بسم الله الرحمن الرحيم

نظرة علي مقاله بسط و قبض نظرية الشريعة / القسم الحادی عشر: الاشکال التاسع: الفطرة و الکمال، معنی فطریة الاحکام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الإشکال التاسع

 الفطرة‌ طريق‌ الكمال‌ التكويني‌ّ والاحكام‌ الفطريّة‌ تُوصِل‌ للكمال‌

 

 الاءشكال‌ التاسع‌ علي‌ صاحب‌ المقالة‌: هو عدم‌ فهمه‌ لمعني‌ الفطرة‌ وفطريّة‌ الاحكام‌، حيث‌ أشكل‌ تبعاً لذلك‌ علي‌ العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ الشريفة‌ بشأن‌ عدم‌ منافاة‌ تزويج‌ أولاد آدم‌ أبي‌ البشر وبناته‌ للفطرة‌، ثمّ أورد مطلباً منه‌ شفعه‌ بأمثلة‌ غير صحـيحة‌ من‌ عنده‌، فأدغمـها في‌ كلام‌ العلاّمة‌ ونسبها خطأً إليه‌، ثمّ أنهي‌ كلامه‌ بعد شرح‌ مختصر.

 ونجد أنفسـنا مجـبرين‌ ـ إيضـاحاً لحـقيقة‌ الامر ـ علي‌ إيـراد عين‌ عبارته‌، ثمّ الاءشارة‌ إلي‌ نقاط‌ مغالطته‌ ومواضع‌ مكابرته‌ الشاعريّة‌.

 يقول‌:

 مضافاً إلي‌ ذلك‌ فإنّه‌ يضع‌ نفسه‌ ـ بقبوله‌ كون‌ آدم‌ وزوجه‌ أباً وأمّاً لجميع‌ نوع‌ البشر ـ أمام‌ سؤال‌ عسير: هل‌ تزوّج‌ أولاد وبنات‌ آدم‌ فيما بينهم‌؟ حيث‌ أجاب‌ علي‌ ذلك‌ بالاءيجاب‌.

 ثمّ أجاب‌ بالنفي‌ علي‌ السؤال‌ الآخر: أو لا يتعارض‌ زواج‌ الاخ‌ والاُخت‌ مع‌ الفطرة‌؟

 وأورد كشاهد علي‌ تأييد عدم‌ تعارض‌ زواج‌ الاُخت‌ والاخ‌ للفطرة‌ قصصاً منقولة‌ عن‌ الاءيرانيّين‌ القدماء، وعن‌ أعمال‌ بعض‌ الاُوروبّيّين‌ المعاصرين‌.

 ونُعرض‌ من‌ جديد عن‌ نفس‌ الاسئلة‌ والاجوبة‌، ونلحظ‌ فقط‌ مستلزمات‌ الكلام‌ الاوّل‌، فقد رأي‌ في‌ معرض‌ دفاعه‌ عن‌ وجهة‌ نظره‌ الاُولي‌ لزوم‌ عرض‌ ملاكٍ ما في‌ باب‌ موافقة‌ الفطرة‌ ومعارضتها يثير بنفسه‌ أسئلة‌ جديدة‌ ويستلزم‌ أجوبة‌ جديدة‌، ويشيد بشكل‌ عامّ فهماً دينيّاً جديداً.

 فلا جرم‌ أنّ شرب‌ الخمر، والزنا، واللواط‌، والربا التي‌ كانت‌ سائدة‌ ورائجة‌ في‌ الاقوام‌ السابقة‌ كما هي‌ رائجة‌ عند الاُوروبّيّين‌ المعاصرين‌، هي‌ في‌ نظره‌ من‌ الاُمور التي‌ لا تخالف‌ الفطرة‌، بل‌ إنّها بحدّ ذاتها ليست‌ حسنةً ولا قبيحة‌، ولا معني‌ لان‌ تُحلّل‌ في‌ شريعة‌ ما وتُحرّم‌ في‌ أُخري‌. ولا جرم‌ أنّ الدين‌ ـ وخاصّة‌ الدين‌ الاءسلامي‌ّ ـ الذي‌ يمثّل‌ في‌ نظره‌ طريقاً لاءيصال‌ الفرد والمجتمع‌ لكماله‌ اللائق‌ جميع‌ أحكامه‌ فطريّة‌ بهذا المعني‌، [1] سيكتسب‌ وجهاً ومظهراً آخر، وسيتّضح‌ أنّ كثيراً من‌ أحكام‌ الدين‌ الاءسلامي‌ّ يمكن‌ أن‌ تكون‌ بشكل‌ آخر مع‌ احتفاظها بفطريّتها.

 وهذه‌ كلّها نوع‌ من‌ المعرفة‌ الدينيّة‌ تتناسب‌ مع‌ نوع‌ المعرفة‌ الاءنسانيّة‌ ومعرفة‌ العالم‌، أي‌ أنّ المفسّر ما لم‌ يكن‌ له‌ إدراك‌ وفهم‌ خاصّ عن‌ الاءنسان‌ والعالم‌، وعن‌ مفهوم‌ الحُسن‌ والقبح‌، وعن‌ الاحتياجات‌ الاءنسانيّة‌، فإنّه‌ لن‌ يستطيع‌ الحكم‌ أنّ زواج‌ الاُخت‌ والاخ‌ فطري‌ّ أحياناً وغير فطري‌ّ أحياناً أُخري‌، أو أ نّه‌ أمر لا فطري‌ّ ولاغير فطري‌ّ.

 ويتّضح‌ من‌ جديد أنّ موافقة‌ أحكام‌ الدين‌ للفطرة‌ أمر لايمكن‌ إثباته‌ بالتجربة‌، كما لا يمكن‌ نفيه‌ بالتجربة‌، لانّ زواج‌ الاُخت‌ والاخ‌ ـوهو أمر اعتباري‌ّ لا حقيقي‌ّـ كان‌ في‌ بدء خلق‌ الاءنسان‌ مجازاً ومشروعاً في‌ نظره‌، لانّ غرض‌ الشارع‌ ومصلحة‌ العالم‌ كانت‌ في‌ تكثير نسل‌ الاءنسان‌، وأمّا الآن‌ وقد انتفت‌ هذه‌ المصلحة‌ فقد حُرِّم‌ هذا الزواج‌.

 إنّ هذا الكلام‌ يمنع‌ بشكل‌ كامل‌ أمر إثباتنا لفطريّة‌ الاحكام‌ الشرعيّة‌ أوّلاً، وباعتبار عدم‌ معرفتنا لغرض‌ الشارع‌ من‌ جعل‌ الحكم‌ الفلاني‌ّ فإنّ بإمكاننا أن‌ نعتبر أي‌ّ حكم‌ موافقاً للفطرة‌، لذا فإنّ الفطريّة‌ وغيرالفطريّة‌ ستفقد عمليّاً قيمتها الاستدلاليّة‌ وروح‌ معرفتها وإدراكها.

 وثانياً فلابدّ لاءظهار ذلك‌ النظر من‌ أن‌ نُنشي‌ نظريّة‌ أخلاقيّة‌ خاصّة‌ تقول‌ بعدم‌ وجود اعتبار لحُسن‌ الافعال‌ وقبحها، وإنّ جوانب‌ العلاقات‌ الفرديّة‌ والاجتماعيّة‌(العلاقات‌ الجنسيّة‌ وعلاقات‌ الحكم‌ و...) ليست‌ بذاتها حسنة‌ ولا قبيحة‌.

 بل‌ إنّ لحسنها وقبحها معني‌ ومنشأ آخر، فيمكن‌ أحياناً أن‌ يصبح‌ عمل‌ ما لمصلحة‌ معيّنة‌(كتكثير النسل‌) مشروعاً، وأن‌ يصبح‌ ممنوعاً أحياناً أُخري‌؛ وحين‌ يكون‌ هذا الامر جائزاً في‌ زواج‌ الاُخت‌ والاخ‌، فَلِمَ لا يكون‌ جائزاً في‌ الموارد الاُخري‌؟!( وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ نظر المرحوم‌ الطباطبائي‌ّ في‌ باب‌ الاخلاق‌ هو نفس‌ هذه‌ العقيدة‌، حيث‌ أوردها بوضوح‌ في‌ المقالة‌ السادسة‌ [2] من‌ كتابه‌ «أُصول‌ فلسفه‌ وروش‌ رئاليسم‌»(= أسس‌ الفلسفة‌ والمذهب‌ الواقعي‌ّ).

 وقد توسّل‌ جماعة‌ من‌ المفسّرين‌ ـتجنّباً لهذه‌ الصعوبات‌ـ بأحاديث‌ تحكي‌ تزويج‌ ابنَي‌ آدم‌ بجنيّة‌ وحوريّة‌». [3]

 وعلينا بياناً لمواضع‌ خطأ صاحب‌ المقالة‌ أن‌ نورد بحثاً عن‌ الفطرة‌ ومعناها، ثمّ نعمد إلي‌ ذكر الاشتباهات‌.

