بسم الله الرحمن الرحيم

نظرة علي مقاله بسط و قبض نظرية الشريعة / القسم الرابع عشر: الاشکال العاشر: عدم قطعیة نظریة تبدل الانواع، التحریف المعنوی ل...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 الإشکال العاشر

  نظريّة‌ تبدّل‌ الانواع‌ مجرّد نظريّة‌ ولا تملك‌ دليلاً قطعيّاً

 

 الإشکال‌ العاشر علي‌ مقالته‌ « بسط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌ » هي‌ مسألة‌ قبوله‌ بتبدّل‌ الانواع‌، وإقراره‌ بعدم‌ انتهاء نسل‌ الاءنسان‌ إلي‌ آدم‌ وزوجته‌ المخلوقَين‌ من‌ التراب‌. فبتبجيله‌ وتكريمه‌ لـ داروين‌ وتسميته‌ له‌ بنابغة‌ الفهم‌ والاءدراك‌ ومسخّر النظريّات‌ الطبيعيّة‌، وبمن‌ أثبت‌ حقيقة‌ الفرضيّة‌ والنظريّة‌؛ ممّا يستلزم‌ في‌ النهاية‌ عودة‌ البشر إلي‌ القرد، قد أضاف‌ إلي‌ مقالته‌ إشكالاً جديداً؛ إذ يقول‌:

اعتقاد صاحب المقالة بمذهب داروین فی تبدل الأنواع

 لقد نقل‌ المؤرّخون‌ أن‌ داروين‌ لم‌ يستطع‌ ـلتمسّكه‌ بفرضيّته‌ـ فهم‌ وقبول‌ الصحف‌ الدينيّة‌ المقدّسة‌ كما يفهمها الآخرون‌ ويقبلونها؛ عكس‌ جورج‌ كوفيه‌ الذي‌ لم‌ يستطع‌ ـلتمسّكه‌ والتزامه‌ بمعارف‌ التوراة‌ـ معرفة‌ الطبيعة‌ كما عرفها الآخرون‌.

 وقصّة‌ داروين‌ الاءنجليزي‌ّ مشهورة‌، لكن‌ قصّة‌ كوفيه‌ الفرنسي‌ّ تستحقّ هي‌ الاُخري‌ أن‌ تُعرف‌، فلقد اكتشف‌ كوفيه‌ وأبدع‌ أساسَين‌ مهمَّين‌ في‌ علم‌ الحيوان‌ وعلم‌ الجيولوجيا(طبقات‌ الارض‌) كان‌ لهما أحسن‌ الاثر عند المتكلّمين‌ فأكثروا من‌ الحديث‌ عنهما، ذلك‌ لا نّه‌ حافظ‌ علي‌ ظواهر الكتاب‌ المقدّس‌ ومنحه‌ دعماً علميّاً.

 فقد اكتشـف‌ وأعلن‌ في‌ النصـف‌ الاوّل‌ من‌ القرن‌ التاسـع‌ قبل‌ ظهـور نظـريّـة‌ دارويـن‌ قانـون‌ «تناسـب‌ أعضـاء الحـيـوانـات‌» Correlation Principle، وهذا القانون‌ الذي‌ يحظي‌ اليوم‌ بقبول‌ علماء الحيوان‌ كان‌ له‌ مفاد ومدلول‌ آخر لديه‌. وكان‌ يقول‌ إجمالاً بأنّ أعضاء جميع‌ الحيوانات‌ هي‌ من‌ التناسب‌ والتوازن‌ فيما بينها، بحيث‌ ينتفي‌ معه‌ وقوع‌ أي‌ّ تحوّل‌ وتغيّر فيها مع‌ بقاء نفس‌ الحيوان‌.

 لذا، فقد تحقّق‌ من‌ بين‌ المؤلّفات‌ المختلفة‌ والمتصوّرة‌ للاعضاء ما كان‌ تحقّقه‌ ممكناً، أمّا ما لم‌ يتحقّق‌ فهو الذي‌ كان‌ تحقّقه‌ محالاً. وحسب‌ قول‌ كولمان‌ Coleman: إنّ مفاد قانون‌ كوفيه‌ كان‌ يعني‌ علي‌ وجه‌ التقريب‌ كلّ ما هو ممكن‌ فهو موجود، وكلّ ما هو غير موجود فغير ممكن‌.

 وعليه‌، فقد كانت‌ الفاصلة‌ بين‌ الانواع‌ ضروريّة‌، فمن‌ المحال‌ أن‌ يملا الفراغ‌ بين‌ القطّة‌ والعصفور مثلاً، ونتيجة‌ لذلك‌ كان‌ ينبغي‌ للحيوان‌ إمّا أن‌ يبقي‌ مصوناً من‌ التغيّر الكلّي‌ّ، أو أن‌ يتغيّر كلّيّاً من‌ الاساس‌ ليصبح‌ منشأ لنوع‌ آخر.

 ولم‌ يكن‌ كوفيه‌ ليؤمن‌ بالتحوّلات‌ التدريجيّة‌ الطفيفة‌ الهادئة‌، ولهذا فقد اعتقد بثبات‌ الانواع‌ الذي‌ وافق‌ بشكل‌ واضح‌ ظاهر الكتاب‌ المقدّس‌....

 وكان‌ هذا الامر مثار عجب‌ مؤرّخي‌ العلم‌، فعلي‌ الرغم‌ من‌ مخالفة‌ كوفيه‌ الشديدة‌ لتغيّر الانواع‌(ترانسفورميزم‌)، فإنّ تحقيقاته‌ في‌ علم‌ الآثار والتشريح‌ العملي‌ّ لم‌ تمهّد الطريق‌ لظهور نظريّة‌ التكامل‌ فحسب‌، بل‌ كانت‌ مقدّمة‌ ضروريّة‌ لا غني‌ عنها لتلك‌ النظريّة‌.

 فاهتمامه‌ المبذول‌ في‌ مسألة‌ تناسب‌ وتوافق‌ أعضاء الحيوان‌ الواحد مع‌ بعضها، وتناسب‌ بدن‌ الحيوان‌ مع‌ محيطه‌، كان‌ عنصراً حيويّاً في‌ تدوين‌ نظريّة‌ التكامل‌. لكنّ الذي‌ لم‌ يلحظه‌ كوفيه‌ ورآه‌ داروين‌ أ نّه‌ يمكن‌ لذلك‌ التوافق‌ والتناسب‌ أن‌ يكون‌ له‌ توضيح‌(علمي‌ّ) وتكاملي‌ّ وميكانيكي‌ّ مادّي‌ّ وطبيعي‌ّ، وأ نّه‌ ينبغي‌ عدم‌ إرجاعه‌ مباشرة‌ إلي‌ قدرة‌ الخالق‌ وفعله‌.

 فالاعتقاد بالتدخّل‌ المباشر ليد الخالق‌ في‌ الطبيعة‌(وهو رأي‌ٌ كلامي‌ٌّ، معناه‌: وضع‌ الطبيعة‌ وما وراء الطبيعة‌ في‌ عرض‌ بعضها)، كان‌ من‌ أهمّ العوامل‌ المثيرة‌ للجدل‌ وأكثرها تخريباً في‌ ميدان‌ المعرفة‌ في‌ بلاد الغرب‌ والشرق‌، فلقد كان‌ يقطع‌ الطريق‌ في‌ كلّ مكان‌ ابتداءً من‌ نيوتن‌ إلي‌ كوفيه‌ وباستور، ومن‌ الفخر الرازي‌ّ إلي‌ الحشويّة‌ الجدد.

 فلم‌ يكن‌ في‌ إمكان‌ كوفيه‌ أن‌ يشاهد أبعد ممّا فعل‌، لانّ أساس‌ توافق‌ المعارف‌ لم‌ يكن‌ ليسمح‌ له‌ أن‌ يفعل‌ ذلك‌، فلقد كان‌ علمه‌ الكلامي‌ّ(أي‌: النسبة‌ التي‌ كان‌ يعتقدها بين‌ الله‌ والطبيعة‌) وكلام‌ الله‌(أي‌: التفسير الذي‌ كان‌ يستنبطه‌ من‌ الكتاب‌ المقدّس‌) يوقفانه‌ عند ذلك‌ الحدّ.

 وكان‌ يلزمه‌ معرفةً أُخري‌ بالله‌ وتفسير أفضل‌ للكتاب‌ ليمنحاه‌ مجالاً أفضل‌ للاءبداع‌ العلمي‌ّ. [1]

 لقد تكلّمنا مفصّلاً في‌ هذا الجزء من‌ كتاب‌ « نور ملكوت‌ القرآن‌ » عن‌ الضعف‌ والوهن‌ اللذين‌ يكتنفان‌ نظريّة‌ التكامل‌ في‌ الانواع‌ في‌ ردّنا علي‌ مؤلّف‌ كتاب‌ « خلقتْ إنسان‌ »( = خلق‌ الاءنسان‌) وإثباتنا لنظريّة‌ الاُستاذ العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌، وأثبتنا أنّ ذلك‌ الرأي‌ لم‌يكن‌ أب‌عد من‌ فرضيّة‌ لم‌ تثبت‌ بشكل‌ قانون‌ علمي‌ّ، وأنّ الحكم‌ بها في‌ هذه‌ الحال‌ أمر مرفوض‌ من‌ الناحية‌ الفلسفيّة‌، وأ نّها من‌ جهة‌ أُخري‌ غير مقبولة‌ أيضاً لظهور القرآن‌ الكريم‌، بل‌ لصراحته‌ بشأن‌ خلقة‌ الاءنسان‌ وبيانه‌ لخلق‌ آدم‌ وزوجه‌ من‌ الطين‌.

 علي‌ أنّ هذا البحـث‌ الكلامي‌ّ في‌ اعتبار البعض‌ للّه‌ سبحانه‌ مقابل‌ الطبيعة‌ أمر خاطي‌، فالله‌ سبحانه‌ وملائكة‌ السماء المدبّرون‌ للاُمور هم‌ في‌ طول‌ عالم‌ الطبيعة‌، بل‌ إنّ عالم‌ الطبيعة‌ هو عين‌ ظهور الله‌ وأثره‌، لاانفكاك‌ بينها. ولقد قدّم‌ الاُستاذ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ بحوثاً قيّمة‌ وثمينة‌ في‌ هذه‌ المسائل‌ التوحيديّة‌ في‌ التفسير والحكمة‌، حري‌ّ بجميع‌ الحكماء والفلاسفة‌ والمتكلّمين‌ أن‌ ينحو نحوها وينهلوا من‌ معينها؛ وعندها، فمن‌ سيكون‌ نيوتن‌ والفخر الرازي‌ّ؟! فضلاً عن‌ ذِكر كوفيه‌ وباستور.

 إنّ مسألة‌ مشابهة‌ الاءنسان‌ لبعض‌ أصناف‌ الحيوانات‌ في‌ الخلقة‌ الطبيعيّة‌ هي‌ موضوع‌ معيّن‌، ومسألة‌ أصالة‌ الحيوانات‌ وكونها أساساً في‌ بدء خلقة‌ الاءنسان‌ موضوع‌ آخر، ولا يمكن‌ استخدام‌ الاوّل‌ للعبور إلي‌ الثاني‌ واستنتاجه‌.

