بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الخامس / القسم السابع: کفر ابن تیمیة عند بعض علماء العامة، الاشکال علی الوهابیون، الاشکال علی ا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

كلام‌ العلماء والمؤرّخين‌ حول‌ ابن‌ تيميّة‌

كلام‌ علماء العامّة‌ حول‌ كفر ابن‌ تيميّة‌ في‌ تجسيم‌ الله‌

 يقول‌ العالم‌ الجليل‌ آية‌ الله‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ: إنّ الوهّابيّة‌ ومؤسّس‌ دعوتهم‌ مُحَمَّد بن‌ عبد الوَهَّاب‌، وباذر بذورها أحْمد ابن‌تيميَّة‌، وتلميذه‌ ابن‌ القَيِّمِ الْجَوْزي‌ّ، وأتباعهم‌ ادّعوا أنـّهم‌ موحدّون‌، وأنـّهم‌ باعتقاداتهم‌ التي‌ خالفوا بها المسلمين‌ حموا جناب‌ التوحيد عن‌ أن‌ يتطرّق‌  إلیه‌ شي‌ء من‌ الشرك‌ . وادّعي‌ الوهّابيّون‌ أنـّهم‌ هم‌ الموحّدون‌ وغيرهم‌ من‌ جميع‌ المسلمين‌ مشركون‌ .

 ولكنّ الحقيقة‌ أنّ ابْنَ تَيْميَّة‌، وابْنَ عَبْدِ الْوَهَّابْ وأتباعهما قد أباحوا حمي‌ التوحيد ؛ وهتكوا ستوره‌، وخرقوا حجابه‌ ؛ ونسبوا  إلی‌ الله‌ تعالی‌ ما لايليق‌ بقدس‌ جلاله‌، تقدّس‌ وَ تعالی‌ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً.

 فأثبتوا لله‌ تعالی‌ من‌ جهة‌ الفوق‌ والاستواء علی العرش‌ الذي‌ هو فوق‌ السماوات‌ والارض‌ ؛ والنزول‌  إلی‌ سماء الدنيا، وا لمجي‌ء، وا لقرب‌، وغيرذلك‌ بمعانيها الحقيقيّة‌ .

 وأثبتوا له‌ تعالی‌ الوجه‌، و إلیدين‌:  إلید  إلیمني‌، و إلید الشمال‌ والاصابع‌، والكفّ، والعينين‌، كلّها بمعانيها الحقيقيّة‌ من‌ دون‌ تأويل‌ معانيها وهو تجسيم‌ صريح‌ .

 وحملوا ألفاظ‌ الصفات‌ علی معانيها الحقيقيّة‌، فأثبتوا لله‌ تع إلی‌ المحبّة‌، والرحمة‌، والرضا، والغضب‌، وغير ذلك‌ بمعانيها الحقيقيّة‌ من‌ غير تأويل‌، وأنـّه‌ تعالی‌ يتكلّم‌ بحرف‌، وصوت‌، فجعلوا الله‌ تعالی‌ محلاّ للحوادث‌، وهو يستلزم‌ الحدوث‌ .

 أمّا ابْنُ تيْميَّة‌ فقال‌ بالجهة‌، والتجسيم‌ والاستواء علی العرش‌ حقيقة‌ والتكّلم‌ بحرف‌ وصوت‌ .

 وهو أوّل‌ من‌ زقا بهذا القول‌، وصنّف‌ فيه‌ رسائل‌ مستقلّة‌، مثل‌ رسالة‌ «العقيدة‌ الحَمَويَّة‌»، و رسالة‌ «العقيدة‌ الوَاسِطِيَّة‌»، وغيرهما . واقتفاه‌ في‌ ذلك‌ تلميذاه‌: ابْنُ الْقَيِّمِ الْجَوْزِي‌ّ، و ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي‌، وأتباعهم‌ .

 ولذلك‌ حكم‌ علماء عصره‌ بضلاله‌ وكفره‌ ؛ وألزموا السلطان‌ بقتله‌، أو حبسه‌؛ فأُخذ  إلی‌ مصر، ونوظر فحكموا بحبسه‌، فحبس‌ . وذهبت‌ نفسه‌ محبوساً بعدما أظهر التوبة‌ ثمّ نكث‌ . ونحن‌ ننقل‌ ماحكوه‌ عنه‌ في‌ ذلك‌ وما قالوه‌ في‌ حقّه‌، لتعلم‌ ما هي‌ قيمة‌ ابن‌ تيميّة‌ عند العلماء:

 قال‌ أحْمَدُ بْنُ حَجَرِ الْهَيْتَمِي‌ّ الْمَكِّي‌ّ الشَّافِعِي‌ّ صاحب‌ كتاب‌ « الصَواعِقُ الْمُحْرِقة‌ » في‌ كتابه‌ «الْجَوْهَرُ الْمُنَظَّمُ فِي‌ زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ»: إنّ ابن‌ تيميّة‌ تجاوز  إلی‌ الجناب‌ المقدّس‌ ؛ وخرق‌ سياج‌ عظمته‌ بما أظهره‌ للعامّة‌ علی المنابر من‌ دعوي‌ الجهة‌ والتجسيم‌، إلخ‌ .

 وقال‌ ابْنُ حَجَر أيضاً في‌ كتاب‌ «الدُّرَرُ الْكَامِنَة‌» علی ما حكي‌: إنّ الناس‌ افترقت‌ في‌ ابن‌ تيميّة‌، فمنهم‌ من‌ نسبه‌  إلی‌ التجسيم‌ لما ذكره‌ في‌ « العقيدة‌ الحمويّة‌ »، و « العقيدة‌ الواسطيّة‌ » وغيرهما . من‌ ذلك‌ بقوله‌: إنّ  إلید والقدم‌ والساق‌ والوجه‌ صفات‌ حقيقيّة‌ لله‌، وإنّه‌ مستو علی العرش‌ بذاته‌. فقيل‌ له‌: يلزم‌ بذلك‌ التحيّز والانقسام‌ . فقال‌: أنا لا أسلم‌ أنّ التحيّز والانقسام‌ من‌ خواصّ الاجسام‌ . فأُلزم‌ بأنـّه‌ يقول‌ بالتحيّز في‌ ذات‌ الله‌.

 ومنهم‌ من‌ ينسبه‌  إلی‌ الزندقة‌ لقوله‌: إنَّ النَّبِي‌َّ لاَ يُسْتَغَاثُ بِهِ وانّ في‌ ذلك‌ تنقيصاً ومنعاً من‌ تعظيم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه و آله وسلّم‌ .

 وكان‌ أشدّ الناس‌ عليه في‌ ذلك‌ النُّورُ البكْرِي‌ّ ؛ فإنّه‌ لمّا عقد له‌ المجلس‌ لمحاكمته‌ بسبب‌ ذلك‌، قال‌ بعض‌ الحاضرين‌: يعزّر . فقال‌ البكري‌ّ: لامعني‌ لهذا القول‌، فإنّه‌ حاول‌ الخلافة‌ مراراً فلم‌ ينلها ؛ وإنّما قاتل‌ للرئاسة‌، لا للديانة‌ ؛ وإنّه‌ كان‌ يحبّ الرئاسة‌، وأنّ عثمان‌ كان‌ يحبّ المال‌.

 ولقوله‌: أبو بكر أسلم‌ شيخاً يدري‌ ما يقول‌، و علی ‌ّ أسلم‌ صبيّاً، والصبي‌ لا يصحّ إسلامه‌ علی قول‌ .

 ولكلامه‌ في‌ قصّة‌ خطبة‌ بنت‌ أبي‌ جهل‌ وما نسبه‌ من‌ الثناء علی قصّة‌ أبي‌ العاص‌ بن‌ الربيع‌، وما يؤخذ من‌ مفهومها فإنّه‌ شنّع‌ في‌ علی ‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌، فألزموه‌ بالنفاق‌ لقوله‌ صلّي‌ الله‌ عليه و آله وسلّم‌: لاَ يُبْغِضُكَ إلاَّ مُنَافِقٌ.

 ونسبه‌ قوم‌  إلی‌ أنـّه‌ يسعي‌ في‌ الإمامة‌ الكبري‌ ؛ فإنّه‌ كان‌ يلهج‌ بذكر ابنِ تُومَرْتْ [1] ويطريه‌ . وكان‌ ذلك‌ مولّداً لطول‌ سجنه‌ . وله‌ وقائع‌ شهيرة‌. وكان‌ إذا حوقق‌ وأُلزم‌، يقول‌: لم‌ أرد هذا، إنّما أردت‌ كذا فيذكر احتمالاً بعيداً. « انتهي‌ كلام‌ ابن‌ حَجَر في‌ كتاب‌ « الدُّرر الكامنة‌ » .

 وعن‌ «مُنْتَهَي‌ الْمَقَالِ فِي‌ شَرْحِ حَدِيثِ لاَ تُشَدُّ الْرِّحَالُ» للمفتي‌ صدرالدين‌ أنـّه‌ قال‌ فيه‌: قال‌ الشيخ‌ الإمام‌ الحبر الهمام‌ سند المحدّثين‌ الشيخ‌ مُحمّد البُرلُسي‌ّ في‌ كتاب‌ «إتْحَافُ أَهْلِ الْعِرْفَانِ بِرُؤيَةِ الاَنْبِياءِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْجَانِّ»: وقد تجاسر ابن‌ تيمّية‌ عامله‌ الله‌ بعدله‌ وذكر تحريمه‌ للسفر  إلی‌ زيارة‌ قبر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه و آله وسلّم‌  إلی‌ أن‌ قال‌:

 حتّي‌ تجاوز الجناب‌ الاقدس‌ المستحقّ لكلّ كمال‌ أنفس‌، وخرق‌ سياج‌ الكبرياء والجلال‌، وحاول‌ إثبات‌ ما ينافي‌ العظمة‌ والكمال‌ بادّعائه‌ الجهة‌ والتجسيم‌، ونسبة‌ من‌ لم‌ يعتقدهما  إلی‌ الضلالة‌ والتأثيم‌ . وأظهر هذا الامر علی المنابر، وشاع‌ وذاع‌ ذكره‌ بين‌ الاكابر والاصاغر .

 وعن‌ صاحب‌ كتاب‌ «أشْرَفُ الْوَسَائِلِ  إلی‌ فَهْمِ الشَّمَايِلِ» أنـّه‌ قال‌ في‌ بيان‌ إرخاء العمامة‌ بين‌ الكتفين‌:

 قال‌ ابْنُ الْقَيِّمِ الْجَوْزِي‌ّ عن‌ شيخه‌ ابْنِ تيْميَّة‌ إنّه‌ ذكر شيئاً بديعاً، وهو أنـّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه و آله وسلّم‌ لمّا رأي‌ ربّه‌ واضعاً يده‌ بين‌ كتفيه‌ أكرم‌ ذلك‌ الموضع‌ بالعذبة‌ . قال‌ العراقي‌ّ: ولم‌ نجد لذلك‌ أصلاً . أقول‌: بل‌ هذا من‌ قبيل‌ رأيهما وضلالهما إذ هو مبني‌ّ علی ما ذهبا  إلیه‌ وأطالا في‌ الاستدلال‌ له‌، والحطّ علی أهل‌ السنّة‌ في‌ نفيهم‌ له‌، وهو إثبات‌ الجهة‌ والجسميّة‌ لله‌ تعالی‌ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً .

 ولهما (ابن‌ تيميّة‌، وابن‌ الجوزي‌ّ) في‌ هذا المقام‌ من‌ القبائح‌ وسوء الاعتقاد ما يصمّ عنه‌ الآذان‌ ويقضي‌ عليه بالزور والكذب‌ والضلال‌ والبهتان‌، قبّحهما الله‌، وقبّح‌ من‌ قال‌ بقولهما .

 و الإمام‌ أحمد بنُ حَنْبَل‌ وأجلاّء مذهبه‌ مبرّؤون‌ عن‌ هذه‌ الوصمة‌ القبيحة‌، كيف‌ وهي‌ كفر عند كثيرين‌ . انتهي‌ كلام‌ صاحب‌ « أشرف‌ الوسائل‌ » .

