بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الرابع / القسم الخامس: بکاء الجمادات دما عند شهادة امیر المؤمنین علیه السلام، احوال المخلصین

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

بكاء الجمادات‌ دماً عند قتل‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌

 بينما بكت‌ الاحجار دماً في‌ شهادة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وقد وردت‌ الاخبار بأمثال‌ ذلك‌ في‌ كتب‌ العامّة‌ ـ فضلاً عن‌ مصنّفات‌ الشيعة‌ ـ إلی الحدّ الذي‌ يطول‌ المقام‌ لاستقصائها جميعاً.

 يروي‌ الحاكم‌ (النيسابوري‌ّ) في‌ «المستدرك‌»، عن‌ ابن‌ شهاب‌ الزهري‌ّ أنـّه‌ قال‌: قدمتُ دمشـقَ وأَنا أُريد الغـزوَ، فأتيتُ عبدَالمَلَك‌ (ابن‌مروان‌) لاسلّم‌ عليه‌، فوجدتُه‌ في‌ قبّةٍ علی فرش‌ بقرب‌ القائم‌ وتحته‌ سِماطان‌، فسلّمتُ ثمّ جلستُ. فقالَ لي‌: يا ابنَ شهاب‌!أَتعلمُ ما كانَ في‌ بيتِ المقدسِ صَباحَ قتل‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌؟

 فقلتُ: نعم‌!

 فقال‌: هَلُمَّ! فَقُمْتُ من‌ وراءِ الناسِ حتّي‌ أَتيتُ خلفَ القبّةِ، فحوّل‌ إلی وجهَهُ فَأحنا علی فقال‌: مَا كانَ؟

 فقلتُ: لَمْ يُرْفَعْ حَجَرٌ مِنْ بَيْتِ المقدسِ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ.

 فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ أحدٌ يعلم‌ هَذَا غيري‌ وغيرُك‌. لاَ يَسْمَعَنّ مِنْكَ أَحدٌ! فما حَدَّثْتُ به‌ حَتّي‌ تُوفِّي‌. [1]

 كما يروي‌ الحاكم‌ بسنده‌ عن‌ الزهري‌ّ:

 إِنَّ أَسْمَاءَ الاْنصاريّة‌ قالتْ: مَا رُفِعَ حَجَرٌ بِإيلياءَ لَيْلَةَ قُتِلَ علی إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ. [2]

 ويروي‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ «الاستبصار» بسنده‌ عن‌ الصدوق‌، وهو بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ الإمام‌ أبي‌ عبد الله‌ (الصادق‌) عليه‌ السلام‌ قال‌: سألَ هشامُ بنُ عبد الملك‌ أبي‌ عليه‌ السلامُ فقالَ: أَخْبِرني‌ عن‌ الليلة‌ التي‌ قُتل‌ فيها علی بنُ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌، بما استدلَّ النائي‌ عن‌ المصر الذي‌ قُتل‌ فيه‌ علی؟ وما كانت‌ العلامةُ فيه‌ للناسِ؟ وأخبرني‌ هَلْ كانتْ لغيره‌ فِي‌ قتله‌ عبرة‌؟

 فقال‌ له‌ أبي‌: إِنَّه‌ لمّا كانت‌ الليلةُ التي‌ قُتِلَ فيها علی صلوات‌ الله‌ عليه‌ لَمْيُرْفَعْ عَنْ وجهِ الاْرْضِ حَجَرٌ إِلاَّ وَجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ حَتَّي‌ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَذِلكَ كانت‌ الليةُ التي‌ فُقِدَ فيها هارونُ أخو موسي‌ صلوات‌ الله‌ عليهما، وكذلك‌ كانت‌ الليلة‌ التي‌ قُتِلَ فيها يُوشَعُ بنُ نون‌، وكذلك‌ كانت‌ الليلةُ التي‌ رُفع‌ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌، وكذلك‌ الليلةُ التي‌ قُتِلَ فيها الحسينُ صلواتُ اللهِ عليه‌. [3]

 وورد في‌ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» عن‌ ابن‌ عبّاس‌، أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: إِنَّ السماءَ والارضَ لَتبكي‌ علی المؤمنِ إِذَا ماتَ أربعين‌ صباحاً، وإنّها لَتبكي‌ علی العالِمِ، إذَا ماتَ أربعينَ شَهْراً، وإِنّ السماء والارضَ لَيبكيان‌ علی الرسولِ أربعينَ سنةً، وإنّ السماء والارضَ ليبكيان‌ عليكَ يا علی إذا قُتِلْتَ أَربعينَ سنةً. [4]

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: لقد قُتِلَ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ علی الارض‌ بالكوفةِ، فأمطرت‌ السماءُ ثلاثَة‌ أَيّامٍ دَماً.

 وروي‌ أبو حمزة‌ عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌، وهو مروي‌ّ أيضاً عن‌ سعيدبن‌ المسيّب‌ أنـّه‌ لَمّا قُبِضَ أميرُ المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لَمْ يُرْفَعْ مِنْ وَجْهِ الاْرْضِ حَجَرٌ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ.

 وأورد الخطيب‌ (البغدادي‌ّ) في‌ «تاريخ‌ بغداد»، والنسوي‌ّ في‌ تأريخه‌ أنّ عبدُ الملك‌ بن‌ مروان‌ سأل‌الزهري‌َّ: مَا كَانتْ عَلامة‌ يَوْمَ قُتِلَ علی عليه‌ السلام‌؟

 قال‌: مَا رُفِعَ حَصَاةٌ مِن‌ بَيْتِ المقدسِ إِلاَّ كَانَ تَحتَها دَمٌ عبيطٌ. [5]

 ونقل‌ المرحوم‌ المجلسي‌ّ عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌: واللهِ لقد بكت‌ السماء والطير والحيوانات‌ ووحوش‌ الفلوات‌ والملائكة‌ علی جدّي‌ الحسين‌. واللهِ لقد كانت‌ الشمس‌ تطلع‌ لمّا قبض‌ جدّي‌ الحسين‌ لشهرين‌ علی الجدران‌، فكأنّما لُطخت‌ الجدران‌ دما.

 هذه‌ هي‌ روح‌ الولاية‌ التي‌ تؤثّر في‌ الجمادات‌، أمّا هذا الإنسان‌ الاقسي‌ من‌ الحجر فيسجد (فرحاً) لقتل‌ علی.

 أفلم‌ تنزل‌ آية‌ سورة‌ التحريم‌ في‌ عائشة‌ وحفصة‌؟ ألم‌ يشبّه‌ الله‌ سبحانه‌ تلك‌ المرأتين‌ بامرأتي‌ نوح‌ ولوط‌ حين‌ خانتاهما وعصتاهما!

 أورد الزمخشري‌ّ في‌ «الكشّاف‌»:

 «إِن‌ تَتُوبَاإِلَي‌ اللَهِ» خِطَابٌ لِحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ علی طَرِيقَةِ الالْتِفَاتِ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي‌ مُعَاتَبَتِهِمَا.

 وعن‌ ابن‌ عبّاس‌: لَمْ أَزَلْ حَرِيصاً علی أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنْهُمَا حَتَّي‌ حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّاكَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإدَاوَةِ، فَسَكَبْتُ الْمَاءَ علی يَدِهِ فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟

 فَقَالَ: عَجَبَاً يَا ابْنَ عَبَّاس‌! كَأَنـَّهُ كَرِهَ مَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: هُمَا حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ. [6]

 عائشة‌ التي‌ كانت‌ تُعرض‌ عن‌ قُرّتي‌ عين‌ رسول‌ الله‌ وتحتجب‌ عنهما وتأبي‌ أن‌ تراهما أو يرياها. وكان‌ ابن‌ عبّاس‌ يقول‌ إنّ دخول‌ الحسنين‌ عليهما السلام‌ عليها بلا حجاب‌ حلال‌.

 يقول‌ ابن‌ سعد في‌ «الطبقات‌» بعد ذكر هذا الامر:

 ] إنّ زوجة‌ الاب‌ وزوجة‌ الجدّ للاُمّ والجدّ للاب‌ بالنسبة‌ لهما من‌ المحارم‌ [ وقد قال‌ أبو حنيفة‌ ومالك‌ بن‌ أنس‌: الرجلُ يتزوّج‌ المرأة‌ فلاتحلّ لولده‌ ولا لولد ولده‌ من‌ الذكور أن‌ يتزوّجها أبداً، لا هُمْ ولا أولادُهم‌ ولاأولادُ بناتهم‌، وهذا مُجمعٌ عليه‌ ] ولم‌ يكن‌ هذا الامر خافياً علی عائشة‌، اللهمّ إلاّأن‌ يكون‌ احتجابها منهما لشي‌ءٍ آخر [[7].

 ولقد بكت‌ السماواتُ في‌ مأتم‌ سيّد الشهداء، ولقد انصرفوا عنه‌ وتركوا بدنه‌ الانور ملقيً علی الارض‌ بلا غُسل‌ ولاكفن‌.

 يقول‌ الإمام‌ السجّاد عليه‌ السلام‌: ] لم‌ يكونوا ليدعوننا نقترب‌ من‌ تلك‌ الابدان‌ شبراً واحداً، فمن‌ تقدّم‌ كان‌ جزاؤه‌ الضرب‌ بالسياط‌ ثمّ يُبعدونه‌ عن‌ البدن‌ قهراً[

 الرجوع الي الفهرس

بكاء الحيوانات‌ عند شهادة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌

 وقد ورد في‌ الاثر أنّ الوحوش‌ كانت‌ تأتي‌ فتحيط‌ بذلك‌ البدن‌ وهي‌ منتصبة‌ علی قوائمها رافعة‌ أيديها تذرف‌ الدموع‌، وأنّ طيور السماء كانت‌ تتحلّق‌ بتلك‌ الابدان‌ الطيّبة‌ الزكيّة‌ وتبسط‌ أجنحتها فوق‌ البدن‌ المطهّر لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ فتظلّله‌ من‌ الشمس‌.