  الرجوع الي الفهرس

معنی کون أحکام الدین الإسلامی المقدس فطریة

 فلدينا في‌ القرآن‌ الكريم‌ آية‌ صريحة‌ وواضحة‌ تكشف‌ عن‌ أنّ الاءنسان‌ قد خُلق‌ علي‌ أساس‌ الفطرة‌،تُعدّ الدين‌ الاءسلامي‌ّ المبين‌ ديناً قائماً علي‌ أساس‌ الفطرة‌:

 فَأَقِمْ وَجْهَـكَ لَلـدِّينِ حَنِـيفًا فِطْـرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَـرَ النَّاسَ عَلَیْـهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيِّـمُ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَـرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُـونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَو'ةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. [4]

تفسیر آیة: فطرت الله التی فطر الناس علیها

قال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ في‌ تفسير هذه‌ الآيات‌:

 الفطرة‌ بناء نوع‌ من‌ الفطر بمعني‌ الاءيجاد والاءبداع‌، و فِطْرَتَ اللَهِ منصوب‌ علي‌ الاءغراء، أي‌ الْزَمِ الفطرة‌، ففيه‌ إشارة‌ إلي‌ أنّ هذا الدين‌ الذي‌ يجب‌ إقامة‌ الوجه‌ له‌ هو الذي‌ تهتف‌ به‌ الخلقة‌ وتهدي‌ إليه‌ الفطرة‌ الاءلهيّة‌ التي‌ لاتبديل‌ لها.

 وذلك‌ أ نّه‌ ليس‌ الدين‌ إلاّ سنّة‌ الحياة‌ والسبيل‌ التي‌ يجب‌ علي‌ الاءنسان‌ أن‌ يسلكها حتّي‌ يسعد في‌ حياته‌، فلا غاية‌ للاءنسان‌ يتبعها إلاّ السعادة‌، وقد هدي‌ كلّ نوع‌ من‌ أنواع‌ الخليقة‌ إلي‌ السعادة‌ التي‌ هي‌ بغية‌ حياته‌ بفطرته‌ ونوع‌ خلقته‌، وجهّز في‌ وجوده‌ بما يناسب‌ غايته‌ من‌ التجهيز.

 قال‌ تعالي‌: رَبُّنَا الَّذِي‌ أَعْطَي‌' كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدَي‌'. [5]

 وقال‌: الَّذِي‌ خَلَقَ فَسَوَّي‌' * وَالَّذِي‌ قَدَّرَ فَهَدَي‌'. [6]

 فالاءنسان‌ كسائر الانواع‌ المخلوقة‌ مفطور بفطرة‌ تهديه‌ إلي‌ تتميم‌ نواقصـه‌ ورفع‌ حوائـجه‌، وتهـتف‌ له‌ بما ينفعه‌ وما يضـرّه‌ في‌ حياته‌، قال‌ تعالي‌:

 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّب'هَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَب'هَا. [7]

 وهو مع‌ ذلك‌ مجهز بما يتمّ له‌ به‌ ما يجب‌ له‌ أن‌ يقصده‌ من‌ العمل‌، قال‌ تعالي‌:

 ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. [8]

 فللاءنسان‌ فطرة‌ خاصّة‌ تهديه‌ إلي‌ سنّة‌ خاصّة‌ في‌ الحياة‌ وسبيل‌ معيّنة‌ ذات‌ غاية‌ مشخّصة‌ ليس‌ له‌ إلاّ أن‌ يسلكها خاصّة‌، وهو قوله‌: فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا.

 وليس‌ الاءنسان‌ العائش‌ في‌ هذه‌ النشأة‌ إلاّ نوعاً واحداً لا يختلف‌ ما ينفعه‌ وما يضرّه‌ بالنظر إلي‌ هذه‌ البُنية‌ المؤلّفة‌ من‌ روح‌ وبدن‌، فما للاءنسان‌ من‌ جهة‌ أ نّه‌ إنسان‌ إلاّ سعادة‌ واحدة‌ وشقاء واحد، فمن‌ الضروري‌ّ حينئذٍ أن‌ يكون‌ تجاه‌ عمله‌ سنّة‌ واحدة‌ ثابتة‌ يهديه‌ إليها هادٍ واحد ثابت‌، وليكن‌ ذاك‌ الهادي‌ هو الفطرة‌ ونوع‌ الخلقة‌، ولذلك‌ عقّب‌ قوله‌: فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا بقوله‌: لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ.

 فلو اختلفت‌ سعادة‌ الاءنسان‌ باختلاف‌ أفراده‌، لم‌ ينعقد مجتمع‌ واحد صالح‌ يضمن‌ سعادة‌ الافراد المجتمعين‌.

 ولو اختلفت‌ السعادة‌ باختلاف‌ الاقطار التي‌ تعيش‌ فيها الاُمم‌ المختلفة‌، بمعني‌ أن‌ يكون‌ الاساس‌ الواحد للسنّة‌ الاجتماعيّة‌ أعني‌ الدين‌ هو ما يقتضـيه‌ حكم‌ المنطـقة‌، كان‌ الاءنسـان‌ أنواعاً مخـتلفة‌ باخـتـلاف‌ الاقطار.

 ولو اختلفت‌ السعادة‌ باختلاف‌ الازمنة‌، بمعني‌ أن‌ تكون‌ الاعصار والقرون‌ هي‌ الاساس‌ الوحيد للسنّة‌ الدينيّة‌، اختلفت‌ نوعيّة‌ كلّ قرن‌ وجيل‌ مع‌ من‌ ورثوا من‌ آبائهم‌ أو أخلفوا من‌ أبنائهم‌، ولم‌ يسر الاجتماع‌ الاءنساني‌ّ سير التكامل‌، ولم‌ تكـن‌ الاءنسـانيّة‌ متوجّـهة‌ من‌ النقـص‌ إلي‌ الكـمال‌، إذ لايتحقّق‌ النقص‌ والكمال‌ إلاّ مع‌ أمر مشترك‌ ثابت‌ محفوظ‌ بينهما.

 وليس‌ المراد بهذا إنكار أن‌ يكون‌ لاختلاف‌ الافراد أو الامكنة‌ أو الازمنة‌ بعض‌ التأثير في‌ انتظام‌ السنّة‌ الدينيّة‌ في‌ الجملة‌، بل‌ إثبات‌ أنّ الاساس‌ للسنّة‌ الدينيّة‌ هو البنية‌ الاءنسانيّة‌ التي‌ هي‌ حقيقة‌ واحدة‌ ثابتة‌ مشتركة‌ بين‌ الافراد، فللاءنسانيّة‌ سنّة‌ واحدة‌ ثابتة‌ بثبات‌ أساسها الذي‌ هو الاءنسان‌، وهي‌ التي‌ تدير رحي‌ الاءنسانيّة‌ مع‌ ما يلحق‌ بها من‌ السنن‌ الجزئيّة‌ المختلفة‌ باختلاف‌ الافراد أو الامكنة‌ أو الازمنة‌.

 وهذا هو الذي‌ يشير إلي‌ قوله‌ بعد: ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.

 وسنزيد المقام‌ إيضاحاً في‌ بحث‌ مستقلّ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌. [9]

  الرجوع الي الفهرس

تفسیر العلامة الطباطبائی لمراحل الفطرة من السنة الدینیة

 ثمّ يقول‌ في‌ فصل‌ مستقلّ تحت‌ عنوان‌: كَلاَمٌ فِي‌ مَعْنَي‌ كَوْنِ الدِّينِ فِطْرِيَّاً فِي‌ فُصُولٍ:

 1 ـ إذا تأمّلنا هذه‌ الانواع‌ الموجودة‌ التي‌ تتكوّن‌ وتتكامل‌ تدريجاً، سواء كانت‌ ذوات‌ حياة‌ وشعور كأنواع‌ الحيوان‌، أم‌ ذات‌ حياة‌ فقط‌ كأنواع‌ النبات‌، أو ميِّتة‌ غير ذي‌ حياة‌ كسائر الانواع‌ الطبيعيّة‌ ـعلي‌ ما يظهر لناـ وجدنا كلّ نوع‌ منها يسير في‌ وجوده‌ سيراً تكوينيّاً معيّناً ذا مراحل‌ مختلفة‌ بعضها قبل‌ بعض‌، وبعضها بعد بعض‌، يرد النوع‌ في‌ كلّ منها بعد المرور بالبعض‌ الذي‌ قبله‌ وقبل‌ الوصول‌ إلي‌ ما بعده‌، ولا يزال‌ يستكمل‌ بطي‌ّ هذه‌ المنازل‌ حتّي‌ ينتهي‌ إلي‌ آخرها وهو نهاية‌ كماله‌.

 نجد هذه‌ المراتب‌ المطويّة‌ بحركة‌ النوع‌ يلازم‌ كلّ منها مقامه‌ الخاصّ به‌ لايستقدم‌ ولا يستأخر من‌ لدن‌ حركة‌ النوع‌ في‌ وجوده‌ إلي‌ أن‌ تنتهي‌ إلي‌ كماله‌، فبيـنها رابطـة‌ تكوينـيّة‌ يربـط‌ بها بعـض‌ المراتـب‌ ببعـض‌ بحـيث‌ لايتجافي‌ ولا ينتقل‌ إلي‌ غير مكانه‌، ومن‌ هنا يستنتج‌ أنّ للنوع‌ غاية‌ تكوينيّة‌ يتوجّه‌ إليها من‌ أوّل‌ وجوده‌ حتّي‌ يبلغها.

 فالجوزة‌ الواحدة‌ مثلاً إذا استقرّت‌ في‌ الارض‌ استقراراً يهيّؤها للنموّ علي‌ اجتماع‌ ممّا يتوقّف‌ عليه‌ النموّ من‌ العلل‌ والشرائط‌، كالرطوبة‌ والحرارة‌ وغيرهما، أخذ لبّها في‌ النموّ وشقّ القشر وشرع‌ في‌ ازدياد من‌ أقطار جسمه‌، ولم‌ يزل‌ يزيد وينمو حتّي‌ يصل‌ إلي‌ حدّ يعود فيه‌ شجرة‌ قويّة‌ خضراء مثمرة‌.

