بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم العشرون:علة إخبار المرتاضین، الفناء فی غیر الذات القدسیة ممنوع، تواضع السید هاشم، محضر السید هاشم...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

أيمكن‌ أن‌ يتضمّن‌ «إيمَاناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي‌» معنيً آخر غير التوحيد؟

 بَاشَرَ يُبَاشِرُ مُبَاشَرَةً أي‌: مسّه‌ ببشرته‌، كما في‌ بَـ'شِرُوهُنَّ [495]، وهو ملامسة‌ البشرة‌ للبشرة‌، وهو كناية‌ عن‌ الجماع‌، وفي‌ لاَ تُبَـ'شِرُوهُنَّ[496] الذي‌ له‌ هذا المعني‌ أيضاً.

 فالإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ يقول‌ هنا: يا إلهي‌! هب‌ لي‌ إيماناً تُدخله‌ قلبي‌ وتجعله‌ يُباشره‌، فتصير أفكاري‌ وآرائي‌ أفكارك‌ وآراءك‌! فهل‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ لتصرّف‌ الله‌ في‌ قلب‌ المؤمن‌ بالمباشرة‌ معني‌ غير انكشاف‌ حقيقة‌ التوحيد في‌ جميع‌ مراحله‌ من‌ التوحيد الذاتي‌ّ والاسمائي‌ّ والصفاتي‌ّ والافعالي‌ّ؟! [497]

 والعجيب‌ هنا أنّ هذا الدعاء يتكرّر بهذه‌ العبارة‌ عينها في‌ جميع‌ أدعية‌ الليالي‌ العشر الاخيرة‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌، من‌ الليلة‌ الحادية‌ والعشرين‌ إلي‌ الليلة‌ الثلاثين‌. فالعشرة‌ الثالثة‌ باعتبارها أفضل‌ أوقات‌ شهر رمضان‌، وباعتبار حصول‌ المؤمن‌ الصائم‌ علي‌ الصفاء الروحي‌ّ بتقرّبه‌ إلي‌ الله‌ ومن‌ خلال‌ الدعاء والمناجاة‌ وتلاوة‌ القرآن‌ وغيرها؛ فإنّه‌ صار مهيّئاً للاستفاضة‌ من‌ الفيوضات‌ الغيبيّة‌ الإلهيّة‌، واكتسب‌ اللياقة‌ لمثل‌ هذا الدعاء في‌ الرغبة‌ إلي‌ ربّه‌ ليرفع‌ عنه‌ جميع‌ الحجب‌ ويوصله‌ إلي‌ مقام‌ التوحيد الكامل‌ ويجلّي‌ ذاته‌ القدسيّة‌ في‌ قلبه‌، وهو حقّاً فوز عظيم‌.

 لاحظوا أنّ عين‌ هذه‌ العبارة‌ مكرّرة‌ في‌ جميع‌ أدعية‌ هذه‌ العشر المباركة‌ التي‌ تزيد في‌ بركتها علي‌ العشر الاُولي‌ والثانية‌:

 أَسْأَ لُكَ أَنْ تُصَلِّي‌َ عَلَي‌ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَ اسْمِي‌ فِي‌ هَذِهِ اللَيْلَةِ فِي‌ السُّعَدَاءِ، وَرُوحِي‌ مَعَ الشُّهَدَاءِ، وَإحْسَانِي‌ فِي‌ عِلِّيِّينَ، وَإسَاءَتِي‌ مَغْفُورَةً، وَأَنْ تَهَبَ لِي‌ يَقِيناً تُبَاشِرُ بِهِ قَلْبِي‌، وَإيمَاناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنِّي‌، وَتُرْضِيَنِي‌ بِمَا قَسَمْتَ لِي‌.[498]

 أَوَ فكّرنا حتّي‌ الآن‌ فيما يريد قوله‌ في‌ هذه‌ الفقرة‌ من‌ دعاء أبي‌ حمزة‌ الثمالي‌ّ:

 مَعْرِفَتِي‌ يَا مَوْلاَي‌َ دَلِيلِي‌ عَلَیكَ، وَحُبِّي‌ لَكَ شَفِيعِي‌ إلَيْكَ، وَأَنَا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي‌ بِدَلاَلَتِكَ، وَسَاكِنٌ مِنْ شَفِيعِي‌ إلی شَفَاعَتِكَ!!

 فهو يقول‌ هنا: إنّ عَلَي‌َّ ـ كي‌ أصل‌ إلي‌ مقام‌ القرب‌ أن‌ أعرفك‌، لكن‌ ما يدلّني‌ عليك‌ هو معرفتي‌، وما يشفع‌ لي‌ ويعينني‌ في‌ هذا الوصل‌ هو حبّي‌ لك‌؛ بَيدَ أ نّه‌ لا قيمة‌ لهذه‌ المعرفة‌ وهذه‌ المحبّة‌، لا نّها من‌ جانبي‌ أنا، أنا الموجود المحدود المتعيّن‌ الضعيف‌ الجاهل‌، فلا تلك‌ المعرفة‌ تنفعني‌ ولا تلك‌ المحبّة‌ يمكنها الشفاعة‌ لي‌ وإيصالي‌ إلي‌ مرامي‌.

 ولكن‌ لعلمي‌ وثقتي‌ أ نّك‌ قد أريتني‌ نفسك‌ لاعرفك‌، وأ نّك‌ قد أحببتني‌ لاكون‌ محبّاً لك‌؛ فإن‌ لهذه‌ المعرفة‌ والمحبّة‌ قيمة‌ لا نّها تجعلني‌ أصل‌ إلي‌ قصدي‌، ولا نّها من‌ جانبك‌ أنت‌ لا من‌ جانبي‌ أنا!

 وفي‌ هذه‌ الفقرة‌ تفسير وبيان‌ للفقرة‌ التي‌ وردت‌ في‌ صدر الدعاء:

 بِكَ عَرَفْتُكَ، وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي‌ عَلَیكَ وَدَعَوْتَنِي‌ إلَيْكَ، وَلَولاَ أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ!

 فهذه‌ الفقرات‌ بأجمعها لها دلالة‌ علي‌ لزوم‌ التجلّي‌ الذاتي‌ّ لرفع‌ الحجب‌ الإمكانيّة‌ النورانيّة‌ والظلمانيّة‌. وبدون‌ تجلّي‌ ذات‌ الحقّ المتعال‌ (الذي‌ يقال‌ له‌ لقاء الله‌ والشهود الباطني‌ّ وصولاً إلي‌ آخر درجة‌ من‌ درجات‌ الفناء في‌ الله‌ ثمّ إلي‌ البقاء بالله‌) فإنّ تحقّق‌ الإيمان‌ الكامل‌ والمعرفة‌ الحقيقيّة‌ للّه‌ تعالي‌ أمر محال‌. وهذا هو معني‌ التوحيد، والعرفان‌ والمعرفة‌، واللقاء، والوصول‌، وكشف‌ وحدة‌ وجود الحقّ؛ وأمثال‌ ذلك‌ من‌ العبارات‌ المتداولة‌ علي‌ الالسن‌ والمسطورة‌ في‌ الكتب‌ والمنطبعة‌ في‌ القلوب‌.

 الرجوع الي الفهرس

علّة‌ إخبار المرتاضين‌ عن‌ الحوادث‌ من‌ حركة‌ ذيل‌ البقرة‌

 وقد وجّه‌ أحد مرافقي‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد إليه‌ يوماً هذا السؤال‌: لقد تحقّق‌ أنّ بعض‌ المرتاضين‌ الهنود من‌ عبدة‌ البقر يقفون‌ مؤدّبين‌ أمام‌ البقرة‌ ويصبّون‌ اهتمامهم‌ علي‌ تلك‌ البقرة‌ فيخبرون‌ من‌ حركاتها وسكناتها عن‌ الغيب‌. فقد حصل‌ مثلاً أن‌ حرّكت‌ البقرة‌ ذيلها مرّة‌ إلي‌ اليمين‌، فأخبر عن‌ وقوع‌ ثورة‌ وسفك‌ دماء في‌ ذلك‌ الجزء من‌ الكرة‌ الارضيّة‌، أو في‌ أقصي‌ نقاط‌ المغرب‌، ثمّ اتّضح‌ أنّ هذا الإخبار كان‌ صحيحاً ومتحقّقاً بشكل‌ كامل‌. فما العلاقة‌ الموجودة‌ بين‌ حركة‌ ذيل‌ البقرة‌ وتلك‌ الحادثة‌؟ هل‌ كانت‌ حركة‌ ذيل‌ البقرة‌ سبباً لتلك‌ الحادثة‌، أو أ نّهما كانا مسـبّبينِ لسـبب‌ ثالث‌؟ أو أنّ هذه‌ الحـركة‌ كانت‌ حـاكية‌ عن‌ تلك‌ الواقعة‌؟

 فأجاب‌ السيّد: أنّ أيّاً من‌ هذه‌ الافتراضات‌ ليس‌ صحيحاً، بل‌ إنّ ذلك‌ راجع‌ إلي‌ الارتباط‌ والعلاقة‌ القويمة‌ لجميع‌ موجودات‌ العالم‌ ببعضها، وباعتبار وصول‌ ذلك‌ المرتاض‌ إلي‌ درجة‌ كشف‌ وحدة‌ النظام‌ الرابط‌ للعالم‌، فإنّه‌ يمكنه‌ الإخبار من‌ أي‌ّ حركة‌ وسكون‌ ـ مهما بدا تافهاً عن‌ جميع‌ التغييرات‌ والتحوّلات‌ والحركات‌ والسكنات‌ في‌ العالم‌. ولا اختصاص‌ في‌ هذا الامر بذيل‌ البقرة‌، فبإمكانه‌ أن‌ يخبر بعين‌ ما أخبره‌ من‌ حركات‌ رجليها ويديها وعينيها وأُذنيها وبدنها.

 كما أنّ الامر لا يختصّ بعبدة‌ البقر أو بالبقر نفسه‌، إذ يمكن‌ الإخبار بهذه‌ الاُمور من‌ أيّة‌ حركة‌ بُلبل‌، أو اهتزاز وردة‌ وتساقط‌ ماء، ومن‌ الريح‌ والمطر، ومن‌ الطلوع‌ والغروب‌؛ لانّ نظام‌ إدارة‌ وعالم‌ أمر الكون‌ واحد لا أكثر، فذلك‌ النظام‌ والامر الوحداني‌ّ يوجب‌ كلّ لحظة‌ تغيير وتبديل‌ جميع‌ ذرّات‌ العالم‌. وستصبح‌ ـ والحال‌ هذه‌ جميع‌ الوقائع‌ والحوادث‌ مشهودة‌ بمشاهدة‌ ذلك‌ النظام‌ وكشفه‌، كما سيمكن‌ إدراك‌ أي‌ّ تغيير في‌ هذا النظام‌ بمشاهدة‌ أي‌ّ تغيير آخر بواسطة‌ تلك‌ العلاقة‌ المباشرة‌ وغير القابلة‌ للتغيير فيه‌.

 كلّ ما في‌ الامر أنّ المرتاض‌ ـ عابد البقرة‌ قد تمكّن‌ برياضاته‌ النفسيّة‌ من‌ الارتباط‌ بالروح‌ الكلّيّة‌ للبقرة‌، فتمكّنت‌ نفسه‌ من‌ إرساء العلاقة‌ مع‌ ذلك‌ النظام‌ الواحد عن‌ طريق‌ نفوس‌ البقر، وصار يدرك‌ هذه‌ الرموز الخفيّة‌ والاسرار الغيبيّة‌ عن‌ طريق‌ نافذة‌ البقرة‌ وشبكتها.

 ولو عبد شخص‌ ما بلبلاً أو طيراً من‌ طيور الحمام‌ أو قطّة‌ أو غراباً ـ مثلاً ولو عبد النجوم‌ والشمس‌ والقمر، لادرك‌ بوسيلة‌ تلك‌ الطرق‌ نفوسها الكلّيّة‌، ولاطّلع‌ أخيراً علي‌ ذلك‌ النظام‌ الوحداني‌ّ وأخبر عنه‌.

