحية، موازيةً للدائرة
العظيمة.
مثلاً إذا قام
انسان في بيداء سهل بلاجبل، يري في غاية مدّ بصره أنّ السماء متّصلة
بالارض بالدائرة التي تحيطها من كلّ جانب. هذه الدائرة تسمّي بالاُفق
المحلّيّ.
والمناط
في إمكان رؤية الكواكب وعدمه، كونها فوق الاُفق المحلّيّ وكونها تحت هذا
الاُفق، لا الاُفق الحقيقيّ؛ وهذا واضح.
الرجوع الی الفهرس

الثامنة:
أنّ
القمر في حال المقارنة مع الشمس تنطبق الدائرة الظاهرة
منه علي الدائرة المستضيئة من شعاع الشمس فإذاً لايُري نصفه الذي يسامت
الارض. وهذه الحالة تسمّي بالمحاق، لمحق نوره.
وهذا علي قسمين:
الاوّل: حالة
الكسوف وهي حالة اجتماع الارض والقمر في درجة واحدة من برج واحد علي
عرض واحد، وعلي رأيالقدماء اجتماع الشمس والقمر كذلك.

الثاني: في ما إذا كانا في برج واحد ودرجة واحدة ولكن لم يكونا في عرض
واحد، بل كان الاختلاف بينهما قليلاً إلي خمس درجات شمالاً أو جنوباً، أو
أكثر من الخمس باختلاف المنظر.
وذلك لانّ القمر
تختلف نسبة حركته إلي منطقة البروج؛ فتارةً يميل إلي الجنوب خمس درجات
وأُخري إلي الشمال كذلك؛ فإذاً لايتحقّق الكسوف لاختلاف العرض وإن كانت
المقارنة حقيقيّةً، ولكن لمحق نوره لا يُري أبداً.
و علّة عدم رؤيته
أنّ وضعه قريب جدّاً في الظاهر
للمحلّ الذي تشغله الشمس في السماء، فيوجّه نحو الارض نصف كرته المظلم
المحجوب عن الاشعّة الشمسيّة.
وهذا يتّفق في كلّ شهرٍ هلاليّ مرّةً
واحدةً.
ولولا
اختلاف العرض في القمر لكان في كلّ شهر هلاليّ يتحقّق كسوف في آخره وخسوف
في وسطه، لكن لمكان اختلاف العرض لايتحقّق الكسوف في المحاق أواخر جميع
الشهور؛ وبملاحظة محق نوره تسمّي هذه الحالة حالة المحاق.

وإذا خرج القمر عن
هذه الحالة لابدّ أن يُري علي شكل هلال ضعيف؛ لكنّ دقّة القطر المنوّر
للهلال جدّاً، تمنعنا عن رؤيته إلي حدّ يسيرُ في الفضاء ويبعد عن الشمس بقدر
يصير قابلاً لرؤيته بشكل الهلال.
هذا الفصل من الزمان يسمّي تحت الشعاع؛ وهو ما إذا كان الفاصل بين جرمَي الشمس والقمر علي قدر نصف جرميهما.
وأمّا مدّة مكث
القمر تحت الشعاع فبعد خروجه من المحاق إلي أن يسير في المدار ما يقرب
ثماني درجات؛ وحيث نعلم أنّ زمان سير القمر في المدار في كلّ درجة يطول
ما يقرب ساعتين، فإذاً يخرج القمر عن تحت الشعاع بعد ستّ عشرة ساعةً تقريباً.
اعلم
أنّ حالتَي المحاق
وتحت الشعاع جميعاً تطولان ثمانياً وأربعين ساعةً تقريباً. لانّ القمر يدخل تحت شعاع الشمس قبل المقارنة باثنتي عشرة درجةً إلي
المقارنة، ويخرج عن تحت الشعاع بعد اثنتي عشرةدرجةً من المقارنة،
فالمجموع أربع وعشرون درجةً المساوي زماناً لسير القمر في المدار ثمانياً
وأربعين ساعةً.