 چون‌ صبا ديد به‌ صحرا بدن‌ بي‌ كفنش                      ‌ خاك‌ مي‌ريخت‌ به‌ جاي‌ كفنش‌ بر بدنش‌

 چون‌ كه‌ از مركب‌ خود شاه‌ به‌ گودال‌ افتاد                  عهد يزدان‌ به‌ لبش‌ بود وشفاعت‌ سخنش‌

 آخرين‌ بار كه‌ شه‌ جانب‌ ميدان‌ مي‌رفت                    ‌ خواهرش‌ داد به‌ او كهنه‌ ترين‌ پيرهنش‌

 تا كه‌ دشمن‌ نكند خواهش‌ تن‌ پوش‌ حسين‌                         كهنه‌ پيراهن‌ او بود به‌ جاي‌ كفنش‌

 گشت‌ آغشته‌ به‌ خونِ دل‌ او پيكر او                         از سم‌ اسب‌ سواران‌ به‌ بدن‌ تاختنش‌ [8]

 وما أروع‌ وأبدع‌ ما أنشد المرحوم‌ نيّر التبريزي‌ّ في‌ هذا المجال‌:

 شهيد عشق‌ كه‌ تنگست‌ پوست‌ بر بدنش                ‌ تو خصم‌ بين‌ كه‌ به‌ غارت‌ برند پيرهنش‌

 زِرِهْ به‌ غارت‌ اگر خصم‌ خيره‌ برد چه‌ غم                     ‌ كه‌ بود جوشن‌ تن‌ زلف‌هاي‌ پرشكنش‌

 شهي‌ كه‌ سندس‌ فردوس‌ بود پوشش‌ او                  روا نديد به‌ تن‌ خصم‌ جامة‌ كهنش‌ [9]

 وقال‌ الشافعي‌ّ في‌ هذا الباب‌:

 تَزَلْزَلَتِ الدُّنْيَا لآلِ مُحَمَّدٍ              وَكَادَتْ لَهُمْ صُمُّ الْجِبَالِ تَذُوبُ

 وَغَارَتْ نُجُومٌ وَاقْشَعَرَّتْ كَوَاكِبٌ               وَهُتِّكَ أَسْتَارٌ وَشُقَّ جُيُوبُ [10]

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الرابع‌ والعشرون‌:

 المخلَصون‌ هم‌ الذين‌ لا يموتون‌ بنفخ‌ الصور

 

بسْـمِ  اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

(مطالب‌ أُلقيت‌ في‌ اليوم‌ الرابع‌ والعشرين‌ من‌ شهر رمضان‌ المبارك‌)

 

المراد بالافراد المستثنين‌ من‌ الموت‌ عند النفخ‌ في‌ الصور

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَنُفِخَ فِي‌ الصُّورِ فَصَعِقَ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَمَن‌ فِي‌ الاْرْضِ إِلاَّ مَن‌ شَآءَاللَهُ. [11]

 وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي‌ الصُّورِ فَفَزِعَ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' اتِ وَمَن‌ فِي‌ الاْرْضِ إِلاَّ مَن‌ شَآءَاللَهُ. [12]

 يتضمّن‌ مجمل‌ مفاد هاتين‌ الآيتين‌ أنّ جميع‌ موجودات‌ السماوات‌ والارض‌ سوف‌ تموت‌ عند نفخ‌ الصور إلاّ من‌ شاء الله‌. فتكون‌ النتيجة‌ الحاصلة‌ أوّلاً: أنّ الموت‌ حتمي‌ّ لجميع‌ المخلوقات‌. وثانياً: أنّ هناك‌ أفراداً تعلّقت‌ بهم‌ مشيئة‌ الله‌ فلا يشملهم‌ الفزع‌ والصعق‌، ولا يؤثّران‌ في‌ ماهيّتهم‌، فلايرتدون‌ رداء الموت‌.

 وينبغي‌ أن‌ نري‌: مَن‌ هم‌ هؤلاء الافراد؟ وأي‌ّ مزية‌ وخصوصيّة‌ يمتلكون‌ بحيث‌ لا تتبدّل‌ حياتهم‌ موتاً؟ وبحيث‌ يبقون‌ أحياء مخلّدين‌؟

 مع‌ أنـّنا نعلم‌ أنّ جميع‌ موجودات‌ السماء، من‌ الملائكة‌ والملائكة‌ المقرّبين‌، وأرواح‌ المقدّسين‌، والحور، وأرواح‌ الصلحاء والشهداء التي‌ اجتازت‌ عالم‌ البرزخ‌ والتحقت‌ بالسماوات‌، وكذلك‌ جميع‌ الموجودات‌ البرزخيّة‌ من‌ المؤمنين‌ والكافرين‌ ينبغي‌ أن‌ يموتوا بلااستثناء إثر الصعقة‌، فيكرعون‌ كأس‌ الموت‌ ويفنون‌.

 إذاً فمن‌ المسلّم‌ أنّ الافراد المستثنين‌ لهم‌ هويّة‌ خاصّة‌ وشاكلة‌ متفرّدة‌، بحيث‌ إنّهم‌ أُعفوا من‌ هذا الحكم‌ الإلهي‌ّ العامّ، وبحيث‌ إنّ هذه‌ الوقائع‌ والحوادث‌ المدمّرة‌ القاصمة‌ والساحقة‌ التي‌ تطبق‌ أرجاء عالم‌ الاحياء من‌ المُلك‌ والملكوت‌ لا تؤثرّ فيهم‌ شيئاً.

 تلك‌ إذَن‌ سمة‌ إلهيّة‌ وصبغة‌ رحمانيّة‌ رفيعة‌ ومتسامية‌ فيهم‌ ميّزتهم‌ عن‌ جميع‌ الاحياء.

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فقد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 لآإِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ. [13]

 هنا نستنتج‌ أنّ المصون‌ عن‌ الهلاك‌ هو وجه‌ الله‌ تعالي‌.

 كما جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ. [14]

 حيث‌ استثني‌ هنا أيضاً وجه‌ الربّ الذي‌ هو وجه‌ الله‌، وجُعلت‌ له‌ صفتا الجلال‌ والإكرام‌.

 وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ وجه‌ الله‌ له‌ صفتا الجلال‌ والجمال‌، لانّ مرجع‌ الإكرام‌ إلی الإحسان‌ والإنعام‌ وهما من‌ صفات‌ الجمال‌، كما أنّ الجلال‌ والعظمة‌ والاُبّهة‌ تُذكر مقابل‌ الجمال‌.

 وقد جُعلت‌ صفتا الجلال‌ والإكرام‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ صفةً للوجه‌ لاللربّ، أي‌ أنّ وجه‌ ربّك‌ هو ذو الجلال‌ والإكرام‌. وتريد الآية‌ القول‌ إنّ لربّك‌ هاتين‌ الصفتين‌، وذلك‌ لانّ «ذو الجلال‌» مرفوع‌ ونعت‌ للوجه‌، وإلاّ لوجب‌ أن‌ تقول‌: «ذِي‌ الجلال‌» ليكون‌ نعتاً للربّ.

 وفي‌ ضوء ذلك‌، وبالإضافة‌ إلی ما يُستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ من‌ أنّ وجه‌الربّ باقٍ وخالد، فإنّه‌ يُستنتج‌ أنّ وجه‌ الله‌ يمتلك‌ صفة‌ الجلال‌ والإكرام‌؛ ونعلم‌ أيضاًأنّ صفتي‌ الجلال‌ والإكرام‌ ليستا نعتاً لاسم‌ الله‌، بل‌ نعتاً للّه‌ تعالي‌ نفسه‌.

 تَبَـ'رَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي‌ الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ. [15]

 فيستفاد من‌ ضمّ هاتين‌ الآيتين‌ الاخيرتين‌ أنّ وجه‌ الله‌ أعلي‌ وأرفع‌ من‌ اسم‌ الله‌، لانّ (ذي‌ الجلال‌ والإكرام‌) لم‌ تقع‌ نعتاً للاسم‌، بل‌ جاءت‌ نعتاً للربّ. ولانّ وجه‌ كلّ شي‌ء هو المُظهر لنفس‌ ذلك‌ الشي‌ء، فإنّ وجه‌الله‌ و وجه‌ الربّ هو الربّ نفسه‌، حيث‌ نُعت‌ الوجه‌ بنفسه‌ بهاتين‌ الصفتين‌ تارةً، بينما نُعت‌ الربّ بهما تارة‌ أُخري‌.

 وإذا مالاحظنا الآن‌ آيات‌ نفخ‌ الصور ـوقد اتّضح‌ لدينا هذا المطلب‌ـ وتأمّلنا في‌ مورد الاستثناء وفي‌ هذه‌ الآيات‌، وقارنّا بينها، لظهر أنّ المراد بـ «مَن‌ شَآءَ اللَهُ» ـ وهم‌ الذين‌ لم‌ يشأ الله‌ موتهم‌ ـ هو وجه‌ الله‌ تعالي‌.

 ذلك‌ لانّ المقارنة‌ بين‌ آيات‌ نفخ‌ الصور الدالّة‌ علی موت‌ جميع‌ الموجودات‌ إلاّ من‌ شاء الله‌، وبين‌ آيات‌ سورة‌ الرحمن‌ الدالّة‌ علی فناء وهلاك‌ كلّ شي‌ء إلاّ وجهه‌، وإلاّ وجه‌ ربّك‌، ستجعل‌ استنتاج‌ أنّ «مَن‌ شَآءَاللَهُ» هو وجه‌ الله‌ أمراً لا يحتاج‌ إلی تأمّل‌.

