بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الثامن/ القسم الثامن: بدع عمر مع صبغة دینیة، شوری عمر للخلیفة الثالثة عین الاستبداد

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

اعتراض‌ أُسامة‌ بن‌ زيد وأبي‌ قُحافة‌ علی‌ أبي‌ بكر في‌ الخلافة‌

 وكان‌ أُسامة‌ من‌ الذين‌ اعترضوا علی‌ خلافة‌ أبي‌ بكر بقوله‌: أمّرني‌ رسول‌الله‌ علیك‌!

 وقال‌ الشيخ‌ الجليل‌ عبد الجليل‌ القزويني‌ّ: ولمّا كتب‌ أبو بكربن‌ أبي‌ قحافة‌ في‌ أوّل‌ خلافته‌ كتاباً إلی‌ أُسامة‌ بن‌ زيد، وقال‌ فيه‌: مِنْ أَبِي‌ بَكْرٍ خَلِيفَةِ رَسُولِاللَهِ إلی‌ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَتِيقٍ، أنكر علیه‌ ذلك‌، وكتب‌ إلیه‌ الجواب‌ التإلی‌:

 مِنَ الاَمِيرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَتِيقٍ إلی‌ ابْنِ أَبِي‌ قُحَافَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإذَا أَتَاكَ كِتَابِي‌ فَالْحَقْ بِمَكَانِكَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي‌ أَمِيرَاً وَبَعَثَكَ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ فِي‌ الخَيْلِ ؛ وَأَنَا أَمِيرٌ علیكُمَا أَمَّرَنِي‌ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. [1]

 وجإ في‌ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ أنَّ أبا بكر لمّا بويع‌ بالخلافة‌ كان‌ أبوه‌ أبو قحافة‌ بالطائف‌ . فكتب‌ أبو بكر إلی‌ أبيه‌ كتاباً عنوانه‌: مِنْ خَلِيفَةِ رَسُولِاللَهِ إلی‌ أَبِي‌ قُحَافَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإنَّ النَّاسَ قَدْ تَرَاضَوْا بِي‌؛ فَإنِّي‌ إلیوْمَ خَلِيفَةُاللَهِ! فَلَو قَدِمْتَ علینَا كَانَ أَقَرَّ لِعَيْنِكَ!

 فلمّا قرأ أبو قحافة‌ الكتاب‌ قال‌ للرسول‌: ما منعكم‌ من‌ علی‌ّ؟! فقال‌ الرسول‌: هو حدث‌ السنّ، وقد أكثر القتل‌ في‌ قريش‌ وغيرها، وأبو بكر أسنّ منه‌. فقال‌ أبو قحافة‌: إن‌ كان‌ الامر في‌ ذلك‌ بالسنّ، فأنا أحقّ من‌ أبي‌بكر. لقد ظلموا علیاً حقّه‌ ؛ وقد بايع‌ له‌ النبي‌ّ وأمرنا ببيعته‌.

 ثمّ كتب‌ إلیه‌: من‌ أبي‌ قُحافة‌ إلی‌ ابنه‌ أبي‌ بكر: أمَّا بعد، فقد أتاني‌ كتابك‌! فوجدته‌ كتاب‌ أحمق‌ ينقض‌ بعضه‌ بعضاً . مرّة‌ تقول‌: خليفة‌ رسول‌الله‌، ومرّة‌ تقول‌: خليفة‌ الله‌، ومرّة‌ تقول‌: تراضي‌ بي‌ الناس‌!

 وهو أمر ملتبس‌ ! فلا تدخلنّ في‌ أمر يصعب‌ علیك‌ الخروج‌ منه‌ غداً، ويكون‌ عقباك‌ منه‌ إلی‌ النار والندامة‌ وملامة‌ النفس‌ اللوّامة‌ لدي‌ الحساب‌ يوم‌ القيامة‌. فإنَّ للاُمور مداخل‌ ومخارج‌ ؛ وأنت‌ تعرف‌ من‌ هو أولي‌ بها منك‌! فراقب‌ الله‌ كأنـّك‌ تراه‌ ! ولا تدعنّ صاحبها ! فإنَّ تركها إلیوم‌ أخفّ علیك‌ وأسلم‌ لك‌. [2]

 ومن‌ المناسب‌ هنا أن‌ نختم‌ بحثنا برواية‌ حول‌ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. فقد روي‌ الطبري‌ّ حديثاً عن‌ زياد بن‌ مطرف‌، قال‌:

 سَمِعْتُ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَي‌ حَيَاتِي‌، وَيَمُوتَ ميتَتِي‌، وَيَدْخُلَ الجَنَّةَ الَّتِي‌ وَعَدَنِي‌ رَبِّي‌ قَضْبَاً مِنْ قُضْبَانِهَا غَرَسَهَا فِي‌ جَنَّةِ الخُلْدِ، فَلْيَتَوَلَّ علی‌َّ بْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ وَذُرِّيَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَإنَّهُمْ لَنْيُخْـرِجُوهُمْ مِنْ بَابِ هُـدَيً، وَلَنْ يُدْخِلُـوهُمْ فِي‌ بَابِ ضَلاَلَةٍ. [3]

 وذكره‌ الحاكم‌ في‌ «المستدرك‌» بهذه‌ العبارة‌: روي‌ مطرف‌بن‌ زياد، عن‌ زيدبن‌ أرقم‌ أنـّه‌ قال‌:

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَحْيَي‌ حَيَاتِي‌ وَيَمُوتَ مَوْتِي‌، وَيَسْكُنَ جَنَّةَ الخُلْدِ الَّتِي‌ وَعَدَنِي‌ رَبِّي‌، فَلْيَتَوَلَّ علی‌َّبْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ فَإنَّـهُ لَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ هُـدَيً، ولَنْيُدْخِلَكُمْ فِي‌ ضَلاَلَةٍ. [4] 

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الثامن‌ عشر بعد المائة‌ إلی‌ العشرين‌ بعد المائة‌

 في‌ المدينة‌ الفاضلة‌، ينبغي‌ أن‌ يسعي‌ الجميع‌ من‌ أجل‌ رئاسة‌ أمير المؤمنين‌

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی‌ّ العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم‌ بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَـ'لاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي‌ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنـَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ وَلِقَآنءِه‌ فَحَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا* ذَ ' لِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُو´ا ءَايَـ'تِي‌ وَرُسُلِي‌ هُزُوًا. [5]

 ينبغي‌ للإنسان‌ أن‌ يكون‌ متيقّظاً واعياً متوكّلاً علی‌ الله‌ في‌ المواطن‌ التي‌ ينفذ فيها الشيطان‌ والنفس‌ الامّارة‌ إلیه‌ عبر الدين‌ والشريعة‌، فيضلاّنه‌ ويجعلانه‌ في‌ قبضتهما، ويقحمانه‌ في‌ الحَلَبة‌ من‌ خلال‌ ما يلقيان‌ في‌ قلبه‌ من‌ الوساوس‌ المتمثّلة‌ بمؤازرة‌ الدين‌ ومساعدة‌ الناس‌، والشعور بالمسؤوليّة‌ أمام‌ المجتمع‌، وعدم‌ وجود من‌ به‌ الكفاية‌، ووجوب‌ الإفتإ والتعلیم‌، وإعداد الضعفإ وتربيتهم‌، والنظر في‌ شؤون‌ المعوزّين‌ والايتام‌، ووجوب‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر ؛ وغير ذلك‌ من‌ الاُمور التي‌ لاتحصي‌ كثرة‌، ويخدعانه‌ بإيصاله‌ إلی‌ منصب‌ الرئاسة‌ من‌ خلال‌ هذه‌ الخزعبلات‌؛ وهذه‌ الرئاسة‌ هي‌ الرئاسة‌ الشكليّة‌ المجازيّة‌ لا المعنويّة‌ الإلهيّة‌، وهي‌ الرئاسة‌ التي‌ يستغلّها صاحبها، إذ يسجر له‌ زبانيته‌ التنّور، ويصنعون‌ له‌ الخبز الحارّ والطازج‌ دائماً، بينما هناك‌ من‌ هو أفضل‌ منه‌ وأعلم‌، وأعرف‌ وأعقل‌، وأبصر، وأكثر تحرّراً من‌ الهوي‌ والهوس‌، وأشجع‌، وأفهم‌ في‌ الإدارة‌ وتدبير الاُمور، غاية‌ الامر أنَّ صفاته‌ الذاتيّة‌ الفطريّة‌ المودعة‌ فيه‌ كالحيإ، والإعراض‌ عن‌ الدنيا وعن‌ ما سوي‌ الله‌، وعلوّ الهمّة‌ في‌ السير نحو مقام‌ العرفان‌ ولقإ الله‌، لا تسمح‌ له‌ أن‌ يزجّ نفسه‌ في‌ هذه‌ المسائل‌، ويكون‌ سبّاقاً في‌ أمر يراه‌ كجيفة‌ الدنيا التي‌ تهافتت‌ علیها كثير من‌ الكلاب‌ العاوية‌، وهي‌ تريد أن‌ تنفرد في‌ التصرّف‌ بها كيفما كان‌ الامر.

 ونلاحظ‌ هنا أنَّ واجبه‌ الفطري‌ّ والعقلي‌ّ والشرعي‌ّ هو أن‌ لايقبل‌ الدعوة‌ إلی‌ الرئاسة‌، وأن‌ يردّ هذه‌ الحدائق‌ الخضرإ التي‌ عرضوها له‌ في‌ مرايا الاُمور الدينيّة‌ والشرعيّة‌، ولا يسمح‌ للقوي‌ الوهميّة‌ والتخيليّة‌ أن‌ تتفوّق‌ علی‌ قواه‌ العقليّة‌، فيقوم‌ ويذهب‌ عند ذلك‌ الإنسان‌ المهجور المطوّق‌ في‌ بيته‌ لعدم‌ رغبة‌ الملا فيه‌، وإدبار ذوي‌ الاُفق‌ الضيّق‌ عنه‌، وهو غارق‌ في‌ التفكير قد انطوي‌ علی‌ نفسه‌ في‌ حندسه‌ وديجوره‌ ـبينما يعلم‌ الذاهب‌ بحكم‌ الضمير وفيما بينه‌ وبين‌ الله‌ أنَّ المعزول‌ في‌ بيته‌ أعلم‌ منه‌ وأعقل‌ وأبصر وأشجع‌ وأورع‌ـ فيخرجه‌ من‌ زاوية‌ الخمول‌، وينضوي‌ تحت‌ لوإ رئاسته‌ وحكومته‌، ويجدّ في‌ سبيل‌ حكومته‌، وبغية‌ تطهير نفسه‌ من‌ هذا التوجّه‌ واقتيادها نحو السعادة‌ الابديّة‌ والفوز الدائم‌ . وخلاصة‌ القول‌: يتنازل‌ عن‌ الرئاسة‌ الظاهريّة‌ والاعتباريّة‌، ويضحّي‌ بها فدإ للعقل‌ والفطرة‌ والشرع‌، ويكون‌ كأحد الناس‌ مرؤوساً في‌ هذه‌ الرئاسة‌.

