بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد السادس / القسم السابع: حشر الموجودات المختلفة، صفة صحیفة الاعمال، تفسیر آیة: و نکتب ما قدموا و ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

حشر الحيوانات‌ والنباتات‌ والجمادات‌

 أمّا الحيوانات‌ فكلٌّ منها يُحشر إلی‌ الروح‌ الكلّيّة‌ المدبّرة‌ لها، ومن‌ ثمّ فإنّ مرجعها ومعادها سيكون‌ إلی‌ ربّ النوع‌ أو الملك‌ الذي‌ كان‌ يدبّرها ويحافظ‌ عليها، كما أنّ بعض‌ الحيوانات‌ التي‌ تصبح‌ غذاءً للإنسان‌ ستفني‌ وتندكّ في‌ الإنسان‌: وَمَا مِن‌ دَآبَّةٍ فِي‌ الاْرْضِ وَلاَ طَـ'´نءِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ الآ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم‌ مَّا فَرَّطْنَا فِي‌ الْكِتَـ'بِ مِن‌ شَيْءٍ ثُمَّ إلی‌' رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ. [1]

 إنّ معاد الحيوانات‌ ـشأنه‌ شأن‌ معاد الإنسان‌ والشياطين‌ـ يمثّل‌ عوداً إلی‌ نقطة‌ بدء وجودها، فهي‌ تعود خلال‌ رجوعها باتّجاه‌ الله‌ تعإلی‌ إلی‌ نفس‌ النقطة‌ التي‌ نزلت‌ منها في‌ عالم‌ الملكوت‌ والتي‌ قدّرت‌ منها ماهيّتها الوجوديّة‌ وتشكلّت‌ منها جبلّتها، فتفني‌ هناك‌.

 وسيكون‌ حشر كلّ طائفة‌ من‌ الحيوانات‌ المختلفة‌ في‌ المَلَك‌ الخاصّ والروح‌ الكلّيّة‌ المسمّاة‌ بلغة‌ الفلسفة‌ بربّ نوعها، ثمّ إنّ ذلك‌ الملك‌ سيفني‌ في‌ الروح‌ الكلّيّة‌ العليا منه‌، وتلك‌ تفني‌ بدورها، وصولاً إلی‌ الفناء في‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحضرة‌ الاحديّة‌ التي‌ تمثّل‌ محلّ فناء وعودة‌ وحشر جميع‌ الموجودات‌:

 وَاتَّقُوا اللَهَ وَاعْلَمُو´ا أَ نَّكُمْ إلیهِ تُحْشَرُونَ. [2]

 وخلاصة‌ المطلب‌، أ نّنا لو غضضنا النظر عن‌ ذات‌ الخالق‌ القدسيّة‌، فإنّ جميع‌ الموجودات‌ الاُخري‌ التي‌ خلقها الله‌ تعإلی‌، لم‌يخلقها بلحاظ‌ واحد ومن‌ محلّ واحد ومبدأ واحد؛ فالاسماء والصفات‌ الكلّيّة‌ متعلّقة‌ بالذات‌، أمّا الاسماء والصفات‌ الاوطأ فمتعلّقة‌ بتلك‌ الاسماء والصفات‌ الكلّيّة‌؛ كما أنَّ الاسماء والصفات‌ الجزئيّة‌ الادني‌ في‌ عالم‌ الكثرات‌ متعلّقة‌ بالاسماء والصفات‌ الاعلي‌ منها، وصولاً إلی‌ الحجر وكُتل‌ الطين‌ والحيوانات‌ والنباتات‌ الضعيفة‌ جدّاً بلحاظ‌ السعة‌ الوجوديّة‌، وذات‌ الماهيّات‌ الضيّقة‌ جدّاً والمحدودة‌، والتي‌ تمتلك‌ بأجمعها معاداً إلی‌ نقطة‌ بداية‌ وجودها، وهكذا الامر بالنسبة‌ إلی‌ الإنسان‌ الذي‌ يعود إلی‌ النقطة‌ التي‌ مثّلت‌ بداية‌ خلقه‌.

 قال‌ صدر المتأ لّهين‌ في‌ حشر النفوس‌ الناطقة‌ الكاملة‌:

 « هذه‌ النفوس‌ أمّا كاملة‌ كمالاً عقليّاً أو ناقصة‌؛ أمّا النفوس‌ الكاملة‌ التي‌ خرجت‌ ذاتها من‌ القوّة‌ العقليّة‌ إلی‌ الفعل‌ وصارت‌ عقلاً بالفعل‌، فهي‌ لامحالة‌ محشورة‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌، لا نّها محشورة‌ إلی‌ العقل‌، والعقل‌ محشور إلیه‌ تعإلی‌ كما سبق‌، والمحشور إلی‌ شي‌ء محشور إلیه‌، فالنفس‌ محشورة‌ إلیه‌. » [3]

 وقال‌ في‌ حشر النفوس‌ الحيوانيّة‌:

 « فهي‌ عند موتها وفساد أجسادها راجعة‌ أفراد كلّ نوع‌ منها إلی‌ مدبّرها العقليّ الذي‌ هو ربّ طلّسمها ومقصود صنمها وصورة‌ عقلها ومعقولها كمرجوع‌ قوي‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ من‌ المشاعر الإدراكيّة‌ والمبادي‌ الشهويّة‌ والغضبيّة‌ إلیها عند انقطاعها عن‌ هذا العالم‌، وقد حقّق‌ في‌ مظانّه‌ أنّ هذه‌ المشاعر والقوي‌ النفسانيّة‌ كلّها في‌ النفس‌ علي‌ وجه‌ ألف‌ وأبسط‌، وهي‌ إنّما اختلفت‌ وتفرّقت‌ في‌ مواضع‌ البدن‌، لانّ عالم‌ الطبيعة‌ عالم‌ التفرقة‌ والتضادّ لبُعدها عن‌ عالم‌ الوحدة‌. ومن‌ نظر في‌ الحواسّ الخمس‌ وافتراقها في‌ أعضاء البدن‌ واتّحادها في‌ الحسّ المشترك‌ سهل‌ عليه‌ التصديق‌ بأنّ قوي‌ النفس‌ الواحدة‌ مجتمعة‌ فيها متفرقة‌ في‌ الاعضاء، بل‌ هذه‌ الاعضاء أيضاً في‌ مقام‌ النفس‌ واحدة‌ ليس‌ موضع‌ العين‌ غيرموضع‌ السمع‌ ولاموضع‌ إلید غير موضع‌ الرِّجل‌ ولا مواضع‌ الاعضاء هناك‌ كلّها مختلفة‌، لانّ النفس‌ ـ كما عُلم‌ ـ أمر روحانيّ وجميع‌ أعضائها روحانيّة‌، والروحانيّات‌ لاتزاحم‌ ولاتضايق‌ بينها سواء كانت‌ النفس‌ عقلانيّة‌ وأعضاؤها عقليّة‌ أم‌ حيوانيّة‌ وأعضاؤها مثإلیة‌، كما أوضحه‌ معلّم‌ الفلسفة‌، وبيّن‌ أنّ في‌ الإنسان‌ الحسّي‌ّ، الإنسان‌ النفسيّ والإنسان‌ العقلي‌ّ، وبيّن‌ أنّ جميع‌ الاعضاء التي‌ في‌ الإنسان‌ الحسّيّ هي‌ في‌ الإنسان‌ النفسيّ علي‌ وجهٍ ألطف‌، وكذا جميع‌ الاعضاء التي‌ في‌ الإنسان‌ النفسيّ هي‌ أيضاً في‌ الإنسان‌ العقليّ علي‌ وجهٍ أعلي‌ وأشرف‌، وأمعن‌ في‌ ذلك‌ إمعاناً شديداً لو نقلنا ما ذكره‌ لادّي‌ إلی‌ الإطناب‌؛ فعُلم‌ أنّ هذه‌ القوي‌ الطبيعيّة‌ والحواسّ المتوزّعة‌ في‌ البدن‌ الطبيعيّ الحسّيّ كلّها متّصلة‌ بالنفس‌ المتخيّلة‌ محشورة‌ إلیها، وهي‌ بجميع‌ قواها وحواسّها المثإلیة‌ متّصلة‌ بالعقل‌ الفعّال‌ في‌ أنفسها المعبّر عنه‌ بالإنسان‌ العقليّ الذي‌ هو الروح‌ المضاف‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ قوله‌: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن‌ رُّوحِي‌؛ وهي‌ كلمة‌ الله‌ وأمره‌ المُشار إلیها في‌ قوله‌: إلیهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ. وقوله‌: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‌.

 وهي‌ التي‌ من‌ الله‌ مشرقها وإلی‌ الله‌ مغربها؛ وفي‌ الحديث‌ عن‌ بعض‌ أئمّتنا عليهم‌ السلام‌: إِنَّ رُوحَ المُؤْمِنِ لاَشَدُّ اتِّصَالاً بِرُوحِ اللَهِ مِنْ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا.

 فإذن‌ كما أنّ قوي‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ العقليّة‌ راجعة‌ إلیها متّصلة‌ بها اتّصال‌ الاشعة‌ بالشمس‌، فكذلك‌ نفوس‌ كلّ واحد من‌ أنواع‌ الحيوان‌ يتّصل‌ عند الرجوع‌ بعقل‌ ذلك‌ الحيوان‌، إذ التحقيق‌ أنّ لكلّ حيوان‌ عقلاً مفارقاً كما قاله‌ الفيلسوف‌ الاوّل‌، إلاّ أنّ الحياة‌ والعقل‌ ـكما ذكره‌ في‌ بعضهاـ أبين‌ وأظهر، وفي‌ بعضها أخفي‌. » [4]

 الرابع‌: حشر النباتات‌.

 إنّ النباتات‌ باعتبار امتلاكها للحياة‌ والشعور، كما يظهر من‌ بعض‌ أفعالها وآثارها، فإنّها أقوي‌ من‌ الجمادات‌ بلحاظ‌ تقسيم‌ المراتب‌ الوجوديّة‌، وقد أُطلق‌ عليها ـ بهذه‌ المناسبة‌ ـ اسم‌ النفس‌ في‌ ثلاث‌ مراتب‌ من‌ عملها، وهي‌ مراتب‌ التغذية‌ والنمو والتكاثر.

 ومن‌ هنا فإنّ حشرها قريب‌ من‌ حشر الحيوانات‌، لذا فإنّها تطوي‌ مراحل‌ من‌ الكمال‌ في‌ وجودها الطبيعيّ وتقترب‌ من‌ المبدأ الفعّال‌ الذي‌ له‌ في‌ وجودها حكم‌ القوّة‌ المحرّكة‌ والمدبّرة‌. كما أنّ بعضها ممّن‌ يمتلك‌ نطفة‌ متحرّكة‌ يقترب‌ من‌ مقام‌ الحيوان‌ في‌ مراحل‌ الترقّي‌ والكمال‌، ويتخطّي‌ بعضها الآخر هذا المقام‌ فيحلّ في‌ نطفة‌ الإنسان‌ ويقترب‌ من‌ مقام‌ الإنسانيّة‌.

 ومن‌ هنا فإنّ حشر ذلك‌ البعض‌ سيكون‌ أتمّ، وقيامه‌ في‌ محضر الله‌ تعإلی‌ يوم‌ القيامة‌ سيكون‌ أقرب‌. وعدا ذلك‌ فإنّ النباتات‌ تحتاج‌ إلی‌ الكمال‌ النباتيّ لتصل‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌ في‌ سعيها وحركتها. ولانّ وجود الغذاء وفوريّة‌ النموّ والتكاثر شديد فيها، فإنّ امتلاكها لهذه‌ الشدّة‌ والحدّة‌ في‌ هذه‌ المرتبة‌ المتسافلة‌ سيعيقها من‌ الصعود والترقّي‌ إلی‌ العالم‌ الاكمل‌.