 فالاءنسان‌ لا يشبه‌ فقط‌ بعض‌ الحيوانات‌ في‌ جهاز الدورة‌ الدمويّة‌ وتركيب‌ الهيكل‌ العظمي‌ّ وغيرها، بل‌ إنّ له‌ شبهاً من‌ ناحية‌ أوسع‌ وأعمّ مع‌ جميع‌ الحيوانات‌، وحتّي‌ مع‌ جميع‌ النباتات‌، وانتهاءً بجميع‌ الجمادات‌. فله‌ شبه‌ في‌ أحكام‌ الذرّات‌ والاءلكترونات‌ مع‌ جميع‌ الموجودات‌ المادّيّة‌.

 وقد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 وَاللَهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن‌ مَّآءٍ فَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَمْشِي‌ عَلَی‌' بَطْنِهِ وَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَمْشِي‌ عَلَی‌' رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَمْشِي‌ عَلَی‌'´ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَهَ عَلَی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. [2]

 وَمَا مِن‌ دَآبَّةٍ فِي‌ الاْرْضِ وَلاَ طَـ'´نءِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم‌ مَّا فَرَّطْنَا فِي‌ الْكِتَـ'بِ مِن‌ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَي‌' رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ. [3]

 بل‌ يشترك‌ الاءنسان‌ مع‌ جميع‌ الحيوانات‌ النباتات‌ في‌ نوع‌ واحد من‌ النفس‌ الكلّيّة‌، أي‌ أنّ له‌ مشابهة‌ ومشاركة‌ في‌ الطبيعة‌ والحياة‌ والنفس‌ مع‌ الجميع‌؛ لكنّ هذا لا يصحّ أن‌ يكون‌ دليلاً لكونه‌ قد ولد ونشأ منها.

داروین لا یمتلک دلیلا قاطعا علی أن أصل الإنسان قرد

 وما أورده‌ داروين‌ في‌ كتابه‌ « النشوء والارتقاء » ليس‌ أكثر من‌ المشاهدة‌ المجرّدة‌ بشأن‌ البنية‌ الطبيعيّة‌.

 يقول‌ داروين‌:

 إنّ أحد أدلّتي‌ هو تشابه‌ البنيّة‌ الطبيعيّة‌، لانّ بدن‌ الاءنسان‌ قد رُكِّب‌ من‌ وجهة‌ النظر الكلّيّة‌ علي‌ مثال‌ أجساد الحيوانات‌ الثدييّة‌ الاُخري‌، فللهيكل‌ العظمي‌ّ الاءنساني‌ّ شبيه‌ ونظير هو هيكل‌ القرد والخفّاش‌ وعجل‌ البحر مثلاً. وينسحب‌ هذا التماثل‌ والتشابه‌ علي‌ العضلات‌ والاعصاب‌ والاوعية‌ الدمويّة‌ والامعاء والاحشاء الداخليّة‌ ومخّ الاءنسان‌ ودماغه‌، ويشترك‌ الاءنسان‌ مع‌ الحيوانات‌ ـمضافاً إلي‌ ما ذكرناـ في‌ قابليّة‌ العدوي‌ والاءصابة‌ بالميكروبات‌ المعدية‌ لبعض‌ الامراض‌، كداء الكلب‌ والجدري‌ والسفلس‌ والكوليرا [4] وغيرها. وهي‌ دليل‌ قطعي‌ّ علي‌ شدّة‌ التشابه‌ بينه‌ وبين‌ الحيوانات‌ في‌ الدم‌ والانسجة‌ بلحاظ‌ دقّة‌ التركيب‌ والبناء.

 وفوق‌ ذلك‌ فإنّ القرود تشـبه‌ الاءنسان‌ في‌ تعرّضها للاءصابة‌ بالزكام‌، والصـداع‌، والصـرع‌، والتـهاب‌ الامعاء، ومرضي‌ سائل‌ قزحـيّة‌ العـين‌، والحمّي‌.

 كما أنّ للادوية‌ والعقاقير الطبّيّة‌ نفس‌ التأثير علي‌ كِلا الاءنسان‌ والقرد، وبملاحظة‌ أنّ لبعض‌ أنواع‌ القرود رغبة‌ شديدة‌ لشرب‌ الشاي‌ والقهوة‌ والمشروبات‌ الروحيّة‌ المسكرة‌، وبملاحظة‌ الآلام‌ والعوارض‌ العصبيّة‌ التي‌ تصيبها إثر السكر، فإنّه‌ يتّضح‌ جيّداً شدّة‌ مشابهتها للاءنسان‌ حتّي‌ في‌ الذوق‌ والحسّ العامّ بالنسبة‌ للاشياء.

 كذلك‌ فإنّ بعض‌ البثور والانتفاخات‌ الجلديّة‌ الخارجيّة‌ والداخليّة‌ التي‌ تظهر في‌ الاءنسان‌ هي‌ من‌ نفس‌ جنس‌ تلك‌ التي‌ تظهر في‌ سائر الحيوانات‌ الثدييّة‌، وتدلّ علي‌ شدّة‌ التشابه‌ بين‌ الاءنسان‌ والحيوانات‌ الراقية‌، وخاصّة‌ مع‌ القرود، وذلك‌ في‌ عموم‌ البنية‌، ودقّة‌ الانسجة‌، والتركيب‌ الكيميائي‌ّ. [5]

 وما نُقل‌ في‌ بيانات‌ أئمّة‌ المسلمين‌ وعلمائهم‌ من‌ التشابه‌ بين‌ الاءنسان‌ والقرد يفـوق‌ بكثـير ما نُقل‌ عن‌ دارويـن‌، لكنّـهم‌ مع‌ ذلـك‌ لم‌يحـكموا بالاتّصال‌ وعلاقة‌ الولادة‌ بينهما.

 الرجوع الي الفهرس

بیان الإمام الصادق فی «توحید المفضل» فی عجائب خلقة القرد

 وقد ورد في‌ كتاب‌ « التوحيد » الذي‌ أملاه‌ الاءمَامُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عليه‌ السلام‌ علي‌ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الجُعْفِي‌ِّ:

 تَأَمَّلْ خَلْقَ القِرْدِ[6] وَشَبَهَهُ بِالاءنْسَانِ فِي‌ كَثِيرٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، أَعْنِي‌ الرَّأْسَ وَالوَجْهَ وَالمَنْكَبَيْنِ وَالصَّدْرَ؛ وَكَذَلِكَ أَحْشَاؤُهُ شَبِيهَةٌ أَيْضاً بِأَحْشَاءِ الاءنْسَانِ؛ وَخُصَّ مَعَ ذَلِكَ بِالذِّهْنِ وَالفِطْنَةِ الَّتِي‌ بِهَا يَفْهَمُ عَنْ سَائِسِهِ مَا يُومِي‌ إلَيْهِ.

 وَيَحْكِي‌ كَثِيراً مِمَّا يَرَي‌ الاءنْسَانَ وَيَفْعَلُهُ، حَتَّي‌ أَ نَّهُ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِ الاءنْسَانِ وَشَمَائِلِهِ فِي‌ التَّدْبِيرِ فِي‌ خِلْقَتِهِ عَلَی‌ مَا هِي‌َ عَلَیْهِ أَنْ يَكُونَ عِبْرَةً لِلاْءنْسَانِ فِي‌ نَفْسِهِ. فَيَعْلَمُ أَ نَّهُ مِنْ طِينَةِ البَهَائِمِ وَسَنْخِهَا إذْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهَا هَذَا القُرْب‌، وَلَوْلاَ أَ نَّهُ فَضِيلَةٌ فَضَّلَهُ بِهَا فِي‌ الذِّهْنِ وَالعَقْلِ وَالنُّطْقِ، كَانَ كَبَعْضِ البَهَائِمِ.

 عَلَی‌ أَنَّ فِي‌ جِسْمِ القِرْدِ فُضُولاً أُخْرَي‌ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الاءنْسَانِ، كَالخَطْمِ وَالذَّنْبِ المُسْدَلِ وَالشَّعْرِ المُجَلِّلِ لِلْجِسْمِ كُلِّهِ.

 وَهَذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعاً لَلْقِرْدِ أَنْ يَلْحَقَ بِالاءنْسَانِ لَوْ أُعْطِي‌ مِثْلَ ذِهْنِ الاءنْسَانِ وَعَقْلِهِ وَنُطْقِهِ، وَالفَصْلُ الفَاصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الاءنْسَانِ بِالصِّحَّةِ هُوَ النَّقْصُ فِي‌ العَقْلِ وَالذِّهْنِ وَالنُّطْقِ. [7]

 الرجوع الي الفهرس

فی تشابه القرد مع الإنسان نقلا عن «حیاة الحیوان» للدمیری

 وقد أورد الدميري‌ّ في‌ «حياة‌ الحيوان‌»:

 والقرد حيوان‌ قبيح‌ مليح‌ ذكي‌ّ سريع‌ الفهم‌ يتعلّم‌ الصنعة‌. حكي‌ أنّ ملك‌ النَّوْبَة‌ أهدي‌ إلي‌ المتوكّل‌( الخليفة‌ العبّاسي‌ّ) قرداً خيّاطاً وآخر صائغاً، وأهل‌ اليمن‌ يعلّمون‌ القردة‌ القيام‌ بحوائجهم‌، حتّي‌ أنّ القصّاب‌ والبقّال‌ يعلّم‌ القرد حفظ‌ الدكّان‌ حتّي‌ يعود صاحبه‌، ويُعلّمه‌ السرقة‌ فيسرق‌.

 وهذا الحيوان‌ شبيه‌ بالاءنسان‌ في‌ غالب‌ حالاته‌، فإنّه‌ يضحك‌ ويطرب‌ ويغنّي‌ ويحكي‌ ويتناول‌ الشي‌ء بيده‌، وله‌ أصابع‌ مفصّلة‌ إلي‌ أنامل‌ وأظافر، ويقبل‌ التلقين‌ والتعليم‌ ويأنس‌ بالناس‌، ويمشي‌ علي‌ أربع‌ مشية‌ المعتاد ويمشي‌ علي‌ رجليه‌ حيناً يسيراً، ولشفر عينيه‌ الاسفل‌ أهداب‌ وليس‌ ذلك‌ لشي‌ء من‌ الحيوان‌ سواه‌ وهو كالاءنسان‌، وإذا سقط‌ في‌ الماء غرق‌ كالآدمي‌ّ الذي‌ لايحسن‌ السباحة‌.

 ويأخذ نفسه‌ بالزواج‌ والغيرة‌ علي‌ الاءناث‌ وهما خصلتان‌ من‌ مفاخر الاءنسان‌. وإذا زاد به‌ الشبق‌ استمني‌ بفيه‌، وتحمل‌ الاُنثي‌ أولادها كما تحمل‌ المرأة‌.