بعضهم يسمّي
المحاق وتحت الشعاع باسم واحد ويعبّر عنهما بالمحاق
أو تحت الشعاع؛ ولا مشاحّة في التعبير.
الرجوع الی الفهرس

التّاسعة:
أنّ
حركة الارض حول الشمس لم تكن علي كيفيّة واحدة بحيث تنطبق دائرة
الحركة الظاهريّة اليوميّة للشمس علي دائرة معدّل النهار دائماً، بل تختلف
نسبتها إلي المعدّل في كلّ يوم من الايّام.
ففي أوّل الحَمَل
الذي هو نقطة الاعتدال الربيعيّ، تنطبق الدائرتان؛ ويكون اليوم والليلة
في جميع نقاط الارض متساويين.
ثمّ تميل الشمس في
دورانها حول الارض عن المعدّل إلي طرف الشمال
شيئاً فشيئاً، ميلاً دائماً مستمرّاً، ثلاثة أشهر إلي آخر الجَوزاء وأوّل
السَّرَطان.
وفي جميع هذه
المدّة تختلف نسبة الايّام إلي لياليها في جميع نقاط الارض إلاّ في نفس
خطّ الاستواء وحواليه تقريباً. وآخر ميل الشمس عن المعدّل يكون ثلاثاً
وعشرين درجةً وثلاثين دقيقةً وسبع عشرة ثانيةً شماليّةً ( ْ23 و َ30 و ً17
ليّ).
وأوّل
السرطان وهو نقطة الانقلاب الصيفيّ يكون أطول أيّام السنة في النواحي
الشماليّة بالنسبة إلي خطّ الاستواء ودائرة المعدّل، وأقصرها في النواحي
الجنوبيّة؛ وهذا آخر نقطة للميل الشماليّ. ثمّ تميل الشمس إلي المعدّل
جنوباً من أوّل السرطان شيئاً فشيئاً ثلاثة أشهر إلي آخر السُّنبلة وأوّل
الميزان، فيرجع مدارها إلي حالته الاوّليّة فينطبق علي المعدّل فتتساوي
الايّام والليالي مرّةً أُخري في جميع بقاع الارض.
ثمّ تميل الشمس
أيضاً نحو الجنوب من أوّل الميزان الذي هو نقطة الاعتدال الخريفيّ شيئاً
فشيئاً حتّي يبلغ ثلاثاً وعشرين درجةً وثلاثين دقيقةً وسبع عشرة ثانيةً
جنوبيّةً ( ْ23 و َ30 و ً17 بيّ) في مدّة ثلاثة أشهر إلي آخر القوس وأوّل
الجَدْي. ويكون عندئذٍ أقصر أيّام السنة في النواحي الشماليّة وأطولها في
النواحي الجنوبيّة؛ وهذا آخر الميل الجنوبيّ.
ثمّ
تميل الشمس أيضاً نحو الشمال من أوّل الجدي الذي هو نقطة الانقلاب الشتويّ
ثلاثة أشهر إلي آخر الحوت وأوّل الحمل، فتنطبق الدائرتان أيضاً ويتساوي
المَلَوان.
ومدّة
هذا الميل الشماليّ والجنوبيّ في دورة كاملة لحركة الارض حول الشمس
المسمّاة بالحركة الانتقاليّة، تبلغ اثني عشر بُرجاً كاملاً لا
ربط لها بالشهور الهلاليّة؛ وتسمّي بالسنة الشمسيّة.
.

ثمّ تتكرّر السنوات بدوران الارض حول
الشمس مع ميل الشمس عن المعدّل شمالاً وجنوباً علي هذا المنهج دائماً.
الرجوع الی الفهرس
العاشرة:
أنّ
مدار حركة القمر حول الارض لا ينطبق علي صفحة منطقة البروج بحيث يسير
القمر فيها دائماً، بل يقع بعض الاحيان فيها ثمّ يميل عنها شمالاً ما يقرب
خمس درجات، ثمّ يرجع إليها ثمّ يميل عنها جنوباً ما يقرب خمس درجات، ثمّ يرجع إليها وتستمرّ حركة القمر علي هذه الوتيرة
دائماً.