 ولا يخـتلف‌ حاله‌ في‌ مسـيره‌ هذا التكويـني‌ّ وهو في‌ أوّل‌ وجـوده‌ قاصداً قصداً تكوينيّاً إلي‌ غايته‌ التكوينيّة‌ التي‌ هي‌ مرتبة‌ الشجرة‌ الكاملة‌ المثمرة‌.

 وكذا الواحـد من‌ نوع‌ الحيـوان‌، كالواحدة‌ من‌ الضـأن‌ مثلاً، لانشـكّ في‌ أ نّها في‌ أوّل‌ تكوّنها جنيناً متوجّهة‌ إلي‌ غايتها النوعيّة‌ التي‌ هي‌ مرتبة‌ الضأنة‌ الكاملة‌ التي‌ لها خواصّها، فلا تضلّ عن‌ سبيلها التكوينيّة‌ الخاصّة‌ بها إلي‌ سبيل‌ غيرها، ولا تنسي‌ غايتها يوماً فتسير إلي‌ غاية‌ غيرها كغاية‌ الفيلة‌ مثلاً أو غاية‌ شجرة‌ الجوز مثلاً، فكلّ نوع‌ من‌ الانواع‌ التكوينيّة‌ له‌ مسير خاصّ في‌ استكمال‌ الوجود ذو مراتب‌ خاصّة‌ مترتّبة‌ بعضها علي‌ بعض‌ تنتـهي‌ إلي‌ مرتـبة‌ هي‌ غاية‌ النـوع‌ ذاتاً، يطـلبـها طلـباً تكوينـيّاً بحـركـته‌ التكوينيّة‌، والنـوع‌ في‌ وجـوده‌ مجـهّز بما هو وسيلة‌ حركـته‌ وبلـوغه‌ إلي‌ غايته‌.

 وهذا التوجّه‌ التكويني‌ّ لاستناده‌ إلي‌ الله‌ يسمّي‌ هداية‌ عامّة‌ إلهيّة‌، وهي‌ كما عرفت‌ لا تضلّ ولا تخطي‌ في‌ تسيير كلّ نوع‌ مسيره‌ التكويني‌ّ وسوقه‌ إلي‌ غايته‌ الوجوديّة‌ بالاستكمال‌ التدريجي‌ّ، وبإعمال‌ قوّته‌ وأدواته‌ التي‌ جهّز بها لتسهيل‌ مسيره‌ إلي‌ غايته‌.

 قال‌ تعالي‌: رَبُّنَا الَّذِي‌´ أَعْطَي‌' كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدَي‌'. [10]

 وقال‌: الَّذِي‌ خَلَقَ فَسَوَّي‌' * وَالَّذِي‌ قَدَّرَ فَهَدَي‌' * وَالَّذِي‌´ أَخْرَجَ الْمَرْعَي‌' * فَجَعَلَهُ و غُثَآءً أَحْوَي‌'. [11]

 2 ـ نوع‌ الاءنسان‌ غير مستثني‌ من‌ كلّيّة‌ الحكم‌ المذكور، أعني‌ شمول‌ الهداية‌ العامّة‌ له‌، فنحن‌ نعلم‌ أنّ النطفة‌ الاءنسانيّة‌ من‌ حين‌ تشرع‌ في‌ التكوّن‌ متوجّهة‌ إلي‌ مرتبة‌ إنسان‌ تامّ كامل‌ له‌ آثاره‌ وخواصّه‌، قد قطع‌ في‌ مسيره‌ مراحل‌ الجنينيّة‌ والطفوليّة‌ والمراهقة‌ والشباب‌ والكهولة‌ والشيب‌.

 غير أنّ الاءنسان‌ يفارق‌ سائر الانواع‌ الحيوانيّة‌ والنباتيّة‌ وغيرها فيما نعلم‌ في‌ أمر، وهو أ نّه‌ لِسـعة‌ حاجته‌ التكوينيّة‌ وكثرة‌ نواقصه‌ الوجـوديّة‌ لايقدر علي‌ تتميم‌ نواقصه‌ الوجوديّة‌ ورفع‌ حوائجه‌ الحيويّة‌ وحده‌، بمعني‌ أنّ الواحد من‌ الاءنسان‌ لا تتمّ له‌ حياته‌ الاءنسانيّة‌ وهو وحده‌، بل‌ يحتاج‌ إلي‌ اجتماع‌ منزلي‌ّ، ثمّ اجتماع‌ مدني‌ّ يجتمع‌ فيه‌ مع‌ غيره‌ بالازدواج‌ والتعاون‌ والتعاضد، فيسعي‌ الكلّ بجميع‌ قواهم‌ التي‌ جهّزوا بها للكلّ، ثمّ يقسّم‌ الحاصل‌ من‌ عملهم‌ بين‌ الكلّ فيذهب‌ كلّ بنصيبه‌ علي‌ قدر زنته‌ الاجتماعيّة‌.

 وهذه‌ المدنيّة‌ ليست‌ بطبيعيّة‌ للاءنسان‌، بمعني‌ أن‌ ينبعث‌ إليه‌ من‌ ناحية‌ طبيعته‌ الاءنسانيّة‌ ابتداءً، بل‌ له‌ طبيعة‌ مستخدمة‌ لغيره‌ لنفع‌ نفسه‌ ما وجد إليه‌ سبيلاً.

 فهو يستخدم‌ الاُمور الطبيعيّة‌ ثمّ أقسام‌ النبات‌ والحيوان‌ في‌ سبيل‌ مقاصده‌ الحيويّة‌، فهو باستخدام‌ فرد مثله‌ أو أفراد أمثاله‌ أجراً، لكنّه‌ يجد سائر الافراد أمثاله‌ في‌ الاميال‌ والمقاصد وفي‌ الجهازات‌ والقوي‌، فيضطرّ إلي‌ المسالمة‌ وأن‌ يسلّم‌ لهم‌ حقوقاً مثل‌ ما يراه‌ لنفسه‌.

 وينتهي‌ هذا التضارب‌ بين‌ المنافع‌ أن‌ يشارك‌ البعض‌ البعض‌ في‌ العمل‌ التعاوني‌ّ، ثمّ يقسّم‌ الحاصل‌ من‌ الاعمال‌ بين‌ الجميع‌ ويعطي‌ منه‌ لكلّ ما يستحقّه‌.

 وكيف‌ كان‌، فالمجتمع‌ الاءنساني‌ّ لا يتمّ انعقاده‌ ولا يعمّر إلاّ بأُصول‌ علميّة‌ وقوانين‌ اجتماعيّة‌ يحترمها الكلّ، وحافظ‌ يحفظها من‌ الضيعة‌، ويجـريها في‌ المجـتمع‌، وعند ذلك‌ تطـيب‌ لهم‌ العيشـة‌ وتشـرف‌ عليـهم‌ السعادة‌.

 أمّا الاُصول‌ العلميّة‌، فهي‌ معرفته‌ إجمالاً بما عليه‌ نشأة‌ الوجود من‌ الحقيقة‌، وما علـيه‌ الاءنسـان‌ من‌ حيـث‌ البـداية‌ والنهـاية‌، فإنّ المـذاهب‌ المخـتلفة‌ مؤثّـرة‌ في‌ خصـوص‌ السـنن‌ المعـمول‌ بها في‌ المجـتمعـات‌، فالمعتقدون‌ في‌ الاءنسان‌ أ نّه‌ مادّي‌ّ ليس‌ له‌ من‌ الحياة‌ إلاّ الحياة‌ المعجلّة‌ المؤجّـلة‌ بالمـوت‌، وأن‌ ليـس‌ في‌ دار الوجـود إلاّ السـبب‌ المادّي‌ّ الكائـن‌ الفاسد، ينظّـمون‌ سنن‌ اجتماعهم‌ بحـيث‌ تؤدّيـهم‌ إلي‌ اللذائذ المحسـوسة‌ والكمالات‌ المادّيّة‌ ما وراءها شي‌ء.

 والمعتقدون‌ بصانع‌ وراء المادّة‌ ـكالوثنيّة‌ـ يبنون‌ سننهم‌ وقوانينهم‌ علي‌ إرضاء الآلهة‌ ليسعدوهم‌ في‌ حياتهم‌ الدنيويّة‌.

 والمعتقدون‌ بالمبدأ والمعاد يبنون‌ حياتهم‌ علي‌ أساس‌ يسعدهم‌ في‌ الحـياة‌ الدينـويّة‌ ثمّ في‌ الحـياة‌ المؤبّـدة‌ التي‌ بعد المـوت‌، فصـور الحـياة‌ الاجتماعيّة‌ تختلف‌ باختلاف‌ الاُصول‌ الاعتقاديّة‌ في‌ حقيقة‌ العالم‌ والاءنسان‌ الذي‌ هو جزء من‌ أجزائه‌.

 وأمّا القوانين‌ والسنن‌ الاجتماعيّة‌، فلولا وجود قوانين‌ وسنن‌ مشتركة‌ يحترمها المجتمعون‌ جميعهم‌ أو أكثرهم‌ ويتسلّمونها، تفرّق‌ الجمع‌ وانحلّ المجتمع‌.

