بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السادس / القسم الخامس :عدم حق لاولی الامر فی تشریع الاحکام الکلیة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

نهي‌ عمر عن‌ التمتّع‌ في‌ الحجّ، اجتهاد مقابل‌ النصّ

 والجواب‌ هو: أنّ الدليل‌ من‌ هذه‌ الوجهه‌ جلي‌ّ أيضاً، لانـّه‌ اجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ. فالله‌ ورسوله‌ نصّا علی جواز التمتّع‌ ولا إشكال‌ في‌ النصّ علی حجّ التمتّع‌. فكيف‌ يسوغ‌ لنا حينئذٍ أن‌ نقدّم‌ رأينا الخاصّ واجتهادنا الفكري‌ّ؟ والله‌ ورسوله‌ أعلم‌ أنّ الذي‌ يخافه‌ عمر وهو منه‌ في‌ قلق‌، سيفعله‌ ومع‌ ذلك‌ أمر صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بالتمتّع‌، بل‌ أمر الناس‌ أن‌ يتمتّعوا ويؤدّوا حجّهم‌ علی هذا النحو. وهذا من‌ الفيوضات‌ الناتجة‌ عن‌ رحمة‌الله‌ الواسعة‌، إذ رفع‌ الله‌ عن‌ أُمّته‌ ما عانته‌ الاُمم‌ السابقة‌ من‌ المشاقّ، واستجاب‌ دعاءه‌: رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ و علی الَّذِينَ مِن‌ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَتُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ. [1]

 وعندما يجيز الله‌ ورسوله‌ شيئاً بصراحة‌، فهل‌ هناك‌ من‌ يجرأ علی المخالفة‌؟ مضافاً إلی‌ ذلك‌، فإنّ الله‌ ورسوله‌ أعلم‌ بمصالح‌ الاحكام‌، وملاك‌ القوانين‌، والحؤول‌ دون‌ المفاسد؛ وكما نوّهنا، لعلّ طول‌ البقاء في‌ الإحرام‌ يؤدّي‌ بكثير من‌ الحجّاج‌ إلی‌ ارتكاب‌ المعصية‌ والعمل‌ اللا مشروع‌ بسبب‌ عدم‌تحمّلهمّ. وقد رفع‌ الله‌ هذا التكليف‌ الشاقّ ورجّح‌ إلیسر علی العُسر رَحْمَةً لِلاُمَّةِ المَرْحُومَةِ.

 ومن‌ عجائب‌ الامر أنّ الآية‌ التي‌ تشرّع‌ حكم‌ التمتّع‌ يأتي‌ في‌ بيانها بعين‌ المعني‌ الذي‌ أظهر عمر أنـّه‌ يخشاه‌. ألم‌ يقل‌ تعإلی‌: فَمَن‌ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلی‌ الْحَجِّ؟ وهل‌ التمتّع‌ إلاّ استيفاء الحظّ من‌ المتاع‌ والالتذاذ بطيّبات‌ النكاح‌ واللباس‌ وغيرهما؟ والشاهد علی ما نقول‌ رواية‌ جاءت‌ في‌ تفسير « الدرّ المنثور »، قال‌: أخرج‌ ابن‌ أبي‌ شيبة‌، وابن‌ المنذر عن‌ عطاء قال‌: إنَّما سُمّيت‌ المتعة‌ لانـّهم‌ كانوا يتمتّعون‌ من‌ النساء والثياب‌. وفي‌ لفظ‌: يتمتّع‌ بأهله‌ وثيابه‌. فمعني‌ قوله‌: فَمَن‌ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلی‌ الْحَجِّ هو: وَمَنْ يُعْرِسْ بِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ تَحْتَ الاَرَاكِ بَعْدَ العُمْرَةِ إلی‌ زَمَانِ الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي‌ِ. [2]

 وأعجب‌ منه‌ أنّ جمعاً من‌ الصحابة‌ قد اعترضوا علی رسول‌الله‌، واستقبحوا التمتّع‌ بالنساء في‌ الحجّ: ننطلق‌ إلی‌ منی وذَكَرُ أحدنا يقطر ـوفي‌ لفظ‌ـ: وفرجه‌ يقطُرُ مَنِيّاً؟- [3] فبلغ‌ ذلك‌ النبي‌ّ، فقام‌ خطيباً وأمرهم‌ بما استقبحوه‌ وخافوه‌ من‌ قبل‌. وأمرهم‌ بالتمتّع‌ كما فرضه‌ عليهم‌ أوّلاً، يعني‌ أنـّه‌ أمرهم‌ ثانياً بالتمتّع‌ بالنساء وبارتداء الثياب‌ الفاخرة‌، واستعمال‌ العطر. وهل‌ أنّ عدم‌ استساغة‌ هذا الامر يمكن‌ أن‌ يكون‌ شيئاً آخر غيرالتحجّر الفكري‌ّ ووصمة‌ من‌ آداب‌ الجاهليّة‌ وتقإلیدها؟

 الرابعة‌: من‌ حيث‌ تعطيل‌ أسواق‌ مكّة‌، كما في‌ رواية‌ السيوطي‌ّ التي‌ نقلناها عن‌ « جمع‌ الجوامع‌ » عن‌ سعيد بن‌ المسيّب‌، إذ يقول‌ فيها عمر: إنّ أهل‌ البيت‌ ( بيت‌ الله‌ ) ليس‌ لهم‌ ضرع‌ ولا زرع‌، وإنّما ربيعهم‌ فيمن‌ يطرء عليهم‌. لذلك‌ لو كان‌ حجّ وعمرة‌ في‌ مرحلتين‌ فذلك‌ أنفع‌ لهم‌.

 والجواب‌: هذا تحمّس‌ للّه‌، والله‌ لا يحتاج‌ إلی‌ متحمّس‌. وهو اجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ. والله‌ تعإلی‌ يرزق‌ عباده‌ بأحسن‌ ما يكون‌ ومن‌ حيث‌ لانحتسب‌، وهو بالغ‌ أمره‌ كما قال‌ جلّ من‌ قائل‌: إِنَّ اللَهَ بَالِغُ أَمْرِهِ. [4]

 وما علينا إلاّ أن‌ نكون‌ عباداً مطيعين‌ له‌؛ ولا خِيَرة‌ لنا من‌ أمرنا فنناقش‌ ما يقضيه‌ لنا؛ ونتجاوز حدّنا مفرّطين‌ في‌ توجّهنا من‌ مرحلة‌ العبوديّة‌، ومسار المأموريّة‌ إلی‌ مرحلة‌ الآمريّة‌ والربوبيّة‌، ونتعجّل‌ في‌ الامر ونتباري‌ في‌ تقديم‌ ما نريد علی كلام‌ الله‌ ورسوله‌ وأمرهما. وقد علّمنا الله‌ أن‌ لانفعل‌ ذلك‌ فقال‌: يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَهِ وَرَسُولِهِ. [5]

 وقد مرّ المؤمنون‌ في‌ صدر الإسلام‌ بمثل‌ هذا الخوف‌ والقلق‌ من‌ العسر في‌ المعيشة‌. بحيث‌ إنّهم‌ خالوا أنّ عدم‌ تردّد المشركين‌ علی مكّة‌ والمسجد الحرام‌ سيوقعهم‌ في‌ العُسر والضيق‌. فأنزل‌ الله‌ هذه‌ الآية‌: يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنـَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَ ' مَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَهُ مِنْ فَضْلِهِ إِن‌ شَآءَ إِنَّ اللَهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. [6]

 الخامسة‌: من‌ حيث‌ إنّ تشريع‌ التمتّع‌ لمكان‌ الخوف‌، فلا تمتّع‌ في‌ غيرحال‌ الخوف‌. جاء في‌ « الدرّ المنثور » قوله‌: أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْعَبْدِاللَهِ ابنِشَقِيقٍ؛قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَي‌ عَنِ المُتْعَةِ؛ وَكَانَ علی يَأمُرُ بِهَا؛ فَقَالَ عُثْمَانُ لَعلی كَلِمَةً؛ فَقَالَ علی ] عَلَيهِ السَّلاَمُ [: لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: وَلِكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ. [7]

 وجاء في‌ « الدرّ المنثور » أيضاً: أَخْرَجَ ابْنُ أَبي‌ شَيْبَةَ وَابْنُ جُرَيْرٍ وَابْنُ المُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنـَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: يا أيُّهَا النَّاسُ! وَاللَهِ مَا التَّمَتُّعُ بِالعُمْرَةِ إلی‌ الحَجِّ كَمَا تَصْنَعُونَ، إنَّمَا التَّمَتُّعُ أنْ يُهِلَّ الرَّجُلُ بِالحَجِّ فَيحْضُرُهُ عَدُوٌّ أوْ مَرَضٌ أوْ كَسْرٌ، أوْ يَحْبِسُهُ أَمْرٌ حَتَّي‌ يَذْهَبَ أَيَّامُ الحَجِّ فَيَقْدِمُ فَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً فَيَتَمَتَّعُ تَحِلَّةً إلی‌ العَامِ المُقْبِلِ ثُمَّ يَحِجُّ وَيَهْدِي‌ هَدْيَاً، فَهَذَا التَّمَتُّعُ بِالعُمْرَةِ إلی‌ الحَجِّ. [8]

 الجواب‌: حكم‌ الآية‌ القرآنيّة‌ وكلام‌ رسول‌ الله‌ مطلق‌ يشمل‌ الخائف‌ وغيره‌. وقوله‌: فَإِذَآ أَمِنتُمْ ينصّ علی أنّ حكم‌ التمتّع‌ في‌ حالة‌ الامن‌ وعدم‌الخوف‌. لذلك‌ فإنّ حصر الآية‌ في‌ حالة‌ الخوف‌ يفتقر إلی‌ الدليل‌، مضافاً إلی‌ ذلك‌، فإنّ التفسير الذي‌ أتي‌ به‌ عبد الله‌ بن‌ الزبير ليس‌ أكثر من‌ معني‌ خيإلی‌ّ ناتج‌ عن‌ مخترعاته‌، ولا شاهد عليه‌ من‌ الكتاب‌ والسنّة‌؛ بل‌ إنّ إطلاق‌ الآية‌ وكلام‌ النبي‌ّ يناقضه‌. ناهيك‌ عن‌ أنـّنا لا نثبت‌ وجوب‌ التمتّع‌ بقوله‌: فَمَن‌ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلی‌ الْحَجِّ، حتّي‌ يقولوا إنّه‌ وحده‌ يفيد لزوم‌ الهدي‌ في‌ حالة‌ فرض‌ التمتّع‌، بل‌ إنّ استدلالنا بذيل‌ الآية‌، أعني‌ قوله‌: ذَ ' لِكَ لِمَن‌ لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ و حَاضِرِي‌ الْمَسْجِدِ الْحَرَ ' مِ. وهذا الذيل‌ يفيد وجوب‌ التمتّع‌ للبعيدين‌ عن‌ المسجد الحرام‌ بنحو مطلق‌ وبدون‌ أي‌ّ تقييد بالخوف‌ من‌ عدوّ ومرض‌ وكسر وغيرها من‌ هذه‌ الاشياء.