 الرجوع الي الفهرس

الفَناء في‌ غير الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ المتعال‌ ممنوع‌ في‌ الشريعة‌ الإ سلاميّة‌

 بَيدَ أنّ الإنسان‌ أشرف‌ المخلوقات‌، فلا ينبغي‌ له‌ بهذا الاعتبار إفناء نفسه‌ في‌ النفوس‌ الادني‌ منه‌ أو التي‌ تشابهه‌، لانّ ذلك‌ الفناء يستلزم‌ انحطاط‌ إنسانيّته‌ وسقوطها؛ ومن‌ هنا فقد مُنعت‌ وحُرِّمت‌ عبادة‌ البقر وعبادة‌ النجوم‌ وعبادة‌ الحجر وأمثالها في‌ هذه‌ الشريعة‌ الكاملة‌.

 كما أنّ الإنسان‌ لا يمكنه‌ عبادة‌ الملائكة‌، لانّ وجودها أضعف‌ من‌ وجود الإنسان‌؛ [499] ولا يمكنه‌ عبادة‌ الجانّ بهذا الدليل‌ نفسه‌.

 كما أنّ الإنسان‌ لا يمكنه‌ عبادة‌ إنسان‌ آخر والفناء فيه‌، لانّ هذا لن‌ يوجب‌ له‌ الكمال‌. فالكمال‌ يحصل‌ حين‌ يفني‌ المعلول‌ في‌العلّة‌، والموجود الضعيف‌ في‌ الموجود القوي‌ّ؛ ومهما كان‌ الإنسان‌ وضيعاً فهو إنسان‌، ومهما كان‌ الإنسان‌ الآخر شريفاً كالانبياء والائمّة‌ وأولياء الله‌ فهو إنسان‌ أيضاً، لذا فإنّ الفناء في‌ نفوس‌ هؤلاء ممنوع‌، وقد عُدّ من‌ الحرام‌ عبادة‌ أي‌ّ إنسان‌ لإنسان‌ آخر، اللهمّ إلاّ إذا صارت‌ النفوس‌ المطهّرة‌ الإنسانيّة‌ آية‌ وشبكة‌ لذات‌ الحقّ القدسيّة‌، فحينذاك‌ فإنّ اتّباعهم‌ سوف‌ لا يمثِّل‌ عبادتهم‌ بل‌ عبادة‌ الله‌ تعالي‌، والفناء سوف‌ لا يكون‌ في‌ ذاتهم‌ بل‌ في‌ ذات‌ الله‌ تعالي‌.

 إنّ الإنسان‌ باعتباره‌ خليفةً للّه‌، ونظراً لانعدام‌ حدّ يمكنه‌ تحديده‌، فإنّه‌ قابل‌ فقط‌ للفناء في‌ الذات‌ القدسيّة‌ الاحديّة‌ دون‌ سواها، لذا صار الفناء في‌ غير تلك‌ الذات‌ المقدّسة‌ وعبادته‌ أمراً محرّماً، أمّا الفناء في‌ ذات‌ الله‌ فهو غاية‌ المطلوب‌ ومنتهاه‌.

 وبهذا الدليل‌ فإنّ الافراد المتعبّدين‌ والمتهجّدين‌ والصائمين‌ والمؤمنين‌ الحقيقيّين‌ والشيعة‌ الواقعيّين‌ الذين‌ تخطّوا مراحل‌ الإخلاص‌ ووقعوا في‌ مرحلة‌ الخلوص‌ ووصلوا إلي‌ الفناء في‌ الله‌، تصبح‌ جميع‌ أشكالهم‌ وشمائلهم‌ الظاهريّة‌ جميلة‌ بدورها، ويصبح‌ أُولئكم‌ بأجمعهم‌ نورانيّين‌ ذوي‌ طلعة‌ حسنة‌ جميلة‌، لا نّهم‌ وصلوا إلي‌ مقام‌ ودرجة‌ الإنسان‌ الحقيقي‌ّ وحازوا تلك‌ المرتبة‌ واستعادوا سيماءهم‌ الحقيقيّة‌.

 أمّا البشر من‌ عبدة‌ البقر أو النجوم‌ أو الشمس‌ أو باقي‌ الاصناف‌ والانواع‌ من‌ الفانين‌ في‌ الذوات‌، فإنّ وجوههم‌ تصبح‌ قبيحة‌ كريهة‌ المنظر متجهّمة‌ بلا نور ولا نورانيّة‌ مهما انشغلوا بالرياضات‌ في‌ دينهم‌ لتطهير نفوسهم‌. وعلّة‌ ذلك‌ أنّ ذلك‌ التطهير ليس‌ تطهيراً في‌ الحقيقة‌ بل‌ تغييراً للنفوس‌ إلي‌ صورة‌ وشمائل‌ غير إنسانيّة‌، ومن‌ جرّاء ذلك‌ تتبدّل‌ طلعتهم‌ وسيماؤهم‌ من‌ الشمائل‌ الإنسانيّة‌ إلي‌ شمائل‌ أُخري‌.

 وهذا هو أحد الاختلافات‌ بين‌ عبدة‌ البقر والنجوم‌ مع‌ الإنسان‌ العابد للّه‌ تعالي‌، وهو اختلاف‌ مشهود بوضوح‌ بالالتفات‌ إلي‌ ما قيل‌.

 وهناك‌ اختـلاف‌ آخر وهو أنّ علوم‌ هـؤلاء وإحاطـتهم‌ وتجـرّدهم‌ لا تصبح‌ كلّيّة‌ ولن‌ تسمو علي‌ النفوس‌ الحيوانيّة‌ أو الفلكيّة‌ أو الجماديّة‌ التي‌ امّحوا وفنوا فيها ولن‌ تكتسب‌ تجرّداً أكثر، لذا فإنّ علومهم‌ لن‌ تصبح‌ علوماً توحيديّة‌ ومعارف‌ إلهيّة‌ أبداً. أمّا الإنسان‌ العابد للّه‌ الفاني‌ فيه‌ فإنّ علومه‌ تصبح‌ كلّيّة‌ بتمام‌ معني‌ الكلمة‌، كما أنّ تجرّده‌ يرقي‌ إلي‌ ما لا نهاية‌، وسينال‌ حقائق‌ التوحيد والعرفان‌.

 * * *

 وعلي‌ أيّة‌ حال‌ فقد كانت‌ الاراضي‌ الواقعة‌ في‌ أطراف‌ الزينبيّة‌ جميعها بوراً قاحلة‌ أو مزروعة‌ بالخضر، وحدث‌ يوماً أن‌ كنّا في‌ معيّته‌ بعد زيارة‌ أهل‌ القبور قرب‌ الصحن‌ المطهّر، وكان‌ علينا أن‌ نذهب‌ إلي‌ الشام‌، فسرنا علي‌ الاقدام‌ مسافة‌ في‌ انتظار قدوم‌ السيّارة‌، وشاهدنا جماعة‌ من‌ العمال‌ منهمكين‌ في‌ صناعة‌ الطابوق‌ من‌ الطين‌، فقال‌ السيّد:

 لقد انكشف‌ لي‌ مطلب‌ جديد، وهو أنّ تربية‌ الإنسان‌ هي‌ عيناً بمثابة‌ هذا الطابوق‌ الذي‌ يعمل‌ هؤلاء العمال‌ في‌ صناعته‌. فهذا الطين‌ مهما كان‌ ملائماً لدرجـة‌ كبيـرة‌ ومهما كان‌ متماسـكاً لكنّه‌ لا يصـبح‌ طـابوقاً بشـكل‌ تلقائي‌ّ، بل‌ يحتاج‌ إلي‌ الخلط‌ والمزج‌ بالماء بقدر معيّن‌، ثمّ إلي‌ تحريكه‌ وتقليبه‌ لتتماسك‌ أجزاؤه‌، ثمّ إلي‌ صبّه‌ في‌ قوالب‌ معيّنة‌ ليخرج‌ بهذه‌ الاشكال‌ المكعّبة‌ التي‌ تشاهدونها.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الحدّاد: اتِّباع‌ الاُستاذ الكامل‌ خاصّة‌، من‌ ضروريّات‌ مسائل‌ الطريق‌

 والنفوس‌ البشريّة‌ هي‌ الاُخري‌ تحتاج‌ في‌ تكاملها إلي‌ أُستاذ عليه‌ أن‌ يوصلها من‌ حالة‌ الاستعداد المحض‌ إلي‌ الفعليّة‌. فالخوف‌ والسرور، القبض‌ والبسط‌، الوعد والوعيد، والاشتغال‌ بالاعمال‌ التي‌ توجب‌ رفع‌ الحجب‌، أمورٌ ينبغي‌ تحقّقها في‌ هذه‌ النفوس‌ لتصل‌ إلي‌ مرحلة‌ التوحيد الكامل‌. وهذا ما يمكن‌ الوصول‌ إليه‌ بتدبير وتصرّف‌ وتعليم‌ وتربية‌ الاستاذ الكامل‌ فقط‌ ولمدّة‌ طويلة‌. وبغير ذلك‌ فإنّ تلك‌ النفوس‌ ستبقي‌ علي‌ حالتها الاوليّة‌ أو ستخضع‌ لتغييرات‌ عشوائيّة‌ لا تحكمها أُسس‌ وأُصول‌ صحيحة‌ حتّي‌ يحين‌ موتها.

 وهذه‌ التربية‌ تحت‌ إشراف‌ الاُستاذ وولايته‌ لها حكم‌ أعمال‌ تحريك‌ الطين‌ وتقليبه‌ ومزجه‌ ثمّ صبّه‌ في‌ قوالب‌ ليصبح‌ له‌ قيمة‌ وليمكن‌ الاستفادة‌ منه‌.

 ولو انقضت‌ علي‌ هذه‌ الاراضي‌ آلاف‌ السنين‌ ولو هطلت‌ عليها الامطار وسطعت‌ عليها الشمس‌ بأشعّتها، فإنّها ستبقي‌ ـ مع‌ هذا كلّه‌ في‌ حالتها الخام‌ الاوليّة‌، ولن‌ يسمح‌ هذا التراب‌ من‌ ذاته‌ لنفسه‌ بالتحوّل‌ إلي‌ طابوق‌، بل‌ إنّ يد المربي‌ّ الخارجي‌ّ هي‌ التي‌ تحدث‌ فيه‌ تغييراً وانقلاباً وتمنحه‌ فعليّته.

 وعليه‌ فإنّ الاُستاذ ينبغي‌ حتماً أن‌ يكون‌ مسلماً شيعيّاً قد وصل‌ إلي‌ التوحيد وامتلك‌ مهارة‌ في‌ فنّ تربية‌ الطلاّب‌، لا نّه‌ من‌ المحال‌ عليه‌ ـ بغير ذلك‌ أن‌ يتمكّن‌ من‌ إخراج‌ الطالب‌ في‌ صورة‌ كماله‌. ونعني‌ بالشيعي‌ّ: التابع‌ لنهج‌ الولاية‌ والسائر علي‌ خطّها، وبالمسلم‌: التابع‌ لشريعة‌ خاتم‌ المرسلين‌ ومنهاجه‌ وسُنّته‌. فهذان‌ هما الجناحان‌ لتحليق‌ الروح‌ في‌ فضاء عالم‌ القدس‌. وسيمكن‌ لاُستاذ بهذه‌ المواصفات‌ إيصال‌ طينة‌ الوجود والفطرة‌ المستعدّة‌ في‌ طريق‌ النبوّة‌ الخاتمة‌ والولاية‌ الخاتمة‌ إلي‌ قمّة‌ الكمال‌ ومنتهاه‌ الذي‌ يمثّل‌ أعظم‌ مراتب‌ الإنسانيّة‌ ودرجاتها.

 فلو كان‌ الاُستاذ غير مسلم‌ أو غير شيعي‌ّ، فإنّ بصيرة‌ كهذه‌ ستنعدم‌ لديه‌، كما أ نّه‌ سيفتقد القابليّة‌ لإجراء هذه‌ التغييرات‌ والتبدّلات‌.

 وحتّي‌ لو كان‌ الاُستاذ مسلماً شيعيّاً لكنّه‌ لم‌ يطوِ بعدُ جميع‌ مراحل‌ السلوك‌ ومنازله‌، فإنّه‌ سيفتقد إمكانيّة‌ التعليم‌ والتربية‌ والإيصال‌ إلي‌ هدف‌ خاتمة‌ النبوّات‌ وخاتمة‌ الولايات‌؛ لا نّه‌ هدف‌ لم‌ يطوِ طريقه‌ بنفسه‌ بعدُ ولم‌ يطّلع‌ علي‌ أسراره‌ وخفاياه‌.