 وهذه‌ السـنن‌ والقوانين‌ قضـايا كلّيّة‌ عمليّة‌ صـورها: يجب‌ أن‌ يفعل‌ كذا عند كذا أو يحرم‌ أو يجوز، وهي‌ أيّاماً كانت‌ معتبرة‌ في‌ العمل‌ لغايات‌ مُصـلحـة‌ للاجتـماع‌ والمجـتمـع‌ تتـرتّـب‌ عليـها تسـمّي‌ مصـالح‌ الاعمـال‌ ومفاسدها.

 3 ـ قد عرفت‌ أنّ الاءنسان‌ إنّما ينال‌ ما قدر له‌ من‌ كمال‌ وسعادة‌ بعقد مجتمع‌ صالح‌ تحكم‌ فيه‌ سنن‌ وقوانين‌ صالحة‌ تضمن‌ بلوغه‌ ونيله‌ سعادته‌ التي‌ تليق‌ به‌، وهذه‌ السعادة‌ أمر أو أُمور كماليّة‌ تكوينيّة‌ تلحق‌ الاءنسان‌ الناقص‌ الذي‌ هو أيضاً موجود تكويني‌ّ، فتجعله‌ إنساناً كاملاً في‌ نوعه‌ تامّاً في‌ وجوده‌.

 فهذه‌ السنن‌ والقوانين‌ ـوهي‌ قضايا عمليّة‌ واعتباريّة‌ـ واقعة‌ بين‌ نقـص‌ الاءنـسـان‌ وكماله‌، متوسـطة‌ كالعـبرة‌ بين‌ المنـزلتـين‌، وهي‌ ـكما عرفت‌ـ تابعة‌ للمصالح‌ التي‌ هي‌ كمال‌ أو كمالات‌ إنسانيّة‌، وهذه‌ الكمالات‌ أُمور حقيقيّة‌ مسانخة‌ ملائـمة‌ للنواقص‌ التي‌ هي‌ مصاديق‌ حوائـج‌ الاءنسان‌ الحقيقيّة‌.

 فحـوائج‌ الاءنسـان‌ الحقيقيّة‌ هي‌ التي‌ وضعـت‌ هذه‌ القضـايا العـمليّة‌ واعتبرت‌ هذه‌ النواميس‌ الاعتباريّة‌، والمراد بالحوائج‌ هي‌ ما تطلبه‌ النفس‌ الاءنسانيّة‌ بأميالها وعزائمـها، ويصدّقه‌ العقل‌ الذي‌ هو القوّة‌ الوحيـدة‌ التي‌ تميّز بين‌ الخير والنافع‌ وبين‌ الشرّ والضارّ، دون‌ ما تطلبه‌ الاهواء النفسانيّة‌ ممّا لايصدّقه‌ العقل‌، فإنه‌ كمال‌ حيواني‌ّ غير إنساني‌ّ.

 فأُصول‌ هذه‌ السنن‌ والقوانين‌ يجب‌ أن‌ تكون‌ الحوائج‌ الحقيقيّة‌ التي‌ هي‌ بحسب‌ الواقع‌ حوائج‌ لا بحسب‌ تشخيص‌ الاهواء النفسانيّة‌.

 وقد عرفت‌ أنّ الصنع‌ والاءيجاد قد جهّز كلّ نوع‌ من‌ الانواع‌ ـومنها الاءنسان‌ـ من‌ القوي‌ والادوات‌ بما يرتفع‌ بفعّاليّته‌ حوائجه‌ ويسلك‌ به‌ سبيل‌ الكمال‌، ومنه‌ يستنتج‌ أنّ للجهازات‌ التكوينيّة‌ التي‌ جهّز بها الاءنسان‌ اقتضاءات‌ للقضايا العمليّة‌ المسمّاة‌ بالسنن‌ والقوانين‌، التي‌ بالعمل‌ بها يستقرّ الاءنسان‌ في‌ مقر كماله‌ مثل‌ السنن‌ والقوانين‌ الراجعة‌ إلي‌ التغذّي‌ المعتبرة‌ بما أنّ الاءنسان‌ مجهّز بجهاز التغذّي‌، والراجعة‌ إلي‌ النكاح‌ بما أنّ الاءنسان‌ مجهّز بجهاز التوالد والتناسل‌.

  الرجوع الي الفهرس

الفطرة، و الإسلام، و دین الله، و سبیل الله عند العلامة الطباطبائی

 فتبيّن‌ أنّ من‌ الواجب‌ أن‌ يتّخذ الدين‌ ـأي‌ الاُصول‌ العلميّة‌ والسنن‌ والقوانين‌ العمليّة‌ التي‌ تضمن‌ باتّخاذها والعمل‌ بها سعادة‌ الاءنسان‌ الحقيقيّة‌ـ من‌ اقتضاءات‌ الخلقة‌ الاءنسانيّة‌ وينطبق‌ التشريع‌ علي‌ الفطرة‌ والتكوين‌، وهذا هو المراد بكون‌ الدين‌ فطريّاً، وهو قوله‌ تعالي‌:

 فَأَقِـمْ وَجْهَـكَ لِلدِّينِ حَنِـيفًا فِطْـرَتَ اللَهِ الَّتِـي‌ فَطَـرَ النَّاسَ عَلَیْـهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَهِ ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيّـِمُ.

 4 ـ قد عرفت‌ معني‌ كون‌ الدين‌ فطريّاً، فالاءسلام‌ يسمّي‌ دين‌ الفطرة‌ لما أن‌ الفطرة‌ الاءنسانيّة‌ تقتضيه‌ وتهدي‌ إليه‌.

 ويسمّي‌ إسلاماً، لما أنّ فيه‌ تسليم‌ العبد لاءرادة‌ الله‌ سبحانه‌ منه‌، ومصداق‌ الاءرادة‌ وهي‌ صفة‌ الفعل‌ ـ لا صفة‌ الذات‌ ـ تجمّع‌ العلل‌ المؤلّفة‌ من‌ خصوص‌ خلقة‌ الاءنسان‌ وما يحتف‌ به‌ من‌ مقتضيات‌ الكون‌ العامّ علي‌ اقتضاء الفعل‌ أو الترك‌.

 قال‌ تعالي‌: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَهِ الاْءِسْلَـ'مُ. [12]

 ويسمّي‌ دين‌ الله‌، لا نّه‌ الذي‌ يريده‌ الله‌ من‌ عباده‌ من‌ فعل‌ أو ترك‌، بما مرّ من‌ معني‌ الاءرادة‌.

 ويسـمّي‌ سبيل‌ الله‌، لما أ نّه‌ السـبيل‌ التي‌ أرادها الله‌ أن‌ يسـلكها الاءنسان‌ لتنتهي‌ به‌ إلي‌ كماله‌ وسعادته‌، قال‌ تعالي‌:

 الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن‌ سَبِيلِ اللَهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا. [13]

 وأمّا أنّ الديـن‌ الحقّ يجـب‌ أن‌ يؤخـذ من‌ طـريق‌ الوحـي‌ والنبـوّة‌ ولايكفي‌ فيه‌ العقل‌، فقد تقدّم‌ بيانه‌ في‌ مباحث‌ النبوّة‌ وغيرها من‌ مباحث‌ الكتاب‌. [i]

 ويتّضح‌ جيّداً وبشكل‌ مفصّل‌ ممّا أوردناه‌ من‌ تفسير « الميزان‌ » أنّ مراد العلاّمة‌ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ من‌ فطرة‌ الاءنسان‌ هو البنية‌ الوجوديّة‌ ـبما يشمل‌ الجسم‌ والروح‌ـ وذلك‌ الطريق‌ والمسير الذي‌ يوصله‌ إلي‌ غاية‌ الخلقة‌ وهدفها من‌ الكمال‌ المنشود والسعادة‌ المطلقة‌.

 والمراد بدين‌ الفطرة‌ تلك‌ القواعد والاحكام‌ المؤثّرة‌ في‌ سير الاءنسان‌ باتّجاه‌ سعادته‌ وكماله‌، وهذه‌ القواعد والقوانين‌ والسنن‌ بالرغم‌ من‌ أ نّها أصبحت‌ معتبرة‌ باعتبار الشارع‌ المقدّس‌، لكنّها كانت‌ قائمة‌ علي‌ أساس‌ منطق‌ العقل‌ ووصول‌ الاءنسان‌ إلي‌ درجة‌ الاءنسانيّة‌، لا علي‌ أساس‌ منطق‌ الحسّ والشهوة‌ الذي‌ يهبط‌ به‌ إلي‌ مرتبة‌ الحيوانيّة‌ والبهيميّة‌.

 إنّ السعادة‌ للاءنسان‌ أمر حقيقي‌ّ، وهذه‌ السنن‌ الفطريّة‌ التي‌ هي‌ أُمور اعتباريّة‌، توجب‌ حركته‌ وسيره‌ إلي‌ مقام‌ الكمال‌ الحقيقي‌ّ، فإذا ما انحرفت‌ تلك‌ السنن‌ أحياناً في‌ اعتبارها، فإنّ تلك‌ السعادة‌ الحقيقيّة‌ والكمال‌ المنشود لن‌يكونا من‌ نصيبه‌.

 ومع‌ أنّ أحكام‌ الشرع‌ وقوانينه‌ التي‌ وضعت‌ علي‌ أساس‌ الفطرة‌ هي‌ أحكام‌ اعتباريّة‌ وضعها منوط‌ باعتبار الشارع‌، لكنّه‌ اعتبار لا يتخطّي‌ قيد شعرة‌ مكانه‌ الواقعي‌ّ والحقيقي‌ّ، وقد استمدّ اعتباره‌ هذا علي‌ أساس‌ الاحتياجات‌ التكوينيّة‌ للاءنسان‌ وإيصاله‌ إلي‌ أعلي‌ درجات‌ الكمال‌ الحقيقي‌ّ والوجودي‌ّ، فلا معني‌ ـ علي‌ هذا ـ لان‌ يكون‌ أمرٌ ما حلالاً في‌ شريعة‌ معيّنة‌ وحراماً في‌ أُخري‌.