الحادية عشرة:
الشهر القمريّ علي
أربعة أقسام:
الاوّل: الشهر القمريّ الحسابيّ، وهو فصل زمان مقارنتَي النيّرين المتواليتين،
ويكون تسعةً وعشرين يوماً واثنتي عشرة ساعةً وأربعاً وأربعين دقيقةً (29 يوماً
و 12 عةً و 44 قةً) وهذا لايختلف بمرّ الدهور.
الثاني: الشهر القمريّ الوَسَطيّ، وهو جعل شهر ثلاثين ثمّ تسعةً وعشرين ثمّ ثلاثين
ثمّ تسعةً وعشرين، وهكذا علي هذا المنهج.
وصحّحوا
المقادير الجزئيّة الخارجة عن هذه الضابطة بجعل كبائس كما عرفت.
وعليه الملاحدة
الاءسمعيليّة.
الثالث: الشهر القمريّ الهلاليّ الفلكيّ،
وهو المبدوّ بأوّل زمان إمكان رؤية الهلال عند الفلكيّين.
ولا
يكون هذا إلاّ تسعةً وعشرين يوماً أو ثلاثين يوماً علي حسب
اختلاف المقامات والاوضاع الفلكيّة الدخيلة في الرؤية عند الخبير المتضلّع
باستخراج التقاويم.
فإذاً
تارةً يكون شهر تسعةً وعشرين يوماً ثمّ ثلاثين ثمّ تسعةً وعشرين ثمّ ثلاثين؛
وتارةً يكون شهران متواليان أو ثلاثة أشهرمتواليات كلّ واحد منها تسعةً
وعشرين يوماً، ولا يمكن أزيد من ذلك؛ وتارةً يكون شهران متواليان أو
ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر متواليات كلّ واحد منها ثلاثين يوماً، ولا يمكن
أزيد من ذلك. فلا يمكن أن يكون أربعة أشهر متواليات تسعةً وعشرين؛ ولا
خمسة أشهر متواليات ثلاثين.
الرابع: الشهر القمريّ الهلاليّ الشرعيّ، وهو المبدوّ برؤية الهلال خارجاً لا بإمكان
رؤيتها، كما ستعرف إن شاء الله تعالي.
الثانية عشرة:
الرجوع الی الفهرس
الاُمور الدخيلة في
إمكان رؤية الهلال في أوّل الشهر الهلاليّ وجوه:
الاوّل:
اختلاف البلاد طولاً. لانّ كلّ بلد يكون طوله أقلّ من جزائر الخالدات أو من
رَصَد كرنويج، هو أقرب في الرؤية؛ لغروب النيّرين فيه بعد غروبهما من
البلد الذي يكون طوله أكثر.
فيمكن
أن يُري الهلال فيه دون ذلك، وإن كان عرضهما سواءً.
مثلاً إذا فرضنا في بلدة طهران التي يكون طولها من نصف نهار كرنويج واحدةً
وخمسين درجةً ونصف درجة تقريباً وتغرب الشمس فيها قبلها بثلاث ساعات وخمس
وعشرين دقيقةً (3 عاتٍ و25 قةً) أن يكون القمر وقت الغروب تحت الشعاع وأن
يكون إلي خروجه درجة واحدة، فإذاً يخرج بعد ساعتين؛ ففي طهران وجميع
البلاد التي يكون طولها أزيد من ساعة وخمس وعشرين دقيقةً، لا يكون الهلال
قابلاً للرؤية، وإن كانت متساويةً في العرض بالنسبة إلي طهران، في
الجملة.
وفي
جميع البلاد التي يكون طولها أقلّ من ساعة واحدة وخمس وعشرين دقيقةً، يكون
قابلاً لها.
الثاني: اختلاف البلاد عرضاً.