 السادسة‌: من‌ حيث‌ الولاية‌، أي‌: أنّ عمر نهي‌ عنها بحقّ ولايته‌ الامر، وقد فرض‌ الله‌ طاعة‌ أُولي‌ الامر إذ قال‌: يَـ'´أَيـُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ. [9]

 وعلی هذا المنوال‌ روايات‌ ذكروها عن‌ نهي‌ عمر الصريح‌ عن‌ حجّ التمتّع‌ أيّام‌ حكومته‌، منها: في‌ « سنن‌ النسائي‌ّ » عن‌ ابن‌ عبّاس‌ قال‌: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: وَاللَهِ إنِّي‌ لاَنْهَاكُمْ عَنِ المُتْعَةِ وَإنَّهَا لَفِي‌ كِتَابِ اللَهِ، وَلَقَدْ فَعَلَهَا رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ ـ يَعْنِي‌ العُمْرَةَ فِي‌ الحَجِّ. [10]

 وفي‌ « سنن‌ البيهقي‌ّ » عن‌ مسلم‌، عن‌ أبي‌ نَضْرَة‌، عن‌ جابر قال‌: إنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَنْهَي‌ عَنِ المُتْعَةِ وَابْنَ عَبَّاسٍ يَأمُرُ بِهِ. قَالَ: علی يَدي‌ جَرَي‌ الحَدِيثُ، تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي‌ بَكْرٍ فَلَمَّا وَلِي‌َ عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ

 هَذَا الرَّسُولُ؛ وَالقُرآنَ هَذَا القُرآنُ؛ وَإنَّهُمَا كَانَتَا مُتْعَتَيْنِ علی عَهْدِ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَنْهَي‌ عَنْهُمَا وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا، إحْدَيْهُمَا مُتْعَةُ النِّسَاءِ؛ وَلاَ أقْدِرُ علی رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلی‌ أَجَلٍ إلاّ غَيَّبْتُهُ بِالحِجَارَةِ، وَالاُخْرَي‌ مُتْعَةُ الحَجِّ. [11]

 الرجوع الي الفهرس

من‌ الخطأ التمسّك‌ بآية‌ أُولي‌ الامر في‌ هذه‌ المسألة‌

 الجواب‌: ليس‌ لعمر مثل‌ هذه‌ الولاية‌ من‌ الله‌ حتّي‌ يتسنّي‌ له‌ أن‌ يغيّر حكماً ويحلّل‌ حراماً أو يحرّم‌ حلالاً. والآية‌ الكريمة‌ أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ لا تشمل‌ وجوب‌ الإطاعة‌ في‌ مثل‌ هذا المعني‌.

 لانـّنا أوّلاً ذكرنا في‌ الجزء الثاني‌ من‌ كتابنا هذا « معرفة‌ الإمام‌ » ضمن‌ دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌ أنّ أُولي‌ الامر هم‌ المعصومون‌ لاغير. وقد اعترف‌ بذلك‌ الفخر الرازي‌ّ علی تعصّبه‌ وتشدّده‌ في‌ مذهبه‌. وقد تحدّثنا عن‌ هذا الموضوع‌ بالتفصيل‌ في‌ الجزء المذكور وناقشناه‌ من‌ جميع‌ أبعاده‌ وجوانبه‌، وأجبنا بحول‌ الله‌ وقوّته‌ علی شبهات‌ المدافعين‌ عنه‌، وأثبتنا استلزام‌ التناقض‌ في‌ متن‌ الآية‌ علی فرض‌ شمولها غيرالمعصومين‌، ( آية‌ أُولي‌ الامر ).

 ولم‌ نعثر لحد الآن‌ علی كلام‌ لاحد يقول‌ بعصمة‌ عمر وأمثاله‌ من‌ الخلفاء؛ بل‌ إنّ جميع‌ علماء العامّة‌ يدأبون‌ ما استطاعوا لتبرير أخطائه‌، ويبذلون‌ قصاري‌ جهودهم‌ لتلمّس‌ مخرج‌ يساعدهم‌ علی حمل‌ أُموره‌ وأوامره‌ ونواهيه‌ محملاً صحيحاً. ومع‌ تصرّم‌ أربعة‌ عشر قرناً وجهود كلّ هؤلاء العلماء، وتإلیف‌ الكتب‌ والموسوعات‌ إلاّ أنـّهم‌ لم‌ يستطيعوا أن‌ يرفعوا خطأه‌، ويجعلوا كلامه‌ مقروناً بالحقيقة‌ والصواب‌، ويظهروه‌ علی أنـّة‌ معصوم‌.

 وثانياً: أنّ الولاية‌ التي‌ جعلها القرآن‌ الكريم‌ لاهلها لا تشمل‌ عموماً مثل‌ هذه‌ الحالات‌. وتوضيح‌ هذا المعني‌ يحتاج‌ إلی‌ مقدّمة‌ مقتضبة‌، هي‌:

 تدلّ الآيات‌ القرآنيّة‌ بما لا يحصي‌ عدداً علی لزوم‌ اتّباع‌ ما أنزله‌ الله‌ علی رسوله‌، مثل‌ الآية‌ الكريمة‌: اتَّبِعُوا مَآ أُنزِلَ إلیكُم‌ مِّن‌ رَّبِّكُمْ. [12]

 وتدلّ أيضاً علی لزوم‌ اتّباع‌ ما شرّعه‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بإذن‌ الله‌، نحو الآية‌: وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَهُ وَرَسُولُهُ و. [13]

 والآية‌: وَمَآ ءَاتَـب'كُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـ'كُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. [14]

 لانّ الإيتاء هو الامر بقرينة‌ مقابلته‌ بالنهي‌. فيجب‌ إطاعة‌ الله‌ ورسوله‌ بامتثال‌ الاوامر وانتهاء النواهي‌. وكذلك‌ الحكم‌ والقضاء، إذ ينبغي‌ العمل‌ وفقاً لحكم‌ وقضاء الله‌ ورسوله‌. وجاء في‌ سورة‌ المائدة‌ قوله‌ تعإلی‌ مكرّراً في‌ الآيات‌ 44، و 45، و 47، وهي‌: وَمَن‌ لَّمْ يَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْكَـ'فِرُونَ. و مَنْ لَمْ يَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الظَـ'لِمُونَ. و مَن‌ لَّمْ يَحْكُم‌ بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ فَأُولَـ'´نءِكَ هُمُ الْفَـ'سِقُونَ.

 ومثل‌ الآية‌: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَرَسُولُهُ و´ أَمْرًا أَن‌ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن‌ يَعْصِ اللَهَ وَرَسُولَهُ و فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً مُّبِينًا. [15]

 ومثل‌ الآية‌: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ. [16]

 والمراد من‌ الاختيار في‌ هذه‌ الآيات‌ هو القضاء أو التشريع‌ أو ما يعمّ ذلك‌. وقد نصّ القرآن‌ علی أنـّه‌ كتاب‌ غير منسوخ‌، وأنّ الاحكام‌ باقية‌ علی ما هي‌ عليه‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌. وَإِنـَّهُ و لَكِتَـ'بٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. [17]

 والضمير في‌ « إنَّهُ » يرجع‌ إلی‌ الذِكر وهو القرآن‌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ( صدر الآية‌ 41 ). والعزيز المنيع‌ الذي‌ لا يؤثّر فيه‌ بمعني‌ شي‌ء، وهو حافظ‌ لنفسه‌ دوماً وأبداً.

 والمراد من‌ إيتان‌ الباطل‌، دخول‌ الباطل‌ فيه‌ بحيث‌ يشوّه‌ صورته‌ كلّها أو بعض‌ أجزائها، سواء المعارف‌ الحقّة‌، أو الإحكام‌ والشرائع‌، أو الإخلاقيّات‌، أو قصص‌ الماضين‌ وأخبارهم‌، أو أخبار الذين‌ سيأتون‌ في‌ المستقبل‌، أو الامثال‌ والحكايات‌، ويجعلها كلّها غيرمستساغة‌ وغيرمقبولة‌، أو يصوّرها علی أنـّها عسيرة‌ التطبيق‌.

 والمقصود من‌ الامام‌ والخلف‌ في‌ الآية‌: لاَ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَمِنْ خَلْفِهِ. أمّا وفقاً للزمان‌، أي‌: أنّ الباطل‌ لا يأتيه‌ سواء في‌ الاعصار القادمة‌ أو المنصرمة‌، فيكون‌ المعني‌: أنّ كلّ حكم‌ يقع‌ في‌ المستقبل‌، لايمكن‌ أن‌ يقدح‌ في‌ القرآن‌؛ وأي‌ّ حكم‌ تحقّق‌ في‌ الماضي‌ لم‌ يقدح‌ فيه‌ أيضاً؛ ولم‌ يورد فيه‌ خللاً يضعفه‌ ويصيّره‌ واهياً. وأمّا وفقاً للاخبار التي‌ تترجم‌ تلك‌ الوقائع‌. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ يكون‌ المعني‌ بالعكس‌؛ أي‌: أنّ كلّ شي‌ء من‌ الاشياء والقوانين‌ والعلوم‌ المعاصرة‌ التي‌ تحكي‌ ما كان‌ في‌ القرون‌ السابقة‌، وهي‌ موجودة‌ فعلاً، لا تستطيع‌ أن‌ تسرّب‌ الوهن‌ في‌ القرآن‌، وكذلك‌ الاحكام‌ والقوانين‌ والعلوم‌ التي‌ ستظهر في‌ المستقبل‌، فإنّها لاتستطيع‌ أن‌ تضفي‌ صبغة‌ الفتور والضعف‌ علی القرآن‌.

