بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد التاسع / القسم الرابع: الاحتجاج بحدیث غدیر علی امامة علی علیه السلام

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

احتجاج‌ سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ بحديث‌ الغدير في‌ مني‌

 وجمع‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ جميع‌ بني‌ هاشم‌، رجالهم‌ ونسائهم‌ وموإلیهم‌، ومن‌ الانصار ممّن‌ يعرفه‌، وأهل‌ بيته‌. ثمّ أرسل‌ رسلاً وقال‌ لهم‌: لاتدعوا أحداً من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ المعروفين‌ بالصلاح‌ والنسك‌ إلاّ جمعتموهم‌ لي‌ بمني‌!

 فاجتمع‌ إلیه‌ بمني‌ أكثر من‌ سبعمائة‌ رجل‌ وهم‌ في‌ سرادقة‌، عامّتهم‌ من‌ التابعين‌، ونحو من‌ مائتي‌ رجل‌ من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌.

 فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبَاً فَحَمِدَ اللَهَ وَأثْنَي‌ علیهِ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فَإنَّ هَذَا الطَّاغِيَة‌،[1] قَدْ فَعَلَ بِنَا وَبِشيعَتِنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَعَلِمْتُمْ وَشَهِدْتُمْ؛ وَإنِّي‌ أُرِيدُ أنْ أسَأَلَكُمْ عَنْ شَي‌ءٍ، فَإنْ صَدَقْتُ فَصَدِّقُوني‌، وَإنْ كَذَبْتُ فَكَذِّبُوني‌!

 وَأسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللَهِ علیكُمْ وَحَقِّ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَقَرَابَتي‌ مِنْ نَبِيِّكُمْ لَمَّا سَيَّرْتُمْ مَقَامي‌ هَذَا وَوَصَفْتُمْ مَقَالَتي‌ وَدَعَوْتُمْ أجْمَعِينَ فِي‌ أمْصَارِكُمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ مَنْ آمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ (وَفي‌ رِوَايَةٍ أُخْرَي‌ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَكَذِّبُوني‌: اسْمَعُوا مَقَالَتي‌ وَاكْتُبُوا قَوْلي‌، ثُمَّ ارْجِعُوا إلی‌ أمْصَارِكُمْ وَقَبَائِلِكُمْ مَنْ أمَنْتُمْ مِنَ النَّاسِ) وَوَثِقْتُمْ بِهِ فَادْعُوهُمْ إلی‌ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ حَقِّنَا، فَإنِّي‌ أَتَخَوَّفُ أنْ يَدْرُسَ هَذَا الاَمْرُ وَيَذْهَبَ الحَقُّ وَيُغْلَبَ، «وَاللَهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ».

 وَمَا تَرَكَ شَيْئَاً مِمَّا قَالَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ في‌ أبِيهِ وَأخِيهِ وَأُمِّهِ وَفي‌ نَفْسِهِ وَأهْلِ بَيْتِهِ إلاَّ رَوَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ أصْحَابُهُ: اللَهُمَّ نَعَمْ! وَقَدْ سَمِعْنَا وَشَهِدْنَا. وَيَقُولُ التَّابِعِي‌ُّ: اللَهُمَّ قَدْ حَدَّثَنِي‌ بِهِ مَنْ أصَدِّقُهُ وَأئْتَمِنُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ.

 وفَقَالَ: أُنْشِدُكُمْ اللَهَ إلاَّ حَدَّثْتُمْ بِهِ مَنْ تَثِقُونَ بِهِ وَبِدِينِهِ!

 قَالَ سُلَيْمٌ: فَكَانَ فِيمَا نَاشَدَهُمُ الحُسَيْنُ وَذَكَّرَهُمْ أنْ قَالَ:...أُنْشِدُكُمُ اللَهَ أتَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ نَصَبَهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَنَادَي‌ لَهُ بِالوِلاَيَةِ، وَقَالَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ!

 قَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ... فَقَالُوا: اللَهُمَّ نَعَمْ قَدْ سَمِعْنَا، وَتَفَرَّقُوا علی‌ ذَلِكَ. [2]

 الرجوع الي الفهرس

 احتجاج‌ واستدلال‌ عبد الله‌ بن‌ جعفر أنّ أكثر الناس‌ في‌ جهل‌

الاحتجاج‌ الحادي‌ عشر: استدلال‌ واستشهاد عبد الله‌بن‌ جعفربن‌ أبي‌ طالب‌ مع‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ (صَخْر بن‌ حَرْب‌بن‌ أُمَيَّة‌بن‌ عَبْدشَمْس‌) و علی‌ الرغم‌ من‌ أنّ المكان‌ الذي‌ كان‌ فيه‌ الاستشهاد لم‌يرد في‌ الرواية‌، بَيدَ أنّ القرائن‌ تفيد أنّه‌ لم‌ يجر في‌ المدينة‌ المنوّرة‌ عند سفر معاوية‌ للحجّ، لانّ معاوية‌ حجّ مع‌ ابنه‌ يزيد في‌ سنة‌ 50ه وكان‌ ذلك‌ بعد وفاة‌ الاءمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ في‌ سنة‌ 49ه. وسنري‌ في‌ هذا الاحتجاج‌ أنّ الاءمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ كان‌ موجوداً، ويبدو من‌ غير المستبعد أنّه‌ جري‌ في‌ الكوفة‌ أيّام‌ صلح‌ الاءمام‌ الحسن‌ علیه‌ السلام‌ عندما زارها معاوية‌، أو كان‌ في‌ الشام‌.

 نقل‌ سُلَيْم‌ بن‌ قَيْس‌ الهِلإلی هذا الاحتجاج‌ في‌ كتابه‌ النفيس‌، الحاويّ علی‌ موضوعات‌ رائعة‌. بيد أ نّنا نذكر فيما يلي‌ النصف‌ الاوّل‌ من‌ الاحتجاج‌ ممّا جاء فيه‌ شاهدنا في‌ الاحتجاج‌ بحديث‌ غدير خمّ، ونترك‌ النصف‌ الثاني‌ منه‌ مراعاة‌ لعدم‌ الاءطناب‌.

 روي‌ أبَان‌ بْنُ أبي‌ عَيَّاش‌ عَنْ سُلَيْم‌ أنّه‌ قال‌: حدّثني‌ عبدالله‌بن‌ جعفربن‌ أبي‌ طالب‌، قال‌: كنتُ عند معاوية‌ ومعنا الحسن‌ والحسين‌ علیهماالسلام‌، وعنده‌ عبدالله‌بن‌ عبّاس‌، فالتفت‌ إلی‌ّ معاوية‌ وقال‌: ياعبدالله‌! ما أشدّ تعظيمك‌ للحسن‌ والحسين‌؟ وما هما بخير منك‌ ولاأبوهما خير من‌ أبيك‌. ولولا أنّ فاطمة‌ بنت‌ رسول‌الله‌، لقلتُ: ما أُمّك‌ أسماء بنت‌ عميس‌ بدونها.

 فقلت‌ لمعاوية‌: والله‌ إنّك‌ لقليل‌ العلم‌ بهما وبأبيهما وبأُمّهما. والله‌ لهما خير مني‌ّ، وأبوهما خير من‌ أبي‌، وأُمّهما خير من‌ أُمّي‌! يامعاوية‌! إنّك‌ لغافل‌ عمّا سمعته‌ أنا من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، يقول‌ فيهما وفي‌ أبيهما وأُمّهما! قد حفظته‌ ووعيته‌ ورويته‌.

 قال‌ معاوية‌: هات‌ يا بن‌ جعفر! فوالله‌ ما أنت‌ كذّاب‌ ولامتّهم‌!

 فقلتُ: إنّه‌ أعظم‌ ممّا في‌ نفسك‌!

 قال‌ معاوية‌: قل‌، وإن‌ كان‌ أعظم‌ من‌ أُحُد وحِراء جميعاً. فلستُ أُبإلی‌ إذا قتل‌ الله‌ صاحبك‌،[3] وفرّق‌ جمعكم‌، وصار أمر الولايةُ في‌ أهله‌. فحدّثنا! فما نبإلی‌ بما قلتم‌، ولايضرّنا ما عدمتم‌!

 قلت‌: سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وقد سئل‌ عن‌ هذه‌ الآية‌: وَمَا جَعَلْنَا الرُّءْيَا الَّتِي‌´ أَرَيْنَـ'كَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي‌ الْقُرْءَانِ.[4] فقال‌ إنّي‌ رأيت‌ اثني‌ عشر رجلاً من‌ أئمّة‌ الضلالة‌ يصعدون‌ منبري‌ وينزلون‌. يردّون‌ أُمّتي‌ علی‌ أدبارهم‌ القهقري‌، فيهم‌ رجلان‌ من‌ حيّين‌ من‌ قريش‌ مختلفين‌، وثلاثة‌ من‌ بني‌ أُميّة‌، وسبعة‌ من‌ ولد الحَكَم‌بن‌ أبي‌ العاص‌.[5] وسمعته‌ يقول‌: إنّ بني‌ أبي‌ العاص‌ إذا بلغوا خمسة‌ عشر رجلاً، جعلوا كتاب‌ الله‌ دَخَلاً، وعباد الله‌ خولاً، ومال‌ الله‌ دولاً.