وهذا من ثلاث جهات:
الجهة
الاُولي بُعد الشمس عن المعدّل و قربها منه: بُعد المعدّل [ أي اختلاف
ميلها عنه ]. لما ذكرنا
من أنّ أيّام السنة تختلفطولاً وقصراً علي حسب اختلاف ميل الشمس عن
المعدّل؛ ومن هذه الناحية أيضاً يختلف وقت غروب الشمس في الاماكن
المختلفة عرضاً؛ فيمكن أن تغرب الشمس في ناحية ولمّا يخرج القمر عن تحت
الشعاع، ثمّ تغرب في ناحية أُخري وقد خرج عن تحته، فيُري الهلال في
الثانية دون الاُولي.
مثلاً في بلدة طهران التي يكون عرضها الشماليّ 35 درجةً و 41 دقيقةً و59
ثانيةً، يكون أطول أيّام السنة وهو أوّل السرطان ما يقربأربع عشرة ساعةً
ونصف ساعة؛ وفي نفس اليوم يكون النهار في بلدة جنوبيّة من المعدّل
بحيث يكون عرضها الجنوبيّ بهذا المقدار وهو 35 درجةً و 41 دقيقةً و 59 ثانيةً
جنوبيّةً وكانت متساوية الطول لطهران، أقصرَ أيّام السنة، وهو تسع ساعات
ونصف ساعة تقريباً. فإذاً يكون الاختلاف بينها وبين طهران خمس ساعات؛
فتطلع الشمس في طهران بنصف هذا المقدار وهو ساعتان ونصف ساعة قبل تلك
البلدة وتغرب أيضاً بعدها بهذا المقدار. فحينئذٍ إذا فرضنا كون
القمر وقت الغروب في تلك البلدة تحت الشعاع بدرجة واحدة، لم يُرَ
الهلال فيها؛ وبعد سيره في المدار بدرجة واحدة تطول ساعتين، يخرج ويُري
في طهران، لانّ غروب الشمس في طهران إنّما هو بعد نصف ساعة من خروج القمر
عن تحت الشعاع.
الجهة
الثانية: بُعد القمر عن المنطقة [أي اختلاف عرضه عنها ] شمالاً وجنوباً
مايقرب عشر درجات. فإذا كان القمر بعيداً عنها شمالاً لم يُرَ الهلال في
بعض النواحي الجنوبيّة، وإذا كان بعيداً عنها جنوباً لم يُرَ الهلال في بعض
النواحي الشماليّة؛ وإن كانت النّواحي متساوية الطول.
الجهة
الثالثة: لمّا كان مدار حركة القمر الظاهريّة منطبقاً أو موازياً لصفحة
المعدّل،
فيكون عموديًّا علي الاُفق في المناطق الاستوائيّة وكلّ بلد يكون أبعد منها
شمالاً أو جنوباً يكون اضطجاع دائرة مدار حركة القمر الظاهريّة بالنسبة إليه
إلي الاُفق أكثر.
فيلزم
أوّلاً، أن يكون الهلال عند الغروب فيه إلي الاُفق أقرب. (فيمنع شعاع
الشمس من رؤيته.)
وثانياً، حيث تكون الاغبرة المجتمعة في حوالي الاُفق أكثر،
تكون الرؤية فيه أصعب.
وهذه الجهة موجبة لامتناع الرؤية أو
صعوبتها في البلاد التي يكون عرضها كثيراً.
بخلاف
ما إذا كان
مدار القمر في البلد أقرب إلي الانتصاب، فتكون الرؤية أسهل.
الثالث: الاوضاع
الفلكيّة. وهي أُمور:
الامر
الاوّل: بُعد تقويم القمر عن تقويم الشمس المعبّر عنه بالبعد السُّوي
وهو
بُعد مكان القمر عن الشمس في السماء،
لانّ القمر إذا بعد عن الشمس مقداراً قريباً من اثنتي عشرة درجةً أو أقلّ
بقليل أو أكثر كذلك، خرج عن تحت الشعاع
وصار قابلاً للرؤية؛ والمعروف عند المحقّقين أنّ أقلّ مقدار البُعد السُّوي
عشر درجات.