 ولذلك‌ فإنّ معادها وحشرها إلی‌ الله‌ تعإلی‌ سيكون‌ في‌ مقام‌ أدني‌ وأسفل‌، ومن‌ ثمّ فحين‌ تجفّ الشجرة‌ أو تُستأصل‌ فإنّ قوّة‌ تلك‌ الشجرة‌ ستعود إلی‌ مدبّرها النوعيّ وإلی‌ ملكها الاُخروي‌ّ.

 قال‌ الفيلسوف‌ الاوّل‌ في‌ كتاب‌ « الربوبيّة‌ »:

 فإن‌ قال‌ قائل‌: إن‌ كانت‌ قوّة‌ النفس‌ تفارق‌ الشجرة‌ بعد قطع‌ أصلها، فأين‌ تذهب‌ تلك‌ القوّة‌ أو تلك‌ النفس‌؟ قلنا: تصير إلی‌ المكان‌ الذي‌ لم‌تفارقه‌، وهو العالم‌ العقلي‌ّ. » [5]

 وهذه‌ الحركة‌ والبحث‌ من‌ النبات‌ يمثّلان‌ سيره‌ إلی‌ حشره‌ ومعاده‌، إذ: وَإن‌ مِّن‌ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـ'كِن‌ لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِحَهُمْ. [6]

 الخامس‌: حشر الجمادات‌:

 إنّ جميع‌ الجمادات‌ لها حشر، حتّي‌ المادّة‌ الاُولي‌ والهيولي‌ البحتة‌ الصرفة‌، لا نّها لم‌ توجد في‌ عالم‌ الوجود عبثاً، ولا نّها خلقت‌ لهدف‌ وقصد معيّنين‌ تسعي‌ إلیهما بوجودها وحركتها، سواءً كانت‌ حركتها جوهريّة‌ أم‌ غيرجوهريّة‌؛ محاولةً سدّ نقصها من‌ خلال‌ الوصول‌ إلی‌ ذلك‌ الهدف‌، وتبديل‌ حركتها إلی‌ سكون‌ واستقرار.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ صدر المتأ لّهين‌ في‌ حشر جميع‌ الموجودات‌ إلی‌ الله‌ عزّ وجل ّ

 قال‌ صدر المتألّهين‌: « وكلّ صورة‌ ناقصة‌ لا يمكن‌ وجودها إلاّ بصورة‌ مجدّدة‌ متمّمة‌ لها محيطة‌ بها مخرجة‌ إيّاها عن‌ القوّة‌ إلی‌ الفعل‌، ولولاها لم‌يكن‌ لهذه‌ الناقصة‌ وجود، إذ الناقص‌ لا يقوم‌ بذاته‌ إلاّ بالكامل‌، والقوّة‌ والإمكان‌ لا يوجدان‌ إلاّ بالفعليّة‌ والوجوب‌، فالكمال‌ أبداً قبل‌ النقص‌ والوجوب‌ دائماً قبل‌ الإمكان‌، و ما بالفعل‌ البتّة‌ قبل‌ ما بالقوّة‌، قبليّته‌ بالذات‌، والذي‌ يُوقع‌ الناس‌ في‌ الغلط‌ والاشتباه‌ ما يرون‌ في‌ هذا العالم‌ من‌ تقدّم‌ القوّة‌ والنقص‌ علي‌ الفعليّة‌ والكمال‌ تقدّماً بالزمان‌، كالبذر علي‌ الثمرة‌ والنطفة‌ علي‌ الحيوان‌، أوَ لم‌ يعلموا أنّ هذا التقدّم‌ الزمانيّ ليس‌ من‌ الاسباب‌ الذاتيّة‌ للشي‌ء المعلول‌، بل‌ هو مهيّء للمادّة‌ ومعدّ لقبول‌ الصورة‌ من‌ مبدأها الذاتي‌ّ، فإذاً ثبت‌ وتحقّق‌ أنّ لكلّ من‌ الصور العنصريّة‌ والجماديّة‌ صورة‌ أُخري‌ كمإلیة‌ في‌ ذاتها غايبة‌ عن‌ أبصارها قريبة‌ منها، وليست‌ هي‌ بعينها العقل‌ الفعّال‌ بلا متوسّط‌ لا نّا قد أشرنا إلی‌ أنّ الادني‌ لايصدر من‌ الاعلي‌ إلاّ بمتوسّط‌ مناسب‌ للجانبين‌، فلكلّ من‌ هذه‌ الصور صور غيبيّة‌ هذه‌ شهادتها وأُخري‌ هذه‌ دنياها.

 إلاّ أنّ منازل‌ الآخرة‌ كمنازل‌ الدنيا متفاوتة‌ في‌ اللطافة‌ والكثافة‌ ومترتّبة‌ في‌ القرب‌ من‌ الله‌ والبُعد عنه‌، ومعاد الخلائق‌ في‌ الآخرة‌ علي‌ حسب‌ مراتبها في‌ الدنيا، فالاشرف‌ يُعاد إلی‌ الاشرف‌ والاخسّ إلی‌ الاخسّ، ومتي‌ انتقلت‌ صورة‌ في‌ هذا العالم‌ من‌ خسّة‌ إلی‌ شرف‌ ومن‌ نقصٍ إلی‌ كمال‌ كما انتقلت‌ صورة‌ الجماد إلی‌ النبات‌، أو صورة‌ النبات‌ إلی‌ صورة‌ الحيوان‌، كان‌ معادها إلی‌ معاد ما انتقلت‌ إلیه‌ وكان‌ ذلك‌، كما أنّ الرجل‌ الكافر إذا أسلم‌، أو الرجل‌ الفاجر الفاسق‌ إذا تاب‌ عن‌ فسقه‌ وفجوره‌ وصار امرءاً فاضلاً صالحاً انتقل‌ معاده‌ الذي‌ كان‌ إلی‌ بعض‌ طبقات‌ الجحيم‌ وأبوابها كايناً إلی‌ بعض‌ طبقات‌ الجنان‌ وأبوابها علي‌ حسب‌ مقامه‌ وحاله‌ في‌ الدنيا.

 فإذن‌ ما من‌ موجود من‌ الموجودات‌ الطبيعيّة‌ المادّيّة‌ إلاّ وله‌ صورة‌ مثإلیة‌ في‌ الآخرة‌، ولصورته‌ المثإلیة‌ صورة‌ عقليّة‌ في‌ عالمٍ آخر فوقها هي‌ دار المقرّبين‌ ومقعد العلّيّين‌، والدليل‌ علي‌ أنّ كلّ صورة‌ حسّيّة‌ باطنها صورة‌ مثإلیة‌ يتقوّم‌ بها وتعود إلیها، وكلّ صورة‌ مثإلیة‌ باطنها صورة‌ عقليّة‌ يتقوّم‌ بها ويحيي‌ بحياتها وتعود إلیها أ نّا متّي‌ أحسسنا بشي‌ء ووقعت‌ صورته‌ في‌ قوّة‌ حسّنا واستكمل‌ حسّنا بها، تصوّرت‌ بها أيضاً قوّة‌ خيالنا التي‌ أقمنا البراهين‌ في‌ كتبنا علي‌ تجرّدها وتجرّد ما تصوّر فيها، وتمثّل‌ لها، وكذلك‌ انتقلت‌ في‌ عقلنا صورتها العقليّة‌، فلولا أنّ بين‌ محسوسها ومتخيّلها ومتعقّلها علاقة‌ ذاتيّة‌ لما كان‌ الامر كذلك‌، وكذلك‌ الامر بالعكس‌ فمتي‌ تعقّلنا صورة‌ عقليّة‌ ووقعت‌ منها حكاية‌ تطابقها في‌ خيالنا، وإذا اشتدّ وجود الصورة‌ في‌ عالم‌ الخيال‌ تمثّلت‌ بين‌ يدي‌ حسّنا منها صورة‌ في‌ الخارج‌، كما قال‌ تعإلی‌: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا. [7]

 ومن‌ هذا القبيل‌ رؤية‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ صورة‌ جبرائيل‌ كأ نّه‌ طبق‌ الخافقين‌، وكذا التي‌ يراها الإنسان‌ في‌ عالم‌ الجنان‌ من‌ الاشجار والانهار والغرفات‌ والصور الحسان‌ والحور والغلمان‌، وكذا ما يراها أصحاب‌ الجحيم‌ من‌ السلاسل‌ والاغلال‌ والحميم‌ والزقوم‌ والعقارب‌ والحيّات‌ وغير ذلك‌ إنّما يبرز من‌ الباطن‌ إلی‌ الظاهر، وكلّ صورة‌ حسّيّة‌ هيولي‌ للصورة‌ النفسانيّة‌ وهي‌ للعقليّة‌.

 وقد علمت‌ أنّ الصورة‌ تمام‌ الهيولي‌ التي‌ بها تصير موجودة‌ بالفعل‌ وبها بقاؤها وكمالها، فبقاء الحسّ بالنفس‌ وبقاء النفس‌ بالعقل‌ وبقاء العقل‌ بالباري‌ الحقّ فاعل‌ الكلّ وغاية‌ الكلّ ومتمّم‌ صورة‌ الكلّ، وتقول‌ أيضاً إنّ الصور الحسّيّة‌ قوالب‌ للخيإلیة‌ وهي‌ أرواحها، والخيإلیة‌ قوالب‌ للعقليّة‌ وهي‌ حقائقها، فإذن‌ حشر الابدان‌ الطبيعيّة‌ إلی‌ الابدان‌ الاُُخرويّة‌، وحشر تلك‌ الابدان‌ إلی‌ الصور العقليّة‌ وحشرها إلی‌ الله‌ تعإلی‌.

 قال‌ الفيلسوف‌ في‌ الميمر الثامن‌ إنّ هيولي‌ العقل‌ شريفة‌ جدّاً، لا نّها بسيطة‌ عقليّة‌ غير أنّ العقل‌ أشدّ منها انبساطاً وهو محيط‌ بها، وإنّ هيولي‌ النفس‌ شريفة‌ جدّاً، لا نّها بسيطة‌ نفسانيّة‌ غير أنّ النفس‌ أشدّ انبساطاً منها وهي‌ محيطة‌ بها ومؤثّرة‌ فيها الآثار العجيبة‌ بمعونة‌ العقل‌، فلذلك‌ صارت‌ أشرف‌ وأكرم‌ من‌ الهيولي‌، لا نّها تحيط‌ بها وتصوّر فيها الصور العجيبة‌، والدليل‌ علي‌ ذلك‌ العالم‌ الحسّي‌ّ، فإنّ من‌ يراه‌ يكثر منه‌ عجبه‌، ولا سيّما إذا رأي‌ عظيمه‌ وحسنه‌ وشرفه‌ وحركته‌ المتّصلة‌ الدايمة‌ السايرة‌ التي‌ فيها الظاهرة‌ منها والخفيّة‌ والارواح‌ الساكنة‌ في‌ هذا العالم‌ من‌ الحيوان‌ والهواء والنبات‌ وسائر الاشكال‌ كلّها، إذا رأي‌ هذه‌ الاشياء الحسّيّة‌ التي‌ في‌ هذا السفليّ الحسّيّ فليرتقِ بعقله‌ إلی‌ العالم‌ الاعلي‌ الحقّ الذي‌ إنّما هذا العالم‌ مثال‌ له‌ ويُلقي‌ بصره‌ عليه‌، فإنّه‌ سيري‌ الاشياء كلّها التي‌ رآها في‌ هذا العالم‌ هناك‌، غير أ نّه‌ يراها هناك‌ عقليّة‌ دائمة‌ متّصلة‌ ذات‌ فضائل‌ وحياة‌ نقيّة‌ ليس‌يشوبها شي‌ء من‌ الادناس‌، ويري‌ هناك‌ الاشياء ممتلئة‌ عقلاً وحكمة‌ من‌ أجل‌ النور الفائض‌ عليها، وكلّ واحد يحرص‌ علي‌ الترقّي‌ إلی‌ درجة‌ صاحبه‌، وأن‌ يدنو من‌ النور الاوّل‌ الفائض‌ علي‌ ذلك‌ العالم‌، وذلك‌ العالم‌ محيط‌ بالاشياء كلّها، الدائم‌ الذي‌ لا يموت‌، والمحيط‌ بجميع‌ العقول‌ والانفس‌ـ انتهي‌ كلامه‌.

