بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد السابع / القسم الثامن: معنی شهادة الاعمال و القرآن یوم القیامة، ارجحیة المؤمن علی القرآن و الکع...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

معني‌ إيحاء الله‌ للارض‌ لاداء الشهادة‌

 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَي‌' لَهَا.

 أي‌ أنّ الله‌ عزّ وجلّ يعطي‌ الارض‌ قوّة‌ يمكنها من‌ خلالها إخراج‌ تلك‌ الوقائع‌ التي‌ قامت‌ بتسجيلها وحفظها في‌ الديوان‌ بعنوان‌ واردات‌ دونما تغيير أو تبديل‌، وعرض‌ تلك‌ الوقائع‌ حين‌ يحين‌ موعد العرض‌ والمناقشة‌ في‌ محكمة‌ العدل‌ الإلهي‌ّ، وإظهارها علی مرأيً ومسمع‌ من‌ أصحابها وليراها غيرأصحابها ممّن‌ يشاء الله‌ سبحانه‌.

 يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أعْمَـ'لَهُمْ.

 يخرج‌ الناس‌ جماعات‌ جماعات‌ ليروا أعمالهم‌ ويتّضح‌ بأن‌ حديث‌ الارض‌ يتمثّل‌ في‌ عرضها وإراءتها. أي‌ أنّ حكاية‌ هذه‌ الارض‌ ما أوحي‌ لها الله‌ تتمثّل‌ في‌ عرضها الاعمال‌ أمام‌ أنظار أصحابها. فحديثها وكلامها ـ إذاًـ هو عرضها وإراءتها.

 وسيُقال‌ للإنسان‌: تعالَ وانظر أعمالك‌! فمن‌ عمل‌ صالحاً، شاهد عمله‌ الصالح‌؛ ومن‌ ارتكب‌ عملاً طالحاً شاهده‌ بصفته‌ ونعته‌، إذ إنّ ما يصدر من‌ الإنسان‌ في‌ عالم‌ الموجود ثابت‌ لا يزول‌، ومن‌ المحال‌ أن‌ يطرأ العدم‌ علی شي‌ء تلبّس‌ برداء الوجود. منتهي‌ الامر أنّ العمل‌ يختفي‌ عن‌ ناظر الإنسان‌، ثمّ يفتح‌ ديوان‌ الارض‌ فتتبدّل‌ الورادات‌ إلی صادرات‌، ويُعطي‌ كلّ امري‌ سجلّه‌ بيده‌ ويقال‌ له‌: تطلّع‌ وانظر مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَشَرٍّ.

 ويستفاد من‌ هذه‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ أن‌ بقاع‌ الارض‌ تشهد علی كلّ عمل‌ يُرتكَب‌ عليها، وعلی كلّ حادثة‌ تقع‌ فوقها. فكلّ نقطة‌ من‌ الارض‌ لها مع‌ الإنسان‌ نسبة‌ وعلاقة‌ تجعلها تشهد علی سلوكه‌ وسيرته‌.

 فجبال‌ الهمالايا ـ مثلاً ـ لا تشهد علی عملنا، بل‌ ستشهد عليه‌ البقاع‌ والاماكن‌ التي‌ لنا معها ارتباط‌ ونسبة‌، والتي‌ وقعت‌ ظرفاً لمكاننا بعنوان‌ « أين‌ ». كما أنّ الازمنة‌ السالفة‌ مثل‌ أيّام‌ موسي‌ وعيسي‌ عليهما السلام‌ لاتشهد علی أعمالنا، بل‌ الشاهد عليها هو الزمن‌ الذي‌ نعيش‌ فيه‌، والظرف‌ الزمني‌ّ الذي‌ يحتوي‌ وجودنا.

 لذا فإنّ كلّ أرض‌ وزمان‌ ستحكي‌ عن‌ تلك‌ النسب‌ والارتباطات‌ التي‌ أخذتها وتحمّلتها من‌ جميع‌ الافراد الموزّعين‌ علی ظهرها. وقد ذُكرت‌ هذه‌ المطالب‌ تحت‌ عنوان‌ الفلسفة‌ الكلّيّة‌ لشهادة‌ الامكنة‌ والبقاع‌ والزمان‌ والارض‌، أمّا بالعنوان‌ الفرعي‌ّ، فلدينا روايات‌ في‌ هذا المجال‌ جاء فيها أنّ كلّ مكان‌ تصلّي‌ فيه‌ يشهد علی صلاتك‌، وكلّ مكان‌ تزوره‌ يشهد لك‌، وكلّ مكان‌ تحجّه‌ يشهد لك‌. فأرض‌ عرفات‌ والمشعر ومني‌ تشهد يوم‌ القيامة‌ علی وقوفك‌ ومبيتك‌ وتقديمك‌ القربان‌ ورميك‌؛ وجبلا الصفا والمروة‌ يشهدا. كما أنّ السعي‌ بين‌ الصفا والمروة‌، والطواف‌ حول‌ الكعبة‌ لهما روح‌ ونور وحياة‌ وشعور، وهما شاهدان‌ سيشهدان‌.

 وهذه‌ الروايات‌ من‌ الكثرة‌ بحيث‌ تضيق‌ علی الحصر والإحصاء، بَيدَ أ نّها لم‌تجمع‌ في‌ باب‌ واحد بل‌ وردت‌ متفرّقة‌ في‌ أبواب‌ الفقه‌ والزيارات‌ والادعية‌ والقرآن‌.

 فلدينا في‌ كتاب‌ الصلاة‌ ـ مثلاً ـ أخبار عن‌ البقاع‌ التي‌ تشهد علی الصلوات‌ التي‌ صلاّها المرء عليها، سواءً الصلوات‌ المستحبّة‌ كصلاة‌ الغفيلة‌ وصلاة‌ ليلة‌ الرغائب‌ أم‌ سائر الصلوات‌ اليوميّة‌. وكذلك‌ الامر بالنسبة‌ إلی الحجّ والجهاد والمرابطة‌ والامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر. والروايات‌ الواردة‌ في‌ هذا المجال‌ جمّة‌ لامجال‌ لإحصائها.

 الرجوع الي الفهرس

شهادة‌ الصلاة‌ والصيام‌ يوم‌ القيامة‌

 هذا في‌ شأن‌ شهادة‌ الزمان‌ والمكان‌، أمّا بالنسبة‌ إلی شهادة‌ الاعمال‌ فهناك‌ باب‌ مفصّل‌ أيضاً في‌ أنّ الصلاة‌ التي‌ يصلّيها المرء، والصوم‌ الذي‌ يصومه‌، والحجّ الذي‌ يحجّه‌، والجهاد الذي‌ يقوم‌ به‌ في‌ سبيل‌ الله‌ تعالي‌ وكلّ عمل‌ حسن‌ أو سيّي‌ يفعله‌ سيشهد يوم‌ القيامة‌ علی الإنسان‌.

 وتبعاً للمقدّمات‌ التي‌ مرّت‌ في‌ المجالس‌ الاخيرة‌، فقد اتّضح‌ معني‌ الشهادة‌ وكيفيّتها وأصل‌ ثبوت‌ الشهادة‌ وضوحاً ينفي‌ الحاجة‌ للبحث‌ في‌ شأنها مجدّداً. إذ إنّ نفس‌ العمل‌ هو أحد معطيات‌ عالم‌ التكوين‌.

 وتبعاً للقاعدة‌ العامة‌: وَكَلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَـ'هُ فِي‌ إِمَامٍ مُّبِينٍ، فإنّ كلّ ما يمكن‌ أن‌ يدعوه‌ المرء شيئاً سيكون‌ محفوظاً في‌ عالم‌ التكوين‌ وفي‌ كتاب‌ الله‌ المبين‌ وروحه‌: الإمام‌ المبين‌، ومن‌ جملة‌ تلك‌ الاشياء نفس‌ عمل‌ الإنسان‌. وكما أنّ وجود الإنسان‌ محفوظ‌، فإنّ أعماله‌ ( التي‌ هي‌ من‌ وقائعه‌ ومُعطياته‌ ) محفوظة‌ بدورها. وهذه‌ الوقائع‌ تزول‌ تبعاً للصور المختلفة‌ التي‌ تتّخذها لنفسها مادّة‌ الإنسان‌ وبدنه‌، إلاّ أ نّها تزول‌ إذ تزول‌ حين‌ تكون‌ تلك‌ الصورة‌ قد تبدّلت‌. أمّا في‌ الحال‌ التي‌ بدر فيها ذلك‌ العمل‌ من‌ الإنسان‌، فإنّ ذلك‌ العمل‌ سيُعدّ من‌ لوازم‌ الصورة‌ التي‌ تلبّس‌ بها الإنسان‌ آنذاك‌، وهو ـ بهذا اللحاظ‌ـ غيرقابل‌ للزوال‌ والانعدام‌. أي‌ أنّ الاعمال‌ ملازمة‌ للصورة‌ الإنسانيّة‌ للإنسان‌ وغير قابلة‌ للانعدام‌ مع‌ قيد أنّ تلك‌ الصورة‌ هي‌ صورة‌ الإنسان‌ يوم‌ أمس‌ مثلاً. فتلك‌ المادّة‌ قد فقدت‌ الصورة‌ التي‌ امتلكتها يوم‌ أمس‌ واتّخذت‌ لنفسـها صـورة‌ اليوم‌ الحالي‌. وكما أنّ الصـورة‌ السـابقة‌ لم‌تنعدم‌، فإنّ الاعمال‌ الموجودة‌ والملازمة‌ لتلك‌ الصـورة‌ لم‌تنعدم‌ بدورها.

 ولقد تقدّمت‌ تلك‌ الصورة‌ إلی الامام‌ لكنها لم‌ تنعدم‌ بصورة‌ مطلقة‌. ومع‌ أ نّها غيرمشهودة‌ في‌ هذا الزمان‌، إلاّ أ نّها باقية‌ يوم‌ أمس‌ ـ مع‌ قيد يوم‌ أمس‌ـ وستبقي‌ باقية‌ فيه‌ علی الدوام‌. ولقد كانت‌ تلك‌ الاعمال‌ صادرات‌ نفس‌ الإنسان‌ ومن‌ لوازمه‌ التي‌ لا تنفكّ عنه‌، وهي‌ محفوظة‌ مع‌ صورة‌ الإنسان‌ مهما شاء الإنسان‌ أن‌ يفعل‌.

 يروي‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ عن‌ « معاني‌ الاخبار » و « أمالي‌ الصدوق‌ » و « خصال‌ الصدوق‌ » بسند الصدوق‌ المتّصل‌ إلی سهل‌بن‌ سعد، قال‌:

 جَـاءَ جِبْرَئِيلُ عَلَيهِ السَّـلاَمُ إلی النَّبِـي‌ِّ صَـلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِـهِ فَقَالَ: يَامُحَمَّدُ! عِشْ مَا شِئْتَ فَإنَّكَ مَيِّتٌ! وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإنَّكَ مُفَارِقُهُ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإنَّكَ مَجْزِي‌ُّ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ المُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ. [1]

 وعلی أيّة‌ حال‌، فإنّ جميع‌ الاعمال‌ ستوضع‌ أمام‌ الإنسان‌ يوم‌ القيامة‌ من‌ صلاة‌ وصوم‌ وزكاة‌ وزنا وكذب‌ ودغل‌ وغشّ وسرقة‌ وحيلة‌ وأمثال‌ ذلك‌، ولو كانت‌ بقدر ذرّة‌ واحدة‌. فماذا تعادل‌ الذرّة‌ الواحدة‌ ياتري‌؟ الذرّة‌ عبارة‌ عن‌ واحدة‌ من‌ النقاط‌ المادّيّة‌ الصغيرة‌ المجهريّة‌ المنتشرة‌ في‌ الفضاء، والتي‌ تتعذّر مشاهدتها إلاّ حين‌ يجلس‌ المرء في‌ الظلام‌ ويفتح‌ نافذة‌ صغيرة‌ لدخول‌ النور. فحينذاك‌ فقط‌ ستُشاهد الذرّات‌ السريعة‌ متحرّكة‌ في‌ عمود الضياء، وهي‌ من‌ الصغر بحيث‌ لو جمع‌ منها الملايين‌ لما عادلت‌ غراماً واحداً.

 فأي‌ّ ميزان‌ دقيق‌ سيضعه‌ الحقّ عزّ وجلّ هناك‌، بحيث‌ يقدر علی تشخيص‌ الاعمال‌ وإظهارها للإنسان‌ ولو كانت‌ بقدر مثقال‌ ذرّة‌؟

 إنّ بعض‌ الموازين‌ في‌ هـذا العالم‌ تتجـاوز نسـبة‌ الخطـأ فيها عدّة‌ كيلوغرامات‌، وبعضٌ آخر من‌ أجهزة‌ وزن‌ السيّارات‌ تصل‌ نسبة‌ الخطأ فيها إلی مائة‌ كيلوغرام‌، نعوذ بالله‌ من‌ ميزانه‌ الإلهي‌ّ الذي‌ يعيّن‌ الذرّة‌ الواحدة‌ من‌ الخير، والذرّة‌ الواحدة‌ من‌ الشرّ، فيظهرهما للإنسان‌.