 وكذلك‌ فإنّ النفوس‌ لو حاولت‌ طي‌َّ هذا الطريق‌ بتعقّلها وباتّباع‌ فكرها وإرادتها بالعمل‌ بالمستحبّات‌ والرياضات‌ المشروعة‌، فإنّها لن‌ تتمكّن‌ من‌ ذلك‌، مهما كانت‌ ذات‌ قابليّة‌ فذّة‌ واستعداد كبير؛ لانّ الطريق‌ إنّما هو طريق‌ العبور من‌ النفس‌ وتخطّيها، فكيف‌ يمكن‌ للنفس‌ أن‌ تتخطّي‌ نفسها وتفني‌ حين‌ يكون‌ هذا التخطّي‌ وهذا الفناء صادراً عن‌ رغبات‌ النفس‌؟! وذلك‌ حين‌ يحصل‌ إنّما يحصل‌ لتقوية‌ النفس‌ لاجل‌ كمالها.

 وعليه‌، فإنّ نفس‌ الإنسان‌ مهما سعت‌ جاهدة‌ فإنّها لن‌ تخرج‌ من‌ دائرة‌ رغبة‌ النفس‌ وإرادتها، فهي‌ محتاجة‌ في‌ وصولها إلي‌ مخالفة‌ رغبات‌ النفس‌ وإرادتها، وهذه‌ تضحية‌ لا يمكن‌ أن‌ تحدث‌ إلاّ بِيَدِ الغير. وهكذا فإنّ حصول‌ الكمال‌ للإنسان‌ أمر غير ممكن‌ إلاّ بحصول‌ الإفناء في‌ الله‌، وهو أمر لا يمكن‌ حصوله‌ علي‌ يد الإنسان‌ نفسه‌.

 أمّا الرجوع‌ إلي‌ أي‌ّ أُستاذ ـ ولو كان‌ غير كامل‌ وغير ممتلك‌ للتوحيد المحض‌ علي‌ نهج‌ خاتم‌ النبيّين‌ وخاتم‌ الوصيّين‌ فهو أمر خاطي‌ء أيضاً، لانّ غاية‌ درجة‌ تربية‌ الاُستاذ هي‌ تكميل‌ السالك‌ وتربيته‌ ليصير نظيراً له‌، فكيف‌ يمكن‌ لاُستاذ لم‌ يحز بنفسه‌ ذلك‌ المقام‌ أن‌ يوصل‌ التلميذ إليه‌ بحيث‌ يضعه‌ في‌ ذلك‌ المقام‌ والمنزلة‌ علي‌ مذبح‌ التضحية‌؟

 الرجوع الي الفهرس

الاتِّباع‌ الواقعي‌ّ لجميع‌ الانبياء أمر مرفوض‌ في‌ شريعة‌ خاتم‌ الرسل‌

 علي‌ أ نّه‌ من‌ الممكن‌ وجود البعض‌ من‌ المسلمين‌ أو من‌ الشيعة‌ ممّن‌ تميّزوا بتديّنهم‌ وظهور صلاحهم‌، ومن‌ ذوي‌ النيّة‌ الحسنة‌ والنهج‌ النزيه‌، والإعراض‌ الحقيقي‌ّ عن‌ الدنيا والالتفات‌ إلي‌ عالم‌ العقبي‌؛ بَيدَ أنّ هؤلاء أنفسهم‌ لم‌ يصلوا إلي‌ التوحيد المحض‌ و لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ. وأمثال‌ هؤلاء ليس‌ لهم‌ الحقّ في‌ إرشاد الآخرين‌ وإعانتهم‌ في‌السلوك‌، لا نّهم‌ ليسوا أفضل‌ من‌ الانبياء عليهم‌ السلام‌، ولو قُدّر اليوم‌ لنبي‌ّ من‌ أعاظم‌ الانبياء أن‌ يُبعث‌ حيّاً، كموسي‌ أو عيسي‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليهما الصلاة‌ والسلام‌، لما أمكننا أن‌ نرجع‌ إليه‌ ونطلب‌ منه‌ برنامج‌ عمل‌ ونخضع‌ لولايته‌ في‌ طريق‌ السير والسلوك‌ الإلهي‌ّ. إذ مع‌ وجود شريعة‌ وولاية‌ خاتم‌ المرسلين‌ فقد صار الباقون‌ في‌ مقام‌ أدني‌، بينما يتوجّب‌ علينا أن‌ نسير في‌ هذا النهج‌ والمسار لنصل‌ بأنفسـنا إلي‌ التوحيد عن‌ هذا الطريق‌ الذي‌ هو أكمل‌ وأفضل‌ مراتب‌ التوحيد.

 إنّنا لو عملنا بشريعة‌ عيسي‌ الاصليّة‌ ـ لا بهذا الدين‌ المُحرَّف‌ الموجود في‌ أيّامنا هذه‌ فإنّنا سنصبح‌ مؤمنين‌ موحّدين‌ عيسويّين‌، بينما يتوجّب‌ علينا أن‌ نكون‌ مؤمنين‌ موحّدين‌ محمّديّين‌.

 وعلي‌ هذا الاساس‌ فقد نُسـخت‌ جميع‌ الشرائع‌ عدا الإسـلام‌، أي‌ أنّ ولاية‌ الانبياء والاولياء قد نُسخت‌، وأ نّهم‌ لا يمتلكون‌ القدرة‌ والإمكانيّة‌ علي‌ سوق‌ أُمّة‌ خاتم‌ المرسلين‌ هذه‌ إلي‌ مقام‌ العِزّ الربوبي‌ّ والفناء في‌الذات‌ القدسيّة‌ الاحديّة‌ عن‌ طريق‌ اسم‌ ورسم‌ خاتم‌ النبيّين‌، لانّ هؤلاء جميعاً في‌ مستوي‌ أدني‌ ومحتاجون‌ لطلوع‌ الوحدة‌ المحمّديّة‌.

 وبناءً علي‌ هذا فإنّ أيّاً من‌ الاساتذة‌ والمربّين‌ الذين‌ لم‌ يصلوا إلي‌ مقام‌ التوحيد المحض‌ والفناء الخالص‌ المحمّدي‌ّ لا يمتلك‌ الحقّ ـ وفق‌ هذا البيان‌ في‌ إعانة‌ السالك‌ وإرشاده‌ والولاية‌ عليه‌، لانّ الانبياء أنفسهم‌ لا يمتلكون‌ مثل‌ هذا الحقّ في‌ عصر الرسالة‌ الخاتمة‌ فضلاً عن‌ أتباعهم‌ والسائرين‌ علي‌ نهجهم‌، وفضلاً عن‌ أُولئك‌ الذين‌ ليس‌ لهم‌ علاقة‌ حقيقيّة‌ بأُولئك‌ الانبياء، والذين‌ يتبعون‌ شرائعهم‌ المتخيّلة‌ ومناهجهم‌ الظنّيّة‌. ولذلك‌ نجد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يغضب‌ حين‌ يعطيه‌ عُمَر ورقة‌ من‌ التوراة‌ الصحيحة‌ كان‌ قد وجدها، طالباً من‌ النبي‌ّ أن‌ يعمل‌ بها، فيخاطبه‌ النبي‌ّ بخشونة‌ وشدّة‌: لو كان‌ موسي‌ حيّاً ما وسعه‌ إلاّ أن‌ يتّبعني‌![500]

 ومن‌ هنا فإنّ اتّباع‌ الاُستاذ غير الكامل‌ ليس‌ أولي‌ من‌ اتّباع‌ الانبياء أُولي‌ العزم‌؛ وحين‌ لا يجوز ذاك‌ فكيف‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ هذا جائزاً؟!

 الرجوع الي الفهرس

يصل‌ السالك‌ إلي‌ حيث‌ يفصل‌ بينه‌ وبين‌ الخواطر سدّ كسدّ الإسكندر

 وكان‌ السيّد يقول‌: إذا حصل‌ نفي‌ الخواطر بصورة‌ جيّدة‌ لدي‌ السالك‌، فإنّه‌ سيوصله‌ في‌ نهاية‌ الامر إلي‌ عالم‌ الفناء الذي‌ يمثّل‌ الوجود المحض‌ بحيث‌ لا يتوقّف‌ عنه‌ ورود الخواطر فقط‌، بل‌ إنّه‌ سينتفي‌ ويصبح‌ أمراً غير ممكن‌، وسيصبح‌ ذلك‌ السالك‌ مستغرقاً في‌ عالم‌ التوحيد بحيث‌ لا يجد مجالاً للنزول‌ إلي‌ عالم‌ الكثرات‌، ولا لمرور الخطرات‌ عليه‌، لكأنّ سدّ الإسكندر قد شيّد بينه‌ وبين‌ الخواطر، ذلك‌ السدّ المنيع‌ الذي‌ لا يستطاع‌ نقبه‌ وثلمه‌. وفي‌ هذه‌ الحال‌ فإنّ الخواطر سترد عليه‌ بإجازته‌ وإذنه‌ النفساني‌ّ، فإن‌ أجاز لخاطرة‌ ما بالخطور علي‌ ذهنه‌ خطرت‌ وَإلاَّ فَلاَ.

 وفي‌ هذا الإطار فإنّ حال‌ السالك‌ ستصبح‌ معاكسة‌ تماماً لحاله‌ السابقة‌، فقد كانت‌ الخواطر في‌ الوهلة‌ الاُولي‌ تهجم‌ عليه‌ بلا إذن‌ أو سماح‌ فتحتلّ زوايا قلبه‌، وحسب‌ تعبيرنا فإنّها تحدث‌ انقلاباً مدبّراً في‌ قلبه‌ ينبغي‌ للسالك‌ معه‌ أن‌ يتجشّم‌ الاتعاب‌ والمشاقّ ليستعيد حضور قلبه‌ وليدفع‌ الخواطر عنه‌ بشكل‌ تامّ؛ أمّا في‌ هذه‌ الحال‌ فإنّ السالك‌ هو مع‌ الله‌ دوماً وفي‌ حرمه‌، فلا حقّ هنا لخاطرة‌ ما في‌ الورود عليه‌، ولربّما مرّت‌ الايّام‌ والشهور دون‌ أن‌ تخطر في‌ ذهنه‌ خاطرة‌ ما إلاّ الخواطر الحسنة‌ وغير الضارّة‌ التي‌ تعدّ من‌ لوازم‌ الحياة‌، كلزوم‌ شرب‌ الماء عند العطش‌ وردّ السلام‌ عندما يسلّم‌ عليه‌ أحد وأمثال‌ ذلك‌.

 ويتّضح‌ هنا الفارق‌ بين‌ السالك‌ الحقيقي‌ّ وبين‌ مدّعي‌ السلوك‌، ويمتاز هنا الوارد في‌ الحرم‌ عمّن‌ يدّعي‌ الورود فيه‌، ومن‌ انتمي‌ إلي‌ حقيقة‌ العبادة‌ والعبوديّة‌ عمّن‌ يعدّ نفسه‌ عابداً وزاهداً فينهمك‌ بالقيام‌ والقعود والركوع‌ والسجود دون‌ إدراك‌ لذّة‌ العبادة‌.