 يا معاوية‌! إنّي‌ سمعت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ يقول‌ علی‌ المنبر، وأنا بين‌ يديه‌، وَعُمَرُ بنُ أبي‌ سَلَمَة‌، وأُسَامَةُ بن‌ زَيْد، وسَعْدُبنُ أبي‌ وَقَّاصٍ، وسَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وأبُو ذَرٍّ، والمِقْدَادُ، والزُّبَيْرُبنُ العَوَّام‌: ألَستُ أوْلَي‌ بِالمُؤمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟

 فقلنا: بلي‌ يا رسول‌ الله‌. قال‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی مَولاَهُ ـأوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِهِـ وضرب‌ بيديه‌ علی‌ منكب‌ علی علیه‌ السلام‌ وقال‌: اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، أيُّهَا النَّاسُ! أنَا أوْلَي‌ بِالمُؤمِنينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ لَيْسَلَهُمْ مَعِي‌ أمْرٌ!

 و علی من‌ بعدي‌ أولي‌ بالمؤمنين‌ من‌ أنفسهم‌، ليس‌ لهم‌ معه‌ أمر، ثمّ ابني‌ الحَسَن‌ أولي‌ بالمؤمنين‌ من‌ أنفسهم‌، ليس‌ لهم‌ معه‌ أمر.

 ثمّ عاد فقال‌: أيّها الناس‌! إذا أنا استشهدت‌ ف علی أولي‌ بكم‌ من‌ أنفسكم‌! فإذا استشهد علی‌ّ، فابني‌ الحسن‌ أولي‌ بالمؤمنين‌ منهم‌ بأنفسهم‌! فإذا استشهد الحَسَن‌، فابنيّ الحُسين‌ أولي‌ بالمؤمنين‌ منهم‌ بأنفسهم‌! فإذا استشهد الحسين‌، فابني‌ علی بن‌ الحسين‌ أولي‌ بالمؤمنين‌ منهم‌ بأنفسهم‌، ليس‌لهم‌ معه‌ أمر. ثمّ التفت‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ علی علیه‌ السلام‌ وقال‌: يا علی‌ّ! إنّك‌ ستدركه‌ فاقرأه‌ منّي‌ السلام‌. فإذا استشهد علی‌ّبن‌ الحسين‌، فابني‌ محمّد أوْلي‌ بالمؤمنين‌ منهم‌ بأنفسهم‌، وستدركه‌ أنت‌ يا حسين‌ فاقرأه‌ مني‌ّ السلام‌. ثمّ يكون‌ في‌ عقب‌ محمّد رجال‌ واحد بعد واحد، وليس‌منهم‌ أحد إلاّ وهو أولي‌ بالمؤمنين‌ منهم‌ بأنفسهم‌، ليس‌ لهم‌ معه‌ أمر. كلّهم‌ هادون‌ مهتدون‌.

 فقام‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ وهو يبكي‌، فقال‌: بأبي‌ أنت‌ وأُمّي‌ يا نبيّالله‌ أتُقْتَل‌؟! قال‌: نعم‌! أُهلك‌ شهيداً بالسمّ! وتقتل‌ أنت‌ بالسيف‌، وتخضب‌ لحيتك‌ من‌ دم‌ رأسك‌! ويقتل‌ ابني‌ الحسن‌ بالسمّ، ويقتل‌ ابني‌ الحسين‌ بالسيف‌، يقتله‌ طاغ‌بن‌ طاغ‌، دعيّ بن‌ دعي‌ّ.

 فقال‌ معاوية‌: يابن‌ جعفر لقد تكلّمت‌ بعظيم‌! ولئن‌ كان‌ ما تقول‌ حقّاً لقد هلكت‌ أُمّة‌ محمّد من‌ المهاجرين‌ والانصار غيركم‌ أهل‌ البيت‌ وأوليائكم‌ وأنصاركم‌!

 فقلتُ: والله‌ إنّ الذي‌ قلتُ حقّاً سمعته‌ من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌.

 قال‌ معاوية‌: يا حَسَن‌ ويا حُسَيْن‌ ويابن‌ عبّاس‌! ما يقول‌ ابن‌ جعفر؟!

 فقال‌ ابن‌ عبّاس‌: إن‌ لا تؤمن‌ بالذي‌ قال‌، فأرسل‌ إلی‌ الذين‌ سمّاهم‌ فاسألهم‌ عن‌ ذلك‌!

 فأرسل‌ معاوية‌ إلی‌ عُمَر بن‌ أبي‌ سَلَمَة‌ وأُسامة‌ بن‌ زَيد، فسألهما فشهدا أنّ الذي‌ قال‌ ابن‌ جعفر قد سمعناه‌ من‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ كما سمعه‌!

 فقال‌ معاوية‌ كالمنكِر والمستهزي‌: يا ابن‌ جعفر! قد سمعناه‌ في‌ الحسن‌ والحسين‌ وأبيهما، فما سمعت‌ في‌ أُمّهما؟!

 فقلتُ: سمعت‌ رسول‌ الله‌ يقول‌: ليس‌ في‌ جنّة‌ عَدْن‌ منزل‌ أشرف‌ ولاأفضل‌ ولاأقرب‌ إلی‌ عرش‌ ربّي‌ من‌ منزلي‌، ومعي‌ ثلاثة‌ عشر من‌ أهل‌ بيتي‌: أخي‌ علی‌ّ، وابنتي‌ فاطمة‌، وابناي‌ الحسن‌ والحسين‌، وتسعة‌ من‌ ولد الحسين‌: الذين‌ أذهب‌ الله‌ عنهم‌ الرجس‌ وطهّرهم‌ تطهيراً. هداة‌ مهتدون‌. وأنا المبلّغ‌ عن‌ الله‌، وهم‌ المبلّغون‌ عنّي‌. وهم‌ حجج‌ الله‌ علی‌ خلقه‌، وشهداؤه‌ في‌ أرضه‌، وخزّانه‌ علی‌ علمه‌، ومعادن‌ حكمه‌؛ من‌ أطاعهم‌، أطاع‌الله‌. ومن‌ عصاهم‌، عصي‌ الله‌.

 لا تبقي‌ الارض‌ طرفة‌ عين‌ إلاّ ببقائهم‌، ولا تصلح‌ إلاّ بهم‌ يخبرون‌ الاُمّة‌ بأمر دينهم‌ حلالهم‌ وحرامهم‌، يدلّونهم‌ علی‌ رضا ربّهم‌، وينهونهم‌ عن‌ سخطه‌ بأمر واحد ونهي‌ واحد. ليس‌ فيهم‌ اختلاف‌ ولافرقة‌ ولاتنازع‌. يأخذ آخرهم‌ عن‌ أوّلهم‌. إملائي‌، وخطّ أخي‌ علی‌ّ بيده‌، يتوارثونه‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌.

 أهل‌ الارض‌ كلّهم‌ في‌ غمرة‌، وغفلة‌، وتيهة‌، وحيرة‌، غيرهم‌ وغير شيعتهم‌ وأوليائهم‌. لا يحتاجون‌ إلی‌ أحد من‌ الاُمّة‌ في‌ شي‌ء من‌ أمر دينهم‌، والاُمّة‌ تحتاج‌ إلیهم‌. هم‌ الذين‌ عني‌ الله‌ في‌ كتابه‌ وقرن‌ طاعتهم‌ بطاعته‌، وطاعة‌ رسوله‌ فقال‌: أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ. [6]

 فأقبل‌ معاوية‌ علی‌ الحَسَن‌ والحُسَين‌ وابن‌ عبّاس‌ والفضل‌بن‌ عبّاس‌ وعُمَربن‌ أبي‌ سَلَمة‌ وَأُسَامة‌ بن‌ زيد، فقال‌: كلّكم‌ علی‌ ما قال‌ ابن‌ جعفر؟ قالوا: نعم‌!

 قال‌: يا بني‌ عبد المُطَّلب‌! إنّكم‌ لتدّعون‌ أمراً عظيماً، وتحتجّون‌ يحجج‌ قويّة‌، إن‌ كانت‌ حقّاً! وإنّكم‌ لتضمرون‌ علی‌ أمر تسرّونه‌ والناس‌ عنه‌ في‌ غفلة‌ عمياء. ولئن‌ كان‌ ما يقولون‌ حقّاً، لقد هلكت‌ الاُمّة‌، وارتدّت‌ عن‌ دينها، وتركت‌ عهد نبيّنا، غيركم‌ أهل‌ البيت‌، ومن‌ قال‌ بقولكم‌، فأُولئك‌ في‌ الناس‌ قليل‌.

 فقلت‌: يا معاوية‌! إنّ الله‌ تبارك‌ وتعإلی‌ يقول‌: وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ. [7]

 ويقول‌: وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.[8] ويقول‌: إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ.[9] ويقول‌ في‌ نوح‌: وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ و´ إِلاَّ قَلِيلٌ.[10]

 يا معاوية‌! المؤمنون‌ في‌ الناس‌ قليل‌.