 وعن‌ الْمَوْلَوِي‌ّ عَبْدِ الْحَلِيمِ الْهِنْدِي‌ّ في‌ كتاب‌ «حَلُّ الْمَعَاقِدِ» في‌ حاشية‌ «شَرْح‌ الْعَقَائِد»: كان‌ ابن‌ تيميّة‌ حنبليّاً، لكنّه‌ تجاوز الحدّ، وحاول‌ إثبات‌ ما ينافي‌ عظمة‌ الحقّ ؛ فأثبت‌ له‌ الجهة‌ والجسم‌ ؛ وله‌ هفوات‌ أُخر؛  إلی‌ أن‌ يقول‌:

 وانعقد مجلس‌ في‌ قلعة‌ الجبل‌، وحضر العلماء الاعلام‌ والفقهاء العظام‌. ورئيسهم‌ قاضي‌ القضاة‌ زَيْنُ الدِّينِ المالِكِي‌ّ ؛ وحضر ابن‌ تيميّة‌. فبعد القيل‌ والقال‌، بهت‌ ابن‌ تيميّة‌ . وحكم‌ قاضي‌ القضاة‌ بحبسه‌ سنة‌ 705. ثمّ نودي‌ بدمشق‌ وغيرها: من‌ كان‌ علی عقيدة‌ ابن‌ تيميّة‌، حلّ ماله‌ ودمه‌.

 كذا في‌ « مرآة‌ الجنان‌ » للإمام‌ أبي‌ محمّد عبد الله‌  إلیافعي‌ّ، ثمّ تاب‌ وتخلّص‌ من‌ السجن‌ سنة‌ 707 وقال‌: إنّي‌ أشعري‌ّ، ثمّ نكث‌ عهده‌، وأظهر مرموزه‌، فحبس‌ حبساً شديداً، ثمّ تاب‌ وتخلّص‌ من‌ السجن‌، وأقام‌ في‌ الشام‌، وله‌ هناك‌ واقعات‌ كتبت‌ في‌ كتب‌ التاريخ‌ .

 وردّ أقاويله‌ وبيّن‌ أحواله‌ الشيخ‌ ابن‌ حجر في‌ المجلّد الاوّل‌ من‌ « الدُّرر الكامنة‌ »، والذهبي‌ّ في‌ تأريخه‌، وغيرهما من‌ المحقّقين‌ .

 وحاصل‌ المرام‌ أنّ ابن‌ تيميّة‌ لمّا كان‌ قائلاً بكونه‌ تعالی‌ جسماً، قال‌ بأنـّه‌ ذو مكان‌، فإنّ كلّ جسم‌ لابدّ له‌ من‌ مكان‌ علی ما ثبت‌ . ولمّا ورد في‌ الفرقان‌ الحميد: الرَّحْمَـ'نُ علی الْعَرْشِ اسْتَوي‌'، قال‌: إنّ العرش‌ مكانه‌. ولمّا كان‌ الواجب‌ أزليّاً عنده‌، وأجزاء العالم‌ حوادث‌ عنده‌، اضطرّ  إلی‌ القول‌ بأزليّة‌ جنس‌ العرش‌ وقدمه‌ وتعاقب‌ أشخاصه‌ الغير المتناهيّة‌ . فمطلق‌ التمكّن‌ له‌ تعالی‌ أزلي‌ّ، والتمكّنات‌ المخصوصة‌ حوادث‌ عنده‌، كما ذهب‌ المتكلّمون‌  إلی‌ حدوث‌ التعلّقات‌ . « انتهي‌ » .

 وعن‌  إلیافِعي‌ّ في‌ «مِرآة‌ الجنان‌» أنـّه‌ قال‌ في‌ ذكر فتنة‌ ابن‌ تيميّة‌: وكان‌ الذي‌ ادّعي‌ عليه بمصر أنـّه‌ يقول‌: إنّ الرحمن‌ علی العرش‌ استوي‌ حقيقة‌، وإنّه‌ يتكلّم‌ بحرف‌ وصوت‌ . ثمّ نودي‌ بدمشق‌ وغيرها: من‌ كان‌ علی عقيدة‌ ابن‌ تيميّة‌، حلّ ماله‌ ودمه‌ . « انتهي‌ » .[2]

 وعن‌ «تاريخ‌ أبي‌ الفِداء» في‌ حوادث‌ سنة‌ 705: وفيها استدعي‌ تقي‌ّالدين‌ أحمد بن‌ تيميّة‌ من‌ دمشق‌  إلی‌ مصر، وعقد له‌ مجلس‌، وأمسك‌، وأُودع‌ الاعتقال‌ بسبب‌ عقيدته‌، فإنّه‌ كان‌ يقول‌ بالتجسيم‌:

 وجاء في‌ المنشور الصادر بحقّه‌ من‌ السلطان‌: وكان‌ الشقي‌ّ ابن‌ تيميّة‌ في‌ هذه‌ المدّة‌ قد بسط‌ لسان‌ قلمه‌، ومدّ عنان‌ كلمه‌، وتحدّث‌ في‌ مسائل‌ القرآن‌ والصفات‌ . ونصّ في‌ كلامه‌ علی أُمور منكرات‌ . وأتي‌ في‌ ذلك‌ بما أنكره‌ أئمّة‌ الإسلام‌ وانعقد علی خلافه‌ إجماع‌ العلماء الاعلام‌، وخالف‌ في‌ ذلك‌ علماء عصره‌ وفقهاء شامه‌ ومصره‌ . وعلمنا أنـّه‌ استخفّ قومه‌ فأطاعوه‌ حتّي‌ اتّصل‌ بنا أنـّهم‌ صرّحوا في‌ حقّ الله‌ بالحرف‌ والصوت‌ والتجسيم‌. « انتهي‌ كلام‌ أبي‌ الفداء » .

 وعن‌ «كَشْفُ الظُّنون‌» عن‌ بعضهم‌: أنـّه‌ بالغ‌ في‌ ردّ ابن‌ تيميّة‌، حتّي‌ صرّح‌ بكفر من‌ أطلق‌ عليه: شيخ‌ الإسلام‌ . « انتهي‌ » .

 الرجوع الي الفهرس

عقيدة‌ محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌ مماثلة‌ لابن‌ تيميّة‌

  إلی‌ هنا فرغ‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ العاملي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه من‌ حديثه‌ عن‌ ابن‌ تيميّة‌ . ثمّ بدأ الحديث‌ عن‌ محمّد بن‌ عَبد الوَهَّاب‌ [3] الذي‌ اقتفي‌ أثر ابن‌تيميّة‌ في‌ زيارة‌ القبور، والتشفّع‌، والتوسّل‌، وغير ذلك‌ . فقال‌: وقد أثبت‌ ابن‌ عبد الوهّاب‌ لله‌ تعالی‌ جهة‌ الفوق‌ والاستواء علی العرش‌ الذي‌ هو فوق‌ السماوات‌، والارض‌، والجسميّة‌، والرحمة‌، والرضا والغضب‌ و إلیدين‌  إلیمني‌ والشمال‌، والاصابع‌، والكفّ كلّها بمعانيها الحقيقيّة‌ من‌ دون‌ تأويل‌.

 قال‌ محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌ في‌ كتاب‌ «التَّوْحِيدُ الَّذِي‌ هُوَ حَقٌّ علی الْبَعِيدِ» علی ما حكي‌ عنه‌ في‌ باب‌ قوله‌ تعالی‌: حَتَّي‌'´ إِذَا فُزِّعَ عَن‌ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وهُوَ الْ علی ‌ُّ الْكَبِيرُ [4]: لله‌ علوٌّ، وغضب‌ ورضا، واستواء علی العرش‌، ثمّ استدلّ علی ذلك‌ بالآية‌: وَمَا قَدَرُوا اللَهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاْرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ. [5]

 وقال‌: لله‌ أصابع‌، يجعل‌ السماوات‌ في‌ إصبع‌، والارضين‌ في‌ إصبع‌، والشجر علی إصبع‌، والماء علی إصبع‌، والثري‌ علی إصبع‌، وسائر الخلق‌ علی إصبع‌ .

 ثمّ نقل‌ رواية‌ عن‌ ابن‌ مسعود في‌ حبر من‌ الاحبار جاء  إلی‌ رسول‌الله‌ وطرح‌ عليه ما مرّ من‌ كلام‌، فضحك‌ رسول‌ الله‌ . يري‌ ابن‌ عبد الوهّاب‌ أنّ ضحك‌ النبي‌ّ تصديق‌ لقول‌ الحبر . وبذلك‌ يثبت‌ التجسّم‌، والجهة‌، والكيف‌ لله‌.

 الرجوع الي الفهرس

عقائد أتباع‌ محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌

 وبعد موت‌ محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌، أثبت‌ أتباعه‌ لله‌ تعالی‌ جهة‌ العلوّ والاستواء علی العرش‌ . والوجه‌، و إلیدين‌، والعينين‌، والنزول‌  إلی‌ سماء الدنيا والمجي‌ء والقرب‌، وغير ذلك‌ بمعانيها الحقيقيّة‌ .

 وفي‌ الرسالة‌ الرابعة‌ من‌ الرسائل‌ الخمس‌ المسمّي‌ مجموعها بـ «الَهَدِيَّةِ السَّنِيَّة‌» لعبد اللطيف‌ حفيد محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌ عند ذكر بعض‌ اعتقادات‌ الوهّابيّة‌، وانّها مطابقة‌ لعبارة‌ أبي‌ الحسن‌ الاشعري‌ّ، قال‌:

 وإنّ الله‌ تعالی‌ علی عرشه‌ كما قال‌: الرَّحْمَـ'نُ علی الْعَرْشِ اسْتَوي‌'. وإنّ له‌ يدين‌ بلا كيف‌ كما قال‌: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ * بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ. وإنّ له‌ عينين‌ بلا كيف‌ ؛ وإنّ له‌ وجهاً، كما قال‌: وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ.

 وقال‌: ويصدقون‌ بالاحاديث‌ التي‌ جاءت‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه و آله وسلّم‌: أنّ الله‌ ينزل‌  إلی‌ سماء الدنيا، فيقول‌: هل‌ من‌ مستغفر ؟

  إلی‌ أن‌ قال‌: ويقرؤون‌ أنّ الله‌ يجي‌ء يوم‌ القيامة‌ كما قال‌: وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّـًا صَفّـًا . وإنّه‌ يقرب‌ من‌ خلقه‌ كيف‌ شاء، كما قال‌: وَنَحْنُ أَقْرَبُ  إلیهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .

 وجاء في‌ الرسالة‌ الخامسة‌ لمحمّد بن‌ عبد اللطيف‌ المذكور: ونعتقد أنّ الله‌ تعالی‌ مستو علی عرشه‌، عال‌ علی خلقه‌، وعرشه‌ فوق‌ السماوات‌. قال‌ تعالی‌: الرَّحْمَـ'نُ علی الْعَرْشِ اسْتَوَي‌' . فنؤمن‌ باللفظ‌، ونثبّت‌ حقيقة‌ الاستواء، ولا نكيّف‌، ولا نمثّل‌ .

 قال‌ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ: مالِك‌ بْنُ أَنَسْ ـ وبقوله‌ نقول‌ ـ وقد سأله‌ رجل‌ عن‌ الاستواء، فقال‌: الاستواءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالإيمانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ .

  إلی‌ أن‌ قال‌: فمن‌ شبّه‌ الله‌ بخلقه‌ كفر، ومن‌ جحد ما وصف‌ به‌ نفسه‌ فقد كفر، ونؤمن‌ بما ورد من‌ أنـّه‌ تعالی‌ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ  إلی‌ سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَي‌ ثُلْثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ ...