 فثبت‌ وتحقّق‌ من‌ جميع‌ ما ذكرناه‌ ونقلناه‌ أنّ لكلّ صورة‌ حسّيّة‌ صورة‌ نفسانيّة‌ في‌ عالم‌ الغيب‌ هي‌ معاد هذه‌ الصورة‌ ومرجعها الذي‌ تُحشر إلیه‌ بعد زوالها عن‌ هذا العالم‌، أي‌ عالم‌ الحسّ والشهادة‌، وهي‌ الآن‌ أيضاً متّصلة‌ بها راجعة‌ إلیها لكنّها لمّا كانت‌ مغمورة‌ في‌ الهيولي‌ مشوبةً بالنقايض‌ والإعدام‌، محجوبةً بالغواشي‌ لا يتبيّن‌ حشرها إلی‌ تلك‌ الصورة‌ النفسانيّة‌ لمن‌ أراد أن‌ يراها ويشاهدها إلاّ أهل‌ المعرفة‌ الذين‌ يشاهدون‌ أحوال‌ الآخرة‌ بأعين‌ البصائر، فإذا انفسخت‌ صورتها المادّيّة‌ وتجرّدت‌ عن‌ هذه‌ الغواشي‌ الجسمانيّة‌ التي‌ هي‌ بالحقيقة‌ مقبرة‌ ما في‌ علم‌ الله‌، برزت‌ إلی‌ ذلك‌ العالم‌ وحُشرت‌ إلی‌ دار الآخرة‌ كما قال‌ تعإلی‌: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن‌ يَرَي‌'. [8]

 والجحيم‌ التي‌ ستبرز في‌ دار الآخرة‌ بحيث‌ يُشاهدها الخلائق‌ عند ذلك‌ بعلم‌ إلیقين‌ ثمّ بعين‌ إلیقين‌ هي‌ باطن‌ هذه‌ الصورة‌ السفليّة‌ الطبيعيّة‌ التي‌ تحرق‌ نارها الابدان‌ وتبدّل‌ الجلود بالاستحالة‌ والذوبان‌، لكنّها مستورة‌ هاهنا علي‌ هذه‌ الحواسّ الداثرة‌ الفانية‌، فإذا خرجت‌ النفوس‌ عن‌ هذا العالم‌ وبُعثر ما في‌ القبور وحُصّل‌ ما في‌ الصدور نراها ذلك‌ إلیوم‌ بصورتها الكامنة‌ إلیوم‌، كما في‌ قوله‌ تعإلی‌:

 كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ إلیقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ إلیقِينِ. [9]

 ومن‌ العجب‌ أ نّه‌ كما أنّ باطن‌ هذه‌ النار الحسّيّة‌ نار أُخرويّة‌، كذلك‌ باطن‌ الماء وغيره‌ من‌ الصور السفليّة‌ نار أُخرويّة‌ أيضاً؛ كما في‌ قوله‌ تعإلی‌:

 أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا. [10]

 وقوله‌: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتَْ. [11]

 ويروي‌ عن‌ الضحّاك‌ في‌ قوله‌ تعإلی‌ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا: « هي‌ حالة‌ واحدة‌ في‌ الدنيا يغرقون‌ من‌ جانب‌ ويحترقون‌ من‌ جانب‌ آخر. »

 وعن‌ بعضهم‌: يَا بَحْرُ! مَتَي‌ تَصِيرُ نَارًا؟

 وهي‌ النار التي‌ وقودها الناس‌ والحجارة‌، وهذه‌ النار غيرالنار النفسانيّة‌ الموقدة‌ التي‌ تطلّع‌ علي‌ الافئدة‌، وهما جميعاً غيرالنار الحقّة‌ التي‌ هي‌ صورة‌ عقليّة‌ تفيض‌ عنها الصورة‌ النفسانيّة‌ الناريّة‌، وهذه‌ النار المحسوسة‌ هي‌ كسائر الاُمور التي‌ لها صورة‌ حسّيّة‌ في‌ هذا العالم‌ وصورة‌ مثإلیة‌ حيوانيّة‌ في‌ عالم‌ الآخرة‌، وهي‌ التي‌ تعود وتحشر إلیها هذه‌ المحسوسة‌ عند تبدّل‌ نشأتها الهيولويّة‌، وصورة‌ عقليّة‌ في‌ عالم‌ آخر فوق‌ العالمين‌، وهي‌ التي‌ تعود وتحشر إلیها هاتان‌ الصورتان‌ ». [12]

 ثمّ قال‌ بعد بيان‌ موجز:

 « فإذا رجعت‌ الاشياء إلی‌ مقارّها الاصليّة‌ بعد خروجها عن‌ عالم‌ الحركات‌ والاستحالات‌ والشرور والآلام‌ والاحزان‌ بالموت‌ والفساد والفزع‌ والصعق‌، تعطف‌ عليها الرحمة‌ الإلهيّة‌ تارة‌ أُخري‌ بالحياة‌ التي‌ لاموت‌ فيها والبقاء الذي‌ لا انقطاع‌ له‌، ولهذا قال‌:

 الرجوع الي الفهرس

في‌ بقاء الموجودات‌ بالله‌ بعد الفناء في‌ الله‌

 ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَي‌' فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ. [13]

 وقال‌: وَأَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا. [14]

 وتلك‌ الارض‌ الاُخرويّة‌ المقبوضة‌ هي‌ صورة‌ ذات‌ حياة‌، نسبتها إلی‌ هذه‌ الارض‌ التي‌ نحن‌ الآن‌ عليها نسبة‌ السماء إلی‌ الارض‌، وجميع‌ ما في‌ ذلك‌ العالم‌ صورة‌ حيوانيّة‌ إدراكيّة‌ ليس‌ لها موضوع‌ أو مادّة‌ لاحياة‌ لها كهيولي‌ هذا العالم‌، وأجسادها التي‌ تكون‌ الحياة‌ عرضيّة‌ لها عارية‌ عليها من‌ النفس‌، وكذلك‌ الماء والنار والهواء والشجرة‌ والجبال‌ والابنية‌ والبيوت‌ كلّها موجودة‌ هناك‌ بوجود صوريّ نفساني‌ بلا مادّة‌ وحركة‌ وقوّة‌ وإمكان‌، لانّ صورتها معلّقة‌ قائمة‌ لا في‌ مادّة‌، علي‌ أنّها ليست‌ إلاّ جزئيّة‌ مشاهدة‌ محسوسة‌ بحواسّ غيرداثرة‌ ولا فانية‌، لانّ كلّها في‌ موضوع‌ النفس‌،[15] كأ نّها قوّة‌ واحدة‌ مع‌ أ نّها كثيرة‌ الصور المرئيّة‌ والاشكال‌ العظام‌ والمقادير الجسام‌، وهذا من‌ العجايب‌ التي‌ يسهل‌ إدراكها والإذعان‌ بوجودها لاُولي‌ البصائر، وإن‌ صعب‌ علي‌ غيرهم‌ الإذعان‌ إلاّ من‌ طريق‌ السماع‌ والتقليد. » [16]

 اي‌ بلبل‌ جان‌ چوني‌ اندر قفس‌ تن‌ها         تا چند در اين‌ تن‌ها ماني‌ تو تنِ تنها

 اي‌ بلبل‌ خوش‌ الحان‌ زان‌ گلشن‌ و زان‌ بستان‌         چون‌ بود كه‌ افتادي‌ ناگاه‌ به‌ گلخن‌ها

 گوئي‌ كه‌ فراموشت‌ گرديده‌ در اين‌ گلخن        ‌ آن‌ روضه‌ و آن‌ گلشن‌ و آن‌ سنبل‌ و سوسن‌ها

 بشكن‌ قفس‌ تن‌ را پس‌ تنتن‌ تن‌ كوبان‌         از مرتبة‌ گلخن‌ بخرام‌ به‌ گلشن‌ها

 مرغان‌ هم‌آواز مجموع‌ از اين‌ گلخن‌         پرّنده‌ به‌ گلشن‌ شد بگرفته‌ نشمين‌ها [17]

 در بيشة‌ دام‌ و دَدْ مأوي‌ نتوان‌ كردن‌         زين‌ جاي‌ مخوف‌ ايجان‌ رو جانب‌ مأمن‌ها

 اي‌ طاير افلاكي‌ در دام‌ تن‌ خاكي‌         از بهر دو سه‌ دانه‌ وامانده‌ ز خرمن‌ها

 باري‌ چو نمي‌ياري‌ بيرون‌ شدن‌ از قالب‌         بر منظره‌اش‌ بنشين‌ بگشارده‌ روزن‌ها

 اي‌ مغربي‌ مسكين‌ اينجا چه‌ شوي‌ ساكن        ‌ كانجاست‌ براي‌ تو پرداخته‌ مسكن‌ها [18]

 الرجوع الي الفهرس

تطاير الكتب‌ وصفة‌ صحيفة‌ الاعمال‌

المجلس الحادی والاربعون

في‌ معني‌ تطاير الكتب‌ وصفة‌ صحيفة‌ الاعمال‌ يوم‌ القيامة‌

  

بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علي‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَكُلَّ إِنسَـ'نٍ أَلْزَمْنَـ'هُ طَـ'ئِرَهُ و فِي‌ عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ و يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ كِتَـ'بًا يَلْقَـ'هُ مَنشُورًا* إِقْرَأْ كِتَـ'بَكَ كَفَي‌' بِنَفْسِكَ إلیوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا. [19]

 أحد عوالم‌ القيامة‌ عالم‌ تطاير الكتب‌، وقد شاهدتم‌ بطبيعة‌ الحال‌ الوصايا المدوّنة‌ وقد كُتب‌ فيها: أشهد أنّ الموت‌ حقّ، وأنّ القبر حقّ، وسؤال‌ منكر ونكير حقّ، والحشر حقّ، والصراط‌ والميزان‌ حقّ، وتطاير الكتب‌ حقّ... إلی‌ آخر هذه‌ الشهادات‌.