 ونقل‌ عبد الله‌ بن‌ جعفر هنا قصّة‌ موسي‌ علیه‌ السلام‌ والسحرة‌، وهارون‌ علیه‌ السلام‌ والسامري‌ّ، إذ سار أكثر الناس‌ خلف‌ السامريّ وعجله‌، تاركين‌ هارون‌ وحده‌. ثمّ قال‌:

 ونبيّنا صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قد نصب‌ لاُمّته‌ أفضل‌ الناس‌ وأولاهم‌ وخيرهم‌، بغدير خمّ، وفي‌ غير موطن‌، واحتجّ علیهم‌ به‌ وأمرهم‌ بطاعته‌، وأخبرهم‌ أنّه‌ منه‌ بمنزلة‌ هارون‌ من‌ موسي‌، وأ نّه‌ وليّ كلّ مؤمن‌ بعده‌، وأ نّه‌ كلّ من‌ كان‌ وليّه‌، ف علی وليّه‌، ومن‌ كان‌ أولي‌ به‌ من‌ نفسه‌ ف علی أولي‌ به‌، وأ نّه‌ خليفته‌ فيهم‌ ووصيّه‌، وأنّ من‌ أطاعه‌، أطاع‌ الله‌، ومن‌ عصاه‌، عصي‌الله‌، ومن‌ والاه‌، وإلی‌ الله‌، ومن‌ عاداه‌، عادي‌ الله‌: فَأَنْكُروهُ وَجَهِلُوهُ وتَوَلَّوْا غَيْرَهُ. إلی‌ آخر ما احتجّ به‌ عبدالله‌ عند معاوية‌.[11]

 الرجوع الي الفهرس

احتجاج‌ الاصبغ‌ بن‌ نُباتة‌ بحديث‌ الغدير أمام‌ معاوية‌

 الاحتجاج‌ الثاني‌ عشر: استشهاد الاَصْبَغ‌ بن‌ نُبَاتَه‌ بحديث‌ الغدير لمعاوية‌، وكانت‌ مناشدته‌ مع‌ أبي‌ هُرَيْرة‌ قد وقعت‌ في‌ ذلك‌ المجلس‌ سنة‌ 37ه. وكان‌ أبو هريرة‌ من‌ الصحابة‌ الذين‌ باعوا دينهم‌ بدنياهم‌. وأصبح‌ من‌ الدناة‌ المتلقّين‌[12] لمعاوية‌، المقتاتين‌ علی‌ فُتات‌ موائده‌. وصار في‌ عداد وعّاظ‌ السلاطين‌ المحسوبين‌ علی‌ بلاطه‌ من‌ خلال‌ وضع‌ الاحاديث‌ المفتراة‌.

 ونحن‌ نلفت‌ نظر القرّاء الكرام‌ إلی‌ مطالعة‌ كتابين‌ من‌ الكتب‌ المهمّة‌ فحسب‌، ونرشدهم‌ إلیهما من‌ أجل‌ تنويز أذهانهم‌ بالحقائق‌. وهذان‌ الكتابان‌ هما:

 1 ـ «أبُو هُرَيْرَة‌» تإلیف‌ العلاّمة‌ آية‌ الله‌ السيّد عبدالحسين‌ شرف‌ الدين‌ تغمّدة‌الله‌ برضوانه‌.

 2 ـ «أبُو هُرَيْرَة‌ شَيْخ‌ المَضِيرَة‌» تإلیف‌ العالم‌ والفقيه‌ المستبصر الشيخ‌ مَحْمُود أبُو رَيَّة‌. كتب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أيّام‌ صفّين‌ كتاباً إلی‌ معاوية‌بن‌ أبي‌ سفيان‌ وأرسله‌ إلیه‌ بيد الاصبغ‌ بن‌ نُباتَة‌.

 قال‌ الاصبغ‌: دخلت‌ علی‌ معاوية‌ وهو جالس‌ علی‌ نطع‌ من‌ الاُدم‌، متّكئاً علی‌ وسادتين‌ خضراوين‌ ومن‌ يمينه‌ عمرو بن‌ العاص‌، وحوشب‌، وذوالكلاع‌، وعن‌ شماله‌ أخوه‌ عتبة‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌، وابن‌ عامربن‌ كريز، والوليدبن‌ عقبة‌، وعبدالرحمن‌ بن‌ خالد، وشر حبيل‌بن‌ السمط‌، وبين‌ يديه‌ أبو هريرة‌، وأبو الدرداء، والنعمان‌ بن‌ بشير، وأبو أمامة‌ الباهلي‌ّ.

 فدفعت‌ إلیه‌ الكتاب‌، لمّا قرأه‌، قال‌: إنّ علیاً لايدفع‌ إلینا قتلة‌ عثمان‌!

 قال‌ الاصبغ‌: فقلتُ له‌: يا معاوية‌! لا تعتلّ بدم‌ عثمان‌! فإنّك‌ تطلب‌ الملك‌ والسلطان‌! ولو كنت‌ أردت‌ نصره‌ حيّاً، لنصرته‌! ولكنّك‌ تربّصت‌ به‌، لتجعل‌ ذلك‌ سبباً إلی‌ وصول‌ الملك‌!

 فغضب‌ معاوية‌ من‌ كلامي‌. فأردت‌ أن‌ يزيد غضبه‌، فقلتُ لابي‌ هريرة‌: يا صاحب‌ رسول‌الله‌! إنّي‌ أُحلّفك‌ بالذي‌ لا إله‌ إلاّ هو عالم‌ الغيب‌ والشهادة‌، وبحقّ حبيبه‌ المصطفي‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ألا أخبرتني‌: أشهدت‌ يوم‌ غدير خمّ قال‌: بلي‌! شهدته‌.

 قلت‌: فما سمعت‌ رسول‌ الله‌ يقول‌ في‌ علی‌ّ؟!

 قال‌: سمعته‌ يقول‌: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَ علی مَوْلاَهُ. اللَهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ! وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ! وَاخْذُل‌ مَنْ خَذَلَهُ!

 فقلتُ له‌: فإذاً أنت‌ يا أبا هريرة‌! وإلیت‌ عدوّه‌، وعاديتَ وليّه‌! فتنفّس‌ أبو هريرة‌ الصعداء، وقال‌: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إلیهِ رَ ' جِعُونَ. [13] و [14]

 الرجوع الي الفهرس

احتجاج‌ دارميّة‌ الحجونيّة‌ بحديث‌ الغدير أمام‌ معاوية

 الاحتجاج‌ الثالث‌ عشر: استشهاد دارميّة‌ الحجونيّة‌، وهي‌ من‌ النساء العظيمات‌. ومن‌ الشيعيّات‌ المخلصات‌ لامير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وكانت‌ قد استشهدت‌ بحديث‌ الغدير أمام‌ معاوية‌.

 لمّا حجّ معاوية‌، فطلب‌ امرأة‌ يقال‌ لها دَارِميَّة‌ الحَجونيّة‌ [15] من‌ شيعة‌ علی‌ّ. وكانت‌ سوداء ضخمة‌.

 فقال‌ ] لها معاوية‌ [: كيف‌ حالكِ يا بنت‌ حام‌؟!

 فقالت‌ ] دارميّة‌ [: بخير، ولست‌ بحام‌! إنّما أنا امرأة‌ من‌ بني‌ كنانة‌!

 فقال‌: صدقتِ! هل‌ تعلمين‌ لِمَ دعوتكِ؟!

 قالت‌: سبحان‌ الله‌، وإنّي‌ لا أعلم‌ الغيب‌!

 قال‌: (دعوتكِ) لاسألكِ: لِمَ أحببتِ علیاً وأبغضتيني‌؟! ووإلیتيه‌ وعاديتيني‌؟!

 قالت‌: أَوَ تعفني‌؟ قال‌ (معاوية‌): لا!

 قالت‌: أمّا إذا أبيت‌، فَإِنِّي‌ أحْبَبْتُ علیاً علی‌ عَدْلِهِ فِي‌ الرَّعِيَّةِ، وَقَسْمِهِ بِالسَّويَّةِ، وَأبْغَضْتُكَ علی‌ قِتَالِ مَنْ هُوَ أوْلَي‌ بِالاَمْرِ مِنْكَ، وَطَلَبِكَ مَا لَيْسَلَكَ، وَوَإلیتُ علیاً علی‌ مَا عَقَدَ لَهُ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ مِنَ الوَلاَيَةِ يَوْمَ خُمٍّ بِمَشْهَدٍ مِنْكَ، وَحُبِّهِ لِلمَسَاكِينِ، وَإعْظَامِهِ لاِهْلِ الدِّينِ، وَعَادَيْتُكَ علی‌ سَفْكِ الدِّماءِ، وَشَقِّكَ القَصَاء، وَجَوْرِكَ فِي‌ القَضَاءِ، وَحُكْمِكَ بِالهَوَي‌ ـ الحديث‌. [16]

 الرجوع الي الفهرس

مجلس‌ هامّ عقده‌ المأمون‌ مع‌ علماء العامّة‌ حول‌ ولاية‌ أمير المؤمنين‌

احتجاج‌ المأمون‌ أنّ علیاً علیه‌ السلام‌ أفضل‌ أفراد الاُمّة‌

 الاحتجاج‌ الرابع‌ عشر: ويتمثّل‌ في‌ استدلال‌ واستشهاد المأمون‌ العبّاسي‌ّ بحديث‌ غدير خمّ أمام‌ أربعين‌ من‌ العلماء والفقهاء وأرباب‌ المناظرة‌ وعلم‌ الكلام‌، وأهل‌ المطالعة‌ والوعي‌ والدراية‌.

 وقد نقل‌ ابن‌ عَبْد رَبِّه‌ الاندلسيّ هذا الاحتجاج‌ في‌ «العقد الفريد» في‌ باب‌ فضائل‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. ولمّا كانت‌ كلمات‌ المأمون‌ في‌ هذا المجلس‌ علی‌ درجة‌ من‌ الاهمّيّة‌، لذلك‌ نذكرها هنا كلّها بلاتغيير مع‌ الكيفيّة‌ التي‌ تشكلّ فيها المجلس‌.