 وباعتبار علمنا من‌ الآية‌ الشريفة‌:

 وَنُفِخَ فِي‌ الصُّورِ فَصَعِقَ مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَمَن‌ فِي‌ الاْرْضِ إِلاَّ مَن‌ شَآءَاللَهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَي‌' فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ. [16]

 أنّ القيام‌ والحضور عند الله‌ تعالي‌ مختصّ بمن‌ يموتون‌ في‌ نفخ‌ الصور الاوّل‌ ويُبعثون‌ بنفخ‌ الصور الثاني‌ (نفخ‌ الإحياء)، فيحضرون‌ أمام‌ الله‌ تعالي‌. كما نعلم‌ من‌ الآية‌ الشريفة‌:

 فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ. [17]

 أنّ العباد المخلَصين‌ لا حضور لهم‌ ولا حشر.

 لذا فإنّ «مَن‌ شَآءَاللَهُ» الذين‌ لا يموتون‌، هم‌ الذين‌ لا قيام‌ لهم‌ ولاحضور، وأنـّهم‌ عباد الله‌ المخلَصُون‌.

 الرجوع الي الفهرس

عباد الله‌ المخلصون‌ هم‌ وجه‌ الله‌

 وبقياس‌ ومقارنة‌ هذه‌ الآيات‌ مع‌ الآيات‌ التي‌ ذكرت‌ في‌ سورة‌ الرحمن‌، والتي‌ بشّرت‌ جميع‌ الموجودات‌ بالموت‌، واعتبرت‌ أنّ الباقي‌ هو وجه‌ الله‌ سبحانه‌، فإنّه‌ يستفاد أنّ وجه‌ الله‌ الباقي‌ الذي‌ لا يطرأ عليه‌ البوار والهلاك‌ هو عباد الله‌ المخلَصون‌.

 إنّ عباد الله‌ المخلَصين‌ حين‌ يرحلون‌ عن‌ الدنيا، فإنّهم‌ لايتوقّفون‌ عند البرزخ‌، وليس‌ لهم‌ حشر ولا حضور عند القيامة‌، ولا تؤثّر شيئاً في‌ أي‌ّ منهم‌ الصيحة‌ البرزخيّة‌ الاُولي‌ (صور الإماتة‌) ولاالصيحة‌ الثانية‌ (صور الإحياء)، لانـّهم‌ عبروا هذه‌ المراتب‌ والدرجات‌، ووردوا في‌ عالم‌ أعلي‌ من‌ عالم‌ البرزخ‌ وعالم‌ الحشر والنشور والحساب‌ والكتاب‌ والعرض‌ والسؤال‌، وتحقّق‌ وجودهم‌ وسرّهم‌ بحقيقة‌ وجه‌ الله‌، حيث‌ لا سبيل‌ هناك‌ للموت‌ والبوار والفناء والعدم‌.

 وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ هذه‌ المقامات‌ والدرجات‌ خاصّة‌ بالمخلَصين‌ (بفتح‌ اللام‌ علی اسم‌ المفعول‌) لا المخلِصين‌ (بكسر اللام‌ علی اسم‌ الفاعل‌) لانّ المخلِصين‌ (بالكسر) هم‌ الذين‌ خطوا خطواتهم‌ سالكين‌ في‌ مقام‌ مجاهدة‌ النفس‌ الامّارة‌ في‌ طي‌ّ طريق‌ القرب‌ والخلوص‌ والفناء، إلاّأنّ وجودهم‌ وسرّهم‌ ـ مع‌ ذلك‌ ـ لم‌ يتمحّض‌ ويخلُص‌ تماماً، ومجاهدتهم‌ لم‌تنتهِ بعدُ، فهم‌ لا يزالون‌ في‌ جدال‌ ونزاع‌ ومجاهدة‌ مع‌ النفس‌ الامّارة‌ والشخصيّة‌ والانانيّة‌ وفي‌ صفوف‌ ومراحل‌ مختلفة‌ من‌ وادي‌ السير والسلوك‌ هذا.

 أمّا المخلَصين‌ (بالفتح‌) فقد انتهت‌ مراحل‌ مجاهدتهم‌ ونالوا مقام‌ الطهارة‌ والنزاهة‌، سواء الطهارة‌ في‌ مقام‌ الفعل‌ أو في‌ مقام‌ الاخلاق‌ والملكات‌ والصفات‌، أو في‌ مقام‌ السرّ والذات‌. فقد اجتازوا جميع‌ هذه‌ المراحل‌، ووردوا في‌ حرم‌ الله‌ طاهرين‌ مطهّرين‌، ووصلوا إلی مقام‌ الفناء في‌ ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌. وَلاَ يَمْلِكُونَ لاِنفُسِهِمْ نَفعاً وَلاَ ضَرّاً وَلاَ مَوْتاً وَلاَحَياةً وَلاَ نُشُوراً.

 فلا وجود لهم‌ بعدُ ليُصيبه‌ صعق‌ الموت‌ وفزعه‌، ولم‌ يبق‌ فيهم‌ أي‌ّ شي‌ء من‌ الإنّيّة‌ ليحتاجوا إلی حساب‌ وكتاب‌، فلقد أنهوا حسابهم‌ وكتابهم‌ في‌ الدنيا حين‌ سلكوا بخطوات‌ صادقة‌، ثابتة‌ طريق‌ لقاء المعبود، ثمّ خطوا بعد الموت‌ الطبيعي‌ّ الدنيوي‌ّ في‌ جنّة‌ الخُلد وجنّة‌ الذات‌، منعّمين‌ بنعم‌ لقاء وشهود جمال‌ وجلال‌ الحضرة‌ الاحديّة‌.

 فَأُولَـ'ئِِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ. [18]

 نعم‌، إنّ أحوال‌ ومقامات‌ المخلَصين‌ لا تتّسع‌ لها صدور غيرهم‌ من‌ أفراد البشر، لانّ ثواب‌ ونتائج‌ أعمالهم‌ لا تخطر علی بال‌ بشر، ويقصر عنها شأن‌ صقر العقل‌ البعيد التحليق‌، ولا تدركها ولا ترقي‌ إليها أفكار العقلاء والعلماء، كما أنّ عُقبان‌ الفكر والفطنة‌ والدراية‌، بأجنحتها القويّة‌ المتينة‌، لو رامت‌ استنشاق‌ نسمة‌ من‌ تلك‌ الحالات‌ والمقامات‌ لحبطت‌ وعجزت‌.

 الرجوع الي الفهرس

المواهب‌ الإلهيّة‌ للمخلَصين‌

 وحين‌ لا يكون‌ لهم‌ من‌ جزاء إلاّالذات‌ المقدّسة‌ للمعبود جلّ وعلا، فكيف‌ ستكون‌ درجاتهم‌ ـ والحال‌ هذه‌ ـ في‌ مستوي‌ فهم‌ وعلم‌ البشر وفي‌ وسع‌ الفكر والعقل‌؟

 نُقل‌ عن‌ «التفسير الصغير» للفضل‌ بن‌ الحسن‌ الطبرسي‌ّ أنـّه‌ قال‌: جاء في‌ حديث‌:

 يقول‌ الله‌ تعالي‌: أَعَدْدَتُ لِعِبَادِي‌ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَأُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ علی قَلْبِ بَشَرٍ؛ فَلَهُ مَا أَطْلَعْتُكُمْ عَلَيْهِ. اقْرَأُوا إِنْ شِئتُمْ: «فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآأُخْفِيَ لَهُم‌ مِّن‌ قُرَّةِ أَعْيُنٍ». [19] و [20]

 وعن‌ «أسرار الصلاة‌» للشهيد الثاني‌ علی بن‌ أحمد العاملي‌ّ، عن‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌:

 قَالَ اللَهُ: لاَ أَطَّلِعُ علی قَلْبِ عَبْدٍ، فَأَعْلَمُ فِيهِ حُبَّ الإخْلاَصِ لِطَاعَتِي‌، وَابْتِغَاءِ وَجْهِي‌ إِلاَّ تَوَلَّيْتُ تَقوِيمَهُ وَسِيَاسَتَهُ. [21]

 بلي‌، إنّ المخلصين‌ يمتلكون‌ ـ بنصّ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ وصريحهاـ آثاراً وخصائصَ لا نَصيب‌ للآخرين‌ فيها.

 الاُولي‌: أنـّه‌ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ لا سبيل‌ للشيطان‌ ولا تسلّط‌ ولاقدرة‌ له‌ عليهم‌؟ وذلك‌ بنصّ الآية‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌:

 فَبِعِزَّتِكَ لاَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. [22]

 وبديهي‌ّ أنّ هذا الاستثناء ليس‌ تشريعيّاً، بل‌ إنّ الشيطان‌ لا قدرة‌ له‌ علی المخلَصين‌ بعدُ، وذلك‌ بسبب‌ اقتدارهم‌ الذاتي‌ّ في‌ مقام‌ التوحيد، فلايمكنه‌ ـ لضعفه‌ وعجزه‌ ـ الوصول‌ إليهم‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌.

 بلي‌، لقد محض‌ المخلَصون‌ أنفسهم‌ وأخلصوها للّه‌ تعالي‌، لذا فأينما نظروا يرون‌ الله‌ سبحانه‌ تعالي‌ في‌ كلّ الاشياء، وأينما ظهر لهم‌ الشيطان‌ وبأي‌ّ كيفيّة‌ كانت‌ أو صورة‌ فإنّهم‌ ينظرون‌ إلی ذلك‌ الشي‌ء بالنظر الإلهي‌ّ لتكون‌ لهم‌ منه‌ عبرة‌ إلهيّة‌.

 لهذا فقد أقرّ الشيطان‌ منذ الوهلة‌ الاُولي‌ واعترف‌ بعجزه‌ ومسكنته‌ أمام‌ هذه‌ الطائفة‌ وتدرّع‌ دونهم‌؛ وإلاّ فإنّ ذات‌ الشيطان‌ لإغواء بني‌ آدم‌، وليس‌بالذي‌ يرحم‌ أحداً أو يُعرض‌ عن‌ إغواء وإضلال‌ أحد.

 الثاني‌: أنّ هذه‌ الطائفة‌ قد أُعفيت‌ وفرغت‌ من‌ محاسبة‌ الحشر الآفاقي‌ّ ومن‌ الحضور في‌ تلك‌ الساحة‌ والعرصة‌.