 وعلی كِلاَ التقديرين‌، فإنّ مفاد الآية‌ واحد. وهو أنـّه‌ لاتعارض‌ في‌ بيان‌ القرآن‌ أبداً؛ ولا كذب‌ في‌ أخباره‌، ولا سبيل‌ للباطل‌ إلی‌ معارفه‌ وأحكامه‌ وشرائعه‌؛ وليس‌ فيه‌ نسخ‌ أو تحريف‌ أو تغيير؛ ولا يتعارض‌ معه‌ شي‌ء سواء من‌ الحوادث‌ الواقعة‌ من‌ الآن‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، أو الحوادث‌ التي‌ وقعت‌ في‌ الماضي‌ حتّي‌ بدء الخليقه‌.

 الرجوع الي الفهرس

ليس‌ لاُولي‌ الامر الحقّ في‌ تشريع‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌

 وبالجملة‌ تدلّ الآية‌ علی عدم‌ إمكان‌ النسخ‌ في‌ أحكامه‌ بنحو الإطلاق‌ والعموم‌. ولذلك‌ فإنّ كلّ ما شرّعه‌ الله‌ ورسوله‌، وحكما به‌، علی الاُمّة‌ جمعاء واجب‌ اتّباعه‌، يتساوي‌ بذلك‌ أدناها مع‌ أُولي‌ أمرها. فهذه‌ مقدّمة‌ للمقصود جري‌ بيانها بهذا الاُسلوب‌.

 ويستنتج‌ ممّا تقدّم‌ أنّ قوله‌ تعإلی‌: أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ يثبت‌ لاُولي‌ الامر حقّ الاتّباع‌ في‌ غير الاحكام‌. وأمّا في‌ الاحكام‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ فإنّ أُولي‌ الامر ورعيّتهم‌ يتساوون‌ في‌ حفظ‌ الاحكام‌ الإلهيّة‌ والنبويّة‌، وفي‌ وجوب‌ اتّباعها.

 وفي‌ ضوء ذلك‌، فإنّ وجوب‌ إطاعة‌ أُولي‌ الامر ينحصر في‌ أوامرهم‌ ونواهيهم‌ بالنسبة‌ إلی‌ الحالات‌ التي‌ يرون‌ فيها صلاح‌ الاُمّة‌ الإسلاميّة‌؛ ولكنّ حكم‌ الله‌ علی أي‌ّ حال‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ محفوظاً في‌ القضيّة‌ والموضوع‌.

 وتشخيص‌ أُولي‌ الامر ما فيه‌ صلاح‌ الاُمّة‌ الإسلاميّة‌ كتشخيص‌ الإنسان‌ ما فيه‌ صلاحه‌ بالنسبة‌ إلی‌ شؤونه‌ الخاصّة‌، وما يفعله‌، أو يتركه‌. فاختياره‌ في‌ كلّ الاحوال‌ ثابت‌ لا يتغيّر. وعلی سبيل‌ المثال‌، فإنّ كلّ واحد منّا حرّ في‌ أكل‌ الرمّان‌ يوم‌ الجمعة‌، وفي‌ عدم‌ أكله‌؛ فنحن‌ نختار الاكل‌ أو عدم‌الاكل‌، ولكنّ جواز أكل‌ الرمّان‌ يوم‌ الجمعة‌ باقٍ علی حاله‌ في‌ كِلاَ الحإلین‌. ونحن‌ نستطيع‌ أن‌ نشتري‌ السلعة‌ الفلانيّة‌ يوم‌ الخميس‌ أو لانشتريها. فجواز البيع‌ والشراء من‌ مال‌ حلال‌ قائم‌ في‌ كِلاَ الحإلین‌. ونحن‌ نستطيع‌ أن‌ نتقاضي‌ إلی‌ الحاكم‌ الشرعي‌ في‌ المنازعة‌ الفلانيّة‌ ونأخذ حقّنا، ونستطيع‌ أن‌ لا نتقاضي‌ إلیه‌، ونتنازل‌ عن‌ حقّنا. فحكم‌ الجواز بالرجوع‌ إلیه‌ ثابت‌ في‌ الحالتين‌ معاً.

 بَيدَ أَنـّا لا نستطيع‌ أن‌ نغيّر حكماً؛ كما لو أردنا أن‌ نشرب‌ خمراً أو نتعامل‌ بالربا، أو نغصب‌ مال‌ الآخرين‌ ونبطل‌ حكم‌ تملّكهم‌ له‌، حتّي‌ لو رأينا في‌ ذلك‌ مصلحة‌ لنا. ذلك‌ لانّ ممارساتنا هذه‌ ستتعارض‌ مع‌ حكم‌ الله‌، وحكم‌ الله‌ ثابت‌ لا يتغيّر. فهذا مثال‌ في‌ الممارسات‌ الشخصيّة‌.

 وموضوع‌ ولي‌ّ الامر يجري‌ علی نفس‌ النسق‌. غاية‌ الامر أنـّه‌ يجري‌ بالنسبة‌ إلی‌ الاُمور العامّة‌ وفقاً للمصالح‌ الكلّيّة‌ مع‌ رعاية‌ حفظ‌ الاحكام‌ الإلهيّة‌ الكلّيّة‌ استهداءً بالنهج‌ الذي‌ رسمه‌ القرآن‌ المجيد، وبيّنه‌ النبي‌ّ الكريم‌.

 ويجب‌ علی أُولي‌ الامر أن‌ يحرسوا الثغور الإسلاميّة‌ حسب‌ المصالح‌ النوعيّة‌ ويحدّدوا مهمّة‌ الحرب‌ والسلم‌. ويرشدوا الناس‌ في‌ الاُمور العباديّة‌ والتجاريّة‌ والزراعيّة‌ إلی‌ طريق‌ مستقيم‌ قريب‌ بغية‌ فلاحهم‌ ونجاحهم‌؛ إلاّ أنـّه‌ لايحقّ لهم‌ التحريم‌ العامّ وتغيير الحكم‌ الإلهي‌ّ.

 الرجوع الي الفهرس

حكم‌ عمر المخالف‌ لحكم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ غير مقبول‌

 والنتيجة‌ الحاصلة‌ إنّ ولي‌ّ الامر هو بمنزلة‌ شخص‌ واحد، غاية‌ الامر في‌ الشؤون‌ النوعيّة‌ التي‌ هي‌ لعامّة‌ الناس‌. وكلّ مهمّة‌ اختيار وصلاحيّة‌ لشخص‌ من‌ الاشخاص‌ تمثّل‌ في‌ شؤونه‌ الشخصيّة‌ والعائليّة‌، وهي‌ لولي‌ّ الامر في‌ الشؤون‌ العامّة‌ والاجتماعيّة‌.

 ولولي‌ّ الامر حقّ التصرّف‌ في‌ الشؤون‌ الاجتماعيّة‌ وفقاً لما يراه‌ صالحاً بالنسبة‌ إلی‌ المصالح‌ العامّة‌ مع‌ رعاية‌ حكم‌ الله‌ في‌ كلّ واقعة‌ وحادثة‌.

 ولو قدّر أن‌ يسمح‌ لولي‌ّ الامر التصرّف‌ في‌ الاحكام‌ التشريعيّة‌، والتكليفيّة‌ أو الوضعيّة‌ مراعاة‌ للظروف‌ الزمنيّة‌، فسوف‌ لن‌ يبقي‌ أي‌ّ حكم‌ وأي‌ّ شريعة‌ أبداً. لانّ كلّ واحد من‌ أُولي‌ الامر إذا رفع‌ حكماً أو وضعه‌، فإنّ الشريعة‌ سوف‌ تتغيّر، وأساسها سوف‌ ينقلب‌ بعد تعاقب‌ عدد من‌ أُولي‌ الامر، وبالتإلی‌ لا يمكننا أن‌ نتصوّر معني‌ ومفهوماً لاستمرار الشريعة‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌.

 وما الفرق‌ بين‌ أن‌ يقال‌: إنّ حكم‌ التمتّع‌ بالنساء نكاحاً مؤقّتاً، وحكم‌ التمتّع‌ بالنساء في‌ الحجّ وغيره‌ لا ينسجمان‌ مع‌ مناسك‌ الحجّ وطقوسه‌ العباديّة‌ ووضع‌ الحاجّ؛ وينبغي‌ رفعهما؛ وبين‌ أن‌ يقال‌: إنّ استرقاق‌ العبيد لاينسجم‌ مع‌ واقعنا المعاصر هذا إلیوم‌، وينبغي‌ إلغاؤه‌؛ وبين‌ أن‌ يقال‌: إنّ المدنيّة‌ المعاصرة‌ لا تستسيغ‌ ولا تستوعب‌ تطبيق‌ الحدود الإلهيّة‌ كقطع‌ يد السارق‌، ورجم‌ الزاني‌ وجلده‌، والقصاص‌ من‌ الشخص‌ القائل‌. وإنّ القوانين‌ السائدة‌ في‌ عالم‌ إلیوم‌ لا تقرّ ذلك‌ ولا تقبله‌؛ فينبغي‌ رفع‌ ذلك‌. ومثال‌ ما ذكرنا كثير.

 ويستفاد هذا المعني‌ من‌ بعض‌ الروايات‌ المأثورة‌ في‌ هذا الباب‌: إذ جاء في‌ بعضها أنّ أُبَي‌ّ بن‌ كَعْب‌ قام‌ بوجه‌ عمر وقال‌ له‌: ليس‌ لك‌ أن‌ تغيّر حكم‌ القرآن‌ وحكم‌ رسول‌ الله‌! ولم‌ يجبه‌ عمر.

 جاء في‌ « الدرّ المنثور »: أَخْرَجَ إسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْه‌ فِي‌ مُسْنَدِهِ وَأَحْمَدُ عَنِ الحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ هَمَّ أَنْ يَنْهَي‌ عَنْ مُتْعَةِ الحَجِّ فَقَامَ إلیهِ أُبَي‌ُّبْنُ كَعْبٍ؛ فَقَالَ: لَيسَ ذَلِكَ لَكَ! قَدْ نَزَلَ بِهَا كِتَابُ اللَهِ وَاعْتَمَرْنَاهَا مَعَ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ عُمَرُ. [18]

 وجاء فيه‌ أيضاً: أَخْرَجَ البُخَارِي‌ُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِي‌ُّ عَنْ سَعِيدِبْنِ المُسَيّبِ قَالَ: اخْتَلَفَ علی وَعُثْمَانُ وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي‌ المُتْعَةِ؛ فَقَالَ علی: مَا تُرِيدُ إلاَّ أنْ تَنْهَي‌ عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: فَلَمَّا رَأي‌ ذَلِكَ علی أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعاً. [19]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ لزوم‌ أخذ السنّة‌ وترك‌ البدعة‌

 استبان‌ لنا ممّا تقدّم‌ أنّ هذه‌ التغييرات‌ والتحريفات‌ التي‌ قام‌ بها عُمَر في‌ الشريعة‌ المحمّديّة‌ كانت‌ غير صحيحة‌. وعلی فرض‌ اختياره‌ للخلافة‌ وحكومته‌ الشعبيّة‌ كما يظنّ العامّة‌، فإنّ تلك‌ الممارسات‌ لا تقبل‌ منه‌.