 يقول‌ إسحاق‌ بن‌ إبراهيم‌ بن‌ إسماعيل‌ بن‌ حَمَّاد بن‌ زَيْد: بعث‌ إلی‌ يحيي‌بن‌ أكثم‌ وإلی‌ عدّة‌ من‌ أصحابي‌، وهو يومئذٍ قاضي‌ القضاة‌ (في‌ أرجاء البلاد الإسلاميّة‌) فقال‌: إنّ أمير المؤمنين‌ (المأمون‌) أمرني‌ أن‌ أحضر معي‌ غداً مع‌ الفجر أربعين‌ رجلاً كلّهم‌ فقيه‌ يَفْقَه‌ ما يقال‌ له‌، ويحسن‌ الجواب‌، فسمّوا من‌ تظنّونه‌ يصلح‌ لما يطلب‌ أمير المؤمنين‌! فسمّينا له‌ عدّة‌، وذكر هو عِدّة‌، حتّي‌ تمّ العدد الذي‌ أراد، وكتب‌ تسمية‌ القوم‌، وأمر بالبكور في‌ السحر.

 وبعث‌ إلی‌ من‌ لم‌ يحضر، فأمره‌ بذلك‌. فغدونا علیه‌ قبل‌ طلوع‌ الفجر، فوجدناه‌ قد لبس‌ ثيابه‌، وهو جالس‌ ينتظرنا.

 فركب‌ وركبنا معه‌ حتّي‌ صرنا إلی‌ الباب‌، فإذا خادم‌ واقف‌، فلمّا نظر إلینا، قال‌: ياأبا محمَّد (يحيي‌ بن‌ أكثم‌) أميرالمؤمنين‌ ينتظرك‌!

 فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة‌، فأخذنا فيها، فلم‌نستتم‌ حتّي‌ خرج‌ الرسول‌ فقال‌: ادخلوا! فدخلنا فإذا أمير المؤمنين‌ (المأمون‌) جالس‌ علی‌ فراشه‌، و علیه‌ سواده‌ وطيلسانه‌ والطويلة‌ [17]وعمامته‌.

 فوقفنا وسلّمنا، فردّ السلام‌ وأمرنا بالجلوس‌. فلمّا استقرّ بنا المجلس‌، انحدر عن‌ فراشه‌، ونزع‌ عمامته‌ وطيلسانه‌، ووضع‌ قلنسوته‌.

 ثمّ أقبل‌ علینا فقال‌: إنّما فعلت‌ ما رأيتم‌، لتفعلوا مثل‌ ذلك‌!

 وأمّا الخُفّ فمنع‌ من‌ خلعه‌ علّة‌. من‌ قد عرفها منكم‌ فقد عرفها. ومن‌ لم‌يعرفها فسأعرّفه‌ بها. ومدّ رجله‌، وقال‌: إنزعوا قلانسكم‌، وخفافكم‌، وطيالستكم‌!

 قال‌ إسحاق‌: فأمسكنا. فقال‌ لنا يحيي‌: انتهوا إلی‌ ما أمركم‌ به‌ أميرالمؤمنين‌! فتنحّينا فنزعنا أحفافنا وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا.

 فلمّا استقرّ بنا المجلس‌، قال‌: إنّما بعثت‌ إلیكم‌ معشر القوم‌ في‌ المناظرة‌. فمن‌ كان‌ به‌ شي‌ء من‌ الاخبثين‌ (البول‌ والغائط‌) لم‌ينتفع‌ بنفسه‌ ولم‌يفقه‌ ما يقول‌! فمن‌ أراد منكم‌ الخلاء فهناك‌، وأشار بيده‌، فدعونا له‌.

 ثمّ ألقي‌ مسألة‌ من‌ الفقه‌، فقال‌ ليحيي‌ بن‌ أكثم‌: ياأبا محمّد! قل‌، وليقل‌ القوم‌ من‌ بعدك‌ مع‌ ذكر الدليل‌.

 فأجابه‌ يحيي‌، ثمّ الذي‌ يلي‌ يحيي‌، ثمّ الذي‌ يليه‌، حتّي‌ أجاب‌ آخرنا في‌ العلّة‌، وعلّة‌ العلّة‌، والمأمون‌ مطرق‌ لا يتكلّم‌. حتّي‌ إذا انقطع‌ الكلام‌، التفت‌ إلی‌ يحيي‌ فقال‌: يا أبا محمّد! أصبت‌ الجواب‌، وتركت‌ الصواب‌ في‌ العلّة‌! ثمّ لم‌يزل‌ يردّ علی‌ كلّ واحد منّا مقالته‌، ويخطّي‌ بعضنا، ويصوّب‌ بعضنا، حتّي‌ أتي‌ علی‌ آخرنا.

 ثمّ قال‌: إنّي‌ لم‌ أبعث‌ فيكم‌ لهذا، ولكنّني‌ أحببت‌ أن‌ أُنبّئكم‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ (يريد نفسه‌) أراد مناظرتكم‌ في‌ مذهبه‌ الذي‌ هو علیه‌، والذي‌ يدين‌ الله‌ به‌!

 قلنا: فليفعل‌ أمير المؤمنين‌ وفّقه‌ الله‌!

 فقال‌ المأمون‌: إنّ أمير المؤمنين‌ يدين‌ الله‌ علی‌ أنّ علی‌َّبن‌ أبي‌ طالب‌ خير خليفة‌ بعد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وأولي‌ الناس‌ بالخلافة‌ له‌.

 قال‌ إسحاق‌: فقلت‌: يا أمير المؤمنين‌! إنّ فينا من‌ لايعرف‌ ما ذكر أميرالمؤمنين‌ (المأمون‌) في‌ علی‌ّ. وقد دعانا أميرالمؤمنين‌ للمناظرة‌!

 فقال‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! اختر! إن‌ شئتَ أن‌ تسأل‌ فقل‌، وإن‌ شئتَ سألتك‌!

 قال‌ إسحاق‌: فاغتنمتُها منه‌، فقلت‌: بل‌ أسألك‌ يا أميرالمؤمنين‌! قال‌ المأمون‌: سل‌!

 قلتُ: من‌ أين‌ قال‌ أمير المؤمنين‌: إنّ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ أفضل‌ الناس‌ بعد رسول‌الله‌، وأحقّهم‌ بالخلافة‌ بعده‌؟

 قال‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! خبّرني‌ عن‌ الناس‌: بم‌ يتفاضلون‌ حتّي‌ يقال‌: فلاأفضل‌ من‌ فلان‌؟! قلت‌: بالاعمال‌ الصالحة‌! قال‌: صدقتَ! قال‌: فأخبرني‌ عمّن‌ فضّل‌ صاحبه‌ علی‌ عهد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌، ثمّ إنّ المفضول‌ عمل‌ بعد وفاة‌ رسول‌ الله‌ بأفضل‌ من‌ عمل‌ الفاضل‌ علی‌ عهد رسول‌الله‌، أيُلحق‌ به‌؟! [18]

 قال‌ إسحاق‌: فأطرقت‌. فقال‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! لاتقل‌: نعم‌، يمكن‌ أن‌ يلحق‌ به‌! فإنّك‌ إن‌ قلت‌: نعم‌، أوجدتُك‌ في‌ دهرنا هذا من‌ هو أكثر منه‌ جهاداً وحجّاً وصياماً وصلاة‌ وصدقة‌.[19]

 قال‌ إسحاق‌: فقلت‌: أجل‌ يا أمير المؤمنين‌! لايلحق‌ المفضولُ علی‌ عهد رسول‌الله‌ الفاضلَ أبداً!

 قال‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! فانظر ما رواه‌ لك‌ أصحابك‌، ومن‌ أخذت‌ عنهم‌ دينك‌، وجعلتهم‌ قدوتك‌، من‌ فضائل‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌! فقس‌ علیها ما أتوك‌ به‌ من‌ فضائل‌ أبي‌ بكر. فإن‌ رأيت‌ فضائل‌ أبي‌ بكر تشاكل‌ فضائل‌ علی‌ّ، فقل‌ إنّه‌ أفضل‌ منه‌! لا، والله‌.

 ولكن‌ فقس‌ إلی‌ فضائله‌ ما روي‌ لك‌ من‌ فضائل‌ أبي‌ بكر وعمر، فإن‌ وجدت‌ لهما من‌ الفضائل‌ ما ل علی وحده‌، فقل‌: إنّهما أفضل‌ منه‌! لاوالله‌!

 ولكن‌ قس‌ إلی‌ فضائله‌ فضائل‌ أبي‌ بكر، وعمر، وعثمان‌، فإن‌ وجدتها مثل‌ فضائل‌ علی‌ّ، فقل‌: إنّهم‌ أفضل‌ منه‌! لاوالله‌!

 ولكن‌ قس‌ بفضائل‌ العشرة‌ الذين‌ شهد لهم‌ رسول‌الله‌ بالجنّة‌، فإن‌ وجدتها تشاكل‌ فضائل‌ علی‌ّ، فقل‌: إنّهم‌ أفضل‌ منه‌.

 ثمّ قال‌ المأمون‌ بعد ذلك‌: يا إسحاق‌، أي‌ّ الاعمال‌ كانت‌ أفضل‌ يوم‌ بعث‌ الله‌ رسوله‌؟! قلتُ: الاءخلاص‌ بالشهادة‌!

 قال‌ المأمون‌: إلیس‌ السبق‌ إلی‌ الإسلام‌؟! قلتُ: نعم‌!