 وقد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌: وَنُفِخَ فِي‌ الصُّورِ فَصَعِقَ مَن‌فِي‌السَّمَـ'وَ'تِ وَمَن‌ فِي‌ الاْرْضِ إِلاَّ مَن‌ شَآءَاللَهُ.

 وذلك‌ لان‌ هذه‌ الآية‌ ـ كما قلنا سابقاً ـ حين‌ تُضمّ إلی الآية‌ الشريفة‌: فَإِنـَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ.

 سيتّضح‌ أنّ هذه‌ الطائفة‌ الآمنة‌ من‌ صعقة‌ القيامة‌ هم‌ عبادالله‌ المخلَصون‌. وذلك‌ لانـّهم‌ قتلوا في‌ جهاد الانفس‌ من‌ خلال‌ المراقبة‌ والرياضة‌ الشرعيّة‌ والتحقوا بالحياة‌ الابديّة‌، وعبروا القيامة‌ العظمي‌ الانفسيّة‌، وحوسبوا في‌ مرحلة‌ المجاهدة‌، وها هم‌ قد ارتدوا خلعة‌ الحياة‌ الابديّة‌ عند ربّهم‌ إثر القتل‌ في‌ سبيل‌ الله‌، فهم‌ منعّمون‌ بالرزق‌ الخاصّ النازل‌ من‌ الخزانة‌ الابديّة‌، قال‌ عزّ من‌ قائل‌:

 وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ أَمْوَ ' تًا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. [23]

 إضافةً إلی ذلك‌ فإنّنا نعلم‌ أنّ الإحضار فرع‌ علی عدم‌ الحضور؛ فعبادالله‌ المخلَصون‌ كانوا حاضرين‌ في‌ كلّ مكان‌ قبل‌ ظهور طليعة‌ القيامة‌، وكانوا مطّلعين‌ علی جميع‌ الاحوال‌. لانـّه‌ يقول‌: عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

 الثالث‌: أنّ ما يلحق‌ كلّ امري‌ من‌ الاجر والثواب‌ يوم‌ القيامة‌ إنّما هو مقابل‌ عمله‌، اللهم‌ إلاّ هذا الصنف‌ من‌ العباد، فالكرامة‌ الإلهيّة‌ لهم‌ فوق‌ أجر العمل‌ وثوابه‌:

 وَمَا تُجْزَونَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ. [24]

 فإن‌ قيل‌ إنّ مفاد هذه‌ الآية‌ هو أنّ طائفة‌ المعذّبين‌ يُجزون‌ وفق‌ أعمالهم‌، إلاّ عباد الله‌ المحسنين‌ فجزاؤهم‌ ليس‌ مقابل‌ العمل‌، بل‌ يجزيهم‌ الله‌ بمنّه‌ وفضله‌ وكرمه‌.

 فإنّنا نقول‌ في‌ الإجابة‌: إنّ مفاد الآية‌ مُطلق‌، ولااختصاص‌ في‌ مُخاطَبها بطائفة‌ المعذّبين‌.

 ناهيك‌ عن‌ أنَّ مجازاة‌ العباد بالفضل‌ والكرم‌ لا تتنافي‌ مع‌ الجزاء في‌ مقابل‌ العمل‌، لانّ معني‌ الفضل‌ أن‌ يمنّ الله‌ المنّان‌ بجزاء كبير مقابل‌ عمل‌ صغير، فهو في‌ الحقيقة‌ يعدّ العمل‌ الصغير كبيراً، إلاّأنّ الجزاء ـمع‌ هذا كلّه‌ـ قد وقع‌ مقابل‌ العمل‌، بينما مفاد الآية‌ الشريفة‌ غير هذا. إذ تتضمّن‌ أنّ العباد المخلَصين‌ للّه‌ لا يُجزون‌ مقابل‌ أعمالهم‌.

 كما يقول‌ في‌ آية‌ أُخري‌:

 لَهُم‌ مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. [25]

 فيتضّح‌ أنّ هناك‌ من‌ الكرامات‌ الإلهيّة‌ ما سيُعطي‌ فوق‌ إرادتهم‌ ومشيئتهم‌، وأعلي‌ من‌ مستوي‌ فكرهم‌، وأرفع‌ ممّا يرقي‌ إليه‌ ويُحلّق‌ فيه‌ طائر اختيارهم‌ وإرادتهم‌، وهي‌ نكتة‌ جديرة‌ بالملاحظة‌ والتأمّل‌.

 الرابع‌: أنـّهم‌ يمتلكون‌ مقاماً منيعاً ومنصباً رفيعاً ومرتبة‌ عظيمة‌، بحيث‌ يمكنهم‌ الثناء علی الله‌ وحمد ذاته‌ الابديّة‌ كما هو حقّه‌ وأهله‌، وكما تستحقّ ذاته‌ القدسيّة‌.

 قال‌ عزّ وجلّ:

 سُبْحَـ'نَ اللَهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ. [26]

 وهو غاية‌ ومنتهي‌ كمال‌ المخلوق‌، وذروة‌ منصب‌ الممكن‌.

 وقد ذكرنا هذه‌ الميزات‌ الاربع‌ في‌ رسالتنا الموسومة‌ بـ «لبّ اللباب‌ در سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌» [27] من‌ تقريرات‌ الدروس‌ العرفانيّة‌ لسماحة‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ مدّ ظلّه‌، وأوردناها هنا للمناسبة‌.

 الرجوع الي الفهرس

الحديث‌ القدسي‌ّ: عبدي‌ أطعني‌ أجعلك‌ مثلي‌

 وقد ورد في‌ الاخبار الواردة‌ عن‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ في‌ شأن‌ مقامات‌ المخلَصين‌ ودرجاتهم‌ تفاصيل‌ عجيبة‌ تُذهل‌ الالباب‌. إذ يروي‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ خالد البرقي‌ّ في‌ كتاب‌ «المحاسن‌» عن‌ عبدالرحمن‌بن‌ حماد، عن‌ حنان‌ بن‌ سدير، عن‌ الإمام‌ أبي‌ عبد الله‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، قال‌:

 قَالَ اللَهُ تَعَالَي‌: مَا تَحَبَّبَ إلی عَبْدِي‌ بِشَي‌ْءٍ أَحَبَّ إلی مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ؛ وإنَّهُ لَيَتَحَبَّبُ إلی بِالنَّافِلَةِ حَتَّي‌ أُحِبُّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي‌ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي‌ يَبْصُرُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي‌ يَنْطِقُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي‌ يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي‌ يَمْشِي‌ بِهَا، إِذَا دَعَانِي‌ أَجَبْتُهُ، وَإِذَا سَأَلَنِي‌ أَعْطَيْتُهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي‌ شَي‌ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي‌ فِي‌ مَوْتِ مُؤْمِنٍ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ. [28]

 وقد أورد المجلسي‌ّ هذه‌ الرواية‌ في‌ «بحار الانوار» المجلّد الخامس‌ عشر، الجزء الثاني‌، باب‌ حبّ الله‌ تعالي‌، ص‌ 29.

 ويقول‌ ابن‌ فهد الحلّي‌ّ في‌ «عدّة‌ الداعي‌»: وَفي‌ الحديث‌ القدسي‌ّ: يَابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِيُّ لاَ أَفْتَقِرُ، أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ، أَجْعَلْكَ غَنِيَّاً لاَ تَفْتَقِرُ. يَابْنَ آدَمَ أَنَا حَي‌ٌّ لاَأَمُوتُ، أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ، أَجْعَلْكَ حَيَّاً لاَ تَمُوتُ. يَابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّي‌ءِ كُنْ فَيَكُونُ، أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ، أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّي‌ْءِ كُنْ فَيَكُونُ. [29]

 ويقول‌ الحافظ‌ رجب‌ البرسي‌ّ في‌ «مشارق‌ أنوار اليقين‌»: ورد في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ: إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً أَطَاعُوهُ فِيمَا أَرَادَ، فَأَطَاعَهُمْ فِيمَا أَرَادُوا؛ يَقُولُونَ لِلشَّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ. [30]

 الرجوع الي الفهرس

أحوال‌ المخلَصين‌ ومقامهم‌

 بلي‌، لقد خطي‌ هؤلاء بقدم‌ صادقة‌ سبُل‌ مجاهدة‌ النفس‌ الامّارة‌، وتخطّوا الإنّيّة‌، ووصلوا إلی مقام‌ معرفة‌ النفس‌، وبالنتيجة‌ إلی ما يلازم‌ ذلك‌ تبعاً للاخبار الواردة‌، فقد وصلوا إلی مقام‌ معرفة‌ الله‌ تبارك‌ وتعالي‌، وأصبحت‌ كلّ ذرّة‌ في‌ وجودهم‌ طاهرة‌ مطهّرة‌ من‌ لوث‌ ودنس‌ الكدورات‌ الشيطانيّة‌، وتخلّصوا تماماً من‌ الرذائل‌ الاخلاقيّة‌ والوجوديّة‌، فلاقصد ولامقصود لهم‌ إلاّ ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ ورضاها؛ أُولئك‌ الذين‌ نصبوا خيامهم‌ وسرادقاتهم‌ خارج‌ الدنيا وما فيها، وخارج‌ الآخرة‌ وما فيها، أي‌ خارج‌ جميع‌ لذائذ العالمين‌، فلم‌ يطووا طريقاً وسبيلاً إلاّ سبيل‌ تحصيل‌ مقام‌ القرب‌ المعنوي‌ّ والخُلوص‌. لذا لم‌ يعد لهم‌ إرادة‌ لهم‌ ولا رغبة‌ إلاّ إرادة‌ الله‌ سبحانه‌ واختياره‌.