 وهنا قال‌ المرحوم‌ الامين‌ العاملي‌ّ: يلزم‌ من‌ ذلك‌ أحد أمرين‌: التجسيم‌ أو القول‌ بالمحال‌، وكلاهما محال‌ ؛ لانّ حصول‌ حقيقة‌ الاستواء مع‌ عدم‌ الكيف‌ محال‌ بحكم‌ العقل‌ . ومع‌ الكيف‌ تجسيم‌، فلابدّ من‌ التأويل‌ والمجاز، والقرينة‌ العقل‌ . [6]

 ويقول‌ دهخدا: ينسب‌ ابن‌ تيميّة‌  إلی‌ تَيْما، مدينة‌ صغيرة‌ في‌ الشام‌: وهو تقي‌ّ الدين‌ أبو العبّاس‌ أحمد بن‌ عبد الحليم‌ بن‌ عبد السلام‌بن‌ عبدالله‌بن‌ محمّد بن‌ تيميّة‌ الحَرَّاني‌ّ (الولادة‌ 661، الوفاة‌ 728 ه) . ولد في‌ حرّان‌ بالقرب‌ من‌ دمشق‌ . ( إلی‌ أن‌ يقول‌):

 وقد عارض‌ ابن‌ تيميّة‌ الاشاعرة‌، والحكماء، والصوفيّة‌، وجميع‌ الفرق‌ الإسلاميّة‌ ما عدا السلفيّة‌، ويراها باطلة‌ . وكان‌ يعتقد بالتجسّم‌؛ ولايجيز للمسلم‌ أن‌ يتجاوز ظاهر اللفظ‌ في‌ القرآن‌ والحديث‌ . وكان‌ يعتبر زيارة‌ قبور الاولياء بدعة‌ ؛ ويمكن‌ القول‌ إنّه‌ رائد الوهّابيّين‌ في‌ هذا الامر. [7]

 الرجوع الي الفهرس

ابن‌ بطوطة‌ في‌ الشام‌ وكلام‌ ابن‌ تيميّة‌

 وعندما سافر ابنُ بطوطة‌  إلی‌ دمشق‌، التقي‌ ابن‌ تيميّة‌ هناك‌ ؛ وبعد حديثه‌ عن‌ قضاة‌ دمشق‌، يقول‌: حِكَايَةُ الْفَقِيهِ ذِي‌ اللَّوْثَةِ . ثمّ قال‌:

 وكان‌ بدمشق‌ من‌ كبار الفقهاء الحنابلة‌ تقي‌ّ الدين‌ بن‌ تيميّة‌ كبير الشام‌؛ يتكلّم‌ في‌ الفنون‌ إلاَّ أنَّ في‌ عَقْلِهِ شَيئاً .

 وكان‌ أهل‌ دمشق‌ يعظّمونه‌ أشدّ التعظيم‌، ويعظهم‌ علی المنبر ؛ وتكلّم‌ مرّة‌ بأمر أنكره‌ الفقهاء، ورفعوه‌  إلی‌ الملك‌ الناصر، فأمر بإشخاصه‌  إلی‌ القاهرة‌. وجُمَع‌ القضاةُ والفقهاء بمجلس‌ الملك‌ الناصر ؛ وتكلّم‌ شرف‌الدين‌ الزَّوَاوي‌ّ المالكي‌ّ، وقال‌: إنّ هذا الرجل‌ قال‌ كذا وكذا، وعدّد ما أنكر علی ابن‌ تيميّة‌، وأحضر العقود بذلك‌، ووضعها بين‌ يدي‌ قاضي‌ القضاة‌.

 وقال‌ قاضي‌ القضاة‌ لابن‌ تيميّة‌: ما تقول‌ ؟ قال‌: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ ؛ فأعاد علی ه‌، فأجاب‌ بمثل‌ قوله‌، فأمر الملك‌ الناصر بسجنه‌، فسجن‌ أعواماً؛ وصنّف‌ في‌ السجن‌ كتاباً في‌ تفسير القرآن‌ سمّاه‌ بـ « البحر المحيط‌ » في‌ نحو أربعين‌ مجلّداً .

 ثمّ إنّ أُمّه‌ تعرّضت‌ للملك‌ الناصر، وشكت‌  إلیه‌، فأمر بإطلاقه‌،  إلی‌ أن‌ وقع‌ منه‌ مثل‌ ذلك‌ ثانية‌ ؛ وكنت‌ إذ ذاك‌ بدمشق‌، فحضرته‌ يوم‌ الجمعة‌ وهو يعظ‌ الناس‌ علی منبر الجامع‌، ويذكّرهم‌، فكان‌ من‌ جملة‌ كلامه‌ أن‌ قال‌: إنَّ اللهَ يَنْزِلُ  إلی‌ سَمَاءِ الدُّنْيَا كَنُزُولِي‌ هَذَا، وَنَزَلَ دَرَجَةً مِنْ دَرَجِ الْمِنْبَرِ.

 فعارضه‌ فقيه‌ مالكي‌ّ يعرف‌ بـ ابنِ الزَّهْراء، وأنكر ما تكلّم‌ به‌، فقامت‌ العامّة‌  إلی‌ هذا الفقيه‌، وضربوه‌ بالايدي‌ّ والنعال‌ ضرباً كثيراً حتّي‌ سقطت‌ عمامته‌، وظهر علی رأسه‌ شاشة‌ حرير، فأنكروا علی لباسها واحتملوه‌  إلی‌ دار عزّ الدين‌ ابن‌ مسلم‌ قاضي‌ الحنابلة‌، فأمر بسجنه‌ وعزّره‌ بعد ذلك‌، فأنكر فقهاء المالكيّة‌ والشافعيّة‌ ما كان‌ من‌ تعزيره‌ .

 ورفعوا الامر  إلی‌ ملك‌ الاُمراء سيف‌ الدين‌ تنكيز، وكان‌ من‌ خيار الاُمراء وصلحائهم‌، فكتب‌  إلی‌ الملك‌ الناصر بذلك‌، وكتب‌ عقداً شرعيّاً علی ابن‌ تيميّة‌ بأُمور منكرة‌ . وبعث‌ العقد  إلی‌ الملك‌ الناصر، فأمر بسجن‌ ابن‌ تيميّة‌ بالقلعة‌، فسجن‌ بها حتّي‌ مات‌ في‌ السجن‌ . [8]

 يستبين‌ لنا ممّا تقدّم‌ بكلّ صراحة‌: أنّ ابن‌ تيميّة‌ كان‌ يقول‌ بالتجسيم‌؛ وتمثيله‌ بنزوله‌ درجة‌ من‌ المنبر يفيدنا جيّداً أنّ القصد من‌ النزول‌ هنا هو النزول‌ المكاني‌ّ تعالی‌ الله‌ عَنْ ذَلِكَ . وفي‌ ضوء ذلك‌ فإنّ ما ذكره‌ مُحَمَّد بَهْجَت‌ الْعَطَّار في‌ كتاب‌ « حياة‌ ابن‌ تيميّة‌ » ـ من‌ أنّ ابن‌ بطوطة‌ عندما كان‌ في‌ دمشق‌، كان‌ ابن‌ تيميّة‌ محبوساً في‌ قلعة‌ دمشق‌، فالذي‌ تكلّم‌ بذلك‌ الكلام‌ علی منبر دمشق‌ شخص‌ آخر غيره‌ ظنّه‌ ابن‌ بطوطة‌ أنـّه‌ ابن‌ تيميّة‌ـ كلام‌ في‌ غير موضعه‌، وتبرير لا يمكن‌ قبوله‌ .

 إذ كيف‌ يخفي‌ ابن‌ تيميّة‌ علی ابن‌ بطوطة‌ فلا يعرفه‌، ويظنّه‌ شخصاً آخر، وهو معروف‌ بالفراسة‌ والكياسة‌ والسوابق‌ ؟ هذا مع‌ كافّة‌ المواصفات‌ التي‌ ذكرها ابن‌ بطوطة‌ في‌ هذه‌ القصّة‌ .

 ناهيك‌ عن‌ أنّ ابن‌ بطوطة‌ كان‌ رحّالة‌ ؛ وله‌ كتاب‌ « رحلة‌ ابن‌ بطوطة‌ » حول‌ هذه‌ الاسفار وأمثالها . ومن‌ المعلوم‌ أنّ السوّاح‌ الذين‌ يدوّنون‌ رحلاتهم‌ وأسفارهم‌، يسجّلون‌ مشاهداتهم‌  إلیوميّة‌ في‌ حينها ولايؤخّرونها لئلاّ ينسوا شيئاً منها، ويضبطون‌ كافّة‌ الخصوصيّات‌ . وقد أقام‌ ابن‌ بطوطة‌ مدّة‌ في‌ دمشق‌ ؛ ولو كانت‌ هذه‌ القضيّة‌ غير مرتبطة‌ بابن‌ تيميّة‌ . فإنّها لم‌تكن‌ لتخفي‌، بل‌ ينشر خبرها في‌ دمشق‌ فيسجّلها ابن‌ بطوطة‌ في‌ رحلته‌. وهذه‌ الرحلة‌ تحظي‌ بالاهميّة‌ عند المؤرّخين‌، ومع‌ هذا كلّه‌ فإنّ غفلة‌ ابن‌ بطوطة‌ عن‌ هذا الامر الواضح‌ البيّن‌ لا تغفر له‌ .

 مضافاً  إلی‌ كلّ ما مرّ من‌ كلام‌، فما هو الدافع‌ لنا أن‌ نقدّس‌ ابن‌ تيميّة‌  إلی‌ هذه‌ الدرجة‌ سالكين‌ طرقاً وعرة‌ ومطبّات‌ عويصة‌ بغية‌ تبرير أخطائه‌! وهو الذي‌ شهد بزيغه‌ الفكري‌ّ علماء الإسلام‌ كافّة‌ ؛ حتّي‌ أنّ ابن‌ بطوطة‌ نفسه‌ قد رأي‌ خللاً ونقصاً في‌ عقله‌، وذكره‌ تحت‌ عنوان‌ الْفَقِيهُ ذُو اللَّوْثَة‌.

 هذه‌ أخطاء ابن‌ تيميّة‌، وابن‌ عبد الوهّاب‌، كلّها ناتجة‌ عن‌ التزمّت‌، والتعنّت‌، والجمود علی الظاهر، وعدم‌ التعقّل‌ في‌ آيات‌ الله‌ .

 فلقد تعلّما كلمة‌ واحدة‌ وهي‌: لا يمكن‌ أن‌ نتجاوز القرآن‌ والسنّة‌ النبويّة‌؛ ولكن‌ ما هو القرآن‌، وكيف‌ يجب‌ أن‌ نفهمه‌ منه‌ ؟ وكيف‌ نفسّر القرآن‌، وهو كتاب‌ للعمل‌ ومنهج‌ للعلم‌ يستضي‌ء به‌ الحكماء وذوو الالباب‌ في‌ العالم‌ حتّي‌ فناء الدنيا وقيام‌ القيامة‌ ؟ إنّهما وأمثالهما لا يفهمون‌ أبداً. يقولون‌: وَجَآءَ رَبُّكَ، أي‌ أنّ الله‌ يمشي‌ ويذهب‌ ويجي‌ء .

 الرجوع الي الفهرس

الالفاظ‌ الموضوعة‌ للمعاني‌ العامّة‌

 إنّ هؤلاء لو خطوا علی طريق‌ الادب‌ الصحيح‌، والفلسفة‌ الإسلاميّة‌ خطوة‌ واحدة‌، لما تقوّلوا هذه‌ الاقاويل‌، ونسجوا هذه‌ الاباطيل‌ .

 لقد وضعت‌ الالفاظ‌ للمعاني‌ العامّة‌ . فالمجي‌ء بمعني‌ الإتيان‌، أي‌ الاقتراب‌ التدريجي‌ّ . وتتمثّل‌ هذه‌ الحقيقة‌ في‌ الإنسان‌ برجليه‌، وفي‌ الحيوان‌ ذي‌ الاربع‌ بأربع‌، وفي‌ الطير بتحريك‌ جناحيه‌ ؛ وفي‌ الحوادث‌ الارضيّة‌ والسماويّة‌ لمناسبتها . أنتم‌ تقولون‌: جاء المطر، وجاء الثلج‌، وجاءت‌ الرياح‌، وجاءت‌ الزلزلة‌، فهل‌ لهذه‌ الاشياء أرجل‌ تمشي‌ بها؟! وتقولون‌: جاءت‌ الشمس‌، وجاء النور، فهل‌ لهما أرجل‌ ؟ وتقولون‌ في‌ الاُمور المعنويّة‌: جاء عقل‌ زيد  إلی‌ موضعه‌ (ثاب‌  إلی‌ رشده‌) ؛ وجاء حبّه‌؛ وجاء إدراكه‌ ؛ وجاء سخاؤه‌ ؛ وجاء جبرئيل‌ ؛ وتقولون‌ في‌ الاُمور المادّيّة‌ غيرالمعنويّة‌ كالكهرباء، والماء، وغيرهما: جاءت‌ الكهرباء، وجاء الماء؛ وجاءت‌ حرارة‌ زيد إذا حُمَّ بدنه‌ . فهل‌ لهذه‌ الاشياء أرجل‌ ؟ فمجي‌ء كلّ شي‌ء يتناسب‌ مع‌ ماهيّته‌ . ولم‌ يذكر أحد من‌ اللغويين‌ قطّ أنّ المجي‌ء ملازم‌ لحركة‌ الارجل‌ .