 قال‌: اقرأ ذلك‌ في‌ كتاب‌ الله‌ تعإلی‌ يقول‌: وَالسَّـ'بِقُونَ السَّـ'بِقُونَ أُولَـ'´نءِكَ الْمُقَرَّبُونَ،[20] إنّما عني‌ من‌ سبق‌ إلی‌ الإسلام‌.

 فهل‌ علمتَ أحداً سبق‌ علیاً إلی‌ الإسلام‌؟!

 قال‌ إسحاق‌: قلتُ: يا أمير المؤمنين‌! إنّ علیاً أسلم‌ وهو حديث‌ السنّ، لايجوز علیه‌ الحكم‌، وأبو بكر أسلم‌ وهو مستكمل‌، يجوز علیه‌ الحكم‌!

 قال‌ المأمون‌: أخبرني‌ أيّهما أسلم‌ قبل‌، ثمّ أُناظرك‌ من‌ بعده‌ في‌ الحداثة‌ والكمال‌! قلت‌: علی أسلم‌ قبل‌ أبي‌ بكر علی‌ هذه‌ الشريطة‌.

 فقال‌: نعم‌! فأخبرني‌ عن‌ إسلام‌ علی حين‌ أسلم‌، لايخلو من‌ أن‌ يكون‌ رسول‌الله‌ دعاه‌ إلی‌ الإسلام‌، أو يكون‌ إلهاماً من‌ الله‌؟

 قال‌ إسحاق‌: فأطرقتُ. فقال‌ لي‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! لاتقل‌: إلهاماً فتقدّمه‌ علی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌!

 لانّ رسول‌ الله‌ لم‌ يعرف‌ الإسلام‌ حتّي‌ أتاه‌ جبريل‌ عن‌ الله‌ تعإلی‌.

 قلتُ: أجل‌، بل‌ دعاه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ إلی‌ الإسلام‌!

 قال‌: يا إسحاق‌! فهل‌ يخلو رسول‌ الله‌ حين‌ دعاه‌ إلی‌ الإسلام‌ من‌ أن‌ يكون‌ دعاه‌ بأمر الله‌، أو تكلّف‌ ذلك‌ من‌ نفسه‌؟

 قال‌ إسحاق‌: فأطرقتُ! فقال‌ المأمون‌: ياإسحاق‌! لاتنسب‌ رسول‌الله‌ إلی‌ التكلّف‌، فإنّ الله‌ يقول‌: وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. [21]

 قلتُ: أجل‌ يا أمير المؤمنين‌، بل‌ دعاه‌ بأمر الله‌!

 قال‌ المأمون‌: فهل‌ من‌ صفة‌ الجبّار جلّ ذكره‌ أن‌ يكلِّف‌ رسله‌ دعاءَ من‌ لايجوز علیه‌ حكم‌؟!

 قلتُ: أَعُوذُ بِالله‌.

 فقال‌: أفتراه‌ في‌ قياس‌ قولك‌ يا إسحاق‌ أنّ علیاً أسلم‌ صبيّاً لايجوز علیه‌ الحكم‌، قد كلّف‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ من‌ دعاء الصبيان‌ ما لايطيقون‌؟! فهو يدعوهم‌ الساعة‌ ويرتدّون‌ بعد ساعة‌، فلايجب‌ علیهم‌ في‌ ارتدادهم‌ شي‌ء، ولايجوز علیهم‌ حكم‌ الرسول‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌؟!

 أتري‌ هذا جائزاً عندك‌ أن‌ تنسبه‌ إلی‌ الله‌ عزّ وجلّ؟!

 قلت‌: أعُوذُ بِاللَهِ!

 قال‌ المأمون‌: فأراك‌ إنّما قصدت‌ لفضيلة‌ فضّل‌ بها رسول‌الله‌ علیاً علی‌ هذا الخلق‌، أبانه‌ بها منهم‌ ليعرف‌ مكانه‌ وفضله‌. ولو كان‌ الله‌ تبارك‌ وتعإلی‌ أمره‌ بدعاء الصبيان‌ لدعاهم‌ كما دعا علیاً؟ قلتُ: بلي‌.

 قال‌ المأمون‌: فهل‌ بلغك‌ أنّ الرسول‌ دعا أحداً من‌ الصبيان‌ من‌ أهله‌ وقرابته‌ ـلئلاّ تقول‌: إنّ علیاً ابن‌ عمّه‌ـ؟

 قلتُ: لا أعلم‌، ولا أدري‌ فعل‌ أو لم‌ يفعل‌!

 قال‌: يا إسحاق‌! أرأيت‌ ما لم‌ تدره‌ ولم‌ تعلمه‌ هل‌ تُسأل‌ عنه‌؟! قلتُ: لا.

 قال‌: فدع‌ ما وضعه‌ الله‌ عنّا وعنك‌!

 ثمّ قال‌ المأمون‌: ثمّ أي‌ّ الاعمال‌ كانت‌ أفضل‌ بعد السبق‌ إلی‌ الإسلام‌؟! قلتُ: الجهاد في‌ سبيل‌ الله‌.

 قال‌: صدقت‌! فهل‌ تجد لاحد من‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ ما تجد ل علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ في‌ الجهاد؟! قلتُ: في‌ أي‌ّ وقت‌؟

 قال‌: في‌ أي‌ّ الاوقات‌ شئتَ؟ قلتُ: غزوة‌ بَدْر.

 قال‌: لا أُريد غيرها! فهل‌ تجد لاحد إلاّ دون‌ ما تجد ل علی يوم‌ بدر؟! أخبرني‌: كم‌ قتلي‌ بدر؟

 قلتُ: نيّف‌ وستوّن‌ رجلاً من‌ المشركين‌.

 قال‌: فكم‌ قتل‌ علی وحده‌؟! قلتُ: لا أدري‌.

 قال‌: ثلاثة‌ وعشرين‌ أو اثنين‌ وعشرين‌، والاربعون‌ لسائر الناس‌.

 قلتُ: يا أمير المؤمنين‌! كان‌ أبو بكر مع‌ النبيّ في‌ عريشه‌. [22]

 قال‌: ماذا يصنع‌؟ قلتُ: يدبّر أمر الحرب‌.

 قال‌: ويحك‌! يدبّر دون‌ رسول‌ الله‌ أو معه‌ شريكاً، أو افتقاراً من‌ رسول‌الله‌ إلی‌ رأيه‌؟ أي‌ّ الثلاث‌ أحَبّ إلیك‌؟! قلتُ: أعُوذُ بِاللَهِ أن‌ يدبّر أبوبكر دون‌ رسول‌الله‌، أو يكون‌ معه‌ شريكاً، أو أن‌ يكون‌ برسول‌الله‌ افتقار إلی‌ رأيه‌!

 الرجوع الي الفهرس

احتجاج‌ المأمون‌ بسورة‌الدهر لبيان‌ أفضليّة‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌

 قال‌ المأمون‌: فما الفضيلة‌ بالعريش‌ إذا كان‌ الامر كذلك‌؟! إلیس‌ مَن‌ ضرب‌ بسيفه‌ بين‌ يدي‌ رسول‌الله‌ أفضل‌ ممّن‌ هو جالس‌؟ قلتُ: كلّ الجيش‌ كان‌ مجاهداً.

 قال‌: صدقت‌، كلٌّ مجاهد، ولكن‌ الضارب‌ بالسيف‌، المحامي‌ عن‌ رسول‌الله‌، وعن‌ الجالس‌، أفضل‌ من‌ الجالس‌. أما قرأت‌ كتاب‌ الله‌:

 لاَ يَسْتَوِي‌ الْقَـ'عِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ أُولِي‌ الضَّرَرِ وَالْمُجَـ'هِدُونَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدينَ بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ علی‌ الْقَـ'عِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَهُ الْحُسْنَي‌' وَفَضَّلَ اللَهُ الْمُجَـ'هِدِينَ علی‌ الْقَـ'عِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. [23]

 قلتُ: وكان‌ أبو بكر وعمر مجاهدين‌.

 قال‌: فهل‌ كان‌ لابي‌ بكر وعمر فضل‌ علی‌ من‌ لم‌يشهد ذلك‌ المشهد؟! قلت‌: نعم‌! قال‌: فكذلك‌ سبق‌ الباذل‌ نفسه‌ فضل‌ أبي‌ بكر وعمر.

 قلتُ: أجل‌! قال‌: يا إسحاق‌! هل‌ تقرأ القرآن‌؟!

 قلتُ: نعم‌! قال‌: اقرأ علی‌ِّ: هَلْ أَتَي‌' علی‌ الاْءِنسَـ'نِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْيَكُن‌ شَيْئًا مَّذْكُورًا.[24] فقرأتُ منها حتّي‌ بلغت‌: يَشْرَبُونَ مِن‌ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا.[25] إلی‌ قوله‌: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ علی‌' حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. [26]

 قال‌: علی‌ رسلك‌، فيمن‌ أُنزلت‌ هذه‌ الآيات‌؟

 قلتُ: في‌ علی‌ّ. قال‌: فهل‌ بلغك‌ أنّ علیاً حين‌ أطعم‌ المسكين‌ وإلیتيم‌ والاسير، قال‌: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَهِ.

 قلتُ: بلي‌!

 قال‌: وهل‌ سمعت‌ الله‌ وصف‌ في‌ كتابه‌ أحداً بمثل‌ ما وصف‌ به‌ علیاً؟!