أُولئك‌ الذين‌ عاينوا ظهورات‌ وتجلّيات‌ الحقّ المتعال‌ في‌ جميع‌ العوالم‌، ومسّوا ولامسوا في‌ مقام‌ شهود إرادة‌ الله‌ واختياره‌ إلاّ وَمَا تَشَآءُونَ إِلآأَن‌ يَشَآءَاللَهُ. [31]

 فأصبح‌ وجودهم‌ مرآة‌ تجلّيات‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌، وحيث‌ دَفنوا في‌ مقبرة‌ النسيان‌ جميع‌ مراتب‌ إظهار الوجود. لا أن‌ يكون‌ قد صار لهم‌ ـ والعياذ بالله‌ـ وجود في‌ مقابل‌ وجود الله‌ تعالي‌، أو صارت‌ لهم‌ قدرة‌ وعلم‌ وحياة‌ منفصلة‌ عنه‌ تعالي‌، فتلك‌ هي‌ الفرعونيّة‌.

 بل‌ إنّ قدرتهم‌ وعلمهم‌ وحياتهم‌ قد أصبحت‌ كلّها مندكّة‌ وفانية‌ في‌ قدرة‌ الله‌ وعلمه‌ وحياته‌، فهم‌ لا يرون‌ لانفسهم‌ ـ بأي‌ّ وجه‌ من‌ الوجوه‌ـ حياةً ولا علماً ولا قدرة‌، بل‌ يرون‌ أنّ الله‌ جلّ وعزّ هو المصدر الاوحد للحياة‌ والعلم‌ والقدرة‌، فلملموا ـ من‌ ثمّ ـ موائدهم‌ ومتاعهم‌ جمعاء أمام‌ ذاته‌ اللامتناهية‌ الازليّة‌ الابديّة‌ السرمديّة‌، وواجهوا نسبة‌ هذه‌ الصفات‌ إليهم‌ بالتوبة‌ والاعتذار والخجل‌ والحياء، وتخطّوا ذواتهم‌ خارجاً إلی أجلٍ غيرمسمّي‌، والتحقوا بالحقّ.

 وما أجمل‌ ما أفصح‌ شاعرنا الحكيم‌ الفارسي‌ّ سعدي‌ الشيرازي‌ّ عن‌ هذا المعني‌ بقوله‌:

 ره‌ عقل‌ جز پيچ‌ در پيچ‌ نيست‌                    بر عارفان‌ جز خدا هيچ‌ نيست‌

 توان‌ گفت‌ اين‌ نكته‌ با حق‌ شناس               ‌ ولي‌ خرده‌ گيرند أهل‌ قياس‌

 كه‌ پس‌ آسمان‌ و زمين‌ چيستند                 بني‌ آدم‌ و ديو و دَد كيستند

 همه‌ هر چه‌ هستند از آن‌ كمترند                كه‌ با هستيش‌ نام‌ هستي‌ برند

 عظيم‌ است‌ پيش‌ تو دريا به‌ موج                 ‌ بلند است‌ خورشيد تابان‌ به‌ اوج‌

 ولي‌ أهل‌ صورت‌ كجا پي‌ برند                     كه‌ ارباب‌ معني‌ به‌ مُلكي‌ درند

 كه‌ گر آفتابست‌ يك‌ ذرّه‌ نيست                    ‌ وگر هفت‌ درياست‌ يكقطره‌ نيست‌

 چو سلطان‌ عزّت‌ عَلَم‌ در كشد                   جهان‌ سر به‌ جيب‌ عدم‌ در كشد [32]

 أُولئك‌ هم‌ الذين‌ لا يعدّون‌ عالم‌ الاعتبارات‌ إلاّ سراباً، ولايعتقدون‌ بوجود أصيل‌ غير أصالة‌ الحقّ في‌ جميع‌ عوالم‌ الوجود.

 ولقد أجاد الشاعر العربي‌ّ في‌ وصفهم‌ حين‌ قال‌:

 أَلاَ إِنَّ الْوُجُودَ بِلاَ مَحَالٍ               خَيَالٌ فِي‌ خَيَالٍ فِي‌ خَيَالِ

 وَلاَ يَقْظَانَ إِلاَّ أَهْلُ حَقٍّ               مَعَ الرَّحْمَنِ هُمْ فِي‌ كُلِّ حَالِ

 وَهُمْ مَتَفَاوِتُونَ بِلاَ خِلاَفٍ             فَيَقْظَتُهُمْ علی قَدْرِ الْكَمَالِ

 هُمُ النَّاسُ الْمُشَارُ إلی عُلاَهُمْ                لَهُمْ دُونَ الْوَرَي‌ كُلُّ التَّعَالِي‌

 حَظُوا بِالذَّاتِ وَالاَوصَافِ طُرَّاً                    تَعَاظَمَ شَأْنُهُمْ فِي‌ ذِي‌ الْجَلاَلِ

 فَطُوْراً بِالْجَلاَلِ علی الْتِذَادٍ                      وَطَْوراً بِالتَّلَذُّذِ بِالْجَمَالِ

 سَرَتْ لَذَّاتُ وَصْفِ اللَهِ فِيهِمْ                   لَهُمْ فِي‌ الذَّاتِ لَذّاتٌ عَوَالِي‌ [33]

 وأنّ درجات‌ ومقامات‌ أمثال‌ هؤلاء الافراد، وقَدْرهم‌ وجلالهم‌ عند الله‌ المتعال‌ إلی الحدّ الذي‌ يرفع‌ الله‌ ـ ببركة‌ وجودهم‌ ـ العذاب‌ عن‌ الارض‌، ذلك‌ العذاب‌ الذي‌ ينزل‌ علی العُصاة‌ والمتمرّدين‌.

 الرجوع الي الفهرس

صرف‌ العذاب‌ عن‌ المذنبين‌ ببركة‌ أولياء الله‌

 يروي‌ الكليني‌ّ في‌ «الكافي‌» بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ حمزة‌ الثمالي‌ّ، عن‌ الإمام‌ باقر العلوم‌ عليه‌ السلام‌، قال‌:

 مَكْتُوبٌ في‌ التوراةِ الَّتِي‌ لَمْ تُغيَّر أَنَّ مُوسي‌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَأَلَ رَبـَّهُ فَقَالَ:

 يَا رَبِّ! أَقَرِيبٌ أَنْتَ مِنِّي‌ فَأُنَاجِيكَ؟ أَمْ بَعِيدٌ فأُنَادِيك‌؟

 فَأَوْحَي‌ اللَهُ عَزَّوَجَلَّ إِلَيْهِ: يَا مُوسَي‌ أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي‌.

 فَقَالَ مُوسَي‌: فَمَنْ فِي‌ سِتْرِكَ يَوْمَ لاَ سِتْرَ إِلاَّ سَتْرُكَ؟

 قَالَ: الَّذِينَ يَذْكُرُونَنِي‌ فَأَذْكُرُهُمْ، وَيَتَحَابُّونَ فِيَّ فَأُحِبُّهُمْ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُصِيبَ أَهْلَ الاْرْضِ بِسُوءٍ ذَكَرْتُهُم‌، فَدَفَعْتُ عَنْهُمْ بِهِمْ. [34]

 كما يروي‌ في‌ «عدّة‌ الداعي‌» عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌:

 قَالَ اللَهُ سُبْحَانَهُ: إِذَا عَلِمْتُ أَنَّ الْغَالِبَ علی عَبْدِي‌ الاشْتِغَالُ بِي‌ نَقَلْتُ شَهْوَتَهُ فِي‌ مَسْأَلَتِي‌ وَمُنَاجَاتِي‌؛ فَإِذَا كَانَ عَبْدِي‌ كَذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْهُو حُلْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْهُو.

 أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي‌ حَقَّاً؛ أُوْلَئِكَ الاْبْطَالُ حَقَّاً؛ أُولَئِكَ الَّذِينَ إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُهْلِكَ أَهْلَ الاْرْضِ عُقُوبَةً، زَوَيْتُهَا عَنْهُمْ مِنْ أَجْلِ أُولَئِكَ الاْبْطَالِ. [35] و [36]

 كما ورد في‌ «عدّة‌ الداعي‌» أنـّه‌ جاء في‌ بعض‌ الاحاديث‌ القدسيّة‌ أنّ الله‌ تعالي‌ يقول‌:

 أَيُّمَا عَبْدٍ اطَّلَعْتُ علی قَلْبِهِ فَرَأَيْتُ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّمَسُّكُ بِذِكْرِي‌، تَوَلَّيْتُ سِيَاسَتَهُ وَكُنْتُ جَلِيسَهُ وَمُحَادِثَهُ وَأنِيسَهُ. [37]

 وكذلك‌ يذكر في‌ «عدّة‌ الداعي‌» عن‌ الحسن‌ بن‌ أبي‌ الحسن‌ الديلمي‌ّ في‌ كتابه‌، عن‌ وهب‌ بن‌ منبّه‌ حديثاً في‌ خطاب‌ الله‌ عزّ وجل‌ لداود عليه‌ السلام‌، من‌ جملة‌ فقراته‌:

 يَا دَاوُدُ! ذِكْرِي‌ لِلذَّاكِرِينَ؛ وَجَنَّتِي‌ لِلْمُطِيعِينَ؛ وَحُبِّي‌ لِلْمُشْتَاقِينَ؛ وَأَنَا خَاصَّةٌ لِلْمُحِبِينَ. [38]

 الرجوع الي الفهرس

علم‌ أولياء الله‌ وقدرتهم‌ هما علم‌ الله‌ وقدرته‌

 وقد استبان‌، بذكر هذه‌ المطالب‌ التي‌ كانت‌ شرحاً موجزاً عن‌ حالات‌ المخلَصِين‌، أنّ الله‌ تعالي‌ كفيل‌ المخلَصين‌ ووكيلهم‌ ووليّهم‌ في‌ جميع‌ أُمورهم‌، وأنـّهم‌ تخطّوا جميع‌ الدرجات‌ والمقامات‌ واللذائذ الشهويّة‌ والغضبيّة‌ وحبّ الجاه‌ والمال‌ والرياسة‌، فصارت‌ أعمالهم‌ خالصة‌ صرفاً ومحضاًللمعبود الازلي‌ّ الابدي‌ّ.