 والله‌ يعلم‌ لو قام‌ بذلك‌، فأي‌ّ بركات‌ ورحمات‌ متواترة‌ متواصلة‌ تفتح‌ من‌ السمإ ! وكم‌ يعيش‌ الناس‌ في‌ الخصب‌ والنعمة‌ وغضارة‌ العيش‌! وكم‌ يصبحون‌ مجدّين‌ في‌ قطع‌ الطريق‌ إلی‌ الله‌، فيطوون‌ المسافات‌ الطويلة‌ في‌ مدّة‌ قصيرة‌ ! وعلی‌ العكس‌ لو تسلّم‌ زمام‌ الاُمور مع‌ وجود من‌ هو أعقل‌ وأبصر منه‌ ـفإنَّه‌ لا يرجع‌ القهقري‌ في‌ سيره‌ الكمإلی‌ّ، ولايكون‌ عرضة‌ للافكار الشيطانيّة‌ والتمويهات‌ النفسانيّة‌ فحسب‌، بل‌ ويجرّ المجتمع‌ ورإه‌ إلی‌ هاوية‌ النقمة‌ والبلإ والذلّ وأسر القيود والحدود الاعتباريّة‌.

 إنَّ خسران‌ هؤلإ أكثر من‌ خسران‌ جميع‌ الناس‌، ذلك‌ أنـّهم‌ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي‌ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنـَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . فقد كرّس‌ هؤلإ المساكين‌ جهودهم‌ كلّها في‌ خدمة‌ الحياة‌ الحيوانيّة‌ والقوي‌ البهيميّة‌ والافكار الشيطانيّة‌ وهم‌ يخالون‌ أنـّهم‌ يحسنون‌ صنعاً، وأنـّهم‌ يخدمون‌ المجتمع‌، ويقومون‌ بأعمال‌ البرّ والإحسان‌، ويشيّدون‌ المدارس‌، وتصدر عنهم‌ كافّة‌ الاعمال‌ الصالحة‌، إلاّ أنَّ ذلك‌ كلّه‌ ظنّ ووهم‌ لاغير.

 الرجوع الي الفهرس

إضفإ عمر الصبغة‌ الدينيّة‌ علی‌ بِدَعِه‌

 لقد كان‌ الخلفإ الاُوَل‌ المنتخبون‌ علی‌ هذه‌ الشاكلة‌ . فقد قام‌ الشيخان‌ بهذه‌ الاعمال‌ في‌ لباس‌ الدين‌ وتحت‌ غطإ مناصرة‌ الدين‌ وحفظ‌ بيضة‌ الإسلام ‌. وانبريا ـفي‌ غلالة‌ التقدّس‌ والتظاهر بالحقّـ إلی‌ غلق‌ باب‌ ولي‌ّالله‌ أمير المؤمنين‌، ومن‌ ثمّ كسره‌ وحرقه‌ . وغصبا فدكاً من‌ بضعة‌ رسول‌الله‌ تحت‌ غطإ المحافظة‌ علی‌ بيت‌ المال‌ وحقوق‌ الفقرإ؛ وأقاما الجمعة‌ والجماعة‌، ورقيا منبر رسول‌ الله‌ وخطبا علیه‌، وكانا يقولان‌، نحن‌ لانريد إلاّ هداية‌ الناس‌ وإرشادهم‌، وتجهيز الجيش‌ للقتال‌. وكانا يرسلان‌ المسلمين‌ للجهاد . ويحاربان‌ المناوئين‌ لحكومتهما والقُرّإ في‌ المدن‌ والقري‌ من‌ الذين‌ كانوا يمتنعون‌ عن‌ دفع‌ الزكاة‌ إلیهما لاعتقادهم‌ بعدم‌وصولها إلی‌ خليفة‌ رسول‌ الله‌ الحقيقي‌ّ، كانا يحاربانهم‌ تحت‌ غطإ جهاد المرتدّين‌ عن‌ الدين‌، مع‌ أنـّهم‌ كانوا مسلمين‌ يقيمون‌ الصلاة‌، وكانوا من‌ المتمسّكين‌ بأحكام‌ الإسلام . بَيدَ أنـّهم‌ لمّا لم‌ يعترفوا بخلافتهما، وكانوا يقولون‌: لا تبرأ ذمّتنا ما لم‌ ندفع‌ الزكاة‌ إلی‌ صاحبها الحقيقي‌ّ، فقد حارباهم‌ تحت‌ غطإ مناصرة‌ الدين‌ وأخذ الزكاة‌ من‌ الممتنعين‌، واعتبرا هذا الامتناع‌ كفراً، وأداناهم‌ بوصمة‌ الارتداد عن‌ الدين‌ ممّا سوّغ‌ لهما مقاتلتهم‌.

 ووضعا مبدأ التمييز الطبقي‌ّ لكسب‌ العرب‌ إلی‌ جانبهم‌، وجعلا حصّة‌ العرب‌ وامتيازاتهم‌ في‌ بيت‌ المال‌، والنكاح‌، والإمارة‌، والحكومة‌، والقضإ والشهادة‌، وإمامة‌ الجمعة‌ والجماعة‌، والاسترقاق‌ أكثر من‌ سائر المسلمين‌، ومن‌ سائر الطوائف‌ والقبائل‌ التي‌ أطلقوا علیها اسم‌ «الموإلی‌». فلهذا اتّخذت‌ أعمالهم‌ طابعاً دينيّاً من‌ خلال‌ صبغة‌ الدين‌ التي‌ أضفوها علیها، واعتبرت‌ من‌ السنن‌ الدينيّة‌ . وحظر عمر متعة‌ النسإ التي‌ تمثّل‌ عقداً مؤقّتاً، وكذلك‌ حظر متعة‌ الحجّ التي‌ كانت‌ تمارس‌ في‌ الحجّ بين‌ العمرة‌ والحجّ؛ وصار حظره‌ سنّة‌ . وجعل‌ صلاة‌ النوافل‌ في‌ ليإلی‌ شهر رمضان‌ جماعة‌ في‌ حين‌ أنَّ إقامتها جماعة‌ حرام‌ وبدعة‌ . وظلّت‌ هذه‌ السنّة‌ قائمة‌ حتّي‌ عصرنا الحاضر، إذ يقيم‌ العامّة‌ ألف‌ ركعة‌ من‌ الصلاة‌ المستحبّة‌ المعروفة‌ ب صلاة‌ التراويح‌ جماعة‌ في‌ شهر رمضان‌.

 ولو أردنا أن‌ نحصي‌ التغييرات‌ التي‌ أجراها الشيخان‌، وبخاصّة‌ الشيخ‌ الثاني‌، علی‌ الاحكام‌، ورمنا تفصيلها وتوضيحها، لاستوعب‌ ذلك‌ كتاباً مستقلاّ؛ وجملة‌ القول‌: «إنَّ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عرض‌ هذه‌ الاُمور وتحدّث‌ عنها في‌ خطبة‌ الفِتَن‌ والبِدَع‌». [6]

 كانت‌ هذه‌ التغييرات‌ والبِدَع‌ تجري‌ باسم‌ الإسلام ‌، حتّي‌ أنَّ مناوءتها كانت‌ تعتبر مناوءة‌ للدين‌، وذلك‌ أنَّ عمر وعثمان‌ أنفسهما كانا يصدران‌ حكماً جنائيّاً علی‌ معارضتها ومخالفتها . قال‌ عمر في‌ خطبة‌ خطبها: وَإنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَيْنِ علی‌ عَهْدِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَنْهَي‌ عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ علیهِمَا إحْدَيْهُمَا مُتْعَةُ النِّسَإ، وَلاَ أَقْدِرُ علی‌ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلی‌ أَجَلٍ إلاَّ غَيَّبْتُهُ بِالحِجَارَةِ ؛ وَالاُخْرَي‌ مُتْعَةُ الحَجِّ. [7]

 وصدرت‌ من‌ محكمته‌ مثل‌ هذه‌ الحدود والاحكام‌ الجنائيّة‌. وكان‌ الناس‌ مقسورين‌ في‌ حكومته‌ علی‌ الانصياع‌ لتلك‌ الاحكام‌، ورسخت‌ هذه‌ التغييرات‌ شيئاً فشيئاً فشكّلت‌ حجاباً علی‌ الاحكام‌ المحمّديّة‌ تحت‌ غطإ سنّة‌ الشيخين‌، ووارت‌ ذلك‌ النظام‌ الإلهي‌ّ الخالص‌ تحت‌ جلبابها. وظلّت‌ هذه‌ السنن‌ قائمة‌ بعد عمر أيضاً في‌ طابع‌ الاحكام‌ الدينيّة‌ الاوّليّة‌، وطبّقت‌ في‌ عصر عثمان‌.

 الرجوع الي الفهرس

تخطيط‌ عمر في‌ الشوري‌ لخلافة‌ عثمان‌

 وقبل‌ أن‌ يموت‌ عمر اختار ستّة‌ من‌ المسلمين‌ كشوري‌ لتعيين‌ الخليفة‌، وجعل‌ الامر علی‌ نحو لا يصل‌ فيه‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ إلی‌ الخلافة‌ بكلّ حال‌ من‌ الاحوال‌، إذ حدّد ثلاثة‌ أيّام‌ للتشاور، وأوصي‌ بالعمل‌ بما يقوله‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ . ولمّا كان‌ عبد الرحمن‌بن‌ عوف‌ ـالذي‌ تربطه‌ بعثمان‌ علاقة‌ المصاهرة‌ـ يعلم‌ أنَّ علیاً علیه‌ السلام‌ لايعتني‌ ببدع‌ الشيخين‌، عرض‌ علیه‌ شرط‌ العمل‌ بسنّة‌ الشيخين‌ بعد مضي‌ ثلاثة‌ أيّام‌ وانتهإ المدّة‌ المحدّدة‌، وما أراد بشرطه‌ إلاّ أن‌ يلقمه‌ حجراً فقال‌ له‌: تعمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌ وسيرة‌ الشيخين‌ ؟ فقال‌ علیه‌ السلام‌: أعمل‌ بكتاب‌الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌ ومبلغ‌ علمي‌.

 فالتفت‌ عبد الرحمن‌ إلی‌ عثمان‌، وكان‌ يعرفه‌ جيّداً، وعرض‌ إلیه‌ الشرط‌ المشار إلیه‌، فقبل‌ به‌ فبايعه‌.