 قلتُ: لا. قال‌: صدقَتَ! لانّ الله‌ جلّ ثناؤه‌ عرف‌ سيرته‌. ياإسحاق‌! ألستَ تشهد أنّ العشرة‌ المبّشرة[27]‌ في‌ الجنّة‌؟!

 قلتُ: بلي‌! يا أمير المؤمنين‌!

 قال‌: أرأيت‌ لو أنّ رجلاً قال‌: والله‌، ما أدري‌ هذا الحديث‌ صحيح‌ أم‌ لا. ولاأدري‌ إن‌ كان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قاله‌ أم‌ لم‌يقله‌؟ أكان‌ عندك‌ كافراً؟! قلتُ: أعوذ بالله‌، إن‌ حسبته‌ كافراً!

 قال‌: أرأيت‌ لو أنّه‌ قال‌: ما أدري‌ هذه‌ السورة‌ (سورة‌ الدهر) من‌ كتاب‌الله‌، أم‌ لا، كان‌ كافراً؟! قلتُ: نعم‌!

 قال‌: يا إسحاق‌! أري‌ بينهما فرقاً![28]

 قال‌: أتروي‌ الحديث‌؟! قلتُ: نعم‌!

 قال‌: فهل‌ تعرف‌ حديث‌ الطَّيْر؟![29] قلت‌: نعم‌.

 قال‌: فحدّثني‌ به‌! فحدّثته‌ الحديث‌.

 قال‌: إنّي‌ كنتُ أكلّمك‌ وأنا أظنّك‌ غير معاند للحقّ! فأمّا الآن‌ فقد بان‌ لي‌ عنادك‌! إنّك‌ توقن‌ أنّ هذا الحديث‌ صحيح‌؟! قلتُ: نعم‌. رواه‌ من‌ لايمكنني‌ ردّه‌.

 قال‌: أفرأيت‌ من‌ أيقن‌ أنّ هذا الحديث‌ صحيح‌، ثمّ زعم‌ أنّ أحداً أفضل‌ من‌ علی‌ّ، لايخلو من‌ إحدي‌ ثلاث‌:

 من‌ أن‌ تكون‌ دعوة‌ رسول‌ الله‌ عنده‌ مردودة‌ علیه‌، أو أن‌ يقول‌: عرّف‌الله‌ عزّ وجلّ الفاضل‌ من‌ خلقه‌ وكان‌ المفضول‌ أحبّ إلیه‌، أو أن‌ يقول‌: إنّ الله‌ عزّ وجلّ لم‌ يعرِّف‌ الفاضل‌ من‌ المفضول‌؟

 قال‌ إسحاق‌: فأطرقت‌ أيضاً. فقال‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! لاتقل‌ من‌ هذه‌ الثلاثة‌ شيئاً! فإنّك‌ إن‌ قلت‌ منها شيئاً استبتك‌ (بسبب‌ الكفر الذي‌ ينتج‌ عن‌ القول‌ بإحدي‌ الثلاث‌). وإن‌ كان‌ للحديث‌ عندك‌ تأويل‌ غير هذه‌ الثلاثة‌ الاوجه‌ فَقُلْهُ!

 الرجوع الي الفهرس

استدلال‌ المأمون‌ علی‌ أنّ الصحبة‌ في‌ الغدر لا توجب‌ فضيلة‌

 قلتُ: لا أعلم‌، وإنّ لابي‌ بكر فضلاً! قال‌: أجل‌، لولا أنّ له‌ فضلاً، لما قيل‌: إنّ علیاً أفضل‌ منه‌، فما فضله‌ الذي‌ قصدتَ له‌ الساعة‌؟!

 قلتُ: قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي‌ الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَـ'حِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللَهَ مَعَنَا.[30]

 فنسب‌ الله‌ أبابكر في‌ هذه‌ الآية‌ إلی‌ صحبته‌، أي‌، إلی‌ صحبة‌ رسول‌الله‌.

 قال‌ المأمون‌: يا إسحاق‌! أما إنّي‌ لا أحملك‌ علی‌ الوعر من‌ طريقك‌. إنّي‌ وجدتُ الله‌ تعإلی‌ نسب‌ إلی‌ صحبة‌ من‌ رضيه‌ ورضي‌ عنه‌ كافراً، وهو قوله‌: قَالَ لَهُ و صَاحِبُهُ و وَهُوَ يُحَاوِرُهُ و´ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي‌ خَلَقَكَ مِن‌ تُرَابٍ ثُمَّ مِن‌ نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّئكَ رَجُلاً * لَّلـ'كِنَّا هُوَ اللَهُ رَبِّي‌ وَلآ أُشْرِكُ بِرَبِّي‌´ أَحَدًا.[31]

 قال‌ المأمون‌: تأبي‌ الآن‌ إلاّ أن‌ أخرج‌ إلی‌ استقصاء علیك‌! أخبرني‌ عن‌ حزن‌ أبي‌ بكر: أكان‌ رضا أم‌ سخطاً؟!

 قلتُ: إنّ أبا بكر إنّما حزن‌ من‌ أجل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ خوفاً علیه‌ وغمّاً أن‌ يصل‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ شي‌ء من‌ المكروه‌!

 قال‌: ليس‌ هذا جوابي‌! إنّما كان‌ جوابي‌ أن‌ تقول‌: رضاً أم‌ سخطاً! قلتُ: بل‌ كان‌ رضا للّه‌.

 قال‌: فكأنّ الله‌ جلّ ذكره‌ بعث‌ إلینا رسولاً ينهي‌ عن‌ رضاالله‌ وعن‌ طاعته‌؟ قلتُ: أعوذُ بِالله‌!

 قال‌: أوَ ليس‌ قد زعمت‌ أنّ حزن‌ أبي‌ بكر رضاً للّه‌؟ قلتُ: بلي‌!

 قال‌: أوَ لم‌ تجد أنّ القرآن‌ يشهد أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌: لاَتَحْزَنْ نهياً له‌ عن‌ الحزن‌؟ قلتُ: أعُوذُ بِالله‌.

 قال‌: يا إسحاق‌! إنّ مذهبي‌ الرفق‌ بك‌، لعلّ الله‌ يردّك‌ إلی‌ الحقّ ويعدل‌ بك‌ عن‌ الباطل‌، لكثرة‌ ما تستعيذ به‌!

 وحدّثني‌ عن‌ قول‌ الله‌: فَأَنزَلَ اللَهُ سَكَينَةُ و علیهِ، من‌ عني‌ بذلك‌، رسول‌الله‌ أم‌ أبابكر؟!

 قلتُ: بل‌ رسول‌ الله‌. قال‌: صدقتَ! حدّثني‌ عن‌ قول‌الله‌: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، إلی‌ قوله‌: ثُمَّ أَنزَلَ اللَهُ سَكِينَتَهُ و علی‌' رَسُولِهِ وَ علی‌ الْمُؤْمِنِينَ. [32]

 أتعلم‌ مَن‌ المؤمنون‌ الذين‌ أراد الله‌ في‌ هذا الموضوع‌؟! قلتُ: لاأدري‌ ياأميرالمؤمنين‌.

 قال‌: الناس‌ جميعاً انهزموا يوم‌ حُنَيْن‌، فلم‌يبق‌ مع‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ إلاّ سبعه‌ نفر من‌ بني‌ هاشم‌: علی‌ّ يضرب‌ بسيفه‌ بين‌ يدي‌ رسول‌الله‌. والعبّاس‌ آخذ بلجام‌ بغلة‌ رسول‌ الله‌، والخمسة‌ محدقون‌ به‌ خوفاً من‌ أن‌ يناله‌ من‌ جراح‌ القوم‌ شي‌ءٌ. حتّي‌ أعطي‌ الله‌ رسوله‌ الظفر. فالمؤمنون‌ في‌ هذا الموضع‌ علی‌ٌّ خاصّة‌ ثمّ من‌ حضره‌ من‌ بني‌ هاشم‌. قال‌: فمن‌ أفضل‌؟ من‌ كان‌ مع‌ رسول‌الله‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌، أم‌ من‌ انهزم‌ عنه‌ ولم‌يره‌ الله‌ موضعاً لينزلها علیه‌؟!

 قلتُ: بل‌ من‌ أُنزلت‌ علیه‌ السكينة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌.

[2] ـ كتاب‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌، ص‌ 206 إلی‌ 209. أي‌: علی‌ العهد الذي‌ أخذه‌ الحسين‌ علیه‌ السلام‌ من‌ الناس‌، إذ يبلّغون‌ به‌ الموثوقين‌ المؤتمنين‌ في‌ حواضرهم‌ وقبائلهم‌.

[3] ـ أي‌: أمير المؤمنين‌: علی بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌.