 ولم‌ ينه‌ عمر عن‌ متعة‌ الحجّ فحسب‌، بل‌ ونهي‌ عن‌ متعة‌ النساء وقال‌: من‌ تزوّج‌ امرأةً إلی‌ أجل‌، أجريت‌ عليه‌ الحدّ. [20] أي‌: أنـّه‌ يجري‌ حدّالزنا علی من‌ يتمتّع‌ بالنساء تمتّعاً شرعيّاً. وله‌ في‌ كثير من‌ الاُمور الاُخري‌ ممارسات‌ مناهضة‌ للشريعة‌، وهي‌ مدوّنة‌ في‌ الكتب‌ المفصّلة‌ للشيعة‌ والعامّة‌.

 وتسلّم‌ عثمان‌ مقإلید الاُمور تأسّياً بسنّة‌ أبي‌ بكر وعمر. فعندما لم‌تثمر المناقشات‌ والمباحثات‌ التي‌ دارت‌ في‌ الشوري‌ المرشّحة‌ من‌ قبل‌ عمر بعد مضي‌ ثلاثة‌ أيّام‌، عرض‌ عبد الرحمن‌ بن‌ عوف‌ علی أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أن‌ يبايعه‌ علی أن‌ يعمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسوله‌ وسيرة‌ الشيخين‌ أبي‌ بكر وعمر ] فأبي‌ الإمام‌ [ فقال‌: بل‌ علی العمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسول‌ الله‌ واجتهاد رأيي‌.

 فعدل‌ عنه‌ إلی‌ عثمان‌ وعرض‌ عليه‌ بكتاب‌ فقال‌: نعم‌! فبايعه‌ ابن‌ عوف‌، واختاره‌ للخلافة‌ وفقاً لهذا الاصل‌. [21]

 ولهذا نري‌ عثمان‌ في‌ أيّام‌ حكومته‌ قد احترم‌ ما أحدثه‌ أبوبكر وعمر في‌ الشريعة‌ من‌ مخالفات‌، وأيّد أحكامهما المختلقة‌. وكذلك‌ كانت‌ سجيّة‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ وباقي‌ خلفاء بني‌ أُميّة‌ فإنّهم‌ كانوا يحترمون‌ سيرة‌ الشيخين‌؛ بينما لا نجد محملاً صحيحاً لذلك‌ من‌ منظار البحث‌ العقلي‌ّ والنقلي‌ّ.

 إنّنا نعمل‌ بكتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌ لانـّنا نعتبرهما معصومين‌ من‌ الخطأ والانتهاك‌، وإلاّ فما هو الدليل‌ القاطع‌ الذي‌ يلزمنا أن‌ نبني‌ كسبنا وعلمنا وعبادتنا ونكاحنا وجهادنا وأُمورنا الاجتماعيّة‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌ وبدون‌ حجّة‌ قاطعة‌ علی مبدأ ليس‌ له‌ ركيزة‌ قويّة‌ راسخة‌؟

 ما هو المبرّر لممارسات‌ عمر، وهو لم‌ يكن‌ معصوماً، ولم‌ يرد في‌ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسوله‌ ما أجاز له‌، حتّي‌ يعمل‌ كيف‌ يشاء؟ وما هو الدليل‌ العقلي‌ّ أو الشرعي‌ّ الذي‌ يجيز لنا اتّباعه‌ حتّي‌ يوم‌ القيامة‌ مع‌ أنـّه‌ فعل‌ هذه‌ التصرّفات‌، مهما كان‌ الدليل‌ الذي‌ عوّل‌ عليه‌؟ وما هو الدليل‌ الذي‌ نعوّل‌ عليه‌ في‌ احترام‌ أمره‌ ونهيه‌ وسيرته‌؟ وما هو الباعث‌ لنا أن‌ نثمّن‌ ما وضعه‌ في‌ مقابل‌ كتاب‌ الله‌ وتشريع‌ رسول‌ الله‌، ونعتبر ذلك‌ قاعدة‌ من‌ قواعد الدين‌؟

 وحتّي‌ لو كانت‌ لعمر حكومة‌ شرعيّة‌، وكان‌ ولي‌ّ الامر علی أساس‌ الواقع‌ والحقيقة‌، فإنّ ذلك‌ يرتبط‌ بعصره‌، وينبغي‌ أن‌ تطبّق‌ أوامره‌ ونواهيه‌ في‌ زمانه‌، لا أن‌ تبقي‌ نسْلاً بَعْدَ نَسْلٍ وَجيلاً بَعْدَ جِيلٍ إلی‌ الاَبَدِ.

 هذه‌ طامّة‌ كبري‌ قد ابتلي‌ بها إخواننا العامّة‌. وليت‌ شعري‌ ما هو الدافع‌ لهم‌ علی أن‌ يثقلوا كواهلهم‌ بهذه‌ الاعباء والاوزار والمتاعب‌؟ ولم‌يقوموا بالتلبية‌ والحجّ؟ إن‌ كان‌ ذلك‌ من‌ أجل‌ اتّباع‌ الحقّ والحقيقة‌، وأمر الله‌ وكتابه‌ وسنّة‌ رسوله‌، فقد علمنا أنـّة‌ ليس‌ كذلك‌.

 وإن‌ كان‌ تطييباً لخواطر عمر وغيره‌ من‌ الحكّام‌، فعلينا أن‌ نعلم‌ أنـّه‌ خطأ لايغتفر، وسيشملهم‌ قوله‌ تعإلی‌: وَيَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ. [22]

 إنّ كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ رسوله‌ أصلان‌ من‌ أُصول‌ العمل‌ بالدين‌؛ وإقحام‌ سيرة‌ الشيخين‌ وسنّة‌ عمر يمثّل‌ نسخاً للقرآن‌ والشريعة‌ المحمّديّة‌، وإدخالاً للباطل‌ وتضعيفاً للكتاب‌. وخلافنا نحن‌ الشيعة‌ مع‌ إخواننا العامّة‌ هَدَاهُمُ اللَهُ إلی‌ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ وَالنَّهْجِ القَوِيمِ هو أنـّنا نجعل‌ كتاب‌الله‌ وسنّة‌رسوله‌ والمعصومين‌ محوراً وأساساً للدين‌ والاستنباط‌، بَيدَ أنـّهم‌ يلحقون‌ بهما سيرة‌ الشيخين‌؛ وبالتإلی‌ فإنّ مبادئهم‌ المستنبطة‌ مستمدّة‌ من‌ أفكار الشيخين‌ وآرائهما.

 ومن‌ الضروري‌ّ هنا أن‌ نذكر نكتة‌ تتمثّل‌ في‌ أنّ العامّة‌ يعتبرون‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ خليفة‌ رابعاً بدون‌ أي‌ّ إشكال‌. ويطلقون‌ علی الخلفاء الاربعة‌: الخلفاء الراشدين‌. ويحقّ لنا أن‌ نقول‌ هنا متسائلين‌: ما هو الدليل‌ الذي‌ يلزمكم‌ بالعمل‌ بسيرة‌ الشيخين‌ ولا يلزمكم‌ بالعمل‌ بسيرة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌؟ ألم‌ يكن‌ خليفتكم‌ المنتخب‌ بالحقّ؟ لماذا تعرضون‌ عن‌ سنّته‌ ولا تعملون‌ بها؟ وقد جاء في‌ كتبكم‌ المعتبرة‌ كلّها أنّه‌ كان‌ يجيز المتعة‌، وقد أفتي‌ بإباحة‌ الزواج‌ المؤقّت‌ علناً، وكان‌ يأمر بحجّ التمتّع‌ جهاراً، فَلِمَ لا تقدّمون‌ سنّته‌ وسيرته‌ علی سنّة‌ الآخرين‌ وسيرتهم‌؟ وعلی فرض‌ تعارضها مع‌ سيرة‌ عمر وأبي‌ بكر وتساقط‌ السيرتين‌ من‌ الحجّيّة‌، بَيدَ أنّ الاصل‌ هو الرجوع‌ إلی‌ الكتاب‌ والسنّة‌، وهو ما يمثّل‌ ـبالتإلی‌ـ فقه‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. وقد آن‌ الاوان‌ لاءخواننا العامّة‌ أن‌ يرجعوا إلی‌ تأريخهم‌ ويسبروا زواياه‌ وحناياه‌ بالفكر والتأمّل‌، والدراية‌ والتدبّر. ويفرزوا بالجرح‌ والتعديل‌ ما أُضيف‌ إلی‌ الدين‌ ووضع‌ فيه‌، ويعملوا وفقاً لما يتطلبّه‌ الواقع‌ ومتن‌ الحقّ.