 وَقُلْ لِقَتِيلِ الحُبِّ وَفَّيْتَ حَقَّهُ وَلِلْمُدَّعِي‌ هَيْهَاتَ مَا الكَحَلُ الكَحِل‌ [501]

* * *

 الرجوع الي الفهرس

أبيات‌ الشيخ‌ محمود الشبستري‌ّ في‌ وجوب‌ معرفة‌ الإنسان‌ حقيقة‌ نفسه‌

 برو اي‌ خواجه‌ خود را نيك‌ بشناس‌                      كه‌ نبود فربهي‌ مانند آماس‌

 من‌ و تو برتر از جان‌ و تن‌ آمد                 كه‌ اين‌ هر دو ز أجزاي‌ من‌ آمد

 به‌ لفظ‌ من‌ نه‌ إنسانست‌ مخصوص‌                     كه‌ تا گوئي‌ بدان‌ جانست‌ مخصوص‌

 يكي‌ ره‌ برتر از كون‌ و مكان‌ شو              جهان‌ بگذار و خود در خود جهان‌ شو [502]

 ز خطّ وَهْمي‌ هاء هويّت‌                        دو چشمي‌ مي‌شود در وقت‌ رؤيت‌

 نماند در ميانه‌ رهرو و راه‌                      چو هاي‌ هو شود ملحق‌ به‌ الله‌

 بود هستي‌ بهشت‌، امكان‌ چه‌ دوزخ‌                   من‌ و تو در ميان‌ مانند برزخ‌

 چو برخيزد تو را اين‌ پرده‌ از پيش             ‌ نماند هيچ‌ حكم‌ مذهب‌ و كيش‌ [503]

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ القول‌:

 در اين‌ مشهد يكي‌ شد جمع‌ و أفراد                    چو واحد ساري‌ اندر عين‌ أعداد

 تو آن‌ جمعي‌ كه‌ عين‌ وحدت‌ آمد             تو آن‌ واحد كه‌ عين‌ كثرت‌ آمد

 كسي‌ اين‌ سِر شناسد كو گذر كرد                     ز جزوي‌ سوي‌ كلّي‌ يك‌ سفر كرد [504]

 وكان‌ الشبستري‌ّ قد قال‌ قبل‌ هذه‌ الابيات‌:

 سؤال‌

 كه‌ باشم‌ مَنْ؟ مرا از من‌ خبر كن‌               چه‌ معني‌ دارد اندر خود سفر كن‌ [505]

 جواب‌

 دگر كردي‌ سؤال‌ از من‌ كه‌ من‌ چيست‌؟               مرا از من‌ خبر كن‌ تا كه‌ من‌ چيست‌؟

 چه‌ هستي‌ مطلق‌ آيد در إشارت‌                        به‌ لفظ‌ مَنْ كند از وي‌ عبارت‌

 حقيقت‌ كز تعيّن‌ شد معيّن‌                   تو او را در عبارت‌ گفته‌اي‌ من‌

 من‌ و تو عارض‌ ذات‌ وجودي                   مشبّكهاي‌ مشكوة‌ وجوديم‌

 همه‌ يك‌ نور دان‌ أشباح‌ و أرواح‌               گهي‌ ز ائينه‌ پيدا گه‌ ز مصباح‌ [506]

 تو گوئي‌ لفظ‌ من‌ در هر عبارت‌               به‌ سوي‌ روح‌ مي‌باشد إشارت‌

 چو كردي‌ پيشواي‌ خود خرد را                نمي‌داني‌ ز جزو خويش‌ خود را [507]

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الحدّاد: دع‌ النجاسة‌ علي‌ الغير لا علي‌ نفسك‌!

 وكان‌ السيّد يقول‌: دع‌ النجاسة‌ علي‌ غيرك‌! لِمَ تلقها علي‌ نفسك‌؟!

 فحيثما شاهدتَ أنّ إصلاح‌ أمر من‌ الاُمور ـ بما فيها الاُمور العائليّة‌ والداخليّة‌ والاُمور الاجتماعيّة‌ والخارجيّة‌ يستوجب‌ دوران‌ الامر بين‌ أن‌ يرد الفسـاد والتلوّث‌ علي‌ نفسـك‌ أو علي‌ الغير، فلا تقبل‌ ذلك‌ الفسـاد لنفسك‌، لا نّه‌ سيكون‌ أمراً لا يمكن‌ إصلاحه!

 وإذا ما شاهدت‌ في‌ مكان‌ ما أنّ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر الذي‌ تقوم‌ به‌ سيجعلك‌ عصبيّاً ويصيب‌ أفكارك‌ بالاضطراب‌ ويهدم‌ صفاء ذهنك‌، وأنّ هذا الضرر الذي‌ يصيبك‌ أكبر من‌ الضرر الذي‌ سيصيب‌ ذلك‌ الشخص‌ إثر إتيانه‌ لذلك‌ الجرم‌ والجناية‌، فعليك‌ أن‌ تكفّ عن‌ هذا العمل‌ وتتجنّبه‌. إنّ هذا الضرر الوارد هو في‌ حكم‌ النجاسة‌ التي‌ ترد علي‌ نفسك‌، فَلِمَ تقبلها لنفسك؟ دع‌ الضرر يصيب‌ الغير، وعليك‌ نفسك‌ حيث‌ لا يضرّك‌ تنجّس‌ الغير.

 وإجمالاً، فإنّ أمر طهارة‌ نفس‌ الإنسان‌ لها الاولويّة‌ علي‌ كلّ شي‌ء، فلا يحقّ للإنسان‌ أن‌ يلوّث‌ نفسه‌ من‌ أجل‌ رعاية‌ المصالح‌ الخارجيّة‌. لانّ تطهير النفس‌ وتزكيتها في‌ الفعل‌ والحال‌ هو المطلوب‌ من‌ الإنسان‌ وهو الذي‌ سيؤاخذ عليه‌ ويُسأل‌ عنه‌، أما متابعة‌ الاُمور الاجتماعيّة‌ والسعي‌ في‌ حوائج‌ الناس‌ والتدريس‌ والكسب‌ وأمثالها فهي‌ أُمور يُسأل‌ عنها ويُحاسب‌ عليها إن‌ أمكن‌ القيام‌ بها، أمّا حين‌ تكون‌ الظروف‌ غير متاحة‌ للعمل‌ بها فإنّ المرء لن‌ يُسأل‌ عنها.

 ومن‌ ثمّ فلو علم‌ المرء وتيقّن‌ أنّ نفسه‌ لن‌ تتلوّث‌ إثر الدخول‌ في‌ هذه‌ الاُمور، وأنّ هذه‌ المسائل‌ لن‌ تُعيقه‌ عن‌ الرقي‌ّ والتكامل‌ والتوحيد والإيمان‌ والإيقان‌ ولن‌ تسلب‌ منه‌ اطمئنان‌ الخاطر وسكون‌ القلب‌ والفكر، فمن‌ المسلّم‌ أنّ عليه‌ المبادرة‌ والسعي‌ لقضاء حوائج‌ خلق‌ الله‌ قدر الإمكان‌.

 أمّا لو شاهد أنّ الدخول‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الاُمور يستلزم‌ إهدار رأس‌ المال‌ وإضاعة‌ الثروات‌ الإلهيّة‌، أي‌ إذا استلزم‌ الغفلة‌ عن‌ الله‌ والتخبّط‌ في‌ أُمور الدنيا وزخارفها والانغماس‌ في‌ عالم‌ الكثرات‌، فلا يجوز له‌ في‌ هذا الفرض‌ أن‌ يبيع‌ نفسه‌ ويقايضها بهذه‌ الاُمور.

 وذلك‌ أوّلاً: لانّ العمل‌ الحسن‌ في‌ الخارج‌ إنّما يصدر من‌ الشخص‌ الجيّد، أي‌ من‌ الإلهي‌ّ الموحِّد صاحب‌ اليقين‌، وذلك‌ العمل‌ سيكون‌ في‌ الخارج‌ منشأً للاثر الجيّد وللثمرات‌ الجميلة‌ الحسنة‌؛ أمّا لو صدر من‌ الشخص‌ المنغمس‌ في‌ الكثرات‌ التي‌ تستلزم‌ الغفلة‌ عن‌ النفس‌ وعن‌ الله‌ والعرفان‌ الإلهي‌ّ وعن‌ الخلوة‌ وحضور القلب‌ عند الصلاة‌، فلن‌ يكون‌ ذلك‌ العمل‌ مستحبّاً آنذاك‌ ولا مستحسناً، بل‌ سيكون‌ أمراً ملوّثاً وقبيحاً مهما بدا ظاهره‌ جميلاً ملفتاً للانظار، ومهما حسبه‌ عامّة‌ الخلق‌ أ نّه‌ من‌ أفضل‌ المثوبات‌.

 وعلّة‌ ذلك‌ أنّ النتيجة‌ تتبع‌ أَخَسَّ المُقَدَّمَتَيْنِ، وحين‌ يزهو العمل‌ في‌ الظاهر والخارج‌ بجميع‌ شـروط‌ الحسـن‌ والجمال‌ لكنّ فاعله‌ يفعله‌ رياءً أو اتّباعاً لهوي‌ النفس‌ أو للمقاصد غير الإلهيّة‌، فإنّ ذلك‌ العمل‌ قبيح‌ في‌ الحقيقة‌ وغير جميل‌ ولن‌ يترك‌ أثـراً مفيـداً ولن‌ يكون‌ في‌ عـداد مَا يَنفَعُ النَّاسَ [508]، مهما عدّته‌ الآراء والافكار العامّة‌ جميلاً وحسناً، لانّ المناط‌ حقيقة‌ العمل‌ وواقعيّته‌، وهي‌ حقيقة‌ فاسدة‌ في‌ هذه‌ الحال‌ تستتبع‌ عدم‌ قبوله‌ عند الله‌ في‌ موقف‌ يوم‌ القيامة‌.

 إنّ العمل‌ الحسن‌ يصدر من‌ الشخص‌ الجيّد ولا يصدر من‌ الشخص‌ غير الجيّد مهما اصطنع‌ الاخير في‌ الخارج‌ لظاهره‌ أنواع‌ التجميلات‌؛ ذلك‌ لانّ الكحل‌ لن‌ يهب‌ النور للاعين‌ العمياء، والخضاب‌ علي‌ حواجب‌ العميان‌ لن‌ يؤثِّر في‌ بصرهم‌ ولا يزيد في‌ نور أعينهم‌.

 يقول‌ الفرقان‌ العظيم‌ الإلهي‌ّ: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَیكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم‌ مَّن‌ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.[509]

 ويقول‌ أيضاً:

 يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُو´ا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [510].

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ ومفهوم‌ ومآل‌ عدم‌ تحمّل‌ الإ ضرار بالنفس‌ لمنفعة‌ الغير

 وثانياً: يتّفق‌ جميع‌ عقلاء العالم‌ علي‌ أ نّه‌ إذا دار الامر بين‌ إصابة‌ الضرر القطعي‌ّ للإنسان‌ نفسه‌ أو إصابته‌ لغيره‌، فإنّ دفع‌ الضرر عن‌ النفس‌ مقدّم‌ علي‌ دفعه‌ عن‌ الغير. وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ جميع‌ هذه‌ المسائل‌ تصدق‌ حين‌ يكون‌ الضرر الوارد علي‌ الإنسان‌ أكثر من‌ الضرر الوارد علي‌ الغير أو من‌ المنفعة‌ الحاصلة‌ له‌.

 فلو أُصيب‌ شخص‌ ما بالإفلاس‌ ـ مثلاً وخسر مليون‌ دينار، وكان‌ جميع‌ رأس‌ مال‌ إنسان‌ آخر ألف‌ دينار وعلمنا أ نّه‌ لو وهبه‌ جميع‌ أمواله‌ في‌ محاولة‌ خيّرة‌ لإنقاذه‌ من‌ الإفلاس‌ فإنّ ذلك‌ لن‌ يكون‌ مؤثّراً، لانّ ألف‌ دينار لا تنفع‌ شيئاً أمام‌ ألف‌ أمثالها؛ مضافاً إلي‌ أنّ ذلك‌ لن‌ يؤثّر بأي‌ّ وجه‌ في‌ رفع‌ اضطراب‌ وقلق‌ ذلك‌ المفلس‌ أو إنقاذه‌ من‌ الحبس‌ والسجن‌، أو في‌ بعث‌ الطمأنينة‌ في‌ قلوب‌ عائلته‌، بل‌ سـيجعل‌ نفـس‌ الواهب‌ فقيراً مُدقعاً وسيصيب‌ عائلته‌ بالفقر والفاقة‌ والقلق‌؛ ومن‌ ثمّ يتحتّم‌ علي‌ هذا الشخص‌ في‌ هذه‌ الحال‌ أن‌ يحفظ‌ رأس‌ ماله‌ وثروته‌ وأن‌ لا يوقع‌ الضرر علي‌ نفسه‌ وعائلته‌.

 أما لو كانت‌ خسارة‌ ذلك‌ المصاب‌ بالإفلاس‌ عشرة‌ آلاف‌ دينار، وكانت‌ ثروة‌ الإنسان‌ المحسن‌ ألف‌ دينار فإنّ من‌ المستحسن‌ أن‌ يعطيه‌ نصفها لمساعدته‌ علي‌ تجاوز محنته‌، إذ سيكون‌ قد حلّ جزءاً من‌ عشرين‌ من‌ هذه‌ المحنة‌. ومع‌ أنّ من‌ المسلّم‌ أنّ الضرر سيصيبه‌ بذلك‌، لكنّه‌ لن‌ يسبّب‌ هلاك‌ أهله‌ وعياله‌ وسيكون‌ بإمكانهم‌ أن‌ يقتصدوا في‌ معيشتهم‌ ونفقاتهم‌ ويتحمّلوا النقص‌ في‌ ذلك‌، وأن‌ يقتّروا علي‌ أنفسهم‌ مقابل‌ تلك‌ المثوبة‌ العظيمة‌ في‌ نجاة‌ ذلك‌ المفلس‌ ونجاة‌ عائلته‌.