 فهم‌ ـ لاجل‌ ذلك‌ ـ أحياء بحياة‌ الله‌ عزّ وجل‌، وباقون‌ ببقاء تلك‌ الذات‌ المتعالية‌. إذ لا يؤثّر فيهم‌ نفخ‌ الصور، لاالنفخة‌ الاُولي‌ (وهي‌ نفخة‌ الإماتة‌) حيث‌ جاءت‌ عبارة‌ «إِلاَّ مَن‌ شَآءَاللَهُ» فذكرت‌ استثناءهم‌ صراحةً؛ ولاالنفخة‌ الثانية‌ (وهي‌ نفخة‌ الإحياء)؛ لانـّهم‌ لم‌ يموتوا ليبُعثوا ويُنشروا من‌ جديد.

 وآنذاك‌ تطوي‌ السماوات‌، ويعود العالم‌ من‌ الشكل‌ والترتيب‌ إلی هيئة‌ خلقته‌ الاُولي‌:

 يَوْمَ نَطْوِي‌ السَّمَآءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآأَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ. [39]

 وَالسَّمَـ'وَ ' تُ مَطْوِيَّـ'تٌ بِيَمِينِهِ. [40]

 والشي‌ء الباقي‌ هو وجه‌ الله‌ تعالي‌ والمخلَصون‌ من‌ عباده‌، لذا فلابوار ولاهلاك‌ لهم‌.

 علی أنَّ وجه‌ الله‌ في‌ كلّ مكان‌، فجميع‌ عوالم‌ الخلقة‌ هي‌ وجه‌ الله‌ من‌ وجهة‌ الارتباط‌ بالله‌ تعالي‌، فلقد أحاط‌ وجه‌ الله‌ جميع‌ عالم‌ المُلك‌ والملكوت‌، فلا نجد أي‌ّ ذرّة‌ إلاّ وكان‌ الوجود المقدّس‌ للّه‌ له‌ المعيّة‌ معها:

 وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَهِ.

 ومع‌ أنّ بدن‌ أولياء الله‌ له‌ هذه‌ الكميّة‌ والكيفيّة‌ المشهودة‌، لكنّ حقيقتهم‌ ـ وهي‌ وجه‌ الله‌ ـ قد أحاطت‌ كلّ مكان‌، وهيمنت‌ علی المُلك‌ والملكوت‌. فهم‌ مع‌ الكلّ، وفي‌ كلّ مكان‌، ولا يستتر عنهم‌ شي‌ء، لانـّهم‌ قد تخطّوا الجزئيّة‌ والتحقوا بالكلّيّة‌. قد اخترق‌ امتداد إشعاعاتهم‌ الفكريّة‌ وبصيرتهم‌ الحقيقيّة‌ الزمان‌ والمكان‌، فهم‌ ينظرون‌ إلی العالم‌ من‌ أُفق‌ أوسع‌ وأرحبُ بنظرة‌ أكثر عمقاً ونفوذاً.

 ومعجزات‌ الانبياء وكرامات‌ الاولياء والائمّة‌ الطاهرين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ هي‌ بأكملها من‌ هذا القبيل‌، حيث‌ إنّهم‌ قادرون‌ إثر اتّساع‌ نطاقهم‌ الوجودي‌ّ علی أعمال‌ وأفعال‌ خارجة‌ عن‌ أُفق‌ البشر المحدود المقيّد في‌ سجن‌ عالم‌ الطبيعة‌، وخارجة‌ عن‌ تعقّل‌ وفكر مفكّري‌ العالم‌. فهم‌ ينظرون‌ إلی صور عالم‌ الطبيعة‌ من‌ العالم‌ العلوي‌ّ، مستقرّين‌ في‌ صدر القضاء والقدر والاحكام‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌، ترتوي‌ أرواحهم‌ من‌ منهل‌ معدن‌ المشيئة‌، ويردون‌ البحر الخضمّ اللامتناهي‌ للمعارف‌ والحقائق‌ الإلهيّة‌ ويصدرون‌ عنه‌ مِلاءً رواءً.

 فأنـّي‌ ـ والحال‌ هذه‌ ـ للعقول‌ الاعتياديّة‌ التي‌ لم‌ تتحرّر من‌ قبضة‌ عالم‌ الطبع‌ والمادّة‌ وتصرّفه‌، أن‌ تطّلع‌ علی أسرارهم‌ أو تدرك‌ كُنههم‌؟

 ونحن‌ نعلم‌ أنّ علم‌ الله‌ وقدرته‌ وحياته‌ وسائر الاسماء والصفات‌ المنشعبة‌ عنها كلّيّة‌ وواسعة‌ وشاملة‌، غير محدودة‌ ولا مقيّدة‌.

 وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا. [41]

 وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مّـِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ. [42]

 فأولياء الله‌ والمخلَصين‌ الممحّضين‌ من‌ هوي‌ النفس‌، الذين‌ تحقّقوا في‌ مقام‌ الصفات‌ والاسماء بصفات‌ الله‌ وأسمائه‌، فصاروا يحكون‌ جمال‌ الله‌ وجلاله‌ بلا كدر وغشّ، كما تحكي‌ المرآة‌ الصافية‌، عالمين‌ بما شاء لهم‌ الله‌ علمه‌، وقادرين‌ علی فعل‌ ما شاء لهم‌ الله‌ فعله‌. لا تحجبهم‌ المادّة‌ ولايصدّهم‌ عالم‌ الطبع‌ والزمان‌ والمادّة‌.

 قال‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ضمن‌ خطبة‌ موجزة‌ بعد إصابته‌:

 وَإِنـَّمَا كُنتُ جَاراً لَكُمْ جَاوَرَكُمْ بَدَنِي‌ أَيَّاماً. [43]

 أي‌ أنّ ما أحسستموه‌ منّي‌ قد كان‌ هذا البدن‌، بَيدَ أنّ حقيقتي‌ ونفسي‌ خارجتان‌ عن‌ إدراككم‌، فلا سبيل‌ لكم‌ للوصول‌ إليهما، إذ لم‌ يكونا في‌ عالمكم‌ ولم‌ ينتميا إليه‌ أبداً.

 ومن‌ هنا فإنّ ما نُسب‌ في‌ بعض‌ الخطب‌ والروايات‌ المأثورة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ الكرامات‌ والإخبار بالمغيّبات‌، وشفاء الامراض‌، وإحياء الموتي‌، والتصرّف‌ في‌ موادّ الكائنات‌، ينبغي‌ ألاّ يُثير العجب‌ أو يبعث‌ علی الإنكار.

 فهذه‌ الاُمور مسائل‌ تتّفق‌ معها وتُثبت‌ إمكانها وتحقّقها المسائلُ الفلسفيّة‌، والعرفانيّة‌؛ كما تؤيّدها وتتّفق‌ معها الروايات‌ والسنن‌ الشرعيّة‌.

 وعلي‌ الإنسان‌ المنصف‌ الذي‌ لا خبرة‌ له‌ ولا اختصاص‌ في‌ أمر ما، أن‌ يكل‌ علمه‌ إلی أهله‌، وأن‌ يحترز عن‌ العجلة‌ والاستنتاج‌ والحكم‌ نفياً أو إثباتاً.

 پشّه‌ كي‌ داند كه‌ اين‌ باغ‌ از كِي‌ است                      ‌ در بهاران‌ زاد و مرگش‌ در دِي‌ است‌ [44]

 إنّ اهتمام‌ أولياء الله‌ من‌ الانبياء والائمّة‌ بالتكاليف‌ والواجبات‌ الشرعيّة‌ أمرٌ له‌ موضوعيّته‌، لانّ هذه‌ الاُمور وسيلة‌ للتقرّب‌ إلی الله‌ ولحصول‌ ملكة‌ التقوي‌ وصفاء الباطن‌، والاتّصاف‌ بالاسماء والصفات‌ الإلهيّة‌.

 لذلك‌ فقد كان‌ لاُولئك‌ العظماء كلّ تلك‌ المثابرة‌ والإصرار من‌ أجل‌ التزكية‌ وتهذيب‌ النفس‌ والتخلّق‌ بالاخلاق‌ الحميدة‌ والتحلّي‌ بالعبوديّة‌ التامّة‌، وعلي‌ الإنسان‌ أن‌ لا يأتي‌ بعمل‌ بلا محتوي‌ معنوي‌ّ ولا إخلاص‌، فيُبهج‌ نفسه‌ بمحض‌ فعله‌ له‌. ومن‌ ثمّ فإنّ العمل‌ ضروري‌ّ مع‌ الإخلاص‌.

 فَمَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَدًا. [45]

 الرجوع الي الفهرس

وصية‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ إلی الإمام‌ الحسن‌ عليهما السلام‌

 ولقد أوصي‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، إضافة‌ إلی دعوته‌ الدائبة‌ إلی الإخلاص‌ في‌ العمل‌، في‌ خطبه‌ ومواعظه‌، سرّاً وعلناً؛ عدّةَ وصايا بعد إصابته‌، تدلّ جميعها علی ذروة‌ الاهتمام‌ بالعمل‌ الصالح‌.

 فله‌ عليه‌ السلام‌ وصيّة‌ معروفة‌ مشهورة‌ نقلها المرحوم‌ الكليني‌ّ وابن‌ شعبة‌ الحرّاني‌ّ والمجلسي‌ّ وغيرهم‌، كما ذكرها الطبري‌ّ في‌ تأريخه‌. [46]

 وهي‌ إنصافاً وصيّةٌ جامعة‌ وشاملة‌ لجميع‌ الاوامر والمواعظ‌، حيث‌ يوصي‌ عليه‌ السلام‌ فيها بالتكاليف‌ الشرعيّة‌ واحداً فواحداً، مؤكّداً كلامه‌ بـ «اللهَ اللهَ» ومحرّضاً علی تنفيذه‌ بالتذكير بمراقبة‌ الله‌ تعالي‌ في‌ هذا الامر.