 فالزواج‌ والنكاح‌ ـمثلاًـ هو أمر فطري‌ّ أمضاه‌ الشرع‌ وأقرّه‌، وانسجم‌ التشريع‌ فيه‌ مع‌ التكوين‌.

  الرجوع الي الفهرس

اللواط مخالف لفطرة الإنسان و محرم فی جمیع الشرائع

 في‌ حين‌ أنّ العلاقة‌ الجنسـيّة‌ بين‌ الجنـس‌ الواحـد أمر غير فطـري‌ّ، حرّمه‌ الشـرع‌ وعيّن‌ له‌ العـقوبة‌ الصـارمة‌، ونجـد أنّ أمر التشـريع‌ ـوهو الحرمة‌ـ قد انطبق‌ علي‌ التكوين‌ وهو المنع‌:

 وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَـ'حِشَةَ مَا سَبَقَكُم‌ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَـ'لَمِينَ * إِنَّكُـمْ لَتَأْتُـونَ الرِّجَـالَ شَـهْوَةً مِّـن‌ دُونِ النِّسَـآءِ بَلْ أَنتُـمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ. [14]

 وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَـ'حِشَةَ مَا سَبَقَكُم‌ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَـ'لَمِينَ * أَنءِنَّكُمْ لَتَأْتُـونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَـعُونَ السَّـبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي‌ نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ. [15]

 وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَـ'حِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَنءِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن‌ دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. [16]

 فاللواط‌ ـوهو العلاقة‌ الجنسيّة‌ بين‌ جنس‌ الرجال‌ـ يوجب‌ قطع‌ سبيل‌ الزواج‌، ويستتبع‌ المقت‌، والعدوان‌ والاءسراف‌، لذا فقد عُدّ ممنوعاً وحراماً وقبيحاً في‌ هذه‌ الآيات‌، ولا اختصاص‌ لهذا الامر بشـريعة‌ دون‌ أُخري‌، لا نّه‌ مخالف‌ لمسيرة‌ التكوين‌ ولمصالح‌ الفرد والمجـتمع‌، ومخالف‌ للسنّة‌ الاءنسانيّة‌ والقانون‌ الفطري‌ّ والاءلهي‌ّ، لذا فقد اعتبر الشارع‌ المقدّس‌ حرمته‌ عامّة‌ ومطلقة‌ في‌ كلّ مكان‌ وزمان‌ وفي‌ كلّ شريعة‌.

 وهذا العمل‌ ينطـوي‌ علي‌ قدر من‌ القُبـح‌ بحـيث‌ الذي‌ تمتـنع‌ منه‌ الحيوانات‌، إذ لايُشاهد مثيله‌ في‌ أحد منها، حتّي‌ القرد يهرب‌ منه‌ ويشمئزّ وينفر، وينبغي‌ هنا ملاحـظة‌ درجة‌ قبح‌ ووقاحة‌ لوردات‌ مجلـس‌ الاعيان‌ الاءنجليزي‌ّ ـالذين‌ يعتقد رئيسهم‌ حسب‌ نظريّة‌ داروين‌ أ نّه‌ من‌ نسل‌ القردـ في‌ إعلانهم‌ إباحة‌ فعل‌ قوم‌ لوط‌ الشنيع‌ هذا، بحيث‌ لم‌ يُعهد عن‌ الاقوام‌ التي‌ سبقت‌ قوم‌ لوط‌ أن‌ دنّسوا أنفسهم‌ به‌؛ هذا المجلس‌ الذي‌ يفضّل‌ الآراء المرفوضة‌ لبرتراند راسل‌ الذي‌ سقط‌ من‌ المسيحيّة‌ إلي‌ حضيض‌ الاءلحاد، وآراء فرويد اليهودي‌ّ علي‌ تعاليم‌ السيّد المسيح‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ السلام‌، فيصدر مصادقته‌ علي‌ قانون‌ اللواط‌، ثمّ ينهمكون‌ بارتكابه‌ في‌ مجالسهم‌ ومحافلهم‌ المنكرة‌. قَبَّحَهُمُ اللَهُ وَمَا عَمِلُوا وَمَا اسْتَنُّوا، وَلاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذي‌ بَنُوا قَاطِعاً لِنَسْلِهِمْ إنْ شَاءَ اللَهُ تَعَالَي‌.

  الرجوع الي الفهرس

سنة التکوین و الفطرة تمنعان ای اتصال جنسی بغیر الزواج

 إنّ فطرة‌ الاءنسان‌ تستدعي‌ زواج‌ الرجل‌ والمرأة‌ اللذين‌ ينجذبان‌ إلي‌ بعضهما وفق‌ السنّة‌ الاءلهيّة‌ المودعة‌ في‌ وجودهما، كما ينجذب‌ قطبا الكهربائيّة‌ الموجب‌ والسالب‌ أو مركزا الفعل‌ والانفعال‌ لبعضهما، فتنعقد بالشرارة‌ الاءلهيّة‌ النطفة‌ في‌ الرحم‌، وينشأ منها إنسان‌ هو خليفة‌ الله‌ فيطأ بقدمه‌ ساحة‌ الوجود الرحيبة‌.

 فقولوا بربّكم‌ وفق‌ أيّة‌ سنّة‌، وعلي‌ أساس‌ أيّة‌ خاصّيّة‌ يتمّ جماع‌ الرجال‌ للرجال‌، أو النساء للنساء؟ غير أن‌ يشبها اجتماع‌ قطبين‌ موجبين‌ أو قطبين‌ سالبين‌، أو اجتماع‌ نوعين‌ للفاعليّة‌ المحضة‌ أو نوعين‌ للقابليّة‌ المحضة‌؟ وأي‌ّ شي‌ء سيوجب‌ غير البُعد والابتعاد عن‌ بعضهما، وغير تسبيب‌ النفور والضجر والملل‌ والمفاسد والاضرار الجانبيّة‌ التي‌ لاتعدّ ولاتحصي‌؟

 وقد قال‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ في‌ المقالة‌ السادسة‌ من‌ « أُصول‌ الفلسفة‌ » تحت‌ عنوان‌ « الفطرة‌ الاءنسانيّة‌ حكم‌ يتكوّن‌ بإلهام‌ الطبيعة‌ »:

 4 ـ إنّ حرّيّة‌ الاءنسان‌ باعتبارها موهبة‌ طبيعيّة‌ هي‌ في‌ حدود هداية‌ الطبيـعة‌، وبالطـبع‌ فإنّ هداية‌ الطـبيعة‌ مرتبـطة‌ بالتجـهيزات‌ التي‌ تمتلكها البُنية‌ النوعيّة‌. وعلي‌ هذا فإنّ هداية‌ الطبيعة‌( الاحكام‌ الفطريّة‌) ستحدّد بالاعمال‌ التي‌ تنسجم‌ مع‌ أشكال‌ وتركيبات‌ التجهيزات‌ البدنيّة‌.

 فنحن‌ لا نُجيز مثلاً أيّة‌ رغبات‌ جنسيّة‌ تتمّ بغير طريق‌ الزواج‌( سواء كانت‌ بين‌ رجل‌ ورجل‌، امرأة‌ وامرأة‌، رجل‌ وامرأة‌ من‌ غير طريق‌ الزواج‌ إنسان‌ مع‌ غير الاءنسان‌، إنسان‌ مع‌ نفسه‌، تناسل‌ من‌ طريق‌ غير طريق‌ الزواج‌).

 ولن‌ نشجّع‌ التربية‌ الاشتراكيّة‌ للاطفال‌، وإلغاء النسب‌ والوراثة‌، وإبطال‌ الاُصول‌ والاعراق‌ وغير ذلك‌، لانّ البنية‌ المرتبطة‌ بالزواج‌ والتربية‌ تتعارض‌ مع‌ هذه‌ المسائل‌. [17]

 ويتّضح‌ من‌ هذا البيان‌ مدي‌ الخطأ الفاحش‌ الذي‌ ارتكبه‌ مَنْ عدّ الوط‌ء مباحاً، كما فعل‌ أتباع‌ المالكيّة‌ تبعاً لرأي‌ إمامهم‌ مالك‌ بن‌ أنس‌، وكيف‌ انغمروا في‌ ورطة‌ مهلكة‌ لمخالفتهم‌ سنّة‌ التكوين‌ والفطرة‌ من‌ جهة‌، وحكم‌ الكتاب‌ والشريعة‌ من‌ جهة‌ أُخري‌.

 وقد نقل‌ أحد الاحبّة‌ والاعزّة‌ من‌ العلماء الاعلام‌ ـ لا يزال‌ فعلاً علي‌ قيد الحياة‌ ـ أ نّه‌ تباحث‌ في‌ المدينة‌ المنوّرة‌ مع‌ بعض‌ مشايخ‌ المالكيّة‌ بشأن‌ هذا الموضوع‌( أي‌ وط‌ء الغلام‌).

 فاحتجّ بأنّ للآية‌ الشريفة‌: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـ'فِظُونَ * إِلاَّ عَلَی‌'´ أَزْوَ ' جِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [18] دلالة‌ عليه‌.