 يقول‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ: ورد في‌ «البحار» وغيره‌ في‌ جملة‌ وصايا الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ لولده‌ أ نّه‌ قال‌ له‌:

 يَا بُنَي‌َّ! اصْبِرْ عَلَي‌ النَّوَائِبِ، وَلاَ تَتَعَرَّضْ لِلْحُقُوقِ، وَلاَ تُجِبْ أَخَاكَ إلی الاَمْرِ الَّذِي‌ مَضَرَّتُهُ عَلَیكَ أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ لَهُ.[511]

 الرجوع الي الفهرس

عن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: وَلَكِنِّي‌ لاَ أَرَي‌ إصْلاَ حَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي‌

 ويقول‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌:

 وَلَكِنِّي‌ لاَ أَرَي‌ إصْلاَحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي‌.

 وهذه‌ الفقرة‌ وردت‌ ضمن‌ خطبة‌ أوردها السيّد الرضي‌ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ »:

 وَمِنْ كَلاَمٍ لَهُ عَلَیهِ السَّلاَمُ فِي‌ ذَمِّ أَصْحَابِهِ:

 كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَي‌ البِكَارُ العَمِدَةُ والثِّيَابُ المَتَدَاعِيَةُ! كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ؟!

 أَكُلَّمَا أَطَلَّ عَلَیكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَبِّ فِي‌ جُحْرِهَا وَالضَّبُعِ فِي‌ وِجَارِهَا؟!

 الذَّلِيلُ وَاللَهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ، وَمَنْ رُمِي‌َ بِكُمْ فَقَدْ رُمِي‌َ بَأَفْوَقَ نَاصِلٍ. وَإنَّكُمْ وَاللَهِ لَكَثِيرٌ فِي‌ البَاحَاتِ، قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ!

 وَإنِّي‌ لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ؛ وَلَكِنِّي‌ لاَ أَرَي‌ إصْلاَحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي‌.

 أَضْرَعَ اللَهُ خُدُودَكُمْ، وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ. لاَ تَعْرِفُونَ الحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ البَاطِلَ، وَلاَ تُبْطِلُونَ البَاطِلَ كَإبْطَالِكُمُ الحَقَّ.[512]

 يقول‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ شرح‌ فقرة‌: وَإنِّي‌ لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ:

 يقول‌: إنّما يصـلحكم‌ في‌ السـياسـة‌ السـيفُ، وصَـدَقَ. فإن‌ كثيـراً لا يصلح‌ إلاّ به‌، كما فعل‌ الحجّاج‌ بالجيش‌ الذي‌ تقاعد بالمهلّب‌، فإنّه‌ نادي‌ مناديه‌: من‌ وجدناه‌ بعد ثالثة‌ لم‌ يلتحق‌ بالمهلّب‌ فقد حلّ لنا دمه‌. ثمّ قتل‌ عمير بن‌ ضابي‌ وغيره‌ فخرج‌ الناس‌ يُهرعون‌ إلي‌ المهلّب‌.

 وأمير المؤمنين‌ لم‌ يكن‌ ليستحلّ من‌ دماء أصحابه‌ ما يستحلّه‌ مَن‌ يريد الدنيا وسياسة‌ الملك‌ وانتظام‌ الدولة‌. قال‌ عليه‌ السلام‌: وَلَكِنِّي‌ لاَ أَرَي‌ إصْلاَحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي‌، أي‌: بإفساد ديني‌ عند الله‌ تعالي‌ إلي‌ آخر ما أورده‌ هنا من‌ الشرح‌.[513]

 إنّ مولي‌ الموالي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ يعلم‌ طريق‌ نفع‌ أُمّته‌ ودفع‌ الضرر عنها، لكنّ قيامه‌ بذلك‌ العمل‌ وشروعه‌ به‌ كان‌ يستلزم‌ الإضرار بوجود نفسه‌ المقدّسة‌؛ لذا فإنّه‌ لم‌ يقم‌ بإصلاح‌ أُمورهم‌ كما يعلم‌ تلافياً لفساد النفس‌ ودفعاً لتحمّل‌ الضرر.

 الرجوع الي الفهرس

مدي‌ تواضع‌ السيّد هاشم‌ مع‌ جميع‌ الخلائق‌، وخاصّة‌ مع‌ السالكين‌

 وعلي‌ أيّة‌ حال‌ فقد كان‌ السيّد يتمسّك‌ في‌ هذا السفر بمراعاة‌ الآداب‌ الظاهريّة‌ في‌ حضور الناس‌ عند التشرّف‌ بالذهاب‌ للحرم‌ والزيارة‌ والصلاة‌. فعند الورود إلي‌ الحرم‌ كنتُ أدخل‌ فأقرأ الزيارة‌، وعند وقت‌ الصلاة‌ كنت‌ أتقدّم‌ فأُصلّي‌ بهم‌ صلاة‌ الجماعة‌ في‌ الحرم‌ المطهّر.

 ولم‌ تكن‌ هذه‌ الحال‌ من‌ السيّد تصنّعاً، بل‌ إنّه‌ كان‌ يلحظ‌ نفسه‌ دوماً بعين‌ الخضوع‌ والخشوع‌، وكان‌ الرفقاء هم‌ الذين‌ يشعرون‌ نحوه‌ باحترام‌ خاصّ حسب‌ إدراكهم‌ له‌ ومشاعرهم‌ نحوه‌، بينما لم‌ يكن‌ ينظر إلي‌ نفسه‌ باعتباره‌ أفضل‌ منهم‌ بوجه‌ من‌ الوجوه‌.

 كما أ نّه‌ لم‌ يكن‌ ليتوقّف‌ عن‌ إبداء أيّة‌ خدمة‌ متصوّرة‌ للرفقاء، بل‌ كان‌ مبادراً إلي‌ هذا الامر، ابتداءً من‌ كنس‌ الغرفة‌ وغسل‌ الاواني‌ وتنظيفها إلي‌ شراء لوازم‌ البيت‌ من‌ الخارج‌ وتهيئتها وأمثال‌ ذلك‌ من‌ الاُمور، وكان‌ فرحاً سعيداً بذلك‌ للحدّ الذي‌ كانت‌ تخطر في‌ ذهن‌ الحقير في‌ مثل‌ هذه‌ الموارد خواطر عن‌ عيسي‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ السلام‌.

 فقد أورد في‌ «منية‌ المريد» رواية‌ عن‌ محمّد بن‌ سنان‌ مرفوعاً قَالَ:

 قَالَ عِيسَي‌ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَیهِ السَّلاَمُ:

 يَا مَعْشَرَ الحَوَارِيِّينَ، لِي‌ إلَيْكُمْ حَاجَةٌ فَاقْضُوهَا لِي‌! قَالُوا: قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اللَهِ!

 فَقَامَ فَغَسَّلَ أَقْدَامَهُمْ. فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا يَا رُوحَ اللَهِ.

 فَقَالَ: إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالخِدْمَةِ العَالِمُ؛ إنَّمَا تَوَاضَعْتُ هَكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي‌ فِي‌ النَّاسِ كَتَوَاضُعِي‌ لَكُمْ.

 ثُمَّ قَالَ عِيسَي‌ عَلَیهِ السَّلاَمُ: بِالتَّوَاضُعِ تَعْمُرُ الحِكْمَةُ لاَ بِالتَّكَبُّرِ، كَذَلِكَ فِي‌ السَّهْلِ يَنْبُتُ الزَّرْعُ لاَ فِي‌ الجَبَلِ. [514]

 وما أسـمي‌ وأرقي‌ ما نقله‌ السـيّد أخيراً في‌ هـذا الباب‌ عن‌ زبور آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌: « الصحيفة‌ السجّاديّة‌ »:

 وَلاَتَـرْفَعْنِـي‌ فِي‌ النَّاسِ دَرَجَـةً إلاَّ حَطَطْتَنِـي‌ عِنْـدَ نَفْسِـي‌ مِثْلَهَـا، وَلاَ تُحْدِثْ لِي‌ عِزَّاً ظَاهِراً إلاَّ أَحْدَثْتَ لِي‌ ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي‌ بِقَدْرِهَا. [515]

 ونجد هنا أنّ روح‌ التوحيد والفناء المطلق‌ تتجسّد حقيقة‌ في‌ سلوك‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌ في‌ ذات‌ الحقّ القدسيّة‌، ونتنعّم‌ بذكري‌ تلك‌ الارواح‌ الطيّبة‌ والنفوس‌ المطهّرة‌ التي‌ طلعت‌ بعد قرون‌ أربعة‌ عشر في‌ مثل‌ هذا السيّد المكرّم‌ الجليل‌ لتعلّمنا ذلك‌ النهج‌ والمنحي‌.

 ونقف‌ بأعين‌ دامعة‌ ترقب‌ الدرب‌ في‌ فراق‌ أُولئك‌ الرجـال‌ الاجـلاّء وتلك‌ المقامات‌ والدرجـات‌ في‌ الخلوص‌ والتوحيد، لعلّهم‌ يرمقون‌ بلمحة‌ نظـر بمحبّتهـم‌ وكرمهـم‌ القديميـن‌ مشـتاقي‌ درب‌ اللقـاء ووادي‌ العشـق‌ ويسرّونهم‌ بنكتة‌ أو لفتة‌.

 الرجوع الي الفهرس

أبيات‌ ابن‌ الفارض‌ في‌ فراق‌ الاحبّة‌ وأولياء الله‌ في‌ مكّة‌ والخيف‌

 هَلْ نارُ لَيْلَي‌ بَدَتْ لَيْلاً بِذِي‌ سَلَمِ                     أَمْ بَارِقٌ لاَحَ فِي‌ الزَّوْرَاءِ فَالعَلَمِ

 أَرْوَاحُ نَعْمَانَ هَلاَّ نَسْمَةٌ سَحَراً                                   وَمَاءَ وَجْرَةَ، هَلاَّ نَهْلَةٌ بِفَمِ

 يَا سَائِقَ الظُّعْنِ يَطْوِي‌ البيدَ مُعْتَسِفا              ً طَيَّ السِّجِلِّ بِذَاتِ الشِّيحِ مِنْ إضَمِ

 عُجْ بِالحِمَي‌ يَا رَعَاكَ اللَهُ مُعْتَمِداً                    خَمِيلَةَ الضَّالِ ذَاتَ الرَّنْدِ وَالخُزُمِ

 وَقِفْ بِسَلْعِ وَسَلْ بِالجِزْعِ هَلْ مُطِرَتْ                          بِالرَّقْمَتَيْنِ أُثَيْلاَتٌ بِمُنْسَجِمِ

 ناشَدْتُكَ اللَهَ إنْ جُزْتَ العَقِيقَ ضُحيً              فَاقْرَ السَّلاَمَ عَلَیهِمْ غَيْرَ مُحْتَشِمِ

 وَقُلْ: تَرَكْتُ صَرِيعاً فِي‌ دِيَارِكُمُ                       حَيَّاً كَمَيْتٍ يُعِيرُ السُّقْمَ لِلسَّقَمِ

 فَمِنْ فُؤَادِي‌ لَهِيبٌ نَابَ عَنْ قَبَسٍ                    وَمِنْ جُفُونِي‌َ دَمْعٌ فَاضَ كَالدِّيَمِ

 وَهَذِهِ سُنَّةُ العُشَّاقِ مَا عَلِقُوا                        بِشَادِنٍ فَخَلاَ عُضْوٌ مِنَ الاَلَمِ

 يَا لاَئِماً لاَمَنِي‌ فِي‌ حُبِّهِمْ سَفَهاً                      كُفَّ المَلاَمَ فَلَوْ أَحْبَبْتَ لَمْ تَلُمِ

 وَحُرْمَةِ الوَصْلِ وَالوِدِّ العَتِيقِ وَبِالـ        ـعَهْدِ الوَثِيقِ وَمَا قَدْ كَانَ فِي‌ القِدَمِ

 مَا حُلْتُ عَنْهُمْ بِسُلْوَانٍ وَلاَ بَدَلٍ                       لَيْسَ التَّبَدُّلُ وَالسُّلْوَانُ مِنْ شِيَمِي‌