لكنّ
المقامات تختلف؛ لانّه ربّما خرج في أوّل الغروب فيكون قابلاً للرؤية
ولكن بصعوبة، لانّ القطر المنوّر للهلال حينئذٍ دقيق جدّاً؛ وأمّا إذا خرج
مثلاً في أوّل النهار قبل غروب الشمس باثنتي عشرة ساعةً، يسير في المدار
إلي الغروب ستّ درجات، فحينئذ يكون بُعده عن الشمس عند الغروب بثمان
عشرة درجةً، فيزيد البعد السوي ويصير القطر المنوّر ضخيماً يُري بالسهولة.
الامر
الثاني: بُعد مغرب القمر عن مغرب الشمس زماناً المعبّر عنه بالبعد المعدّل
وهو بُعد زمان مَغيبَيهما، ثمّ يحسب علي حسب الدرجات مكاناً فيصير بُعد جِرم
القمر عند غروب الشمس عن الاُفق علي جهة غروب القمر.
لانّه
كلّما كان هذا الفصل أطول كان زمان مكث الهلال فوق الاُفق أكثر، فيُري
فوق الاُفق بسهولة. وأمّا إذا كان هذا البعد قليلاً، يغرب القمر بعد غروب
الشمس بفاصلة قليلة، ولا يكون قابلاً للرؤية.
والمذكور
في الكتب المشهورة، أنّه ينبغي أن يكون البعد بين مغربَي النيّرين أكثر
من عشرة أجزاء. وقيل: ينبغي أن يكون ما بينهما عشرة أجزاء أو أكثر، حتّي
يكون مكث الهلال فوق الاُفق بعد غروب الشمس ثُلثي ساعة أو أكثر؛ لانّ
الارض تدور حول نفسها كلّ درجة في أربع دقائق، وفي هذه المدّة يقرب
الهلال من محلّ غروبه درجةً واحدةً؛ فإذا كان بُعد مغرب القمر عن مغرب
الشمس عشر درجات، فبَعد حاصل ضربهما وهو أربعون دقيقةً (10 * 4 =40) يخفي
الهلال تحت الاُفق. ولكنّ التّحقيق أنّ الهلال يُري ببُعد تسع درجات أيضاً.

واعلم
أنّ من جملة ما هو دخيل في البعد المعدّل، حالة ترقّص القمر عند علماء
الفلك، فيشاهد القمر كأنّه واقف مضطرب.
ففي
هذه الحالة يكون مكث القمر فوق الاُفق أكثر ممّا لم يكن فيه هذه الحالة،
فتكون الرؤية أسهل.
وحالة
الترقّص هي حالة مدار سير القمر حول الشمس فيما يقرب القمر من زاوية مداره
المضرّس بقليل وفيما يبعد عنها كذلك.
وهذا
المدار المضرّس هو مداره حول الشمس الحاصل من نتيجة سير القمر حول الارض
وسير الارض حول الشمس.
ثمّ
اعلم أنّ ممّا هو دخيل في الرؤية وسهولتها، ارتفاع الهلال من الاُفق؛
لانّه كلّما كان أكثر كانت الرؤية أسهل.
هذا
ولكنّ الارتفاع ليس دخيلاً فيها بحذاء البعد السوي والبعد المعدّل، بل هو أمر
تابع لمقدارهما؛ فبحصول مقدار هما يحصل قدر الارتفاع قهراً.
وأمّا
انحراف القمر عن الشمس شمالاً أو جنوباً وتعيين القطر المنوّر للهلال علي
حسب الثواني الفلكيّة، فليسا دخيلين في الرؤية البتّة؛ وما تري أنّ بعض
الفلكيّين يحسبونهما في مستخرجاتهم فهو من باب المعاونة علي تعيين محلّ
الهلال وكيفيّة مشاهدته.
الرابع: العوامل الفيزياويّة،
كالابخرة المائيّة الموجودة في الهواء.
ففي
فصل الشتاء تمنع الابخرة المائيّة المتلالئة عن الرؤية كثيراً، فيُري
الهلال تحتها رقيقاً وتكون الرؤية أصعب.