 ومن‌ قبول‌ التأديب‌ والتعليم‌ ما لا يخفي‌. ولقد دُرِّبَ قرد ليزيد علي‌ ركوب‌ الحمار وسابق‌ به‌ مع‌ الخيل‌، وفيه‌ يقول‌ يزيد لمّا سبق‌ بأتان‌ ركبها فرساً:

 مَن‌ مُبْلِغُ القِرْدِ الَّذِي‌ سَبَقَتْ بِهِ جَوَادَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَتَانُ

 تَعَلَّقْ أَبَا قُشٍّ بِهَا إنْ رَكِبْتَهَا فَلَيْسَ عَلَیْهَا إنْ هَلَكْتَ ضَمَانُ [8]

 وروي‌ ابن‌ عَدِي‌ّ في‌ كامله‌ عن‌ أحمد بن‌ طاهر بن‌ حرملة‌، ابن‌ أخي‌ حرملة‌بن‌ يحيي‌، أ نّه‌ قال‌: رأيتُ بالرَّمْلَة‌ قرداً يصوغ‌، فإذا أراد أن‌ ينفخ‌ أشار إلي‌ رجل‌ حتّي‌ ينفخ‌ له‌. وفي‌ ترجمة‌ محمّد بن‌ يوسف‌ المنكدر عن‌ جابر رضي‌ الله‌ تعالي‌ عنه‌، قال‌:

 إنَّ النَّبِي‌َّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَأَي‌ القِرْدَ خَرَّ سَاجِداً. [9]

 واستشهد صاحب‌ « المستدرك‌ » بهذه‌ الرواية‌ قبيل‌ صلاة‌ الجمعة‌، كما روي‌ البيهقي‌ّ عن‌ أبي‌ هريرة‌ رضي‌ الله‌ تعالي‌ عنه‌ أيضاً بمعناها، وفي‌ لفظه‌ أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌، قال‌: لا تشوبوا اللبن‌ بالماء، فإنّ رجلاً فيمن‌ كان‌ قبلكم‌ كان‌ يبيع‌ اللبن‌ ويشوبه‌ بالماء، فاشتري‌ قرداً وركب‌ البحر، حتّي‌ إذا لجج‌ فيه‌ ألهم‌ الله‌ القرد صرّة‌ الدنانير فأخذها، وصعد الدقل‌ [10] ففتح‌ الصرّة‌ وصاحبها ينظر إليها، فأخذ ديناراً فرمي‌ به‌ في‌ البحر وديناراً في‌ السفينة‌ حتّي‌ قسمها نصفَين‌، فألقي‌ ثَمَن‌ الماء في‌ البحر وثمن‌ اللبن‌ في‌ السفينة‌. [11]

 ومهما بالغ‌ داروين‌ في‌ المشابهة‌ الجسميّة‌ والمعنويّة‌ للاءنسان‌ مع‌ القرد، فلن‌تصل‌ أقواله‌ إلي‌ مستوي‌ أقوال‌ رسائل‌ إخوان‌ الصفا في‌ قولهم‌:

 أَمَّا القِرْدُ فَلِقُرْبِ شَكْلِ جِسْمِهِ مِنْ جَسَدِ الاءنْسَانِ صَارَتْ نَفْسُهُ تُحَاكِي‌ النَّفْسَ الاءنْسَانِيَّةِ. [12]

 نعم‌ فليس‌ من‌ البعيد علي‌ الغربيّين‌ ـالذين‌ لا يمتلكون‌ فلسفة‌ صائبة‌ ولا كتاباً صحيحاًـ أن‌ يلتزموا بنظريّة‌ تبدّل‌ الانواع‌ وانتهاء نسل‌ الاءنسان‌ إلي‌ القرد، ولكنّ العجب‌ أن‌ يتقبَّل‌ ذلك‌ المسلم‌ الذي‌ قد كان‌ له‌ في‌ البرهان‌ والحكمة‌ أمثال‌ ابن‌ سينا والفارابي‌ّ والملاّ صدرا، والذي‌ ينهي‌ كتابُه‌ المتقن‌ الاصيل‌ بندائه‌ السماوي‌ّ علي‌ الدوام‌ عن‌ متابعة‌ التخمين‌ والحدس‌ والظنّ، وعن‌ القول‌ بغير علم‌ ولا دليل‌ قطـعي‌ّ. فمن‌ العجـب‌ أن‌ يخـسر شخـصيّته‌ وينهار دفعة‌ واحدة‌ إثر أفكار تجربيّة‌ ونظريّات‌ غير ثابتة‌ لم‌يقم‌ الدليل‌ علي‌ صحّتها، فيعتقد بمدرسة‌ التصوّر ويبيع‌ الحقائق‌ بثمن‌ بخس‌، ويحاول‌ بتشـكيل‌ مقدّمات‌ وهميّة‌ الحصـول‌ علي‌ نتيـجة‌ قطـعيّة‌، لانّ ذلك‌ طريق‌ لايسـلكه‌ الحـكماء ولايرتضـيه‌ المتشـرّعون‌ والملتزمون‌ بنهـج‌ القرآن‌ الكريم‌.

 الرجوع الي الفهرس

مطایبه المؤلف أحد القائلین برجوع أصل البشر إلی القرد

 مطايبة‌: كان‌ لي‌ بحث‌ يوماً ما مع‌ أحد القائلين‌ بانتهاء نسل‌ الاءنسان‌ إلي‌ القرد، فجاوز الحدّ في‌ إصراره‌ وإبرامه‌ عقيدته‌، ولم‌ يكن‌ دليله‌ في‌ دعواه‌ غير هذه‌ التصوّرات‌ والاوهام‌ الخياليّة‌ التي‌ تحدّثنا عنها في‌ هذا الكتاب‌، وقد رفضتُ بكلّ قوّة‌ وثبات‌ مقولته‌، وأشرتُ إلي‌ مواضع‌ الخطأ فيها.

 وحصل‌ أن‌ صادفتهُ أيضاً في‌ مجلس‌ آخر، ففاجأته‌ بالقول‌: أيّها السيّد! لقد ثبت‌ عندي‌ أنّ الناس‌ علي‌ صنفَين‌:

 الصنف‌ الاوّل‌: أُولئك‌ الذين‌ هم‌ من‌ بين‌ البشر ظاهراً وباطناً.

 والثاني‌: أُولئك‌ الذين‌ هم‌ من‌ بني‌ البشر ظاهراً، ومن‌ نسل‌ القرود باطناً.

 فردّ قائلاً: لقد كنتم‌ تقولون‌ بخلاف‌ هذا، وتذكرون‌ أنّ الآية‌ الاُولي‌ من‌ سورة‌ النساء صريحة‌ في‌ أنّ جميع‌ أفراد البشر من‌ نسل‌ واحد، وينتهون‌ جميعاً إلي‌ نفس‌ واحد. وزوجها( آدم‌ وحوّاء)!

 أجبتُ: والآن‌ أيضاً عقيدتي‌ كذلك‌، لكنّ إصراركم‌ الزائد علي‌ رجوع‌ نسلكم‌ إلي‌ القرد أوجد شبهة‌ عندي‌، أن‌ تكونوا حقيقة‌ قرداً تلبّس‌ بلباس‌ إنسان‌!

 ضحك‌، وقال‌: يبدو أنّ السيّد يريد الاءنعام‌ عَلَی‌َّ بلقب‌ جديد؟

 أجبتُ: كلاّ، فهذه‌ هي‌ الحقيقة‌ التي‌ اعترفتم‌ وأقررتم‌ بها؛ ولَدَي‌َّ شواهد لاءثبات‌ كلامكم‌ وادّعائكم‌.

 تساءل‌: أي‌ّ شواهد؟!

 قلتُ: الاوّل‌ قاعدة‌: كُلُّ شَي‌ْءٍ يَرْجِعُ إلَي‌ أَصْلِهِ، فلو لم‌يكن‌ أصلكم‌ من‌ القرود، فمن‌ أين‌ لكم‌ هذا التعلّق‌ بالاجداد المحترمين‌؟!

 الثاني‌: وجوب‌ حفظ‌ النسب‌، فحرام‌ في‌ الاءسلام‌ أن‌ ينتمي‌ الرجل‌ إلي‌ غير أبيه‌ ويدّعي‌ نسباً غير نسبه‌. لذا، فقد التزمتم‌ بهذا الامر لحفظ‌ شجرة‌ نسبكم‌.

 الثالث‌: وجوب‌ صلّة‌ الرحم‌. فصلة‌ الرحم‌ واجبة‌ في‌ الاءسلام‌، وقطع‌ الرحم‌ حرام‌، ولقد شاء سيادتكم‌ للصلة‌ مع‌ قرود العالم‌ وعدم‌ قطع‌ الرحم‌ معها أن‌ تحفظوا مراتب‌ الوداد والاتّصال‌ هذه‌.

 هَنِيئاً لَكُمْ وَشَكَّرَ اللَهُ مَسَاعِيَكُمْ. ولا ضير علي‌ هذا إن‌ راجعتم‌ يوماً دائرة‌ الجنسيّة‌ والاحوال‌ المدنيّة‌ وانتخبتم‌ لنفسكم‌ أحد الالقاب‌ المناسبة‌، مثلاً: حفيد القرود، وَلَد النسناس‌، [13] شامبانزي‌ النسب‌....

 ونُنهي‌ الكلام‌ في‌ الردّ علي‌ مقالة‌ « بسط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌ »؛ ومع‌ سعينا الشديد لعدم‌ الاءطالة‌، فإنّ الكلام‌ ـفي‌ عشرة‌ إشكالات‌ أساسيّة‌ علي‌ المقالة‌ المذكـورة‌ـ قد طال‌، ولم‌ يكن‌ من‌ ذلك‌ بدّ، لانّ آثار المقالة‌ شديـدة‌ الخـطورة‌ والضـرر، وكان‌ من‌ الضـروري‌ّ بيان‌ مواضـع‌ الشـبهة‌ والمغالطة‌ والخلط‌، وتجلية‌ الاشتباهات‌ فيها.

 وكانت‌ الإشكالات‌ العـشـرة‌ هي‌ المواضع‌ التي‌ ظهر فيها الخـلط‌ في‌ هذه‌ المقالة‌ جلـيّاً واضحاً، وقد غضـضنا الطـرف‌ ـلضـيق‌ المجـال‌ـ عن‌ الاخطاء والعثرات‌ الاُخري‌ لقلّة‌ أهمّيّتها عمّا ذكرناه‌ من‌ إشكالات‌، ويمكن‌ للمطالعين‌ الاجلاّء مطالعة‌ أصل‌ المقالة‌ التي‌ طُبعت‌ في‌ عددَين‌ [14] ليكتشفوا مواضع‌ الخطأ والمغالطات‌ الاُخري‌.

 الرجوع الي الفهرس

الخاتمة

 سِرُّ منع‌ المعاندين‌ في‌ كلِّ زمان‌، من‌ التعمّق‌ في‌ القرآن‌

  لقد اعتـبرت‌ فريضـة‌ علي‌ نفسـي‌ ـعلي‌ الرغـم‌ من‌ ضعف‌ حالتـي‌ الصحـيّة‌ ومقتضـيات‌ الشـيخـوخة‌، وكثرة‌ الشـواغل‌ العلمـيّة‌ـ إدراج‌ هـذه‌ المطالب‌ مع‌ الابحاث‌ القرآنيّة‌ الحاضرة‌، ليراها الاءخوة‌ الذين‌ يطالعون‌ تلك‌ المقالات‌، فينقذوا القرآن‌ من‌ مظلوميّته‌.