 كقوله‌ عليه‌ السلام‌:

 الَلَهَ اللَهَ فِي‌ ذُرِيَّةِ نَبِيِّكُمْ فَلاَ يُظْلَمَنَّ بِحَضْرَتِكُمْ، وَبَيْنَ ظَهْرَانِيكُمْ، وَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ علی الدَّفْعِ عَنْهُمْ.

 كما جاء في‌ آخر وصيّته‌ المفصّلة‌:

 حَفَظَكُمُ اللَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ؛ أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَهَ؛ وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلاَمَ وَرَحْمَةُ اللَهِ.

 كما أنّ له‌ وصيّة‌ أُخري‌ أوصي‌ بها الإمام‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، وهي‌ الاُخري‌ وصيّة‌ جامعة‌ لمحاسن‌ الحِكَم‌ والآداب‌، يكفي‌ العمل‌ بهالصون‌ الإنسان‌ من‌ جميع‌ المخاطر الدنيويّة‌ والمهالك‌ الاُخرويّة‌.

 وقد روي‌ الشيخ‌ المفيد في‌ «المجالس‌» والشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ «الامالي‌» والمجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار» هذه‌ الوصيّة‌ عن‌ ذينك‌ الإمامين‌ الجليلين‌ دون‌ اختلاف‌ في‌ فقراتها وجملاتها.

 فيروي‌ الشيخ‌ المفيد محمّدُ بن‌ محمّد بن‌ النعمان‌ هذه‌ الرواية‌ سنة‌ أربعمائة‌ وتسعة‌ للهجرة‌، في‌ شهر رمضان‌ المبارك‌، بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بكربن‌ عيّاش‌، عن‌ الفجيع‌ العقيلي‌ّ، قال‌: حدّثني‌ الحسن‌ بن‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ عليهما السلام‌، قال‌: لمّا حضرت‌ أبي‌ الوفاة‌ أقبل‌ يوصي‌فقال‌:

 هَذَا ما أَوصَـي‌ بِهِ علی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ أَخُـو مُحَمَّدٍ رَسُـولِ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَابْنُ عَمِّهِ وَصَاحِبُهُ.

 أوّلُ وصيّتي‌ أَنـّي‌ أشهدُ أنْ لاإلَهَ إلاّاللهُ، وأنَّ مُحمّداً رسولُهُ وخيرتُهُ، اختارَهُ بعلمِهِ وارتضاهُ لخيرته‌، وأنَّ اللهَ باعث‌ مَن‌ في‌ القبورِ، وَسَائِلُ الناس‌ عَنْ أَعمالِهِم‌ عالم‌ بِما فِي‌ الصُدورِ.

 ثُمَّ إِنّي‌ أُوصيك‌ ـ يَا حسـن‌ ـ وكَفَي‌ بكَ وَصِيَّاً،بما أوصـاني‌ به‌ رسولُاللهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، فإذا كانَ ذَلكَ يا بُنَي‌َّ الزمْ بيتَك‌، وابكِ علی خطيئَتِكَ، ولاتكن‌ الدنيا أكبَر هَمِّكَ، وأُوصيك‌ يا بُنَي‌َّ بالصلاةِ عندَ وقتِهَا، والزكاة‌ في‌ أَهْلِها عندَ مَحالّها، والصمت‌ عند الشُّبهةِ، والاقتصاد، والعدل‌ في‌ الرضا والغضبِ، وحسن‌ الجِوار، وإكرام‌ الضيف‌، ورحمة‌ المجهود وأصحاب‌ البلاء، وصلة‌ الرَّحِم‌، وحبّ المساكين‌ ومجالستهم‌، والتواضع‌ فإنّه‌ من‌ أفضل‌ العبادةِ، وقصر الاملِ، واذكر الموتَ، وازهد في‌ الدُّنيا فإنّكَ رهينُ موتٍ، وغَرَضُ بلاءٍ، وصريعُ سقمٍ.

 وأُوصيك‌ بخشية‌ اللهِ في‌ سرِّ أمرك‌ وعلانيّتك‌، وأنهاكَ عن‌ التسرّعِ بالقولِ والفعلِ، وإذا عرضَ شي‌ءٌ من‌ أمرِ الآخرةِ فابدأ به‌، وإذا عرضَ شي‌ءٌ من‌ أمر الدنيا فتأنـّه‌ حتّي‌ تصيب‌ رشدَك‌ فيه‌، وإيّاكَ ومواطنَ التُّهمَةِ والمجلسَ المظنون‌ به‌ السُّوء، فإنّ قرينَ السوءِ يغرّ جليسَهُ. وكن‌ للَّهِ يابُنَي‌َّ عاملاً، وعن‌ الخَنَازَجُوراً، وبالمعروفِ آمراً، وعن‌ المنكرِ نَاهِياً، وواخِ الإخوَانَ فِي‌ اللهِ، وأَحبَّ الصالحَ لصلاحه‌، ودارِ الفاسقَ عن‌ دينِك‌، وابغضه‌ بقلبِك‌، وزايله‌ بأعمالك‌، كي‌ لا تكونَ مثلَه‌، وإيّاكَ والجلوسَ في‌ الطُّرقات‌، ودع‌ المماراةَ، ومجاراةَ مَن‌ لا عقلَ له‌ ولا علم‌.

 واقتصد، يا بُنَي‌َّ في‌ معيشتك‌، واقتصد في‌ عِبادتك‌، وعليكَ فيها بالامرِ الدائمِ الذي‌ تطيقه‌، والزم‌ الصمتَ تسلم‌، وقدّمْ لنفسك‌ تَغنَم‌، وتعلّم‌ الخيرَ تَعْلم‌، وكُن‌ للّهِ ذَاكراً علی كلِّ حالٍ، وارحمْ من‌ أهلك‌ الصغيرَ، ووقّرْ منهم‌ الكبيرَ، ولا تأكلنَّ طعاماً حتّي‌ تتصدّق‌ منه‌ قبل‌ أكلِهِ، وعليك‌ بالصومِ فإنّه‌ زَكاةُ البدنِ وجُنّةٌ لاهله‌، وجاهد نفسَكَ، واحذر جليسَكَ، واجتنب‌ عدوَّكَ، وعليك‌ بمجالسِ الذكرِ، وأكثرْ من‌ الدُعاءِ فإنّي‌ لم‌ آلك‌ يا بُنَي‌َّ نُصحاً، وهذا فِراقُ بيني‌ وبينك‌.

 وأُوصيك‌ بأخيكَ محمّد خَيراً، فإنّه‌ شقيقك‌ وابنُ أبيك‌، وقد تعلم‌ حُبّي‌ له‌، فأمّا أخوك‌ الحسينُ فهو ابنُ أُمّك‌، ولا أزيد الوصاةَ بذلك‌، واللهُ الخليفة‌ عليكم‌، وإيّاهُ أسألُ أن‌ يُصلحكم‌، وأن‌ يكفَّ الطُغاةَ البُغاةَ عنكم‌، والصبرَ الصبرَ حتّي‌ ينزل‌ اللهُ الامرَ، ولا حولَ ولا قوّةَ إِلاّ باللهِ العلي‌ِّ العظيمِ. [47]

 ولقد قال‌ ابن‌ أبي‌ الحديد (المعتزلي‌ّ) قي‌ قصيدته‌ الرائيّة‌، وهي‌ من‌ علويّاته‌ السبعة‌:

 وَوَارِثُ عِلْمِ الْمُصْطَفَي‌ وَشَقِيقُهُ             أَخاً وَنَظِيراً فِي‌ الْعُلَي‌ والاْواصِرِ [48]

 هُوَ الآيَةُ الْعُظْمَي‌ وَمُسْتَنْبِطُ الْهُدَي‌                     وَحَيَاةُ أَرْبَابِ النُّهَي‌ وَالْبَصَائِرِ

 تَعَالَيْتَ عَنْ مَدْحٍ فَأَبْلَغُ خَاطِبٍ                  بِمَدْحِكَ بَيْنَ النَّاسِ أَقْصَرُ قَاصِر [49] 

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «مستدرك‌ الحاكم‌» ج‌ 3، ص‌ 113.

[2] ـ «مستدرك‌ الحاكم‌» ج‌ 3، ص‌ 144.

[3] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 677؛ والطبعة‌ الحروفيّة‌ ج‌ 42، ص‌ 302.

[4] ـ أورد المحدّث‌ العظيم‌ الشأن‌ السيّد هاشم‌ البحراني‌ّ هذه‌ الرواية‌ في‌ «مدينة‌ المعاجز» ص‌ 179، إلاّأنـّه‌ ذكر في‌ شأن‌ البكاء علی أمير المؤمنين‌ لفظ‌ «أربعين‌ خريفاً» بدل‌ «أربعين‌ سنة‌».

[5] ـ «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 677؛ والطبعة‌ الحروفيّة‌: ج‌ 43، ص‌ 309.

[6] ـ «تفسير الكشّاف‌» المجلّد الثاني‌، ص‌ 1501، طبعة‌ كلكتا سنة‌ 1276 ه، مطبعة‌ «ليسي‌» وهي‌ أقدم‌ طبعة‌ للكشّاف‌؛ وفي‌ الطبعة‌ الاُولي‌ لمطبعة‌ الشرفيّة‌ سنة‌ 1307 ه، ص‌ 471؛ وفي‌ طبعة‌ دار الكتاب‌ العربي‌ّ ـ بيروت‌ لبنان‌، سنة‌ 1366 ه، ص‌ 566. وقال‌ ابن‌ حجر العسقلاني‌ّ في‌ كتاب‌ «الكافي‌ الشاف‌ في‌ تخريج‌ أحاديث‌ الكشّاف‌» المطبوع‌ في‌ هامش‌ «الكشّاف‌»: هذا حديث‌ متّفقٌ عليه‌.

[7] ـ «الطبقات‌ الكبري‌» لابن‌ سعد، ج‌ 8، ص‌ 73. ولم‌ نعثر فيه‌ علی العبارات‌ بين‌ المعقوفتين‌.