 وسنتحدّث‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌ في‌ بحث‌ الميزان‌ عن‌ كيفيّة‌ ووضع‌ ميزان‌ الاعمال‌ الإلهي‌ّ يوم‌ القيامة‌.

 الرجوع الي الفهرس

تخطّي‌ القرآن‌ صفوف‌ الخلائق‌ يوم‌ القيامة‌

 هذا وقد وردت‌ روايات‌ حول‌ تكلّم‌ القرآن‌ الكريم‌ وشهادته‌ يوم‌ القيامة‌، إلاّ أ نّنا سنذكر رواية‌ ذات‌ مضمون‌ رفيع‌ وردت‌ في‌ كتاب‌ « الكافي‌ » الشريف‌. يروي‌ محمّدبن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ عن‌ علی بن‌ محمّد، عن‌ علیبن‌ العبّاس‌، عن‌ الحسين‌ بن‌ عبد الرحمن‌، عن‌ سفيان‌ الجريري‌ّ، عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد الخفّاف‌، عن‌ الإمام‌ أبي‌ جعفر الباقر عليه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌:

 يَا سَعْدُ! تَعَلَّمُوا القُرْآنَ فَإنَ القُرْآنَ يَأْتِي‌ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي‌ أَحْسَنِ صُورَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا الخَلْقُ وَالنَّاسُ صَفُوفٌ عِشْرُونَ وَمِائَةُ أَلْفِ صَفٍّ: ثَمَانُونَ أَلْفِ صَفٍّ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَأَرْبَعُونَ أَلْفِ صَفٍّ مِنْ سَائِرِ الاُمَمِ.

 ثمّ قال‌ الإمام‌: فيأتي‌ علی صفّ المسلمين‌ في‌ صورة‌ رجل‌ فيسلّم‌ فينظرون‌ إليه‌ ثمّ يقولون‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، إنّ هذا الرجل‌ من‌ المسلمين‌ نعرفه‌ بنعته‌ وصفته‌ غير أ نّه‌ كان‌ أشدّ اجتهاداً منّا في‌ القرآن‌، فمن‌ هناك‌ أُعطـي‌ من‌ البهاء والجمـال‌ والنـور ما لم‌ نعطـه‌، ثمّ يجـاوز ( يتجاوزـ خ‌ ل‌ ) حتّي‌ يأتي‌ علی صفّ الشهداء فينظر إليه‌ الشهداء ثمّ يقولون‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ الرَّبُّ الرَّحِيمُ، إنّ هذا الرجل‌ من‌ الشهداء نعرفه‌ بسمته‌ وصفته‌ غير أ نّه‌ من‌ شهداء البحر، فمن‌ هناك‌ أُعطي‌ من‌ البهاء والفضل‌ ما لم‌ نُعطه‌.

 قال‌: فيجاوز ( فيتجاوز ـ خ‌ ل‌ ) حتّي‌ يأتي‌ علی صفّ شهداء البحر في‌ صورة‌ شهيد، فينظر إليه‌ شهداء البحر فيكثر تعجّبهم‌ ويقولون‌:

 إنّ هذا من‌ شهداء البحر نعرفه‌ بسمته‌ وصفته‌، غير أنّ الجزيرة‌ التي‌ أُصيب‌ فيها كانت‌ أعظم‌ هولاً من‌ الجزيرة‌ التي‌ أصبنا فيها، فمن‌ هناك‌ أُعطي‌ من‌ البهاء والجمال‌ والنور ما لم‌ نعطه‌.

 ثمّ يجاوز ( يتجاوز ـ خ‌ ل‌ ) حتّي‌ يأتي‌ صفّ النبيّين‌ والمرسلين‌ في‌ صورة‌ نبي‌ّ مُرسَل‌، فينظر النبيّون‌ والمرسلون‌ إليه‌ فيشتدّ لذلك‌ تعجّبهم‌ ويقولون‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ. إنّ هذا لنبي‌ٌّ مرسلُ نعرفه‌ بصفته‌ وسمته‌ غيرأ نّه‌ أُعطي‌ فضلاً كثيراً.

 قال‌: فيجتمعون‌ فيأتون‌ رسولَ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ فيسألونه‌ ويقولون‌: يامحمّد! مَن‌ هذا؟ فيقول‌: أوَ ما تعرفونه‌؟ فيقولون‌: ما نعرفه‌، هذا ممّن‌ لم‌يغضب‌ الله‌ عليه‌. فيقول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌: هذا حجّة‌الله‌ علی خلقه‌. فيسلّم‌ ثمّ يجاوز حتّي‌ يأتي‌ صفّ الملائكة‌ في‌ صورة‌ مَلَك‌ مقرّب‌ فينظر إليه‌ الملائكة‌ فيشتدّ تعجّبهم‌ ويكبر ذلك‌ عليهم‌ لما رأوا من‌ فضله‌ ويقولون‌: تَعَالَي‌ رَبُّنَا وَتَقَدَّسَ. إنّ هذا العبد من‌ الملائكة‌ نعرفه‌ بسمته‌ وصفته‌، غير أ نّه‌ كان‌ أقرب‌ الملائكة‌ من‌ الله‌ عزّ وجلّ مقاماً. من‌ هناك‌أُلبس‌ من‌ النور والجمال‌ ما لم‌ نلبس‌. ثمّ يجاوز حتّي‌ ينتهي‌ إلی ربّ العزّة‌ تبارك‌ وتعالي‌ فيخرّ تحت‌ العرش‌، فيناديه‌ تبارك‌ وتعالي‌: ياحجّتي‌ في‌ الارض‌ وكلامي‌ الصادق‌ الناطق‌! ارفعْ رأسك‌ وسَلْ تُعْطَ واشفعْ تُشَفَّعْ. فيرفع‌ رأسه‌ فيقول‌ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌: كيف‌ رأيتَ عبادي‌؟ فيقول‌: ياربِّ منهم‌ من‌ صانني‌ وحافظ‌ علی ولم‌ يضيّع‌ شيئاً، ومنهم‌ من‌ ضيّعني‌ واستخفّ بحقّي‌ وكذّب‌ وأنا حجّتك‌ علی جميع‌ خلقك‌. فيقول‌ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌: وعزّتي‌ وجلالي‌ وارتفاع‌ مكاني‌ لاثيبنّ عليك‌ اليوم‌ أحسن‌ الثواب‌ ولاُعاقبنّ عليك‌ اليوم‌ أليم‌ العقاب‌.

 قال‌: فيرفع‌ القرآن‌ رأسه‌ في‌ صورة‌ أُخري‌. قال‌: فقلتُ له‌: ياأبا جعفر! في‌ أي‌ّ صورةٍ يرجع‌؟

 قال‌: في‌ صورة‌ رجل‌ شاحب‌ متغيّر ينكره‌ أهل‌ الجمع‌. فيأتي‌ الرجل‌ من‌ شيعتنا الذي‌ كان‌ يعرفه‌ ويجادل‌ به‌ أهل‌ الخلاف‌ فيقوم‌ بين‌ يديه‌ فيقول‌: ما تعرفني‌؟ فينظر إليه‌ الرجل‌ فيقول‌: ما أعرفك‌ يا عبدالله‌.

 قال‌: فيرجع‌ في‌ صورته‌ التي‌ كانت‌ في‌ الخلق‌ الاوّل‌ فيقول‌: ما تعرفني‌؟

 فيقول‌: نعم‌.

 فيقول‌ القرآن‌: أنا الذي‌ أسهرت‌ ليلك‌ وأنصبت‌ عيشك‌، وسمعتَ الاذي‌ ورجمت‌ بالقول‌ في‌ّ، ألا وإنّ كلّ تاجر قد استوفي‌ تجارته‌ وأنا وراءك‌ اليوم‌.

 قال‌: فينطلق‌ به‌ إلی ربّ العزّة‌ تبارك‌ وتعالي‌ فيقول‌: ياربِّ! عبدك‌ وأنتَ أعلم‌ به‌ قد كان‌ نصباً بي‌ مواضباً علی، يُعادي‌ بسببي‌ ويحبّ في‌َّ ويبغض‌ في‌َّ.

 فيقول‌ الله‌ عزّ وجلّ: أدخلوا عبدي‌ جنّتي‌ واكسوه‌ حلّة‌ من‌ حلل‌ الجنّة‌ وتوّجوه‌ بتاج‌.

 فإذا فُعل‌ به‌ ذلك‌ عُرض‌ علی القرآن‌ فيُقال‌ له‌: هل‌ رضيتَ بما صُنع‌ بوليّك‌؟

 فيقول‌: يا ربِّ! إنّي‌ أستقلّ هذا له‌، فزده‌ مزيد الخير كلّه‌.

 فيقول‌: وعزّتي‌ وجلالي‌ وعلوّي‌ وارتفاع‌ مكاني‌ لانحلنّ له‌ اليوم‌ خمسة‌ أشياء مع‌ المزيد له‌ ولمن‌ كان‌ بمنزلته‌: ألا إنّهم‌ شباب‌ لايهرمون‌ وأصحّاء لايسقمون‌، وأغنياء لايفتقرون‌، وفرحون‌ لايحزنون‌، وأحياء لايموتون‌. ثمّ تلا هذه‌ الآية‌: لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الاُولَي‌.[2]

 قلتُ: جُعلتُ فداك‌ يا أبا جعفر! وهل‌ يتكلّم‌ القرآن‌؟

 فتبسّم‌ ثمّ قال‌: رحم‌ الله‌ الضعفاء من‌ شيعتنا، إنّهم‌ أهل‌ تسليم‌.

 ثمّ قال‌: نعم‌ يا سعد؛ والصلاة‌ تتكلّم‌ ولها صورة‌ وخلق‌ تأمر وتنهي‌.

 قال‌ سعد: فتغيّر لذلك‌ لوني‌ وقلت‌: هذا شي‌ءٌ لا أستطيع‌ أن‌ أتكلّم‌ به‌ في‌ الناس‌.

 فقال‌ أبو جعفر عليه‌ السلام‌: وهل‌ الناس‌ إلاّ شيعتنا؟ فمن‌ لم‌يعرف‌ الصلاة‌ فقد أنكر حقّنا. ثمّ قال‌: يا سعد! أُسمعك‌ كلام‌ القرآن‌؟

 قال‌ سعد، فقلت‌: بلي‌ صلّي‌ الله‌ عليك‌.

 فقال‌: إِنَّ الصَّلَو'ةَ تَنْهَي‌' عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَهِ أَكْبَرُ. [3]

 فالنهي‌ كلام‌، والفحشاء والمنكر رجال‌، ونحن‌ ذكر الله‌ ونحن‌ أكبر. [4]

 الرجوع الي الفهرس

القرآن‌ هو الكتاب‌ الواقعي‌ّ الوحيد لهداية‌ البشريّة‌

 والخلاصة‌، فقد هجر كثيرٌ من‌ الناس‌ القرآن‌ الكريم‌، وتخيّلته‌ طائفة‌ منهم‌ كذباً واختلاقاً وقالوا بأنّ آية‌ الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ علی النِّسَآءِ لاتنسجم‌ مع‌ هذا العصر، وبأنّ هذه‌ الآية‌ ينبغي‌ ألاّ تُقرأ أساساً ولا أن‌ تذكر ولا أن‌ تُفسَّر.

 لقد شقي‌ أكثر المسلمون‌. أتعلمون‌ لماذا؟ لا نّهم‌ تأثّروا بالحضارة‌ الغربيّة‌ إلی الحدّ الذي‌ صار ينبغي‌ فيه‌ للقرآن‌ أن‌ يُفسَّر وفقاً لرغبات‌ الاُمم‌ الكافرة‌ وشـهواتها. حتّي‌ صـار بعض‌ أصحاب‌ الاختصـاص‌ يقولـون‌ بلامواربة‌ بأنّ الإسلام‌ قد ساوي‌ بين‌ الرجل‌ والمرأة‌ في‌ الحقوق‌. أي‌ أنّ الحضارة‌ الغربيّة‌ وثقافة‌ الكفر ترعرعت‌ في‌ قلوبهم‌ وأفكارهم‌ وتجذّرت‌ وامتدّت‌ باسقة‌ حتّي‌ كأ نّهم‌ يخجلون‌ أن‌ يقولوا بأنّ ذلك‌ الكلام‌ كلامٌ خاطي‌، وبأن‌ الإسلام‌ لم‌ يساوِ بين‌ المرأة‌ والرجل‌. بل‌ أعطي‌ كلاّ منهما حقوقه‌ وفقاً لمعايير الضرورات‌ الفطريّة‌، وهو معني‌ يختلف‌ عن‌ التساوي‌ في‌ الحقوق‌.

 إنّ المرأة‌ والرجل‌ يقفان‌ في‌ درجتين‌ مختلفتين‌، وليسا متساويين‌ في‌ أي‌ّ أمر من‌ الاُمور. وقد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي‌ عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ. [5]

 يقولون‌: إنّنا لا نفهم‌ معني‌ هذه‌ الآية‌.