 فلقد طعنت‌ هذه‌ المقالة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، وفي‌ حجّيّته‌، وفي‌ خلوده‌، وطعنت‌ في‌ جميع‌ مقدّسات‌ العالم‌ وحقائقه‌، وتبنّت‌ روح‌ كتابات‌ الشكّاكين‌ والسوفسطائيّين‌ وأتباع‌ هيغل‌، هادفة‌ من‌ وراء ذلك‌ جرّ الشريعة‌ والقرآن‌ إلي‌ الانزواء والعزلة‌. وقد طرحت‌ هذه‌ المقالة‌ مسألة‌ فصل‌ فهم‌ الشريعة‌ عن‌ الشريعة‌ نفسها، بدعوي‌ أنّ الشريعة‌ أمر صامت‌ لايُنال‌، أمّا القابل‌ لنيل‌ البشر ووصولهم‌ فهو فهمنا عن‌ الشريعة‌، ولا نّه‌ يمثّل‌ فهمنا نحن‌ فهو أمر نسـبي‌ّ ومتغـيّر وعابر. وبهذا الترتـيب‌ فإنّ التغـيّر الحاصل‌ في‌العلوم‌ الحديثة‌ سيغـيّر من‌ فهـمنا للشـريعة‌، هذا التغـيّر الذي‌ لايتنافي‌ مع‌ثبات‌ الشـريعة‌، تلك‌ الشـريعة‌ التي‌ تخـتفي‌ كالعـنقاء خلف‌ جبل‌ قاف‌ فلايصل‌ إليها أحد، وكلّما قيل‌ وكُتب‌ عنها فهو بيان‌ لهذا الفهم‌ وليس‌ الشريعة‌ نفسها. فهذا الفصل‌ إنّما هو التزام‌ بهدم‌ الشريعة‌ وإنكار لاصلها، وإنكار للخالق‌، وإنكار للقرآن‌، وإنكار للسنّة‌ المحمّديّة‌.

 ومن‌ الاُمور التي‌ تبعث‌ علي‌ الاسي‌ والاسف‌ الشديد أن‌ يكتب‌ ذلك‌ الرجل‌ الاجنبي‌ّ الزنديق‌ ـسلمان‌ رشدي‌ـ في‌ إنجلترا التي‌ تعتبر مركزاً ضدّ الاسلام‌ كتاباً باسم‌ «الآيات‌ الشيطانيّة‌»، ثمّ تكتب‌ في‌ بلد الاءسلام‌ ومهد التشـيّـع‌ بعد عشـر سنين‌ من‌ الثـورة‌ الاءسلامـيّة‌ العظـيمة‌ مقالة‌ مماثلة‌ لذلك‌ الكـتاب‌، من‌ كاتـب‌ يعـدّ نفـسـه‌ معـلّماً وفيلـسـوفاً ومن‌ أهل‌ التحـقيق‌ والمطالعة‌. [15]

 وقد ذكرتُ هذا لتعلموا أنّ هؤلاء جميعاً يرتوون‌ من‌ نبع‌ واحد؛ أي‌ من‌ جامعات‌ الفلسفة‌ وعلم‌ الاجتماع‌ وأمثالها التي‌ تقام‌ هناك‌، في‌ حين‌ يُصرف‌ شبابنا بتأثير الدعايات‌ الصارخة‌ المزوّرة‌ عن‌ دراسة‌ العلوم‌ الحقّة‌، فيولّون‌ وجوهـهم‌ شـطر الصـوب‌ الآخـر، فينشـأون‌ ويتـربّـون‌ وينهـون‌ دراساتهم‌ في‌ تلك‌ المجتمعات‌، ثمّ تكون‌ النتيجة‌ ظهور ثمرات‌ فجّة‌ كهذه‌. فحين‌ تزاح‌ الفلسفة‌ الاءسلاميّة‌ الاصيلة‌ جانباً فيدرّس‌ بدلها في‌ الجامعات‌ الفلسفة‌ الغربيّة‌، فلن‌ يتوقّع‌ ويُنتظر في‌ النتيجة‌ شي‌ء غير هذا.

 فما معني‌ تعلّم‌ الاءلهيّات‌ من‌ فم‌ الشيطان‌! وما معني‌ تلقّي‌ الفلسفة‌ من‌ أفواه‌ الزنادقة‌؟ لقد كان‌ صدر المتأ لّهين‌ الشيرازي‌ّ يوصي‌ بتعلّم‌ فلسفته‌ وتلقّيها من‌ الافراد النزيهين‌ العابدين‌ المتهجّدين‌. فقارنوا ذلك‌ بالفلسفة‌ التي‌ تدرّس‌ في‌ الجامعات‌ المقتصرة‌ علي‌ الكلام‌ عن‌ كانت‌ و ديكارت‌ و راسل‌ و فرويد وأمثالهم‌. أيصنع‌ هذا الاُسلوب‌ من‌ الطالب‌ موحّداً عارفاً بالله‌؟!

 إنّ احترام‌ القرآن‌ وإكرامه‌ يتمثّل‌ بالبحث‌ والتحقيق‌ والتدقيق‌ فيه‌، وبقراءته‌ وحفظه‌ وتفسيره‌ والتدبّر فيه‌، فالقرآن‌ سيكون‌ إذ ذاك‌ حيّاً، أمّا إذا انصرف‌ طلاّب‌ العلوم‌ عن‌ حفظ‌ القرآن‌ ومزاولته‌ ولم‌ يعدّوا تفسيره‌ والتدبّر فيه‌ من‌ أهمّ الاُمور، فإنّ كتاب‌ الله‌ سيُهجر شيئاً فشيئاً، وسيأخذ الآخذُ كلّ آية‌ منه‌ فيعنونها ويفسّرها بما يشاء فيجعلها وفق‌ مراده‌ وتبع‌ هواه‌، وهو أمر أعظم‌ وأخطر علي‌ القرآن‌ من‌ حرب‌ اليمامة‌ التي‌ فقد فيها المسلمون‌ في‌ دفعهم‌ غائلة‌ مُسَيْلَمَة‌ الكَذَّاب‌ أربعمائة‌ أو سبعمائة‌ من‌ قرّاء القرآن‌، وأوشك‌ كتاب‌ الله‌ ـبذهاب‌ حامليه‌ـ علي‌ الزوال‌ من‌ وجه‌ العالم‌ كلّيّاً.

 الرجوع الي الفهرس

تحریف معنی و مراد القرآن أسوأ من تحریف ظاهره

 لم‌ يملك‌ المتجّددون‌ من‌ ذوي‌ الثقافة‌ الغربيّة‌ الذين‌ باعوا دينهم‌ وضمائرهم‌ القدرة‌ علي‌ إنكار القرآن‌، فذلك‌ ما يخالف‌ مصالحهم‌، لذا فقد عمدوا ـمع‌ تعظيمهم‌ وإجلالهم‌ الظاهري‌ّ له‌ـ إلي‌ إيجاد شبهة‌ وتأويل‌ خاطي‌ له‌، وإلي‌ صرف‌ ظواهر الآيات‌ بلا شاهد ولا دليل‌ عن‌ معانيها، وإلي‌ عرض‌ الاتّجاهات‌ والمدارس‌ الفكريّة‌ الكثيرة‌ مقابل‌ القرآن‌، وعرض‌ الآراء ووجهات‌ النظر الكثيرة‌ مقابل‌ المقولة‌ الاحمديّة‌ والسنّة‌ المحمّديّة‌، سعياً منهم‌ إلي‌ استئصال‌ جذوره‌، أو علي‌ الاقلّ أن‌ يظهروا هذه‌ التحفة‌ السماويّة‌ والكتاب‌ الربّاني‌ّ الذي‌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [16] لدي‌ الدارسين‌ والتلامذة‌ الجدد من‌ ذوي‌ الخبرة‌ القليلة‌، ككتاب‌ واهٍ ضئيل‌ القدر، أو كالتوراة‌ والاءنجيل‌ محرّف‌ غير مصون‌.

 ولو فعلوا لقطعوا الشريان‌ الحيوي‌ّ الاصلي‌ّ للاءنسان‌ المسلم‌، ولمزّقوا وتين‌ قلبه‌، ولاوقعوا بالعقل‌ الاءسلامي‌ّ المفكّر ضربة‌ قاسية‌، ولبقيت‌ تلك‌ البراعم‌ الفتيّة‌ من‌ الدارسين‌ والتلامذة‌ إلي‌ آخر درسهم‌ وتحصيلهم‌، بل‌ إلي‌ آخر عمرهم‌، ينظرون‌ بهـذا المنظار إلي‌ الكتاب‌ الاءلهي‌ّ ويقرنونه‌ بأنياب‌ الاغوال‌ وأساطير الاوّلين‌.

 ويتّضح‌ من‌ سرّ هذا المطلب‌ لماذا كان‌ معاندو القرآن‌ يتعمّدون‌ منع‌ الناس‌ في‌ كلّ زمان‌ من‌ البحث‌ والتدقيق‌ في‌ الحقائق‌ والتفسير والتأويل‌، والتبحّر في‌ شأن‌ نزول‌ الآيات‌ وفي‌ سيرة‌ وسنّة‌ ونهج‌ رسول‌ الله‌ الذي‌ نزل‌ علي‌ صدره‌ القرآن‌، ولماذا كانوا يردعون‌ الناس‌ عن‌ ذلك‌ فلايدعونهم‌ يستفيدون‌ من‌ هذه‌ الموهبة‌ العظيمة‌، أو يفكّرون‌ بالاصالة‌ والتعمّق‌ وبُعد النظر التي‌ يدعو إليها القرآن‌ إلاّ قليلاً.

 فالقرآن‌ يعبر بالاءنسان‌ من‌ العلوم‌ الجزئيّة‌ إلي‌ العلوم‌ الكلّيّة‌ حيث‌ لا اعتبار هناك‌ للمجاز.

 الرجوع الي الفهرس

قیس یعدد لمعاویة فی المدینة فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام

 يروي‌ أبان‌ عن‌ سُلَيم‌ بن‌ قيس‌ الهلالي‌ّ، وعن‌ عمر بن‌ أبي‌ سَلِمَة‌، وحديثهما واحد، أ نّهما قالا:

 قدم‌ معاوية‌ حاجّـاً في‌ خلافـته‌ المديـنة‌ بعـدما قُتِل‌ أميـرالمؤمنـين‌ صلوات‌الله‌ عليه‌ وصالحَ الحسن‌ عليه‌ السلام‌( وفي‌ رواية‌ أُخري‌ وبعدما مات‌ الحسـن‌ عليه‌ السلام‌) فاستقـبله‌ أهل‌ المديـنة‌، فنظر فإذا الذي‌ استقبله‌ من‌ قريش‌ أكثر من‌ الانصار، فسأل‌ عن‌ ذلك‌ فقيل‌: إنّهم‌ محتاجون‌ ليست‌ لهم‌ دوابّ.

 فالتفت‌ معاوية‌ إلي‌ قَيْس‌ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَة‌ فقال‌: يا معشر الانصار! ما لكم‌ لا تستقبلوني‌ مع‌ إخوانكم‌ من‌ قريش‌؟!

 فقال‌ قَيْس‌ ـ وكان‌ سيّد الانصار وابن‌ سيّدهم‌ ـأقعدنا ياأميرالمؤمنين‌ أن‌ لم‌ تكن‌ لنا دوابّ.