 ومعني‌ قولنا: جاءت‌ رحمة‌ الله‌، اقتربت‌، ورفع‌ الحجاب‌، وتجلّت‌ للناس‌ صفة‌ الرحمة‌ .

 وجاء الله‌، تعني‌ أنّ حجاب‌ الإنّيّة‌ الذي‌ عليه الناس‌ قد رفع‌، فشاهدوا ذاته‌ المقدّسة‌ متجلّية‌ بالهيمنة‌، والإحاطة‌، والاستيلاء ؛ وأدركوا جماله‌ وجلاله‌ بدون‌ حجاب‌ ؛ هذا هو المعني‌ الحقيقي‌ّ للمجي‌ء . فالالفاظ‌ قد وضعت‌ للمعاني‌ العامّة‌ ؛ والمواصفات‌ الخاصّة‌ بموضع‌ الاستعمال‌ لاعلاقة‌ لها بموضوعها العامّ .

 وفي‌ ضوء ذلك‌ نقول‌: إنّ لفظ‌ المجي‌ء قد استعمل‌ في‌ معناه‌ الحقيقي‌ّ؛ غاية‌ الامر أنّ معناه‌ الحقيقي‌ّ عامّ ؛ ولو يؤخذ بنظر الاعتبار في‌ تلك‌ الخصوصيّات‌ المستعملة‌ .

 ولا نقول‌: إنّه‌ لا يمكن‌ استعمال‌ لفظ‌ المجي‌ء في‌ هذه‌ الحالات‌ في‌ معناه‌ الحقيقي‌ّ وهو الإتيان‌ علی الاقدام‌، وينبغي‌ أن‌ نؤوّله‌، ونحمله‌ علی معناه‌ المجازي‌ّ . فهذا الجواب‌ غير صحيح‌ .

 لقد استعمل‌ لفظ‌ العرش‌ في‌ معناه‌ الحقيقي‌ّ ؛ وهو عامّ ؛ ويلزمه‌ أنّ العرش‌ ليس‌ مادّيّاً، وعرش‌ كلّ شي‌ء يتناسب‌ مع‌ ذاته‌: فعرش‌ الله‌ مجرّد، وليس‌ مادّيّاً، كما أنّ الله‌ مجرّد وليس‌ مادّيّاً .

 إنّ عرش‌ الله‌ هو عالم‌ المشيئة‌ والإرادة‌ والاختيار المهيمن‌ علی العوالم‌ كلّها .

 الله‌ سميع‌ ؛ ومعني‌ أنـّه‌ يسمع‌، أي‌: يدرك‌ المسموعات‌ بعلمه‌ المحيط‌؛ وهو بصير وله‌ عين‌، أي‌: يدرك‌ المُبصرات‌ بعلمه‌ المحيط‌ ؛ ولله‌ يد، أي‌: قدرة‌، ووسيلة‌ لممارسة‌ القدرة‌ ؛ ويداه‌، تعنيان‌ صفة‌ الجمال‌، والجلال‌؛ واسمي‌: الجميل‌، والجليل‌ . هذه‌ معان‌ غير مؤوّلة‌ وغير مجازيّة‌. ولاقرينة‌ عندنا علی المجاز حتّي‌ يقول‌ أحد شيئاً يدلّ عليه ؛ وينبغي‌ أن‌ نحمل‌ اللفظ‌ علی المعاني‌ الحقيقيّة‌ عند عدم‌ وجود قرينة‌ ؛ والقرينة‌ العقليّة‌ لاتكفي‌ أيضاً ؛ لانّ العقول‌ تتباين‌ فيما بينها هنا .

 إنّ هذا النمط‌ من‌ البحوث‌ السطحيّة‌ يسوقنا آخر المطاف‌  إلی‌ الجمود والتعنّت‌ والتجسّم‌ ؛ إلاّ أنّ وضع‌ الالفاظ‌ للمعاني‌ العامّة‌ يحلّ كافّة‌ المشاكل‌؛ ذلك‌ لانّ حقيقة‌ الموضوع‌ هي‌ علی هذا النسق‌ أيضاً .

 الرجوع الي الفهرس

ضلال‌ الوهّابيّة‌ في‌ فهم‌ الحقائق‌ القرآنيّة‌

 إنّ التعبّد بالمعاني‌ المتعارفة‌ والمستعملة‌ للآيات‌ القرآنيّة‌، التي‌ يتداولها الناس‌ في‌ محادثاتهم‌ ومحاوراتهم‌  إلیوميّة‌ يُفقد الكتاب‌ الإلهي‌ّ شأنه‌ تماماً؛ ويبدّل‌ هذه‌ الآيات‌ الع إلیة‌ والرفيعة‌ بمحمولات‌ دانية‌ ومعان‌ مبتذلة‌. وهذا التعبّد لاينسجم‌ مع‌ ت علی م‌ القرآن‌ الذي‌ يدعونا  إلی‌ الجدّ والاجتهاد والتنقيب‌ والتعقّل‌ والتفكّر. فالابتعاد عن‌ العرفان‌ الإلهي‌ّ، ومقام‌ الولاية‌، والسير العملي‌ّ في‌ عوالم‌ الحبّ والاتّصال‌ بالباطن‌، والاحتراز من‌ العلوم‌ العقليّة‌ والبراهين‌ الفلسفيّة‌ والقواعد الحِكَميّة‌، كلّ ذلك‌ يولّد لنا هذه‌ الكوارث‌.

 لقد أراد ابْنُ تَيْميَّة‌ أن‌ يستهدي‌ بالقرآن‌ والسُنَّة‌ غير أنـّه‌ ضلّ سبيله‌؛ ولذلك‌ تزهق‌ روحه‌ في‌ الفيافي‌ المجدبة‌ بكبد ملتهب‌، وقلب‌ ذائب‌ منصهر متحسّراً متأوّهاً علی ما فرّط‌ في‌ جنب‌ الله‌ وجنب‌ رسوله‌ إذ يفتي‌ بعدم‌ قصر الصلاة‌ للمسافر الذي‌ يقصد المدينة‌ لزيارة‌ قبر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه و آله وسلّم‌ . [9] لانّ هذا السفر سفر معصية‌، وزيارة‌ رسول‌ الله‌ بدعة‌ .  إلیس‌ هذا تفتيتاً للكبد ومسكنةً للروح‌ أن‌ يقول‌ الإنسان‌: إنّ السفر للنزهة‌ والتفرّج‌ ولاي‌ّ ضرب‌ من‌ ضروب‌ اللذّة‌ والسعادة‌ ؛ أو السفر  إلی‌ أي‌ّ بقعه‌ من‌ بقاع‌ العالم‌ للتجارة‌ حلال‌، ويقصر المسافر صلاته‌ فيه‌ ؛ أمّا السفر  إلی‌ المدينة‌ لزيارة‌ قبر رسول‌ الله‌ فإنّه‌ حرام‌، ويتمّ المسافر صلاته‌ في‌ هذا السفر؟!

 إنّ هؤلاء يريدون‌ أن‌ يبلغوا القرآن‌ ولا يتجاوزوه‌ ؛ إلاّ أنّ أدمغتهم‌ المتحجّرة‌ تزيّن‌ لهم‌ أن‌ يسلّوا سيوفهم‌ علی المسلمين‌ بذريعة‌ محاربة‌ الشرك‌ الذي‌ ينهجونه‌ في‌ حياتهم‌، بزعمهم‌، ويُنشئوا حمّاماً من‌ الدم‌ في‌ الحجاز، ونجد، ومكّة‌، وجدّة‌، والعراق‌، وسوريا وغيرها من‌ الاقطار، ويذبحوا الاطفال‌ الرضّع‌، ويرتكبوا من‌ الجرائم‌ ما يُبيّضوا به‌ وجه‌ المغول‌، وقد بيّضوه‌ حقّاً ؛ وبعد هذا كلّه‌ يزعمون‌ أنّ هذه‌ الاعمال‌ الإجراميّة‌ تمثّل‌ الدعوة‌  إلی‌ التوحيد ؛ وهل‌ أنّ تكفير المسلمين‌ جميعهم‌ هو التوحيد ! وهل‌ أنّ إباحة‌ سفك‌ الدماء البريئة‌ للمسلمين‌ هي‌ التوحيد ؟ هذه‌ هي‌ طريقة‌ الوَهَّابِيَّة‌ التي‌ ابتدعها مؤسّسها محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌، ووضع‌ لبناتها الاُولي‌ ابن‌ تيميّة‌ قائدها الفكري‌ّ الاوّل‌ .

 و علی كلّ من‌ أحبّ الاطّلاع‌ الكافي‌ علی الوهّابيّة‌، أن‌ يطالع‌ الكتب‌ التي‌ تتحدّث‌ عنها وعن‌ تأريخ‌ رجالها، لكي‌ يعلم‌ أنّ الابتعاد عن‌ ولاية‌ الإمام‌ الصادق‌ ومذهبه‌ الحقّ يولّد هذه‌ المسكنة‌ .

 ولكم‌ أن‌ تطالعوا كتاب‌: « كَشْف‌ الارْتياب‌ في‌ أتباع‌ محمّدبن‌ عبدالوهّاب‌ » للمرحوم‌ السيّد محسن‌ الامين‌ العاملي‌ّ ؛ وكتاب‌: « هَذِهِ هِي‌َ الْوَهَّابِيَّةِ » للشيخ‌ محمّد جواد مغنية‌ حتّي‌ تطّلعوا علی سخافة‌ هؤلاء القوم‌ وحماقتهم‌.

 إنّ من‌ أراد أن‌ يستهدي‌ بالقرآن‌ دون‌ الاستضاءة‌ بأهل‌ البيت‌ فإنّ عاقبته‌ أنـّه‌ يُمنـي‌ بمثل‌ هذه‌ الاباطيل‌ والتخـرّصـات‌ . فحبّـة‌ الفيـروز وجوهرة‌ الماس‌ ينبغي‌ شراؤها من‌ بائع‌ المجوهرات‌، لا من‌ بائع‌ الخضروات‌.

 إنّ المواضيع‌ التي‌ ذكرناها حول‌ توحيد الذات‌، وتوحيد الصفات‌، وتوحيد الافعال‌ سواء في‌ هذا الكتاب‌ أو في‌ غيره‌، أو في‌ هذا الدرس‌ علی نحو الخصوص‌ هي‌ من‌ فيوضات‌ رافعي‌ لواء مدرسة‌ التشيّع‌، وحملة‌ لواء الحمد ومقام‌ الشفاعة‌، علی ‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ وأبنائه‌ الامجدين‌ . وقد نقلناها عن‌ « التوحيد » للشيخ‌ الصدوق‌، و « عيون‌ الاخبار »، و « نهج‌ البلاغة‌ » وغيرها. وما قدمّناه‌ من‌ آراء العرفاء الكبار والحكماء العظام‌ الذين‌ ظفروا بهذه‌ النقاط‌ الدقيقة‌ والعميقة‌ بسبب‌ اتّباعهم‌ لهذه‌ المدرسة‌، نقلناها عنهم‌ نصّاً. ولكم‌ أن‌ تقارنوا بينها وبين‌ آراء الوهّابيّة‌ وأفكارها سواء في‌ أُصول‌ العقائد كالتجسيم‌، أو في‌ الفروع‌ كالحكم‌ بحرمة‌ زيارة‌ رسول‌ الله‌، أو في‌ العمل‌ كرفع‌ الحراب‌ وارتكاب‌ جرائم‌ القتل‌ بأقسي‌ شكل‌ متصوّر، وذلك‌ كلّه‌ يجري‌ باسم‌ الله‌، وباسم‌ رسول‌ الله‌، قارنوا لتروا بعد ما بينهما: وَمَن‌ لَّمْ يَجْعَلِ اللَهُ لَهُ و نُورًا فَمَا لَهُ و مِن‌ نُّورٍ . [10]

 تقول‌ الوَهَّابِيَّة‌: إنّ النور المذكور في‌ القرآن‌ هو النور الظاهري‌ّ؛ والظلمة‌ هي‌ نفسها ؛ ولا معني‌ للمعاني‌ الباطنيّة‌ والتأويل‌ والتفسير ؛ وينبغي‌ أن‌ نأخذ بظاهر القرآن‌ فحسب‌ ؛ وهذا هو الطريق‌ لا غير .