 عندئذٍ قال‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ لعبد الرحمن‌: حبوتَهُ ! ليس‌هذا أوّل‌ يوم‌ تظاهرتهم‌ فيه‌ علینا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَهُ المُسْتَعَانُ علی‌' مَا تَصِفُونَ. [8]والله‌ ما ولّيت‌ عثمان‌ إلاّ ليردّ الامر إلیك‌، والله‌ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي‌ شِأْنٍ. [9]

 فقال‌ عبد الرحمن‌ [للإمام‌ ]: يا علی‌ّ [بايع‌ و ] لا تجعل‌ علی‌ نفسك‌ سبيلاً! فإنِّي‌ قد نظرت‌ وشاورت‌ الناس‌، [10] فإذا هم‌ لا يعدلون‌ بعثمان‌. فخرج‌ علی‌ّ وهو يقول‌: سَيَبْلُغُ الكِتَابُ أَجَلَهُ. [11]

 فقال‌ المقداد: يا عبد الرحمن‌ ! أَمَا وَاللَهِ لَقَدْ تَرَكْتَهُ مِنَ الَّذِينَ يَقْضُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ . مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِي‌َ إلی‌ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ؛ إنِّي‌ لاَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ إنَّهُمْ تَرَكُوا رَجُلاً مَا أَقُولُ: إنَّ أَحدَاً أَعْلَمُ وَلاَأَقْضَي‌ مَنْهُ بِالعَـدْلِ . أَمَا وَاللَهِ لَوْ أَجِـدُ علیهِ أَعْوَانَاً . فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: يَامِقْدَادُ اتَّقِاللَهَ فَإنِّي‌ خَائِفٌ علیكَ الفِتْنَةَ. [12]

 امتنع‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ من‌ بيعة‌ عثمان‌ . فقال‌ عبد الرحمن‌: فَلاَتَجْعَلْ يَا علی‌ُّ سَبِيلاً إلی‌ نَفْسِكَ فَإنَّهُ السَّيْفُ لاَ غَيْرُ. [13] ذلك‌ أنَّ عمر أوصي‌ بضرب‌ عنق‌ من‌ خالف‌ عثمان‌ . قال‌ الطبري‌ّ: وَتَلَكَأَ علی‌ٌّ، فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ: فَمَن‌ نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ علی‌' نَفْسِهِ . [14] و [15]

 لا جرم‌ أنَّ عمر كان‌ يستهدف‌ من‌ ورإ تشكيل‌ الشوري‌ الستّة‌: علی‌ّ، عثمان‌، سعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌، عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌، طلحة‌، الزبير، استخلاف‌ عثمان‌.

 الرجوع الي الفهرس

شروط‌ عمر التعجيزيّة‌ تحول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌

 ذكر الطبري‌ّ قائلاً: أوصي‌ عمر قائلاً: إذا متّ فتشاوروا ثلاثة‌ أيّام‌، وليصلّ بالناس‌ صُهَيْب‌، ولا يأتينّ إلیوم‌ الرابع‌ إلاّ وعلیكم‌ أمير منكم‌، ويحضر عبدالله‌بن‌ عمر مشيراً ولا شي‌ء له‌ من‌ الامر، وطلحة‌ شريككم‌ في‌ الامر، فإن‌ قدم‌ في‌ الايّام‌ الثلاثة‌ فأحضروه‌ أمركم‌ . وإن‌ مضت‌ الايّام‌ الثلاثة‌ قبل‌ قدومه‌ فاقضوا أمركم‌ ! ثمّ قال‌: ومن‌ لي‌ بطلحة‌ ؟ فقال‌ سعدبن‌ أبي‌ وقّاص‌: أنا لك‌ به‌ ولا يخالف‌ إن‌ شإ الله‌ . فقال‌ عمر: أرجو أن‌ لايخالف‌ إن‌ شإ الله‌، وما أظنّ أن‌ يلي‌ إلاّ أحد هذين‌ الرجلين‌: علی‌ّ، أو عثمان‌؛ فإن‌ ولي‌ عثمان‌، فرجل‌ فيه‌ لين‌، وإن‌ ولي‌ علی‌ّ، ففيه‌ دعابة‌؛ وأحرّ به‌ أن‌ يحملكم‌ علی‌ طريق‌ الحقّ ؛ وإن‌ تولّوا سعداً فأهلها هو، وإلاّ فليستعن‌ به‌ الوإلی‌، فإنّي‌ لم‌ أعزله‌ عن‌ خيانة‌ ولا ضعف‌ ؛ ونعم‌ ذو الرأي‌ عبدالرحمن‌بن‌ عوف‌، مدبّر، رشيد له‌ من‌ الله‌ حافظ‌ فاسمعوا منه‌.

 وقال‌ [عمر ] لابي‌ طلحة‌ الانصاري‌ّ: يا أبا طلحة‌، إنَّ الله‌ عزّ وجلّ طالما أعزّ الإسلام بكم‌ . فاختر خمسين‌ رجلاً من‌ الانصار [يضربوا عنق‌ المخالف‌ للشوري‌ ! ] فاستحث‌ هؤلإ الرهط‌ حتّي‌ يختاروا رجلاً منهم‌! وقال‌ للمقداد بن‌ الاسود: إذا وضعتموني‌ في‌ حفرتي‌، فاجمع‌ هؤلإ الرهط‌ حتّي‌ يختاروا رجلاً منهم‌.

 وقال‌ [عمر ] لصُهَيْب‌: صلّ بالناس‌ ثلاثة‌ أيّام‌ ؛ وأدخل‌ علیاً، وعثمان‌، والزبير، وسعداً، وعبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌، وطلحة‌ [إن‌ قدم‌ من‌ سفره‌ ] وأحضر عبد الله‌ بن‌ عمر ولا شي‌ء له‌ من‌ الامر، وقم‌ علی‌ رؤوسهم‌! فإن‌ اجتمع‌ خمسة‌ ورضوا رجلاً وأبي‌ واحد، فاشدَخْ رأسه‌ أو اضرب‌ رأسه‌ بالسيف‌! وإن‌ اتّفق‌ أربعة‌ فرضوا رجلاً منهم‌ اثنان‌ فاضرب‌ رؤسهما! فإن‌ رضي‌ ثلاثة‌ رجلاً منهم‌، وثلاثة‌ رجلاً منهم‌، فحكّموا عبد الله‌ بن‌ عمر؛ فأي‌ّ الفريقين‌ حكم‌ له‌ فليختاروا رجلاً منهم‌ . فإن‌ لم‌ يرضوا بحكم‌ عبدالله‌بن‌ عمر، فكونوا مع‌ الذين‌ فيهم‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌، واقتلوا الباقين‌ إن‌ رغبوا عمّا اجتمع‌ علیه‌ الناس‌.

 فخرجوا [من‌ عند عمر ] . فقال‌ علی‌ّ لقوم‌ كانوا معه‌ من‌ بني‌ هاشم‌: إن‌ أُطيع‌ فيكم‌ قومكم‌ لم‌ تؤمّروا أبداً ! وتلقّاه‌ العبّاس‌ بن‌ عبد المطّلب‌. فقال‌ علی‌ّ: عُدلت‌ عنّا . فقال‌ العبّاس‌: وما علمك‌؟!

 قال‌ [علی‌ّ ]: قرن‌ [عمر ] بي‌ عثمان‌ وقال‌: كونوا مع‌ الاكثر؛ فإن‌ رضي‌ رجلان‌ رجلاً، ورجلان‌ رجلاً، فكونوا مع‌ الذين‌ فيهم‌ عبد الرحمن‌بن‌ عوف‌.

 فسـعد [ بن‌ أبـي‌ وقّـاص‌ ] لا يخالـف‌ ابن‌ عمّـه‌ عبدالرحمن‌، وعبدالرحمن‌ صهر عثمان‌، لا يختلفون‌ . فيولّيها عبد الرحمن‌ عثمان‌ أو يولّيها عثمان‌ عبد الرحمن‌ . فلو كان‌ الزبير وطلحة‌ معي‌، لم‌ينفعاني‌.

بله‌ إنّي‌ لارجو إلاّ أحدهما. [16]

 الرجوع الي الفهرس

كان‌ واضحاً منذ أيّام‌ عمر أنَّ عثمان‌ هو الخليفة‌ بعده‌

 إنَّ أدني‌ تأمّل‌ في‌ مضمون‌ ما قاله‌ الطبري‌ّ يوضّح‌ أنَّ هدف‌ عمر الوحيد من‌ تشكيل‌ الشوري‌: استخلاف‌ عثمان‌ . ذلك‌ أنَّ عبدالرحمن‌بن‌ عوف‌ لايسعه‌ أن‌ يكون‌ منافساً لعثمان‌ في‌ المسرح‌ السياسي‌ّ لما يتمتّع‌ به‌ الاخير من‌ مكانة‌ عند بني‌ أُميّة‌، بخاصّة‌، انّه‌ صاهر رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ مرّتين‌ حتّي‌ قيل‌ له‌: ذو النورين‌. [17]

 ولنا أدلّتنا علی‌ ما نقول‌:

 الاوّل‌: نقل‌ لنا التأريخ‌ أنَّ عمر كان‌ يتعامل‌ مع‌ عثمان‌ بإحسان‌ علی‌ امتداد السنوات‌ العشر التي‌ حكم‌ فيها، إذ كان‌ يقرّبه‌ ويستشيره‌ في‌ مهامّه‌ حتّي‌ ظنّ الناس‌ أنـّه‌ هو الخليفة‌ الثالث‌ لا محالة‌ ؛ وعلی‌ حدّ تعبير الفرس‌ في‌ محاوراتهم‌ هذا إلیوم‌، كانوا يعتبرونه‌ الشخص‌ الثاني‌ في‌ الدولة‌، إذ كان‌ عمر هو الشخص‌ الاوّل‌.

 قال‌ الطبري‌ّ في‌ تأريخه‌: وَكَانَ عُثْمَانْ يُدْعَي‌ فِي‌ إمَارَةِ عُمَرَ رَدِيفَاً. قَالُوا: وَالرَّدِيفُ بِلِسَانِ العَرَبِ الَذِي‌ بَعْدَ الرَّجُلِ . وَالعَرَبُ تَقُولُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الَّذِي‌ يَرْجُونَهُ بَعْدَ رَئِيسِهِمْ. [18]

 الثاني‌: كان‌ عثمان‌ ضالعاً في‌ أمر الخلافة‌ منذ تسلّم‌ أبي‌ بكر مقإلید الاُمور، واعترف‌ ببيعته‌ بل‌ وبايعه‌ منذ إلیوم‌ الاوّل‌ . وكان‌ أحد المقرّبين‌. حتّي‌ أنَّ أبا بكر عندما سأله‌ عن‌ عمر، قال‌ له‌: أنا أعرف‌ بباطنه‌ من‌ ظاهره‌، وليس‌بيننا مثيل‌ له‌ . وهو الذي‌ كتب‌ عهد أبي‌ بكر في‌ استخلاف‌ عمر. فقد ذكر الطبري‌ّ وسائر المؤرّخين‌ أنَّ أبا بكر لمّا مرض‌ المرض‌ الذي‌ مات‌ فيه‌، دعا عثمان‌ وقال‌ له‌: اكتب‌:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي‌ قُحَافَةَ إلی‌ المُسْلِمِينَ: أَمَّا بَعْدُ ؛ قَالَ ... ثُمَّ أُغْمِي‌َ علیهِ فَذَهَبَ عَنْهُ فَكَتَبَ عُثْمَانُ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإنِّي‌ اسْتَخْلَفْتُ علیكُمْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ وَلَمْ آلُكُمْ خَيْرَاً مِنْهُ.

 ثُمَّ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: اقْرَأْ علی‌َّ ! فَقَرَأَ علیهِ . فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّاسُ إنِ افْتَلَتَتْ نَفْسِي‌ فِي‌ غَشْيَتِي‌ ؟! قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: جَزَاكَ اللَهُ خَيْرَاً عَنِ الإسلام وَأَهْلِهِ . وَأَقَرَّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِي‌َ اللَهُ تَعَإلی‌ عَنْهُ مِنْ هَذَا المَوْضِعِ. [19]

 لقد منّ عثمان‌ علی‌ عمر في‌ ما قام‌ به‌ من‌ عمل‌ . وبهذا أرسي‌ دعائم‌ خلافته‌. ومن‌ هذا المنطلق‌، نري‌ عمر يرفع‌ عثمان‌ إلی‌ الخلافة‌ تقديراً لخدماته‌ التي‌ أسداها له‌، وتحقيقاً لهدف‌ رئيس‌ كان‌ في‌ نفسه‌. فسلّط‌ ـبعمله‌ هذاـ بني‌ أُميّة‌، الذين‌ كانوا عقبة‌ كبيرة‌ في‌ طريق‌ بني‌ هاشم‌، علی‌ رقاب‌ المسلمين‌ أكثر من‌ قرن‌.