 ومن‌ المناسب‌ هنا أن‌ نذكر حكايتين‌: الاُولي‌: جاء في‌ « الدرّ المنثور »: أخرج‌ البخاري‌ّ، ومسلم‌ عن‌ أبي‌ حمزة‌ قال‌: سألت‌ ابن‌ عبّاس‌ عن‌ المتعة‌، فأمرني‌ بها. وسألته‌ عن‌ الهَدْي‌، فقال‌: فيها جزور، أو بقرة‌، أو شاة‌، أو شرك‌ في‌ دم‌! قال‌: وكان‌ ناس‌ كرهوها، فنِمت‌، فرأيت‌ في‌ المنام‌ كأنّ إنساناً ينادي‌: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ. فأتيت‌ ابن‌ عبّاس‌، فحدّثتُهُ، فقال‌: اللَهُ أكْبَرُ، سُنَّةُ أبي‌ القاسِمِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ ] وَآلِهِ [ وَسَلَّمَ. [23]

 الثانية‌: نقل‌ عن‌ الراغب‌ الإصفهاني‌ّ في‌ كتابه‌: « المحاضرات‌ » وهو من‌ الكتب‌ المفيدة‌، أنـّه‌ قال‌: سأل‌ يحيي‌ بن‌ أكثم‌ شيخاً من‌ أهل‌ البصرة‌ فقال‌ له‌: بمن‌ اقتديت‌ في‌ جواز المتعة‌؟ فقال‌ الشيخ‌: بعمر بن‌ الخطّاب‌. فقال‌ له‌: كيف‌ وعمر كان‌ من‌ أشدّ الناس‌ فيها؟

 قال‌ ] الشيخ‌ [: نَعَمْ، صَحَّ الحَديثُ عَنهُ أَنـَّهُ صَعَدَ المِنْبَرَ فَقَالَ: يَاأَيُّهَا النَّاسُ! مُتْعَتانِ أَحَلَّهُمَا اللَهُ وَرَسُولُهُ لَكُمْ؛ وَأَنَا أُحَرِّمُهُمَا عَلَيْكُمْ وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا. فَقَبِلْنَا شَهَادَتَهُ؛ وَلَمْ نَقْبَلْ تَحْرِيمَهُ. [24]

 الرجوع الي الفهرس

  

الدرس‌ الثالث‌ والثمانون‌ إلی‌ التسعين‌

 حجّ رسول‌ الله‌ وخطبه‌ صلوات‌ الله‌ عليه‌ وآله‌

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَإِذْ بَوَّأْنَا لاِءِبْرَ ' هِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن‌ لاَ تُشْرِكْ بِي‌ شَيْئـًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآنءِفِينَ وَالْقَآنءِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن‌ فِي‌ النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعلی' كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن‌ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَـ'فِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَهِ فِي‌´ أَيَّامٍ مَّعْلُومَـ'تٍ علی' مَا رَزَقَهُم‌ مِّن‌ بَهِيمَةِ الاْنْعَـ'مِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآنءِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَ ' لِكَ وَمَن‌ يُعَظِّمْ حُرُمَـ'تِ اللَهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ و عِندَ رَبِّهِوَأُحِلَّتْ لَكُمُ الاْنْعَـ'مُ إِلاَّ مَا يُتْلَي‌' عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاْوْثَـ'نِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّوْرِ. [25]

 الرجوع الي الفهرس

مسير رسول‌ الله‌ من‌ مكّة‌ إلی‌ عرفات‌

 بعد الطواف‌ والسعي‌ وبيان‌ حكم‌ التمتّع‌ لمن‌ لم‌ يكن‌ معهم‌ هَدْي‌ توقّف‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ الابطح‌ شرقي‌ّ مكّة‌ أيّاماً قبل‌ حلول‌ الحجّ مع‌ جميع‌ من‌ يخصّه‌ من‌ أهل‌ بيته‌ ولاسيّما بضعته‌ الكريمة‌ فاطمة‌ الزهراء عليها السلام‌ سيّدة‌ نساء العالمين‌ وأولادها الصغار الذين‌ رافقوها في‌ تلك‌ السفرة‌: الإمام‌ الحسن‌، والإمام‌ الحسين‌، وزينب‌، وأُمّ كلثوم‌ عليهم‌ السلام‌ وكانت‌ أعمارهم‌ تتراوح‌ بين‌ السابعة‌ والثامنة‌، وأقلّ من‌ ذلك‌. وكانت‌ حاملاً ب المحسن‌ عليه‌ السلام‌ كما تفيد القرائن‌.

 وفي‌ ضوء ما قيل‌ إنّه‌ دخل‌ مكّه‌ في‌ يوم‌ الاحد الرابع‌ من‌ ذي‌الحجّة‌، فإنّه‌ توقّف‌ أربع‌ ليال‌ أُخري‌ في‌ مكّة‌؛ [26] وخطب‌ في‌ إلیوم‌ السابع‌ الذي‌ يسمّونه‌: يَوْم‌ الزِّينَةِ، لانّه‌ يزيّن‌ فيه‌ البدن‌ بالجلال‌، [27] وخطب‌ في‌ إلیوم‌ الثامن‌ وهو يوم‌ التَرْويَة‌ وأخبرهم‌ بمناسكهم‌. [28] وتوجّه‌ إلی‌ منی يوم‌ الخميس‌، وهو يوم‌ التروية‌، قبل‌ الزوال‌ وقيل‌ بعده‌، وأمر المتمتّعين‌ في‌ ذلك‌ إلیوم‌ أن‌ يحرموا من‌ مكّة‌ ويلبّوا ] متّجهين‌ إلی‌ منی [. [29]

 وفي‌ ضوء ذلك‌، فإنّ جميع‌ المتمتّعين‌ الذين‌ أحلّوا من‌ إحرامهم‌ بأمره‌ منذ إلیوم‌ الرابع‌، بقوا محلّين‌ حتّي‌ إلیوم‌ الثامن‌ ( التروية‌ ) ماعدا الرسول‌ الاعظم‌ وأمير المؤمنين‌ عليهما السلام‌ ومن‌ ساق‌ معه‌ الهَدْي‌. ثمّ أحرموا في‌ ذلك‌ إلیوم‌ وتوجّهوا إلی‌ منی:

 جاء رسول‌ الله‌ إلی‌ منی، وصلّي‌ الظهر، و العصر، و المغرب‌، و العشاء فيها، ثمّ مكث‌ حتّي‌ الصباح‌؛ فصلّي‌ الفجر فيها أيضاً وذلك‌ يوم‌ التاسع‌، وهو يوم‌ عرفة‌. ثمّ توجّه‌ إلی‌ عرفات‌. ولا خلاف‌ في‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ هذه‌ الصلوات‌ الخمس‌ في‌ منی. وحتّي‌ الذين‌ قالوا إنّه‌ تحرّك‌ يوم‌ التروية‌ بعد زوال‌ الشمس‌، صرّحوا بأنـّه‌ صلّي‌ الظهر بمنی. [30]

 وعلی هذا الاساس‌، وبناءً علی أصل‌ الروايات‌ الواردة‌ عن‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌ فإنّ من‌ المستحبّ المؤكّد هو أنّ علی الحجّاج‌ أن‌ لا يذهبوا من‌ مكّة‌ إلی‌ عرفات‌ مباشرة‌، بل‌ عليهم‌ أن‌ يبيتوا ليلة‌ عرفة‌ ب منی، ويتوجّهوا إلی‌ عرفات‌ صبيحة‌ يوم‌ عرفة‌.

 وقد تحرّك‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ عَرَفَات‌ صبيحة‌ يوم‌ عرفة‌ بعد طلوع‌ الشمس‌، وأمر أن‌ يضربوا قبابهم‌ ب نَمِرَة‌ [31].

 ولانّ قريش‌ كانوا يرون‌ أنـّهم‌ أهل‌ الحرم‌، لذا فقد كانوا لايخرجون‌ من‌ المشعر الحرام‌ الذي‌ هو داخل‌ الحرم‌ أثناء الحجّ، ويجعلون‌ وقوفهم‌ عند المشعر. وكانوا يقولون‌: إنّ الوقوف‌ في‌ عرفات‌، وهي‌ خارج‌ الحرم‌ لغير قريش‌. ومن‌ هذا المنطلق‌ فإنّ رسول‌الله‌ لمّا تحرّك‌ من‌ منی، لم‌تشكّ قريش‌ ـوهو منهاـ أنـّه‌ سيقف‌ في‌ المشعر؛ إلاّ أنّ ظنّها لم‌ يصدق‌، إذ إنّه‌ توجّه‌ من‌ منی إلی‌ عرفات‌ ونزل‌ قبّة‌ قد ضربت‌ له‌ ب نَمِرَة‌.[32] ووفقاً لقوله‌ تعإلی‌: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاْسْتَغْفِرُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [33]، فإنّه‌ جعل‌ الوقوف‌ في‌ عرفات‌. وتحرّك‌ من‌ هناك‌ إلی‌ المشعر الحرام‌، ثمّ إلی‌ منی لاداء مناسك‌ منی.

 أجل‌، كان‌ رسول‌ الله‌ في‌ قبّته‌ بعرفات‌ حتّي‌ إذا زالت‌ الشمس‌ أمر بناقته‌ القَصْواءِ، [34] فرحلت‌، ثمّ أتي‌ بطن‌ الوادي‌، فخطب‌ الناس‌ قائلاً:

 إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا؛ فِي‌ شَهْرِكُمْ هَذَا؛ فِي‌ بَلَدِكُمْ هَذَا؛ أَلاَ كُلُّ شَي‌ْءٍ مِنْ أمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ؛ وَإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَبْنِ الْحَارِثِ ـوَكَانَ مُسْتَرْضِعاً فِي‌ «بَنِي‌ سَعْدٍ» فَقَتَلَهُ «هُذَيْلٌ»ـ.

 وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ؛ وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِبْنِ عَبْدِالمُطَّلِبِ فَإنَّهُ مُوْضُوعٌ كُلُّهُ. [35]

 وَاتَّقُوا اللَهَ فِي‌ النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذتُموهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَهِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ؛ فَإنْ فَعلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ! [36] وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

 وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي‌ إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللَهِ! [37]

 وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي‌ فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟! قَالُوا: نَشْهَدُ أَنـَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ! فَقَالَ بِإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلی‌ السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا علی النَّاسِ: اللَهُمَّ اشْهَد! اللَهُمَّ اشْهَدْ! اللَهُمَّ اشْهَدْ! ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. [38]

 يقول‌ عمرو بن‌ خارِجة‌: بعثني‌ عَتّاب‌ بن‌ أُسَيْد إلی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ في‌ حاجة‌، ورسول‌ الله‌ واقف‌ بعرفة‌، فبلغته‌ ثمّ وقفت‌ تحت‌ ناقته‌ وأنّ لعابها ليقع‌ علی رأسي‌، فسمعته‌ يقول‌:

 أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ اللَهَ أَدَّي‌ إلی‌ كُلِّ ذِي‌ حَقٍ حَقَّهُ؛ وَإنَّهُ لاَيَجُوزُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ؛ [39] وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ؛ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ؛ وَمَنِ ادَّعَي‌ إلی‌ غَيْرِ أبِيهِ، أوْ تَوَلَّي‌ غَيْرَ مَوَإلیهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَهُ لَهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً. [40]

 كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ينشي‌ هذه‌ الخطبة‌ وربيعة‌بن‌ أُمَيَّة‌ بن‌ خَلَف‌، وهو جَهْوَرِي‌ّ الصوت‌، يُنادي‌ بها في‌ الناس‌، ورسول‌الله‌ يقول‌ له‌: قل‌: أيّها الناس‌! إنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ يقول‌:... [41]

 وبعد خطبة‌ رسول‌ الله‌، أذّن‌ بَلاَل‌، ثمّ أقام‌، فصلّي‌ الظهر، ثمّ أقام‌ ] بلال‌ [، فصلّي‌ العصر.