 و تطاير الكتب‌ يعني‌ فتح‌ صحائف‌ الاعمال‌ ونشرها. فَلِمَ يُدعي‌ تطايراً إذاً؟ لا نّه‌ مُنتزع‌ من‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌: وَكُلَّ إِنسَـ'نٍ أَلْزَمْنَـ'هُ طَـ'ئِرَهُ و فِي‌ عُنُقِهِ. والطائر من‌ الحيوان‌ كلّ ما يطير بجناحينِ؛ وقد ورد في‌ تفسير « مجمع‌ البيان‌ »:

 «وَكُلَّ إِنسَـ'نٍ أَلْزَمْنَـ'هُ طَـ'ئِرَهُ و فِي‌ عُنُقِهِ»؛ مَعْنَاهُ وَأَلْزَمْنَا كُلَّ إِنْسَانٍ عَمَلَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فِي‌ عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ لاَ يُفَارِقُهُ؛ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْعَمَلِ: طَائِرٌ عَلَي‌ عَادَةِ العَرَبِ فِي‌ قَوْلِهِمْ: جَرَي‌ طَائِرُهُ بِكَذَا.

 وَقِيلَ: طَائِرُهُ يُمْنُهُ وَشَؤْمُهُ؛ وَهُوَ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ؛ وَقِيلَ: طَائِرُهُ حَظُّهُ مِنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ؛ وَخُصَّ العُنُقُ لاِ نَّهُ مَحَلُّ الطَّوْقِ الَّذِي‌ يُزَيِّنُ المُحْسِنَ وَالغُلِّ الَّذِي‌ يَشِينُ المُسِي‌ءَ؛ وَقِيلَ: طَائِرُهُ كِتَابُهُ؛ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: جَعَلْنَا لِكُلِّ إِنسَانٍ دَلِيلاً مِنْ نَفْسِهِ. [20]

 الرجوع الي الفهرس

كيفيّة‌ تدوين‌ عالم‌ التكوين‌ لصحيفة‌ الاعمال‌

 فتطاير الكتب‌ ـ إذاً ـ يعني‌ تطاير صحائف‌ الاعمال‌، إذ توضع‌ الصحائف‌ في‌ رقبة‌ الإنسان‌ كالطوق‌، وحين‌ تُفتح‌ فإنّها تتطاير كما يطير الطائر وتتجّه‌ إمّا صوب‌ المقرّبين‌ أو صوب‌ أصحاب‌ إلیمين‌ أو صوب‌ أصحاب‌ الشمال‌، باعتبار وقوف‌ المقرّبين‌ والمخلَصين‌ في‌ مكان‌ خاصّ يوم‌ القيامة‌، والامر كذلك‌ بالنسبة‌ إلی‌ أصحاب‌ إلیمين‌ وإلی‌ أصحاب‌ الشمال‌. فكلّ عمل‌ عمله‌ الإنسان‌ سيلحق‌ بالمقرّبين‌ بمقدار ما له‌ من‌ درجة‌ القُرب‌؛ أمّا إذا كان‌ لعمل‌ الإنسان‌ سنخيّة‌ مع‌ أعمال‌ أصحاب‌ إلیمين‌ فسيطير صوب‌ أصحاب‌ إلیمين‌، أمّا لو كانت‌ سنخيّته‌ مع‌ أعمال‌ أصحاب‌ الشمال‌ فسيطير تجاههم‌.

 ومن‌ هنا فإنّ عالم‌ تطاير الكتب‌ يعني‌ العالم‌ الذي‌ تتطاير فيه‌ صحائف‌ الاعمال‌ فيتّجه‌ كلّ منها إلی‌ محلّه‌ وموضعه‌، وهذا هو المعني‌ الذي‌ يمكن‌ بيانه‌ لتطاير الكتب‌ علي‌ أ نّه‌ يمكن‌ ذكر معني‌ آخر للطائر، وهو أنّ الطائر كناية‌ عن‌ المقدّرات‌ التي‌ تُعطي‌ للإنسان‌ جزاء عمله‌، إذ يتفأّل‌ العرب‌ بالطائر يمُناً وشؤماً؛ فهم‌ يعتقدون‌ ـ مثلاً ـ أنّ الغراب‌ لو طار من‌ الشمال‌ إلی‌ إلیمين‌ كان‌ ذلك‌ يُمناً، أمّا لو طار من‌ إلیمين‌ إلی‌ الشمال‌ كان‌ ذلك‌ شؤماً، فإن‌ شاهد الإنسان‌ عند خروجه‌ من‌ داره‌ غراباً يطير بهذه‌ الكيفيّة‌ أو تلك‌ كان‌ ذلك‌ له‌ يُمناً أو شؤماً.

 وإن‌ هبطت‌ بوم‌ علي‌ سطح‌ منزل‌، دلّ ذلك‌ علي‌ الموت‌ والفناء، أمّا لو هبطت‌ حمامة‌ ورقاء، دلّ ذلك‌ علي‌ إلیمن‌ والسعادة‌. ولايعترف‌ الإسلام‌ بمثل‌ هذه‌ الاُمور لعدم‌ وجود حقيقة‌ وواقع‌ لها، أمّا الاثر المترتّب‌ عليها فليس‌ إلاّ الاثر النفسيّ لا غير؛ وتبعاً لذلك‌ فقد نهي‌ الإسلام‌ عن‌ الطَّيْرة‌.

 فالطائر ـ إذاً ـ كناية‌ عن‌ السعادة‌ أو الشقاء الذي‌ يصبح‌ من‌ نصيب‌ الإنسان‌ إثر عمله‌ الصالح‌ أو الطالح‌، منتهي‌ الامر أ نّه‌ إذا تفّأل‌ بذلك‌ الطائر دُعي‌ ذلك‌ تفؤلاً، وإن‌ تشاءم‌ منه‌ دُعي‌ تشاؤماً.

 والطائر يعني‌ المقدّرات‌ التي‌ تلازم‌ الإنسان‌ إثر العمل‌ الحسن‌ أو القبيح‌، وطائر الإنسان‌ يعني‌ مقدّراته‌ التي‌ تلحقه‌ إثر العمل‌. وكما يقدّر الإنسان‌ مقدّراته‌ بذلك‌ الطائر، فإنّ تلك‌ المقدّرات‌ وتلك‌ الاعمال‌ وذلك‌ الجزاء الذي‌ يلحق‌ الإنسان‌ إثر العمل‌ الحسن‌ أو السي‌ّء فيلازمه‌ ويقارنه‌ قد عبّر عنها كنايةً بالطائر.

 إنّنا سنخرج‌ هذا الطائر للإنسان‌ يوم‌ القيامة‌، وحين‌ يشاهد الإنسان‌ صحيفة‌ عمله‌ المدوّنة‌، فإنّه‌ سيشاهد جميع‌ مقدّراته‌ من‌ الاعمال‌ الحسنة‌ أو القبيحة‌ التي‌ فعلها، والتي‌ ستكون‌ بأجمعها ظاهرة‌ لفاعلها.

 وعلينا أن‌ نري‌ العلّة‌ التي‌ من‌ أجلها قال‌ تعإلی‌: أَلْزَمْنَـ'هُ طَـ'ئِرَهُ و فِي‌ عُنُقِهِ، وذلك‌ باعتبار أنّ عنق‌ الإنسان‌ يمثّل‌ محلّ تعليق‌ الطوق‌ والعقد من‌ المجوهرات‌ ليزهو فوق‌ صدره‌ إن‌ كان‌ مُحسناً مستحقّاً للثواب‌ والجائزة‌، ومحلّ تعليق‌ الغلّ والسلاسل‌ للمسي‌ء المجرم‌.

 فالرقبة‌ ـ إذاً ـ هي‌ محلّ جزاء المحسنين‌ والمسيئين‌ قبال‌ ما لهم‌ من‌ إحسان‌ أو إساءة‌.

 وعلي‌ هذا الاساس‌ فقد ورد في‌ التعبير هنا كناية‌ عن‌ أن‌ صحيفة‌ الإنسان‌ تعلّق‌ في‌ عنقه‌ وتلازم‌ وجوده‌، أي‌ أنّ من‌ عمل‌ عملاً في‌ الدنيا فإنّ ذلك‌ العمل‌ سيُطوي‌ ويعلّق‌ في‌ عنقه‌. سيلفّ العمل‌ ويطوي‌ فوق‌ العمل‌ الآخر، فلايعود يبدو في‌ النظر. إنّ جميع‌ الاعمال‌ التي‌ فعلناها ليست‌ ماثلة‌ الآن‌ أمام‌ أعيننا، فنحن‌ نعمل‌ العمل‌ فيذهب‌ وينقضي‌، أشبه‌ بالرسائل‌ التي‌ كانت‌ تدوّن‌ في‌ السابق‌ ثمّ تطوي‌ وتُرسل‌ من‌ مدينة‌ إلی‌ أُخري‌، وخاصّة‌ الاحكام‌ والاوامر التي‌ كان‌ الملوك‌ يصدرونها فتدوّن‌ في‌ هيئة‌ رسالة‌ ذات‌ عرض‌ قليل‌ إلاّ أنّ طولها كبير قد يصل‌ إلی‌ عشرة‌ أمتار، وكانوا يطوون‌ تلك‌ الرسائل‌ ثمّ يختمونها ويضعونها في‌ غلاف‌ ذهبيّ أو فضّيّ يلحمون‌ نهايته‌ قبل‌ إرسالها لتكون‌ الرسالة‌ محفوظة‌ من‌ الرطوبة‌ لو قدّر للامطار أن‌ تهطل‌ عليها في‌ الطريق‌. وحين‌ كانت‌ تلك‌ الرسالة‌ تصل‌ إلی‌ المُرسَل‌ إلیه‌ فإنّه‌ كان‌ يفتحها ويمسك‌ بها من‌ طرفها ويقرأها من‌ بدايتها إلی‌ نهايتها حسب‌ الترتيب‌ الذي‌ دوّنت‌ به‌، فقد دُوّنت‌ وطويت‌ شيئاً فشيئاً حتّي‌ انتهاء ورق‌ الرسالة‌، وحين‌ يُراد قراءتها فإنّهم‌ يقرأون‌ المطالب‌ بنفس‌ ذلك‌ الترتيب‌. وكما يلفّون‌ ورق‌ الرسائل‌ بعد تدوينها، فإنّهم‌ يعكسون‌ الامر الآن‌ فينشرون‌ الرسالة‌ ويفتحونها: وَنُخْرِجُ لَهُ و يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ كِتَـ'باً يَلْقَـ'هُ مَنشُوراً؛ أي‌ مبسوطاً.

 إنّنا نلفّ الاعمال‌ التي‌ يقوم‌ بها أفراد البشر ونطويها ونعلّقها في‌ أعناقهم‌ لتلازمهم‌، إلاّ أ نّهم‌ لا يرون‌ تلك‌ الاعمال‌ باعتبارها مطويّة‌ ملفوفة‌. أمّا يوم‌ القيامة‌ فإنّنا سننشر تلك‌ الاعمال‌ المطوية‌ فيراها ويقرؤها في‌ هيئة‌ صحيفة‌ طويلة‌ منشورة‌.

 اقْرَأْ كِتَـ'بَكَ؛ اقرأ صحيفة‌ عملك‌ وشاهدها بنفسك‌!

 كَفَي‌' بِنَفْسِكَ إلیوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً.

 وكفي‌ بك‌ إلیوم‌ محاسباً لنفسك‌؛ أنت‌ إلیوم‌ أفضل‌ محاسب‌ لنفسك‌، فليس‌ ثمّة‌ من‌ حاجة‌ لمحاسب‌ آخر ليُحاسبك‌! لماذا؟

 لانّ تلك‌ الاعمال‌ هي‌ أعمالك‌ التي‌ صارت‌ الآن‌ حاضرة‌ ومشهودة‌ بمرأي‌ منك‌ ومسمع‌.