 فقلت‌: إنّ الغلام‌ خارج‌ عن‌ مدلول‌ هذه‌ الآية‌ بالاءجماع‌.

 أجاب‌: الاءجماع‌ لكم‌، أمّا نحن‌ فلا إجماع‌ عندنا! ـ انتهت‌ مقولته‌.

 أقول‌: إن‌ قيل‌: إنّ أزواج‌ جمع‌ زوج‌ بمعني‌ القرين‌، فهو يشمل‌ كلا الزوج‌ والزوجة‌؛ فإن‌ تمسّكنا ـ علي‌ هذا ـ بإطلاق‌ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ، فسـوف‌ لا يكون‌ ثمّة‌ إشكال‌ في‌ وط‌ء النسـاء من‌ قبل‌ الغـلمان‌ الذيـن‌ في‌ ملك‌ يمينهنّ؛ ولانّ هذا الامر يخالفُ بشكلٍ مسلّم‌ عقائد الجميع‌ ـحتّي‌ المالكيّة‌ ـ فإنّنا نقول‌: إنّ وط‌ء الرجال‌ للغلمان‌ خارج‌ بنفسه‌ من‌ الاءطلاق‌ بهذه‌ الكيفيّة‌.

 ونقول‌ إنّ آية‌ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، وآية‌ إِلاَّ الْمُصَلِّينَ تختصّ من‌ جهة‌ العبارة‌ والخطاب‌ بالرجال‌، مع‌ أ نّها تشمل‌ من‌ جهة‌ الملاك‌ الرجل‌ والمرأة‌.

 لذا فإنّ هذه‌ الجـملة‌ الاسـتئـنافيّة‌ إِلاَّ عَلَی‌´' أَزْوَ ' جِـهِمْ أَوْ مَا مَلَـكَـتْ أَيْمَـ'نُهُمْ استثناء خاصّ بالرجال‌ لا بالنساء. ويمكن‌ لهذا أن‌ تقول‌ المالكيّة‌ إنّ استثناء مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ في‌ هذه‌ الآية‌ المتعلّقة‌ بالرجال‌ استثناء مطلق‌ يشمل‌ الجارية‌ والغلام‌. وأمّا في‌ الاءجماع‌ المنعقد علي‌ تساوي‌ النساء والرجال‌ في‌ الاحكام‌ وفي‌ الخطابات‌ فإنّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ جارية‌ أو غلاماً ليس‌ خارجاً من‌ الاستثناء بشكل‌ مطلق‌، وحرام‌ علي‌ المرأة‌ المجامعة‌ مع‌ ما ملك‌ يمينها من‌ جوار أو غلمان‌، وأمّا فقرة‌ إِلاَّ عَلَی‌'´ أَزْوَ ' جِهِمْ فهي‌ باقية‌ علي‌ عموميّتها بشأن‌ النساء فقط‌، فوط‌ء النساء من‌ قبل‌ أزواجهنّ حلال‌.

 لذا فإنّ ما قلناه‌ من‌ التمسّك‌ بالاءجماع‌ علي‌ حرمة‌ وط‌ء الغلام‌ وتخصيص‌ آية‌ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ لذلك‌ لا يكفي‌ لردّ المالكيّة‌ الذين‌ يرفضون‌ الاءجماع‌.

 وهناك‌ في‌ ردّهم‌ الآيات‌ التي‌ ذكرناها بشأن‌ قوم‌ لوط‌، والتي‌ تعلن‌ بأعلي‌ نداء وبيان‌ بأنّ جماع‌ الرجل‌ للرجل‌ فاحشة‌ ومنكر بشكل‌ مطلق‌، سواء كان‌ الغلام‌ غلامه‌ هو أم‌ غلام‌ غيره‌: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَـ'حِشَةَ... وَتَأْتُونَ فِي‌ نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ.

 وسينفي‌ عنوان‌ المنكر والفاحشة‌ ـمع‌ النهي‌ الشديد والمنع‌ الاكيد من‌ هذا العمل‌ـ أي‌ّ مجال‌ لشبهة‌ وإشكال‌ في‌ حرمة‌ وط‌ء الغلام‌.

  الرجوع الي الفهرس

القبح و الوقاحة فی وطء النساء فی غیر محل التوالد و التناسل

 ويتّضح‌ من‌ هذا البيان‌ أنّ مجامعة‌ الرجال‌ للنساء من‌ غير طريق‌ النكاح‌ المعهود هو الآخر عمل‌ قبيح‌ جدّاً.

 أي‌ أنّ جماعهنّ في‌ الدُّبُرِ لا في‌ القُبُلِ، وهو المحلّ المعهود للنكاح‌ وطريق‌ التناسل‌ والتكاثر، محلّ إشكال‌، وفقهاؤنا ما بين‌ قائل‌ بالحرمة‌ أو قائل‌ بالكراهة‌ الشديدة‌ الاكيدة‌ المغلّظة‌ التي‌ تلي‌ الحرمة‌ وتقاربها في‌ ميزانها ودرجتها.

 وقد ورد في‌ رواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نّه‌ قال‌: مَحَاشُّ النِّسَاءِ عَلَی‌ أُمَّتِي‌ حَرَامٌ. [19]

 وقد أرود السيوطي‌ّ و ابن‌ كثير في‌ تفسيريهما أنّ أحمد بن‌ حنبل‌، وعبدبن‌ حميد، والترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ، وأبا يعلي‌، وابن‌ جرير، وابن‌ المنذر، وابن‌ أبي‌ حاتم‌، وابن‌ حبّان‌، والطبراني‌ّ، والخرائطي‌ّ في‌ « مساوي‌ الاخلاق‌ »، والبيهقي‌ّ في‌ « السنن‌ »، والضياء في‌ « المختارة‌ »، رووا عن‌ ابن‌ عبّاس‌ أ نّه‌ قال‌:

 جَاءَ عُمَرُ إلَي‌ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَهِ؛ هَلَكْتُ!

 قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟! قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي‌ اللَّيْلَةَ! فَلَمْ يَرُدَّ عَلَیْهِ شَيْئاً، فَأُوحَي‌ اللَهُ إلَي‌ رَسُولِهِ هذِهِ الآيَةَ: «نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّي‌' شِئْتُمْ». [20]

 يقول‌: أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالحَيْضَةَ. [21]

 ورووا كذلك‌ عن‌ أحمد بن‌ حنبل‌، عن‌ ابن‌ عبّاس‌ أنّ جماعة‌ من‌ الانصار أتوا النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فسألوه‌ فنزلت‌ هذه‌ الآية‌: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 إئْتِهَا عَلَی‌ كُلِّ حَالٍ إذَا كَانَ فِي‌ الفَرْجِ. [22]

 وبغضّ النظر عن‌ الشرع‌ والشريعة‌، فإنّ مضار جماع‌ النساء في‌ الدبر قد ثبت‌ في‌ الطبّ أيضاً. [23]

 يقول‌ الميرزا محمّد حكيم‌( ملك‌ الاطبّاء): ومن‌ بين‌ أنواع‌ الجماع‌ الذي‌ ينبغي‌ الاحتراز عنه‌ اللواط‌ بالنساء، فقد وجد بالتجربة‌ أنّ أولاد شخص‌ كهذا سيبتلون‌ بالعلّة‌ المعروفة‌، [24] وهناك‌ جملة‌ من‌ الحكايات‌ والاخبار الطبّيّة‌ في‌ هذا الباب‌، ذكرها في‌ هذه‌ الرسالة‌ مستوجب‌ للاءطالة‌. [25]

 وبغضّ النظر عن‌ هذا كلّه‌، فإنّ مسائل‌ العلاقات‌ الجنسيّة‌ بين‌ الجنس‌ الواحد، وشيوع‌ هذا الفعل‌ الشنيع‌ اليوم‌ في‌ بلاد أُوروبّا وأمريكا المتقدّمة‌ قد أوجد الامراض‌ المهلكة‌ للحدّ الذي‌ سبب‌ هستيريا أولياء أمُورهم‌؛ ولينبغي‌ حقّاً تسمية‌ هؤلاء بوحوش‌ العالم‌، وتسمية‌ تلك‌ البقاع‌ ب بِرْكَةِ السِّبَاعِ أو حديقة‌ الحيوانات‌.

 فعدا أمراض‌ السفلس‌ والسيلان‌ وأشباههما، فإنّ مرض‌ الاءيدز قد خيّم‌ علي‌ الجميع‌ كالغيوم‌ السوداء المهولة‌ وكالغول‌ المهيب‌ المفزع‌، وأنذر الجميع‌ بالموت‌ المحتّم‌.

 هذا الميكروب‌ الخطر الذي‌ لم‌ يستطيعوا حتّي‌ الآن‌ اكتشاف‌ مصل‌ مضادّ له‌ لتطعيم‌ الناس‌ به‌، يبدأ فعّاليّته‌ حال‌ دخوله‌ البدن‌، وتعجز كريّات‌ الدم‌ البيضاء عن‌ مقاومته‌، لذا فهو يضعها علي‌ حافّة‌ الموت‌ والهلاك‌ خلال‌ مدّة‌ وجيزة‌.