 الرجوع الي الفهرس

تحقيق‌ حول‌ صلاة‌ الظهر التي‌ أُقيمت‌ في‌ عرفات‌

 وما يفيده‌ هذا الكلام‌ هو أنّ رسول‌ الله‌ خطب‌ بعد حلول‌ وقت‌ الظهر، ثمّ جمع‌ بين‌ الظهر والعصر؛ وهل‌ كانت‌ صلاة‌ الظهر هذه‌ هي‌ صلاة‌ الجمعة‌ إذ صلّي‌ ركعتين‌ وخطب‌ قبلهما؛ أو كانت‌ صلاة‌ الظهر دون‌ كيفيّة‌ صلاة‌ الجمعة‌، كلّ ما في‌ الامر أنّ خطبة‌ قد أُلقيت‌ قبلها؟ ولمّا كان‌ ذلك‌ إلیوم‌ هو يوم‌ الجمعة‌، وكان‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد جمع‌ بين‌ الظهر والعصر، وخطب‌ قبل‌ الصلاة‌، فيمكن‌ أن‌ نقول‌: إنّ الصلاة‌ كانت‌ صلاة‌ الجمعة‌. لا سيّما وأنّ الرواية‌ المأثورة‌ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ أبيه‌، عن‌ جابر في‌ حِجَّة‌ الوَداع‌ تعضد ذلك‌.

 قال‌ جابر: « راح‌ النبي‌ّ إلی‌ الموقف‌ بعرفة‌، فخطب‌ الناس‌ الخطبة‌ الاُولي‌، ثمّ أذّن‌ بلال‌؛ ثمّ أخذ النبي‌ّ في‌ الخطبة‌ الثانية‌، ففرغ‌ من‌ الخطبة‌ وبلال‌ من‌ الاذان‌؛ ثمّ أقام‌ بلال‌، فصلّي‌ الظهر؛ ثمّ أقام‌، فصلّي‌ العصر »؛ [42] وبنوا علی صلاة‌ الجمعة‌ من‌ الخطبتين‌ اللتين‌ كانتا بعد زوال‌ الشمس‌، ومن‌ الجمع‌ بين‌ صلاتي‌ الظهر والعصر.

 ولمّا كان‌ رسول‌ الله‌ مسافراً، وصلاة‌ الجمعة‌ لا تجب‌ علی المسافر، وكانت‌ الخطبة‌ بعد الزوال‌ لتهيئة‌ المسلمين‌ للعبادة‌، كما أنّ الجمع‌ بين‌ الظهر والعصر كان‌ لهذا الغرض‌، ولم‌ تثبت‌ الخطبتان‌ عن‌ النبي‌ّ، خصوصاً وقد صلّي‌ الظهر إخفاتا لا جهراً كما يفيده‌ بحث‌ مالك‌ مع‌ أبي‌ يوسف‌ بحضور هارون‌ الرشيد، فيمكننا أن‌ نستنتج‌ من‌ ذلك‌ كلّه‌ أنـّه‌ لم‌يصلّ الظهر علی صورة‌ الجمعة‌. [43]

 وبعد الصلاة‌ ركب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ راحلته‌، إلی‌ أن‌ أتي‌ الموقف‌؛ فاستقبل‌ القبلة‌، ولم‌ يزل‌ واقفاً للدعاء من‌ الزوال‌ إلی‌ الغروب‌. وفي‌ الحديث‌: أفضل‌ الدعاء يوم‌ عرفة‌، وأفضل‌ ما قلت‌ أنا والنبيّون‌ من‌ قبلي‌، أي‌ في‌ يوم‌ عرفة‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ علی كُلِّ شَي‌ْءٍ قَدِيرٌ.

 واستمرّ يدعو حتّي‌ غربت‌ الشمس‌. وجاءه‌ جماعة‌ من‌ نجد، فسألوه‌ عن‌ صورة‌ الحجّ، فأمر منادياً ينادي‌ الْحَجُّ عَرَفَةٌ؛ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ ـأَي‌: الْمُزْدَلِفَةَـ قَبْلَ طُلُوعٍ الْفَجْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. [44]

 وكان‌ رسول‌ الله‌ راكباً علی ناقته‌ العَضْبَاء؛ ولمّا غربت‌ الشمس‌، أردف‌ أُسامة‌ بن‌ زيد خلفه‌، وتوجّه‌ إلی‌ المُزْدَلَفَة‌، وهو يأمر الناس‌ بالسكينة‌ في‌ السير. ولمّا كان‌ في‌ الطريق‌ عند الشِعْب‌ الاَبْتَر، نزل‌ فيه‌ فبال‌ وتوضّأ وضوءاً خفيفاً. [45]

 وجاء بلا تأخير، حتّي‌ وصل‌ المُزْدَلَفَة‌، فصلّي‌ المغرب‌ والعشاء جامعاً بينهما بأذان‌ واحد وإقامتين‌؛ [46] واضطجع‌ بعد ذلك‌. وأذن‌ للنساء والضعفة‌ من‌ الصبيان‌ أن‌ يذهبوا إلی‌ منی بعد منتصف‌ الليل‌. ويقول‌ ابن‌ عبّاس‌: أرسلني‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مع‌ ضعفة‌ أهله‌ لآتي‌ بهم‌ إلی‌ منی بعد نصف‌ الليل‌. وأوصي‌ أن‌ لايرموا جَمْرَة‌ العقبة‌ حتّي‌ تطلع‌ الشمس‌.

 فلمّا كان‌ وقت‌ الفجر، قام‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ وصلّي‌ بالناس‌ الصبح‌ بمزدلفة‌ مغلساً. ثمّ أتي‌ المَشْعَرَ الْحَرَام‌ فوقف‌ به‌، وهو راكب‌ ناقته‌، واستقبل‌ القبلة‌، ودعا الله‌، وكبّر، وهلّل‌، ووحّد، حتّي‌ أسفر الصبح‌. [47]

 وتوجّه‌ إلی‌ منی راكباً، وأردف‌ خلفه‌ الفَضْل‌ بن‌ العَبَّاس‌. فلمّا وصل‌ وادي‌ مُحَسَّر، حرّك‌ ناقته‌ قليلاً، وسلك‌ الطريق‌ التي‌ تسلك‌ علی جَمْرَة‌ العَقَبَة‌، فرمي‌ بها من‌ أسفلها سبع‌ حصيّات‌ التقطها له‌ عبدالله‌بن‌ عبّاس‌. وصار يكبّر عند رمي‌ كلّ حصاة‌.

 الرجوع الي الفهرس

خطبة‌ النبي‌ّ الاكرم‌ في‌ منی

 وجاء في‌ « البداية‌ والنهاية‌ » ج‌ 5، ص‌ 187 عن‌ مسلم‌، عن‌ يحيي‌بن‌ الحصين‌، عن‌ جدّته‌ أُمّ الحصين‌، وكذلك‌ بسند آخر عن‌ جابربن‌ عبدالله‌، قال‌: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَهِ يَرْمِي‌ الْجَمْرَةَ علی رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإنّي‌ لاَ أدْرِي‌ لَعلی لاَ أحُجُّ بَعْدَ حِجَّتِي‌ هَذِهِ.

 وخطب‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فيما بين‌ رمي‌ الجمرات‌، وهو راكب‌ ناقة‌ أو بغلة‌ شهباء. [48] والناس‌ بين‌ قائم‌ وقاعد يستمعون‌ إلیه‌. [49] وكان‌ أمير المؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ يصيح‌ بها في‌ الناس‌ بصوت‌ عال‌. [50]

 وننقل‌ فيما يلي‌ هذه‌ الخطبة‌ عن‌ « تاريخ‌ إلیعقوبي‌ّ »:

 نَضَّرَ اللَهُ وَجْهَ عَبْدٍ سَمِعَ مَقَالَتِي‌ فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا ثُمَّ بَلَّغَها مَنْ لَمْيَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلی‌ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ.

 ثَلاَثٌ لاَيَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِي‌ٍ مُسْلِمٍ: إخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلّهِ؛ وَالنَّصِيحَةُ لاِئِمَّةِ الْحَقِّ؛ وَاللُّزُومُ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ.[51]

 وبعد ذلك‌ قال‌: يا ربيعة‌ ( ربيعة‌ بن‌ أُمَيَّة‌ بن‌ خلف‌ ) قل‌: أيّها الناس‌! يقول‌ رسول‌ الله‌: لَعَلَّكُمْ لاَ تَلْقَونَنِي‌ علی مِثْلِ حَإلی‌ هَذِهِ وَعَلَيْكُمْ هَذَا! هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ بَلَدٍ هَذَا؟ وَهَلْ تَدْرُونَ أَيَّ شَهْرٍ هَذَا؟! وَهَلْ تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟!

 فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ! هَذَا الْبَلَدُ الْحَرَامُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ وَإلیوْمُ الْحَرَامُ!

 قَالَ: فَإنَّ اللَهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا؛ وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا؛ وَكَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا! أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَد!

 ثُمَّ قَالَ: وَاتَّقُوا اللَهَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوا فِي‌ الاْرْضِ مُفْسِدِينَ. فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا!