[8] ـ يقول‌: حين‌ رأت‌ الصَّبا بدنه‌ الملقي‌ في‌ الصحرا دون‌ كفن‌، فقد سفّت‌ عليه‌ الرمالَ كفناً.

 وحين‌ هوي‌ الملك‌ من‌ جواده‌ إلی حفرة‌ مقتله‌، فقد كان‌ عهد الله‌ بين‌ شفتيه‌، والشفاعة‌ حديثه‌.

 ولقد أعطته‌ أُخته‌، حين‌ توجّه‌ إلی ساحة‌ القتال‌ للمرّة‌ الاخيرة‌ أرثّ ثيابه‌ وأخلقها.

 ولئلاّ يستوهب‌ العدوّ من‌ الحسين‌ الثوب‌ الذي‌ يرتديه‌، فقد كان‌ أرثّ ثيابه‌ كفناًله‌.

 ولقد تضمّخ‌ بدنه‌ بدماء قلبه‌، من‌ حوافر خيول‌ الفوارس‌ الذين‌ هاجموه‌.

[9] ـ يقول‌: لقد ضاق‌ بشهيد العشق‌ جلد بدنه‌، فانظر إلی الخصم‌ الذي‌ ينهب‌ منه‌ ثوبه‌!!

 ولا ضَيْر إن‌ سلب‌ العدوّ الضالّ منه‌ درعه‌، فدرع‌ بدنه‌ خصلات‌ ذؤابته‌ الموّاجة‌.

 إنّ الملك‌ الذي‌ مِن‌ سُندس‌ الفردوس‌ رداؤُه‌، لم‌ يجد لائقاً أن‌ يرتدي‌ الخصم‌ قميصه‌ الخَلِق‌.

[10] ـ وبداية‌ هذه‌ الاشعار:

 تَأَوَّهَ قَلْبِي‌ وَالْفُؤَادُ كَئِيبُ                        وَأَرَّقَ نَوْمِي‌ فَالْمهَادُ عَجِيبُ

 فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي‌ الْحُسَيْنَ رَسَالَةً              وَإنْ كَرِهَتْهَا أَنْفُسٌ وَقُلُوبُ

 ذَبِيحٌ بِلاَ جُرَمٍ كَأَنَّ قَمِيصَهَ                      صَبِيغٌ بِمَاءِ الاْرْجُوَانِ خَضِيبُ

 فَلِلسَيْفِ إعوَالٌ وَلِلرُمحِ رَنـَّةٌ                  وَلِلْخَيْلِ مِنْ بَعْدِ الصَّهِيلِ نَحِيبُ

 ثمّ يقول‌ بعدها: تزلزلت‌ الدنيا... البيت‌؛ ثمّ يقول‌ بعد البيتين‌:

 يُصَلَّي‌ علی الْمَبْعُوثِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ                      وَيُغْزَي‌ بَنُوهُ إِنَّ ذَا لَعَجِيبُ

 لَئِنْ كَانَ ذَنْبِي‌ حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ                 فَذَا لَكَ ذَنْبٌ لَسْتُ مِنُْ أَتُوبُ

 هُمُ شُفَعَائِي‌ يَوْمَ حَشْرِي‌ وَمَوْقِفِي                     ‌ إِذَا مَا بَدَتْ لِلنَّاظِرينَ خُطُوبُ

 وقد وردت‌ هذه‌ الابيات‌ في‌ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 2، ص‌ 232 و 233.

[11] ـ صدر الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[12] ـ الآية‌ 87، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[13] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 88، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[14] ـ الآيتان‌ 26 و 27، من‌ السورة‌ 55: الرحمن‌.

[15] ـ الآية‌ 78، من‌ السورة‌ 55: الرحمن‌.

[16] ـ الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[17] ـ عجز الآية‌ 127، والآية‌ 128، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[18] ـ عجز الآية‌ 40، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[19] ـ «كلمة‌ الله‌» ص‌ 134.

[20] ـ وهذه‌ الآية‌ هي‌ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[21] ـ «كلمة‌ الله‌» ص‌ 138.

[22] ـ معظم‌ الآية‌ 82 والآية‌ 83، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[23] ـ الآية‌ 169، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[24] ـ الآيتان‌ 39 و 40، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[25] ـ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[26] ـ الآيتان‌ 159 و 160، من‌ السورة‌ 37: الصافّات‌.

[27] ـ فارسي‌ّ، ومعرّبه‌: «رسالة‌ لبّ اللباب‌ في‌ سير وسلوك‌ أُولي‌ الالباب‌. (م‌)

[28] ـ «المحاسن‌» ج‌ 1، كتاب‌ مصابيح‌ الظلم‌، الباب‌ 47 المحبوبات‌، ص‌ 291.

[29] ـ «عُدّة‌ الداعي‌» ص‌ 233.

[30] ـ «كلمة‌ الله‌» ص‌ 143.

[31] ـ الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 76: الإنسان‌.

[32] ـ «بوستان‌ سعدي‌» ص‌ 113، طبعة‌ محمد علی فروغي‌، ضمن‌ الكلّيّات‌.

 يقول‌: ليس‌ سبيل‌ العقل‌ إلاّ متاهات‌، وليس‌ عند العارفين‌ من‌ موجود إلاّ الله‌.

 وهذه‌ النكتة‌ يمكن‌ قولها لمن‌ يعرف‌ الحقّ، أمّا أهل‌ القياس‌ فسيعترضون‌ عليها.

 (ويقولون‌) إذن‌ ما هذه‌ السماوات‌ والارض‌؟ وما البشر والجنّ والوحوش‌؟

 لكنّ هؤلاء مهما كانوا فهم‌ أصغر ـ مع‌ وجوده‌ هو ـ مِن‌ أن‌ يُطلق‌ عليهم‌ اسم‌ الوجود.

 عظيمٌ عندك‌ البحر بأمواجه‌، ومتعاليةٌ لديك‌ الشمس‌ الساطعة‌ في‌ أوج‌ السماء.

 ولكن‌ أنـّي‌ لاهل‌ الصورة‌ أن‌ يدركوا أنّ أصحاب‌ المعني‌ مزّقوا المُلك‌ وكشفوه‌.

 فليست‌ ـ وإن‌ كانت‌ شمساً ـ ذرّة‌ واحدة‌، وليست‌ ـ وإن‌ كانت‌ أبحراً سبعاً ـ قطرة‌ واحدة‌.

 وحين‌ يلوّح‌ سلطان‌ العزّة‌ بالراية‌ عالياً، فإنّ العالَم‌ سيتواري‌ في‌ جيب‌ العدم‌.

[33] ـ «الإنسان‌ الكامل‌» عبد الكريم‌ الجيلي‌ّ، ج‌ 2، ص‌ 26.

[34] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 496؛ كما أورد هذه‌ الرواية‌ في‌ «عدّة‌ الداعي‌» الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 184.

[35] ـ أورد السهروردي‌ّ هذا الحديث‌ الشريف‌ في‌ «عوارف‌ المعارف‌» بهذا اللفظ‌: قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: يقول‌ الله‌ تعالي‌: إذا كان‌ الغالب‌ علی عبدي‌ الاشتغال‌ بي‌، جعلتُ همّته‌ ولذّته‌ في‌ ذكري‌، عشقني‌ وعشقته‌، ورفعت‌ الحجاب‌ فيما بيني‌ وبينه‌ لايسهو إذا سها الناس‌، أُولئك‌ كلامهم‌ كلام‌ الانبياء، أُولئك‌ الابطال‌ حقّاً، أُولئك‌ الذين‌ إذا أردتُ بأهل‌ الارض‌ عقوبةً أو عذاباً، ذكرتهم‌ فيها فصرفته‌ عنهم‌.

[36] ـ «عدّة‌ الداعي‌» ص‌ 184.

[37] ـ «عدّة‌ الداعي‌» ص‌ 184.

[38] ـ «عدّة‌ الداعي‌» ص‌ 186.

[39] ـ صدر الآية‌ 104، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[40] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 67، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[41] ـ الآية‌ 111، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[42] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 255، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[43] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الخطبة‌ 147، طبعة‌ محمّد عبده‌ ـ مصر، ج‌ 1، ص‌ 269.

[44] ـ أنـّي‌ لهذه‌ البعوضة‌ أن‌ تعلم‌ متي‌ خُلقت‌ هذه‌ الروضة‌، فلقد وُلدت‌ في‌ الربيع‌، وستموت‌ في‌ الشتاء.

[45] ـ النصف‌ الثاني‌ من‌ الآية‌ 110، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[46] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 5، ص‌ 51، باب‌ الوصايا؛ و «تحف‌ العقول‌» ص‌ 197؛ و «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 661؛ و «تاريخ‌ الطبري‌ّ» تحقيق‌ محمّد أبو الفضل‌ إبراهيم‌، طبعة‌ دار المعارف‌ـمصر، ج‌ 5، ص‌ 147 و 148.

[47] ـ «مجالس‌ المفيد» المجلس‌ 25، ص‌ 118؛ و «أمالي‌ الطوسي‌ّ» المجلس‌ الاوّل‌، الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 4 و 5؛ وفي‌ طبعة‌ النجف‌ ص‌ 6 و 7؛ و «بحار الانوار» ج‌ 9، ص‌ 649 طبعة‌ القطع‌ الرحلي‌ّ.

[48] ـ الآصرة‌: الرابطة‌ والعلاقة‌ التي‌ تنشأ بين‌ إنسان‌ وآخر إثر قرابة‌ أو عمل‌ حسن‌، والجمع‌ الاواصر.

[49] ـ «ديوان‌ المعلّقات‌ السبعة‌» حيث‌ طبعت‌ ضمنه‌ قصائد ابن‌ أبي‌ الحديد، و هذه‌ القصيدة‌ تدعي‌ بالرائيّة‌ و مطلعها:

 لِمَنْ ظَعنٌ بين‌ الغميمِ و حاجرِ                                بَزَغْنَ شُموساً فِي‌ ظَلاَمِ الدَيَاجرِ

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com