وفي
فصل الصيف تمنع الابخرة المائيّة عن الرؤية قليلاً وتكون الموادُّ المحرقة
والغازات غير المائيّة كثيرةً، فينعكس النور وينكسر، فيُري الهلال تحتها
غليظاً ضخيماً؛ فتكون الرؤية أسهل.
هذا
مضافاً إلي جهات أُخري غير مستمرّة، مثل السحب والغيوم والرياح الموجبة
لكدورة الهواء وتضريس بعض الاراضي والجبال وكلالة البصر؛ فتكون الرؤية
أصعب.
بخلاف الصحو وصفاء الهواء وتسطيح الارض
وحدّة البصر الموجبة لسهولة الرؤية؛ لكن لا يمكن ضبطها.
الرجوع الی الفهرس
تتمة النص

پاورقي
ـ قال في «شرح
الجِغمينيّ» ص 141: طول مكّة من جزائر الخالدات «عزي» أي سبع
وسبعون درجةً وعشر دقائق، وعرضها «كام» أي إحدي وعشرون درجةً
وأربعون دقيقةًمنه عفي عنه.
ـ قال سماحة
المؤلّف قدّس سرّه قبل ارتحاله بشهور: المراد أنّا إذا أردنا أن
نقدّر طول نقطة من الارض نقدّر الفصل الزمانيّ بين وصول مركز الشمس
إلي نصف النهار المبدأ وإلي نصف نهار تلك النقطة ثمّ نحسب علي حسب
الدرجات مكاناً، وليست للشمس في هذا التقدير خصوصيّة بل يمكن أن
يستفاد من أيّ كوكب ولكنّ الشمس هي المتعارفة في العمل م.
ـ اعلم أنّ مدار الارض حول الشمس ليس بيضيّاً صحيحاً هندسيّاً بل إنّما هو شبه الدائرة ووقعت الشمس خارجةً عن مركزها، ولهذا سمّي هذا المدار في ألسنة العرف
بالبيضيّ.
ـ إنّ بيان كيفيّة
إيجاد الفصول في هذه المقدّمة كما مرّ مبنيّ علي ما هو المشاهد
بالحسّ و المتعارف في التعبير الموافق في الظاهر لمبني القدماء من
حركة الشمس حول الارض، حيث إنّهم كانوا يعتقدون انّ
الشمس تدور حول الارض مرّةً واحدةً كلّ أربع وعشرين ساعةً وإنّ ميلها يتغيّر علي مدي السنة، فيسبّب تغيّر ميل الشمس حصول
الفصول المختلفة.
وأمّا
في علم الهيئة الحديث فيقال: إنّ الارض تدور حول نفسها مرّةً
واحدة كلّ أربع وعشرين ساعةً، و مع ذلك تدور حول الشمس مرّةً
واحدة في كلّ سنة و يبقي امتداد محورها بحاله. و حيث إنّ محور الارض مائل عن سطح مدارها بزاوية في حدود 66 و 33،
فإنّ هذا الميل هو العلّة الاساسيّة لحصول الفصول المختلفة.
ولا
يخفي أنـّه علي الرغم من اختلاف البيانين في حصول الفصول، لا
يوجد لذلك أثر ملاحظ في أغلب الحسابات الفلكيّة، وخاصّةً في موضوع
هذا الكتاب (رؤية الهلال) حيث إنّه لا يؤدّي إلي أيّ تغيير أساسيّ.
و
بيان الفصول الاربعة وفقاً لعلم الهيئة الحديث علي النحو التالي:
أ )
إنّ الارض تدور حول الشمس خلال السنة علي مسير شبيه بالدائرة تقع
الشمس في مركزه أو بتعبير أدقّ مسير بيضويّ قريب من الدائرة جدّاً
تقع الشمس في إحدي بؤرتيه وتُدعي هذه الحركة بالحركة الانتقاليّة
للارض.