 ثُمَّ قَالَ: النَّاسُ فِي‌ الإسلام سَوَاءٌ؛ النَّاسُ طَفُّ الصَّاعِ لآدَمَ وَحَوَّاءَ؛ لاَفُضِّلَ عَرَبِي‌ٌّ علی عَجَمَي‌ٍّ؛ وَلاَ عَجَمِي‌ٌّ علی عَرَبِي‌ٍّ إلاَّ بِتَقْوَي‌ اللَهِ! ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: كُلُّ دَمٍ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَأَوَّلُ دَمٍ أضَعُهُ دَمُ آدَمَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ـوَكَانَ آدَمُبْنُ رَبِيعَةَ مُسْتَرْضِعاً فِي‌ هُذَيلٍ فَقَتَلَهُ بَنُو سَعْدٍ بْنِ بَكْرٍ؛ وَقِيلَ فِي‌ بَني‌لَيْثٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌـ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ رِباً كَانَ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي‌؛ وَأوَّلُ رِباً أضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا النَسِي‌ءُ [52] زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَهُ. ألاَ وَانَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللَهُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ، وَإنَّ عِدَة‌ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي‌ كِتَابِ اللَهِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: رَجَبُ الَّذِي‌ بَيْنَ جُمَادَي‌ وَشَعْبَانَ، يَدْعُونَهُ مُضَرَ؛ وَثَلاَثَةٌ مُتَوَإلیةٌ: ذوالْقَعْدَةِ وَذُوالْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْراً؛ فَإنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ؛ لاَيَمْلِكْنَ لاِنْفُسِهِنَّ شَيئاً؛ وَإنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَهِ؛ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَهِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقُّ؛ وَلَهُنَّ عَلَيْكُم‌ حَقُّ كِسْوَتِهِنَّ وَرِزْقَهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ ألاَّ يُوطِئْنَ فِراشَكُمْ أَحَداً؛ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي‌ بُيُوتِكُمْ إلاَّ بِعِلْمِكُمْ وَإذْنِكُمْ؛ فَإنْ فَعَلْنَ شَيئاً مِنْ ذَلِكَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي‌ الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ! ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: فَأُوصِيكُمْ بِمَنْ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَإنْ أذْنَبُوا فَكِلُوا عُقُوبَاتِهِمْ إلی‌ شِرَارِكُمْ. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَغُشُّهُ وَلاَ يَخُونُهُ وَلاَيَغْتَابُهُ، وَلاَيَحِلُّ لَهُ دَمُهُ وَلاَ شَي‌ءٌ مِنْ مَالِهِ إلاَّ بِطِيبَةِ نَفْسِهِ. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بَعْدَ إلیومِ، وَلَكِنْ يُطَاعُ فِيمَا سِوَي‌ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي‌ تَحْتَقِرُونَ؛ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: أعْدَي‌ الاْعْدَاءِ علی اللَهِ قَاتِلُ غَيْرِ قَاتِلِهِ، وَضَارِبُ غَيْرِضَارِبِهِ؛ وَمَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ مَوَإلیهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أنْزَلَ اللَهُ علی مُحَمَّدٍ؛ وَمَن‌ انْتَمَي‌ إلی‌ غَيْرِ أبيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أجْمَعِينَ. ألاَ هل‌ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: ألاَ إنِّي‌ إنَّمَا أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّي‌ يَقُولُوا: لاَإلَهَ إلاَّ اللَهُ وَإنِّي‌ رَسُولُ اللَهِ؛ وَإذَا قَالُوا، عَصَموا منی دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقٍّ وَحِسَابُهُم‌ علی اللَهِ، ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي‌ كُفَّاراً مُضِلِّينَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. إنِّي‌ قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَهِ، وَعِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌. ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!

 قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ!

 ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ. [53]

 نقلنا هذا الخطبة‌ الشريفة‌ التي‌ خطبها رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ منی من‌ « تاريخ‌ إلیعقوبي‌ّ » لانـّها جاءت‌ فيه‌ تامّة‌. وذكرت‌ في‌ غيره‌ من‌ الكتب‌ متفرّقة‌ ومجزَّأة‌. وكلّ جزء ومقطع‌ منها نقله‌ بعض‌ الرواة‌؛ كما أشرنا إلی‌ عدد من‌ الكتب‌ التي‌ ذكرت‌ فقراتها بنحو تجزيئي‌ّ، وذلك‌ في‌ الهامش‌ المتقدّم‌.

 وهذه‌ الخطبة‌ في‌ غاية‌ البلاغة‌ والبيان‌. وتضمّ مواضيع‌ هامّة‌، وقوانين‌ سياسيّة‌ واجتماعيّة‌ عظيمة‌، وتعإلیم‌ أخلاقيّة‌ وفقهيّة‌. ويمكن‌ التعويل‌ عليها حقّاً من‌ حيث‌ الرصانة‌ والمتانة‌ والقوّة‌ كالآيات‌ القرآنيّة‌. وما كان‌ أروع‌ لو كتب‌ لها شرح‌ مفصّل‌؛ وطبّقت‌ مواضيعها وفقراتها علی الآيات‌ القرآنيّة‌ وسائر الاحاديث‌ والاُصول‌ المسلّمة‌ للسنّة‌ النبويّة‌، ومنهاج‌ الآل‌ الطاهرين‌ من‌ سلالته‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌. وكشف‌ عمّا تضمّه‌ من‌ معارف‌. ولكن‌ سنتحدّث‌ هنا بشكل‌ موسّع‌ عن‌ فقرة‌ من‌ فقراتها وذلك‌ بغية‌ إيضاحها فلعلّها تحتاج‌ إلی‌ شرح‌ وتوضيح‌ أكثر، ونرجو الله‌ المنّان‌ أن‌ يمنّ علينا بالتوفيق‌، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلیهِ أُنِيبُ.

وتتمثّل‌ هذه‌ الفقرة‌ في‌ قوله‌: يَـ'´أَيـُّهَا النَّاسُ إِنَّما النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ، إلی‌ آخر ما قاله‌ في‌ هذا المجال‌. وكلامه‌ هنا شرح‌ وتوضيح‌ لموضوع‌ جاء في‌ آيتين‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ هما:

 إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَ ' لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَتَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَـ'تِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَـ'تِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُو´ا أَنَّ اللَهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا النَّسِي‌´ءُ زِيَادَةٌ فِي‌ الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ و عَامًا وَيُحَرِّمِونَهُ و عَامًا لِّيُواطِئُوا عِدَّةَ مَاحَرَّمَ اللَهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُو´ءُ أَعْمَـ'لِهِمْ وَاللَهُ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الْكَـ'فِرِينَ. [54]

 وفي‌ ضوء هاتين‌ الآيتين‌ الشريفتين‌ حرّم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ التأخير والنسي‌ء في‌ الشهور وأكّد موضّحاً أنّ أعمال‌ كلّ شهر خاصّة‌ بالشهر نفسه‌، فينبغي‌ أن‌ تقام‌ فيه‌ لا في‌ غيره‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الا´ية‌ 286، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[2] ـ تفسير «الدّر المنثور» ج‌ 1، ص‌ 214.

[3] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 296؛ و «الطبقات‌» لابن‌ سعد ج‌ 2، ص‌ 178 و 188؛ و«سنن‌ البيهقي‌ّ» ج‌ 5، ص‌ 95، واللفظ‌ لـ «السيرة‌ الحلبيّة‌».

[4] ـ الا´ية‌ 3، من‌ السورة‌ 65: الطلاق‌.

[5] ـ الا´ية‌ 1، من‌ السورة‌ 49: الحجرات‌.

[6] ـ الا´ية‌ 29، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[7] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 216؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 91.

[8] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 214؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 94.

[9] ـ الا´ية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[10] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 91، عن‌ «سنن‌ النسائي‌ّ».

[11] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 90 و ص‌ 91، عن‌ «سنن‌ البيهقي‌ّ».

[12] ـ الا´ية‌ 3، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌. 

[13] ـ الا´ية‌ 29، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[14] ـ الا´ية‌ 7، من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[15] ـ الا´ية‌ 36، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[16] ـ الا´ية‌ 68، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[17] ـ الا´يتن‌ 41 و 42، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌.

[18] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 216؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 96.

[19] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 216.

[20] ـ «الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 91، نقلاً عن‌ «سنن‌ البيهقي‌ّ».

[21] ـ «شرح‌ نهج‌ البلاغة‌» لابن‌ أبي‌ الحديد، طبعة‌ مصر، دار إحياء الكتب‌ العربيّة‌، سنة‌ 1385 ه، ج‌ 1، ص‌ 188 و 194.

[22] ـ الا´ية‌ 14، من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[23] ـ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 1، ص‌ 216 و 217.

[24] ـ «أصل‌ الشيعة‌ وأُصولها» الطبعة‌ العاشرة‌، ص‌ 178.

[25] ـ الا´يات‌ 26 إلي‌ 30، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

[26] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 166، الطبعة‌ الاُولي‌، سنة‌ 1351 ه، مطبعة‌ السعادة‌ـ مصر.

[27] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 169؛ و «الطبقات‌» لابن‌ سعد، ج‌ 2، ص‌ 173.

[28] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 169.

[29] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 169.

[30] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 170.

[31] ـ نَمِرَة‌ ـ بفتح‌ النون‌ وكسر الميم‌ ـ ناحية‌ بعرفة‌ نزل‌ بها النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌. وقيل‌: الحرم‌ من‌ طريق‌ الطائف‌ علي‌ طرف‌ عرفة‌ من‌ نمرة‌ علي‌ أحد عشر ميلاً. («معجم‌ البلدان‌» ج‌ 8، باب‌ النون‌ والميم‌).

[32] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 170؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 289؛ و«الوفاء بأحوال‌ المصطفي‌» ج‌ 1، ص‌ 211.

[33] ـ نقل‌ في‌ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 289، عن‌ ابن‌ الجوزي‌ّ قوله‌: حجّ ] رسول‌الله‌ [ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ قبل‌ النبوّة‌ وبعدها حججاً لا يُعلم‌ عددها. أي‌: وكان‌ قبل‌ النبوّة‌ يقف‌ بعرفات‌ ويفيض‌ منها إلي‌ مزدلفة‌ مخالفاً لقريش‌ توفيقاً له‌ من‌ الله‌، فإنّهم‌ كانوا لايخرجون‌ من‌ الحرم‌. فإنّهم‌ قالوا: نحن‌ بنو إبراهيم‌ عليه‌ الصلاة‌ والسلام‌ وأهل‌ الحرم‌ وولاة‌ البيت‌ وعاكفو مكّة‌. فليس‌ لاحد من‌ العرب‌ منزلتنا، فلاتعظّموا شيئاً من‌ الحلّ. أي‌: كما ï ïتعظّمون‌ الحرم‌، فإنّكم‌ إن‌ فعلتم‌ ذلك‌ استخفّت‌ العرب‌ بحرمكم‌، وقالوا: قد عظّموا من‌ الحلّ مثل‌ ما عظّموا من‌ الحرم‌. فليس‌ لنا أن‌ نخرج‌ من‌ الحرم‌. نحن‌ الحمس‌. فتركوا الوقوف‌ بعرفة‌ والاءفاضة‌ منه‌ إلي‌ المزدلفة‌، ويرون‌ ذلك‌ لسائر العرب‌.