 روي‌ أبو العبّاس‌ [20] أحمد المشهور بالمحبّ الطبري‌ّ عن‌ عبدالله‌بن‌ عمر أنـّه‌ قال‌:

 لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ اجْتَهَدْتَ بِنَفْسِكَ وَأَمَّرْتَ علیهِمْ رَجُلاً ؟! قَالَ: أَقْعِدُونِي‌ . قَالَ عَبْدُ اللَهِ: فَتَمَنَّيْتُ لَوْ أَنَّ بَيْنِي‌ وَبَيْنَهُ عَرْضَ المَدِينَةِ فَرَقَاً مِنْهُ حِينَ قَالَ أَقْعِدْنِي‌ . ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ لاَرُدَّنَّهَا إلی‌ الَّذِي‌ دَفَعَهَا إلی‌َّ أَوَّلَ مَرَّةٍ . خَرَّجَهُ أَبُو زَرْعَةَ فِي‌ كِتَابِ «العِلَلَ». [21]

 ونعلم‌ من‌ هذه‌ الرواية‌ أنَّ عثمان‌ كان‌ ورإ انتقال‌ الخلافة‌ إلی‌ عمر في‌ مرض‌ أبي‌ بكر.

 وروي‌ محبّ الدين‌ الطبري‌ّ أيضاً حسب‌ تخريج‌ رواية‌ خَيْثَمَة‌بن‌ سُلَيْمَان‌ في‌ كتاب‌ «فضائل‌ الصحابة‌» عن‌ حُذَيفَة‌، قال‌: قِيلَ لِعُمَرَ وَهُوَ بِالمَوْقِفِ: مَنِ الخَلِيفَةُ بَعْدَكَ ؟! قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ. [22]

 وذكر الطبري‌ّ أيضاً عن‌ حارثة‌ بن‌ مضرب‌، قال‌: حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ فَكَانَ الحَادِي‌ يَحْدُو: إنَّ الاَمِيرَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ. [23]

 وقال‌ الملاّ المتّقي‌ّ في‌ «كنز العمّال‌»: لمّا سئل‌ أبو حفص‌ عمربن‌ الخطّاب‌ في‌ المدينة‌: مَنِ الخليفة‌ بعدك‌ ؟! قال‌: عثمان‌. [24]

 الرجوع الي الفهرس

تعزيز عمر موقع‌ بني‌ أُميّة‌ أمام‌ بني‌ هاشم‌

 الثالث‌: كان‌ عمر شديد الكُرْهِ لخلافة‌ بني‌ هاشم‌ . ويستبين‌ كرهه‌ من‌ خلال‌ مطالعة‌ الموضوعات‌ التي‌ عرضناها في‌ هذا الجزء من‌ كتابنا «معرفة‌ الإمام‌». وهو بيّن‌ لا غبار علیه‌، وذلك‌ من‌ حواره‌ مع‌ ابن‌ عبّاس‌، وقوله‌: إنَّ قريشاً لاترضخ‌ لبني‌ هاشم‌ . بَيدَ أنـّه‌ طالما ينقل‌ رأيه‌ في‌ هذه‌ المجالات‌ عن‌ لسان‌ الآخرين‌ ويلقي‌ التبعة‌ علی‌ قريش‌، كما نقرأ ذلك‌ في‌ قوله‌ للانصار يوم‌ السقيفة‌: وَاللَهِ لاَ تَرْضَي‌ العَرَبُ أَنْ يُؤَمِّرُوكُمْ وَنَبِيُّهَا مِنْ غَيْرِكُمْ. [25]

 إنَّ قصده‌ من‌ العرب‌ هو ذاته‌ لا غير، لانَّ قريشاً لو مالات‌ الانصار فلاضير علی‌ العرب‌ حينئذٍ . ولمّا كان‌ عمر قد أدرك‌ جيّداً أنَّ أحداً لايستطيع‌ الوقوف‌ بوجههم‌ مثله‌، لذلك‌ حبّب‌ إلی‌ نفسه‌ أن‌ تكون‌ الإمارة‌ في‌ أكبر فئة‌ منافسة‌ لبني‌ هاشم‌، ألا وهم‌ بنو أُميّة‌ الذين‌ انقرضت‌ رئاستهم‌ بظهور الإسلام ‌، والذين‌ كانت‌ قلوبهم‌ مليئة‌ بالإحن‌ والشنآن‌ ضدّ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ وأهل‌ بيته‌ . وتعاهد عمر تلك‌ الشجرة‌ الملعونة‌ بالسقي‌ والرعاية‌ ما وسعه‌ الجهد. وكان‌ يدّخرهم‌ ليوم‌ لو قدّر لبني‌ هاشم‌ فيه‌ أن‌ يدافعوا عن‌ حقّهم‌، ويستعيدوا موقعهم‌ ومكانتهم‌، فإنَّ بني‌ أُميّة‌: منافسيهم‌ المقتدرين‌ الوحيدين‌ سيقفون‌ حجر عثرة‌ ولا منيع‌ دون‌ نيل‌ مناهم‌.

 لقد ولّي‌ عمرُ معاويةَ بن‌ أبي‌ سفيان‌ [علی‌ ] الشام‌ بعد أخيه‌ يزيدبن‌ أبي‌ سفيان‌، [26] وسافر إلی‌ الشام‌ بنفسه‌ لتوطيد أركان‌ حكومته‌، وحثّ الناس‌ علی‌ اتّباع‌ معاوية‌، حتّي‌ يتحقّق‌ هدفه‌ عمليّاً في‌ يوم‌ الفتنة‌ والخلاف‌ ـالفتنة‌ والخلاف‌ اللذين‌ يتوقّعهما من‌ معاوية‌ـ ولا يتسنّي‌ لامير المؤمنين‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ وأهل‌ بيته‌ وأنصاره‌ أن‌ يرفعوا لوإ المعارضة‌ ويصمدوا أمامه‌.

 يقول‌ ابن‌ حجر الهيتمي‌ّ في‌ حديثه‌ عن‌ فضائل‌ معاوية‌: وَمِنْهَا: أَنَّ عُمَرَ حَضَّ النَّاسَ علی‌ اتِّبَاعِ مُعَاوِيَةَ وَالهِجْرَةِ إلیهِ إلی‌ الشَّامِ إذَا وَقَعَتْ فُرْقَةٌ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي‌ الدُّنْيَا بِسَنَدِهِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ بَعْدِي‌ فَإنْ فَعَلْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ . فَإذَا وُكِلْتُمْ إلی‌ رَأْيِكُمْ كَيْفَ يَسْتَبِزُّهَا مِنْكُمْ. [27]

 ونحن‌ نري‌ أنَّ معاوية‌ المدعوم‌ هذا لم‌ يحترم‌ المهاجرين‌ والسابقين‌ إلی‌ الإسلام ‌. فلمّا سخط‌ الناس‌ علی‌ عثمان‌ وعابوه‌، وأحصوا سلبيّاته‌، وبيّنوا التغييرات‌ التي‌ أحدثها، وكثرت‌ المؤاخذات‌ علیه‌، وتهيّأت‌ أرضيّة‌ الاضطرابات‌ لإسقاطه‌ أو استتابته‌ بترك‌ الإسراف‌ في‌ بيت‌ المال‌، والكفّ عن‌ محاباة‌ أرحامه‌ وأقاربه‌ به‌، توجّه‌ معاوية‌ إلی‌ المدينة‌ لتعزيز موقع‌ عثمان‌ وتشجيعه‌ علی‌ الانحراف‌ والإعلان‌ عن‌ دعمه‌ وتحذير المهاجرين‌ وإيعادهم‌.

 يقول‌ ابن‌ قتيبة‌ الدينوري‌ّ: صعد عثمان‌ المنبر وقال‌: أَمَا وَاللَهِ يَامَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ ! لَقَدْ عِبْتُمْ علی‌َّ أَشْيَإ، وَنَقَمْتُمْ أُمُورَاً قَدْ أَقْرَرْتُمْ لابْنِ الخَطَّابِ مِثْلَهَا ! وَلَكِنَّهُ وَقَمَكُمْ وَقَمَعَكُمْ، وَلَمْ يَجْتَرِي‌ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَمْلاُ بَصَرَهُ مِنْهُ وَلاَ يُشِيرُ بِطَرْفِهِ إلیهِ ! أَمَا وَاللَهِ لاَنَا أَكْثَرُ مِنِ ابْنِ الخَطَّابِ عَدَدَاً، وَأَقْرَبُ نَاصِرَاً وَأَجْدَرُ ـإلی‌ أنْ قَالَ لَهُمْـ أَتَفْقِدُونَ مِنْ حُقُوقِكُمْ شَيْئَاً؟ فَمَا لِي‌ لاَ أَفْعَلُ فِي‌ الفَضْلِ مَا أُرِيدُ ؟ فَلِمَ كُنْتُ إمَامَاً إذَاً؟ أَمَا وَاللَهِ غَابَ علی‌َّ مَنْ عَابَ مِنْكُمْ أَمْرَاً أَجْهَلُهُ ! وَلاَ أَتَيْتُ الَّذِي‌ أَتَيْتُ إلاَّ وَأَنَا أَعْرِفُهُ! [28]

 الرجوع الي الفهرس

إنذار معاوية‌ المهاجرين‌ توطيداً لعثمان‌

 يقول‌ ابن‌ قتيبة‌، وقدم‌ معاوية‌ ابن‌ أبي‌ سفيان‌ علی‌ أثر ذلك‌ من‌ الشام‌ فأتي‌ مجلساً فيه‌ علی‌ُّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَهِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ العَوَّامِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي‌ وَقَّاصٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ لَهُمْ: يَامَعْشَرَ الصَّحَابَةِ أُوصِيكُمْ بِشَيْخِي‌ هَذَا خَيْرَاً ! فَوَاللَهِ لَئِنْ قُتِلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لاَمْلاَنَّهَا علیكُمْ خَيْلاً وَرِجَالاً.