 قال‌ مُعاوية‌: فَأَيْنَ النَّوَاضِحُ؟!( الناضح‌: البعير الذي‌ يُستقي‌ عليه‌؛ يعيب‌ معاوية‌ في‌ كلامه‌ علي‌ الانصار بأ نّهم‌ سوقة‌ ضِعاف‌)

 ولم‌ يكن‌ هذا الكلام‌ محـتملاً عند الصـحابي‌ّ الجـليل‌ المجـاهد فـي‌ سبيل‌ الله‌ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، أحد أصحاب‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وشيعته‌ وخاصّته‌، فانبري‌ له‌ وردّ عليه‌ قائلاً:

 أَفْنَيْنَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُـدٍ وَمَا بَعْـدَهُمَا مِنْ مَشَـاهِدِ رَسُـولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ضَرَبْنَاكَ وَأَبَاكَ عَلَی‌ الاءسْـلاَمِ حَتَّي‌ ظَهَرَ أَمْرُ اللَهِ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ.

 قال‌ معاوية‌: اللَهُمَّ غَفْراً!

 قال‌ قيس‌: أَمَا إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَتَرَوْنَ بَعْدِي‌ أَثَرَةً.

 ثمّ قال‌: يا معاوية‌! تعيّرنا بنواضحنا! والله‌ لقد لقيناكم‌ عليها يوم‌ بدر وأنتم‌ جاهدون‌ علي‌ إطفاء نور الله‌ وأن‌ تكون‌ كلمة‌ الشيطان‌ هي‌ العليا، ثمّ دخلتَ أنت‌ وأبوك‌ كرهاً في‌ الاءسلام‌ الذي‌ ضربناكم‌ عليه‌. [17]

 فقال‌ معاوية‌: كأ نّك‌ تمنّ علينا بنصرتك‌ إيّانا؟ فللّه‌ ولقريش‌ بذلك‌ المنّ والطول‌. ألستم‌ تمنّون‌ علينا يا معشر الانصار بنصرتكم‌ رسول‌الله‌ وهو من‌ قريش‌ وهو ابن‌ عمّنا ومنّا؟ فلنا المنّ والطول‌ أن‌ جعلكم‌ الله‌ أنصارنا وأتباعنا فهداكم‌ بنا!

 فقال‌ قيس‌: إنّ الله‌ بعث‌ محمّداً صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ رحمة‌ للعالمين‌ فبعـثه‌ إلي‌ الناس‌ كافّة‌، وإلي‌ الجـنّ والاءنـس‌، والاحمر والاسـود والابيض‌. اختاره‌ لنبوّته‌ واختصّه‌ برسالته‌، فكان‌ أوّل‌ من‌ صدّقه‌ وآمن‌ به‌ ابن‌ عمّه‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌.

 و أبوطالب‌ يذبّ عنه‌ ويمنعه‌ ويحول‌ بينه‌ وبين‌ كفّار قريش‌ وبين‌ أن‌ يردعوه‌ أو يؤذوه‌.

 ثمّ ينقل‌ قيس‌ فضائل‌ ومناقب‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ومشاهده‌، وقصّة‌ آية‌ الاءنذار وقصّة‌ العشيرة‌، ثمّ يصل‌ إلي‌ قول‌ النبي‌ّ الاكرم‌: فقال‌: أَيُّكُمْ يَنْتَدِبُ أَنْ يَكُونَ أَخِي‌ وَوَزِيرِي‌ وَوَصِيِّي‌ وَخَلِفَتِي‌ فِي‌ أُمَّتِي‌ وَوَلِي‌َّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي‌؟!

 فسـكت‌ القوم‌ حتّي‌ أعادها ثلاثاً، فقال‌ علي‌ّ عليه‌ السـلام‌: أَنَا يَا رَسُولَ اللَهِ! صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْكَ.

 فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي‌ حِجْرِهِ وَتَفَلَ فِي‌ فَمِهِ وَقَالَ: اللَهُمَّ امْلاَ جَوْفَهُ عِلْماً وَفَهْماً وَحُكْماً.

 ثُمَّ قَالَ لاِبِي‌ طَالِبٍ: يَا أَبَا طَالِبٍ! اسْمَعِ الآنَ لاِبْنِكَ وَأَطِعْ فَقَدْ جَعَلَهُ اللَهُ مِنْ نَبِيِّهِ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌!

 وآخي‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بين‌ علي‌ّ وبين‌ نفسه‌.

 فلم‌ يدع‌ قيس‌ شيئاً من‌ مناقبه‌ إلاّ ذكرها واحتجّ بها علي‌ معاوية‌ مفحماً له‌، ثمّ أشار إلي‌ جعفر بن‌ أبي‌ طالب‌ الطيّار، وإلي‌ تزويج‌ فاطمة‌ سلام‌الله‌ عليها، ثمّ ذكر ارتحال‌ رسول‌ الله‌ واجتماع‌ الانصار في‌ سقيفة‌ بني‌ ساعدة‌ للبيعة‌ ل سعد بن‌ عبادة‌ وهو أبي‌ قيس‌، فقال‌:

 فَجَاءَتْ قُرَيْـشٌ فَخَاصَمُونَا بِحُـجَّةِ عَلِي‌ّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَلَیْـهِمُ السَّـلاَمُ وَخَاصَمُونَا بِحَقِّهِ وَقَرَابَـتِهِ. فَمَا يَعْـدُوا قُرَيـشٌ أَنْ يَكُونُوا ظَلَمُوا الاَنْصَارَ وَظَلَمُوا آلَ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلاَمُ. وَلَعَمْرِي‌ مَا لاِحَدٍ مِنَ الاَنْصَارِ وَلاَلِقُرَيْشٍ وَلاَ لاِحَدٍ مِنَ العَرَبٍ وَالعَجَمِ فِي‌ الخِلاَفَةِ حَقٌّ مَعَ عَلِي‌ٍّ عَلَیْهِ السَّلاَمُ وَوُلْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

 فغضب‌ معاوية‌ وقال‌: يا بن‌ سعد! عمّن‌ أخذتَ هذا؟ وعمّن‌ رويتَه‌؟ وعمّن‌ سمعتَه‌؟ أبوك‌ أخبرك‌ بذلك‌ وعنه‌ أخذته‌؟

 فقال‌ قيس‌: سمعتُه‌ وأخذتُه‌ ممّن‌ هو خيرٌ من‌ أبي‌ وأعظم‌ عَلَی‌َّ حقّاً من‌ أبي‌.

 قال‌: مَن‌؟!

 قال‌ قيـس‌: عَلِي‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِـبٍ عَلَیْهِ السَّـلاَمُ، عالـم‌ هـذه‌ الاُمَّة‌ وصدِّيقها الذي‌ أنزل‌ الله‌ فيه‌: قُلْ كَفَي‌' بِاللَهِ شَهِيدًا بَيْنِي‌ وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ و عِلْمُ الْكِتَـ'بِ. [18]

 فلم‌ يدع‌( قيس‌) آية‌ نزلت‌ في‌ علي‌ّ إلاّ ذكرها.

 قال‌ معاوية‌: فإنّ صدِّيقها أبو بكر، وفاروقها عمر، والذي‌ عنده‌ علم‌ الكتاب‌ عبد الله‌ بن‌ سلام‌.

 قال‌ قيس‌: أحقّ هذه‌ الاسماء وأولي‌ بها الذي‌ أنزل‌ الله‌ فيه‌:

 أَفَمَن‌ كَانَ عَلَی‌' بَيِّنَةٍ مِّن‌ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ.[19]

 والذي‌ نصبه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بغدير خمّ، فقال‌:

 مَنْ كُنْتُ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِـهِ فَعَلِي‌ٌّ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِـهِ. وفي‌ غـزوة‌ تبوك‌: أَنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إلاَّ أَ نَّهُ لاَ نَبِي‌َّ بَعْدِي‌.

 وكان‌ معاوية‌ يومئذٍ بالمدينة‌، فعند ذلك‌ نادي‌ مناديه‌ وكتب‌ بذلك‌ نسخة‌ إلي‌ عمّاله‌: ألا بَرِأت‌ الذمّة‌ ممّن‌ روي‌ حديثاً في‌ مناقب‌ علي‌ّ وأهل‌ بيته‌. وقامت‌ الخطباء في‌ كلّ كورة‌ ومكان‌ علي‌ المنابر بلعن‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ والبراءة‌ منه‌ والوقيعة‌ في‌ أهل‌ بيته‌ عليهم‌ السلام‌ واللعنة‌ لهم‌ بما ليس‌ فيهم‌ عليهم‌ السلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

احتجاج ابن عباس علی معاویة فی أمر حجیة القرآن

 ثمّ إنّ معاوية‌ مرّ بحلقة‌ من‌ قريش‌ فلمّا رأوه‌ قاموا إليه‌ غير عبدالله‌ ابن‌ عبّاس‌، فقال‌ له‌: يا بن‌ عبّاس‌! ما منعك‌ من‌ القيام‌ كما قام‌ أصحابك‌ إلاّ لموجدة‌ عَلَی‌َّ بقتالي‌ إيّاكم‌ يوم‌ صفّين‌؟ يابن‌ عبّاس‌! إنّ ابن‌ عمّي‌ عثمان‌ قتل‌ مظلوماً.

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: فعمر بن‌ الخطّاب‌ قد قُتل‌ مظلوماً،[20] فسلّم‌ الامر إلي‌ ولده‌؛ وهذا ابنه‌!

 قال‌ معاوية‌: إنّ عمر قتله‌ مشرك‌. قال‌ ابن‌ عبّاس‌: فمن‌ قتل‌ عثمان‌؟

 قال‌: قتله‌ المسلمون‌. قال‌: فذلك‌ أدحض‌ لحجّتك‌ وأحلّ لدمه‌، إن‌ كان‌ المسلمون‌ قتلوه‌ وخذلوه‌ فليس‌ إلاّ بحقّ.

 قال‌ معاوية‌: فإنّا كتبنا في‌ الآفاق‌ ننهي‌ عن‌ ذكر مناقب‌ علي‌ّ وأهل‌ بيته‌، فكفّ لسانك‌ يابن‌ عبّاس‌ واربع‌ علي‌ نفسك‌.

 فقال‌ ابن‌ عبّاس‌: فتنهانا عن‌ قراءة‌ القرآن‌؟! قال‌: لا.

 فقال‌ ابن‌ عبّاس‌: فتنهانا عن‌ تأويله‌ وتفسيره‌؟! قال‌: نعم‌.

 فقال‌ ابن‌ عبّاس‌: فنقرأه‌ ولا نسأل‌ عمّا عني‌ الله‌ به‌؟! قال‌: نعم‌.

 فقال‌ ابن‌ عبّاس‌: فأيّما أوجب‌ علينا قراءته‌ أو العمل‌ به‌؟ قال‌: العمل‌ به‌.

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: فكيف‌ نعمل‌ به‌ حتّي‌ نعلم‌ ما عني‌ الله‌ بما أنزل‌ علينا؟! قال‌: سَلْ عن‌ ذلك‌ من‌ يتأوّله‌ علي‌ غير ما تتأوّله‌ أنت‌ وأهل‌ بيتك‌.

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: إنّما أُنـزل‌ القرآن‌ علي‌ أهل‌ بيـتي‌، فأسـأل‌ عنه‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌ وآل‌ أبي‌ معيط‌ واليهود والنصاري‌ والمجوس‌؟! قال‌ معاوية‌: فقد عدلتنا بهم‌؟

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: ما أعدلك‌ بهم‌ إلاّ إذا نهيتَ الاُمّة‌ أن‌ يعبدوا الله‌ بالقرآن‌ وبما فيه‌ من‌ أمر ونهي‌، أو حلال‌ أو حرام‌، أو ناسخ‌ أو منسوخ‌، أو عامّ أو خاصّ، أو محكم‌، أو متشابه‌، وإن‌ لم‌ تسأل‌ الاُمّة‌ عن‌ ذلك‌ هلكوا واختلفوا وتاهوا.