 سلب‌ الله‌ منكم‌ الفهم‌ والإدراك‌. إذ من‌ الطبيعي‌ّ أن‌ لاتفهموها.

 يقولون‌: لا تخوضوا في‌ هذا الامر الآن‌.

 ولِمَ لا نبحث‌ فيه‌! أوَ ليست‌ هذه‌ الآية‌ آية‌ قرآنيّة‌؟ علی المسلمين‌ أن‌ يجوبوا في‌ أعماق‌ القرآن‌ بهمّة‌ صادقة‌ وبشجاعة‌ لايعتريها تردّد، فيقرأوا ويبحثوا ويناقشوا ويقدّموا القرآن‌ للعالم‌، سواءً في‌ الخطب‌ والكلمات‌ أم‌ في‌ المؤتمرات‌ والمحافل‌ الدوليّة‌، ويثبتوا أنّ القرآن‌ قد أعطي‌ للمرأة‌ حقوقها؛ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.

 وهو أفضل‌ وأرقي‌ طراز لتقسيم‌ الحقوق‌ علی أساس‌ المواهب‌ الإلهيّة‌ الموهوبة‌؛ والحقّ أ نّه‌ كذلك‌.

 إنّ الشرق‌ والغرب‌ يطوّفان‌ يميناً وشمالاً بائسين‌ خاليي‌ الوفاض‌، وعليهم‌ في‌ نهاية‌ الامر أن‌ يأتوا فيركعوا أمام‌ القرآن‌، ويعتبروا تعاليمه‌ المشعل‌ الوهّاج‌ الذي‌ يضي‌ء طريقهم‌ وصولاً إلی نجاة‌ عالم‌ البشريّة‌.

 لقد جاءت‌ إلی منزلنا اليوم‌ إحدي‌ المخدَّرات‌ وتحدّثت‌ عن‌ زوجها الذي‌ حصلت‌ علی الطلاق‌ منه‌ في‌ زمن‌ الطاغوت‌ من‌ خلال‌ التوسّل‌ بالمحكمة‌ الطاغوتيّة‌، واعترفت‌ بمدي‌ الشقاء والتعاسة‌ اللذين‌ لحقاها في‌ ذلـك‌ الوقت‌ حين‌ أصـدرت‌ المحكمة‌ حكـم‌ الطـلاق‌ دون‌ رضـا الزوج‌ ولاوكالة‌ منه‌. وقالت‌: « لقد تجرّأتُ وحصلتُ علی الطلاق‌، وتخيّلت‌ أ نّني‌ كنت‌ حاذقة‌، إلاّ أ نّني‌ أوقعتُ نفسي‌ في‌ الشقاء » وكانت‌ تتمنّي‌ لو لم‌تكن‌ فعلت‌ ما فعلتْ؛ ولو لم‌تفعل‌ لعاشت‌ مع‌ زوجها في‌ أتمّ الوئام‌ والصفاء.

 كانت‌ تقول‌: « لقد ألقيتُ بنفسي‌ في‌ النار ».

 إنّ طلاق‌ المرأة‌ بِيَدِ الرجل‌، فهذا هو حكم‌ القرآن‌، إذ إنّ للنساء مواصفات‌ خاصّـة‌ بهنّ، فإن‌ حُمِّلن‌ فـوق‌ تلك‌ الطاقـات‌ والمواصفات‌ لابتعدن‌ من‌ جرّاء ثقلها، ولتلاشي‌ كيانهنّ وتبدّد.

 وقد كتب‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ حاضرين‌ وصيّة‌ ذات‌ مضمون‌ عميق‌ ورفيع‌ لولده‌ الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، نُقلت‌ في‌ « نهج‌ البلاغة‌ » فاستوعبت‌ ما يقرب‌ من‌ ستّ عشرة‌ صفحة‌. وقد شاهدت‌ أخيراً خلال‌ الايّام‌ المعدودة‌ الماضية‌ مقالةً في‌ جريدة‌ « اطلاعات‌ » تحت‌ عنوان‌ « وصايا أمير المؤمنين‌ » ضمّت‌ ترجمة‌ لهذه‌ الوصيّة‌، وقد طبعت‌ المقالة‌ في‌ عدّة‌ أعداد من‌ الجريدة‌. ومع‌ أنّ المترجم‌ لم‌ يصرّح‌ باسمه‌، إلاّ أ نّه‌ ـأيّاً كان‌ـ قد قام‌ بسرقة‌ ماهرة‌ عندما حرّف‌ في‌ الوصيّة‌ وأسقط‌ منها نكاتاً دقيقة‌. فقد ترجم‌ جملة‌ وَلاَ تُمَلِّكِ المَّرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإنَّهَا رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ. علی نحوٍ آخر.

 يقول‌ الإمام‌ في‌ هذه‌ الجملة‌: أي‌ بُني‌ حسن‌! لا تُحمّل‌ المرأة‌ فوق‌ طاقتها، لانّ كيان‌ المرأة‌ مقرون‌ باللطافة‌. وكما أنّ بدنها ـ بالنسبة‌ إلی بدن‌ الرجل‌ـ ألطف‌، فإن‌ غرائزها وأحاسيسها ذات‌ لطافة‌ ورقّة‌ خاصّين‌. فلاتحمّلها فوق‌ هذا المقدار لا نّها ليست‌ قهرمانة‌ ولامحوراً للنزاع‌ والخصام‌ والمجادلات‌ العنيفة‌.

 إنّ الإنسان‌ يمكنه‌ أن‌ يتعامل‌ بيده‌ مع‌ الاشواك‌ البرّيّة‌ القاسية‌ أو مع‌ الاخشاب‌ الصلبة‌، فيصنع‌ منها أشياءً، لكنّه‌ ما إن‌ يقتطف‌ الورد الجوري‌ّ وورود الياس‌ وورود مريم‌ [6]، ويلمسها بيده‌ حتّي‌ تذبل‌ وتفقد نضارتها.

 وما ألطف‌ تشبيه‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ للمرأة‌ بالوردة‌ والريحانة‌! وما أبلغ‌ منطقه‌ وأدقّه‌ حين‌ يقول‌ بأنّ المرأة‌ لو حُمّلت‌ فوق‌ طاقتها، أدّي‌ ذلك‌ إلی فسادها وضياعها.

 فإن‌ أنتَ أشركتَ المرأة‌ في‌ الاُمور الاجتماعيّة‌، ولو أقحمتَها في‌ ميدان‌ السياسة‌ وشاورتها في‌ الاُمور السياسيّة‌، ولجعلتَها قاضيةً وحاكمة‌ تتصدي‌ للقضاء والحكومة‌، ولو أجبرتها علی الجهاد، لاضعتَ بذلك‌ وجودَها. فالمرأة‌ لم‌تُخلق‌ لمثل‌ هذه‌ الاعمال‌ الشاقّة‌، وكيان‌ المرأة‌ قائم‌ علی نحوٍ متفاوت‌ آخر. [7]

 وقد جاء في‌ الرواية‌: وَلاَ أَنْ تُسْتَشَارَ؛ أي‌ أنّ المرأة‌ لاتستشار في‌ الاُمور السياسيّة‌ والاجتماعيّة‌.

 إِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإنَّ رَأْيَهُنَّ إلی أَفَنٍ وَعَزْمَهُنَّ إلی وَهَنٍ.

 علی الإنسان‌ أن‌ يكون‌ مصارعاً حتّي‌ يصارع‌ بطلاً في‌ ميدان‌ المصارعة‌، فإن‌ كان‌ غير رياضي‌ لقُتِل‌ وتحطّم‌. بَيدَ أنّ العالَم‌ المعاصر لايفهم‌ ماذا يفعل‌ ولايدرك‌ أي‌ّ مصيبة‌ يصبّها علی رؤوس‌ النساء وأي‌ّ صواعق‌ محرقة‌ يمطرها عليهنّ فتهدّ بيوتهنّ تحت‌ عناوين‌ حقوق‌ النساء البرّاقة‌ المستلفتة‌ للانظار.

 إنّ العالَم‌ الحالي‌ منغمر في‌ الجهل‌ وغارق‌ في‌ الجهل‌ المركّب‌، فهناك‌ من‌ ينهض‌ باسم‌ حقوق‌ المرأة‌، لكنّه‌ لا يفعل‌ شيئاً غير إهدار حقوقها البديهيّة‌، وغير جعل‌ أزهار وجودهنّ تتناثر في‌ الهواء، وإلي‌ تقليل‌ أعمارهنّ من‌ التسعين‌ والثمانين‌ والمائة‌ سنة‌ التي‌ كنّ يقضينها في‌ عزّة‌ وسعادة‌ إلی الثلاثين‌ سنة‌ والعشرين‌ سنة‌، فصرنا نري‌ كيف‌ غدوا يلهون‌ بالمرأة‌ فـي‌ عالمنا، وكيف‌ أضـحت‌ المرأة‌ أُلعـوبة‌ في‌ يـد الرجال‌ وآلةً مسخّرة‌ لاهوائهم‌. أمّا الإسلام‌ فيستنكر هذا ويقول‌ بأنّ الناظر إلی المرأة‌ نظرة‌ خيانة‌ يُعدّ مجرماً، وبأنّ للمرأة‌ حقّاً ضمن‌ حدودها، وللرجل‌ حقّ ضمن‌ حدوده‌.

 ثمّ يأتي‌ هذا السيّد فيترجم‌ كلام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ الجريدة‌ حتّي‌ يصل‌ إلی قوله‌: وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إيَّاهُنَّ فَإنَّ شِـدَّةَ الحِجَابِ أَبْقَي‌ عَلَيْهِنَّ، فيُسـقط‌ هذه‌ الفقـرة‌ من‌ الترجمة‌. وليس‌ذلك‌ إلاّ سرقة‌.[8]

 فيا أيّها السيّد! عليك‌ أن‌ تترجم‌ النصّ ولن‌ يؤاخذك‌ أحد أو يعترض‌ عليك‌ في‌ ترجمتك‌ هذه‌ العبارة‌ التي‌ لا تعتقد بها أنت‌ المساير للعصر، صاحب‌ ربطة‌ العنق‌!

 عليك‌ أن‌ تترجم‌ النصّ وتنسب‌ الكلام‌ إلی المولي‌، فليس‌الكلام‌ كلامك‌. نعم‌، فإنّ هؤلاء السادة‌ مستعدّون‌ للسرقة‌ من‌ الكلام‌، لكنّهم‌ غيرمستعدّين‌ للقيام‌ بالترجمة‌ الصحيحة‌ الدقيقة‌.

 يقول‌ القرآن‌: إنّ الحجاب‌ واجب‌ علی المرأة‌، ويقول‌: الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ علی النِّسَآءِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.

 فَلِمَ نحاول‌ استباق‌ القرآن‌؟ ولماذا نصبح‌ أكثر حماساً ممّن‌ هو أولي‌ منّا بذلك‌؟ ولِمَ نخالف‌ القرآن‌ صراحة‌ باسم‌ الإسلام‌؟[9]

 إنّ القرآن‌ ـ علی أيّة‌ حال‌ـ مهجور ومظلوم‌، شأنه‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ نبيّنا الذي‌ عاش‌ مظلوماً مهجوراً أُضِيع‌ حقّه‌.

 الرجوع الي الفهرس

شكوي‌ القرآن‌ والمسجد والعترة‌ يوم‌ القيامة‌

 وقد وردت‌ في‌ « وسائل‌ الشيعة‌ » رواية‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌:

 قَالَ: يَجِي‌ءُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ يَشْـكُونَ: المُصْحَفُ وَالمَسْـجِدُ وَالعِتْرَةُ؛ يَقُولُ المُصْحَفُ: يَا رَبِّ! حَرَّقُونِي‌ وَمَزَّقُونِي‌؛ وَيَقُولُ المَسْجِدُ: يَارَبِّ! عطَّلُونِي‌ وَضَيَّعُونِي‌؛ وَتَقُولُ العِتْرَةُ: يَا رَبِّ! قَتَلُونَا وَطَرَدُونَا وَشَرَّدُونَا؛ فَأَجْثُو لِلرُّكْبَتَيْنِ فِي‌ الخُصُومَةِ؛ فَيَقُولُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي‌: أَنَا أَوْلَي‌ بِذَلِكَ مِنْكَ. [10]

 وقد روي‌ هذه‌ الرواية‌ الشـيخ‌ الحرّ العامليّ في‌ « الوسائل‌ » عن‌محمّد ابن‌علیبن‌ بابويه‌ القمّي‌ّ ( الشيخ‌ الصدوق‌ ) الذي‌ رواها بدوره‌ في‌ « الخصال‌ » بسـنده‌ عن‌ محمّدبن‌ عمر الحافـظ‌ البغدادي‌ّ المعـروف‌ بالجعابي‌ّ، عن‌ عبدالله‌بن‌ بشير، عن‌ الحسن‌ بن‌ زبرقان‌ المرادي‌ّ، عن‌ أبي‌ بكربن‌ عيّاش‌، عن‌ الاجلح‌، عن‌ أبي‌ الزبير، عن‌ جابر، عن‌ رسول‌ الله‌.