 ثُمَّ أَقْبَلَ علی‌ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَقَالَ: يَا عَمَّارُ ! إنَّ بِالشَّامِ مِائَةَ أَلْفِ فَارِسٍ كُلٌّ يَأْخُذُ العَطَإ مَعَ مِثْلِهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَعُبْدَانِهِمْ . لاَيَعْرِفُونَ علیاً وَلاَقَرَابَتَهُ، وَلاَ عَمَّارَاً وَلاَ سَابِقَتَهُ، وَلاَ الزُّبَيْرُ وَلاَصَحَابَتَهُ، وَلاَطَلْحَةَ وَلاَهِجْرَتَهُ، وَلاَ يَهَابُونَ ابْنَ عَوْفٍ وَلاَ مَالَهُ، وَلاَ يَتَّقُونَ سَعْدَاً وَلاَدَعْوَتَهُ. [29]

 الرجوع الي الفهرس

تفريط‌ عمر بالإسلام من‌ أجل‌ عزّة‌ العرب‌

 نري‌ هنا أنَّ خطّة‌ عمر قد نفّذت‌ تماماً، إذ يبرز معاوية‌ عضلاته‌ ويتنمّر ويكشّر عن‌ أنيابه‌ مهدّداً بمائة‌ ألف‌ مقاتل‌، ويقف‌ أمام‌ المهاجرين‌ وأتباع‌ الحقّ وإمامهم‌ أمير المؤمنين‌، ويهزأ بالمقدّسات‌ الإسلام يّة‌ من‌ قُربي‌، وسابقة‌، وصحبة‌، وهجرة‌، ودعوة‌ علناً . ويقول‌: إنَّ حكومة‌ بني‌ أُميّة‌ التي‌ يرأسها في‌ الشام‌، والتي‌ نشأت‌ برعاية‌ عمر تدعم‌ عثمان‌ علی‌ الرغم‌ من‌ كلّ ما أحدثه‌، وهي‌ مستعدّة‌ للمواجهة‌ مهما كلّف‌ الامر. أجل‌، فإنَّ عمر لم‌ يتحمّس‌ من‌ أجل‌ الإسلام والهجرة‌، بل‌ كان‌ قلقاً علی‌ عِزّة‌ العرب‌. كان‌ يريد إعزاز العرب‌ وتسويدهم‌ وجعلهم‌ حكّاماً علی‌ غيرهم‌. وكان‌ إبدإ رغبته‌ في‌ الإسلام تمهيداً لهذا الهدف‌ . ذلك‌ أنَّ الإسلام هو الذي‌ أعزّ العرب‌. وكان‌ عمر يعلم‌ أنَّ معاوية‌ هو وحده‌ القادر علی‌ توطيد الحكومة‌ العربيّة‌. وكان‌ مطّلعاً علی‌ تفرعنه‌ ونخوته‌ واستكباره‌ وجدّيته‌ في‌ إقرار الحكومة‌ الكسرويّة‌ العربيّة‌ وترسيخ‌ الإمبراطوريّة‌ العربيّة‌.

 نقل‌ ابن‌ حجر العسقلاني‌ّ عن‌ البَغَوِي‌ّ، عن‌ عمّه‌، عن‌ الزبير أنـّه‌ قال‌:

 حَدَّثَنِي‌ مُحَمَّدُ بْنُ علی‌ٍّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إذَا نَظَرَ إلی‌ مُعَاوِيَةَ قَالَ: هَذَا كِسْرَي‌ العَرَبِ. [30] و [31]

 وذكر ابن‌ سعد عن‌ المدائني‌ّ أنـّه‌ قال‌: نَظَرَ أَبُو سُفْيَانَ إلی‌ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ غُلاَمٌ فَقَالَ: إنَّ ابْنِي‌ هَذَا لَعَظِيمُ الرَّأْسِ، وَإنَّهُ لَخَلِيقٌ أَنْ يَسُودَ قَوْمَهُ. فَقَالَتْ هِنْدٌ: قَوْمَهُ فَقَط‌ ؟ ثَكِلْتُهُ إنْ لَمْ يَسُدِ العَرَبَ قَاطِبَةً. [32]

 إنَّ الإسلام الذي‌ هو دين‌ المحبّة‌ والتواضع‌ والإيثار والمساواة‌ بين‌ الناس‌. ولا فرق‌ بين‌ ضعيفهم‌ وفقيرهم‌ ومسكينهم‌ ويتيمهم‌ وعاجزهم‌ وعجمهم‌ وموإلیهم‌، وغير هؤلإ كلّهم‌ في‌ كفّة‌ واحدة‌، وهذا الضرب‌ من‌ الكسرويّة‌ والإمبراطوريّة‌ بغلالة‌ الإسلام في‌ وادٍ . والخُلُق‌ المحمّدي‌ّ، والعطف‌ العلوي‌ّ في‌ وادٍ آخر، والغلظة‌ والفظاظة‌ العُمَرِيّة‌، ونكرإ معاوية‌ وتحايله‌ طريق‌ آخر.

 فلهذا يمكن‌ أن‌ نقول‌: إنَّ ما حكم‌ من‌ الإسلام علی‌ العالم‌ حتّي‌ الآن‌ سوإ في‌ عهد عمر أو عثمان‌ أو بني‌ أُميّة‌ أو بني‌ العبّاس‌ هو حكم‌ ذو طابع‌ عُمَري‌ّ، وكان‌ الإسلام تحت‌ غطإ هذه‌ الغلظة‌ والسيادة‌ وهذا اللون‌ من‌ الإمارة‌. وما حكم‌ منه‌ في‌ طابعه‌ الصحيح‌ المستقيم‌ من‌ العدل‌ بين‌ الطبقات‌ وسائر الميزات‌ والآثار الواقعيّة‌ فقد كان‌ في‌ عهد رسول‌الله‌ وأميرالمؤمنين‌ لاغير. وها هو العالم‌ إلیوم‌ ينتظر أن‌ تسود الوحدة‌ والاُخوّة‌ وتواضع‌ الاُمرإ، وتتحقّق‌ العدالة‌ والمساواة‌ بين‌ جميع‌ الضعفإ والمحرومين‌ من‌ كلّ الطبقات‌ بقيام‌ قائم‌ آل‌ محمّد: الحجّة‌بن‌ الحسن‌ العسكري‌ّ أرواحنا فداه‌.

 الرجوع الي الفهرس

ثقل‌ إمارة‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ عمر

 إنَّ هذا النهج‌ العُمرَي‌ّ معاكس‌ للنهج‌ العَلَوي‌ّ تماماً . فلهذا نلحظ‌ عمر سوإ كان‌ حيّاً أم‌ ميّتاً لا يطيق‌ أن‌ يري‌ علیاً في‌ مقام‌ الرئاسة‌ والإمارة‌ والخلافة‌.

 روي‌ ابن‌ عبد ربّه‌ بسنده‌ عن‌ هشام‌ بن‌ عُروة‌، عن‌ أبيه‌ عروة‌ قال‌: لمّا طعن‌ عمر، قيل‌ له‌: لو عهدتَ ؟ ثمّ نقل‌ كلاماً عن‌ عمر، حتّي‌ بلغ‌ إلی‌ ما قيل‌ له‌ ثانية‌: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! لَو عَهَدتَ . فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَجْمَعْتُ بَعْدَ مَقَالَتِي‌ لَكُمْ أَنْ أُوَلِّي‌َ رَجُلاً أَمْرَكُمْ أَرْجُو أَنْ يَحْمِلَكُمْ علی‌ الحَقِّ ـوَأَشَارَ إلی‌ علی‌ٍّـ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ لاَأَتَحَمَّلَهَا حَيَّاً وَمَيِّتَاً. [33]

 وروي‌ البلاذُري‌ّ عن‌ عمرو بن‌ ميمون‌ أنـّه‌ قال‌: كنت‌ شاهداً لعمر يوم‌ طعن‌. فأرسل‌ علی‌ علی‌ّ، وعثمان‌، وطلحة‌، والزبير، وعبدالرحمن‌بن‌ عوف‌، وسعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌ . وبعد أن‌ تكلّم‌ معهم‌، قال‌: ادعوا لي‌ صهيباً، فدعي‌ فقال‌ له‌: صلّ بالناس‌ ثلاثاً، وليخل‌ هؤلإ النفر في‌ بيت‌ حتّي‌ يجتمعوا علی‌ رجل‌ . فمن‌ خالف‌ بعد الاجتماع‌، فاضربوا رأسه‌!

 ولمّا خرجوا من‌ عنده‌، قَالَ: لَوْ وَلَّوْهَا الاَجْلَحَ سَلَكَ بِهِمُ الطَّرِيقَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا يَمْنَعَكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ؟! قَالَ: لاَأَتَحَمَّلُهَا حَيَّاً ومَيِّتَاً. [34]

 وروي‌ ابن‌ عبد البرّ هذا المضمون‌ عن‌ عمر. [35]

 وبعد أن‌ ذكر محبّ الدين‌ الطبري‌ّ ما رواه‌ عن‌ عمرو بن‌ ميمون‌ في‌ ما يخصّ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌، قال‌: هذا الحديث‌ أخرجه‌ النسائي‌ّ. ونقل‌ هناك‌ أيضاً أنَّ عمر قال‌: للَّهِ دَرُّهُمْ إنْ وَلَّوْهَا الاُصَيْلِعَ كَيْفَ يَحْمِلُهُمْ علی‌ الحَقِّ وَإنْ كَانَ السَّيْفُ علی‌ عُنُقِهِ ! قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: فَقُلْتُ: أَتَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ وَلاَتُوَلِّيهِ؟! فَقَالَ: إنْ تَرَكْتُهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي‌. [36]

 لمّا استبان‌ من‌ تضاعيف‌ البحث‌ أنَّ عمر لم‌ يقصد خلافة‌ علی‌ّ قطّ وإنَّما قصد خلافة‌ عثمان‌ . فعلینا أن‌ نري‌: لماذا لم‌ يوص‌ بالخلافة‌ لعثمان‌ مباشرة‌، وترك‌ الامر شوري‌ ليُخْتَار عثمان‌ في‌ آخر المطاف‌؟ وجوابنا أنَّ لهذا العمل‌ أسباباً هي‌:

 الاوّل‌: ساوت‌ الشوري‌ بين‌ علی‌ّ وبين‌ أشخاص‌ آخرين‌ لم‌يكونوا بمستواه‌، فجعلت‌ له‌ نظائر لا تقاس‌ به‌ . وهذا التدبير السيّي‌ لم‌ يحرم‌ علیاً من‌ حقّه‌ الثابت‌ فحسب‌، بل‌ وجرّأ الزبير وطلحة‌ علی‌ التفكير بالخلافة‌ بعد قتل‌ عثمان‌، وعلی‌ الوقوف‌ بوجه‌ علی‌ّ ومناوءته‌، وإقلاق‌ حكومته‌ الفتيّة‌ بإشعال‌ حرب‌ الجمل‌. ومن‌ ورإ الجمل‌ صفّين‌ التي‌ أنتجت‌ النهروان‌، ومن‌ ثمّ اغتياله‌ في‌ محراب‌ العبادة‌ من‌ قبل‌ أحد المعارضين‌ النهروانيّين‌.

 الثاني‌: كان‌ عمر قد رأي‌ تخلّف‌ علی‌ّ والزبير عن‌ بيعة‌ أبي‌ بكر ونتائج‌ ذلك‌ التخلّف‌، وكذلك‌ كان‌ مطّلعاً علی‌ مؤاخذة‌ طلحة‌ أبا بكر عندما جعل‌ عمر خليفة‌، [37] فلهذا جمع‌ المعارضين‌ في‌ مجلس‌ واحد باسم‌ الشوري‌ للحؤول‌ دون‌ بروز الخلاف‌، وسلّط‌ علیهم‌ خمسين‌ مسلّحاً للوقاية‌ من‌ خطر الانشقاق‌، وأجبرهم‌ علی‌ البيعة‌ أو القتل‌، وحينئذٍ تزول‌ العقبات‌ في‌ طريق‌ خلافة‌ عثمان‌.

 الثالث‌: كان‌ عمر يعرف‌ عثمان‌ جيّداً، وكان‌ يري‌ تعامله‌ مع‌ المسلمين‌؛ فلهذا كان‌ يقول‌ مراراً: أخاف‌ أن‌ يسلّط‌ قومه‌ وآل‌ مُعيط‌ علی‌ الاُمّة‌. فتفادي‌ من‌ تعيينه‌ تعييناً مباشراً، وأوكل‌ ذلك‌ إلی‌ الشوري‌ ليقع‌ القدح‌ واللوم‌ علیها وعلی‌ ما يراه‌ عبد الرحمن‌، ويحافظ‌ بذلك‌ علی‌ قدسيّته‌ وشعبيّته‌.