والا´ية‌ المذكورة‌ هي‌ الا´ية‌ 199، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[34] ـ القَصواء، بفتح‌ القاف‌ والمدّ. وقيل‌: بضمّ القاف‌ والقصر: قُصْوي‌ وهو خطأ. وهذه‌ الناقة‌ غير العَضْباء والجَدْعاء. وما قيل‌ إنّها أسماء لناقة‌ واحدة‌ فهو خطأ أيضاً. («السيرة‌ الحلبيّة‌» 3: 298 ).

[35] ـ نقل‌ ابن‌ الاثير أكثر فقرات‌ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «الكامل‌» ج‌ 2، ص‌ 302.

[36] ـ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحِ: بَرَّحَ بِهِ الاَمْرُ: أتعبه‌ وجهده‌ وآذاه‌ أذيً شديداً.

[37] ـ جاء في‌ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 4، ص‌ 1023: كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌. وجاء في‌ ï ï«تاريخ‌اليعقوبي‌ّ» طبعة‌ بيروت‌ 1379 ه، ج‌ 2، ص‌ 111: كتاب‌ الله‌ وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌. وفي‌ ضوء ذلك‌، فإنّ الظنّ يغلب‌ علي‌ أنّ الروايات‌ كلّها ذكرت‌ قوله‌: وعترتي‌ أهل‌ بيتي‌. غاية‌ الامر أنّ هذه‌ العبارة‌ قد حذفت‌ في‌ الكتب‌ المذكورة‌. وحرّفت‌ في‌ «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» إذ استبدلت‌ بها عبارة‌: وسنّة‌ نبيّه‌.

[38] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 170؛ و «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 4، ص‌ 1022 و 1023؛ و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 298 و 299؛ و «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌ 6، ص‌ 668 عن‌ كتاب‌ «المنتقي‌»؛ و «روضة‌ الصفا» ج‌ 2، حجّة‌ الوداع‌؛ و «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 3، ص‌ 150 و 151 من‌ الطبعة‌ الثانية‌ لدار المعارف‌؛ و «الوفاء في‌ أحوال‌ المصطفي‌» ج‌ 1، ص‌ 212؛ و«الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 302؛ ومحمّد حسنين‌ هيكل‌ في‌ كتاب‌ «حياة‌ محمّد» ص‌ 461 إلي‌ 463.

[39] ـ الشاهد علي‌ ذلك‌ ما جاء في‌ «الطبقات‌» لابن‌ سعد، ج‌ 2، ص‌ 183 أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌ في‌ هذه‌ الخطبة‌: إنَّ اللَهَ قَسَّمَ لِكُلِّ إنسانٍ نَصِيبَهُ مِنَ المِيرَاثِ، فَلاَيَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ. وأَمَّا الوَصِيَّةُ الَّتِي‌ لاَ تضيّع‌ حَقَّهم‌ كَمَا فِي‌ الوَصِيَّةِ مِنَ الثُّلُثِ المُجَازِ فِيهِ، فَلاَ إشْكَالٌ فِيهَا.

[40] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 171، رواه‌ ] عن‌ محمّد بن‌ إسحاق‌ [ الترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ،وابن‌ ماجة‌؛ و «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 300؛ و «الطبقات‌ الكبري‌» لابن‌ سعد، ج‌ 2، ص‌ 183.

[41] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 171؛ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 2، ص‌ 299.

[42] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 172.

[43] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 300؛ «والبداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 173 إلي‌ 175.

[44] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 300؛ «والبداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 173 إلي‌ 175.

[45] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 301. وكان‌ هذا التبوّل‌ بسبب‌ نحت‌ الاصنام‌ في‌ الجاهليّة‌ من‌ ذلك‌ الجبل‌.

[46] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 180.

[47] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 301، طبعة‌ مصر، سنة‌ 1353 ه.

[48] ـ البغلة‌ الشهباء وهي‌ التي‌ فيها بياض‌ يتخلّله‌ سواد.

[49] ـ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 302.

[50] ـ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 199. وكذلك‌ في‌ حديث‌ آخر جاء في‌ ص‌ 198.

[51] ـ جاءت‌ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «المجالس‌» للشيخ‌ المفيد، طبعة‌ النجف‌ ص‌ 100 و 101. وذكر فيها قوله‌: نصر الله‌ بدلاً عن‌ نَضَّر الله‌. وذكر فيها أيضاً قوله‌: والنَّصيحة‌ لاِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاللُّزُوم‌ لجماعتهم‌. ونقل‌ في‌ آخرها: الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ، تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ وَاحِدٌ عَلَي‌ مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَي‌ بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ. وجاء هذا التعبير في‌ «روضة‌ البحار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌ 17، ص‌ 39 نقلاً عن‌ «المجالس‌» للمفيد. إلاّ أنّ ما جاء في‌ الطبعة‌ الحديثة‌ منه‌ ج‌ 77، ص‌ 130 هو قوله‌: نَضَّرَ الله‌. ونسب‌ في‌ «تحف‌ العقول‌» ص‌ 42 هذه‌ الخطبة‌ إلي‌ رسول‌الله‌ في‌ مسجد الخيف‌. وجاءت‌ بهذا المضمون‌ في‌ «المجالس‌» للمفيد. وفي‌ طبعة‌ كمباني‌ لـ «بحار الانوار» ج‌ 17، ص‌ 42. جاءت‌ كلمة‌ نَصَرَ بسبب‌ النقل‌ عن‌ كتاب‌ «تحف‌ العقول‌». وذكر في‌ الطبعة‌ الحديثة‌ لـ «تحف‌ العقول‌» ج‌ 77، ص‌ 146 نَضَّرَ بالضاد المعجمة‌. وجاء في‌ «بحارالانوار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌ 15، الجزء الثاني‌ ص‌ 85: نَضَّرَ نقلاً عن‌ «إكمال‌الدين‌» للصدوق‌، فمضمونها مع‌ ما ذكره‌ المفيد واحد إلاّ في‌ بعض‌ الالفاظ‌. ونقل‌ ذلك‌ أيضاً المحدّث‌ القمّي‌ّ في‌ «تتمّة‌ المنتهي‌» ص‌ 153 عن‌ رسول‌ الله‌ في‌ مسجد الخيف‌، كما جاء مثله‌ في‌ «إكمال‌ الدين‌» أيضاً. وذكر صاحب‌ تفسير «في‌ ظلال‌ القرآن‌» في‌ ص‌ 125 من‌ الجزء الاوّل‌ عن‌ الإمام‌ أحمد بن‌ حنبل‌، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ سلّم‌ أنـّه‌ ï ïقال‌: الْمُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَي‌ مَنْ سِوَاهُمْ يَسْعَي‌ بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ. وذكر في‌ «مجمع‌ البحرين‌» عند كلامه‌ عن‌ الحديث‌ التالي‌: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَي‌ بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ سُئل‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ معناه‌، فقال‌: «لوأنّ جيشاً من‌ المسلمين‌ حاصروا قوماً من‌ المشركين‌، فأشرف‌ رجل‌ منهم‌، فقال‌: أعطوني‌ الامان‌ حتّي‌ ألقي‌ صاحبكم‌ وأُناظره‌، فأعطاهم‌ أدناهم‌ الامان‌، وجب‌ علي‌ أفضلهم‌ الوفاء به‌ ـ انتهي‌. وعلي‌ هذا الاساس‌ آمنت‌ زينب‌ بنت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ زوجها أبا العاص‌ الذي‌ كان‌ قد قدم‌ المدينة‌ وهو مشرك‌. (يرجع‌ إلي‌ كتاب‌ «زينب‌ بطلة‌ كربلا» تأليف‌ الدكتورة‌ بنت‌ الشاطي‌).

[52] ـ النسي‌ء هو تأخير العمل‌ بالاحكام‌ والتكاليف‌ المقرّرة‌ في‌ شهر معيّن‌ إلي‌ شهر آخر ووقت‌ آخر.

[53] ـ «تاريخ‌ اليعقوبي‌ّ» طبعة‌ بيروت‌ 1379 ه، ج‌ 2، ص‌ 209 إلي‌ 212. وروي‌ السيوطي‌ّ هذه‌ الخطبة‌ باختلاف‌ يسير في‌ عباراتها في‌ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 3، ص‌ 234 و 235 بتخريج‌ أحمد بن‌ حنبل‌، والباوردي‌ّ، وابن‌ مردويه‌، عن‌ أبي‌ حمزة‌ الرقاشي‌ّ، عن‌ عمّه‌ الذي‌ كان‌ من‌ الصحابة‌، وكان‌ زمام‌ ناقة‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بيده‌. وجاء أصل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌ 5، ص‌ 72 و 73. ورواها المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار» طبعة‌ كمباني‌ ج‌ 6، ص‌ 662 و 663 عن‌ «الكافي‌». وذكرها ابن‌ هشام‌ في‌ سيرته‌، ج‌ 4، ص‌ 1022 إلي‌ 1024، إلاّ أنّ تحريفاً قد حصل‌ في‌ قوله‌: كتاب‌ الله‌ وعترة‌ نبيّه‌، فتغيّر إلي‌ عبارة‌: كتاب‌ الله‌ وسنّة‌ نبيّه‌. وذكرها ابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5 بأسناد متعدّدة‌، من‌ ص‌ 194 إلي‌ 201. ونقلها البيهقي‌ّ أيضاً في‌ «السنن‌» ج‌ 5، ص‌ 140 كتاب‌ الحجّ. وذكرها كذلك‌ ابن‌الجوزي‌ّ في‌ كتاب‌ «الوفاء بأحوال‌ المصطفي‌» ج‌ 1، ص‌ 207 و 208. وذكرها أيضاً ابن‌ سعد في‌ طبقاته‌، ج‌ 2، ص‌ 183 إلي‌ 187. وذكرها صاحب‌ «روضة‌الصفا» ج‌ 2، باب‌ حجّة‌ الوداع‌. وكذلك‌ ذكرها علي‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌، في‌ ذيل‌ الا´ية‌: يَـ'´أَيـُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن‌ رَّبِّكَ، ص‌ 159 إلي‌ 161. وذكرها الطبري‌ّ أيضاً في‌ «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌ 3، ص‌ 150 إلي‌ 152. وأوردها الجاحظ‌ في‌ «البيان‌ والتبيين‌» طبعة‌ القاهرة‌، سنة‌ 1367 ه، ج‌ 2، من‌ ص‌ 31 إلي‌ ص‌ 33.

[54] ـ الا´يتان‌ 36 و 37، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com