 قال‌ معاوية‌: فاقرأوا القرآن‌ ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل‌ الله‌ فيكم‌ وما قال‌ رسول‌ الله‌ وارووا ما سوي‌ ذلك‌.

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: قال‌ الله‌ تعالي‌ في‌ القرآن‌:

 يُرِيدُونَ أَن‌ يُطْفِـُوا نُورَ اللَهِ بِأَفْوَ ' هِهِمْ وَيَأْبَي‌ اللَهُ إِلآ أَن‌ يُتِمَّ نُورَهُ و وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ. [21]

 قال‌ معاوية‌: يا بن‌ عبّاس‌! اكفني‌ نفسك‌ وكفّ عنّي‌ لسانك‌، وإن‌ كنتَ فاعلاً فليكن‌ سرّاً ولا تُسمعه‌ أحداً علانية‌.

 ثمّ رجع‌ إلي‌ منزله‌ فبعث‌ إليه‌ بخمسين‌ ألف‌ درهم‌.( وفي‌ رواية‌ أُخري‌ مائة‌ ألف‌ درهم‌).

 ثمّ اشتدّ البلاء بالامصار كلّها علي‌ شيعة‌ علي‌ّ وأهل‌ بيته‌ عليهم‌ السلام‌، وكان‌ أشدّ الناس‌ بليّة‌ أهل‌ الكوفة‌ لكثرة‌ من‌ بها من‌ الشيعة‌.

 واستعمل‌ عليها زياداً، ضمّها إليه‌ مع‌ البصرة‌ وجمع‌ له‌ العراقَين‌. وكان‌ يتبع‌ الشيعة‌ وهو بهم‌ عالم‌، لا نّه‌ كان‌ منهم‌ قد عرفهم‌ وسمع‌ كلامهم‌ أوّل‌ شي‌ء، فقتـلهـم‌ تحـت‌ كلّ كـوكـب‌ وتحت‌ حجـر ومـدر، وأجـلاهم‌ وأخافهم‌، وقطع‌ الايدي‌ والارجل‌ منهم‌، وصلبهم‌ علي‌ جذوع‌ النخل‌، وسمل‌ أعينهم‌ وطردهم‌ وشرّدهم‌.

 حتّي‌ انتزعوا عن‌ العراق‌ فلم‌ يبقَ بها أحد منهم‌ إلاّ مقتول‌ أو مصلوب‌ أو طريد أو هارب‌. [22]

 ولقد استمرّ لعن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ علي‌ المنابر وفي‌ الخطب‌ ما يقرب‌ من‌ خمسين‌ سنة‌، حتّي‌ صدر أمر بتركه‌ سنة‌ 99 هجريّة‌ في‌ خلافة‌ عمر بن‌ عبد العزيز.

 ولقد سوّدت‌ فجائع‌ بني‌ أُميّة‌ صفحات‌ التأريخ‌، وكانوا في‌ الحقيقة‌ شياطين‌ وقفوا في‌ وجه‌ نور الحقيقة‌ النبويّة‌ وسرّ الولاية‌ العلويّة‌، ولو طالعنا أساليبهم‌ وتأمّلنا في‌ حالاتهم‌ لتجلّي‌ أمامنا مفاد الآية‌ الكريمة‌:

 وَكَذَ ' لِكَ جَعَـلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْـرِمِينَ وَكَفَي‌' بِرَبِّـكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا. [23]

 وهكذا فقد استمرّت‌ محاربة‌ القرآن‌ من‌ بدء نزوله‌ حتّي‌ يومنا هذا، واتّخذت‌ كلّ يوم‌ شكلاً خاصّاً ونهجاً جديداً؛ ولم‌ يكن‌ لحروب‌ الكفّار والمشركين‌ من‌ قريش‌ وغيرها مع‌ رسول‌ الله‌ من‌ هدف‌ غير القضاء علي‌ القرآن‌ ومنعه‌ من‌ التربّع‌ علي‌ منصّة‌ الهداية‌.

 الرجوع الي الفهرس

بنو أمیة سعوا جاهدین فی اقتلاع جذور القرآن

 ولو قسّمنا الغزوات‌ السبعين‌ التي‌ حصلت‌ خلال‌ إقامة‌ رسول‌ الله‌ في‌ المدينة‌ علي‌ زمن‌ إقامته‌ فيها لشاهدنا أنّ الرسول‌ الاكرم‌ كان‌ مُجبراً علي‌ الخـروج‌ للحـرب‌ بمعدّل‌ مرّة‌ واحدة‌ كلّ شـهرين‌ دفاعاً عن‌ القرآن‌ وصوناً له‌. ثمّ اتّخذ الدفاع‌ عن‌ القرآن‌ في‌ زمن‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ شكلاً ونهجاً آخر، فقد جسّد معاوية‌ في‌ سلوكه‌ الخبث‌ والفساد والانحطاط‌، وأظهر نوايا أبيه‌ أبي‌ سفيان‌ الذي‌ أورد المصائب‌ والويلات‌ علي‌ المسلمين‌ في‌ حروب‌ بدر وأُحد والاحزاب‌ وغيرها بلباس‌ آخر فنفّذها بحذافيرها.

 كانت‌ أهداف‌ معاوية‌ هدم‌ أركان‌ الاءسلام‌ وهدم‌ القرآن‌ تحت‌ لواء الاءسلام‌ وباسم‌ القرآن‌، وهذه‌ السيرة‌ كانت‌ أكثر عمقاً وأكبر أثراً من‌ حروب‌ أبيه‌( أبي‌ سفيان‌).

 هذا المجرم‌ والشيطان‌ المحتال‌ الماكر ذو الدسائس‌ الذي‌ رأيناه‌ يردّ علي‌ قول‌ قيس‌ بن‌ سعد « ضربناك‌ وأباك‌ علي‌ الاءسلام‌ حتّي‌ ظهر أمرالله‌ وأنتم‌ كارهون‌ » بقوله‌: اللَهُمَّ غَفْراً! فيصبح‌ عارفاً بالله‌ طالباً غفرانه‌. وفي‌ الوقت‌ الذي‌ يتخاذل‌ أمام‌ احتجاج‌ ابن‌ عبّاس‌ واستدلاله‌ المتين‌ في‌ حقّانيّة‌ مظلوميّة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ و غصْبه‌ للخلافة‌، فيصدر أمراً بلعنه‌ وسبّه‌ ويكتب‌ بذلك‌ إلي‌ البلدان‌، نراه‌ يرجع‌ إلي‌ بيته‌ بعد هذا الكلام‌ فيبعث‌ إلي‌ ابن‌عبّاس‌ خمسين‌ ألف‌ درهم‌ ثمناً لسكوته‌؛ ثمّ يكتب‌ إلي‌ البلدان‌ ـتبعاً لسـيرة‌ عمر وسنّته‌ـ أن‌ يقرأوا القرآن‌ ولا يفسّـروه‌، وأن‌ لايرووا من‌ النبي‌ّ حديثاً. فهو الآخر قد حارب‌ القرآن‌ وتصدّي‌ له‌.

 إنّ الروايات‌ والاحاديث‌ الواردة‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ في‌ تفسير القرآن‌ هي‌ حقيقة‌ القرآن‌، ولقد كان‌ أُولئك‌ واقفين‌ علي‌ أنّ أحاديث‌ رسول‌الله‌ سـتفضـح‌ جنايتـهم‌ وخيانتـهم‌ علي‌ رؤوس‌ الاشـهاد، فكان‌ أن‌ منعـوا مـن‌ الحديث‌ والرواية‌.

 لقد كانوا يقرؤون‌ القرآن‌ ولكن‌ بلا معني‌ ولا محـتوي‌، وبلافهـم‌ ولادراية‌، فعرش‌ حكومتـهم‌ لم‌ يكن‌ ليسـتقرّ مع‌ الفـهم‌ والدراية‌. ولانّ القرآن‌ هو كتاب‌ العلم‌ والتعقّل‌، فإنّ الامر بعدم‌ تفسيره‌ وشرح‌ معانيه‌ في‌ جميع‌ الموارد كان‌ أمراً بهدمه‌ وإلغائه‌.

 لكنّ الله‌ سبحانه‌ وعد بحفظ‌ قرآنه‌ وصونه‌ عن‌ التحريف‌ الظاهري‌ّ والباطني‌ّ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ و لَحَـ'فِظُونَ. [24]

 مصطفي‌ را وعده‌ داد ألطاف‌ حقّ         گر بميري‌ تو نميرد اين‌ سَبَق‌ [25]

 من‌ كتاب‌ و معجزت‌ را خافضم‌         [26] بيش‌ و كم‌ كن‌ را ز قرآن‌ رافضم‌

 من‌ تو را اندر دو عالم‌ رافعم  ‌         طاغيان‌ را از حديثت‌ دافعم‌

 كس‌ نتاند بيش‌ و كم‌ كردن‌ در او         تو به‌ از من‌ حافظي‌ ديگر مجو

 رونقت‌ را روز روز افزون‌ كنم          ‌ نام‌ تو بر زرّ و بر نقره‌ زنم‌

 منبر و محراب‌ سازم‌ بهر تو         در محبّت‌ قهر من‌ شد قهر تو

 نام‌ تو از ترس‌ پنهان‌ مي‌برند         چون‌ نماز آرند پنهان‌ بگذرند

 خُفيه‌ مي‌گويند نامت‌ را كنون        ‌ خُفيه‌ هم‌ بانگ‌ نماز اي‌ ذو فنون‌

 از هراس‌ و ترس‌ كفّار لعين        ‌ دينت‌ پنهان‌ مي‌شود زير زمين‌

 من‌ مناره‌ بر كنم‌ آفاق‌ را         كور گردانم‌ دو چشم‌ عاق‌ را

 چاكرانت‌ شهرها گيرند وجاه‌         دين‌ تو گيرد ز ماهي‌ تا به‌ ماه‌

 تا قيامت‌ باقيش‌ داريم‌ ما         تو مترس‌ از نسخ‌ دين‌ اي‌ مصطفي‌

 اي‌ رسول‌ ما تو جادو نيستي‌         صادقي‌، هم‌ خرقة‌ موسيستي‌

 هست‌قرآن‌ مر تو را همچون‌         عصا كفرها را در كشد چون‌ اژدها

 تو اگر در زير خاكي‌ خفته‌اي          ‌ چون‌ عصايش‌ دان‌ تو آنچه‌ گفته‌اي‌

 گر چه‌ باشي‌ خفته‌ تو در زير خاك      ‌ چون‌ عصا آگه‌ بود آن‌ گفت‌ پاك‌ [27]