 الرابع‌: أراد عمر أن‌ يمنّ علی‌ أعلام‌ المهاجرين‌ منّة‌ صوريّة‌ ظاهريّة‌، فجمعهم‌ في‌ الشوري‌ ليغلق‌ منافذ العتاب‌ والتقريع‌ ضدّه‌.

 الخامس‌: تخلّص‌ عمر من‌ الاستبداد في‌ التعيين‌ كما يبدو، وجعل‌ شوري‌ الحلّ والعقد مركزاً لاتّخاذ القرار واختيار الخليفة‌. وهذا أمر كان‌ عمر يعوّل‌ علیه‌ من‌ قبل‌ . وكان‌ يقول‌: الخلافة‌ بالشوري‌، وذلك‌ ليحول‌ دون‌ بيعة‌ الناس‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ بعد موته‌.

 نقل‌ ابن‌ هشام‌ في‌ سيرته‌ عن‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ أنـّه‌ قال‌: عندما كان‌ عمر بمني‌، قال‌ له‌ رجل‌: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ! هَلْ لَكَ فِي‌ فُلاَنٍ يَقُولُ: وَاللَهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنَاً . وَاللَهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي‌بَكْرٍ إلاَّ فَلْتَةً فَتَمَّتْ؟

 قال‌: فغضب‌ عمر [لذلك‌ ] فقال‌: إن‌ شإ الله‌ لقائم‌ العشيّة‌ في‌ الناس‌ فمحذّرهم‌ هؤلإ الذين‌ يريدون‌ أن‌ يغصبوهم‌ أمرهم‌.

 قال‌ عبد الرحمن‌: فقلت‌: يا أمير المؤمنين‌ ! لا تفعل‌، فإنَّ الموسم‌ يجمع‌ رعاع‌ الناس‌ وغوغإهم‌ ؛ ... فأمهِلْ حتّي‌ تقدم‌ المدينة‌ فإنَّها دار السنّة‌ وتخلَّص‌ بأهل‌ الفقه‌ وأشراف‌ الناس‌ فتقول‌ ما قلت‌ متمكّناً ! فيعي‌ أهل‌ الفقه‌ مقالتك‌ ويضعوها علی‌ مواضعها.

 فقال‌ عمر: والله‌ إن‌ شإ الله‌ لاقومنّ بها أوّل‌ مقام‌ أقومه‌ بالمدينة‌. ثمّ نقل‌ ابن‌ هشام‌ أشيإ عن‌ ابن‌ عبّاس‌، وقال‌ بعدها:

 فلمّا قدم‌ عمر المدينة‌، خطب‌ في‌ أوّل‌ جمعة‌ صعد فيها المنبر، وقال‌ في‌ خطبته‌: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي‌ أنَّ فُلاَنَاً قَالَ: وَاللَهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُبْنُ الخَطَّابِ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنَاً . فَلاَ يَغُرَّنَّ امْرءَاً أَنْ يَقُولَ: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي‌ بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمَّتْ. وَإنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إلاَّ أَنَّ اللَهَ قَدْ وَقَي‌ شَرَّهَا . وَلَيْسَفِيكُمْ مَنْ تَنْقَطِعُ الاَعْنَاقُ إلیهِ مِثْلَ أَبِي‌ بَكْرٍ . فَمَنْ بَايَعَ رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ بِغَيْرِمَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَإنَّهُ لاَ بَيْعَةَ لَهُ هُوَ وَلاَ الَّذِي‌ بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ. [38]

 وروي‌ ابن‌ أبي‌ الحديد، عن‌ الجاحظ‌ أَنـَّهُ قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ الَّذِي‌ قَالَ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلاَنَاً، عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ . قَالَ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ علیاً. فَهَذَا القَوْلُ هُوَ الَّذِي‌ هَاجَ عُمَرَ أَنْ خَطَبَ مَا خَطَبَ بِهِ. [39]

 الرجوع الي الفهرس

التخطيط‌ المسبق‌ للشوري‌ والحؤول‌ دون‌ خلافة‌ أمير المؤمنين‌

 وعلی‌ هذا فإنَّ خطّة‌ الشوري‌ بالشكل‌ الخاصّ الذي‌ يحول‌ دون‌ وصول‌ علی‌ّ إلی‌ الخلافة‌ قد دبّرت‌ من‌ قبل‌ لا محالة‌، وقد نسجت‌ خيوطها وحُبكت‌ خصوصيّاتها قبل‌ ذلك‌ الوقت‌، وحينئذٍ نجد أنَّ خبر هذه‌ المسائل‌، ودليل‌ عمر في‌ خطبته‌ التي‌ ألقاها في‌ المدينة‌ بعدما حاوره‌ عبدالرحمن‌بن‌ عوف‌ في‌ مني‌، وتخويله‌ عبدالرحمن‌بن‌ عوف‌ صهر عثمان‌ حقّ التعيين‌ المصطلح‌ علیه‌ إلیوم‌: حقّ الفيتو (الاعتراض‌) في‌ شوري‌ الستّة‌ لإبطال‌ رأي‌ الفريق‌ المخالف‌، وكلّ أُولئك‌ كان‌ قد وضعت‌ لبناته‌ من‌ قبل‌. ولا نرتاب‌ أنَّ الحؤول‌ دون‌ تصميم‌ عمّاربن‌ ياسر، والزبيربن‌ العوّام‌ علی‌ بيعة‌ علی‌ّ قد اتُّخِذَ قراره‌ منذ الوهلة‌ الاُولي‌ للاحداث‌.

 الرجوع الي الفهرس

الشوري‌ الخاضعة‌ لإشراف‌ عمر ليست‌ شوري‌ بل‌ هي‌ الاستبداد عينه‌

 روي‌ البلاذري‌ّ، عن‌ الواقدي‌ّ، عن‌ زيد بن‌ أسلم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ عمر أنـّه‌ قَالَ: إنَّ رِجَالاً يَقُولُونَ: إنَّ بَيْعَةَ أَبِي‌ بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً وَقَي‌ اللَهُ شَرَّهَا، وَإنَّ بَيْعَةَ عُمَرَ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ . وَالاَمْرُ بَعْدِي‌ شُورَي‌ ؛ فَإذَا اجْتَمَعَ رَأْي‌ُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَتَّبِعِ الاثْنَانِ الاَرْبَعَةَ . وَإذَا اجْتَمَعَ رَأْي‌ُ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثَةٍ فَاتَّبِعُوا رَأْي‌َ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ؛ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ! وَإنْ صَفَّقَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بِإحْدَي‌ يَدَيْهِ علی‌ الاُخْرَي‌ فَاتَّبِعُوهُ. [40]

 وكذلك‌ روي‌ البلاذري‌ّ عن‌ أبي‌ مخنف‌ حول‌ كيفيّة‌ التصويت‌ والشوري‌ التي‌ عيّنها عمر، بعد عرضه‌ أُموراً تتعلّق‌ بالموضوع‌، أنَّ عمر قال‌: وَإنْ كَانُوا ثَلاَثَةً (وَثَلاَثَةً) كَانُوا مَعَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ فِيهِمْ ابْنُ عَوْفٍ إذْ كَانَ الثِّقَةَ فِي‌ دِينِهِ وَرَأْيِهِ المَأْمُونَ لِلاِخْتِيَارِ علی‌ المُسْلِمِينَ. [41]

 وروي‌ البلاذري‌ّ أيضاً عن‌ هشام‌ بن‌ سَعْد، عن‌ زيد بن‌ أسلم‌، عن‌ أبيه‌ أنَّ عمر قال‌: إنِ اجْتَمَعَ رَأْي‌ُ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثَةٍ فَاتَّبِعُوا صِنْفَ عَبْدِالرَّحْمَنِبْنِ عَوْفٍ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا! [42]

 ونقل‌ الملاّ علی‌ّ المتّقي‌ّ عن‌ محمّد بن‌ جُبَير، عن‌ أبيه‌ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: «إنْ ضَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إحْدَي‌ يَدَيْهِ علی‌ الاُخْرَي‌ فَبَايِعُوهُ». وَعَنْ أَسْلَمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قَالَ: «بَايِعُوا لِمَنْ بَايَعَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِبْنُ عَوْفٍ؛ فَمَنْ أَبَي‌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ». [43]

 لنا أن‌ نسأل‌ هنا: هل‌ كان‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ ثقة‌ في‌ دينه‌ ورأيه‌، ومأموناً للاختيار علی‌ المسلمين‌، ولم‌ يكن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ كذلك‌؟ لماذا لم‌ يُخَوَّل‌ هذا الحقّ ؟ أو أنَّ المراد بالامانة‌ للاختيار علی‌ المسلمين‌، والثقة‌ في‌ الدين‌ والرأي‌ ما يرضاه‌ عمر ويستصوبه‌، لا ما يقتضيه‌ العموم‌ والإطلاق‌؟ فيصبح‌ مفاده‌ ومؤدّاه‌: أنـّي‌ أُؤيّد رأي‌ ابن‌ عوف‌، وفكره‌ ودينه‌.

 ثانياً: لماذا لم‌ يُدْخِل‌ عمر في‌ الشوري‌ وجوه‌ المهاجرين‌ من‌ خاصّة‌ الصحابة‌ مثل‌ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَسَلْمَان‌ الفَارِسِي‌ِّ، وَالمِقْدَادِبْنِ الكِنْدِي‌ِّ، وَحُذَيْفَة‌ ذِي‌ الشَّهَادَتَيْنِ، وَابْنِ الخَيْثَمِ التَّيِّهَانِ، وأمثالهم‌؟ هؤلإ كانوا أنصار أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ والمضحّين‌ من‌ أجله‌ والمخلصين‌ له‌، ونقل‌ عنهم‌ التأريخ‌ وكتب‌ السير حكايات‌ تثني‌ علی‌ عقلهم‌ وتدبيرهم‌ ودرايتهم‌ ودينهم‌ وأمانتهم‌.