 فانظروا ماذا أفرزت‌ هذه‌ الافكار السقيمة‌ من‌ المفاسد العظيمة‌ سواء علی الصعيد العقيدي‌ّ أو علی صعيد الاحكام‌ العمليّة‌ والمسائل‌ الفقهيّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ العميد قريب‌ مع‌ الشيخ‌ الوهّابي‌ّ

الوهّابيّون‌ لا يتجاوزون‌ المعني‌ البسيط‌ العادي‌ والرائج‌ للقرآن‌

 ومن‌ المناسب‌ هنا أن‌ ننقل‌ قصّة‌ مأثورة‌ عن‌ أُستاذنا فقيد العلم‌ والعرفان‌ آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه ونختم‌ بها موضوعنا هذا.

 فقد نقلها لنا قبل‌ ما يقارب‌ خمس‌ عشرة‌ سنة‌، [11] فقال‌: قبل‌ مدّة‌ جاءنا العميد قريب‌، ونقل‌ لنا قصّة‌ وقعت‌ له‌ في‌ مناسبة‌ من‌ المناسبات‌ وهي‌ معجبة‌ ومسرّة‌ للغاية‌ .

 قال‌: في‌ السنة‌ التي‌ تشرّفت‌ خلالها بحجّ بيت‌ الله‌ الحرام‌ . ذهبنا بالباخرة‌ عن‌ طريق‌ الشام‌ حتّي‌ وصلنا جدّة‌ ؛ واستغرقت‌ الرحلة‌ أكثر من‌ أُسبوع‌، وكان‌ معي‌ عدد من‌ الاصدقاء الذين‌ هم‌ غالباً من‌ زملائي‌ . وكان‌ لدينا متّسع‌ الوقت‌ الكافي‌ والمكان‌ الهادي‌ لكي‌ نتعلّم‌ مناسك‌ الحجّ.

 وكان‌ في‌ الباخرة‌ أحد العلماء قاصداً بيت‌ الله‌ الحرام‌ أيضاً، وكان‌ دائماً يجلس‌ لوحده‌، صامتاً، مراقباً، ومنقطعاً  إلی‌ نفسه‌ .

 وكنّا في‌ الايّام‌ الاُولي‌ نذهب‌  إلیه‌ لمدّة‌ ساعة‌ لنسأله‌ عن‌ المسائل‌ التي‌ نحتاج‌  إلیها، ثمّ أكثرنا من‌ الذهاب‌  إلیه‌ في‌ الايّام‌ الت إلیة‌ حتّي‌ طلبنا منه‌ أن‌ يأتي‌ ويشاركنا في‌ طعامنا لكي‌ نستفيد من‌ وجوده‌ أكثر فأكثر . فوافق‌ علی اقتراحنا وجاء معنا . فأُضيف‌  إلی‌ مجموعتنا شخص‌ آخر .

 وصلنا  إلی‌ المدينة‌ المنوّرة‌، وأنـّي‌ ذهبنا كنّا معاً لم‌ نتفارق‌ . ومعنا ذلك‌ العالم‌، وقد استفدنا منه‌ كثيراً وسررنا غاية‌ السرور بوجوده‌ معنا . كان‌ رجلاً خليقاً هادئاً صبوراً عالماً مفكّراً .

 ذات‌ يوم‌ ذهبنا بمعيّته‌ لزيارة‌ مكتبة‌ المدينة‌ المنوّرة‌ المعروفة‌. وكان‌ أمينها شيخاً أعمي‌ من‌ أتباع‌ المذهب‌ الوهّابي‌ّ . فجلس‌ معنا، وأخذنا نتجاذب‌ معه‌ أطراف‌ الحديث‌ ؛ ولمّا فهم‌ أنـّنا من‌ إيران‌ ومن‌ أتباع‌ المذهب‌ الجعفري‌ّ، لم‌ يترك‌ شيئاً إلاّ وقاله‌ ضدّ الشيعة‌ بكلمات‌ نابية‌ غير مؤدّبة‌، فأخذ يوبّخ‌، ويمتهن‌، ويهين‌، ويفتري‌ بنسبتهم‌  إلی‌ الشرك‌، و إلیهوديّة‌، وا لمجوسيّة‌ . وينتقد الاُصول‌ والفروع‌ كلّها ؛ ويقرأ رواية‌ بلهجة‌ عصبيّة‌ ويبرّرها ؛ ويتلو آيات‌ قرآنيّة‌ ويشرحها . وهو يقصد إدانتنا في‌ كلّ ذلك‌ مستنتجاً أنـّنا غير مسلمين‌ ؛ لا نصلّي‌ ؛ ولا نصوم‌، وأنّ حجّنا للنزهة‌ والسياحة‌، لا للعبادة‌ . وأنّ سجودنا علی تربة‌ الإمام‌ الحسين‌ نوع‌ من‌ عبادة‌ الاصنام‌ ؛ وأنّ زيارة‌ القبور، والطواف‌ حول‌ المشاهد المشرّفة‌، وتقبيل‌ الاضرحة‌ والابواب‌، كلّ ذلك‌ شرك‌ وعبادة‌ للموتي‌ .

وكان‌ يقول‌: الشيعة‌ لا تعرف‌ القرآن‌ ولا تتلوه‌، وتؤوّل‌ معانيه‌ ؛ وهذا دمار للقرآن‌ ؛ ويجب‌ أن‌ يفسّر القرآن‌ بمعناه‌ الظاهر، وأساساً فإنّ القرآن‌ لايجوز أن‌ يُفسّر، بل‌ يجب‌ الاكتفاء بظاهره‌ .

 إنّ النور المقصود في‌ قوله‌ تعالی‌: اللَهُ نُورُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ. [12] هو هذا النور الظاهري‌ّ .

 بينما يقول‌ الشيعة‌ ويكتبون‌ في‌ تفاسيرهم‌ أنّ المراد من‌ النور هو الحقيقة‌؛ وهذا تفسير بالرأي‌، وهو حرام‌ .

 يقول‌ الشيعة‌: إنّ المقصود هو أنّ الله‌ منير السماوات‌ والارض‌ ؛ وهذا خلاف‌ الظاهر .

 القرآن‌ يقول‌ بصراحة‌: وَجَآءَ رَبُّكَ . يقول‌ الشيعة‌: القصد هو وَجَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ . وهذا المعني‌ غير صحيح‌ .

 وأطال‌ الاعمي‌ حديثه‌ في‌ هذا المجال‌ . وكان‌ العالم‌ الذي‌ معنا صامتاً مثلنا، لا ينبس‌ ببنت‌ شفة‌ .

 وأصابنا فتور ؛ وامتعضنا من‌ سكوت‌ صاحبنا . لماذا لا يجيب‌ ؟ لماذا يُدان‌ هنا، وهو الذي‌ نخاله‌ عالماً واعياً، ولم‌ يكن‌ هكذا من‌ قبل‌ ؟ حتّي‌ أنّ بعضنا همّ أن‌ يقوم‌ بوجهه‌ ويصرخ‌ قائلاً له‌: كلامك‌ كلّه‌ اتّهام‌ باطل‌، ولانصيب‌ له‌ من‌ الصحّة‌ . وتفسير آية‌ النور، وقوله‌: وَجَآءَ رَبُّكَ بهذا الشكل‌ يعني‌ تجسيم‌ الله‌ ؛ وهذا خطأ ؛ يجب‌ أن‌ نتعلّم‌ القرآن‌ من‌ أهله‌، لامن‌ الغرباء عليه ؛ وأهله‌ هم‌ رسول‌ الله‌ وأهل‌ بيته‌ ؛ وأنتم‌ لستم‌ من‌ أهله‌ حتّي‌ يحلو لكم‌ أن‌ تفسّروا القرآن‌ وتفهموه‌ بهذا الشكل‌ .

 بيد أنـّا لم‌ نحسن‌ العربيّة‌ حتّي‌ نردّ عليه أوّلاً ؛ وثانياً: كنّا نحسب‌ لحضور العالم‌ الجليل‌ الكبير بيننا حساباً إذ إنّ كلامنا لا يستحسن‌ مع‌ وجوده‌؛ وقرّرنا أن‌ نفترق‌ عنه‌ إذا خرجنا .

 وخلاصة‌ القول‌ إنّ ذلك‌ الشيخ‌ الوهَّابي‌ّ أبرمنا بكثرة‌ كلامه‌ حتّي‌ أنـّه‌ هو نفسه‌ شعر بالإرهاق‌ وأزبد فمه‌، وصاحبنا لا زال‌ يستمع‌ له‌ بكلّ هدوء دون‌ أن‌ ينطق‌ حرفاً واحداً .

 وما إن‌ أتمّ كلامه‌ حتّي‌ التفت‌  إلیه‌ شيخنا وقال‌ له‌: لابدّ أنـّك‌ تهدف‌ من‌ وراء هذا الكلام‌ الذي‌ أغضبك‌ وأتعبك‌، وهذا الدفاع‌ عن‌ القرآن‌ والنبي‌ّ، أن‌ تتشرّف‌ برؤية‌ رسول‌ الله‌ وزيارته‌ يوم‌ القيامة‌ ! وتكون‌ أعمالك‌ مقبولة‌ ومشكورة‌ ؟!

 فقال‌ الشيخ‌ الوَهَّابي‌ّ: نعم‌ ! نعم‌ !

 فقال‌ شيخنا: ولكنّي‌ آسف‌ أنـّك‌ لن‌ تري‌ رسول‌ الله‌ يوم‌ القيامة‌ أبداً!

 فقال‌ الوهّابي‌ّ بنبرة‌ غاضبة‌: ولِمَ ذلك‌ ؟! ما هو السبب‌ ؟

 فقال‌ شيخنا: لمّا كنت‌ أعمي‌ ! وكنت‌ تفسّر القرآن‌ الذي‌ تدافع‌ عنه‌ كما تهوي‌، فإنّ القرآن‌ ينطق‌ بالحقّ قائلاً: وَمَن‌ كَانَ فِي‌ هَـ'ذِهِ أَعْمَي‌' فَهُوَ فِي‌ الاْخِرَةِ أَعْمَي‌' وَأضَلُّ سَبِيلاً .[13]

 ويقول‌ أيضاً كما ردّدت‌ بنفسك‌: وَمَن‌ لَّمْ يَجْعَلِ اللَهُ لَهُ و نُورًا فَمَا لَهُ و مِن‌ نُّورٍ . [14]

 وفي‌ ضوء هذا كلّه‌ فأنتَ في‌ هذه‌ الدنيا أعمي‌ ! وفي‌ الآخرة‌ أعمي‌ وأضلّ سبيلاً ! ولم‌ يجعل‌ الله‌ لك‌ نوراً، فما لك‌ من‌ نور ! فلن‌ تري‌ رسول‌الله‌ أبداً !

 قال‌ شيخنا هذا الكلام‌ ولم‌ ينطق‌ بشي‌ء غيره‌ .

 فاضطرب‌ الشيخ‌ الوهّابي‌ّ أي‌ّ اضطراب‌ ؛ وانزعج‌ وفقد صوابه‌ وكأنـّه‌ طير مذبوح‌ يتلوّي‌ من‌ حرارة‌ السكّين‌، وآثر الصمت‌ فلم‌ يتكلّم‌ بشي‌ء. وكان‌ يرعد، وجسمه‌ يرتجف‌ .

 ولقد سررنا بجواب‌ شيخنا أيّما سرور وابتهجنا كثيراً ؛ وقمنا عائدين‌  إلی‌ مكاننا وكنّا في‌ الطريق‌ نكثر من‌ تقبيل‌ الشيخ‌ . وتعلّقنا به‌ كثيراً حتّي‌ أنّ بعضنا كان‌ يريد أن‌ يحتضن‌ الشيخ‌ عند عبوره‌ من‌ الشارع‌ بلا شعور . وقلنا له‌:

 لقد آذيتنا بصمتك‌ الطويل‌ . وقلنا في‌ أنفسنا: لقد أُفحمتَ وأُدنتَ! ولكنّك‌ بحمد الله‌ أبطلت‌ ثرثرته‌ بكلمتك‌ الشافية‌ جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإسلاَمِ وَالْقُرْآنِ خَيْراً .

 فهذا موجز عن‌ مذهب‌ الوهّابيّة‌ .