[4] ـ الآية‌ 60، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

 وجاءت‌ في‌ «تفسير الميزان‌» ج‌ 13، ص‌ 157 و 158 روايات‌ نقلها العلاّمة‌ عن‌ «تفسير الدرّ المنثور» عن‌ ابن‌ جرير، عن‌ سهل‌ بن‌ سعد، وعن‌ ابن‌ أبي‌ حاتم‌، عن‌ ابن‌ عمر، وي علی‌بن‌ مرّة‌، وعن‌ ابن‌ مردويه‌، عن‌ الحسين‌ بن‌ علی علیهما السلام‌، وعن‌ ابن‌ أبي‌ حاتم‌، وابن‌ مردويه‌، والبيهقيّ في‌ «الدلائل‌»، وابن‌ عساكر عن‌ سعيد بن‌ المسيّب‌. وكذلك‌ جاءت‌ روايات‌ في‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» طبعة‌ صيدا ج‌ 3، ص‌ 424 عن‌ سهل‌بن‌ سعد، والإمام‌ الباقر، والإمام‌ الصادق‌ علیهما السلام‌ وفيها أنّ رسول‌ الله‌ رأي‌ في‌ عالم‌ المنام‌ قردة‌ ينزون‌ علی‌ منبره‌، فساءته‌ هذه‌ الرؤيا، ولم‌يُرَ ضاحكاً حتّي‌ مات‌. فأوحي‌ إلیه‌ الله‌ أنّ هذا لبلاء الناس‌، وهذه‌ القردة‌ بنو أُميّة‌ يغصبون‌ الخلافة‌. فالمراد بالشجرة‌ الملعونة‌ في‌ القرآن‌ هم‌ بنو أُميّة‌ الذين‌ حكموا في‌ البلاد لابتلاء الناس‌ واختبارهم‌. وفي‌ رواية‌ عن‌ المنهال‌بن‌ عمرو، قال‌: دخلت‌ علی‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌ وقلتُ: كيف‌ أصبحت‌ يابن‌ رسول‌ الله‌؟ فقال‌: أصبحنا والله‌ بمنزلة‌ بني‌ إسرائيل‌ من‌ آل‌ فرعون‌ يذبّحون‌ أبناءهم‌ ويستحيون‌ نساءهم‌، وأصبح‌ خير البريّة‌ بعد رسول‌ الله‌ يُلْعَن‌ علی‌ المنابر، وأصبح‌ مَن‌ يُحبّنا منقوصاً حقّه‌ بحبّه‌ إيّانا. وعندما قيل‌ للحسن‌: يا أبا سعيد! قُتل‌ الحسين‌؛ بكي‌ حتّي‌ ارتعدت‌ فرائصه‌ ثمّ قال‌: واذُلاَّهُ لاِمَّةٍ قَتَل‌ ابنُ دَعِيِّها ابنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا.

[5] ـ الحَكَم‌ من‌ أبناء أبي‌ العاص‌ عشرة‌ هم‌: 1 ـ مروان‌ الحكم‌ بن‌ أبي‌ العاص‌. 2 ـعبدالملك‌بن‌ مروان‌. 3 ـ الوليد بن‌ عبد الملك‌. 4 ـ سليمان‌ بن‌ عبد الملك‌. 5 ـعمربن‌ عبدالعزيزبن‌ مروان‌. 6 ـ يزيد بن‌ عبدالملك‌. 7 ـ هشام‌ بن‌ عبدالملك‌. 8 ـ الوليدبن‌ يزيدبن‌ عبدالملك‌. 9 ـ إبراهيم‌ بن‌ يزيد بن‌ عبدالملك‌. 10 ـ مروان‌ بن‌ محمّد بن‌ مروان‌. حكموا من‌ سنة‌ 64 ه عندما خلع‌ معاوية‌ بن‌ يزيد بن‌ معاوية‌ نفسه‌ من‌ الخلافة‌ حتّي‌ سنة‌ 132 ه حينما قضي‌ أبو العبّاس‌ السفّاح‌ علی‌ الدولة‌ الامويّة‌. ولعلّ المراد بالسبعة‌ العادون‌ الاشدّاء منهم‌، وهم‌ غير عمر بن‌ عبدالعزيز. وإبراهيم‌، ومروان‌ بن‌ محمّد. علماً أنّ بني‌ مروان‌ كلّهم‌ من‌ بني‌ أُميّة‌. ذلك‌ أنّ أبا العاص‌ جدّ مروان‌ بن‌ الحكم‌ هو ابن‌ أُميّة‌ بن‌ عبد شمس‌. ولذلك‌ عندما جاء في‌ الرواية‌: وثلاثة‌ من‌ بني‌ أُميّة‌، أي‌: من‌ غير المروانيّين‌، وهؤلاء الثلاثة‌ هم‌: عثمان‌، ومعاوية‌، ويزيد.

[6] ـ الآية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[7] ـ الآية‌ 13، من‌ السورة‌ 34: سبأ.

[8] ـ الآية‌ 103، من‌ السورة‌ 12: يوسف‌.

[9] ـ الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[10] ـ الآية‌ 40، من‌ السورة‌ 11: هود.

[11] ـ كتاب‌ سُليم‌ بن‌ قيس‌، ص‌ 231 إلی‌ 238.

[12] اللقی: المقلاقی فی خیر و شر، و اکثر استعماله فی الشر یقال: «هو شقی لقی»

[13] ـ الآية‌ 156، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[14] ـ «الغدير» ج‌ 1، ص‌ 202؛ و «تذكرة‌ الخواصّ» لسبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ، ص‌ 48 و 49. وقال‌ بعد استرجاع‌ أبي‌ هريرة‌. فتغيّر وجه‌ معاوية‌ وقال‌: ما هذا؟ كفّ عن‌ كلامك‌ فلاتستطيع‌ أن‌ تخدع‌ أهل‌ الشام‌ عن‌ الطلب‌ بدم‌ عثمان‌! فإنّه‌ قتل‌ مظلوماً، في‌ شهر حرام‌ في‌ حرم‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ عند صاحبك‌! وهو الذي‌ أغراهم‌ به‌ حتّي‌ قتلوه‌، وهم‌ إلیوم‌ عنده‌ أعوانه‌ وأنصاره‌ ويده‌ ورجله‌. فقال‌ ذو الكلاع‌، وحوشب‌، ومعاوية‌بن‌ خديج‌: لننصرنّك‌ يامعاوية‌ حتّي‌ يحصل‌ مرادك‌، أو نقتل‌ عن‌ آخرنا! فقام‌ الاصبغ‌ وهو يقول‌:

 مُعَاوي‌ّ لِلّه‌ من‌ خَلْقِهِ عِبادٌ قُلوبُهُم‌ قاسِيَة‌

 وقلبك‌ من‌ شرّ تلك‌ القلوب‌ وليس‌ المطيعة‌ كالقاصية‌

 دع‌ ابن‌ خديج‌ ودَعْ حوشباً وذا كلع‌ واقبل‌ العافية‌

 فصاح‌ معاوية‌: أجئت‌ رسولاً أم‌ مُنَفِّراً؟! ثمّ سار الاصبغ‌ نحو العراق‌.

[15] ـ الدارميّة‌ نسبة‌ إلی‌ داروم‌، وهي‌ قلعة‌ بعد غزّة‌ للقاصد إلی‌ مصر علی‌ ساحل‌ البحر. نزل‌ بها بنو حام‌ وتوطّنوا فيها، كما يظهر من‌ قول‌ معاوية‌: يا بنت‌ حام‌ والحَجون‌ مكان‌ معروف‌بمكّة‌المكرّمة‌ كانت‌ الدارميّة‌ تنزل‌ فيه‌ فنسبت‌ إلیه‌.

[16] -«الغدير»، ج‌ 1، ص‌ 208 و 209، عن‌ الزمخشري‌ّ في‌ «ربيع‌ الابرار» في‌ الباب‌ الحادي‌ والاربعين‌. وقال‌ في‌ الهامش‌: يوجد هذا الاحتجاج‌ بألفاظ‌ أُخري‌ في‌ «بلاغات‌ النساء» ص‌ 72، و«العقد الفريد» 1: 162، و «صبح‌ الاعشي‌» 1: 259.

[17] ـ السواد شعار العبّاسيّين‌! والطَيْلَسان‌ بفتح‌ الطاء وتثليث‌ اللام‌ كساء مدوّر أخضر ليس‌له‌ ذيل‌، ويغطّي‌ القسم‌ الا علی‌ من‌ الجسم‌ فحسب‌. يلبسه‌ الخواصّ من‌ المشايخ‌ والعلماء، وهو من‌ لباس‌ العجم‌. والطويلة‌ لباس‌ طويل‌ يغطّي‌ الجسم‌ كلّه‌ كالجبّة‌. والعمامة‌ قطعة‌ من‌ القماش‌ تلفّ علی‌ الرأس‌ بشكل‌ دائري‌ّ. والقلنسوة‌ قبّعة‌ توضع‌ علی‌ الرأس‌، وهي‌ أنواع‌، منها ما يوضع‌ تحت‌ العمامة‌.ـ