 كما روي‌ في‌ « الوسائل‌ » عن‌ المرحوم‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ « المجالس‌» بسنده‌ عن‌ زريق‌:

 قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَهِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: شَكَتِ المَسَاجِدُ إلی اللَهِ تَعَالَي‌ الَّذِينَ لاَيَشْهَدُونَهَا مِنْ جِيرَانِهَا، فَأَوْصَ اللَهُ إِلَيْهَا: وَعَزَّتِي‌ وَجَلاَلِي‌ لاَقَبِلْتُ لَهُمْ صَلاَةً وَلاَأُظْهِرُ لَهُمْ فِي‌ النَّاسِ عَدَالَةً وَلاَنَالَتْهُمْ رَحْمَتِي‌ وَلاَجَاوَرُونِي‌ فِي‌ جَنَّتِي‌. [11]

 وسيأتي‌ الكلام‌ بالتفصيل‌ في‌ المجلس‌ القادم‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌ عن‌ معني‌ مجي‌ء القرآن‌ في‌ صورة‌ رجل‌ مؤمن‌، وسيره‌ أمام‌ شهداء البرّ والبحر والانبياء والملائكة‌. كما سنشرح‌ تلك‌ الرواية‌ الشريفة‌ ونذكر تفسيرها.

 إنّ القرآن‌ هو كتاب‌ الهداية‌ الاوحد، وقد ورد في‌ الرواية‌ التهديد والوعيد لمن‌ هجروا القرآن‌ واتّجهوا صوب‌ العلوم‌ الاُخري‌. إذ لو انطوي‌ الإنسان‌ علی جميـع‌ علوم‌ العالم‌، ومن‌ ضمنها العلـوم‌ الإسلاميّة‌ كالفقه‌ والاُصول‌ والمنطق‌ والفلسفة‌، إلاّ أ نّه‌ ترك‌ القرآن‌، فإنّه‌ سيكون‌ خالي‌ الوفاض‌. أمّا لو أخذ القرآن‌ فإنّه‌ سيمتلك‌ كلّ شي‌ء، إذ هو كلام‌ الله‌، ومن‌ يتمسّك‌ بالله‌ يمتلك‌ كلّ شي‌ء، أمّا من‌ يُعرض‌ عنه‌ عزّ وجلّ فليس‌لديه‌ من‌ شي‌ء.

 مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَمَا الَّذِي‌ فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟ لَقَدَ خَابَ مَنْ رَضِي‌َ دُونَكَ بَدَلاَ، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَي‌ عَنْكَ مُتَحَوَّلاَ.

 كَيْفَ يُرْجَي‌ سِوَاكَ وَأَنْتَ مَا قَطَعْتَ الإحْسَانَ؟ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الامْتِنَانِ؟ [12]

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الخمسون‌:

 معني‌ شهادة‌ القرآن‌ والاعمال‌ يوم‌ القيامة‌

 

بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلی العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُو´ءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ و´ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَهُ نَفْسَهُ و وَاللَهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ.[13]

 دار البحث‌ مفصّلاً في‌ المجالس‌ السابقة‌ في‌ أنّ الإنسان‌ سيجد جميع‌ الاعمال‌ التي‌ قدّمها في‌ الدنيا حاضرةً أمامه‌ يوم‌ القيامة‌، وأنّ تلك‌ الاعمال‌ ستشهد عليه‌، كما سيشهد عليه‌ القرآن‌ بدوره‌. وذكرنا رواية‌ مفصّلة‌ عن‌ كتاب‌ « الكافي‌ » بسند الكليني‌ّ المتّصل‌ عن‌ سعد الخفّاف‌، عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ في‌ شهادة‌ القرآن‌ وكلامه‌ في‌ المحشر وعبوره‌ أمام‌ صفوف‌ المسلمين‌ وشهداء البرّ والبحر والانبياء والملائكة‌، فتراه‌ كلّ جماعة‌ من‌ هذه‌ الجماعات‌ بأجمل‌ صورة‌ وأبهاها، فيقولون‌: إنّ هذا الرجل‌ نعرفه‌ بنعته‌ وصفته‌ غير أ نّه‌ كان‌ أشدّ اجتهاداً منّا وأرفع‌ منزلة‌، فمن‌ هناك‌ أُعطي‌ من‌ البهاء والجمال‌ والنور ما لم‌ نُعْطَ. ثمّ إنّه‌ يخرّ تحت‌ عرش‌ الله‌ عزّ وجلّ، فيُنادي‌: سَلْ تُعطَ، واشفعْ تُشَفَّعْ فيرفع‌ القرآن‌ رأسه‌ في‌ صورة‌ رجل‌ شاحب‌ متغيّر اللون‌ ويقف‌ أمام‌ الشيعة‌، ثمّ إنّه‌ ينطلق‌ إلی الله‌ عزّ وجلّ ويسأله‌ أمُوراً كثيرة‌، فيمنّ سبحانه‌ علی العاملين‌ بالقرآن‌ بخمس‌ مواهب‌ خاصّة‌.

 ثمّ يتساءل‌ سعد في‌ آخر الرواية‌: وهل‌ يتكلّم‌ القرآن‌؟ فيجيبه‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌: نعم‌ يا سعد، والصلاة‌ تتكلّم‌... إنّ الصلاة‌ تنهي‌ عن‌ الفحشاء والمنكر ولذكر الله‌ أكبر. فالنهي‌ُ كلام‌، والفحشاء والمنكر رجال‌، ونحن‌ ذكر الله‌ ونحن‌ أكبر.[14]

 ثمّ يقوم‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ بعد ذكر هذه‌ الرواية‌ ببيان‌ بحث‌ مفصّل‌ في‌ معني‌ هذا الحديث‌ ويذكر كلاماً في‌ تجسّد القرآن‌ وكلامه‌، وفي‌ كيفيّة‌ حضور القرآن‌ وشهادته‌ وكلامه‌ يوم‌ القيامة‌ فيقول‌: هذا يحتمل‌ وجوهاً.

 الاوّل‌: أنّ القرآن‌ يلقي‌ معانيه‌ وحقيقته‌ إلی الإنسان‌ علی نحوٍ يفهم‌ منه‌ الإنسان‌ تلك‌ المعاني‌، ولا يشترط‌ في‌ الكلام‌ أن‌ يصدر من‌ لسان‌ لحمي‌ّ، فأي‌ّ موجود يمكنه‌ أن‌ يلقي‌ إلی الإنسان‌ ما يرمي‌ إليه‌ سيُقال‌ عنه‌ إنّه‌ تكلّم‌. والامر علی هذه‌ الشاكلة‌ بالنسبة‌ إلی القرآن‌ الكريم‌ والصلاة‌ والزكاة‌ والصوم‌ والحجّ وسائر الاعمال‌ التي‌ تتكلّم‌ مع‌ الإنسان‌، حيث‌ إنّها تقوم‌ بإلقاء معانيها وحقائقها إلی الإنسان‌، فيفهم‌ الإنسان‌ تلك‌ الحقائق‌، وهذا هو المقصود بتكلّم‌ القرآن‌.

 الثاني‌: أنّ القرآن‌ يظهر يوم‌ القيامة‌ في‌ صورته‌ المثاليّة‌، وتلك‌ الصورة‌ هي‌ مثال‌ حقيقة‌ القرآن‌. ثمّ إنّ تلك‌ الصورة‌ المثاليّة‌ تتكلّم‌ مع‌ الإنسان‌. فالمتكلّم‌ ـ إذاًـ هو الصورة‌ المثاليّة‌ المتجسّدة‌ للقرآن‌ في‌ ذلك‌ العالم‌. كما أنّ الإنسان‌ لو شاء في‌ هذه‌ الدنيا أن‌ يستفيد من‌ القرآن‌ ويكتسب‌ من‌ معانيه‌ وحقائقه‌، فإنّ الله‌ عزّ وجلّ يمكن‌ أن‌ يخلق‌ من‌ الروحانيّين‌ والملائكة‌ من‌ حملة‌ القرآن‌ مَن‌ يقوم‌ بتعليم‌ القرآن‌ لذلك‌ الإنسان‌.

 فتكلّم‌ القرآن‌ مع‌ الإنسان‌ في‌ هذه‌ الدنيا يحصل‌ من‌ خلال‌ الملائكة‌ أو الروحانيّين‌، أمّا يوم‌ القيامة‌ فإنّ تجسّد الصورة‌ الواقعيّة‌ للقرآن‌ يتناسب‌ مع‌ ذلك‌ العالم‌، كما أنّ تكلّمه‌ ـ بدوره‌ ـ يتناسب‌ مع‌ ذلك‌ العالم‌.

 الثالث‌: ما أُفيض‌ علی ببركة‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ وبه‌ ينحلّ كثير من‌ غوامض‌ أخبار المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌. ونذكر لتوضيح‌ ذلك‌ مقدّمتين‌ نستنتج‌ منهما كيفيّة‌ تكلّم‌ القرآن‌ مع‌ الإنسان‌.

 الرجوع الي الفهرس

حالة‌ التجرّد التي‌ تحصل‌ من‌ خلال‌ العبادة‌ والتفكّر

 المقدّمة‌ الاُولي‌: إنّ الإنسان‌ كما له‌ بدن‌ مادّي‌ّ وجسد يتحرّك‌ بواسطته‌، وقلب‌ يجري‌ الدم‌ بواسطته‌ في‌ جميع‌ أعضاء الإنسان‌ وشرايينه‌، فيري‌ بذلك‌ البدن‌ ويسمع‌ ويحرّك‌ يده‌، وتشتغل‌ بواسطته‌ أعضاء الإنسان‌ وجوارحه‌ وتقوم‌ بوظائفها الطبيعيّة‌؛ فإنّ للإنسان‌ ـ كذلك‌ـ معني‌ وخاصّيّة‌ إن‌ كانت‌ حيّة‌ جعلت‌ إدراكه‌ ومعارفه‌ حيّة‌. أمّا لو لم‌تكن‌ تلك‌ الخاصّيّة‌ حيّة‌، لصار الإنسان‌ جماداً. وتلك‌ الخاصّيّة‌ هي‌ روح‌ الإنسان‌ التي‌ إن‌ قويّت‌ بالاغذية‌ المعنويّة‌ من‌ العلم‌ والمعرفة‌ والعبادة‌ والتوجّه‌ والتدبّر والتفكّر، حاز الإنسان‌ درجة‌ اليقين‌ ومرتبة‌ الإيمان‌ وانكشفت‌ له‌ الحقائق‌، واطّلع‌ علی أسرار العالم‌، وصارت‌ يده‌ يد الله‌، وسمعه‌ سمع‌ الله‌، وعينه‌ عين‌ الله‌ عزّ وجلّ.

 وفي‌ الرواية‌: اتَّقُوا فَرَاسَةَ المُؤْمِنِ فَإنَّ المُؤْمِنَ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَهِ.

 إنّ المؤمن‌ يري‌ بنور الله‌، ويسمع‌ بنور الله‌، ويتاجر بيدالله‌، لا نّه‌ أعطي‌ كلّ ما لديه‌ في‌ سبيل‌ الله‌ تعالي‌ وخرج‌ من‌ حدود الجهات‌ وتخطّي‌ عالم‌ الشهوة‌، فصار يعلم‌ ويري‌ بعلم‌ الله‌ سبحانه‌. وهذه‌ الحال‌ هي‌ التجرّد الذي‌ يحصل‌ للإنسان‌ بواسطة‌ التأمّل‌ والتفكّر والعبادة‌.

 وإذاً، فكما أنّ للإنسان‌ بدناً مادّيّاً وقلباً صنوبريّاً مادّيّاً، بحيث‌ إذا توقف‌ قلبه‌ عن‌ العمل‌، مات‌ بدنه‌ وتعفّن‌؛ فإنّ له‌ ـمن‌ الجهة‌ الاُخري‌ـ قلباً معنويّاً وعلماً مخزوناً إذا نوّره‌ الله‌ بنوره‌، انبعثت‌ الحياة‌ في‌ روحه‌، وإن‌ لم‌ينوّره‌، صار ميّتاً مهما كان‌ بدن‌ الإنسان‌ حيّاً يقوم‌ بحركاته‌ ونشاطاته‌ الطبيعيّة‌.

 لذا جاء في‌ الآية‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌: أَمَوَ ' تٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ بَل‌ لاَيَشْعُرُونَ. [15]

 إنّ فاقدي‌ الإيمان‌ والذين‌ لا يمتلكون‌ معرفة‌ بالإيمان‌ والتوحيد هم‌ أموات‌ غيرأحياء.