 ويُدعي‌ هذا العالم‌ بعالم‌ تطاير الكتب‌، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ هذا العالم‌ يمثّل‌ نشر الاعمال‌ بعد طيّها.

 إنّ الإنسان‌ بعد أن‌ يفني‌ ثمّ يجد البقاء بالله‌ تعإلی‌ ويعود إلی‌ عالم‌ الوجود فإنّه‌ سيري‌ نفسه‌ وجميع‌ أعماله‌ منذ ولادته‌ إلی‌ موته‌ مع‌ جميع‌ آثاره‌ وخصائصه‌ في‌ كلّ نقطة‌ من‌ الامكنة‌ وكلّ لحظة‌ من‌ لحظات‌ الزمان‌، مع‌ جميع‌ القرائن‌ المحيطة‌ بالفرد والجماعات‌ التي‌ تعامل‌ معها، والاخلاق‌ والصفات‌ التي‌ امتلكها، والملكات‌ التي‌ حازها، والنوايا التي‌ انطوي‌ عليها لفعل‌ تلك‌ الاعمال‌؛ سيراها بأجمعها مبسوطة‌ ومنشورة‌ أمامه‌ فيقرؤها ويتلوها. وسيقال‌ له‌: تعال‌؛ فهذا كتاب‌ عملك‌ المتعلّق‌ بك‌! فينظر الإنسان‌ إلی‌ هذه‌ الصحيفة‌ ويري‌ ـمن‌ جهة‌ـ أ نّها صحيفته‌، لكنّه‌ لايصدّق‌ ـمن‌ جهة‌ أُخري‌ـ أنّ هذه‌ الصحيفة‌ علي‌ هذا القدر من‌ الدقّة‌، وأ نّها قد دوّنت‌ الصغيرة‌ والكبيرة‌، وأ نّها دوّنت‌ الاشياء التي‌ لم‌ تكن‌ تلوح‌ في‌ نظر الإنسان‌ أساساً، ليس‌ بكتابه‌ القلم‌ والحبر علي‌ الورق‌، بل‌ إنّها مكتوبة‌ في‌ عالم‌ التكوين‌ بقلم‌ التحقّق‌ والواقعيّة‌. وأنّ نفس‌ عمل‌ الإنسان‌ قد أُخذ وسُجّل‌، وأ نّه‌ سيؤتي‌ بنفس‌ وجود الإنسان‌ مع‌ عمله‌، بحيث‌ إنّ الإنسان‌ وعمله‌ ليسا خارجين‌ عن‌ تلك‌ النفس‌ الناطقة‌ والروح‌ التي‌ له‌.

 بل‌ إنّ الإنسان‌ يري‌ أنّ هذه‌ الاعمال‌ أعماله‌ وآثاره‌، فيعلم‌ بها علماً حضوريّاً لا حصوليّاً، وهو ممّا يُثير العجب‌ والدهشة‌. سيعجب‌ الإنسان‌ آنذاك‌ من‌ الامر، ويدهش‌ من‌ دقّة‌ هذه‌ الصحيفة‌ المدوّنة‌، تلك‌ الدقّة‌ في‌ التدوين‌ والتسجيل‌ التي‌ لا تخطر علي‌ عقل‌ الإنسان‌، لانّ الله‌ هو المُحصي‌، ولانّ هذه‌ الصحيفة‌ قد نظّمت‌ بأمره‌ وتحت‌ إشرافه‌.

 يقول‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌:

 وَكُلَّ سَيِّئَةٍ أَمَرْتَ بِإِثْبَاتِهَا الكِرَامَ الكَاتِبِينَ الَّذِينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ مَا يَكُونُ مِنِّي‌ وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَي‌َّ مَعَ جَوَارِحِي‌ وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَي‌َّ مِنْ وَرَائِهِمْ وَالشَّاهِدَ لِمَا خَفِي‌َ عَنْهُمْ. [21]

 ذلك‌ لانّ ملائكة‌ تدوين‌ الاعمال‌ وتسجيلها يسجّلون‌ جميع‌ الاعمال‌ الظاهريّة‌ والباطنيّة‌، إلاّ أنّ بعض‌ النوايا في‌ أعمال‌ القلب‌ علي‌ قدر من‌ اللطافة‌ والخفاء بحيث‌ لا يمكن‌ للملائكة‌ إدراكها ولا رؤيتها، لا بعين‌ الظاهر ولا بعين‌ الباطن‌، لكنّ الله‌ تعإلی‌ يراها، إذ لا يخفي‌ عليه‌ شي‌ء، لماذا؟ لا نّه‌: كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرَائِهِمْ وَالشَّاهِدَ لِمَا خَفِي‌َ عَنْهُمْ.

 يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُو´ا أَحْصَب'هُ اللَهُ وَنَسُوهُ وَاللَهُ عَلَي‌' كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. [22]

 وما أكثر الاعمال‌ التي‌ فعلناها، والنوايا التي‌ انطوينا عليها، والخواطر التي‌ مرّت‌ علي‌ قلوبنا، والافكار الباطلة‌ التي‌ فكّرنا بها، ثمّ استترت‌ بمرور الوقت‌ تحت‌ ستار الغفلة‌ والنسيان‌، لكنّ جهاز التسجيل‌ ذلك‌ يقظ‌ ومنتبه‌، والله‌ تعإلی‌ حيّ علي‌ الدوام‌ وناظر وشاهد، فهو يري‌ الظاهر ويري‌ الباطن‌ ويحفظهما بجميع‌ درجاتهما ومراحلهما، ويعدّ الاعمال‌ الكبيرة‌ والصغيرة‌، ويحفظ‌ الاعمال‌ الظاهرة‌ والباطنة‌ فلا ينسي‌ منها شيئاً، لانّ الله‌ علي‌ كلّ شي‌ء شهيد.

 بَلْ بَدَا لَهُم‌ مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ. [23]

 الرجوع الي الفهرس

القبور محلّ الواردات‌ في‌ الدنيا، ومحلّ الصادرات‌ في‌ الحشر

 إنّ الله‌ سيأتي‌ بما فعله‌ الإنسان‌ قبل‌ يوم‌ القيامة‌ وأخفاه‌ لئلاّ يراه‌ زيد وعمرو وبكر، فيظهره‌ للإنسان‌:

 يَوْمَنءِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَـ'لَهُمْ * فَمَن‌ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ و * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. [24]

 يوم‌ القيامة‌ هو إلیوم‌ الذي‌ يصدر فيه‌ جميع‌ الناس‌. من‌ أين‌؟ من‌ قبورهم‌. يصدرون‌ متفرّقين‌ جماعات‌ ليُروا أعمالهم‌، فمن‌ عمل‌ منهم‌ قدر ذرّة‌ خيراً رآه‌، ومن‌ عمل‌ قدر ذرّة‌ شرّاً رآه‌.

 إنّ القبور الآن‌ محلّ للواردات‌ بلا صادرات‌، فكلّ ما فيها مراكز للواردات‌، اذهبوا إلی‌ غرفة‌ مسؤول‌ المقبرة‌ الواقعة‌ جنب‌ مغسلة‌ الموتي‌ وتطلّعوا إلی‌ دفتره‌، فسترون‌ أنّ كلّ ما لديه‌ واردات‌، وأن‌ ليس‌ ثمّة‌ صادرات‌ أبداً. أمّا يوم‌ القيامة‌ فإنّ جميع‌ هذه‌ الواردات‌ ستصدر فيصبح‌ الدفتر سجلاّ للصادرات‌.

 يَخْرُجُونَ مِنَ الاْجْدَاثِ كَأَ نَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ. [25]

 إنّ الارض‌ لا ثقل‌ لها الآن‌، فهؤلإ الخلائق‌ الذين‌ دُفنوا فيها خلال‌ آلاف‌ السنين‌ صاروا يخرجون‌ الآن‌ منها ويصدرون‌ كالجراد المنتشر.

 وَأَخْرَجَتِ الاْرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإنسَـ'نُ مَا لَهَا * يَوْمَنءِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا* بَأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَي‌' لَهَا * يَوْمَنءِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً. [26]

 سيخرج‌ الناس‌ من‌ القبور جماعات‌ وأفراداً متفرقين‌، لماذا؟ ليُروا أعمالهم‌. فيقول‌ الإنسان‌: ما الامر؟ لماذا تُحدّث‌ الارض‌ أخبارها وقصصها؟ وكيف‌ تُخبر عن‌ أحوإلی‌؟ لقد أوحي‌ لها الله‌ وأحياها وأيقظها وجعلها تتحدّث‌ بحيث‌ تأخذ الاعمال‌ وتسجّلها، وها هي‌ تحدّث‌ بها وتفصح‌ عنها بكلامها.

 وهناك‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ المباركة‌ عدّة‌ أنواع‌ من‌ التعبير:

 أوّلها أنّ الله‌ قد جعل‌ الاعمال‌ ملازمة‌ للإنسان‌: أَلْزَمْنَـ'هُ طَـ'´نءِرَهُ؛ وجري‌ في‌ موضع‌ آخر التعبير بإحصاء الله‌ تعإلی‌: أَحْصَب'هُ اللَهُ وَنَسُوهُ؛ وفي‌ موضع‌ آخر بالظهور والجلإ بعد الخفاء: بَلْ بَدَا لَهُم‌ مَّا كَانُوا يُخْفُوهُ مِن‌ قَبْلُ؛ أمّا في‌ هذه‌ الآية‌: لِيُرَوْا أَعْمَـ'لَهُمْ فيقول‌: ليري‌ الناس‌ أعمالهم‌ ويطّلعون‌ علي‌ حقيقة‌ عملهم‌.

 أفيستطيع‌ الإنسان‌ أن‌ يُنكر صحيفة‌ عمله‌ تلك‌؟ لو سُجّل‌ صوت‌ الإنسان‌ وصورته‌ في‌ جهاز ما ثمّ عُرض‌ له‌ فإنّه‌ لن‌ يستطيع‌ الإنكار، أمّا في‌ القيامة‌ فالامر ليس‌ كتابة‌ وتسجيلاً، وليس‌ تصويراً وعرضاً سينمائيّاً، فالامر فوق‌ هذا وأعلي‌.

 هنالك‌ يؤتي‌ بالإنسان‌ وبالعمل‌ الذي‌ فعله‌ بينما يكون‌ متلبّساً بارتكاب‌ ذلك‌ العمل‌، لانّ معني‌ البقاء بعد الفناء أن‌ يبقي‌ الإنسان‌ ذلك‌ إلیوم‌ يهيمن‌ علي‌ بدنه‌ الدنيويّ مع‌ جميع‌ أعماله‌ التي‌ قام‌ بها. فيري‌ الإنسان‌ نفسه‌ ـمن‌ ثمّـ وهو منهمك‌، بالقيام‌ بتلك‌ الاعمال‌.

 أنقدر الآن‌ وفي‌ هذه‌ اللحظة‌ أن‌ نُنكر هيئتنا وحالنا الوجوديّ الحاضر؟ أيمكن‌ ذلك‌ أساساً؟ أيمكننا حين‌ ينتهي‌ حديثنا أن‌ ننكره‌؟ أنستطيع‌ ـياتري‌ـ إنكار حديثنا الذي‌ قلناه‌؟ أيمكننا إنكار نفس‌ هذا التحدّث‌؟ كلاّ بطبيعة‌ الحال‌، لانّ هذا الإنكار هو عين‌ الإقرار والاعتراف‌، وهذا النفي‌ هو عين‌ الإثبات‌.