 رُدُّوا الرُّقَادَ لِجَفْنِي‌ عَلَّ طَيْفَكُمُ                       بِمَضْجَعِي‌ زَائِرٌ فِي‌ غَفْلَةِ الحُلُمِ

 آهاً لاِيَّامِنَا بِالخَيْفِ لَوْ بَقِيَتْ                             عَشْراً وَوَاهاً عَلَیهَا كَيْفَ لَمْ تَدُمِ

 هَيْهَاتَ وَا أَسَفِي‌ لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي‌                    أَوْ كَانَ يُجْدِي‌ عَلَي‌ مَا فَاتَ وَا نَدَمِي‌

 عَنِّي‌ إلَيْكُمْ ظِبَاءَ المُنْحَنَي‌ كَرَما                     ً عَهِدْتُ طَرْفِي‌َ لَمْ يَنْظُرْ لِغَيْرِهِمِ

 طَوْعاً لِقَاضٍ أَتَي‌ فِي‌ حُكْمِهِ عَجَباً                  أَفْتَي‌ بِسَفْكِ دَمِي‌ فِي‌ الحِلِّ وَالحَرَمِ

 أَصَمَّ لَمْ يَسْمَعِ الشَّكْوَي‌ وَأَبْكَمَ لَمْ                  يُحْرِ جَوَاباً وَعَنْ حَالِ المَشُوقِ عَمِي‌ [516]

 هذه‌ الابيات‌ للعارف‌ الشهير والسالك‌ الخبير، المطّلع‌ علي‌ الاسرار والإشارات‌، والعالم‌ بالخفايا والكنايات‌، والواصل‌ إلي‌ الحقّ والفاني‌ في‌ ذاته‌: ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ؛ أنشدها بعد قضائه‌ أيّاماً في‌ مكّة‌ والخيف‌ ومني‌ في‌ صحبة‌ البعض‌ من‌ المخلصين‌ والمتحرّرين‌، وها هو يعود من‌ هناك‌ إلي‌ مدينته‌ ودياره‌ ويبتعد عن‌ تلك‌ الاماكن‌ المباركة‌، وها هو يعاني‌ اللوعة‌ في‌ ذكري‌ وادي‌ العقيق‌ ومكّة‌ والخيف‌ وحالاته‌ الحسنة‌ مع‌ أُولئك‌ الاحبّة‌ والاعزّة‌ من‌ أولياء الله‌، ويتحرّق‌ ويتلهّف‌ في‌ عشقهم‌، ويقضي‌ الايّام‌ والليالي‌ علي‌ أمل‌ اللقاء، ويقنع‌ بالرؤيا في‌ المنام‌؛ لكنّهم‌ لم‌ يمنعوا طيفهم‌ من‌ المجي‌ء إليه‌ في‌ عالم‌ الرؤيا فقط‌، بل‌ كانوا كمعشوق‌ يحكم‌ بقتل‌ عاشقه‌ بدون‌ أن‌ يسـمع‌ شكوي‌، وبدون‌ أن‌ يلحظ‌ شيئاً أو يتفوّه‌ بجواب‌؛ حكموا بقتله‌ وأردوه‌ بقسوة‌ في‌ وادي‌ الهجر والغمّ والحزن‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ محضر السيّد الحدّاد أيّام‌ التوقّف‌ في‌ زينبيّة‌ الشام‌

 وعموماً فقد كانت‌ أغلب‌ أوقاتنا وبقيّة‌ الرفقاء الذين‌ كانوا في‌ معيّة‌ السيّد تنقضي‌ غالباً في‌ الحرم‌ المطهّر، حيث‌ لم‌ يكن‌ فصل‌ الصيف‌ الحارّ ولا فصل‌ الشتاء القارس‌، بل‌ كان‌ فصل‌ الخريف‌ بأمطاره‌ الغزيرة‌. وكانت‌ مياه‌ الامطار تتجمّع‌ أحياناً فتسدّ طريق‌ الوصول‌ من‌ الصحن‌ المطهّر إلي‌ منزل‌ المضيّف‌ المحترم‌، فكنّا مجبرين‌ علي‌ قضاء الليالي‌ أيضاً في‌ حجرات‌ الصحن‌ المبارك‌. وكان‌ السيّد يجلس‌ الساعات‌ المتوالية‌ في‌ الحرم‌ المطهّر يغلب‌ عليه‌ التأمّل‌ والتفكّر، وكان‌ الرفقاء يسألونه‌ ما لديهم‌ من‌ الاسئلة‌ فيجيبهم‌ عليها.

 وكان‌ من‌ بين‌ أسئلتي‌ له‌ سؤال‌ عن‌ وضع‌ العمل‌ في‌ طهران‌، فقد كنت‌ مرهقاً جدّاً بسبب‌ تزاحم‌ الاعمال‌ والمصادمات‌ والنشاطات‌ الكثيرة‌ بعد الثورة‌ في‌ متابعة‌ أُمور الناس‌ والتبليغ‌ والوعظ‌ في‌ المسجد، وتطهيره‌ من‌ الايدي‌ الفاسدة‌ والمفسدة‌، وكانت‌ صحّتي‌ قد انحرفت‌ كلّيّاً، كما ارتفع‌ ضغط‌ دمي‌ إلي‌ العشرين‌ درجة‌، وكان‌ التهاب‌ القصبات‌ الهوائيّة‌ المزمن‌ قد تعسّر علاجه‌ نتيجة‌ الإصابة‌ بالرشح‌ المتناوب‌ إثر الخُطَب‌ والكلمات‌ والمواعظ‌ التي‌ كنت‌ أُلقيها علي‌ المنبر في‌ مسجد القائم‌، وإثر التعرّق‌ الزائد ثمّ الإصابة‌ بالبرد والرشح‌.

 ومن‌ الالطاف‌ الخاصّة‌ بالسيّدة‌ زينب‌ سلام‌ الله‌ عليها أن‌ كنت‌ جالساً يوماً في‌ الحرم‌ المطهّر، فقال‌ السيّد: إنّ سفركم‌ إلي‌ الإمام‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ وإقامتكم‌ عنده‌ أمر حسن‌، فاذهبوا إلي‌ مدينة‌ مشهد وتوطّنوا فيها. ولهذا السبب‌ فقد تشرّف‌ الحقير بالمجي‌ء إلي‌ الاعتاب‌ المقدّسة‌ لثامن‌ الحجج‌ عليه‌ السلام‌ بعد عدّة‌ شهور من‌ عودتي‌ من‌ الشام‌، وألقيت‌ الرحال‌ في‌ هذه‌ الارض‌ المقدّسة‌. ثمّ إنّ ولدي‌ الحاجّ السيّد محمّد صادق‌ كان‌ قد عاد من‌ الشام‌ إلي‌ طهران‌ يوم‌ الرابع‌ عشر من‌ المحرّم‌، كما سافر الحاجّ محسن‌ شركت‌ الإصفهاني‌ّ إلي‌ مكّة‌ يوم‌ الخامس‌ عشر من‌ المحرّم‌ بعد أن‌ استجاز السيّد للقيام‌ بالعمرة‌ المفردة‌، أمّا الحاجّ أبو أحمد فقد عزم‌ علي‌ البقاء مدّة‌ طويلة‌ عند مضيّفه‌ في‌ الشام‌ باعتبار أنّ زوجة‌ الحاجّ أبي‌ موسي‌ محيي‌ هي‌ أُخت‌ الحاجّ أبي‌ أحمد محيي‌.

 هذا وقد قام‌ السيّد بقطع‌ تذكرة‌ للعودة‌ إلي‌ بغداد في‌ الساعة‌ الخامسة‌ والنصف‌ بعد ظهر يوم‌ السابع‌ عشر، لذا فقد قام‌ الحقير بجعل‌ موعد عودته‌ بعد سفر السيّد، وذلك‌ قبل‌ أذان‌ فجر يوم‌ الثامن‌ عشر بساعتين‌. وكان‌ كلّ يوم‌ ينقضي‌ يجعل‌ زمن‌ الهجر قريباً وزمن‌ الوصل‌ بعيداً.

 وما أقرب‌ مفاد الشعر المنسوب‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ هذه‌ الحال‌:

 أُحِبُّ لَيالِي‌ الهَجْرِ لاَ فَرَحاً                  بِهَا عَسَي‌ الدَّهْرُ يَأْتِي‌ بَعْدَهَا بِوِصَالِ

 وَأَكْرَهُ أَيَّامَ الوِصَالِ لاِ نَّنِي‌                  أَرَي‌ كُلَّ شَي‌ءٍ مُولَعاً بِزَوَالِ [517]

 الرجوع الي الفهرس

بيان‌ حال‌ السيّد هاشم‌ الحدّاد في‌ آخر يوم‌ من‌ التوقّف‌ في‌ زينبيّة‌ الشام‌

 وكانت‌ حال‌ السيّد منقلبة‌ ومتغيّرة‌ كثيراً في‌ اليومين‌ الاخيرين‌ من‌ إقامـته‌، فلـم‌ يكن‌ له‌ في‌ الليل‌ رقـاد، ولا للطـعام‌ شـهيّة‌، وكانت‌ طـلعته‌ متوهّجة‌، ولم‌ يكن‌ يكلّم‌ أحداً، بل‌ كان‌ مستغرقاً في‌ التفكير والتأمّل‌ المستمرّ.

 وقد سبقت‌ الإشارة‌ إلي‌ أ نّني‌ كنت‌ ألحظ‌ سيماه‌ تتوهّج‌ وحاله‌ تتغيّر كلّما ودّعتُه‌ وتحرّكت‌ من‌ كربلاء إلي‌ الكاظميّة‌ للعودة‌ إلي‌ إيران‌.

 وكان‌ الرفقاء يقولون‌: كان‌ السيّد يسقط‌ في‌ الفراش‌ بعد ذهابك‌ لمدّة‌ أُسبوع‌ بلا قدرة‌ علي‌ الحركة‌، كما لم‌ يكن‌ يستقبل‌ أحداً أو يتحدّث‌ إلي‌ أحد من‌ الرفقاء، حتّي‌ أنّ عائلته‌ كانت‌ تعلم‌ أ نّه‌ يفقد في‌ تلك‌ الحال‌ الرغبة‌ في‌ الكلام‌، لذا فقد كانوا يأتونه‌ في‌ أوقات‌ الطعام‌ فقط‌ بغذاء من‌ السوائل‌ وعصير السكّر لعلمهم‌ بعدم‌ قدرته‌ علي‌ المضغ‌ وتناول‌ الطعام‌. وكان‌ يقول‌ لهم‌ وهو في‌ تلك‌ الحال‌: دعوني‌ وشأني‌ فلا يدخل‌ علَي‌ّ أحد.

 وكنت‌ لهذا السبب‌ قد اتّفقت‌ مع‌ الرفقاء ومع‌ عائلته‌ علي‌ أن‌ أُفارق‌ محضره‌ بلا توديع‌، وعليه‌ فقد كان‌ الحقير يتشرّف‌ يوماً بالذهاب‌ إلي‌ الحرم‌ ثمّ يأتي‌ إلي‌ الكاظميّة‌ بدون‌ العودة‌ إلي‌ المنزل‌ وبلا إعلام‌ مسبق‌. وكان‌ ذلك‌ صعباً علَي‌ّ، بَيدَ أ نّي‌ كنت‌ مجبراً عليه‌ بعد ملاحظة‌ حالات‌ السيّد المرهقة‌، وكان‌ السيّد قد رضي‌ بذلك‌.

 ولم‌ أكن‌ أدرك‌ علّة‌ هذا الانقلاب‌ والتغيير، ولم‌ أدرك‌ ذلك‌ حتّي‌ الآن‌؛ كما لم‌ يدركه‌ أحد من‌ الرفقاء.