 ثالثاً: لماذا عيّن‌ عمر هذه‌ الشوري‌ ؟ هو فرد كسائر المسلمين‌، وتشكيل‌ الشوري‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ حرّاً وتحت‌ إشراف‌ جميع‌ المسلمين‌ بواسطة‌ أهل‌ الحلّ والعقد منهم‌، لا أن‌ يكون‌ تشكيلها من‌ قبل‌ شخص‌ معيّن‌. وهل‌ لهذا النمط‌ من‌ تشكيل‌ الشوري‌ الذي‌ رتّبه‌ عمر بنفسه‌ أثر أكبر من‌ تعيين‌ شخص‌ خاصّ للإمارة‌ ؟ ما هو الفرق‌ إذَن‌ بين‌ أن‌ يعيّن‌ عثمان‌ مباشرة‌ منذ البداية‌، وبين‌ أن‌ يعيّنه‌ بواسطة‌ الشوري‌ ؟ ولو تغاضينا عن‌ ذلك‌ وافترضنا عدم‌ وصول‌ عثمان‌ إلی‌ الخلافة‌ في‌ هذه‌ الشوري‌، بل‌ وصول‌ شخص‌ آخر غيره‌ كأمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ مثلاً، فهل‌ تكون‌ الشوري‌ صحيحة‌ وحرّة‌؟ تلك‌ الشوري‌ المقيّدة‌ والمحدودة‌ برأيه‌ وتعيينه‌. وما هو حقّ عمر في‌ تشكيل‌ مثل‌ هذه‌ الشوري‌ ؟ وهل‌ هناك‌ فرق‌ بين‌ هذه‌ الشوري‌ وبين‌ مجلس‌ الشيوخ‌ الذي‌ كان‌ يعيّن‌ الشاه‌ [محمّد رضا بهلوي‌ ] نصف‌ أعضائه‌؟

 رابعاً: أنـّي‌ لعمر مثل‌ هذه‌ الشوري‌ ؟ ولو كان‌ قد أخذها من‌ السنّة‌ النبويّة‌، فإنَّه‌ يصرّ أنَّ رسول‌ الله‌ لم‌ يعيّن‌ أحداً، ولم‌ ينصّب‌ علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌، بل‌ ترك‌ للاُمّة‌ اختيارها في‌ نصب‌ الخليفة‌ . فكان‌ لعمر أن‌ يتأسّي‌ بهذه‌ السنّة‌ المزعومة‌ ويترك‌ الاُمّة‌ حرّة‌ في‌ تعيين‌ خليفتها حتّي‌ تختار أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ! فلماذا سلب‌ من‌ الاُمّة‌ اختيارها، وعزل‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ من‌ خلال‌ وصيّته‌ بتشكيل‌ مثل‌ هذه‌ الشوري‌؟

 ومن‌ الواضح‌ ـإذَن‌ـ أنَّ إقحام‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ الشوري‌ لم‌يكن‌ حبّاً له‌ باحتمال‌ تعيينه‌، بل‌ كان‌ ذلك‌ لإلزامه‌ وإجباره‌ علی‌ الرضوخ‌ لخلافة‌ الشخص‌ المنتخب‌ . وما قصد عمر من‌ قتل‌ المعارض‌ إلاّ شخص‌ الإمام‌ نفسه‌، لانَّ المعارضين‌ ـفي‌ ضوء خطّة‌ عمرـ وهم‌ أشخاص‌ آخرون‌ لايمكن‌ أن‌ يكونوا في‌ الشوري‌ فيقتلوا ؛ وبنإ علی‌ هذا، جعل‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بين‌ أمرين‌ لا غير: إمَّا التسليم‌ لحكم‌ عبدالرحمن‌بن‌ عوف‌، وإمَّا القتل‌ فيتحقّق‌ الخروج‌ من‌ حلبة‌ الصراع‌ بموته‌. وكانت‌ هذه‌ الخطّة‌ قد دبّرت‌ ورسمت‌ بشكل‌ عجيب‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «كتاب‌ النقض‌» ص‌ 32 ، وورد هذا الكتاب‌ وجوابه‌ في‌ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ ج‌ 1 ، ص‌ 114 بنحو أكثر تفصيلاً. 

[2] ـ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ ، ج‌ 1 ، ص‌ 115 . 

[3] ـ «مُنتَخَب‌ ذَيْل‌ المُذَيَّل‌» ص‌ 57 . 

[4] ـ «مستدرك‌ الحاكم‌» ج‌ 3 ، ص‌ 128 . وقال‌ في‌ آخر الحديث‌ : هذا الحديث‌ صحيح‌ الاءسناد بدون‌ تخريج‌ الشيخين‌ . 

[5] ـ الآيات‌ 103 إلي‌ 106 ، من‌ السورة‌ 18 : الكهف‌ . 

[6] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 58 إلي‌ 63 ، طبعة‌ مطبعة‌ الحيدري‌ّ . 

[7] ـ «سنن‌ البيهقي‌ّ» عن‌ مسلم‌ ، عن‌ أبي‌ نضرة‌ ، بناءً علي‌ نقل‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 2 ، ص‌ 90 و 91 . 

[8] ـ الآية‌ 18 ، من‌ السورة‌ 12 : يوسف‌ . 

[9] ـ الآية‌ 29 ، من‌ السورة‌ 55 : الرحمن‌ : يَسْئَلُهُ و مَن‌ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي‌ شَأْنٍ . 

[10] ـ قول‌ عبد الرحمن‌ : «شاورت‌ الناس‌» غير موجود في‌ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» طبعة‌ الحسينيّة‌ المصريّة‌ ، سنة‌ 1326 ه ، ولا في‌ «الكامل‌» لابن‌ الاثير . ولعلّه‌ من‌ الاءضافات‌ في‌ الطبع‌. وعلي‌ فرض‌ أنَّ عبد الرحمن‌ قاله‌ ، فقد كذب‌ ، لانـّه‌ لو كان‌ صادقاً ، لقال‌ لكبار الصحابة‌ الذين‌ نقموا علي‌ عثمان‌ ، واعترضوا علي‌ ما جنت‌ يداه‌ : هذا ما أردتموه‌ وقد شاورتكم‌. لكنّه‌ لم‌ يعتذر إليهم‌ بهذا العذر واكتفي‌ بقوله‌ للصحابة‌ : ... ولكن‌ للّه‌ عَلَي‌ّ أن‌ لاأُكلّمه‌ أبداً ، ولم‌ يكلّمه‌ . ولمّا مرض‌ عبد الرحمن‌ ودخل‌ عليه‌ عثمان‌ عائداً تحوّل‌ عنه‌ إلي‌ الحائط‌ ولم‌ يكلّمه‌ («العقد الفريد» ج‌ 3 ، ص‌ 73 » . وليت‌ شعري‌ هل‌ عدم‌ تكليمه‌ يكفّر ذنبه‌ إذ جعل‌ الاُمّة‌ الاءسلاميّة‌ تحت‌ قبضة‌ إنسان‌ أناني‌ّ لم‌ يفكّر إلاّ في‌ هواه‌ وبطنه‌ . 

[11] ـ الآية‌ 235 ، من‌ السورة‌ 2 : البقرة‌ ، تقول‌ : حَتَّي‌' يَبْلُغَ الكِتَـ'بُ أَجَلَهُ و . 

[12] ـ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 3 ، ص‌ 297 ، طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌ ، القاهرة‌ ؛ وج‌ 4 ، ï ïص‌ 233 طبعة‌ دار المعارف‌ بمصر ؛ و «العقد الفريد» ج‌ 3 ، ص‌ 76 . 

[13] ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 26 ، طبعة‌ مطبعة‌ الاُمّة‌ بدرب‌ شغلان‌ ، سنة‌ 1328 ه. 

[14] ـ الآية‌ 10 ، من‌ السورة‌ 48 : الفتح‌ . 

[15] ـ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 3 ، ص‌ 302 . 

[16] ـ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 3 ، ص‌ 293 و 294 مطبعة‌ الاستقامة‌ ؛ و ج‌ 4 ، ص‌ 229 و 230 مطبعة‌ دار المعارف‌ ؛ و «العقد الفريد» ج‌ 3 ، ص‌ 72 ، الطبعة‌ الاُولي‌ ، سنة‌ 1331 ه. 

[17] ـ كان‌ لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أربع‌ بنات‌ من‌ خديجة‌ هنّ : زينب‌ رقيّة‌، أُمّ كلثوم‌ ، وفاطمة‌ عليها السلام‌ . زوّج‌ رقيّة‌ في‌ مكّة‌ من‌ عُتبة‌ بن‌ أبي‌ لهب‌. ولمّا نزلت‌ سورة‌ اللهب‌ ، أمر أبو لهب‌ ابنه‌ أن‌ يطلّقها ، فطلّقها قبل‌ الدخول‌ كرامة‌ من‌ الله‌ وهواناً لابي‌ لهب‌ . وتزوّجها عثمان‌ في‌ مكّة‌ . وهاجرت‌ معه‌ إلي‌ الحبشة‌ . وفيها رزقها الله‌ ولداً سمّوه‌ عبدالله‌، ولذلك‌ كان‌ يقال‌ لعثمان‌ : أبو عبد الله‌ . ولمّا بلغ‌ السادسة‌ من‌ عمره‌ نقره‌ ديك‌ في‌ عينه‌ فورم‌ وجهه‌ ، ومات‌ علي‌ إثره‌ في‌ جمادي‌ الاُولي‌ ، السنة‌ الرابعة‌ من‌ الهجرة‌، وصلّي‌ عليه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ . وعندما كان‌ رسول‌ الله‌ يتهيّأ للذهاب‌ إلي‌ غزوة‌ بدر، مرضت‌ رقيّة‌ ، فمنع‌ عثمان‌ من‌ الخروج‌ معه‌ ، وأمره‌ بالبقاء في‌ المدينة‌ ليمرّضها . وبعد ذلك‌ ماتت‌ في‌ اليوم‌ الذي‌ جاء فيه‌ زيد بن‌ حارثة‌ إلي‌ المدينة‌ يخبر فيه‌ بظفر رسول‌ الله‌ علي‌ المشركين‌. وكانت‌ قد أصابتها الحصبة‌ التي‌ أودت‌ بحياتها . فتزوّج‌ عثمان‌ أُمّ كلثوم‌ بعدها. وماتت‌ أُمّ كلثوم‌ في‌ بيت‌ عثمان‌ . («تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 3 ، ص‌ 73 و 78 ؛ و «إعلام‌ الوري‌» ص‌ 147 و 148 » و «أُسد الغابة‌» ج‌ 3 ، ص‌ 376 و 377 ) . 

[18] ـ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 3 ، ص‌ 2 ، طبعة‌ مطبعة‌ الاستقامة‌ . 

[19] ـ «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 2 ، ص‌ 618 و 619 ، طبعة‌ الاستقامة‌ ؛ و ج‌ 2 ، ص‌ 429 طبعة‌ دار المعارف‌ ؛ و «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2 ، ص‌ 66 بتعليق‌ محمّد مصطفي‌ أبو العلاء. 

[20] ـ جاء في‌ «أعلام‌ الزركلي‌ّ» ج‌ 1 ، ص‌ 153 : محبّ الدين‌ الطبري‌ّ المولود في‌ 615 ه والمتوفّي‌ في‌ 694 ه أحمد بن‌ عبد الله‌ بن‌ محمّد الطبري‌ّ ، أبو العبّاس‌ الحافظ‌ الفقيه‌ الشافعي‌ّ من‌ المتفنّنين‌ . من‌ أهل‌ مكّة‌ مولداً ووفاة‌ . وكان‌ شيخ‌ الحرم‌ فيها . له‌ تصانيف‌ منها : «السمط‌ الثمين‌ في‌ مناقب‌ أُمّهات‌ المؤمنين‌» و «الرياض‌ النضرة‌ في‌ مناقب‌ العشرة‌» و«القري‌ القاصد أُمّ القري‌» و «ذخائر العقبي‌ في‌ مناقب‌ ذوي‌ القربي‌» و «الاحكام‌». 

[21] ـ «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2 ، ص‌ 182 ، الطبعة‌ الثانية‌ . 

[22] ـ «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 3 ، ص‌ 66 . 

[23] ـ «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 3 ، ص‌ 66 . 

[24] ـ «كنز العمّال‌» ج‌ 3 ، ص‌ 158 ، الطبعة‌ الاُولي‌ . 

[25] ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 9 ، طبعة‌ مصر ، سنة‌ 1328 ه . 