 الرجوع الي الفهرس

الانحرافات‌ العقائديّة‌ لطائفة‌ الشيخيّة‌

 وأمّا طائفة‌ الشيخيّة‌ ؛ فإنّهم‌ لا يرون‌ غاية‌ سير الإنسان‌  إلی‌ ذات‌ الحقّ الاقدس‌؛ وينكرون‌ بصراحة‌ بلوغه‌ مقام‌ العزّ الشامخ‌ للاحديّة‌، وفناء وجوده‌ واندكاكه‌ في‌ ذاته‌ عزّ وجلّ .

 وبناءً علی هذا، فهم‌ ينكرون‌ إمكان‌ العرفان‌ الإلهي‌ّ ومعرفة‌ ذات‌ الحقّ بالنسبة‌  إلی‌ الإنسان‌، ويقولون‌:

 إنّ غاية‌ السير العرفاني‌ّ والكم إلی‌ّ للإنسان‌ هي‌ باتّجاه‌ الولي‌ّ الاعظم‌ الذي‌ يمثّل‌ الحجاب‌ الاقرب‌ وواسطة‌ الفيض‌ .

 ويقولون‌: إنّ ذات‌ الحقّ الاقدس‌ براء من‌ كلّ اسم‌ ورسم‌ ؛ ومن‌ كلّ صفة‌؛ لذلك‌ فإنّ أسماء الحقّ وصفاته‌ ليست‌ عين‌ ذاته‌ ؛ بل‌ هي‌ في‌ مرحلة‌ أوطأ؛ وبالت إلی‌ فإنّ ذات‌ الحقّ تفقد كلّ صفة‌ وكلّ اسم‌ .

 إنّ الولي‌ّ الاعظم‌ وقطب‌ دائرة‌ الإمكان‌ هو: إمام‌ العصر والزمان‌، وهو اسم‌ الله‌، وفي‌ درجة‌ أوطأ من‌ ذات‌ الحقّ ؛ لانّ السير نحو الذات‌ الخارجة‌ عن‌ كلّ اسم‌ ورسم‌، الازليّة‌ الابديّة‌ التي‌ مالا نِهَايَةَ لَهَا محال‌ ؛ لذلك‌ فإنّ غاية‌ سير الإنسان‌ هي‌ باتّجاه‌ الاسم‌ الاعظم‌ للحقّ، وهو الولي‌ّ الاعظم‌ الذي‌ يمثّل‌ الفاصلة‌ بين‌ الله‌ وبين‌ عالم‌ الخلق‌ .

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الشيخيّة‌ يستلزم‌ وجوداً استقل إلیاً للإمام‌

 يقول‌ الشيخيّة‌: ذلك‌ لانّ إمام‌ العصر والزمان‌ وحده‌ يستطيع‌ أن‌ يظفر بوصال‌ الله‌ ؛ ونحن‌ أيضاً لا نستطيع‌ أن‌ نظفر بوصال‌ الإمام‌ إلاّ بواسطة‌؛ ولابدّ من‌ هذه‌ الواسطة‌ التي‌ تربطنا به‌ ؛ وهذه‌ الواسطة‌ هي‌ الشيخ‌ الذي‌ يسمّونه‌: الرُكْن‌ الرَابِعْ . فالركن‌ الاوّل‌ هو: الله‌ ؛ والثاني‌ هو: النبي‌ّ؛ والثالث‌: الإمام‌ ؛ والرابع‌: الشيخ‌ . فالغاية‌ ـ إذَن‌ ـ هي‌ سيرنا  إلی‌ الفناء في‌ الشيخ‌؛ وغاية‌ سير الشيخ‌ هي‌ الفناء في‌ الإمام‌ ؛ وغاية‌ سير الإمام‌ هي‌ الفناء في‌ الحقّ ؛ وهذه‌ الاركان‌ الاربعة‌ لابدّ منها .

 وفساد هذه‌ العقيدة‌ واضح‌ للاسباب‌ الت إلیة‌:

 أوّلاً: إذا اعتبرنا صفات‌ الحقّ وأسماءه‌ منفصلة‌ عن‌ ذاته‌، وأنّ ذاته‌ هي‌ بلا اسم‌ ورسم‌ ؛ فمؤدّي‌ هذا الكلام‌ هو أنّ ذات‌ الحقّ فاقدة‌ للحياة‌ والعلم‌ والقدرة‌؛ وبناءً علی ذلك‌ فهي‌ ذات‌ جامدة‌ وميّتة‌ وجاهلة‌، و َتعالی‌ اللهُ عَنْ ذَلِكَ.

 و ثانياً: أنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ والروايات‌ جميعها تدعونا  إلی‌ ذات‌ الحقّ في‌ السير والمعرفة‌ ؛ وتعتبر غاية‌ السير والوصول‌ والعرفان‌ هو الوصول‌  إلی‌ ذات‌ الحقّ، لا الوصول‌  إلی‌ الولي‌ّ الاعظم‌ وعرفانه‌ .

 و ثالثاً: لعلّ هناك‌ من‌ يسأل‌ قائلاً: لماذا يتمتّع‌ الإمام‌ والولي‌ّ الاعظم‌ بإمكانيّة‌ العرفان‌ والوصول‌  إلی‌ ذات‌ الحقّ الاقدس‌، ولا يتمتّع‌ غيره‌ بذلك‌؟ وإذا كان‌ ممكناً له‌ ذلك‌، فهو ممكن‌ للجميع‌ . وإذا كان‌ لغيره‌ محال‌، فكيف‌ يكون‌ ممكناً له‌ ؟

 يقول‌ الشيخيّة‌: الولي‌ّ الاعظم‌ ليس‌ ممكناً وليس‌ واجباً ؛ بل‌ هو في‌ مرتبة‌ بين‌ الإمكان‌ والوجوب‌ .

 والجواب‌ هو: أنـّنا لا نتعقّل‌ وجود مرتبة‌ بين‌ الإمكان‌ والوجوب‌؛ فكلّ الناس‌ في‌ دائرة‌ الإمكان‌ ؛ وغاية‌ سيرهم‌ فناؤهم‌ واندكاكهم‌ في‌ ذات‌ وَاجِبِ الْوُجُودِ .

 و رابعاً: في‌ ضوء هذا الكلام‌، فإنّ الولي‌ّ الاعظم‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ له‌ وجود مستقلّ ؛ لكي‌ يتحقّق‌ فناء الموجودات‌ التي‌ لها اسم‌ ورسم‌ فيه‌، لا أن‌ يكون‌ له‌ وجود تبعي‌ّ وظلّي‌ّ ومرآتي‌ّ ؛ وإلاّ فإنّ الهدف‌ ينبغي‌ أن‌ يكون‌ ذات‌ الحقّ . وما يتطلّبه‌ هذا الافتراض‌ هو الشرك‌ والثنويّة‌ والتفويض‌ والتولّد وَتعالی‌ اللهُ عَنْ ذَلِكَ . وأخيراً، فإنّ هذه‌ الطائفة‌ لم‌ تعلم‌ أنّ الولاية‌ قائمة‌ في‌ كلّ موجود؛ وهي‌ عبارة‌ عن‌ ارتفاع‌ الفاصلة‌ والحجاب‌ بين‌ ذلك‌ الموجود وذات‌ الحقّ؛ وأنّ هذه‌ الولاية‌ في‌ الله‌ أصليّة‌، وفي‌ جميع‌ الموجودات‌ تبعيّة‌ وظلّيّة‌ ومرآتيّة‌.

 إنّ القرآن‌ الكريم‌ يعتبر جميع‌ الموجودات‌ آية‌ ومرآة‌ ؛ والروايات‌ أيضاً تأبي‌ أن‌ يكون‌ للائمّة‌ مقام‌ مستقلّ ؛ وتري‌ ذلك‌ تفويضاً وخطأ ؛ بل‌ إنّ كلّ مقام‌ وكلّ درجة‌ وكمال‌ يتمتّعون‌ به‌ هو من‌ الله‌ ؛ ومع‌ الله‌ ؛ ولله‌ ؛ وإنّما هم‌ ممثّلون‌ ومظهرون‌ لذلك‌ فحسب‌ .

 إنّهم‌ صراط‌ الهداية‌ التكوينيّة‌ والتشريعيّة‌ وجسرها للوصول‌  إلی‌ مقام‌ العزّ الشامخ‌ للحقّ جَلَّ وَعَزَّ .

 القصد والمقصود هو الله‌ ؛ وذاته‌ المقدّسة‌ وأسماؤه‌ وصفاته‌ . والائمّة‌ وسطاء الفيض‌ والرحمة‌ في‌ قوسي‌ النزول‌ والصعود .

 وفي‌ ضوء ما تقدّم‌ فإنّ لوجود بقيّة‌ الله‌ أرواحنا فداه‌ مرآتيّة‌ وآيتيّة‌ لوجود الحقّ الاقدس‌ تعالی‌ . ولذلك‌ فإنّ معرفته‌ أيضاً يجب‌ أن‌ تحمل‌ صفة‌ الآيتيّة‌ والمرآتيّة‌ لمعرفة‌ الحقّ تعالی‌ .

 وبلغة‌ علميّة‌: فإنّ وجوده‌ بالنسبة‌  إلی‌ وجود الحقّ هو معني‌ حرفي‌ّ بالنسبة‌  إلی‌ معني‌ اسمي‌ّ .

 و علی هذا فإنّ طريق‌ السير  إلی‌ الله‌ المتعال‌ هو الإمام‌ نفسه‌ ؛ بَيدَ أنّ الهدف‌ هو الله‌ تبارك‌ وتعالی‌ نفسه‌ . ومن‌ المعلوم‌ أنـّنا إذا حسبنا الطريق‌ هدفاً، فكم‌ يكون‌ حجم‌ خطأنا !

 ينبغي‌ أن‌ نسير  إلی‌ الله‌، ونجعل‌ لقاءه‌، والوصول‌  إلیه‌، وعرفانه‌، والفناء والاندكاك‌ في‌ ذاته‌ غايتنا المنشودة‌ ؛ غاية‌ الامر لمّا كان‌ هذا المقصد لايطوي‌ بدون‌ هذا الطريق‌ . وأنّ الغاية‌ المنشودة‌ تتعسّر بدونه‌، لذلك‌ ينبغي‌ لنا أن‌ نخطو علی هذا الطريق‌ لبلوغ‌ الهدف‌ المنشود .

 ولمّا كنّا عاجزين‌ عن‌ رؤية‌ الشمس‌ بلا مرآة‌، فلننظر  إلی‌ جمالها في‌ الماء وفي‌ المرآة‌ .

 فالمرآة‌ بالنسبة‌  إلی‌ الشمس‌ لها معني‌ حرفي‌ّ ؛ فهي‌ لا تتجلّي‌ بذاتها، بل‌ تتجلّي‌ الشمس‌ فيها .

 إنّنا لا نستطيع‌ أن‌ نستغني‌ عن‌ النظر  إلی‌ الشمس‌، وأنوارها وحرارتها، ولمعانها لانـّها تهب‌ الحياة‌ ؛ ولا نستطيع‌ أن‌ ننظر في‌ المرآة‌ علی نحو الاستقلال‌ ؛ لانـّها في‌ هذه‌ الحالة‌ لا تمثّل‌ الشمس‌، ولا تشكّل‌ مظهراً لها؛ ولا تعكس‌ وجهها فيها . بل‌ إنّ المرآة‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ مظهر لنفسها؛ إنّها زجاجة‌ ؛ صقيلة‌ ؛ وليس‌ لها عنوان‌ المرآتيّة‌ حقّاً .

 أمّا لو نظرنا في‌ المرآة‌ والماء علی نحو تمثيلي‌ّ ومرآتي‌ّ ؛ فلن‌ نراهما آنذاك‌، بل‌ سنري‌ الشمس‌ فيهما ؛ إذَن‌ لابدّ أن‌ ننظر في‌ المرآة‌ كي‌ نري‌ الشمس‌؛ ولا سبيل‌ لنا غير ذلك‌ ؛ وبعبارة‌ علميّة‌ فإنّ المرآة‌ ما بِهِ يُنْظَرُ لامَا فِيهِ يُنْظَرُ .

 وهكذا فإنّ الوجود المقدّس‌ لبقيّة‌ الله‌ عجّل‌ الله‌ تعالی‌ فرجه‌ مرآة‌ تامّة‌ الظهور للحقّ ؛ وينبغي‌ أن‌ نري‌ الحقّ في‌ تلك‌ المرآة‌ ؛ لا أن‌ نراها، لانـّها لا ذاتيّة‌ لها ؛ ولا يمكن‌ أن‌ نري‌ الحقّ بلا مرآة‌، لتعذّر رؤيته‌ بدونها.