 وطبقاً لاءحصائيّة‌ أحد التقارير، فإنّ من‌ كلّ 95% حالة‌ لمرض‌ الاءيدز وجدت‌ في‌ مجاميع‌ ستّ، فإنّ 2/72% منها كانت‌ خاصّة‌ بالرجال‌ الذين‌ لهم‌ علاقات‌ جنسيّة‌ مع‌ نفس‌ جنسهم‌ أو مع‌ الجنسين‌ كليهما نجمت‌ من‌ اللواط‌ أو من‌ عقد علاقات‌ جنسيّة‌ مع‌ أزواج‌ متعدّدة‌. وكانت‌ المجاميع‌ الخمس‌ الباقية‌ المسبّبة‌ عن‌ الاعتياد ونقل‌ الدم‌ وأمثالها ترجع‌ أيضاً إلي‌ خصوص‌ مسألة‌ اللواط‌. [26]

 فها هي‌ مردودات‌ البناء الشامخ‌ للمدنيّة‌ والثقافة‌ الجديدة‌ وصرحها المشـيد، فقد أعادت‌ هؤلاء المساكين‌ إلي‌ مسـتوي‌ أوطأ من‌ قوم‌ لوط‌، ومرّغتهم‌ في‌ مستنقع‌ الرذيلة‌ والدناءة‌.

  الرجوع الي الفهرس

الغیرة علی العرض و المحافظة علی النساء و الحجاب من الأحکام الأولیة

 ومع‌ أنّ الزنا ليس‌ كاللواط‌ في‌ مجانبة‌ سبيل‌ البذر والتناسل‌ ـولهذا السبب‌ فإنّ عقوبته‌ أخفّ من‌ حدّ اللواط‌ـ لكنّه‌ مع‌ ذلك‌ يمتلك‌ قبحاً فطريّاً بلحاظ‌ حفظ‌ النسب‌ والاولاد، وتبعاً للغيرة‌ التي‌ وهبها الله‌ للرجال‌ علي‌ عرضهم‌ وناموسهم‌. وقد حُرّم‌ الزنا في‌ جميع‌ الشرائع‌، بل‌ إنّه‌ كان‌ يعدّ من‌ الاُمور الشنيعة‌ والقبيحة‌ عند الاقوام‌ الهمجيّين‌ والصحراويّين‌ قبل‌ التشريع‌، بل‌ حتّي‌ عند المادّيّين‌ والطبيعيّين‌ من‌ منكري‌ الخالق‌ ومنكري‌ الوحي‌ والنبوّة‌ والشرائع‌.

 وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَي‌'´ إِنَّهُ و كَانَ فَـ'حِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً. [27]

 وقد بلغ‌ قبح‌ هذا العمل‌ حدّاً بحيث‌ قرنه‌ الباري‌ في‌ قرآنه‌ بقتل‌ النفس‌ المحترمة‌:

 وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي‌ حَرَّمَ اللَهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ. [28]

 وبحيث‌ جُعل‌ رديفاً للشرك‌ بالله‌ والسرقة‌ التي‌ كان‌ رسول‌ الله‌ يبايع‌ النساء أواخر زمان‌ الهجرة‌ بشرط‌ اجتنابها، فيقبل‌ منهنّ إسلامهنّ بهذه‌ الشروط‌:

 يَـ'´أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَـ'تُ يُبَايِعْنَكَ عَلَی‌'´ أَن‌ لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلَـ'دَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَـ'نٍ يَفْتَرِيَنَهُ و بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي‌ مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَهَ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [29]

 كذلك‌ فإنّ قبح‌ هذا العمل‌ ووقاحته‌ كانت‌ للحدّ الذي‌ عُبّر عنه‌ في‌ كثير من‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ بالفاحشة‌ والفحشاء.

 فيقول‌ بشأن‌ يوسف‌ النبي‌ّ الذي‌ آثر السجن‌ علي‌ الزنا مع‌ زُلَيخا امرأة‌ عزيز مصر:

 كَذَ ' لِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّو´ءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنَّهُ و مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. [30]

 وَالَّـ'تِي‌ يَأْتِينَ الْفَـ'حِشَةَ مِنْ نِّسَآنءِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ. [31]

 وَإِذَا فَعَلُوا فَـ'حِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَیْهَا ءَابَآءَنَا وَاللَهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَی‌ اللَهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. [32]

 ونلحظ‌ هنا أنّ مشركي‌ العرب‌ كانوا ينسبون‌ الامر بالزنا إلي‌ الله‌ سبحانه‌، وربّما كان‌ معناه‌ إرادة‌ السنّة‌ التكوينيّة‌، حيث‌ ردّ الباري‌ قولهم‌، وبيّن‌ أن‌: ليس‌ هناك‌ من‌ عمل‌ قبيح‌ وفاحشة‌ وزِناً يصبح‌ عملاً فطريّاً وسنّة‌ إلهيّة‌.

 إنّ شعور الغيرة‌ علي‌ الاُنثي‌ وحفظها وصونها من‌ عبث‌ العابثين‌ وعن‌ مسّ أيادي‌ السوء أمر ملحوظ‌ ومشاهد في‌ كثير من‌ الحيوانات‌ التي‌ يصل‌ بها الامر إلي‌ إيثار الموت‌ والتضحية‌ بالروح‌ حفظاً للناموس‌. فالديك‌ مثلاً له‌ عشق‌ وعلاقة‌ حميمة‌ بأُنثاه‌، فهو يقاتل‌ ويُقتل‌ من‌ أجل‌ منع‌ تعدّي‌ ديك‌ آخر علي‌ بيته‌ وحرمه‌، في‌ حين‌ يمتاز الخنزير من‌ بين‌ الوحوش‌ بفقدانه‌ الغيرة‌ علي‌ أُنثاه‌، فيُقال‌ إنّه‌ إن‌ شاء مجامعة‌ أُنثاه‌ فإنّه‌ يصوّت‌ بصوته‌ فيدعو باقي‌ الخنازير إليها، حتّي‌ يجامعها قبله‌ سبع‌ مرّات‌ خنازير آخرون‌، ثمّ يشرع‌ نفسه‌ في‌ مجامعتها. ولذا فقد حُرّم‌ لحم‌ الخنزير، إذ إنّ الآثار النفسيّة‌ والروحيّة‌ للخنزير تنتقل‌ بتناول‌ لحمه‌ إلي‌ الشخص‌ الآكل‌.

 وهكذا فإنّ أحد الاسباب‌ المهمّة‌ لفقدان‌ الاُوروبّيّين‌ والامريكان‌ للغيرة‌ هو تناولهم‌ لحوم‌ الخنازير، حيث‌ تنتقل‌ هذه‌ الروحيّة‌ مع‌ انتقال‌ خلايا بدن‌ الخنزير إلي‌ أبدانهم‌، فيبدأ مفعولها بالظهور آنيّاً، ثمّ يصبح‌ إثر التكرار والمداومة‌ علي‌ الاكل‌ ملكةً عندهم‌ تستأصل‌ الغيرة‌ والحميّة‌ من‌ نفوسهم‌.

 لكنّ الرجال‌ المسلمين‌ والمؤمنين‌ يصونون‌ نساءهم‌ في‌ ستر الحجاب‌ تبعاً لتعاليم‌ القرآن‌، كي‌ لا تلحظها نظرات‌ الخيانة‌ والتطفّل‌، ولئلاّ تتناثر أزهار حياتهنّ وعفّتهنّ وعصمتهنّ وتقواهنّ أو تتلاشي‌ في‌ مهبّ عواصف‌ الشهوات‌.

  الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الارجاعات:


[1] ـ تفسير «الميزان‌» للعلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ ج‌ 14، الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

 [2] ـ لم‌ يذكر العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ مثل‌ هذا الكلام‌ في‌ المقالة‌ السادسة‌.

 [3]ـ «كيهان‌ فرهنگي‌» العدد 52، تير ماه‌ 1367 شمسي‌ّ، رقم‌ 4، مقالة‌ «بسط‌ وقبض‌ تئوريك‌ شريعت‌»، ص‌ 17، العمودان‌ الاوّل‌ والثاني‌.

 [4] ـ الآيات‌ 30 إلي‌ 32، من‌ السورة‌ 30: الروم‌.

 [5] ـ الآية‌ 50، من‌ السورة‌ 20: طه‌، وهي‌ حكاية‌ الله‌ عن‌ جواب‌ موسي‌ وهارون‌ علي‌ سؤال‌ فرعون‌: «فمن‌ ربّكما يا موسي‌»؟

 [6] ـ الآيتان‌ 2 و 3، من‌ السورة‌ 87: الاعلي‌.

 [7] ـ الآيتان‌ 7 و 8، من‌ السورة‌ 91: الشمس‌.

 [8] ـ الآية‌ 20، من‌ السورة‌ 80: عبس‌.

 [9] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 16، ص‌ 186 إلي‌ 188.

 [10] ـ الآية‌ 50، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

 [11] ـ الآيات‌ 2 إلي‌ 5، من‌ السورة‌ 87: الاعلي‌.

 [12] ـ الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

 [13] ـ الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

 [14] ـ الآيتان‌ 80 و 81، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

 [15] ـ الآيتان‌ 28 و 29، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

 [16] ـ الآيتان‌ 54 و 55، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

 [17] ـ «أُصول‌ فلسفه‌ وروش‌ رئاليسم‌»(= أُسس‌ الفلسفة‌ والمذهب‌ الواقعي‌ّ) ج‌ 2، ص‌ 199 و 200، الطبعة‌ الاُولي‌، الناشر الشيخ‌ محمّد الآخوندي‌ّ.