 كما جاء: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ. [16]

 أي‌ أنّ تلك‌ النطفة‌ الإنسانيّة‌ والخليفة‌ الإلهي‌ّ ومركز الإدراكات‌ قد استترت‌ لديهم‌ أو ماتت‌ تحت‌ حجاب‌ الرين‌ ودنس‌ الذنوب‌ والشهوة‌ والصفات‌ البهيميّة‌ والشيطانيّة‌، فصاروا لا يسمعون‌ الحقائق‌ مع‌ أنّ لهم‌ آذاناً، ولايرون‌ الحقائق‌ مع‌ أنّ لهم‌ أعيناً، ولاينطقون‌ بالحقائق‌ مع‌ امتلاكهم‌ ألسنة‌.

 المقدّمة‌ الثانية‌: إنّ القرآن‌ ليس‌ تلك‌ النقوش‌ التي‌ يدوّنها الإنسان‌ علی الصفحات‌، ثمّ يحفظ‌ تلك‌ الصفحات‌ بين‌ الدفّتين‌، فذلك‌ هو القرآن‌ المكتوب‌. إذ إنّ حقيقة‌ القرآن‌ هي‌ معناه‌؛ ومعني‌ القرآن‌ أمر رفيع‌ متعال‌ ومن‌ هنا فإنّ الذين‌ يتعاملون‌ مع‌ القرآن‌ باستمرار، سيستفيدون‌ من‌ حقيقته‌ ومعناه‌ كما سيستفيدون‌ من‌ ظاهره‌.

 وقد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌: بَلْ هُوَ ءَايَـ'تٌ بَيِّنَـ'تٌ فِي‌ صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [17]

 الرجوع الي الفهرس

أرجحيّة‌ المؤمن‌ علی القرآن‌ والكعبة‌

 وبناءً علی هاتين‌ المقدّمتين‌، فحين‌ يحتلّ المؤمن‌ مقام‌ الإيمان‌ فيُحيي‌ الإيمانُ؛ وحين‌ تصبح‌ حقيقة‌ المؤمن‌ متمثّلة‌ في‌ معني‌ القرآن‌ وحقيقته‌؛ وحين‌ يصبح‌ للمؤمن‌ معرفة‌ بالقرآن‌ بحيث‌ تترسّخ‌ حقيقة‌ القرآن‌ وتتجلّي‌ في‌ روح‌ المؤمن‌ ونفسه‌، فإنّ ذات‌ المؤمن‌ ستصبح‌ قرآناً، ووجوده‌ سيصبح‌ قرآناً. وقد جاء في‌ الروايات‌:

 المُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ القُرْآنِ وَالكَعْبَةِ.

 لماذا؟ لانّ هذا القرآن‌ هو ورق‌ قد خُطّت‌ عليه‌ كلمات‌، كما أنّ الكعبة‌ هي‌ عبارة‌ عن‌ لَبِنٌ قد بُنِي‌َ بالطين‌. فإن‌ تجلّت‌ حقيقة‌ القرآن‌ في‌ روح‌ المؤمن‌ فإنّ وجوده‌ سيحيي‌ بحياة‌ القرآن‌ ويصبح‌ قرآناً حقيقيّاً. ولو وصل‌ المؤمن‌ إلی درجة‌ معرفة‌ الله‌ سبحانه‌، لصار وجوده‌ مطافاً، أي‌ صار كعبة‌. وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ حقيقة‌ الكعبة‌ أشرف‌ من‌ هذه‌ الكعبة‌؛ كما أنّ حقيقة‌ القرآن‌ أشرف‌ من‌ هذا القرآن‌.

 فإن‌ انطوي‌ مؤمن‌ علی القرآن‌ بحيث‌ تجلّت‌ جميع‌ جوانب‌ القرآن‌ في‌ ظاهـر المؤمـن‌ وباطنه‌ ومعانيه‌ وأخلاقـه‌ وعقائـده‌ وملكاته‌ ومعارفه‌ وتوحيده‌ صار وجوده‌ حقيقة‌ القرآن‌.

 ولقد كان‌ الوجود المقدّس‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هو القرآن‌. وهو القائل‌: أَنَا كَلاَمُ اللَهِ النَّاطِق‌.

 أي‌ ليس‌ هناك‌ للقرآن‌ من‌ مرتبة‌ في‌ أيّ عالم‌ من‌ العوالم‌ إلاّ وتجلّت‌ تلك‌ الحقيقة‌ في‌ هذا الوجود، فحاز الإمام‌ علی جميع‌ مقامات‌ القرآن‌ درجته‌، وهذا هو القرآن‌ الحقيقي‌ّ وحقيقة‌ القرآن‌.

 ثمّ إنّ القرآن‌ الذي‌ سيتحرّك‌ يوم‌ القيامة‌ هو أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ذوالحياة‌ القرآنيّة‌ والوجود القرآني‌ّ، فيتخطّي‌ يومذاك‌ صفوف‌ المسلمين‌ والملائكة‌ والشهداء والانبياء فيقولون‌ بأجمعهم‌: إنّ هذا الرجل‌ نعرفه‌ بنعته‌ وصفته‌، إلاّ أنّ له‌ بهاءً ونوراً لا نمتلكهما. ومن‌ المسلّم‌ أ نّه‌ كان‌ أكثر منّا اجتهاداً وسعياً في‌ الدنيا من‌ أجل‌ إقرار حقيقة‌ القرآن‌ في‌ وجوده‌.

 والامر كذلك‌ بلا ريب‌. لانّ كلّ امري‌ من‌ المؤمنين‌ والشهداء كان‌ يريد إيصال‌ نفسه‌ إلی حقيقة‌ القرآن‌. فنحن‌ المسلمون‌ ـمثلاًـ نسعي‌ بكلّ جهدنا في‌ الاقتراب‌ من‌ حقيقة‌ القرآن‌. وكلّما اقتربنا منه‌ أكثر سعينا إلی زيادة‌ اقترابنا منه‌ والرغبة‌ تعتمل‌ في‌ نفوسنا لإيصال‌ أنفسنا إلی مقام‌ القرآن‌ الكامل‌. أمّا ونحن‌ لم‌نبلغ‌ بأنفسنا إلی ذلك‌ المدي‌ بعدُ، فإنّ حالة‌ ترقّب‌ وانتظار وضعف‌ ستوجد فينا، حتّي‌ إذا ما التقينا بذلك‌ الوجود الحقيقي‌ّ الذي‌ بيَّنه‌ القرآن‌ وأوجده‌ بتمام‌ معناه‌ في‌ كيانه‌ ووجوده‌، فإننا سنقول‌ من‌ جهة‌: إنّنا نعرف‌ هذا. كنا سنقول‌ ـمن‌ جهة‌ أُخري‌ـ إنّ هذا أفضل‌ منّا حسناً وجمالاً، وأكثر منّا بهاءً ونوراً، لانّ اجتهاده‌ في‌ سبيل‌ الله‌ كان‌ أكثر من‌ اجتهادنا. وهذا الكلام‌ صحيح‌، وهذه‌ المحاروات‌ ستتحقّق‌، وهي‌ بأجمعها ظهور وتجلٍّ للحقيقة‌ التي‌ يمتلكها القرآن‌.

 الرجوع الي الفهرس

أمير المؤمنين‌ هو تجسّد الصلاة‌ والقرآن‌

 وقد جاء في‌ الرواية‌ أنّ الصـلاة‌ تتحرّك‌. فما هي‌ ـ يا تري‌ـ الصلاة‌ التي‌يعرج‌ فيها المصلّي‌، والتي‌ لايلتفت‌ فيها البدنُ والروح‌ والفكر إلی غير الله‌ تعالي‌. وكما يقف‌ البدن‌ الطبيعيّ متّجهاً إلی الكعبة‌، فإنّ الروح‌ تتّجه‌ بدورها إلی كعبة‌ الحبّ وتقيم‌ صلاتها في‌ الحرم‌ الإلهي‌ّ. ومثل‌ هذه‌ الصلاة‌ لو تجسّدت‌ في‌ الخارج‌ واتّخذت‌ لنفسها هيئة‌ وصورة‌ ما، لتمثّلت‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ أفضل‌ صلوات‌ المصلّين‌، لا نّه‌ هو الصلاة‌، ولانّ صلاته‌ قد اتّخذت‌ هذه‌ الكيفيّة‌، أي‌ أنّ حقيقة‌ الصلاة‌ قد تجسّدت‌ في‌ وجوده‌.

 لذا ورد في‌ الروايات‌ وفي‌ كثير من‌ التفاسير قولهم‌ عليهم‌ السلام‌: نَحْنُ الصَّلاَةُ، في‌ إشارة‌ إلی هذا المعني‌، حيث‌ إنّ لهذه‌ الحقائق‌ وجوداً في‌ عوالم‌ معيّنة‌. كما أنّ وجودها هو في‌ الإنسان‌ الكامل‌، لانّ الإنسان‌ الكامل‌ أفضل‌ من‌ الملائكة‌، ولا نّه‌ ليس‌ هناك‌ ـغير ذات‌ الخالق‌ سبحانه‌ـ أشرف‌ من‌ روح‌ الإنسان‌.

 ومن‌ هنا فإنّ الذين‌ يبلغون‌ بأنفسهم‌ إلی الكمال‌ سوف‌ لن‌تبقي‌ لديهم‌ حالة‌ انتظار وترقّب‌ وضعف‌. أي‌ أُولئك‌ الذين‌ يوصلون‌ جميع‌ قواهم‌ وقابليّاتهم‌ إلی مرحلة‌ الفعليّة‌ ويصبحون‌ فعليّة‌ محضة‌ بحيث‌ تختمر في‌ وجودهم‌ حقيقة‌ الإيمان‌ وحقيقة‌ القرآن‌ وحقيقة‌ الزكاة‌ وسائر الاعمال‌ والصفات‌ الحميدة‌، وبحيث‌ ينصهرون‌ معها في‌ بوتقة‌ واحدة‌.[18]

 ويذكر المرحوم‌ المجلسي‌ّ رواية‌ في‌ هذا الشأن‌ لسعد الخفّاف‌ جاء فيها أنّ حقيقة‌ أمير المؤمنين‌ تتحرّك‌ يوم‌ القيامة‌ فيري‌ المرء أنّ حقيقة‌ الصلاة‌ قد جاءت‌. ويري‌ أ نّها هي‌ ـحقّاًـ حقيقة‌ الصلاة‌، وحقيقة‌ الزكاة‌، وحقيقة‌ الصوم‌، وحقيقة‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر.

 ولقد كان‌ كلّ أمر بالمعروف‌ في‌ هذه‌ الدنيا ينطوي‌ علی نوع‌ من‌ الشبهة‌ ويتلوّن‌ بلون‌ معيّن‌. ومن‌ بين‌ ألف‌ أمر بالمعروف‌، فإنّ درجة‌ المعروف‌ الذي‌ يكون‌ خالصاً للّه‌ وفي‌ الله‌ ومن‌ الله‌ وإلي‌ الله‌ مائة‌ في‌ المائة‌ بحيث‌ لاتخالطه‌ شائبة‌ للنفس‌، وبحيث‌ تكون‌ في‌ روح‌ الإنسان‌ مَلَكة‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر، ستكون‌ درجة‌ تمثّل‌ مقام‌ الإمام‌، ذلك‌ المقام‌ الذي‌ لايمكن‌ تصوّر مقام‌ أعلی منه‌. وينكشف‌ بهذا الطريق‌ كثير من‌ الغموض‌ في‌ بعض‌ الاخبار. وحقّاً فإنّ بيان‌ جدّنا المرحوم‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ هذا المجال‌ بيانٌ مقبول‌ وجدير بالتقدير.

 وكما أنّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ هم‌ الزكاة‌، وهم‌ الصلاة‌ والحج‌ والصوم‌ والجهاد والقرآن‌، فإنّ معني‌ الروايات‌ الدالّة‌ علی أنّ أعداءنا هم‌ الفحشاء والمنكر والفساد والظلمات‌ سيتّضح‌ بهذا القياس‌ والمقارنة‌ التكوينيّة‌ مع‌ هذه‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ المباركة‌. لانّ الفحشاء يمثّل‌ ـفي‌ نهاية‌ الامرـ حقيقة‌ قد انتشرت‌ بين‌ الناس‌ بحيث‌ صار بعض‌ الافراد مركزاً للفحشاء، قد سرت‌ منهم‌ الفحشاء إلی الخارج‌. لذا فإنّهم‌ يُدعون‌ بتعبير القرآن‌ حطب‌ جهنّم‌، فهي‌ تسـتمدّ ظهورها من‌ وجودهم‌، فهم‌ مركز الفحشـاء ومصدر المنكر والظُّلمة‌ والفناء وسيتّضح‌ في‌ المجالس‌ القادمة‌ التي‌ سنبحث‌ فيها بمشيئة‌ الحقّ المتعال‌ عن‌ موضوع‌ الصراط‌ والميزان‌ وعن‌ درجات‌ القيامة‌، كيف‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هو الميزان‌ والصراط‌.