[18] ـ إنّ مثل‌ إسحاق‌ بن‌ إبراهيم‌ في‌ عدم‌ وعيه‌ كمثل‌ الاشخاص‌ غير المطّلعين‌ علی‌ السير والتواريخ‌، ومثل‌ السذّج‌ السطحيّين‌ في‌ عصرنا الراهن‌ إذ يقولون‌: إنّ أبابكر، وعمر قدّما خدمات‌ جليلة‌ باهرة‌ للإسلام‌ كمحاربة‌ المرتدّين‌ في‌ عصر أبي‌بكر، والفتوحات‌ في‌ عصر عمر، تلك‌ الفتوحات‌ التي‌ اتّسعت‌ فيها رقعة‌ الإسلام‌ برّاً وبحراً. فقد اعتبر إسحاق‌ أعمال‌ الشيخين‌ بعد وفاة‌ رسول‌الله‌ أعمالاً جليلة‌ مثيرة‌، وجعلها معيار الفضيلة‌. أمّا المأمون‌ فقد تصدّي‌ لهذا الضرب‌ من‌ الاستدلال‌ بحصر معيار الفضيلة‌ في‌ التضحية‌ والإيثار إبّان‌ عصر رسول‌الله‌، وقال‌: إنّ المعيار الوحيد هو النشاطات‌ والممارسات‌ التي‌ تحقّقت‌ في‌ عصر النبي‌ّ. وقد قام‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بنشاطات‌ هامّة‌ وقطع‌ أشواطاً بعيدة‌ علی‌ طريق‌ الإسلام‌ أيّام‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ بحيث‌ إنّ أعمال‌ أبي‌ بكر وعمر بل‌ وأعمال‌ العشرة‌ المبشّرة‌ مجتمعة‌ لاتوزن‌ بعمله‌. لا نّه‌ لو كان‌ قد تسلّم‌ مقإلید الاُمور بعد رسول‌ الله‌ مباشرة‌، فأي‌ّ عمل‌ أفضل‌ وأكبر لاينجزه‌؟ هذا مع‌ أنّ خدماته‌ وسوابقه‌ في‌ عصر رسول‌الله‌ كانت‌ أسمي‌ وأكثر تألّقاً. يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ أ نّنا نجد أشخاصاً في‌ عصر ما بعد رسول‌الله‌ كانت‌ أعمالهم‌ المختلفة‌ من‌ حجّ، وجهاد، وصلاة‌، وصوم‌، وغيرها تملا العين‌ أكثر فأكثر، بينما نتّفق‌ نحن‌ ومخالفونا علی‌ أ نّهم‌ ليسوا أفضل‌ من‌ الاشخاص‌ الذين‌ عاشوا في‌ عصر رسول‌الله‌. و علی‌ هذا ينحصر ميزان‌ الفضيلة‌ بالخلوص‌ والإخلاص‌ في‌ العمل‌ والإيثار والتضحية‌ في‌ الشدّة‌ والعسر، والتقدّم‌ والثبات‌ في‌ العمل‌ والصمود عند فرار الناس‌ وبقاء رسول‌الله‌ وحده‌. وكان‌ أميرالمؤمنين‌ في‌ هذه‌ المواصفات‌ والاعمال‌ كلّها الشخص‌ المتميّز الذي‌ يمثّل‌ الدرجة‌ الاُولي‌ في‌ الإسلام‌.

[19] ـ وممّا يؤيّد هذا الموضوع‌ الآية‌ 10 من‌ السورة‌ 57: الحديد: لاَ يَسْتَوِي‌ مِنكُم‌ مَّنْ أَنفَقَ مِن‌ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَـ'تَلَ أُولَـ'´نءِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن‌ بَعْدُ وَقَـ'تَلُوا.

[20] ـ الآيتان‌ 10 و 11، من‌ السورة‌ 56: الواقعة‌.

[21] ـ الآية‌ 86، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[22] ـ العريش‌ حجرة‌ يبنونها كالخيمة‌، يستظلّ بها من‌ الشمس‌.

[23] ـ الآية‌ 95، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[24] ـ الآية‌ 1، من‌ السورة‌ 76: الدهر.

[25] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 76: الدهر.

[26] ـ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 76: الدهر.

[27] ـ يروي‌ العامّة‌ في‌ كتبهم‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ بشّر عشرة‌ من‌ أصحابه‌ بالجنّة‌ فعرفوا بالعشرة‌ المبشَّرة‌، وهم‌: أبو بكر، وعمر، و علی‌ّ، وعثمان‌، وطلحة‌، والزبير، وسعدبن‌ أبي‌ وقّاص‌، وعبدالرحمن‌ بن‌ عوف‌، وسعيد بن‌ زيد بن‌ عمروبن‌ نفيل‌، وعبدالله‌بن‌ مسعود. بَيدَ أنّ إجماع‌ الشيعة‌ يردّ هذا الحديث‌، إذ يري‌ الشيعة‌ أنّه‌ من‌ الاحاديث‌ الموضوعة‌. وجاء حديث‌ العشرة‌ المبشّرة‌ في‌ كتاب‌ «أُسد الغابة‌» ج‌ 3، ص‌ 378.

[28] ـ أراد المأمون‌ أن‌ يقول‌ إنّ حديث‌ العشرة‌ المبشّرة‌ بالجنّة‌ موضوع‌، ومن‌ أنكره‌ لم‌يكفر، علی‌ عكس‌ سورة‌ الدهر التي‌ نزلت‌ في‌ أهل‌ البيت‌، فهي‌ قرآن‌، ومن‌ أنكرها كفر.

[29] ـ روي‌ الفريقان‌ هذا الحديث‌ بسند متواتر ورواة‌ موثّقين‌. وفيه‌ أنّ أنس‌بن‌ مالك‌ (خادم‌ النبي‌) أتي‌ بطائر مشوي‌ ووضعه‌ عند رسول‌ الله‌، فدعا رسول‌الله‌ قائلاً: اللَهُمَّ أدْخِلْ إلی‌َّ أحَبَّ خَلْقِكَ إلیكَ يأكُل‌ مَعي‌ مِنْ هَذَا الطَّائر. فجاء علی علیه‌ السلام‌ ودخل‌ علی‌ رسول‌الله‌ وأكل‌ معه‌. يقول‌ أنس‌: لمّا دعا رسول‌ الله‌ بهذا الدعاء، قلت‌ في‌ نفسي‌: اللهمّ اجعله‌ رجلاً من‌ الانصار (لانّ أنساً كان‌ أنصاريّاً وأراد أن‌ تكون‌ هذه‌ المفخرة‌ في‌ قومه‌). فقرع‌ علی‌ّ الباب‌، وذهب‌ أنس‌ خلف‌ الباب‌ وقال‌ لامير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌: إنّ رسول‌الله‌ مشغول‌ في‌ حاجة‌، ولم‌ يفتح‌ الباب‌. فكرّر رسول‌ الله‌ دعاءه‌: اللَهُمَّ أدْخِلْ إلی‌َّ أَحَبَّ خَلْقِكَ إلیكَ يَأْكُل‌ معي‌ مِن‌ هذا الطائر. وقرع‌ أمير المؤمنين‌ الباب‌ ولم‌ يفتحه‌ أنس‌. وثلّث‌ رسول‌الله‌دعاءه‌، وعندما قرع‌ أميرالمؤمنين‌ الباب‌، قال‌ رسول‌ الله‌: لم‌ لاتفتح‌ الباب‌؟! قال‌ أنس‌: يارسول‌الله‌ أحببت‌ أن‌ يكون‌ رجلاً من‌ الانصار، فقال‌ النبي‌ّ: لَسْتَ بأوّلِ رَجُلٍ أحَبَّ قَوْمَهُ. ففتحت‌ الباب‌ ودخل‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌: ما حسبك‌ يا علی‌؟ فقصّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ القصّة‌ من‌ أنّه‌ أتي‌ مرّتين‌ وقال‌ له‌ أنس‌: رسول‌الله‌ مشغول‌. وتناول‌ أميرالمؤمنين‌ من‌ ذلك‌ الطائر مع‌ رسول‌الله‌.

[30] ـ الآية‌ 40، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[31] ـ الآيتان‌ 37 و 38، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌. نلاحظ‌ في‌ هذه‌ الآية‌ أنّ عنوان‌ الصاحب‌ قد أُطلق‌ علی‌ ذلك‌ المؤمن‌، بَيدَ أنّه‌ لمّا كان‌ من‌ العناوين‌ الإضافيّة‌ والنسبيّة‌، وأنّ من‌ كان‌ صاحباً لشخص‌ آخر فإنّ هذا الشخص‌ هو صاحب‌ الشخص‌ الاوّل‌ أيضاً، لهذا استفاد المأمون‌ من‌ هذه‌ الملازمة‌، وصحّ عند التعبير عن‌ الكافر بالصاحب‌ من‌ خلال‌ التعبير عن‌ المؤمن‌ به‌.

[32] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 25 والآية‌ 26، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌. والدليل‌ الساطع‌ علی‌ مثلبة‌ أبي‌ بكر هو قوله‌ تعإلی‌: فَأَنزَلَ اللَهُ سَكِينَتَهُ و علیهِ. ونلحظ‌ في‌ الآية‌ المشار إلیها أعلاه‌ أنّ الله‌ أنزل‌ سكينته‌ علی‌ رسوله‌ و علی‌ المؤمنين‌ في‌ غزوة‌ حُنَين‌. وأمّا في‌ تلك‌ الآية‌، ف علی‌ الرغم‌ من‌ أنّ الكلام‌ يحوم‌ حول‌ رسول‌ الله‌ وأبي‌ بكر: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي‌ الْغَارِ، وأنّ النبي‌ّ نهي‌ أبابكر عن‌ الحزن‌ وقال‌: إِنَّ اللَهَ مَعَنَا، وإذا ما نزلت‌ السكينة‌ علیهما معاً، فلابدّ أن‌ يقول‌: فأنزل‌ الله‌ سكينته‌ علیهما، ولكنّه‌ أفرد نبيّه‌ بالسكينة‌، وكأ نّه‌ صرّح‌ بعدم‌ نزولها علی‌ أبي‌بكر. و علی‌ الرغم‌ من‌ أنّ هذا المفهوم‌ هو مفهوم‌ اللقب‌، بيد أنّه‌ ـمع‌ المواصفات‌ التي‌ ذكرناهاـ أقوي‌ من‌ مفهوم‌ الشرط‌ ونظائره‌، ودلالته‌ أدلّ علی‌ المطلوب‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com