 إنّ الإنسان‌ سيكون‌ يوم‌ القيامة‌ منشغلاً بفعل‌ نفس‌ الاعمال‌ التي‌ سبق‌ له‌ فعلها، منتهي‌ الامر أ نّها كانت‌ في‌ الدنيا في‌ صورة‌ مُلكيّة‌، وستكون‌ يوم‌ القيامة‌ في‌ صورة‌ ملكوتيّة‌، فمن‌ سيستطيع‌ الإنكار يا تري‌؟

 وَلِكُلٍّ دَرَجَـ'تٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَـ'لَهُمْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ. [27]

 والتوفية‌ من‌ وفي‌ يفي‌ توفّي‌ ويتوفّي‌، ووفّي‌ يوفّي‌ توفيةً، أي‌ أعطاهم‌ بصورة‌ تامّة‌ كاملة‌.

 نحن‌ نقول‌ لزيد ـ مثلاً ـ: اذهب‌ واقبض‌ مبلغ‌ خمسة‌ آلاف‌ تومان‌ الذي‌ لنا في‌ ذمّة‌ عمرو! فيذهب‌ ليقبض‌ المبلغ‌، فيماطله‌ عمرو ويقول‌ له‌: تعال‌ غداً! فيردّ زيد: لا يمكن‌ ذلك‌!

 فيقول‌ عمرو: تعال‌ عصراً!

 فيقول‌: لا يمكن‌ ذلك‌!

 فيقول‌: تعال‌ بعد ساعة‌!

 فيردّ زيد: لا يمكن‌، وعليك‌ أن‌ تدفع‌ المبلغ‌ الآن‌.

 فيقول‌ عمرو: إذا توجّب‌ عليّ الدفع‌ الآن‌، فسأدفع‌ ألف‌ تومان‌.

 فيردّ: لا يمكن‌!

 فيزيده‌ عمرو وهو يرفض‌ مصرّاً علي‌ قبض‌ المبلغ‌ بتمامه‌ وإلی‌ آخر ريالٍ منه‌، وحين‌ يقبض‌ زيد تمام‌ الخمسة‌ الآف‌ تومان‌ فإنّ عمله‌ سيُدعي‌ توفيةً.

 لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَـ'لَهُمْ؛ أي‌ أنّ الافراد الذين‌ يحضرون‌ يوم‌ القيامة‌ سيُعطون‌ أعمالهم‌ بصورة‌ وافية‌ تامّة‌؛ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ولايتعرّضون‌ لحيَف‌ ولاظلم‌ لماذا؟ لانّ الاعمال‌ هي‌ أعمال‌ الإنسان‌ التي‌ نضحت‌ من‌ إرادته‌ واختياره‌، وها هي‌ نفس‌ تلك‌ الاعمال‌ تُعطي‌ للإنسان‌ في‌ صورتها الملكوتيّة‌ المتناسبة‌ مع‌ ذلك‌ العالم‌. فما الذي‌ يعنيه‌ الظلم‌ من‌ ثمّ؟ ألم‌ نقرأ يا تُري‌: وَلاَتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي‌'. [28]

 الرجوع الي الفهرس

إصلاح‌ صحيفة‌ أعمال‌ الإنسان‌ ممكن‌ في‌ الدنيا فقط‌

 علي‌ كلّ فرد أن‌ يحمل‌ وزره‌ ـ لا وزر غيره‌ ـ بنفسه‌، فليس‌ ـإذاًـ من‌ الظُلم‌ أن‌ يوفّي‌ الإنسان‌ يوم‌ القيامة‌ نفس‌ أعماله‌ المترشّحة‌ عنه‌، لا نّه‌ لم‌يحمل‌ وزر شخص‌ آخر، ولم‌ يُلزم‌ في‌ عنقه‌ طائر امري‌ آخر، وسيكون‌ حمله‌ هو وزره‌ الذي‌ ارتكبه‌ في‌ الدنيا باختياره‌ وإرادته‌.

 فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـ'هُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ. [29]

 فكيف‌ لو جمعناهم‌ ليومٍ لا شكّ في‌ تحقّقه‌ ووقوعه‌، يومٌ مجموعٌ فيه‌ الناس‌، ووفّينا كلّ نفس‌ ما عملت‌ دون‌ أن‌ يُظلموا شيئاً.

 يَوْمَنءِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسَـ'نُ وَأَ نَّي‌' لَهُ الذِّكْرَي‌'. [30]

 إنّ الاعمال‌ التي‌ فعلناها موجودة‌ الآن‌، منتهي‌ الامر أ نّها مطويّة‌، ثمّ تمرّ الساعات‌ فتطوي‌ هذه‌ الاعمال‌ وتعلّق‌ في‌ عنق‌ الإنسان‌ كشريط‌ مسجّل‌، إلاّ أ نّه‌ شريط‌ ملكوتي‌ّ، وهذا الشريط‌ يلتقط‌ الصوت‌ كلّ لحظة‌، يلتقط‌ صوت‌ المتكلّم‌، وصوت‌ دقّات‌ الساعة‌، وقرقعة‌ مبرّدة‌ الهواء، وصوت‌ العطسة‌ التي‌ قد يعطسها البعض‌، ويسجّل‌ كلّ شي‌ء، حتّي‌ ينتهي‌ الشريط‌.

 هناك‌ ملكان‌ باسم‌ « رقيب‌ » و « عتيد » جالسان‌ علي‌ منكبينا يستلمان‌ الاعمال‌ يسجّلانها علي‌ هيئة‌ شريط‌، ثمّ تطوي‌ هذه‌ الاعمال‌ بجميع‌ خصائصها إلی‌ إلیوم‌ الذي‌ تُنشر فيه‌ وتُعرض‌.

 وهذا الشريط‌ المسجّل‌ في‌ الدنيا قد أُعدّ لغرض‌ معيّن‌، وهو أن‌ يُنشر في‌ ساعة‌ معيّنة‌ ويُقرأ لاستحصال‌ النتيجة‌؛ وبغير ذلك‌ فسيكون‌ اللفّ الطيّ دونما بسط‌ ونشر عبثاً ولَهْواً لا طائل‌ وراءه‌؛ فاللفّ مقدّمة‌ للبسط‌ والنشر. وسيُنشر الشريط‌ فيطّلع‌ الإنسان‌ علي‌ جميع‌ أعماله‌، لكنّ الاسي‌ والاسف‌ سيكونان‌ آنذاك‌ بغيرفائدة‌، إذ ليس‌ ثمّة‌ مجال‌ للعودة‌ والتدارك‌: وَأَ نَّي‌' لَهُ الذِّكْرَي‌'.

 إنّ المكان‌ الذي‌ يمكن‌ للإنسان‌ أن‌ يصلح‌ فيه‌ هذا الشريط‌ هو الدنيا، فالذكري‌ مهمّة‌ للإنسان‌ لو حصلت‌ في‌ الدنيا، أمّا في‌ الآخرة‌ فلا فائدة‌ تُرجي‌ منها: إلیوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابٌ وَغَداً حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ.

 وَتَرَي‌' كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَي‌'´ إلی‌' كِتَـ'بِهَا إلیوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* هَـ'ذَا كِتَـ'بُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم‌ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. [31]

 نعم‌، إنّ جميع‌ الاحزاب‌ والمجموعات‌ والفئات‌ قد رفعت‌ أصواتها في‌ هذه‌ الدنيا، وصارت‌ تهزّ الدنيا تحت‌ أقدامها، لكنهم‌ سيركعون‌ ذلك‌ إلیوم‌ خاضعين‌ لماذا؟ لانّه‌ سيُقال‌ لهم‌: تعالوا واقرأوا صحائف‌ أعمالكم‌! تلك‌ الصحائف‌ السيّئة‌ إلی‌ الحدّ الذي‌ يبعث‌ علي‌ خجلهم‌ وينكّس‌ رؤوسهم‌ فلا قدرة‌ لهم‌ بعد علي‌ رفعها والشموخ‌ بها، وسينشغل‌ كلّ منهم‌ بصحيفة‌ عمله‌:

 الرجوع الي الفهرس

كيفيّة‌ إراءة‌ الاعمال‌ في‌ يوم‌ القيامة‌

 هَـ'ذَا كِتَـ'بُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ.

 فأيّ حقٍّ أعلي‌ ـ يا تري‌ ـ وأبعد من‌ نفس‌ عمل‌ الإنسان‌ الذي‌ يوفّي‌ له‌؟ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.

 لقد كان‌ دأبنا في‌ الدنيا أن‌ نسجّل‌ ونستنسخ‌ ما تعملونه‌، كي‌ لايمكنكم‌ إنكار نقطة‌ واحدة‌ منه‌، وليس‌ عملنا أضعف‌ أداءً من‌ عملكم‌ في‌ الدنيا، فأنتم‌ تستنسخون‌ الاسناد والوثائق‌ لئلاّ يُنكر منكر أو يجحد جاحد، فإن‌ أنكر أحد قيل‌ له‌ إنّ النسخة‌ الاصليّة‌ هنا، والصورة‌ والهيئة‌ والشمائل‌ والحديث‌ كلّه‌ مسجّل‌ لدينا.

 إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ كلّ ما تفعلون‌، فما الذي‌ يعنيه‌ الاستنساخ‌؟ وكيف‌ تُعرض‌ النسخة‌ هناك‌؟

 إنّه‌ يعني‌ أنّ جميع‌ الموجودات‌ في‌ كلّ زمان‌ ومكان‌ موجودة‌ بجميع‌ خصائصها في‌ كتاب‌ التكوين‌ الذي‌ يسير وينقضي‌، فكتاب‌ التكوين‌ هو الإمام‌ المبين‌، ونحن‌ نستنسخ‌ منه‌ ما يخصّكم‌ ويتعلّق‌ بكم‌ فنواجهكم‌ يوم‌ الجزاء بتلك‌ النسخة‌.

 علي‌ أنّ جميع‌ كتاب‌ التكوين‌ لا يهمّكم‌ بطبيعة‌ الحال‌، فنحن‌ إنّما سنطلعكم‌ يوم‌ القيامة‌ علي‌ ما يتعلّق‌ بكم‌ فقط‌، أمّا الاختلاف‌ الواقع‌ بين‌ الرجل‌ الفلانيّ والمرأة‌ الفلانيّة‌ في‌ القرن‌ الفلانيّ والسنة‌ الفلانيّة‌ والشهر وإلیوم‌ والساعة‌ واللحظة‌ الفلانيّة‌ في‌ النقطة‌ الكذائيّة‌ من‌ الدنيا، فهو أمر لايخصّكم‌ بشي‌ء، ونحن‌ نستنسخ‌ منه‌ نسخة‌ لهما. أمّا بالنسبة‌ إلیك‌ فنحن‌ نستنسخ‌ لك‌ ما يتعلّق‌ بك‌ ويخصّك‌.

 فما هي‌ نسختك‌؟ هي‌ عملك‌، وهي‌ وجودك‌ في‌ كتاب‌ التكوين‌ منذ ولادتك‌ إلی‌ لحظة‌ موتك‌. ذلك‌ الوجود الذي‌ سلّطناك‌ عليه‌ بعد البقاء الذي‌ منحناك‌ إيّاه‌ بعد مرحلة‌ فنائك‌. ومعني‌ الاستنساخ‌ أن‌ نضع‌ هذا القدر من‌ كتابك‌ تحت‌ سلطتك‌ واختيارك‌. وهذا القدر الذي‌ عرضناه‌ لك‌ من‌ نسخة‌ ذلك‌ الكتاب‌ ( كتاب‌ التكوين‌ ) يمثّل‌ تجلّي‌ تلك‌ الاعمال‌ في‌ صورة‌ ملكوتيّة‌ متناسبة‌ مع‌ ذلك‌ العالم‌.