 السَّلاَمُ علی مِيزَانِ الاَعْمَالِ وَمُقَلِّبِ الاَحْوَالِ... السَّلاَمُ علی الصِّرَاطِ الوَاضِحَ وَالنَّجِمْ اللاَئِحِ. [19]

 هو الإمام‌ ونحن‌ المأمومون‌. والإمام‌ يعني‌ الشخص‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ قدوةً ومثلاً وأُسوةً في‌ جميع‌ الجوانب‌ ليمكن‌ للإنسان‌ الاقتداء به‌، وإلاّ لما كان‌ إماماً مطلقاً، إذ ليس‌ الإمام‌ إماماً من‌ جهة‌ دون‌ أُخري‌.

 الإمام‌ هو الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر، الإمام‌ هو التوحيد، وهو القرآن‌ أي‌ أ نّه‌ هو الإمام‌ في‌ جميع‌ هذه‌ الجوانب‌. وتبعاً لهذا الاساس‌ فقد صار أميرالمؤمنين‌ أميراً للمؤمنين‌، فهو لقب‌ منحه‌ الله‌ تعالي‌ إيّاه‌.

 أمير المؤمنين‌ يعني‌ قدوة‌ المؤمنين‌ وآمرهم‌ وقائدهم‌، وليس‌أميراً للكافرين‌، ولاأميراً لعبيد الدنيا، ولا أميراً للتجّار، ولاللزرّاع‌؛ بل‌ هو أميرالمؤمنين‌. ويعني‌ ذلك‌ أنّ الإمام‌ هو أمير كلّ مؤمن‌ يوجد في‌ كلّ زمان‌ وفي‌ أي‌ّ نقطة‌ من‌ نقاط‌ العالم‌ بلحاظ‌ الإيمان‌ والآثار ولوازم‌ الإيمان‌ وخصائصه‌. فهو الإمام‌ والامير مطلقاً، وليس‌ في‌ وجوده‌ ـبأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ـ غير تلك‌ الحقيقة‌ الطاهرة‌، كما ليس‌ لديه‌ أي‌ّ شبهة‌ أو شكّ في‌ جميع‌ ملكاته‌ وعقائده‌ وأخلاقه‌ وأعماله‌. وليس‌ لديه‌ أي‌ّ نقص‌. ولم‌يتّخذ صبغة‌ غيرالصبغة‌ الإلهيّة‌. صِبْغَةَ اللَهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَهِ صِبْغَةً. [20]

 وقد نزلت‌ في‌ حقّه‌ آية‌ التطهير، لا نّه‌ الموجود الطاهر المطهّر الذي‌ يصحّ لمثله‌ أن‌ يكون‌ إماماً وأميراً.

 روي‌ العامّة‌ والخاصّة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌: مَا أَنْزَلَ اللَهُ آيَةً فِيهَا «يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» إلاَّ وَعلی رَأْسُهَا وَأَمِيرُهَا. [21]

 وعلی هذا الاساس‌ يتّضح‌ معني‌ كثير من‌ الاخبار التي‌ ورد فيها عن‌ الائمّة‌ الاطهار عليهم‌ السلام‌ بأ نّهم‌ قالوا عن‌ كذا وكذا، ونحن‌ الشفعاء، وباب‌ النجاة‌، وباب‌ حطّة‌ بني‌ إسرائيل‌، والحبل‌ المتّصل‌ بين‌ الارض‌ والسماء وغير ذلك‌.

 وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّنا ندرك‌ ـعلی النحو الذي‌ ذكرناه‌ هناـ قدراً منها في‌ هذا العالم‌، أمّا في‌ العالم‌ الآخر فإنّ الإنسان‌ سيشاهد هذه‌ المعاني‌ علی نحوٍ كامل‌ وسيلمسها علی حقيقتها، حيث‌ ستكتسب‌ وجوداً خارجيّاً. أي‌ أنّ الإنسان‌ سيري‌ أي‌ّ عوالم‌ للقرآن‌ قد طبقت‌ شرق‌ العالم‌ وغربه‌، وتلك‌ هي‌ حقيقة‌ أميرالمؤمنين‌ التي‌ لا تُحدّ بحدٍّ معيّن‌ وبدن‌ خاصّ.

 وباعتبار أنّ القرآن‌ كلام‌ الله‌ تعالي‌، وكلام‌ الله‌ مجرّد لاحدّ له‌؛ فإنّ الإنسان‌ سـيري‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السـلام‌ في‌ ذلك‌ العالم‌ بلاحدّ ولاقياس‌.

 الرجوع الي الفهرس

المقام‌ اللا متناهي‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 ولقد أجاد المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الميرزا حبيب‌ الله‌ الخراساني‌ّ في‌ بيان‌ هذا الامر في‌ عدّة‌ أبيات‌ له‌:

 مرا پير طريقت‌ جز عليّ نيست                   ‌ كه‌ هستي‌ را حقيقت‌ جز عليّ نيست‌

 مبين‌ غير از عليّ پيدا و پنهان                    ‌ كه‌ در غيب‌ و شهادت‌ جز عليّ [22]نيست‌

 مجو غير از عليّ در كعبه‌ و دير                    كه‌ هفتاد و دو ملّت‌ جز عليّ نيست‌

 جه‌ باك‌ از آتشِ دوزخ‌ كه‌ در حشر                 قسيم‌ نار و جنّت‌ جز عليّ نيست‌

 اگر كفر است‌ اگر ايمان‌ بگو فاش‌                 كه‌ در روز قيامت‌ جز عليّ نيست‌

 اساس‌ هر دو عالم‌ بر محبّت                      ‌ بود قائم‌ محبّت‌ جز عليّ نيست‌

 در آن‌ حضرت‌ كه‌ دم‌ از «لي‌ مع‌ الله‌»                        زند احمد معيّت‌ جز عليّ نيست‌

 شنيدم‌ عاشقي‌ مستانه‌ مي‌گفت‌              خدا را حول‌ و قوّت‌ جز عليّ نيست‌

 وجود جملة‌ اشياء از مشيّت                      ‌ پديد آمد مشيّت‌ جز عليّ نيست[23]

 شهنشاهي‌ كه‌ بر درگه‌ ملائك‌                    زنندش‌ پنج‌ نوبت‌ جز عليّ نيست‌

 عليّ آدم‌ عليّ شيث‌ عليّ نوح‌                  كه‌ در دور نبوّت‌ جز عليّ نيست‌

 ترا پير طريقت‌ گو عُمَر باش‌                        مرا پير طريقت‌ جز عليّ نيست‌

 اگر گوئي‌ عليّ عين‌ خدا نيست                  ‌ بگو نيز از خدا هرگز جدا نيست‌ [24]

 وما أروع‌ بيانه‌ في‌ الابيات‌ التي‌ سبقت‌ هذه‌ لحقيقة‌ ظهور العوالم‌ وبطونها ولحقيقة‌ الولاية‌ التي‌ تمثّل‌ سرّ العالم‌:

 ز جَم‌ بر جامِ مِيْ خَطّي‌ عيان‌ است‌             جهان‌ مردم‌ بود، مردم‌ جهان‌ است‌

 بجوي‌ اين‌ راز جاني‌ از دَساتير                    كه‌ اين‌ قول‌ از حديث‌ باستان‌ است‌ [25]

 بگير از باستان‌ اين‌ راست‌ گفتار                  كه‌ گفت‌ نغز گفت‌ راستان‌ است‌

 سخن‌هاي‌ بزرگان‌ از پي‌ و پيش                  ‌ چو نيكو بنگري‌ از يك‌ زبان‌ است‌

 در اين‌ ره‌ از روان‌ها كاروان‌هاست‌                كه‌ از دنبال‌ يكديگر روان‌ است‌

 سخن‌ها نيز كز دل‌ بر زبان‌هاست                ‌ به‌ معني‌ چون‌ دَراي‌ كاروان‌ است‌

 دو گيتي‌ در تن‌ و جان‌ تو مُضْمَرْ                   يكي‌ پيدا و آن‌ ديگر نهان‌ است‌

 اگر پاي‌ تو در هفتم‌ زمين‌ است                  ‌ سرت‌ بيرون‌ ز هفتم‌ آسمان‌ است‌

 تنت‌ را ديبه‌اي‌ از چرخ‌ اطلس                      ‌ كه‌ بر دوشش‌ حمايل‌ كهكشان‌[26] است‌

 فروزان‌ اين‌ گهرها از بَرو دوش‌                      ز سر تيپي‌ و سرهنگي‌ نشان‌ است‌

 نژادت‌ از كيان‌ آمد و ليكن                               ‌ دلت‌ را رُخ‌ ندانم‌ زي‌ كيان‌ است‌

 عيان‌ گردد چو در آب‌ افتد اين‌ مرغ‌                        كه‌ مرغابي‌ بود يا ماكيان‌ است‌

 نهان‌ از چشم‌ نادان‌ رازِ گيتي‌                                 و ليكن‌ بر دل‌ دانا عيان‌ است‌

 جهان‌ انسانْ، پيمبر عينِ انسان‌                         عليّ انسانِ عينِ اين‌ جهان‌ است‌

 پيمبر شهرِ علم‌ است‌ و عليّ دَر                 خوش‌ آن‌ سر كو به‌ دين‌ در آستان‌ است‌

 دَري‌ بگشوده‌ بر دل‌هاي‌ روشن‌                           ولي‌ جبريل‌ بر در پاسبان‌ است‌

 پيمبر سنگ‌ حكمت‌ را ترازوست‌                  عليّ نيز اين‌ ترازو را زبان‌ است‌ [27]

 عليّ دان‌ آن‌ لسان‌ الله‌ ناطق                     ‌ كزو شد كشف‌ اسرار و حقايق‌ [28]

 الرجوع الي الفهرس

أشعار الشيخ‌ كاظم‌ الاُزري‌ّ في‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 كما أجاد مفخرة‌ شعراء العرب‌ في‌ القرن‌ السابق‌: الشيخ‌ كاظم‌ الاُزري‌ّ حين‌ أنشد:

 يَا بْنَ عَمِّ النَّبِي‌ِّ أَنْتَ يَدُ اللَهِ                     الَّتِي‌ عَمَّ كُلَّ شَي‌ءٍ نَدَاهَا

 أَنْتَ قُرْآنُهُ القَدِيمُ وَأَوْصَا              فُكَ آيَاتُهُ الَّتِي‌ أَوْحَاهَا

 حَسْبُكَ اللَهُ فِي‌ مآثِرَ شَتَّي                   ‌ هِي‌َ مِثْلُ الاَعْدَادِ لاَ تَتَنَاهَي‌

 حتّي‌ يصل‌ إلی قوله‌:

 يَا علی المِقْدَارُ حَسْبُكَ لاَ                       هُوِيَتَّهُ لاَ يُحَاطُ فِي‌ عُلْيَاهَا

 أَي‌ُّ قُدْسٍ إِلَيْهِ طَبْعُكَ يَنْمِي                    ‌ وَالمَرَاقِي‌ المُقَدَّسَاتُ ارْتَقَاهَا

 لَكَ نَفْسٌ مِنْ جَوْهَرِ اللُّطْفِ صِيغَتْ                      جَعَلَ اللَهُ كُلَّ نَفْسٍ فِدَاهَا

 هِي‌َ قُطْبُ المُكَوِّنَاتِ وَلَوْلاَ                      هَا لَمَا دَارَتِ الرَّحَي‌ لَوْلاَهَا

 لَكَ كَفٌّ مِنْ أَبْحُرِ اللَهِ تَجْرِي‌                    أَنْهُرُ الاَنْبِيَاءِ مِنْ جَدْوَاهَا

 حُزْتَ مُلْكاً مِنَ المَعَالِي‌ مُحِيطَاً               بِأَقَالِيمَ يَسْتَحِيلُ انْتِهَاهَا [29]

 والنتيجة‌ الحاصلة‌، فإنّ القرآن‌ سيترسّخ‌ في‌ أرواح‌ المؤمنين‌ والمسلمين‌ بقدر عملهم‌ به‌ واقترابهم‌ الحقيقي‌ّ منه‌، كما أنّ وجودهم‌ سيستفيد من‌ القرآن‌ بنفس‌ تلك‌ الدرجة‌. ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فإنّهم‌ سيبتعدون‌ عن‌ حقيقة‌ القرآن‌ وسيصبحون‌ موضع‌ لعنه‌ بقدر تعلّمهم‌ له‌ لنيل‌ النوايا الدنيويّة‌ وكسب‌ الجاه‌ والمقام‌ والرياسة‌ الباطلة‌ والمراءاة‌ والتقرّب‌ إلی الناس‌. فليس‌الدين‌ الإسلامي‌ّ المقدّس‌ دين‌ السمعة‌ والمراءاة‌ وإصلاح‌ الظواهر والخداع‌ بالظواهر.

 فإن‌ شـاء امرؤ ـ والحال‌ هذه‌ ـ أن‌ يسـتغلّ القرآن‌، المعجزة‌ الوحيدة‌ الباقية‌ لرسول‌الله‌، وكتاب‌ الهداية‌ البشريّة‌، وأن‌ يجعله‌ وسيلةً للوصول‌ إلی الباطل‌، فإن‌ القرآن‌ سيهجره‌ وسيشهد عليه‌ يوم‌ القيامة‌.