 وفي‌ ضوء ذلك‌ ؛ لابدّ من‌ البحث‌ والتنقيب‌ عن‌ الحقّ والسعي‌ الدؤوب‌ باتّجاهه‌، وذلك‌ عن‌ طريق‌ وليّه‌ الاعظم‌ ومرآته‌ وآيته‌ .

 إنّ المخاطَب‌ في‌ الادعية‌ والمناجاة‌ هو الله‌ عن‌ طريق‌ ذلك‌ الإمام‌ وسبيله‌ وصراطه‌ ؛ ولهذا فلو عرضنا حاجتنا علی الإمام‌ نفسه‌، وجعلناه‌ المخاطب‌؛ فلابدّ أن‌ نلتفت‌  إلی‌ أنـّه‌ لا يتّخذ طابعاً استقل إلیاً ؛ ولايتقمّص‌ الاستقلال‌؛ بل‌ له‌ عنوان‌ الوساطة‌ والمرآتيّة‌ والآيتيّة‌، ولنعش‌ هذا المعني‌ في‌ أذهاننا باستمرار، ونأخذه‌ بعين‌ الاعتبار . وسنكون‌ في‌ عملنا هذا قد جعلنا الله‌ ـ في‌ الحقيقة‌ ـ هو المخاطَب‌ ؛ لانّ المرآة‌ بِمَا هِي‌َ مِرْآة‌ لاتقبل‌ النظر الاستقل إلی‌ّ؛ بل‌ النظر التَبَعي‌ّ ؛ ويرجع‌ النظر الاستقل إلی‌ّ  إلی‌ نفس‌ الصورة‌ المنعكسة‌ فيها .

 وهذه‌ المسألة‌ من‌ أهمّ المسائل‌ في‌ باب‌ العرفان‌ والتوحيد: إذ إنّ كَثَرات‌ هذا العالم‌ لا تتنافي‌ مع‌ وحدة‌ ذات‌ الحقّ ؛ ذلك‌ لانّ الوحدة‌ أصليّة‌، والكَثَرات‌ تَبَعيّة‌ وظِلّيّة‌ ومرآتيّة‌ ؛ وتستبين‌ مسألة‌ الولاية‌ جيّداً في‌ أنّ حقيقة‌ الولاية‌ هي‌ نفس‌ حقيقة‌ التوحيد ؛ وقدرة‌ الإمام‌ وعظمته‌ وعلمه‌ وإحاطته‌، هي‌ عين‌ قدرة‌ الحقّ تبارك‌ وتعالی‌ وعظمته‌ وعلمه‌ وإحاطته‌، فلااثنينيّة‌ هنا .

 بل‌ لا معني‌ للطلب‌ من‌ الله‌ بلا وساطة‌ الإمام‌ ومرآتيّته‌ ؛ كما أنّ الطلب‌ من‌ الإمام‌ مستقلاّ لا معني‌ له‌ بدون‌ عنوان‌ الوساطة‌ والمرآتيّة‌ لذات‌ الحقّ المقدّسة‌ أيضاً .

 والطلب‌ من‌ الإمام‌ ومن‌ الله‌ شي‌ء واحد في‌ الحقيقة‌ ؛ وليس‌ شيئاً واحداً في‌ اللفظ‌ والتعبير، ومن‌ الوجهة‌ الادبيّة‌ والبيانيّة‌ فحسب‌، بل‌ هو شي‌ء واحد من‌ منظار الحقيقة‌ والواقع‌ ؛ ذلك‌ لانـّه‌ لا شي‌ء في‌ الوجود غير الله‌. قال‌ عزّ من‌ قائل‌:

 تَبَـ'رَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي‌ الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ . [15]

 لقد أخطأت‌ هاتان‌ الطائفتان‌ (الوَهّابيَّة‌، والشَيْخيَّة‌) ؛ لانـّنا إذا رفعنا عنوان‌ المرآتيّة‌ عن‌ الممكنات‌ سواء كانت‌ مادّيّة‌ أو مجرّدة‌ ؛ أو أضفينا علی ها عنوان‌ الاستقلال‌، فقد أخطأنا في‌ كلتا الحالتين‌ . والصواب‌ هو لاهذا ولاذاك‌؛ بل‌ الموجودات‌ لها أثر الحقِّ ؛ وهي‌ صاحبة‌ صفات‌ الحقّ، وهي‌ مظاهر ومج إلی‌ ذاته‌ وأسمائه‌ الحسني‌ وصفاته‌ ال علی ا .

 إنّ مذهب‌ الوهَّابيَّة‌ يميل‌  إلی‌ الجبر، ومذهب‌ الشَيْخِيَّة‌  إلی‌ التفويض‌؛ وكلاهما علی خطأ بَلْ أَمْرٌ بَيْنَ الاْمْرَيْنِ وَمَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ ؛ وذلك‌ هو إشراق‌ نور ذات‌ الحقّ الاقدس‌ في‌ الكثرات‌ المادّيّة‌ والمجردّة‌ .

 ينكر مذهب‌ الوَهَّابيَّة‌ قدرة‌ الحقّ وعلمه‌ في‌ الموجودات‌ ؛ وينكر مذهب‌ الشَيْخِيَّة‌ قدرة‌ الحقّ وعلمه‌ في‌ ذاته‌ نفسها ؛ فكلاهما قال‌ بالتعطيل‌، وكلاهما ضلّ السبيل‌ .

 إنّ وجود الحجّة‌ بن‌ الحسن‌ أرواحنا فداه‌ هو الظهور الاتمّ للحقّ. والمجلي‌ الاكمل‌ لذات‌ ذي‌ الجلال‌ ؛ والغاية‌ هو الله‌، والإمام‌ دليل‌ مرشد  إلیه‌. ونحن‌ إذا نظرنا في‌ توسّلاتنا  إلی‌ الإمام‌ مستقلاّ، وأردنا لقاءه‌ مستقلاّ، فلا نحن‌ ظفرنا بفيضه‌، ولا نحن‌ ظفرنا بلقاء الله‌ وزيارة‌ المحبوب‌ .

 أمّا فيضه‌ فلا نبلغه‌، لانّ وجوده‌ ليس‌ مستقلاّ . ونحن‌ قد ذهبنا وراء وجود استقل إلی‌ّ ؛ وأمّا لقاء الله‌ فلا نظفر به‌ ؛ لانـّنا لم‌ نتوجّه‌  إلی‌ الله‌؛ ولم‌نرالله‌ في‌ الإمام‌ .

 ولهذا فإنّ أغلب‌ الذين‌ يذوبون‌ في‌ عشق‌ ولي‌ّ العصر والزمان‌ ؛ وحتّي‌ لو أفلحوا في‌ زيارته‌، فإنّهم‌ أيضاً لا يتجاوزن‌ الاهداف‌ البسيطة‌ والجزئيّة‌؛ والحوائج‌ المادّيّة‌ والمعنويّة‌ ؛ من‌ هذا المنطلق‌ فإنّهم‌ لم‌ ينظروا  إلی‌ الإمام‌ علی أنـّه‌ مرآة‌ الحقّ وآيته‌ ؛ وإلاّ فإنّهم‌ ينبغي‌ أن‌ يروا الله‌ بمجرّد الرؤية‌ والزيارة‌؛ ويظفروا بوصال‌ الحقّ عن‌ طريق‌ وصال‌ الإمام‌ ؛ لا أن‌ يكون‌ الإمام‌ حجاباً بينهم‌ وبين‌ الحقّ ؛ فيرجونه‌ قضاء حوائجهم‌ الدنيويّة‌، وغفران‌ ذنوبهم‌، وإصلاح‌ أُمورهم‌ .

 وما أكثر الذين‌ تشرّفوا بالحضور عنده‌، وعرفوه‌ ؛ لكنّهم‌ لم‌يحترزوا من‌ عرض‌ مثل‌ هذه‌ الحاجات‌ ؛ فطلبوا هذه‌ الاشياء ! فلم‌ يعرفوه‌ حقّاً لانّ معرفته‌ هي‌ معرفة‌ الله‌ ؛ مَنْ عَرَفَكُمْ فَقَدْ عَرَفَ الله‌.

 ومن‌ رام‌ التشرّف‌ بخدمته‌، ف عليه أن‌ يزكّي‌ نفسه‌، وينشغل‌ بتطهير سريرته‌؛ وفي‌ هذه‌ الحالة‌ يبلغ‌ لقاء الله‌ الذي‌ يتطلّب‌ لقاء الإمام‌ ؛ ويصل‌  إلی‌ لقاء الإمام‌ الذي‌ يعني‌ الظفر بلقاء الله‌ بالملازمة‌ ؛ حتّي‌ لو لم‌ يتشرّف‌ في‌ العالم‌ الطبيعي‌ّ الخارجي‌ّ بالرؤية‌ الحسيّة‌ لجسم‌ الإمام‌ .

 فالحجر الاساس‌ في‌ العمل‌ هو معرفة‌ حقيقة‌ الإمام‌ ؛ لا التشرّف‌ برؤية‌ جسمه‌ المادّي‌ّ الطبيعي‌ّ . وما يظفر به‌ من‌ التشرّف‌ بالحضور المادّي‌ّ والطبيعي‌ّ هو هذا المقدار  إلیسير من‌ الرؤية‌ فحسب‌ . بَيدَ أنّ ما يظفر به‌ من‌ التشرّف‌ بمعرفة‌ حقيقته‌ وولايته‌ هو خلوص‌ سريرته‌ وطهارتها ؛ والحظوة‌ بلقاء المحبوب‌: الله‌ القادر المتعال‌ . لِمِثْلِ هَـ'ذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَـ'مِلُونَ. [16]

 وممّا يؤثر عن‌ العلاّمة‌ بحر العلوم‌ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ أنـّه‌ قضي‌ عمراً في‌ مجاهدة‌ النفس‌ الامّارة‌ وتزكية‌ السريرة‌ وتطهيرها وذلك‌ للاستمتاع‌ بالعرفان‌ الإلهي‌ّ، وبلوغ‌ مقام‌ المعرفة‌ والفناء والاندكاك‌ في‌ ذات‌ الحقّ؛ ومقامه‌ في‌ مراحل‌ العرفان‌ ومنازله‌ مشهود من‌ رسالته‌ في‌ السير والسلوك‌. وكان‌ يتشرّف‌ بخدمة‌ الإمام‌ عبر هذا المنظار ؛ منظار رؤية‌ الحقّ وهو الله‌، لامنظار رؤية‌ النفس‌ .

 حقّ بين‌ نظــري‌ بايـد تا روي‌ تو را بيند                      چشمي‌ كه‌ بود خود بين‌ كي‌ روي‌ تو را بيند؟ [17]

 ونقل‌ عنه‌ أنـّه‌ كان‌ مشغولاً ذات‌ يوم‌ بقراءة‌ النصّ الموجود في‌ باب‌ الحرم‌ الحسيني‌ّ الشريف‌ المتعلّق‌ بإذْنِ الدخول‌ للتشرّف‌ بزيارة‌ سيّد الشهداء عليه السلام . وما إن‌ أراد الدخول‌ حتّي‌ وقف‌ فجأة‌، وكان‌ يحدّق‌ النظر  إلی‌ زاوية‌ من‌ زوايا الحرم‌ المطهّر ؛ وظلّ علی وقفته‌ برهة‌، وهو يترنّم‌ بهذا البيت‌:

 چه‌ خوش‌ است‌ صوت‌ قرآن‌ ز تو دلربا شنيدن‌             به‌ رخت‌ نظاره‌ كردن‌ سخن‌ خدا شنيدن‌ [18]

 بعد ذلك‌ سألوه‌ عن‌ سبب‌ توقّفه‌ ؛ فأجاب‌: كان‌ الإمام‌ المهدي‌ّ عجّل‌ الله‌ تعالی‌ فرجه‌ جالساً في‌ تلك‌ الزاوية‌، وهو يتلو القرآن‌ .

 هذا هو معني‌ الوصول‌ ؛ وهذه‌ هي‌ حقيقة‌ الآيتيّة‌ والمرآتيّة‌ .

 وما علی نا إلاّ أن‌ نسعي‌ جاهدين‌ لترسيخ‌ اعتقاداتنا ؛ وتشييد صرحها علی أساس‌ أصالة‌ الواقع‌ بأحسن‌ وجه‌ .