 ورد في‌ « الكافي‌ » عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ حديث‌ اللوح‌ المحفوظ‌:

 وَهُوَ الكِتَابُ المَكْنُونُ الَّذِي‌ مِنْهُ النُّسَخُ كُلُّهَا؛ أَوَ لَسْتُمْ عُرُباً؟ فَكَيْفَ لاَتَعْلَمُونَ مَعْنَي‌ الكَلاَمِ وَأَحَدُكُمْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: انْسَخَ ذَلِكَ الكِتَابَ؟ أَوَ لَيْسَ إِنَّمَا يَنْسَخُ مِنْ كِتَابٍ آَخَرَ مِنَ الاَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ». [32]

 والاستنساخ‌ يحصل‌ من‌ ذلك‌ العالم‌ التكوينيّ، لا نّنا لسنا إلاّ موجوداً صغيراً من‌ عالم‌ كونيّ تتشكّل‌ مجموعته‌ من‌ هذا العالم‌ بشمسه‌ وقمره‌ وأرضه‌ وكواكبه‌ مع‌ وضعيّاتها وحالاتها، ومن‌ الموجودات‌ الظاهريّة‌ والطبيعيّة‌ المادّيّة‌ والموجودات‌ الملكوتيّة‌ المعنويّة‌ وجميع‌ حقائق‌ هذه‌ الاُمور، التي‌ تمثّل‌ بأجمعها اللوح‌ المحفوظ‌ الذي‌ لاَيُرَدُّ وَلاَيُبَدَّلُ.

 وقد ذكرنا سابقاً أنّ الشي‌ء إذا ارتدي‌ رداء الوجود فإنّ من‌ المحال‌ أن‌ يعرض‌ عليه‌ العدم‌ والفناء، إذ إنّه‌ سيصبح‌ أُمّ الكتاب‌، ومن‌ أُمّ الكتاب‌ واللوح‌ المحفوظ‌ تُستنسخ‌ النسخة‌ المتعلّقة‌ بنا، فنُمنح‌ يوم‌ القيامة‌ سيطرةً علي‌ تلك‌ النسخة‌ ويُقال‌: هاك‌ نسختك‌ فانظرها!

 هَـ'ذَا كِتَـ'بُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم‌ بِالْحَقِّ.

 فَمَن‌ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ و * وَمَن‌ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ و. يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً.

 فمن‌ أين‌ ـ يا تري‌ ـ تجد العمل‌ وتراه‌؟ من‌ النسخة‌ التي‌ استنسخت‌.

 ورد في‌ « تفسير العيّاشي‌ّ » عن‌ خالد بن‌ نجيح‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قال‌: إِذَا كَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ دُفِعَ إلی‌ الإنسان كِتَابَهُ ثُمَّ قِيلَ لَهُ: اقْرَأْ.

 قُلْتُ: فَيَعْرِفُ مَا فِيهِ؟

 قَالَ: إِنَّ اللَهَ يُذَكِّرُهُ، فَمَا مِنْ لَحْظَةٍ وَلاَ كَلِمَةٍ وَلاَنَقْلِ قَدَمٍ وَلاَشَي‌ءٍ فَعَلَهُ إِلاَّ ذَكَرَهُ كَأَ نَّهُ عَمِلَهُ تِلْكَ السَّاعَةِ فَلِذَلِكَ قَالُوا:

 «يَـ'وَيْلَتَنَا مَالِ هَـ'ذَا الْكِتَـ'بِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً الآ أَحْصَب'هَا». [33]

 وحقّاً فإنّ أمثال‌ هذه‌ الروايات‌ الصادرة‌ عن‌ الائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ وصلواته‌ عليهم‌ أجمعين‌ معجزة‌، أي‌ لانّ مثل‌ هذا التوغّل‌ في‌ الاسرار الإلهيّة‌ والمعارف‌ الربّانيّة‌ له‌ دلالة‌ علي‌ سعة‌ نفوسهم‌ وإحاطتها، حتّي‌ كأ نّهم‌ موجودون‌ في‌ القيامة‌ يرونها ويشرحونها لنا، وكأ نّهم‌ يشاهدون‌ مناظر القيامة‌ ووقائعها واحداً بعد الآخر ثمّ يذكرونه‌ لنا.

 يقول‌ الإمام‌ إنّ الإنسان‌ يري‌ جميع‌ أعماله‌ وكأ نّه‌ عملها تلك‌ الساعة‌، فهو يري‌ في‌ القيامة‌ في‌ صورة‌ ملكوتيّة‌ ما عمله‌ في‌ الدنيا في‌ صورة‌ مُلكيّة‌ وظاهريّة‌، فيجد كأ نّه‌ قد عمل‌ ذلك‌ العمل‌ في‌ تلك‌ الساعة‌، لا كمثل‌ من‌ يتفرّج‌ علي‌ العمل‌ بينما يجلس‌ إلی‌ جانب‌؛ فهو يري‌ العمل‌ كَأَ نَّهُ عَمَلُهُ تِلْكَ السَّاعَةَ أَو كَأَ نَّهُ عَمِلَهُ تِلْكَ السَّاعَةَ.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌: «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ»

 ومن‌ هذا المنطلق‌ تتصاعد الصرخات‌، ويضجّ الجميع‌ أن‌:

 يَـ'وَيْلَتَنَا مَالِ هَـ'ذَا الْكِتَـ'بِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً الآ أَحْصَب'هَا.

 إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَي‌' وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَـ'رَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَـ'هُ فِي‌´ إِمَامٍ مُّبِينٍ. [34]

 الرجوع الي الفهرس

آثار أعمال‌ الإنسان‌ تسجّل‌ في‌ صحيفته‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌

 من‌ الممكن‌ أن‌ يرحل‌ الإنسان‌ عن‌ الدنيا فيترك‌ فيها آثاره‌، وهذه‌ الآثار ستكتب‌ بدورها في‌ صحيفة‌ عمله‌، فالذي‌ بني‌ مسجداً ـمثلاًـ سيتوفّي‌ بعد مدّة‌، لكنّ الناس‌ سيأتون‌ فيصلّون‌ في‌ ذلك‌ المسجد الذي‌ يعدّ أثراً منه‌، ومثل‌ هذه‌ الآثار ستدوّن‌ في‌ صحيفة‌ عمله‌. وما أكثر ما تدوّن‌ في‌ صحيفة‌ العمل‌ أعمال‌ كثيرة‌ لم‌ يقم‌ بها بنفسه‌، وهي‌ الاعمال‌ التي‌ يقوم‌ بها الناس‌ إثر ترغيبه‌ إيّاهم‌ في‌ القيام‌ بها.

 افرضوا أ نّه‌ قد مات‌ قبل‌ ألف‌ سنة‌، لكنّ الاُمور الخيريّة‌ وأُمور البرّ تنصبّ باستمرار في‌ صحيفة‌ عمله‌، ثمّ إنّه‌ يعجب‌ يوم‌ القيامة‌، إذ يري‌ في‌ صحيفة‌ عمله‌ أُموراً لم‌ يقم‌ بها في‌ دنياه‌، فيتساءل‌: ما هذه‌ الاُمور؟

 ويأتي‌ الجواب‌: هي‌ ذلك‌ المطلب‌ الذي‌ تحدّثتَ به‌، وذلك‌ الكتاب‌ الذي‌ دوّنته‌، وذلك‌ العالم‌ المؤمن‌ الذي‌ ربّيته‌، والجسر الذي‌ شيّدته‌ علي‌ النهر لعبور الناس‌، والعين‌ والقناة‌ اللتين‌ أجريتهما، والمستشفي‌ والمستوصف‌ اللذين‌ بنيتهما للفقراء، فهي‌ بأجمعها صدقات‌ جارية‌ حصلت‌ علي‌ يدك‌، وحين‌ ينتفع‌ مسلم‌ من‌ مشاريعك‌ النافعة‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، فإنّ ثواباً سيسجّل‌ في‌ صحيفتك‌ بمقدار تلك‌ المنفعة‌. وحين‌ يصلّي‌ امرؤ ركعتين‌ في‌ هذا المسجد، فإنّ ثواب‌ هاتين‌ الركعتين‌ سيدوّن‌ أيضاً في‌ صحيفة‌ عملك‌.

 وقد ورد في‌ « تفسير عليّ بن‌ إبراهيم‌ » عن‌ أبي‌ الجارود، عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ في‌ تفسير الآية‌ الشريفة‌:

 يُنَبَّؤُا الإنسَـ'نُ يَوْمَنءِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ. [35] قال‌:

 بِمَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَمَا أَخَّرَ فِيمَا سَنَّ مِنْ سُنَّةٍ لِيُسْتَنَّ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، فَإِنْ كَانَ شَرَّاً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِهِمْ وَلاَ يُنْقِصُ مِنْ وِزْرِهِمْ شَيْئاً، وَإِنْ كَانَ خَيْراً كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ وَلاَ يُنْقِصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً. [36]

 وجاء في‌ الرواية‌: إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ عَنْ ثَلاَثٍ، وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ.

 نعم‌، من‌ سنّ سُنّة‌ حسنة‌ فله‌ أجر من‌ عمل‌ بها، ومن‌ سنّ سُنّة‌ سَيّئة‌ فعليه‌ وزر من‌ عمل‌ بها؛ فمن‌ أضاع‌ دين‌ الناس‌، وألغي‌ حجاب‌ النساء، فإنّ كلّ امرأة‌ ستسير سافرةً إلی‌ يوم‌ القيامة‌، وكلّ امرأة‌ ستنساق‌ إلی‌ الفساد لهذا السبب‌، وكلّ رجل‌ سيبتلي‌ بالزنا من‌ جرّاء نظره‌ إلی‌ النساء العاريات‌، وكلّ نفس‌ ستضيع‌ وتفسد بسبب‌ هذا العمل‌، فإنّ نفس‌ تلك‌ المعصية‌ والمذلّة‌ ستحتسب‌ لصاحب‌ تلك‌ البدعة‌. وسيحترق‌ في‌ ا لنار، وستُهدي‌ له‌ نيران‌ جديدة‌ باستمرار، وسيؤجّج‌ مالك‌ ـخازن‌ النارـ لهبها ولظاها بسبب‌ الذنوب‌ الجديدة‌ التي‌ يرتكبها الناس‌ جرّاء تلك‌ البدع‌، فيصرخ‌ ذلك‌ المسكين‌ وسط‌ النار المستعرة‌: ما هذه‌ الصنوف‌ الجديدة‌ من‌ العذاب‌؟ أيّها الإله‌ الذي‌ يقول‌ بأ نّه‌ لا يظلم‌! لماذا هذا العذاب‌ الجديد؟ ما هذه‌ الاجهزة‌ التي‌ شُغلّت‌؟ إنّني‌ أحترق‌، أفكانت‌ نيران‌ جهنّم‌ التي‌ جزيتني‌ بها علي‌ أعمإلی‌ قليلة‌ لتزيدها باستمرار؟ ولتُرسل‌ لي‌ ناراً من‌ الدنيا؟

 فيقول‌ تعإلی‌: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـ'مٍ لِّلْعَبِيدِ.