 وعلي‌ أيّة‌ حال‌، فقد عدنا في‌ اليوم‌ الاخير لتوقّفنا في‌ الزينبيّة‌ (أي‌ في‌ اليوم‌ السابع‌ عشر من‌ محرّم‌ الحرام‌) إلي‌ الصحن‌ المتّصل‌ بالحرم‌ المطهّر حيث‌ يسكن‌ الحاجّ أبو موسي‌ وعائلته‌ وحيث‌ كان‌ يجري‌ تناول‌ الطعام‌ غالباً، وذلك‌ بعد أدائنا صلاة‌ الظهر في‌ الحرم‌ المطهّر، وكان‌ الحاجّ أبو موسي‌ قد أعدّ في‌ تلك‌ المائدة‌ الصغيرة‌ التي‌ ضمّت‌ أفراداً قلائل‌ مختلف‌ أنواع‌ الاطعمة‌. ولم‌ يكن‌ هناك‌ من‌ أحد غير السيّد والحقير والمضيّف‌ الحاجّ أبي‌ موسي‌ والحاجّ أبي‌ أحمد عبد الجليل‌، فلاحظتُ أنّ السيّد لم‌ يتناول‌ من‌ الطعام‌ ولو لقمة‌ واحدة‌. وكان‌ كمن‌ يحاول‌ إشغال‌ الحاضرين‌ فيظهر لهم‌ أ نّه‌ يتناول‌ الطعام‌، فكان‌ يتناول‌ قطع‌ الخبز الصغيرة‌ من‌ أمامه‌ ثمّ يأخذها مع‌ قليل‌ من‌ الخضر قرب‌ فمه‌، وكان‌ يكرّر ذلك‌ إلاّ أ نّه‌ لم‌ يكن‌ ليأكل‌ شيئاً.

 كانت‌ طلعته‌ متوهّجة‌ أشدّ منها في‌ السابق‌، وعيناه‌ حمراوين‌ ساخنتين‌، والدموع‌ تدور في‌ مآقيه‌ بدون‌ أن‌ تتساقط‌؛ وخلاصة‌ الامر فقد كان‌ واضحاً جدّاً أنّ هذا التغيير والتأثّر أشدّ من‌ كلّ ما سبقه‌، فلقد كان‌ يعلم‌ أنّ هذه‌ الساعة‌ آخر لقاء له‌ في‌ الدنيا لن‌ يعقبه‌ غيره‌.

 وحين‌ لاحظ‌ الرفقاء تلك‌ الحال‌ منه‌ فإنّهم‌ لم‌ يستطيعوا تناول‌ الطعام‌ كما ينبغي‌، وسرعان‌ ما انتهي‌ وقت‌ تناول‌ الطعام‌. ثمّ نهض‌ السيّد بمجرّد أن‌ كفّ الرفقاء عن‌ الاكل‌ فقال‌: أيّها السيّد محمّد الحسين‌! إنّي‌ ذاهب‌! ثمّ غادر الغرفة‌.

 وكان‌ يتوجّب‌ عليه‌ أن‌ يعبر من‌ صحنين‌ متتابعين‌ كي‌ يخرج‌ من‌ الباب‌ الرئيسي‌ّ ويذهب‌ إلي‌ المطار، فكيف‌ سيمكنه‌ أن‌ يفعل‌ ذلك‌ بمفرده‌؟ مضافاً إلي‌ أ نّه‌ لا تزال‌ هناك‌ ساعات‌ عديدة‌ علي‌ موعد الإقلاع‌. لهذا فقد أرسلت‌ الحاجّ أبا أحمد عبد الجليل‌ ليذهب‌ في‌ إثره‌ فيرقبه‌ عن‌ كثب‌ ولا يفارقه‌ إلي‌ وقت‌ الإقلاع‌. وكنت‌ أعلم‌ أيضاً أنّ علَي‌ّ أن‌ أتحاشي‌ التواجد في‌ الاماكن‌ التي‌ يحتمل‌ أن‌ يقع‌ نظره‌ علَي‌ّ فيها.

 ثمّ عاد الحاجّ أبو أحمد عبد الجليل‌ وقال‌: لقد ذهب‌ السيّد لتجديد وضوئه‌ ثمّ تشرّف‌ بالذهاب‌ إلي‌ الحرم‌. ولذلك‌ فلم‌ أتشرّف‌ بالذهاب‌ إلي‌ الحرم‌ ذلك‌ اليوم‌ إلي‌ غروب‌ الشمس‌ لئلاّ يكون‌ السيّد هناك‌، وبقيت‌ في‌ إحدي‌ الغرف‌ الواقعة‌ في‌ الجانب‌ الشرقي‌ من‌ الصحن‌. ثمّ إنّي‌ طلبتُ من‌ الحاجّ أبي‌ أحمد عبد الجليل‌ أن‌ لا يأتي‌ لتوديعي‌ بسبب‌ مرضه‌ وانحراف‌ مزاجه‌ وقلّة‌ نومه‌ ليلة‌ البارحة‌ ومراقبته‌ الاكيدة‌ لحال‌ السيّد الحدّاد. وهكذا فقد ودّعته‌ فأخلد هو للنوم‌، ثمّ ذهب‌ الحقير في‌ معيّة‌ المضيّف‌ الكريم‌ بعد منتصف‌ الليل‌ إلي‌ مطار دمشق‌ لاعود إلي‌ طهران‌.

 الرجوع الي الفهرس

أشعار ابن‌ الفارض‌ المناسبة‌ لوصف‌ حال‌ الحقير مع‌ السيّد هاشم‌ الحدّاد

 أَدِرْ ذِكْرَ مَنْ أَهْوَي‌ وَلَوْ بِمَلاَمِ                          فَإنَّ أَحَادِيثَ الحَبِيبِ مُدَامِي‌

 لِيَشْهَدَ سَمْعِي‌ مَنْ أُحِبُّ وَإنْ نَأَي‌                  بِطَيْفِ مَلاَمٍ لاَ بِطَيْفِ مَنَامِ

 فَلِي‌ ذِكْرُهَا يَحْلُو عَلَي‌ كُلِّ صِيغَةٍ                   وَإنْ مزَجُوهُ عُذَّلِي‌ بِخِصَامِ

 كَأَنَّ عَذُولِي‌ بِالوِصَالِ مُبَشِّرِي                        ‌ وَإنْ كُنْتُ لَمْ أَطْمَعْ بِرَدِّ سَلاَمِ

 بِرُوحِي‌َ مَنْ أَتْلَفْتُ رُوحِي‌ بِحُبِّهَا                     فَحَانَ حِمَامِي‌ قَبْلَ يَوْمِ حِمَامِي‌

 وَمِنْ أَجْلِهَا طَابَ افْتِضَاحِي‌ وَلَذَّ لِي                 ‌ اطِّرَاحِي‌ وَذُلِّي‌ بَعْدَ عِزِّ مَقَامِي‌

 وَفُيهَا حَلاَلِي‌ بَعْدَ نُسْكِي‌ تَهَتُّكِي        ‌ وَخَلْعُ عِذَارِي‌ وَارْتِكَابُ أَثَامِي‌

 أُصَلِّي‌ فَأَشْدُو حِينَ أَتْلُو بِذِكْرِهَا                      وَأَطْرَبُ فِي‌ المِحْرَابِ وَهْي‌َ إمَامِي‌

 وَبِالحَجِّ إنْ أَحْرَمْتُ لَبَّيْتُ بِاسْمِهَا                     وَعَنْهَا أَرَي‌ الإمْسَاكَ فِطْرَ صِيَامِي‌

 وَشَأْنِي‌ بِشَأْنِي‌ مُعْرِبٌ، وَبِمَا جَرَي                 ‌ جَرَي‌، وَانْتِخَابِي‌ مُعْرِبٌ بِهَيَامِي‌

 أَرُوحُ بِقَلْبٍ بِالصَّبَابَةِ هَائِمٍ                   وَأَغْدُو بِطَرْفٍ بِالكَآبَةِ هَامِ

 فَقَلْبي‌ وَطَرْفِي‌ ذَا بِمَعْنَي‌ جَمَالِهَا                         مُعَنَّيً وَذَا مُغْريً بِلِينِ قَوَامِ

 وَنَوْمِي‌َ مَفْقُودٌ، وَصُبْحِي‌ لَكَ البَقَا               وَسُهْدِي‌َ مَوْجُودٌ وَشَوْقِي‌َ نَامِ

 وَعَقْدِي‌ وَعَهْدِي‌ لَمْ يُحَلَّ وَلَمْ يَحُلْ              وَوَجْدِي‌َ وَجْدِي‌ وَالغَرَامُ غَرَامِي‌

 يَشِفُّ عَنِ الاَسْرَارِ جِسْمِي‌ مِنَ الضَّنَي‌                 فَيَغْدُو بِهَا مَعْنيً نُحُولُ عِظَامِي‌

 طَرِيحُ جَوَي‌ حُبٍّ جَرِيحُ جَوَانِحٍ                    قَرِيحُ جُفُونٍ بِالدَّوَامِ دَوَامِي‌

 صَرِيحُ هَويً جَارَيْتُ مِنْ لُطْفِي‌َ الهَوَا                       سُحَيْراً فَأَنْفَاسُ النَّسِيمِ لِمَامِي‌

 صَحِيحٌ عَلِيلٌ فَاطْلُبُونِي‌ مِنَ الصَّبَا              فَفِيهَا كَمَا شَاءَ النُّحُولُ مُقَامِي‌

 خَفِيتُ ضَنيً حَتَّي‌ خَفِيتُ عَنِ الضَّنَي                    ‌ وَعَنْ بُرْءِ أَسْقَامِي‌ وَبَرْدِ أُوَامِي‌

 وَلَمْ يُبْقِ مِنِّي‌ الحُبُّ غَيْرَ كَآبَةٍ                    وَحُزْنٍ وَتَبْرِيحٍ وَفَرْطِ سَقَامِ

 وَلَمْ أَدْرِ مَنْ يَدْرِي‌ مَكَانِي‌ سِوَي‌ الهَوَي‌       وَكِتْمَانَ أَسْرَارِي‌ وَرَعْي‌َ ذِمَامِي‌

 فَأَمَّا غَرَامِي‌ وَاصْطِبَارِي‌ وَسَلْوَتِي‌              فَلَمْ يَبْقَ لِي‌ مِنْهُنَّ غَيْرُ أَسَامِي‌

 لِيَنْجُ خَلِي‌ٌّ مِنْ هَوَاي‌َ بِنَفْسِهِ                     سَلِيماً وَيَا نَفْسُ اذْهَبِي‌ بِسَلاَمِ

 وَقَالَ: اسْلُ عَنْهَا لاَئِمِي‌ وَهْوَ مُغْرَمٌ                       بِلَوْمِي‌ فِيهَا قُلْتُ: فَاسْلُ مَلاَمِي‌

 بِمَنْ أَهْتَدِي‌ فِي‌ الحُبِّ لَوْ رُمْتُ سَلْوَةً                     وَبِي‌ يَقْتَدِي‌ فِي‌ الحُبِّ كُلُّ إمَامِ

 وَفِي‌ كُلِّ عُضْوٍ فِي‌ِّ كُلُّ صَبَابَةٍ                   إلَيْهَا وَشَوْقٍ جَاذِبٍ بِزِمَامِي‌

 تَثَنَّتْ فَخِلْنَا كُلَّ عِطْفٍ تَهُزُّهُ                       قَضِيبَ نَقاً يَعْلُوهُ بَدْرُ تَمَامِ

 وَلِي‌ كُلُّ عُضْوٍ فِيهِ كُلُّ حَشيً بِهَا              إذَا مَا رَنَتْ وَقْعٌ لِكُلِّ سِهَامِ

 وَلَوْ بَسَطَتْ جِسْمِي‌ رَأَتْ كُلَّ جَوْهَرٍ                       بِهِ كُلُّ قَلْبٍ فِيهِ كُلُّ غَرَامِ

 وَفِي‌ وَصْلِهَا عَامٌ لَدَي‌َّ كَلَحْظَةٍ                   وَسَاعَةُ هِجْرَانٍ عَلَي‌َّ كَعَامِ

 وَلَمَّا تَلاَقَيْنَا عِشَاءً وَضَمَّنَا              سَوَاءُ سَبِيلَي‌ْ دَارِهَا وَخِيَامِي‌

 وَمِلْنَا كَذَا شَيْئَاً عَنِ الحَي‌ِّ حَيْثُ لاَ              رَقِيبٌ وَلاَ وَاشٍ بِزُورِ كَلاَمِ

 فَرَشْتُ لَهَا خَدِّي‌ وِطَاءً عَلَي‌ الثَّرَي‌                        فَقَالَتْ: لَكَ البُشْرَي‌ بِلَثْمِ لِثَامِي‌

 فَمَا سَمَحَتْ نَفْسِي‌ بِذَلِكَ غَيْرَةً                 عَلَي‌ صَوْنِهَا مِنِّي‌ لِعِزِّ مَرَامِي‌

 وَبِتْنَا كَمَا شَاءَ اقْتِرَاحِي‌ عَلَي‌ المُنَي                      ‌ أَرَي‌ المُلْكَ مُلْكِي‌ وَالزَّمَانَ غُلاَمِي‌ [518]

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[495] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 187، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: فَالْئَـ'نَ بَـ'شِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَهُ لَكُمْ.