ب )
يصنع مستوي دائرة البروج مع صفحة الاستواء أو صفحة معدّل النهار
زاويةً تعادل 23 و 27، وهذه الزاوية ثابتة تقريباً، ولهذا
الدليل فإنّ محور دوران الارض يصنع زاويةً مع مستوي دائرة البروج
تعادل 66 و 33.
ج )
يتلاقي مستوي دائرة البروج ومستوي معدّل النهار في خطّ اذا ما مرّ
هذا الخط علي الشمس يدعي بخطّ الاعتدالين، يشكّل انتهاؤه علي
الكرة السماويّة نقطتين تدعيان بنقطتي الاعتدالين: نقطة الاعتدال
الربيعيّ ونقطة الاعتدال الخريفيّ.
د )
لو مدّ خطّ من محلّ الشمس علي مستوي دائرة البروج بحيث يكون
عموديّاً علي خطّ الاعتدالين، فإنّ هذا الخطّ سيُدعي خطّ الانقلابين،
ويكون انتهاؤه علي الكرة السماويّة نقطتين تدعيان بنقطة الانقلاب
الصيفيّ ونقطة الانقلاب الشتويّ.
ه )
إذا وصلت الارض خلال حركتها الانتقاليّة إلي محاذاة نقطة الاعتدال
الربيعيّ (أي في أوّل برج الحمل)، فإنّ الشمس
ستكون علي امتداد مستوي استواء الارض، ويتساوي طول الليل والنهار
في جميع نقاط الارض، ويكون ذلك بداية فصل الربيع في نصف الكرة
الارضيّة الشماليّ
و )
تتحرّك الارض حول الشمس، ولمّا كان محور الارض مائلاً بزاوية عن
دائرة البروج، فإنّ الشمس ستخرج تدريجيّاً إثر دوران الارض عن
امتداد صفحة استواء الارض، إلي أن تقع بعد مرور ثلاثة أشهر (أي في
أوّل برج السرطان) علي مستوٍ يمرّ بمحور الارض ويكون عموديّاً علي
دائرة البروج، وتكون الارض حينذاك قد وصلت إلي محاذاة نقطة
الانقلاب الصيفيّ، ويكون ذلك بداية فصل الصيف في نصف الكرة
الارضيّة الشماليّ. وباعتبار أنّ أشعّة الشمس تكون عموديّةً بصورة
أكثر علي المناطق الشماليّة، فإنّ طول النهار سيزداد وحرارة الجوّ
سترتفع.
ز )
تستمرّ الارض في حركتها الانتقاليّة، فتصل بعد ثلاثة أشهر أُخري
(أي في أوّل برج الميزان) إلي محاذاة نقطة الاعتدال الخريفيّ،
ويمثّل ذلك بداية فصل الخريف في نصف الكرة الارضيّة الشماليّ. و
يتساوي مرّةً ثانيةً طول الليل والنهار، إذ تكون الشمس ثانيةً علي
امتداد مستوي استواء الارض.
ح ) و
أخيراً تصل الارض خلال حركتها الانتقاليّة بعد ثلاثة أشهر أُخري (أي
في أوّل برج الجدي) إلي محاذاة نقطة الانقلاب الشتويّ، فتقع
الشمس ثانيةً علي مستوٍ يمرّ بمحور القطبين ويكون عموديّاً علي دائرة
البروج، فيكون ذلك بداية فصل الشتاء في نصف الكرة الارضيّة
الشماليّ. وباعتبار أنّ أشعّة الشمس تكون مائلةً بالنسبة إلي
المناطق الشماليّة بدرجة أكبر، فإنّ النهار سيكون أقصر ودرجة الجوّ
ستكون أبرد.
ط )
بعد مرور ثلاثة أشهر أُخري تكون الارض قد أكملت حركتها حول الشمس
وبلغت من جديد نقطة الاعتدال الربيعيّ.
و
بهذا الترتيب تتعاقب الفصول الاربعة علي الارض دائماً، وبهذه
الحركة التي تستغرق اثني عشر شهراً يتحقّق مرور السنة الشمسيّة.

|