 لقد أثار الوَهَّابِيَّة‌ والشَيْخِيَّة‌ فتناً عظيمة‌ من‌ وحي‌ التفكير الخاطي‌، وسفكت‌ الدماء، وقُتل‌ المسلمون‌ . وطفق‌ محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌ يبثّ دعوته‌ مهتدياً بابن‌ تيميّة‌ الذي‌ كان‌ بدوره‌ والهاً ومولعاً بابن‌ تُومَرْت‌ مدّعي‌ المهدويّة‌ في‌ شمال‌ إفريقية‌، الذي‌ استولي‌ علی قسم‌ من‌ إسبانيا، والجزائر، والمغرب‌، وتونس‌ خلال‌ مائتي‌ سنة‌، وسمّوه‌: مَهْدي‌ّ المُوَحِّدين‌ . وكان‌ محمّدبن‌ عبد الوهّاب‌ شريكاً لمحمّد بن‌ سُعود . وسيفاهما مع‌ سيوف‌ أتباعهما تقطر دماً . وأنـّي‌ كانوا يمرّون‌ فإنّهم‌ يسفكون‌ الدماء البريئة‌ . وقد كفّروا المسلمين‌ كافّة‌، وكلّ من‌ لا ينصاع‌ لدعوتهما فإنّه‌ كافر ويجب‌ أن‌ يقتل‌. إنّ فتنة‌ الوهّابيّة‌ هي‌ فتنة‌ عظيمة‌ وغريبة‌ حقّاً، لا يزال‌ العالم‌ الإسلامي‌ّ عاجزاً عن‌ تضميد ما تركته‌ من‌ قرح‌، وتعويض‌ ما نجم‌ عنها من‌ أضرار وخسائر للمسلمين‌ .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ ابن‌ تومَرْتْ ممّن‌ ادّعي‌ المهدويّة‌ في‌ المغرب‌ ، أي‌ : في‌ مناطق‌ شمال‌ إفريقيا في‌ أواخر القرن‌ الخامس‌ ، وأوائل‌ القرن‌ السادس‌ الهجري‌ّ ؛ وعظم‌ أمره‌ ؛ والتفّ حوله‌ أنصار كثيرون‌، فنهض‌ بهم‌ ؛ وأسّس‌ دولة‌ الموحّدين‌ ؛ وقد عرفوا بعده‌ بالسلسلة‌ المؤمنيّة‌ الكوميّة‌.

 جاء في‌ «معجم‌ دهخدا» ] فارسي‌ّ [ : ابن‌ تُومَرْتْ : أبوعبد الله‌ ، محمّدبن‌ عبدالله‌بن‌ تومرت‌ المعروف‌ بالمهدي‌ّ الهرغي‌ّ . وسمّاه‌ ابن‌ خلدون‌ أمغار ، وهي‌ في‌ لغة‌ البربر : الرئيس‌. مولده‌ بين‌ سنة‌ 470 و480 ه في‌ قرية‌ من‌ جبل‌ سوُس‌ الاقْصي‌ بالمغرب‌ . سافر إلي‌ المشرق‌ أيّام‌ شبابه‌ . وتعلّم‌ هناك‌ العلوم‌ الدينيّة‌ . ويقول‌ ابن‌ خلّكان‌ : أدرك‌ حديث‌ أبي‌ حامد الغزالي‌ّ أيضاً. ثمّ رجع‌ إلي‌ المغرب‌ ؛ وكان‌ مذهب‌ التجسيم‌ شائعاً في‌ المغرب‌ آنذاك‌ ؛ وأهلها جامدون‌ متعصّبون‌ . وقد أحرقوا ذات‌ مرّة‌ كتب‌ الغزالي‌ّ . ادّعي‌ ابْنُ تُومَرْتْ المهدويّة‌ هناك‌. وقام‌ بالامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر . ألحق‌ نسبه‌ بالإمام‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ . وكان‌ أحد أنصاره‌ يعرف‌ بعبد المؤمن‌ بن‌ علي‌ّ . بثّ دعوته‌ من‌ بعده‌ ؛ وقويت‌ دعوتهم‌ . وفي‌ سنة‌ 517 ه أشخص‌ ابن‌ تومرت‌ عبد المؤمن‌ إلي‌ حرب‌ المُرابِطين‌ ، فاندحر . بَيدَ أنـّه‌ صلب‌ عوده‌ مرّة‌ ثانية‌ بسبب‌ ضعف‌ المرابطين‌ ، إلي‌ أن‌ مات‌ ابن‌ تُومَرْت‌ سنة‌ 522 أو 524 (قبره‌ في‌ مدينة‌ يتنملّ) وخلفه‌ عبد المؤمن‌ بناءً علي‌ وصيّته‌ ، فصار رأس‌ سلسلة‌ الموحّدين‌ (الجزء الاوّل‌، ص‌ 297 ، مادّة‌ ابن‌ تومرت‌) .

 وذكر الزَرْكُلِي‌ّ في‌ «الاعلام‌» معلومات‌ نوجزها كما يلي‌ : الْمَهْدِي‌ّ ابْنُ تُومَرْتْ 485ـ 524 ه/ 1092 ـ 1130 م‌ :

 محمّد بن‌ عبد الله‌ بن‌ تُومرت‌ المصمودي‌ّ البَربَري‌ّ أبو عبد الله‌ المتلقّب‌ بالمهدي‌ّ. ويقال‌ له‌ : مَهْدِي‌ُّ الْمُوَحِّدين‌ ؛ وهو صاحب‌ دعوة‌ السلطان‌ عبد المؤمن‌ بن‌ علي‌ّ ملك‌ المغرب‌، وواضع‌ أُسس‌ الدولة‌ المؤمنيّة‌ الكوميّة‌ . وهو من‌ قبيلة‌ «هَرْغَه‌» ، من‌ «المصامدة‌»، من‌ قبائل‌ جبل‌ السوس‌ بالمغرب‌ الاقصي‌ . وتنتسب‌ هَرْغَه‌ إلي‌ الحسن‌ بن‌ علي‌ّ . وفي‌ نسب‌ ابن‌ تومرت‌ أقوال‌ يأتي‌ ذكرها في‌ هامش‌ هذه‌ الترجمة‌ . رحل‌ إلي‌ المشرق‌ ، فانتهي‌ إلي‌ العراق‌، وحجّ ، وأقام‌ بمكّة‌ زمناً ، ثمّ خرج‌ منها إلي‌ مصر ، فطردته‌ حكومتها ، فعاد إلي‌ المغرب‌. وجمع‌ حوله‌ الانصار ، وحضر مجلس‌ علي‌ّ بن‌ يوسف‌ بن‌ تاشفين‌ (وكان‌ ملكاً حليماً). فأنكر عليه‌ ابن‌ تومرت‌ بدعاً ومنكرات‌ ، ثمّ خرج‌ من‌ حضرته‌ ، ونزل‌ بموضع‌
 حصـين‌ من‌ جبال‌ تِيْنَملَّلْ . فجعل‌ يعـظ‌ سـكّانه‌ حتّي‌ أقبلوا عليه‌ . فحـرّضهم‌ علي‌ عصيان‌
ï ï «ابن‌ تاشفين‌» فقتلوا جنوداً له‌ وتحصّنوا . وقوي‌ بهم‌ أمر ابن‌ تومرت‌ ، وتلقّب‌ بالمَهْدِي‌ّ القائم‌ بأمر الله‌. وعاجلته‌ الوفاة‌ قبل‌ أن‌ يفتح‌ مراكش‌ . ولكنّه‌ قرّر القواعد ومهدّها : فكانت‌ الفتوحات‌ بعد ذلك‌ علي‌ يد صاحبه‌ عبد المؤمن‌ ، وصار سلطان‌ المغرب‌ . يقول‌ السلاوي‌ّ: إنّه‌ زاد في‌ أذان‌ الصبح‌: «أُصْبِحُ وَلِلهِ الْحَمْدُ» ـ «الاعلام‌» للزركلي‌ّ ، ج‌ 7 ، ص‌ 104 ـ 105. 

[2] ـ «كشف‌ الارتياب‌ في‌ أتباع‌ محمّد بن‌ عَبْد الوهّاب‌» الطبعة‌ الثالثة‌؛ص‌ 129 إلي‌ ص‌ 133 . 

[3] ـ جاء في‌ كتاب‌ «خلاصة‌ الكلام‌ في‌ أُمراء البلد الحرام‌» للشيخ‌ أحمد بن‌ زيْني‌ دَحْلان‌: ولد محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌ سنة‌ 1111 ه وتوفّي‌ سنة‌ 1207 ه فكان‌ عمره‌ 96 سنة‌. وأظهر دعوته‌ سنة‌ 1143 ه ؛ إلاّ أنـّه‌ اشتهر بعد سنة‌ 1150 ه . «كشف‌ الارتياب‌» ص‌ 3 وص‌ 5 . وجاء في‌ الكتاب‌ الذي‌ ألـّفه‌ الجاسوس‌ البريطاني‌ّ في‌ الوطن‌ الإسلامي‌ّ : همفر وهو بعنوان‌ «مذكّرات‌ مستر همفر» وترجمه‌ الدكتور ج‌ خ‌ باللغة‌ العربيّة‌ أنّ بريطانيا العظمي‌ وحلفاءها المستعمرين‌ كانوا وراء حركة‌ محمّد بن‌ عبد الوّهاب‌ ضدّ الإسلام‌ وفرق‌ المسلمين‌ كافّة‌ . وأنّ وزارة‌ المستعمرات‌ البريطانيّة‌ كانت‌ وراء تأسيس‌ ذلك‌ المذهب‌ الجديد . وجاء في‌ ص‌ 83 من‌ الكتاب‌ أنّ رغبة‌ محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌ في‌ تنشيط‌ دعوته‌ قد قويت‌ سنة‌ 1143 ه. وجمع‌ حوله‌ أنصاراً كثيرين‌ ؛ وبدأ دعوته‌ لاخصّ خواصّه‌ بكلمات‌ غامضة‌ وألفاظ‌ مجملة‌. 

[4] ـ الآية‌ 23 ، من‌ السورة‌ 34 : سبأ . 

[5] ـ الآية‌ 67 ، من‌ السورة‌ 39 : الزمر . 

[6] ـ «كشف‌ الارتياب‌» من‌ ص‌ 133 إلي‌ ص‌ 137 . 

[7] ـ «معجم‌ دهخدا» بالفارسيّة‌ ؛ كلمة‌ ابن‌ تيميّة‌ ج‌ 1 ص‌ 297 . 

[8] ـ «رحلة‌ ابن‌ بطوطة‌» طبع‌ دار صادر ، دار بيروت‌ ، 1384 ه ، ص‌ 95 و 96 . 

[9] ـ «رحلة‌ ابن‌ بطوطة‌» ص‌ . 96

[10] ـ الآية‌ 40 ، من‌ السورة‌ 24 : النور . 

[11] ـ تاريخ‌ كتابة‌ هذه‌ القصّة‌ يعود إلي‌ عيد الفطر من‌ سنة‌ 1403 هجريّة‌ ولذلك‌ فإنّ القصّة‌ وقعت‌ قبل‌ ما يقارب‌ خمس‌ عشرة‌ سنة‌ ، أي‌ : حوالي‌ سنة‌ 1388 هجريّة‌ . 

[12] ـ الآية‌ 35 ، من‌ السورة‌ 24 : النور . 

[13] ـ الآية‌ 72 ، من‌ السورة‌ 17 : الإسراء . 

[14] ـ الآية‌ 40 ، من‌ السورة‌ 24 : النور . 

[15] ـ الآية‌ 78 ، من‌ السورة‌ 55 : الرحمن‌ . 

[16] ـ الآية‌ 61 ، من‌ السورة‌ 37 : الصافّات‌ . 

[17] ـ وتعريبه‌ : لابـدّ أن‌ ينظـر من‌ منظـار الحقّ كـي‌ نـري‌ وجهـك‌ ] الشـاعر يخاطب‌ الله‌ تعالي‌ [ فالعين‌ التي‌ لا تري‌ إلاّ نفسها . أنـّي‌ لها أن‌ تراك‌ ؟! 

[18] ـ ما أحلي‌ أن‌ نسمع‌ صوتك‌ وأنت‌ تتلو القرآن‌ ! وما أسعدنا إذ ننظر إلي‌ وجهك‌ ونسمع‌ منك‌ كلام‌ الله‌ وأنت‌ تتلوه‌ بصوت‌ رخيم‌ !

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com