[496] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 187، من‌ السـورة‌ 2: البقرة‌: وَلاَ تُبَـ'شِـرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـ'كِفُـونَ فِي‌ الْمَسَـ'جِدِ.

[497] ـ قال‌ في‌ كتاب‌ «أحاديث‌ المثنوي‌ّ» ص‌ 26، الطبعة‌ الثانية‌، دار أمير كبير للنشر:

 أورد السهروردي‌ّ في‌ «عوارف‌ المعارف‌» المطبوع‌ في‌ حاشية‌ «إحياء العلوم‌» ج‌ 2، ص‌ 250، حديث‌ لاَ يَسَعُنِي‌ أَرْضِي‌ وَلاَ سَمَائِي‌، وَيَسَعُنِي‌ قَلْبُ عَبْدي‌ المُؤْمِنِ.

[498] ـ أورد الشيخ‌ الطوسي‌ّ هذه‌ الادعية‌ العشرة‌ في‌ «مصباح‌ المتهجّد» ص‌ 435 إلي‌ 439، تحت‌ عنوان‌: الدُّعَاءُ المُخْتَصُّ باِلعَشْرِ الاَوَاخِرِ. ونقلها المجلسي‌ّ في‌ «زاد المعاد» الورقة‌ 72 إلي‌ 74، وقال‌: ورد بأسانيد معتبرة‌ عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ دعاء مخصوص‌ لكلّ ليلة‌ من‌ العشر الاواخر تشتمل‌ علي‌ أُمور الدنيا والآخرة‌. وقد أوردها كذلك‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ في‌ «مفاتيح‌ الجنان‌» ص‌ 228 إلي‌ 233، وقال‌: ومن‌ جملتها هذه‌ الادعية‌ التي‌ نقلت‌ مسندةً في‌ «الكافي‌» ومرسلةً في‌ «المقنعة‌» و«المصباح‌»؛ تقول‌:....

[499] ـ في‌ الفقرة‌ 11، من‌ الدعاء الرابع‌ والاربعين‌ من‌ «الصحيفة‌ الكاملة‌ السـجّاديّة‌» كلام‌ يدلّ علي‌ أفضليّة‌ الاءنسان‌ من‌ الملائكة‌:

 وَأنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيهِ مِنَ الاَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنَا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأْنِفُ مِنَ العُيُوبِ، حَتَّي‌ لاَ يُورِدَ عَلَیكَ أَحَدٌ مِنْ مَلاَئِكَتِكَ إلاَّ دُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أَبْوَابِ الطَّاعَةِ لَكَ وَأَنْوَاعِ القُرْبَةِ إلَيْكَ.

 وقد كتب‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ أبو الحسن‌ الشعراني‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ يقول‌ في‌ شرحه‌ للفقرة‌ 56، من‌ الدعاء الخامس‌ والاربعين‌ ـ الهامش‌ الاوّل‌ من‌ «الصحيفة‌» ص‌ 159 و 160: ويمكن‌ العلم‌ من‌ هذا القول‌ أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أفضل‌ من‌ الملائكة‌ المقرّبين‌ والانبياء المرسلين‌. ولو كان‌ الملائكة‌ أفضل‌ لكانت‌ الصلاة‌ علي‌ من‌ هو في‌ مقام‌ أوطأ من‌ الملائكة‌، بدرجة‌ أكثر منها عليهم‌ أمراً غير جائز وخلافاً للحكمة‌. وفي‌ نظر أهل‌ المعرفة‌ فإنّ مقام‌ الاءنسان‌ الكامل‌ أفضل‌ منهم‌ أيضاً وهو مذهب‌ أهل‌ الاءسلام‌ قاطبة‌، وقد طُعن‌ علي‌ بعض‌ المعتزلة‌ كالزمخشري‌ّ في‌ اعتبارهم‌ أنّ الملائكة‌ أفضل‌، والله‌ العالم‌ انتهي‌.

 وقد ذكر الحقير مطالباً في‌ شأن‌ أفضليّة‌ الاءنسان‌ علي‌ الملائكة‌ في‌ كتاب‌ «معرفة‌ المعاد» ج‌ 1، ص‌ 10 إلي‌ 12، المجلس‌ الاوّل‌، دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الاءسلاميّة‌.

[500] ـ قام‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ في‌ كتاب‌ «الفتوحات‌ المكّيّة‌» ج‌ 1، ص‌ 143، الطبعة‌ الاُولي‌، مطبعة‌ دار الكتب‌ العربيّة‌ الكبري‌، مصر، الفصل‌ الاوّل‌، الباب‌ الثاني‌ عشر فِي‌ مَعْرِفَةِ دَوْرَةِ فَلَكِ سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَهِي‌َ دَوْرَةُ السِّيَادَةِ، وَأَنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَهُ تَعَالَي‌؛ ببحث‌ وافٍ عن‌ أكمليّة‌ وأتمّيّة‌ نبوّة‌ رسول‌ الله‌. وأثبت‌ أنّ جميع‌ الانبياء والمرسلين‌ تحت‌ نبوّته‌ وولايته‌ وسيطرته‌ المعنويّة‌ وسيادته‌ وشفاعته‌ في‌ الدنيا والآخرة‌، وأنّ هذا الامر منحصر به‌ لاقربيّته‌ لمبدأ العلل‌ وغاية‌ الغايات‌.

 ثمّ يستمرّ في‌ المطلب‌ إلي‌ منتصف‌ ص‌ 144، فيقول‌: وَثَبَتَتْ لَهُ أَيْضاً السِّيَادَةُ فِي‌ الحُكْمِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ مُوسَي‌ حَيَّاً مَا وَسِعَهُ إلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي‌، وَيُبَيَّنُ ذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِ عِيسَي‌ عَلَیهِ السَّلاَمُ وَحُكْمِهِ فِينَا بِالقُرْآنِ فَصَحَّتْ لَهُ السِّيَادَةُ فِي‌ الدُّنْيَا بِكُلِّ وَجْهٍ. إلي‌ آخر ما أفاده‌ إلي‌ ص‌ 147.

[501] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 134، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1382 هجريّة‌ قمريّة‌، أنشده‌ ضمن‌ أبيات‌ هُوَ الحُبُّ. الكَحَل‌ بفتح‌ الحاء: سواد في‌ أشفار العين‌ خلقة‌، و الكَحِل‌ بكسر الحاء: بمعني‌ المكحول‌ أي‌: من‌ كَحَلَ عينه‌ بالكُحْل‌.

[502] ـ «گلشن‌ راز» بخطّ عماد الاردبيلي‌ّ، ص‌ 28 و 29.

 يقول‌: «إذهب‌ أيّها الاءنسان‌ فاعرفْ نفسك‌ جيّداً، فليس‌ الشحم‌ والسمنة‌ كالورم‌ الفارغ‌.

 فإنّ «أنا» و«أنت‌» أفضل‌ من‌ الروح‌ والبدن‌ (أي‌ أنّ حقيقة‌ الاءنسان‌ أسمي‌ من‌ روحه‌ وبدنه‌)، ولانّ هذين‌ الاثنين‌ إنّما صارا جزءاً منّي‌.

 ولا يختصّ لفظ‌ «أنا» بالاءنسان‌ لتقول‌ بأنّ الروح‌ مختصّة‌ بلفظ‌ «أنا».

 سر في‌ طريق‌ أفضل‌ من‌ الكون‌ والمكان‌، وتخطَّ العالم‌ ودعه‌ وكن‌ عالماً في‌ نفسك‌».

[503] ـ يقول‌: «إنّ الرؤية‌ ستكون‌ مزدوجة‌ ثنائيّة‌ في‌ الخطّ الوهمي‌ّ لهاء الهويّة‌.

 وسوف‌ لن‌ يكون‌ في‌ البين‌ سائرٌ ولا طريق‌، حين‌ ستلتحق‌ هاء «هو» بالله‌ وتفني‌ فيه‌.

 إنّ الوجود كالجنّة‌، والاءمكان‌ كالجحيم‌، و«أنا» و«أنت‌» في‌ البين‌ كالبرزخ‌.

 وحين‌ يرتفع‌ حجاب‌ «أنا» و«أنت‌» فلن‌ يبقي‌ حكم‌ لمذهب‌ أو طريقة‌».

[504] ـ يقول‌: «وقد صار الجمع‌ والافراد في‌ هذا المشهد واحداً، لانّ الواحد سارٍ في‌ مراتب‌ الاعداد، فهو في‌ عين‌ الكثرة‌ واحد وفي‌ عين‌ الوحدة‌ كثرة‌.

 أنت‌ ذلك‌ الجمع‌ الذي‌ صار عين‌ الوحدة‌، وأنت‌ ذلك‌ الواحد الذي‌ صار عين‌ الكثرة‌.

 وهذا السرّ يعلمه‌ من‌ تخطّي‌ الجزء والكثرات‌ وسافر إلي‌ الكلّ والحقيقة‌ المطلقة‌».

[505] ـ يقول‌: «من‌ أكون‌ أنا؟ أخبرني‌ عن‌ «أنا»، وما معني‌ السفر في‌ النفس‌؟».

[506] ـ يقول‌: «عُدتَ تسألني‌: من‌ أكون‌ أنا؟ أخبرني‌ عن‌ «أنا» حتّي‌ أعلم‌ من‌ أنا!

 عندما نريد الاءشارة‌ إلي‌ الوجود المطلق‌ فإنّنا نعبّر عنه‌ في‌العبارة‌ بلفظ‌ «أنا».

 والحقيقة‌ التي‌ عرض‌ لها التعيّن‌ فصارت‌ محدّدة‌ معيّنة‌ عُبّر عنها في‌ العبارة‌ بلفظ‌ «أنا».

 فأنا وأنت‌ إنّما هو عارض‌ لذات‌ الوجود، شأننا شأن‌ الشبكة‌ في‌ مشكاة‌ الوجود (يعبر منها نور الوجود المطلق‌ فتمثّل‌ تعيّنات‌ خاصّة‌).

 فاعلم‌ أنّ كلّ هذه‌ الاشباح‌ والارواح‌ نور واحد يوجد في‌ المرآة‌ تارة‌ وتارة‌ في‌ المصباح‌».

[507] ـ يقول‌: «ولفظ‌ «أنا» الذي‌ تورده‌ في‌ كلّ عبارة‌ إنّما هو إشارة‌ إلي‌ الروح.

 لا نّك‌ جعلتَ العقل‌ دليلك‌ وهاديك‌، فصرت‌ لا تميّز بعضك‌ (روحك‌) عنك‌».

[508] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 13: الرعد: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَا´ءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي‌ الاْرْضِ.

[509] ـ صدر الآية‌ 105، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[510] ـ صدر الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 66: التحريم‌.

[511] ـ «منتهي‌ الآمال‌» ج‌ 2، ص‌ 11 أحوال‌ الاءمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌، طبعة‌ علميّة‌ إسلاميّة‌، عام‌ 1371 ه. ق‌، القطع‌ الرحلي‌ّ.

[512] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 67، مطبعة‌ عيسي‌ البابي‌؛ وفي‌ الطبعة‌ المصريّة‌ مع‌ تعليق‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌: ج‌ 1، ص‌ 117 و 118.

[513] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 6، ص‌ 103 و 104، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌، الطبعة‌ الاُولي‌، سنة‌ 1378 ه. ق‌.

[514] ـ «سفينة‌ البحار» ج‌ 2، ص‌ 224 و 225، الطبعة‌ الحجريّة‌، مادّة‌ علم‌.

[515] ـ «الروح‌ المجرَّد» ص‌ 616، عن‌ «الصحيفة‌ الكاملة‌ السجّاديّة‌» الدعاء العشرون‌.

[516] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌ المصري‌ّ» ص‌ 128 و 129، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1384 ه. ق‌.

[517] ـ «الديوان‌ المنسوب‌ إلي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌» بعد منتصف‌ الديوان‌، باب‌ ما آخره‌ اللام‌ (مخطوط‌).

[518] ـ «ديوان‌ ابن‌ الفارض‌» ص‌ 162 إلي‌ 165، طبعة‌ بيروت‌، سنة‌ 1384 ه. ق‌.

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com