 الرجوع الي الفهرس

یضع الله أمام کل نبی عقبات و مصاعب تعترض وصوله الی غایته

 وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن‌ قَبْلِكَ مِن‌ رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلآ إِذَا تَمَنَّي‌'´ أَلْقَي‌ الشَّيْطَـ'نُ فِي‌´ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَهُ مَا يُلْقِي‌ الشَّيْطَـ'نُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَهُ ءَايَ'تِهِ وَاللَهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي‌ الشَّيْطَـ'نُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي‌ قُلُوبِهِم‌ مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّـ'لِمِينَ لَفِي‌ شِقَاقٍ بَعِـيدٍ * وَلِيَعْـلَمَ الَّذِينَ أُوتُـوا الْعِلْمَ أَ نَّهُ الْحَقُّ مِن‌ رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ و قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِلَي‌' صِرَ ' طٍ مُّسْـتَقِيـمٍ * وَلاَ يَزَالُ الَّذِيـنَ كَفَـرُوا فِي‌ مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّي‌' تَأْتِيَـهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ. [28]

 فهذه‌ الآيات‌ صريحة‌ في‌ خلود القرآن‌ الكريم‌، وأبديّة‌ الولاية‌، أي‌ حرّاسه‌ والقائمون‌ علي‌ صيانته‌، ولقد استمرّت‌ أعمال‌ المواجهة‌ والدسائس‌ علي‌ مقصود رسول‌ الله‌ وهدفه‌، وعلي‌ قوانين‌ القرآن‌ وأحكامه‌، لكنّ نور الله‌ غالب‌ قاهر،و هو سبحانه‌ لا يُخلف‌ وعده‌؛ فينهض‌ مثل‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ ليهدم‌ بنهضته‌ العظيمة‌ الباهرة‌ للعقول‌ عرش‌ يزيد المستكبر، ويُخمد إلي‌ الابد نعراته‌ الانانيّة‌. ولقد جسّد الحسين‌ عليه‌ السلام‌ الاُنموذج‌ الحي‌ّ والمثال‌ الجلي‌ّ لهدف‌ جدّه‌ رسول‌ الله‌ وأبيه‌ علي‌ّ المرتضي‌ وأُ مّه‌ فاطمة‌ الزهراء وأخيه‌ الحسن‌ المجتبي‌ في‌ بُيوتٍ: أَذِنَ اللَهُ أَن‌ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ و يُسَـبِّحُ لَهُ و فِيهَا بِالْغُـدُوِّ وَالاْصَـالِ * رِجَـالٌ لاَّ تُلْهِيـهِمْ تِجَـ'رَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن‌ ذِكْرِ اللَهِ وَإِقَامِ الصَّلَو'ةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَو'ةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَـ'رُ. [29]

 الرجوع الي الفهرس

حکومة یزید استبداد محض، و هادفة لهدم القرآن

 يقابله‌ في‌ الجانب‌ الآخر يزيد اللعين‌ مثال‌ الغرور والانانيّة‌ والتكبّر والتمرّد، بقدرته‌ الجهنّميّة‌ والشيطانيّة‌ التي‌ أخضعت‌ الشرق‌ والغرب‌،[30] يزيد المعلن‌ لشرب‌ الخمور، الساهر ليله‌ في‌ مجالس‌ الخمر والسكر مع‌ المغنيّات‌، الناكح‌ للمحارم‌، اللاعب‌ بالقرود؛ ولم‌ يكن‌ ليفعل‌ هذا لوحده‌، بل‌ إنّ شرب‌ الخمر والسكر والتغنّي‌ صار رائجاً في‌ عهده‌، حتّي‌ كان‌ عمّاله‌ في‌ الحرمَين‌ الشريفَين‌ مكّة‌ والمدينة‌ يتجاهرون‌ بشرب‌ الخـمر ويعقدون‌ مجالـس‌ اللهو واللعب‌ علي‌ مرأي‌ من‌ المسـلمين‌ ومسـمع‌. وكان‌ خراج‌ المسلمين‌ والضرائب‌ المستحصلة‌ منهم‌ يُصرف‌ في‌ هذه‌ المطامع‌، في‌ حين‌ ساد الفقر والفاقة‌ بين‌ الضعفاء والمساكين‌ فغلب‌ عليهم‌، حتّي‌ لم‌ يبقَ لهم‌ ما يستروا به‌ عوراتهم‌، ولا ما يبلغوا به‌ كفافهم‌ ويسدّوا به‌ رمقهم‌.

للّه‌ الحمد وله‌ الشكر  أن‌ يصل‌ هذا    الكتاب‌ ، وهو  « نظرة‌ علي‌ مقالة‌ بسط‌ وقبض‌ نظريّة‌ الشريعة‌  للدكتور عبد الكريم‌ سروش‌ »  من‌ القسم‌ السادس‌ لدورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الاءسلاميّة‌ دون‌ أي‌ّ تغيير أساسي‌ّ عمّا جاء في‌ الجزء الثاني‌ من‌ كتاب‌  «نور ملكوت‌ القرآن‌»  ، وتمّ ختامه‌ بحمد الله‌ ومنّه‌ علي‌ يد الفقير السيّد محمّد الحسين‌ الحسيني‌ّ الطهراني‌ّ غَفَرَ اللَهُ ذُنُوبَهُ وَوَفَّقَهُ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ في‌ يوم‌ الجمعة‌ ، الرابع‌ عشر من‌ شهر محرّم‌ الحرام‌، في‌ سنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ وخمسة‌ عشر من‌ الهجرة‌ النبويّة‌ علي‌ مهاجرها    آلافُ التحيّةِ والاءكرام‌ ، في‌ المدينة‌ المقدّسة‌ للمشهد الرضوي‌ّ علي‌ ثاويه‌ آلافُ التحيّة‌ والاءكرام‌.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَي‌ المُّصْطَفَي‌ مُحَمَّدٍ ، والمُرْتَضَي‌ عَلِي‌ٍّ ، وَالبَتُولِ فَاطِمَةَ، وَالسِّبْطَينِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ؛ وَعَلَي‌ زَيْنِ العَابِدِينَ عَلِي‌ٍّ ، والبَاقِرِ مُحَمَّدٍ، وَالصَّادِقِ جَعْفَرٍ ، وَالكَاظِمِ مُوسَي‌ ، وَالرِّضَا عَلِي‌ٍّ ، وَالتَّقِي‌ِّ مُحَمَّدٍ، وَالنَّقِي‌ِّ عَلِي‌ٍّ ، وَالزَّكِي‌ِّ العَسْكَرِي‌ِّ الحَسَنِ ، وَصَلِّ عَلَي‌ الهَادِي‌ المَهْدِي‌ِّ، صَاحِبِ الزَّمَانِ ، وَخَلِيفَةِ الرَّحْمَنِ ، وَقَاطِعِ البُرْهَانِ ، وَإمَامِ الإنْسِ وَالجَانِّ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. 

الرجوع الي الفهرس

 

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الارجاعات:


[1] ـ مجّـلة‌ «كيهان‌ فرهنـگي‌» العـدد 52، تير ماه‌ 1367 ش‌. ق‌، رقم‌ 4، مقالة‌ «بسـط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌» للدكتور عبد الكريم‌ سروش‌، ص‌ 17، العمودان‌ الثاني‌ والثالث‌.

 [2] ـ الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 24: النور.

 [3] ـ الآية‌ 38، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

 [4] ـ الكوليرا وباء يصيب‌ بعض‌ المناطق‌ الحارّة‌، ولا يسبّب‌ موت‌ المصاب‌، بل‌ يسبّب‌ القي‌ء والاءسهال‌، ويكثر في‌ مناطق‌ إفريقيا.

 [5] ـ «نقد فلسفة‌ داروين‌»(= نقد فلسفة‌ داروين‌) لابن‌ المجد الشيخ‌ محمّد رضا الاءصفهاني‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 51 و 52، طبعة‌ 1331 هق‌.

 [6] ـ قِرْد بكسر القاف‌ وسكون‌ الراء، وجمعه‌ قِرَدَة‌ بكسر القاف‌ وفتح‌ الراء المهملة‌، يجمع‌ أيضاً قُرُود، و قِرْدَة‌ بكسر القاف‌ وسكون‌ الراء، وجمعها قِرْد. انظر(«حياة‌ الحيوان‌» للدميري‌ّ).

 [7] ـ «بحار الانوار» للعلاّمة‌ المجلسي‌ّ، كتاب‌ السماء والعالم‌، ج‌ 14، ص‌ 666 و 667، طبعة‌ الكمباني‌ّ؛ وفي‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌(الحديثة‌): ج‌ 64، ص‌ 59.

 [8] ـ ذكر المسعودي‌ّ في‌ «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 3، ص‌ 67 و 68، طبعة‌ دار الاندلس‌، أنّ كنية‌ قرد يزيد أبا قيس‌، ونسب‌ هذين‌ البيتين‌ إلي‌ بعض‌ شعراء الشام‌، يقول‌:

 وغلب‌ علي‌ أصحاب‌ يزيد وعمّاله‌ ما كان‌ يفعله‌ من‌ الفسوق‌، وفي‌ أيّامه‌ ظهر الغناء بمكّة‌ والمدينة‌، واستعملت‌ الملاهي‌، وأظهر الناس‌ شرب‌ الشراب‌، وكان‌ له‌ قرد يكنّي‌ بأبي‌ قيس‌ يحضره‌ مجلس‌ منادمته‌ ويطرح‌ له‌ متّكأ، وكان‌ قرداً خبيثاً، وكان‌ يحمله‌ علي‌ أتان‌ وحشيّة‌ قد ريضت‌ وذلّلت‌ بسرج‌ ولجام‌ ويسابق‌ بها الخيل‌ يوم‌ الحلبة‌، فجاء في‌ بعض‌ الايّام‌ سابقاً فتناول‌ القصبة‌ ودخل‌ الحجرة‌(حجرة‌ يزيد) قبل‌ الخيل‌، وعلي‌ أبي‌ قيس‌ قباء من‌ الحرير الاحمر والاصفر مشمّر، وعلي‌ رأسه‌ قلنسوة‌ من‌ الحرير ذات‌ ألوان‌ بشقائق‌، وعلي‌ الاتان‌ سرج‌ من‌ الحرير الاحمر منقوش‌ ملمّع‌ بأنواع‌ من‌ الالوان‌، فقال‌ في‌ ذلك‌ بعض‌ شعراء الشام‌ في‌ ذلك‌ اليوم‌:

 تَمَسَّكْ أَبَا قَيْسٍ بِفَضْلِ عِنَانِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهَا إنْ سَقَطَتْ ضَمَانُ

 أَلاَ مَنْ رَأَي‌ القِرْدَ الَّذِي‌ سَبَقَتْ بِهِ جِيَادَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ أَتَانُ؟

 [9] ـ هذه‌ الرواية‌ سندها ضعيف‌؛ ويمكن‌ علي‌ تقدير صحّتها أن‌ يكون‌ سجود النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ لعظمة‌ مقام‌ الاءنسان‌ عند الله‌ سبحانه‌ مع‌ إمكانه‌ أن‌ يخلقه‌ كالقرد قبيح‌ المنظر وخبيث‌ الاخلاق‌، لكنّه‌ تعالي‌ خلقه‌ إنساناً وشرّفه‌ بشرف‌ تكليف‌ وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاْسْمَآءَ كُلَّهَا. ووهبه‌ العقل‌ وجعله‌ خليفته‌.

 [10] ـ جاء في‌ «أقرب‌ الموارد» أنّ الدَّقَل‌ هو خشبة‌ طويلة‌ تنصب‌ في‌ وسط‌ السفينة‌ يُشدّ بها الشراع‌.