 لكنّك‌ أعمي‌ للاسف‌ ( بمفاد الآية‌ الشريفة‌: وَنَحْشُرُهُ و يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ أَعْمَي‌'، ولو كانت‌ لك‌ أعين‌ تبصر بها لرأيت‌ أنّ هذه‌ النيران‌ هي‌ إثر أعمالك‌ التي‌ تصلك‌ باستمرار من‌ الدنيا، فمن‌ يبتدع‌ قانون‌ ضلال‌ في‌ الدنيا، ومن‌ يسنّ سنّة‌ سيّئة‌، ومن‌ يبتدع‌ شيئاً يستدعي‌ أذي‌ الناس‌ وإزعاجهم‌ ومرضهم‌ وتقصير أعمارهم‌، أو يسبب‌ إسقاط‌ جنين‌، أو بسبب‌ إفساد دين‌ الناس‌ ونواميسهم‌ وإبقائهم‌ في‌ غمرات‌ الجهل‌، أو قطع‌ طريقهم‌ إلی‌ الله‌ تعإلی‌؛ فإنّ جميع‌ الآثار التي‌ تحصل‌ لهم‌ ستحصل‌ كذلك‌ لهذا الشخص‌ المبتدع‌ الواضع‌ لذلك‌ القانون‌ والسنّة‌. وستدوّن‌ جميع‌ تلك‌ المعاصي‌ دونما نقص‌ لمسبّبيها من‌ المقنّنين‌ والمنفّذين‌ لذلك‌ القانون‌ وتلك‌ السنّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ حقّيّة‌ أُمّ الكتاب‌ واللوح‌ المحفوظ‌

 إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمُوْتَي‌' وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَ شَيْءٍ أَحْصَـيْنَـ'هُ فِي‌´ إِمَامٍ مُبِينٍ. [37]

 والكتاب‌ المبين‌ والإمام‌ المبين‌ هو اللوح‌ المحفوظ‌، وهو أُمّ الكتاب‌ الذي‌ يمثّل‌ عالم‌ الوجود الذي‌ لا يخفي‌ عنه‌ شي‌ء، منتهي‌ الامر أنّ هذا اللوح‌ المستنسخ‌ عن‌ عالم‌ الوجود هو اللوح‌ المحفوظ‌، وأنّ حقيقة‌ ذلك‌ العالم‌ هو أُمّ الكتاب‌؛ فهما نسختان‌: نسخة‌ اللوح‌ المحفوظ‌ والنسخة‌ الاصليّة‌ أُمّ الكتاب‌.

 إنّ بإمكاننا الآن‌ أن‌ نهدم‌ أحد أساطين‌ المسجد فيكون‌ مهدّماً فيما بعد إلاّ أنّ هذه‌ الاُسطوانة‌ الموجودة‌ في‌ هذه‌ اللحظة‌ لا يمكن‌ أن‌ تكون‌ معدومة‌، فوجود هذه‌ الاُسطوانة‌ وعدمها في‌ نفس‌ اللحظة‌ أمر غيرممكن‌. والامر كذلك‌ بالنسبة‌ إلی‌ أُمّ الكتاب‌ وعالم‌ التكوين‌، حيث‌ إنّ كلّ موجود يرتدي‌ رداء الوجود والتحقّق‌ فإنّه‌ لن‌ يرتدي‌ لباس‌ العدم‌، فهم‌ يستنسخون‌ علي‌ نسخة‌ التحقّق‌ والوجود هذه‌ فيدعونها اللوح‌ المحفوظ‌ والكتاب‌ المبين‌؛ وهذه‌ النسخة‌ هي‌ إحصاء الله‌ سبحانه‌.

 فهناك‌ ـ إذاً ـ لوح‌ خاصّ لكلّ واحد من‌ أفراد البشر يمثّل‌ صحيفة‌ عمل‌ الخاصّة‌ به‌. وقول‌ الله‌ تعإلی‌: هَـ'ذَا كِتَـ'بُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم‌ بِالْحَقِّ يُشير إلی‌ تلك‌ الالواح‌ الخاصّة‌ بكلّ فرد، والتي‌ يشكّل‌ مجموعها اللوح‌ المحفوظ‌، واستنساخ‌ الاعمال‌ هو عبارة‌ عن‌ إبرازها وإظهارها في‌ المواضع‌ والمواقع‌ المعيّنة‌.

 وَأَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَـ'بُ. [38]

 ومن‌ هنا فإنّ اللوح‌ المحفوظ‌ والكتاب‌ المبين‌ والإمام‌ المبين‌ هي‌ مرتبة‌ الظهور والتجلّي‌ لاُمّ الكتاب‌.

 فاللوح‌ المحفوظ‌ هو كلمة‌ الله‌ المكتوبة‌، وليست‌ الكلمة‌ شيئاً يجب‌ أن‌ يجري‌ علي‌ اللسان‌ حتماً، فإنّ كلّ موجود يُخبر عن‌ الباطن‌ هو كلمة‌، وجميع‌ الموجودات‌ التي‌ تُخبر عن‌ حقيقة‌ ذات‌ الله‌ المقدّسة‌ هي‌ كلمات‌ الله‌ تعإلی‌. أمّا الكتاب‌ الذي‌ يتضمّن‌ جميع‌ هذه‌ الكلمات‌ فهو الكتاب‌ المبين‌؛ وحين‌ يُستنسخ‌ منه‌ صحيفة‌ عمل‌ كلّ فرد فإنّها ستدعي‌ بالإمام‌ المبين‌، أي‌ الاُسوة‌ والقدوة‌.

 وقد علمنا وللّه‌ الحمد وله‌ الشكر معني‌ عالم‌ الحساب‌ وصحيفة‌ الاعمال‌ وتطاير الكتب‌ والطائر ونظائر ذلك‌، والحمد للّه‌ ربّ العالمين‌ وصلّي‌الله‌ علي‌ سيّدنا، سيّد المرسلين‌، محمّد وآله‌ الطاهرين‌، برحمتك‌ يا أرحم‌ الراحمين‌. 

الی المجلد السابع

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 38، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[2] ـ الآية‌ 203، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[3] ـ «رسالة‌ الحشر» من‌ رسائل‌ الملاّ صدرا، ص‌ 247.

[4] ـ «رسالة‌ الحشر» ص‌ 348 و 349.

[5] ـ «رسالة‌ الحشر»، ص‌ 351.

[6] ـ الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[7] ـ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[8] ـ الآية‌ 36، من‌ السورة‌ 79: النازعات‌.

[9] ـ الآيات‌ 5 إلی‌ 7: من‌ السورة‌ 102: التكاثر.

[10] ـ الآية‌ 25، من‌ السورة‌ 71: نوح‌.

[11] ـ الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 81: التكوير.

[12] ـ «رسالة‌ الحشر» ص‌ 355 إلی‌ 358.

[13] ـ الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[14] ـ الآية‌ 69، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[15] ـ لقد جعل‌ المرحوم‌ الملاّ صدرا عالم‌ البقاء بالله‌ نفسانيّاً، بَيدَ أ نّنا قد أثبتنا سابقاً ـ ضمن‌ إثبات‌ المعاد الجسماني‌ّ العنصريّ المادّي‌ّ ـ أنّ النفس‌ تحصل‌ بعد الفناء علي‌ الإحاطة‌ ï ïبحقيقة‌ عالم‌ الزمان‌ والمادّة‌، وتحصل‌ علي‌ إدراك‌ نفسها وبدنها طيلة‌ عمرها وجداناً.

[16] ـ «رسالة‌ الحشر» ضمن‌ «رسائل‌ الملاّ صدرا» ص‌ 359 و 360.

[17] ـ «ديوان‌ مغربي‌» ص‌ 9.

 يقول‌ الشاعر: «يا عندليب‌ الروح‌! كيف‌ حالك‌ في‌ قفص‌ الابدان‌؟ إلی‌ متي‌ ستبقي‌ في‌ هذه‌ الابدان‌ فرداً وحيداً.

 أيّها العندليب‌ الغرّيد في‌ هذا الروض‌ والبستان‌! كيف‌ ـ يا تري‌ ـ سقطتَ فجأةً في‌ هذه‌ المواقد السوداء؟

 كأ نّك‌ نسيت‌ في‌ هذا الموقد تلك‌ الروضة‌ وذلك‌ البستان‌ وتلك‌ السنابل‌ وزهور السوسن‌!

 فحطِّم‌ قض‌ البدن‌ وسِرْ مترنّماً في‌ تَيْه‌ ودلال‌ من‌ مرتبة‌ الموقد إلی‌ الرياض‌!

 لقد طارت‌ كلّ الطيور التي‌ صدحتْ معك‌ من‌ هذا الموقد واتّخذت‌ في‌ الروض‌ أوكاراً».

[18] ـ يقول‌: «وأ نّي‌ يمكن‌ العثور علي‌ مأوي‌ في‌ أجمة‌ الوحش‌ والشِّراك‌، فيا أيّتها الروح‌ غادري‌ هذا المكان‌ المخوف‌ واتّجهي‌ إلی‌ الجانب‌ الآمن‌.

 يا طائر الافلاك‌ الساقط‌ في‌ أحبولة‌ البدن‌ الترابي‌ّ! لقد حُرمت‌ ـمن‌ أجل‌ حبّات‌ قلائل‌ـ من‌ هذه‌ البيادر!

 ولا نّك‌ لاتتمكّن‌ من‌ التخلّي‌ عن‌ قالب‌ البدن‌، فعليك‌ أن‌ تفكّر في‌ سبيلٍ لفتح‌ نوافذ (لتحرير روحك‌).

 وأيّها «المغربي‌ّ» المسكين‌! ماذا عساك‌ لان‌ تسكن‌ هنا بينما هُيّأت‌ لك‌ المساكن‌ هناك‌؟!».

[19] ـ الآيتان‌ 13 و 14، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[20] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3 ص‌ 404، طبعة‌ صيدا.

[21] ـ من‌ فقرات‌ دعاء كميل‌ الذي‌ رواه‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ «المصباح‌» ص‌ 587 إلی‌ 592 والكفعميّ في‌ «مصباح‌ الكفعمي‌ّ» وفي‌ «البلد الامين‌»، والسيّد ابن‌ طاووس‌ في‌ «الإقبال‌» والمجلسي‌ّ في‌ «زاد المعاد».

[22] ـ الآية‌ 6، من‌ السورة‌ 58: المجادلة‌.

[23] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[24] ـ الآيات‌ 6 إلی‌ 8، من‌ السورة‌ 99: الزلزلة‌.

[25] ـ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 54: القمر.

[26] ـ الآيات‌ 2 إلی‌ 6، من‌ السورة‌ 99: الزلزلة‌.

[27] ـ الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 46: الاحقاف‌.

[28] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[29] ـ الآية‌ 25، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[30] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 89: الفجر.

[31] ـ الآيتان‌ 28 و 29، من‌ السورة‌ 45: الجاثية‌.

[32] ـ «المعاد» للعلاّمة‌ الطباطبائيّ، (الإنسان‌ بعد الدنيا)، ص‌ 35.

[33] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[34] ـ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 36: يس‌.

[35] ـ الآية‌ 13، من‌ السورة‌ 75: القيامة‌.

[36] ـ «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 706.

[37] ـ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 36: يس‌.

[38] ـ الآية‌ 69، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

الی المجلد السابع

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com