 [18] ـ وردت‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ في‌ موضعين‌ من‌ القرآن‌، الاوّل‌: في‌ الآيتين‌ 5 و 6، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌: قَدْ أَفْلَحَ الْمُوْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي‌ صَلاَتِهِمْ خَـ'شِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَو'ةِ فَـ'عِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـ'فِظُونَ إِلاَّ عَلَي‌'´ أَزْوَ ' جِهِمْ أَمْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ.

 والثاني‌: في‌ الآيتين‌ 29 و 30، من‌ السورة‌ 70: المعارج‌: إِنَّ الاْءنسَـ'نَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَي‌ صَلاَتِهِمْ دَآنءِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ فِي‌´ أَمْوَ ' لِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآنءِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم‌ مِّن‌ عَذَابِ رَبِّهِم‌ مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـ'فِظُونَ * إِلاَّ عَلَي‌'´ أَزْوَ ' جِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـ'نُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ.

 [19] ـ هذا الرواية‌ صحيحة‌ يرويها سُدير عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ رسول‌ الله‌، وقد أورد الشهيد الثاني‌ في‌ «شرح‌ اللمعة‌» وروي‌ المجلسي‌ّ كذلك‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 23، ص‌ 98، طبعة‌ الكمـباني‌ّ، عن‌ «تفسـير العيّاشـي‌ّ» عن‌ يزيـد بن‌ ثابـت‌، قال‌: سـأل‌ رجـل‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أن‌ يؤتي‌ النساء في‌ أدبارهن‌؟ فقال‌: سَفَلْتَ سَفَلَ اللَهُ بِكَ! أَمَا سَمِعْتَ اللَهَ يَقُولُ: «أَتَأْتُونَ الْفَـ'حِشَةَ مَا سَبَقَكُم‌ بِهَا مِنَ أَحَدٍ مِنَ الْعَـ'لَمِينَ»؟

 وروي‌ العيّاشي‌ّ أيضاً عن‌ صفوان‌ بن‌ يحيي‌، عن‌ بعض‌ أصحاب‌ الرواية‌، قال‌: سألتُ أبا عبد الله‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ قول‌ الله‌: «نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّي‌' شِئْتُمْ. فقال‌: من‌ قدّامها وخلفها في‌ القُبل‌.

 وروي‌ العيّاشي‌ّ كذلك‌ عن‌ معمّر بن‌ خلاد، عن‌ الاءمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌: أي‌ّ شي‌ء يقولون‌ في‌ إتيان‌ النساء في‌ أعجازهنّ؟ قلتُ: بلغني‌ أنّ أهل‌ المدينة‌ لا يرون‌ به‌ بأساً؛ فقال‌: إنّ اليهود كانت‌ تقول‌: إذا أتي‌ الرجل‌ من‌ خلفها خرج‌ ولده‌ أحول‌، فأنزل‌ الله‌ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّي‌' شِئْتُم‌، يعني‌ من‌ خلف‌ أو قدّام‌ خلافاً لقول‌ اليهود، ولم‌يعنِ في‌ أدبارهنّ.

 وكذلك‌ روي‌ العيّاشي‌ّ عن‌ أبي‌ بصير عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌: سألته‌ عن‌ الرجل‌ يأتي‌ أهله‌ في‌ دبرها، فكره‌ ذلك‌ وقال‌: إنّما معني‌ «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّي‌' شِئْتُمْ»: أيَّ سَاعَةٍ شِئْتُمْ.

 وفي‌ مقابل‌ هذه‌ المجموعة‌ من‌ الروايات‌ فقد روي‌ العيّاشي‌ّ، عن‌ ابن‌ أبي‌ يعفور عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌: سألتُ أبا عبد الله‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ إتيان‌ النساء في‌ أعجازهنّ، قال‌: لا بأس‌، ثم‌ تلا هذه‌ الآية‌ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّي‌' شِئْتُمْ؛ ورواية‌ العيّاشي‌ّ عن‌ عبدالرحمن‌ بن‌ الحجّاج‌ قال‌: سمعتُ أبا عبد الله‌(الصادق‌) عليه‌ السلام‌ ذُكر عنده‌ إتيان‌ النساء في‌ أدبارهنّ، فقال‌: ما أعلم‌ آيةً في‌ القرآن‌ أحلّت‌ ذلك‌ إلاّ واحدة‌: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِن‌ دُونِ النِّسَآءِ.

 وروي‌ العيّاشي‌ّ أيضاً عن‌ الحسين‌ بن‌ علي‌ّ بن‌ يقطين‌ قال‌: سألتُ أبا الحسن‌(الكاظم‌) عليه‌ السلام‌ عن‌ إتيان‌ المرأة‌ من‌ خلفها؟ فقال‌: أحلّتها آية‌ في‌ كتاب‌ الله‌، قول‌ لوط‌: هَـ'ؤُلآءِ بَنَاتِي‌ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، وقد علم‌ أ نّهم‌ ليس‌ الفرج‌ يريدون‌.

عدم دلالة «فأتوا حرثکم أنی شئتم» علی وطء النساء من غیر الفرج

 إنّ ما يُستنتج‌ من‌ مجموع‌ هذه‌ الروايات‌ هو حرمة‌ الوط‌ء في‌ الدبر، لانّ معني‌ الحرث‌ هو الزراعة‌ والتناسل‌، وذلك‌ متحقّق‌ فقط‌ في‌ الفرج‌. وعلي‌ هذا فإنّ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّي‌' شِئْتُمْ ليس‌ بمعني‌ المكان‌، بل‌ بمعني‌ الكيفيّة‌، أي‌ أنّ الجماع‌ في‌ الفرج‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ بأيّة‌ صورة‌ ترغبون‌. والرواية‌ التي‌ تدلّ علي‌ أنّ المراد بـ أَ نَّي‌' زمانيّة‌ معارضة‌ بالرواية‌ التي‌ تدلّ علي‌ هذا المعني‌، لذا فهي‌ ساقطة‌؛ وكذلك‌ فصحيحة‌ ابن‌ أبي‌ يعفور معارضة‌ بهذه‌ الروايات‌ الكثيرة‌ الدالّة‌ علي‌ الحرمة‌، لذا تعدّ ساقطة‌، مع‌ أنّ وجود معارضتها للكتاب‌ يوجب‌ في‌ حدّ ذاته‌ سقوطها. وأمّا رواية‌ ابن‌ الحجّاج‌ ورواية‌ الحسين‌ بن‌ علي‌ّ بن‌ يقطين‌ فمتشابهة‌ في‌ المعني‌، لا نّها تستند إلي‌ آيتين‌ لا تدلّ أيّة‌ منهما علي‌ الجواز، لذا ينبغي‌ رفع‌ اليد عن‌ هذه‌ الروايات‌ المعارضة‌ لمخالفتها لظاهر الكتاب‌ أوّلاً، ولمعارضتها ـ ثانياً ـ الروايات‌ الكثيرة‌ الاُخري‌ التي‌ هي‌ أقوي‌ منها متناً وسنداً.

 [20] ـ الآية‌ 223، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌. وواضح‌ أنّ كلمة‌ أَ نَّي‌' في‌ هذه‌ الآية‌ ليست‌ بمعني‌ الزمان‌ والمكان‌، لتنافي‌ ذلك‌ مع‌ معني‌ الحَرْث‌ وهو الزرع‌ والتناسل‌. ويجب‌ أخذها بمعني‌ حَيْث‌ الدالّة‌ علي‌ الكيفيّة‌ ليناسب‌ ذلك‌ معني‌ الحرث‌. وفي‌ هذه‌ الحالة‌، يمكن‌ عدّ هذه‌ الآية‌ أيضاً من‌ أدلّة‌ حرمة‌ الوط‌ء في‌ الدبر.

 [21] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 262؛ و«تفسير ابن‌ كثير» الدمشقي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 463. طبعة‌ دار الفكر.

 [22] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 262؛ و«تفسير ابن‌ كثير» الدمشقي‌ّ، ج‌ 1، ص‌ 463. طبعة‌ دار الفكر.

 [23] ـ ويتّضح‌ ممّا قيل‌ مدي‌ ضحالة‌ ما أورده‌ الدكتور روشنگر في‌ «بازشناسي‌ قرآن‌» بالفارسيّة‌، ص‌ 275، وافتقاره‌ الاساس‌ المتين‌، وإسناده‌ جواز وط‌ء النساء من‌ الدُّبر مستنداً علي‌ كلمة‌ أَ نَّي‌' في‌ القرآن‌ الكريم.

 [24] ـ علي‌ ما يبدو أنّ المراد من‌ العلّة‌ المعروفة‌ هو مرض‌ الاُبنة‌، أي‌ المرض‌ الذي‌ يصيب‌ الدُّبر فلا يهدأ إلاّ بوط‌ء الرجال‌ ومنيّهم‌.

 [25] ـ رسالة‌ «حفظ‌ صحّت‌ ناصري‌» بالفارسيّة‌، ص‌ 158، وكان‌ قد كتبها لناصرالدين‌ شاه‌.

 [26] ـ رسالة‌ «الاءيدز» ص‌ 11 و 12، تأليف‌ الدكتور حسين‌ صادقي‌ شجاع‌، من‌ نشريات‌ مديرية‌ التعليم‌ والتدريب‌ الصحي‌ّ لوزارة‌ الصحّة‌.

 [27] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

 [28] ـ الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

 [29] ـ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 60: الممتحنة‌.

 [30] ـ ذيل‌ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

 [31] ـ صدر الآية‌ 15، من‌ السورة‌ 4: النساء.

 [32] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

  الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

 الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com