 يروي‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيّ في‌ « الكافي‌ » بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ يعقوب‌ الاحمر، قال‌:

 قُلْتُ لاِبِي‌ عِبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إنِّي‌ كُنْتُ قَرَأْتُ القُرْآنَ فَفَلتَ مِنِّي‌ فَادْعُ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ أَن‌ يُعَلِّمْنِيهِ.

 قَالَ: فَكَأَ نَّهُ فَزِعَ لِذَلِكَ؛ فَقَالَ: عَلَّمَكَ اللَهُ هُوَ وَإيَّانَا جَمِيعَاً.

 قَالَ: وَنَحْنُ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةٍ ـ ثُمَّ قَالَ: السُّورَةُ تَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ قَدْ قَرَأَهَا ثُمَّ تَرَكَهَا، فَتَأْتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي‌ أَحْسَنِ صُورَةٍ وَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَتَقُولُ: أَنَا سُورَةُ كَذَا وَكَذَا فَلَوْ أَ نَّكَ تَمَسَّكْتَ بِي‌ وَأَخَذْتَ بِي‌ لاَنْزَلْتُكَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ. ثُمّ أشار بيده‌ وقال‌:

 عَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ فَتَعَلَّمُوهُ فَإنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَعَلَّمُ القُرْآنَ لِيُقَالُ: فُلاَنٌ قَارِي‌ٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَعَلَّمُهُ فَيَطْلُبُ بِهِ الصَّوْتَ فَيُقَالُ: فُلاَنٌ حَسَنُ الصَّوْتِ، وَلَيْسَ فِي‌ ذَلِكَ خَيْرٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَعَلَّمَهُ فَيَقُومُ بِهِ فِي‌ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ لاَيُبَالِي‌ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَمَنْ لَم ْيَعْلَمْهُ. [30]

 الرجوع الي الفهرس

مَن‌ هم‌ أصحاب‌ القرآن‌؟ ومَن‌ هو المؤمن‌ الحقيقي‌ّ؟

 كما روي‌ في‌ « الكافي‌ » بسـنده‌ عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السـلام‌ قال‌:

 قُرَّاءُ القُرْآنِ ثَلاَثَةٌ: رَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَاتَّخَذَهُ بِضَاعَةً وَاسْتَدَرَّ بِهِ المُلُوكَ وَاسْتَطَالَ بِهِ علی النَّاسِ. وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَحَفِظَ حُرُوفَهُ وَضَيَّعَ حُدُودَهُ وَأَقَامَهُ إقَامَةَ القِدْحِ، فَلاَ كَثَّرَ اللَهُ هَؤُلاَءِ مِنْ حَمَلَةِ القُرْآنِ.

 وَرَجُلٌ قَرَأَ القُرْآنَ فَوَضَعَ دَوَاءَ القُرْآنِ علی دَاءِ قَلْبِهِ فَأَسْهَرَ بِهِ لَيْلَهُ وَأَظْمَأَ بِهِ نَهَارَهُ وَقَامَ بِهِ فِي‌ مَسَاجِدِهِ، وَتَجَافَي‌ بِهِ عَنْ فِرَاشِهِ، فَبِأُولَئِكَ يَدْفَعُ اللَهُ العَزِيزُ الجَبَّارُ البَلاَءَ، وَبِأُولَئِكَ يُدِيلُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الاَعْدَاءِ. وَبِأُولَئِكَ يُنَزِّلُ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ الغَيْثَ مِنَ السَمَّاءِ، فَوَ اللَهِ لَهَؤُلاَءِ فِي‌ قُرَّاءِ القُرْآنِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْرِيتِ الاَحْمَرِ. [31]

 وينبغي‌ العلم‌ أ نّه‌ ما دام‌ سرّ الإنسان‌ لم‌ يتطهّر في‌ مقابل‌ القرآن‌؛ أي‌ ما دام‌ الإنسان‌ لايتعلّم‌ القرآن‌ للعمل‌، وما دام‌ لايتعامل‌ معه‌ لتحقيق‌ معانيه‌ في‌ وجوده‌، فإنّ الإنسان‌ لن‌ يستفيد من‌ حقيقة‌ القرآن‌ شيئاً.

 وما أكثر ما شوهد أفراد لهم‌ اطّلاع‌ علی القرآن‌ والعلوم‌ القرآنيّة‌، ولهم‌ مطالعات‌ ودراسات‌ في‌ التفسير والتفاسير، لكنّ قلوبهم‌ سوداء مظلمة‌. والعلّة‌ في‌ ذلك‌ أ نّهم‌ جعلوا القرآن‌ وسيلة‌ للدنيا وللجاه‌ والمقام‌ والعزّة‌ والمكاسب‌. وروح‌ القرآن‌ تتأذّي‌ وتعاني‌ من‌ أمثال‌ هؤلاء الافراد. ويندر أن‌ يوجد أمثال‌ هذه‌ النماذج‌ من‌ قرّاء القرآن‌ في‌ المنهج‌ الشيعي‌ّ، لانّ تعاليم‌ الشيعة‌ تربّي‌ العلماء والقرّاء علی أساس‌ اتّباع‌ الحقّ وعدم‌التردّد علی أبواب‌ الظَّلَمة‌ وحكّام‌ الجور، وعدم‌ صرف‌ العمر سعياً وراء الرياسات‌ الباطلة‌.

 وحصل‌ في‌ زمن‌ سابق‌ عندما كنت‌ قد تشرّفت‌ خلاله‌ بالذهاب‌ إلی النجف‌ الاشرف‌ لتحصيل‌ العلوم‌ الدينيّة‌ أن‌ دار الحديث‌ عن‌ الشيعة‌ ومنهجهم‌ الفكري‌ّ، فقال‌ أحد العلماء المراجع‌، وكان‌ حاضراً في‌ المجلس‌:

 عُقد قبل‌ عدّة‌ سنوات‌ مؤتمر للمذاهب‌ الإسلاميّة‌ في‌ « الجامع‌ الازهر » حضره‌ علماء المذاهب‌ الإسلاميّة‌ من‌ جميع‌ الدول‌، وقد شاركتُ في‌ المؤتمر كممثّل‌ لعلماء النجف‌، فألقيتُ كلمةً تطرّقت‌ فيها إلی تعريف‌ مذهب‌ الشيعة‌ نقلتُ فيها الرواية‌ التالية‌ عن‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌ وشرحتُها. فنالت‌ الكلمة‌ إعجاب‌ الحاضرين‌ وحظيت‌ بثنائهم‌، للدقّة‌ البالغة‌ في‌ مدرسة‌ الشيعة‌ التي‌ تبذل‌ كلّ هذه‌ الجهود في‌ تربية‌ أتباعها، وللتحقيق‌ والتمعّن‌ العميق‌ المبذول‌ من‌ قِبَل‌ أئمّة‌ الشيعة‌ في‌ تزكية‌ هؤلاء الاتباع‌ وتطهيرهم‌. الرواية‌ كالتالي‌:

 الرجوع الي الفهرس

الاصناف‌ المختلفة‌ لمدّعي‌ الهُدي‌؛ وعلامة‌ معرفة‌ ولي‌ّ الله‌

 أورد الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ « الاحتجاج‌ » بسنده‌ عن‌ « التفسير المنسوب‌ للإمام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ عليه‌ السلام‌ » عن‌ الرضا عليه‌ السلام‌، أ نّه‌ قال‌:

 قَالَ علی بْنُ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: إذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلُ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وَهَدْيُهُ وَتَمَاوَتَ فِي‌ مَنْطِقِهِ وَتَخَاضَعَ فِي‌ حَرَكَاتِهِ فَرُوَيْدَاً لاَيَغُرَّنَّكُمْ.

 فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يُعْجِزُهُ تَنَاوُلُ الدُّنْيَا وَرُكُوبُ الحَرَامِ مِنْهَا لِضَعْفِ نِيَّتِهِ وَمَهَانَتِهِ وَجُبْنِ قَلْبِهِ، فَنَصَبَ الدِّينَ فَخَّاً لَهَا فَهُوَ لاَيَزَالُ يَخْتُلُ النَّاسَ بِظَاهِرِهِ، فَإنْ تَمَكَّنَ مِنْ حَرَامٍ اقْتَحَمَهُ.

 وَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنِ المَالِ الحَرَامِ فَرُوَيْدَاً لاَيَغُرَّنَّكُمْ، فَإنَّ شَهَوَاتِ الخَلْقِ مُخْتَلِفَةٌ. فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَنْبُو عَنِ المَالِ الحَرَامِ وَإنْ كَثُرَ، وَيَحْمِلُ نَفْسَهُ علی شَوْهَاءَ قَبِيحَةٍ فَيَأْتِي‌ مِنْهَا مُحَرَّمَاً.

 فَإذَا وَجَدْتُمُوهُ يَعِفُّ عَنْ ذَلِكَ فَرُوَيْدَاً لاَ يَغُرَّنَّكُمْ حَتَّي‌ تَنْظُرُوا مَا عُقْدَةُ قَلْبِهِ. فَمَا أَكْثَرَ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ أَجْمَعَ، ثُمَّ لاَيَرْجِعُ إلی عَقْلٍ مَتِينٍ، فَيَكُونُ مَا يُفْسِدُهُ بِجَهْلِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ بِعَقْلِهِ.

 فَإِذَا وَجَدْتُمْ عَقْلَهُ مَتِينَاً فَرُوَيْدَاً لاَ يَغُرَّنَّكُمْ حَتَّي‌ تَنْظُرُوا أَمَعَ هَوَاهُ يَكُونُ علی عَقْلِهِ، أَمْ يَكُونُ مَعَ عَقْلِهِ علی هَوَاهُ، وَكَيْفَ مَحَبَّتِهِ لِلرِّيَاسَاتِ البَاطِلَةِ وَزُهْدِهِ فِيهَا، فَإنَّ فِي‌ النَّاسِ مَنْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ يَتْرُكُ الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا وَيَرَي‌ أَنَّ لَذَّةَ الرِّيَاسَةِ البَاطِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ لَذَّةِ الاَمْوَالِ وَالنِّعَمِ المُبَاحَةِ المُحَلَّلَةِ، فَيَتْرُكُ ذَلِكَ أَجْمَعَ طَلَبَاً لِلرِّيَاسَةِ. حَتَّي‌ إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمَ وَلِبِئْسِ المِهَادُ.

 فَهُوَ يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ يَقُودُهُ أَوَّلُ بَاطِلٍ إلی أَبْعَدِ غَايَاتِ الخَسَارَةِ، وَيَمُدُّهُ رَبُّهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي‌ طُغْيَانِهِ. فَهُوَ يُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَهُ وَيُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَهُ لاَ يُبَالِي‌ مَا فَاتَ مِنْ دِينِهِ إذَا سَلِمَتْ لَهُ رِيَاسَتُهُ الَّتِي‌ قَدْ شَقِي‌َ مِنْ أَجْلِهَا.

 فَأُولَئِكَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابَاً مُهِينَاً. وَلَكِنَّ الرَّجُلُ كُلَّ الرَّجُلِ نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي‌ جَعَلَ هَوَاهُ تَبَعَاً لاِمْرِاللَهِ وَقُوَاهُ مَبْذُولَةً فِي‌ رِضَي‌ اللَهِ يَرَي‌ الذُّلَّ مَعَ الحَقِّ أَقْرَبَ إلی عَزِّ الاَبَدِ مِنَ العِزِّ فِي‌ البَاطِلِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ قَلِيلَ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ ضَرَّائِهَا يُؤَدِّيهِ إلی دَوَامِ النَّعِيمِ فِي‌ دَارٍ لاَتَبِيدُ وَلاَ تَنْقَدُ، وَأَنَّ كَثِيرَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ سَرَّائِهَا إنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ يُؤَدِّيهِ إلی عَذَابٍ لاَ انْقِطَاعَ لَهُ وَلاَيَزُولُ.

 فَذَلِكُمُ الرَّجُلُ نِعْمَ الرَّجُلُ، فَبِهِ فَتَمَسَّكُوا وَبِسُنَّتِهِ فَاقْتَدُوا، وَإلَي‌ رَبِّكُمْ فَبِهِ فَتَوَسَّلُوا فَإنَّهُ لاَ تُرَدُّ لَهُ دَعْوَةٌ وَلاَيُخَيَّبُ لَهُ طَلِبَةُ. [32]

الی المجلد الثامن

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «بحار الانوار» ج‌ 17، ص‌ 5 (الروضة‌)، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[2] ـ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 44: الدخان‌.