[26] ـ «الاءصابة‌» ج‌ 3 ، ص‌ 412 ، طبعة‌ مصر . وجاء في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، ج‌ 1 ، ص‌ 338 ، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌ : ولي‌ معاوية‌ اثنتين‌ وأربعين‌ سنة‌. منها اثنتان‌ وعشرون‌ سنة‌ ولي‌ فيها إمارة‌ الشام‌ منذ مات‌ أخوه‌ يزيد بن‌ أبي‌ سفيان‌، بعد خمس‌ سنين‌ من‌ خلافة‌ عمر ، إلي‌ أن‌ قتل‌ أمير المؤمنين‌ علي‌ّ عليه‌ السلام‌ في‌ سنة‌ أربعين‌؛ ومنها عشرون‌ سنة‌ خليفة‌ إلي‌ أن‌ مات‌ في‌ سنة‌ ستّين‌ . 

[27] ـ رسالة‌ «تطهير الجنان‌» المطبوع‌ في‌ هامش‌ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 37 و 38 . وذكر ابن‌ حجر العسقلاني‌ّ الشافعي‌ّ أصل‌ هذا الحديث‌ في‌ كتاب‌ «الاءصابة‌» ج‌ 2 ، ص‌ 414 ضمن‌ ترجمة‌ معاوية‌ . 

[28] ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 28 ، الطبعة‌ الثالثة‌ ، مصر ، سنة‌ 1382 ه ، مطبعة‌ مصطفي‌ البابي‌ الحلبي‌ّ ؛ وجاء في‌ هذه‌ الطبعة‌ : مَا غَابَ عَلَي‌َّ بالغين‌ المعجمة‌ . أمّا ما جاء في‌ طبعة‌ مطبعة‌ الاُمّة‌ ، درب‌ شغلان‌ ، مصر ، سنة‌ 1328 ه في‌ ص‌ 26 و 27 ، حيث‌ نقلت‌ فيه‌ هذه‌ القصّة‌ فهو قوله‌ : مَا عَابَ عَلَي‌َّ بالعين‌ المهملة‌ . 

[29] ـ «الاءمامة‌ والسياسة‌» ص‌ 27 . 

[30] ـ «الاءصابة‌» ج‌ 3 ، ص‌ 413 ، حرف‌ الميم‌ . 

[31] ـ قال‌ أُستاذنا العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتاب‌ «الشيعة‌» حوار مع‌ البروفيسور هنري‌ كوربن‌ ، في‌ بيان‌ المشكلة‌ الاُولي‌ : سقوط‌ الحكومة‌ الاءسلاميّة‌، ص‌ 27 : ...مضافاً إلي‌ ذلك‌ ، ففي‌ نطاق‌ حكومته‌ ، كان‌ معاوية‌ يحكم‌ في‌ الشام‌ مدّة‌ طويلة‌ علي‌ الطريقة‌ الكسرويّة‌ والقيصريّة‌ . وهي‌ حكومة‌ ذات‌ صبغة‌ استبداديّة‌ لا غير . وذريعة‌ ï ïمعاوية‌ أنـّه‌ مضطّر إلي‌ ذلك‌ بسبب‌ مجاورته‌ الاءمبراطوريّة‌ الرومانيّة‌ ، وقبل‌ الخليفة‌ عذره‌ ولم‌يعترضه‌.

 وقال‌ المعلّقون‌ علي‌ عبارات‌ العلاّمة‌ في‌ ص‌ 324 و 325 : روي‌ ابن‌ أبي‌ الحديد أنَّ عمر عندما ذهب‌ إلي‌ الشام‌ ، لقيه‌ معاوية‌ وعليه‌ ثياب‌ ديباج‌ ، وحوله‌ جماعة‌ من‌ الغلمان‌، فدنا منه‌ فقبّل‌ يده‌ . فقال‌ عمر : ما هذا يا بن‌ هند ! وإنّك‌ لعلي‌ هذه‌ الحال‌ مترف‌ صاحب‌ لبوس‌ وتنعّم‌؟! وقد بلغني‌ أنَّ ذوي‌ الحاجات‌ يقفون‌ ببابك‌ ! فقال‌ معاوية‌ : يا أمير المؤمنين‌! نحن‌ نجاور المدن‌ التي‌ يقطنها أعداء الاءسلام‌ (يريد الروم‌) ونحبّ أن‌ يُرَي‌ أثر نعمة‌ الله‌ علينا. وأمّا الحجّاب‌ فإنَّا نخاف‌ من‌ البذلة‌ جرأة‌ الرعيّة‌ . فقال‌ عمر : ما سألتك‌ عن‌ شي‌ء إلاّ تركتني‌ منه‌ في‌ ضيق‌! إن‌ كنت‌ صادقاً ، فإنّه‌ رأي‌ لبيب‌ ، وإلاّ فإنّها خدعة‌ أريب‌ !

 ونقل‌ ابن‌ حجر في‌ «الاءصابة‌» ج‌ 3 ؛ وابن‌ الاثير في‌ «أُسد الغابة‌» كلمات‌ عن‌ عمر في‌ معاوية‌، وذلك‌ عند ترجمة‌ معاوية‌ . منها أنَّ عمر رأي‌ معاوية‌ ذات‌ يوم‌ فقال‌ : «هذا كسري‌ العرب‌». فعمر كان‌ يري‌ أنَّ حياة‌ معاوية‌ كسرويّة‌ ، وأنـّه‌ يتصرّف‌ علي‌ عكس‌ ما يريده‌ النبي‌ّ الاكرم‌، ومع‌ هذا استحسن‌ رأيه‌ ورجّحه‌ علي‌ سيرة‌ النبي‌ّ الاكرم‌ ، وسلّط‌ هذا الجاني‌ المحترف‌ علي‌ رقاب‌ الناس‌ ممّا أدّي‌ إلي‌ حرب‌ صفّين‌ وارتكاب‌ جرائم‌ لا تحصي‌ من‌ قبل‌ معاوية‌ ويزيد وملوك‌ بني‌ أُميّة‌ وولاتهم‌ الجائرين‌ . ومن‌ رام‌ الاستزادة‌ فلينظر كتاب‌ «النصائح‌ الكافية‌» للسيّد محمّدبن‌ عقيل‌ . 

[32] ـ «الاءصابة‌» ج‌ 3 ، ص‌ 413 . 

[33] ـ «العقد الفريد» ج‌ 3 ، ص‌ 71 ، الطبعة‌ الاُولي‌ . 

[34] ـ «أنساب‌ الاشراف‌» ج‌ 5 ، ص‌ 18 . وجاء في‌ الجزء الخاصّ بأمير المؤمنين‌ ، الطبعة‌ الجديدة‌، ص‌ 103 : لَئِنْ وَلَّوْهَا الاُجَيْلِحَ ؛ و «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2 ، ص‌ 182 و 183 بتخريج‌ النسائي‌ّ.

 وذكره‌ الحافظ‌ الكبير عبد الرزّاق‌ بن‌ همّام‌ الصنعاني‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 211 ه في‌ كتاب‌ «المُصَنَّف‌» ج‌ 5 ، ص‌ 446 و 447 ، عن‌ عمرو بن‌ ميمون‌ بهذه‌ العبارة‌ : قال‌ : كنت‌ عند عمربن‌ الخطّاب‌ حين‌ ولَّي‌ السِّتَّة‌ الامر فلمَّا جازوا أتبعهم‌ بصره‌ ، ثمّ قال‌ : لئن‌ ولَّوها الاُجَيْلِحَ لَيَركَبنَّ بهم‌ الطريق‌ ـ يريد عليّاً . 

[35] ـ «الاستيعاب‌» ج‌ 3 ، ص‌ 1154 . 

[36] ـ «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2 ، ص‌ 183 . 

[37] ـ جاء في‌ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد ، ج‌ 2 ، ص‌ 120 ، طبعة‌ دار إحياء التراث‌ العربي‌ّ ذات‌ أربعة‌ أجزاء : وطلحة‌ هو الذي‌ قال‌ لابي‌ بكر عند موته‌ : ماذا تقول‌ لربّك‌ وقد ولَّيتَ فينا فظَّاً غليظاً ؟ وهو القائل‌ له‌ : يا خليفة‌ رسول‌ الله‌ ! إنَّا كنَّا لا نحتمل‌ شراستَه‌ وأنت‌ حي‌ٌّ تأخذ علي‌ يديه‌ ، فكيف‌ يكون‌ حالنا معه‌ وأنت‌ ميِّتٌ وهو الخليفة‌ ؟!

 وجاء أيضاً في‌ ج‌ 2 ، ص‌ 119 و 120 من‌ الشرح‌ عند حديث‌ ابن‌ أبي‌ الحديد عن‌ أخلاق‌ عمر السيّئة‌ ، إذ نقل‌ شيئاً منها ، فقال‌ : وكان‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ إذا غَضِب‌ علي‌ واحدٍ من‌ أهلِه‌ لا يسكن‌ غضبه‌ حتَّي‌ يَعَضَّ يَدَهُ عَضَّاً شديداً حتَّي‌ يُدميها . 

[38] ـ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 4 ، ص‌ 1071 إلي‌ 1073 ، طبعة‌ مطبعة‌ المدني‌ّ بالقاهرة‌ . وجاء في‌ عبارة‌ «أنساب‌ الاشراف‌» ج‌ 1 ، ص‌ 584 ، طبعة‌ دار المعارف‌ بمصر : فمن‌ بايع‌ رجلاً علي‌ غيرمشورة‌ فإنَّهما أهْلٌ أن‌ يُقتلا . وإنّي‌ أُقسم‌ بالله‌ ليكفّنّ الرِّجال‌ أو ليقطعنّ أيديهم‌ وأرجلهم‌ وليصلّبنّ في‌ جذوع‌ النخل‌ . وجاء في‌ صدر الخطبة‌ : قال‌ فيها : إنَّ فلاناً وفلاناً قالا : «لو مات‌ عمر، بايعنا عَلِيَّاً فتمّت‌ بَيعته‌ . فإنّما كانت‌ معه‌ إلي‌ أبي‌ بكر فَلتةً وقي‌ الله‌ شرّها» .

 ولعمر خطبة‌ طويلة‌ فصّل‌ فيها ، بعد نقل‌ كلام‌ ذينك‌ الاثنين‌ اللذين‌ قالا : نبايع‌ عليّاً. 

[39] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 2 ، ص‌ 25 ، طبعة‌ دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌ ، وج‌ 1 ، ص‌ 123 (أربعة‌ أجزاء) طبعة‌ دار إحياء التراث‌ العربي‌ّ . ونقل‌ ابن‌ أبي‌ الحديد هذا الموضوع‌ عن‌ شيخه‌ أبي‌ القاسم‌ البلخي‌ّ ، وهذا نقله‌ عن‌ شيخه‌ أبي‌ عثمان‌ الجاحظ‌ .

[40] ـ «أنساب‌ الاشراف‌» ج‌ 5 ، ص‌ 15 .

[41] - نفس المصدر السابق.

[42] ـ «أنساب‌ الاشراف‌» ج‌ 5 ، ص‌ 19 . وجاء ما يقرب‌ من‌ هذا المضمون‌ في‌ «العقد الفريد» ج‌ 3 ، ص‌ 74 . 

[43] ـ «كنز العمّال‌» ج‌ 3 ، ص‌ 160 .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com