 [11] ـ «حياة‌ الحيوان‌» للدميري‌ّ، مادّة‌ قرد، انظر: ج‌ 2 ص‌ 200 إلي‌ 202، طبعة‌ مصر.

 [12] ـ «نقد فلسفة‌ داروين‌» بالفارسيّة‌، ج‌ 1، ص‌ 54.

 [13] ـ في‌ «أقرب‌ الموارد» مادّة‌ نَسْنَسَ: النَّسْنَاس‌، من‌ معانيه‌: نوع‌ من‌ القرود.

 [14] ـ مجّلة‌ «كيهان‌ فرهنگي‌» العددان‌ 50 و 52، أُرديبهشت‌ 1367 ش‌. ق‌، رقم‌ 2، ص‌ 12 إلي‌ 18؛ وتير ماه‌ 1367 ش‌. ق‌، رقم‌ 4، ص‌ 12 إلي‌ 18، مقالة‌ «بسط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌»، نظريّة‌ «تكامل‌ معرفت‌ ديني‌».

 [15] ـ سقط‌ هذا المقطع‌ من‌ الجزء الثاني‌ من‌ كتاب‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌» ـ النسخة‌ الفارسيّة‌، أثناء إخراج‌ الكتاب‌ قبل‌ تهيئته‌ للطبع‌.

 [16] ـ الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌.

 [17] ـ ينقل‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ كتاب‌ «شيخ‌ المضيرة‌، أبو هريرة‌ الدوسي‌ّ» ص‌ 172، الطبعة‌ الثانية‌، نظير هذا السؤال‌ والاءجابة‌ عن‌ معاوية‌ وأبي‌ قتادة‌ الانصاري‌ّ، عن‌ «الاستـيعاب‌» ج‌ 1، ص‌ 161، طبعة‌ الهـند، بأ نّه‌ لمّا قـدم‌ معاوية‌ المـديـنة‌ لقـيهُ أبو قـتادة‌ الانصاري‌ّ، فقال‌ له‌ معاوية‌: تلقّاني‌ الناس‌ كلّهم‌ غيركم‌ معشر الانصار، ما منعكم‌؟ قال‌: لم‌يكن‌ معنا دوابّ. فقال‌ معاوية‌: أَيْنَ النَّوَاضِحُ؟! قال‌ أبو قتادة‌: عَقَرْنَاهَا فِي‌ طَلَبِكَ وَطَلَبِ أَبِيكَ يَومَ بَدْرٍ! قال‌: نَعَمْ يَا أَبَا قَتَادَة‌.

 وممّا قاله‌ أبو قتادة‌ لمعاوية‌ يومئذٍ: إنّ رسول‌ الله‌ قال‌ لنا: إنَّا سَنَرَي‌ بَعْدَهُ أَثَرَةً. قال‌ معاوية‌: فَمَا أَمَرَكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قال‌: أَمَرَنَا بِالصَّبْر. قال‌: اصْبِرُوا حَتَّي‌ تَلْقَوْهُ!

 [18] ـ ذيل‌ آلآية‌ 43، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

 [19] ـ صدر الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 11: هود.

 [20] ـ جاء في‌ هامش‌ «كتاب‌ سُليم‌»: إنّما قال‌ ابن‌ عبّاس‌ هذا الكلام‌ ليحجّ به‌ معاوية‌ الذي‌ يعتقد أن‌ عمر قُتل‌ مظلوماً، وإلاّ فليس‌ من‌ رأي‌ ابن‌ عبّاس‌ ذلك‌.

 [21] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

 [22] ـ هذه‌ الرواية‌ مرويّة‌ في‌ «كتاب‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌ الهلالي‌ّ» أحد أعيان‌ الشيعة‌ الثقات‌، والمـؤرّخ‌ الامين‌ الذي‌ يروي‌ عن‌ سلمان‌ وأبي‌ ذرّ وبعض‌ الاصحاب‌ الآخـرين‌. أدرك‌ الاءمام‌ زين‌العابدين‌ عليه‌ السلام‌، وتوفّي‌ سنة‌ 90 هجريّة‌ خائفاً هارباً. وهي‌ مرويّة‌ في‌ كتابه‌، ص‌ 199 إلي‌ 204. وقد نقلها عنه‌ علماء كثيرون‌، كالعلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار»؛ والشـيخ‌ سليمان‌ القنـدوزي‌ّ في‌ «ينابـيـع‌ المـودّة‌» باب‌ 30، ص‌ 104، الطـبعة‌ الاُولـي‌، إسلامبول‌؛ والمحدّث‌ القمّي‌ّ في‌ «منتهي‌ الآمال‌» ج‌ 1، ص‌ 172.

 يقول‌ الاءمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بشأن‌ «كتاب‌ سُليم‌»: مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ شِيعَتِنَا وَمُحِبِّينَا كِتَابُ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الهِلاَلِي‌ِّ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِنَا شَي‌ءٌ وَلاَ يَعْلَمُ مِنْ أَسْبَابِنَا شَيْئَاً وَهُوَ أَبْجَدُ الشِّيْعَةِ؛ وَهوَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.(مقدّمة‌ «كتاب‌ سُليم‌» ص‌ 11، عن‌ «البحار»، و« سفينة‌ البحار » ج‌ 1، ص‌ 651، الطبعة‌ الحجريّة‌).

 [23] ـ الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

 [24] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

 [25] ـ كتاب‌ تعليم‌ الاطفال‌.

 [26] ـ الخفض‌: عمود الخباء، أي‌ أ نّني‌ أصون‌ كتابي‌ ومعجزاتي‌ بأن‌ أجعل‌ لها ما يُقيمها كما يقيم‌ الخيمةَ عمودُها.

 [27] ـ «مثنوي‌» للرومي‌ّ، ج‌ 3 ص‌ 223، طبعة‌ الميرزا المحمودي‌ّ؛ وفي‌ طبعة‌ الميرخاني‌ّ: ص‌ 231 و 232.

 يقول‌: «لقد وعد الحقّ بلطفه‌ مصطفاه‌، إنّ كتاب‌ الهداية‌ هذا لن‌ يموت‌ بموتك‌.

 فأنا الحامي‌ للكتاب‌ والمعجزات‌ من‌ أن‌ تنالها يد الزيادة‌ والنقصان‌.

 وأنا رافعك‌ في‌ العالمَين‌، وصارفٌ عن‌ حديثك‌ الطغاة‌.

 فسيقصرون‌ عن‌ الزيادة‌ فيه‌ أو النقصان‌، فلا تبغِ منّي‌ بعد هذا حافظاً.

 وسأزيد شهرتك‌ يوماً بعد آخر، وأكتب‌ اسمك‌ علي‌ الذهب‌ والفضّة‌.

 ولقد جعلت‌ المنبر والمحراب‌ لاجلك‌، ففي‌ المحبّة‌ صار قهري‌ قهرك‌.

 فهم‌ يهمسون‌ باسمك‌ خوفاً، وإن‌ صلّوا صلّوا متستّرين‌ متكتّمين‌.

 وهم‌ الآن‌ يهمسون‌ باسمك‌ همساً، ويؤذّنون‌ للصلاة‌ خفية‌.

 فدينك‌ من‌ خوف‌ الكفّار اللعناء، تستّر تحت‌ الارض‌ واختفي‌.

 لكنّي‌ سأطبق‌ الآفاق‌ منائراً برغم‌ أنف‌ عدوّك‌ العاصي‌.

 وسيفتح‌ أتباعك‌ المدن‌ وينالون‌ الجاه‌ والسلطة‌، وسينتشر دينك‌ من‌ بلد إلي‌ بلد.

 فسنحفظه‌ قائماً إلي‌ يوم‌ القيامة‌، فلا تخف‌ من‌ نسخه‌ أيّها المصطفي‌.

 يا رسولنا! لست‌ بساحر كما يزعمون‌، بل‌ صادق‌ أنت‌ كموسي‌.

 والقرآن‌ لديك‌ كعصاه‌، يلقف‌ الكفر كما يفعل‌ الثعبان‌ المبين‌.

 وإن‌ أنت‌ رقدت‌ تحت‌ التراب‌، فاعلم‌ أنّ كلماتك‌ معجزة‌ باقية‌ كعصاه‌.

 ومهما غفوت‌ أنت‌ تحت‌ التراب‌، فكلامك‌ المطهّر يقظ‌ كعصا موسي‌».

 [28] ـ الآيات‌ 52 إلي‌ 55، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

 [29] ـ الآيتان‌ 36 و 37، من‌ السورة‌ 24: النور.

 [30] ـ يقول‌ المسنشار عبد الحليم‌ الجندي‌ّ ـوهو من‌ أركان‌ المجلس‌ الاعلي‌ للشؤون‌ الاءسلاميّة‌ في‌ مصرـ في‌ كتابه‌ النفيس‌ « الاءمام‌ جعفر الصادق‌ » ص‌ 52: أنهي‌ يزيد سنوات‌ حكمه‌ بتجريد جيش‌ علي‌ المدينة‌ يسفك‌ دمها، وينتهك‌ حرمها، في‌ وقعة‌ الحرّة‌ سنة‌ 63 ليقتل‌ فيها ثمانين‌ من‌ صحابة‌ الرسول‌، فلم‌ يبق‌ بعدهم‌ علي‌ ظهر الارض‌ بدري‌ٌّ واحد! وقتل‌ من‌ قريش‌ والانصار ثمانمائة‌! ومن‌ الموالي‌ والتابعين‌ وسائر الناس‌ عشرة‌ آلاف‌، ثمَّ لفظ‌ آخر أنفاسه‌ وجيشه‌ يحاصر الكعبة‌ بعد أن‌ أحرقها! وأي‌ّ نهاية‌ لبشر أفظع‌ من‌ هذه‌ النهاية‌! بل‌ أي‌ّ نهاية‌ لدولة‌ أبلغ‌ في‌ الدلالة‌ علي‌ غضب‌ السماء عليها!

 فما كان‌ حرق‌ الكعبة‌ ولا قتل‌ الصحابة‌ وتذبيح‌ آلآلاف‌ إلاّ تتابعاً للاحداث‌ التي‌ بدأ بها السنوات‌ الثلاث‌. وختماً طبيعيّاً للبداية‌ المفظعة‌ لحكمه‌، وجزاء له‌ ولدولته‌، ينزله‌ بها وبنفسه‌. لقد استفتح‌ حكمه‌ بجريمة‌ كربلاء في‌ يوم‌ عاشوراء! في‌ العاشر من‌ المحرّم‌ سنة‌ 61، فوقع‌ فيها ما لا عين‌ رأت‌ ولا أُذن‌ سمعت‌ مثله‌ أو قريباً منه‌، من‌ استشهاد أبي‌ الشهداء: الحسين‌بن‌ علي‌ّ الذي‌ دعا له‌ النبي‌ّ: اللَهُمَّ إِنِّي‌ أُحِبُهُ، فَأُحِبُّ مِنْ يُحِبُّهُ، والذي‌ عظّمه‌ الخلفاء الراشدون‌ والناس‌ جميعاً علي‌ مدار العصور، وهو القدوة‌ في‌ عطائه‌ وعبادته‌ وتواضعه‌ وشجاعته‌ في‌ كلّ موقف‌: في‌ الجمل‌ وصفّين‌ والنهروان‌ إلي‌ جوار أمير المؤمنين‌ علي‌ّ.

 الرجوع الي الفهرس

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com