[3] ـ الآية‌ 45، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[4] ـ «أُصول‌ الكافي‌» كتاب‌ فضل‌ القرآن‌، ج‌ 2، ص‌ 596 إلی 598؛ و«بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 319 إلی 321، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[5] ـ الآية‌ 228، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌

[6] ـ نوع‌ من‌ الورد الابيض‌. (م‌)

[7] ـ ألّفنا رسالة‌ استدلاليّة‌ بالعربيّة‌ في‌ حقوق‌ المرأة‌ وتفسير آية‌: «الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَعلی النِّسَآءِ» وفي‌ عدم‌ مشاركة‌ المرأة‌ في‌ القضاء والحكومة‌ والجهاد في‌ الإسلام‌، وسميّناها «رسالة‌ بديعة‌» تُرجمت‌ فيما بعد إلی الفارسيّة‌، ووُضعت‌ في‌ متناول‌ الاءخوة‌ الناطقين‌ بالفارسيّة‌.

[8] ـ جريدة‌ «اطلاعات‌» العدد 15923، صحفة‌ 9، الثلاثاء 13 رمضان‌ المبارك‌، لسنة‌ 1399 ه0ق‌، تحت‌ عنوان‌: وصيّة‌ مولي‌ المتّقين‌ للاءمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌.

[9] ـ كتبنا في‌ سابق‌ الايّام‌ رسالة‌ في‌ إحكام‌ ومتانة‌ مباني‌ القرآن‌ ومنطلقاته‌ سميّناها «رسالة‌ قرآن‌» (= رسالة‌ القرآن‌)، جري‌ فيها بيان‌ متانة‌ قوانين‌ القرآن‌، وقد طبعت‌ هذه‌ الرسالة‌ حالياً في‌ أربعة‌ أجزاء باسم‌ «نور ملكوت‌ القرآن‌».

[10] ـ «الخصال‌ للصدوق‌» ص‌ 174 و 175، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[11] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 1، ص‌ 303.

[12] ـ من‌ الفقرات‌ الاخيرة‌ لدعاء عرفة‌ لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ حسب‌ رواية‌ ابن‌ طاووس‌ في‌ «الاءقبال‌».

[13] ـ الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[14] ـ أوردنا ما جاء في‌ الرواية‌ مختصراً، لذا اقتضي‌ التنويه‌. (م‌)

[15] ـ الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 16: النحل‌، والآية‌علی النحو التالي‌: «أمو ' تٌ غير أحيآء وما يشعرون‌ أيّان‌ يُبعثون‌».

[16] ـ الآية‌ 171، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[17] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[18] ـ جري‌ نقل‌ مطالب‌ المجلسي‌ّ بالمعني‌، حيث‌ قمنا ببيانها وإيضاحها. وأصل‌ مطالب‌ المجلسي‌ّ موجودة‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 7، ص‌ 321 إلی 324 من‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[19] ـ من‌ فقرات‌ السلام‌علی أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الذي‌ يتلي‌في‌ زيارته‌ جهة‌ إقدامه‌ الشريفة‌ وأوّلها «السلام‌علی أبي‌ الائمّة‌ وخليل‌ النبوّة‌» وهي‌ أوّل‌ زيارة‌ من‌ زياراته‌ المطلقة‌.

[20] ـ الآية‌ 137، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[21] ـ «مطالب‌ السئول‌» ص‌ 21، الطبعة‌ الحجريّة‌، عن‌ «حلية‌ الاولياء»؛ و«حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 64؛ وقال‌ في‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 212: وعن‌ ابن‌ عبّاس‌: ليس‌ من‌ آية‌ في‌ القرآن‌ «يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» إلاّعلی رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب‌الله‌ أصحاب‌ محمّد صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ القرآن‌، وما ذكر عليّاً إلاّ بخير.

[22] ـ «ديوان‌ حبيب‌» المدائح‌، ص‌ 200 و 201.

 يقول‌: «ليس‌ لي‌ مرشد في‌ الطريقة‌ والنهج‌ إلاّ علي‌ّ، إذ ليس‌ للوجود من‌ حقيقة‌ إلاّ هو.

 فلا ترينّ ـ غيرعلی ـ في‌ الخفاء والعلن‌، إذ ليس‌ في‌ الشهادة‌ والغيب‌ إلاّ هو».

[23] ـ يقول‌:

 «ولا تطلبنّ ـ غيرعلی ـ في‌ الكعبة‌ والدير، إذ ليست‌ الاُمم‌ الاثنتان‌ والسبعون‌ إلاّ هو.

 وما الخوف‌ من‌ نار جهنّم‌ إذا لم‌ يكن‌ قسيم‌ الجنّة‌ والنار يوم‌ الحشر إلاّ هو ـ علي‌ّ عليه‌ السلام‌ـ.

 فصرّحْ ـ إن‌ كان‌ كفراً أو إيماناً ـ بأن‌ ليس‌ ثمّة‌ في‌ القيامة‌ إلاّ هو.

 أساس‌ العالمين‌ قائم‌علی الحبّ، لكنّ مؤسّس‌ الحبّ ليس‌ إلاّ هو.

 وحين‌ تحدّث‌ النبي‌ّ أحمد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ عن‌ «لي‌ مع‌ الله‌...»، فإنّ المعيّة‌ لم‌تكن‌ غيرعلي‌ّ.

 سمعتُ عاشقاً ثملاً يقول‌: ليس‌ للّه‌ ـ غيرعلی ـ من‌ حول‌ ولاقوّة‌.

 إنّ وجود الاشياء قاطبة‌ من‌ المشيئة‌؛ والمشيئة‌ لم‌ توجد إلاّ بعلي‌ّ».

[24] ـ يقول‌: «والمَلِك‌ الذي‌ تقرع‌ الملائكة‌ بابه‌ خمس‌ مرّات‌ (في‌ اليوم‌) ليس‌ إلاّ عليّاً.

علی آدم‌، وعلي‌ّ شيث‌، وعلي‌ّ نوح‌؛ إذ لم‌ يكن‌ ـغيرعلی أحد في‌ أدوار النبوّة‌.

علی أحمد،علی موسي‌ وعيسي‌، إذ لم‌ يكن‌ ـ إلاّ هو ـ أحد في‌ أطوار الخلقة‌.

 فليكنْ عمر مرشدك‌ في‌ الطريقة‌ والنهج‌، أمّا أنا فمرشدي‌ في‌ الطريقة‌علی لاسواه‌.

 فإن‌ قلت‌ إنّ عليّاً ليس‌ عين‌ الله‌، فقلْ ـ كذلك‌ ـ إنّه‌ لم‌ ينفصل‌ عن‌ الله‌ قطّ!».

[25] ـ «ديوان‌ حبيب‌» المدائح‌، ص‌ 199 و 200.

 يقول‌: «هنالك‌ من‌ جمشيد خطّ ظاهرعلی كأس‌ الخمر؛ العالَم‌ هو الناس‌، والناس‌ هم‌ العالم‌.

 فاطلب‌ سرّ روحنا هذا من‌ «الدساتير» *، لانّ هذا القول‌ من‌ أحاديث‌ القدماء».

 * ـ «دساتير» كتاب‌ أ لّفه‌ رجل‌ يدعي‌ «آذر كيوان‌» في‌ القرن‌ العاشر الهجري‌ّ ونسبه‌ إلی نبي‌ّ مختلق‌ يدعي‌ «ساسان‌ الخامس‌» في‌ عصر كسري‌ برويز.

[26] ـ يقول‌: «وخذ من‌ السلف‌ هذه‌ المقولة‌ الصادقة‌، بأنّ الحديث‌ الحسن‌ هو الحديث‌ الصادق‌.

 وإن‌ تأمّلت‌ جيّداً كلام‌ الاعلام‌ السابقين‌ واللاحقين‌، لوجدتَه‌ قد نُطق‌ بلسانٍ واحد.

 فالارواح‌ كالقوافل‌ السائرة‌علی هذا الطريق‌ تتبع‌ إحداها الاُخري‌ وتقتفي‌ أثرها.

 والاقوال‌ النابعة‌ من‌ القلب‌ والجارية‌علی اللسان‌ هي‌ ـ بلحاظٍ ما ـ كأجراس‌ القافلة‌.

 إنّ العالمينِ مُضمـران‌ في‌ روحـك‌ وبدنك‌، أحدهمـا ظاهـر جلي‌ّ والآخر مسـتور خفي‌ّ.

 وإذا كانت‌ قدمك‌ في‌ الارض‌ السابعة‌، فإنّ رأسك‌ يرتفع‌ فوق‌ السماوات‌ السبع‌.

 إنّ بدنك‌ كقماش‌ الديباج‌ الاطلسي‌ّ، والمجرّات‌علی كتفيك‌ كالحمائل‌ والاوسمة‌».

[27] ـ يقول‌: «الجواهر تسطع‌ لامعة‌ فوق‌ كتفيك‌، كسطوع‌ علامات‌ النقيب‌ والعقيد العسكري‌ّ.

 لقد انحدر أصلك‌ من‌ الطبيعة‌، لكنّي‌ لا أعلم‌ من‌ أي‌ّ أصل‌ هو وجه‌ قلبك‌.

 ولو سقط‌ هذا الطائر في‌ الماء، لتجلّي‌ عياناً أَمِنَ البطّ هو أو من‌ الدجاج‌.

 إنّ سرّ الوجود مستور عن‌ عين‌ الجاهل‌، لكنّه‌ عيان‌ ومشهود لقلبِ العالِم‌.

 العالَم‌ هو الإنسان‌، والنبي‌ّ عين‌ الإنسان‌، وعلي‌ٌّ إنسانُ عين‌ هذا العالَم‌.

 النبي‌ّ مدينةُ العلم‌ وعلي‌ٌّ بابها، فطـوبي‌ لذلـك‌ الرأس‌ الذي‌ طلّعلی اعتاب‌ هـذه‌ الباب‌.

 هو بابٌ مُشرع‌علی القلوب‌ المُضاءة‌، لكن‌ جبرائيل‌ يقف‌علی الباب‌ حارساً.

 إنّ النبي‌ّ هو الميزان‌ لاحجار الحكمة‌، أمّاعلی فلسان‌ ذلك‌ الميزان‌».

[28] ـ يقول‌: «فأعلمْ أنّ عليّاً لسان‌ الله‌ الناطق‌ الذي‌ صار منه‌ كشف‌ الاسرار والحقائق‌».

[29] ـ «ديوان‌ الاُزري‌ّ» ص‌ 151، للشيخ‌ كاظم‌ الاُزري‌ّ التميمي‌ّ البغدادي‌ّ المتوفّي‌ في‌ غرّة‌ جمادي‌ الاُولي‌ لسنة‌ 1211 هجريّة‌، من‌ مادحي‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌، ويكفي‌ في‌ جلالة‌ شعره‌ وبلاغته‌ قصيدته‌ الهائيّة‌ «لمن‌ الشمس‌ في‌ قباب‌ قباها» التي‌ وضعته‌ في‌ مصاف‌ الشعراء من‌ الطراز الاوّل‌.

 يُحكي‌ أنّ العلاّمة‌ بحر العلوم‌ كان‌ يجلّه‌ ويعظّمه‌ لا نّه‌ كان‌ يعقد مجالس‌ مناظرة‌ مع‌ الخصوم‌.

 ويروي‌ عن‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ الصدر أ نّه‌ قال‌: إنّ القصيدة‌ الهائيّة‌ الاُزريّة‌ كانت‌ أكثر من‌ ألف‌ بيت‌، وكانت‌ مكتوبة‌ في‌ طومار، فأكلت‌ الارضة‌ بعضها ووصل‌ باقي‌ الطومار بِيَدِ المرحوم‌ آية‌الله‌ السيّد صدرالدين‌ العاملي‌ّ فاستخرج‌ منها هذا القدر من‌ الابيات‌ التي‌ قام‌ الشيخ‌ جابر الكاظمي‌ّ بتخميسها فيما بعد.

 وقال‌ صاحب‌ «المستدرك‌» في‌ كتاب‌ «شاخه‌ طوبي‌»: كان‌ العلاّمة‌ المحقّق‌ الشيخ‌ محمّدحسن‌ صاحب‌ «الجواهر» يتمنّي‌ لو كانت‌ القصيدة‌ الهائيّة‌ الاُزريّة‌ مدوّنة‌ في‌ صحيفة‌ أعماله‌، وكان‌ كتاب‌ «الجواهر» ـفي‌ المقابل‌ـ مدوّن‌ في‌ صحيفة‌ أعمال‌ الشيخ‌ الاُزري‌ّ. («الكني‌ والالقاب‌» ج‌ 2، ص‌ 19، طبعة‌ صيداـ ملخّصاً).

[30] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 608 و 609؛ و «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 1، ص‌ 369، طبعة‌ أمير بهادر.

[31] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 627؛ و «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 1، ص‌ 369.

[32] ـ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 52 و 53، طبعة‌ النجف‌، عن‌ «التفسير المنسوب‌ للاءمام‌ العسكري‌ّ»؛ و«بحار الانوار» ج‌ 2، ص‌ 84 و 85، الطبعة‌ الحروفيّة‌، عن‌ «التفسير المنسوب‌ للاءمام‌ العسكري‌ّ»، رقم‌ 10؛ وفي‌ ص‌ 85 من‌ «الاحتجاج‌» بالاءسناد إلی الإمام‌ أبي‌ محمّد، رقم‌ 11.

الی المجلد الثامن

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com