بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الرابع / القسم الخامس: عبد الله بن سلام لم یکن المقصود بـ من عنده علم الکتاب، الائمة اعلم الناس...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

عبدالله بن سلام لم یکن المقصود بآیة «وَ مَن عِندَهُ عِلمُ الکِتابِ»

 و قلنا فيما تقدّم‌ إنّ الشعبيّ قال‌: ما نزل‌ في‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ شي‌ء من‌ القرآن‌. و أنكر سعيد بن‌ جبير هذه‌ الدعوي‌ بشدّة‌، و قال‌: و كيف‌ و هذه‌ السورة‌ مكّيّة‌؟

 مضافاً إلی ذلك‌، فإنّ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ عندما التقي‌ قيس‌ بن‌سعدبن‌ عُبادة‌ في‌ المدينة‌، و قال‌ قيس‌: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَـ'بِ علی ] بن‌ أبي‌ طالب‌ [، قال‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ هو عبدالله‌ بن‌ سلام‌، قال‌ قيس‌ أنزل‌ الله‌: إِنـَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وِ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، و أنزل‌ أَفَمَنْ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ. فالهادي‌ من‌ الآية‌ الاُولي‌، و الشاهد من‌ الثانية‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ لانـّه‌ نصبه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يوم‌ الغدير، و قال‌: مَنْ كُنْتَ مَوْلاَهُ فَعَلِيٌّ مَولاَهُ. و قال‌: أَنْتَ مِنّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارِونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاّ أَنـَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي‌، فسكت‌ معاوية‌، و لم‌ يستطع‌ أن‌ يردّها. [1]

 إذَن‌، لايبقي‌ أيّ مجال‌ للشكّ أنّ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ غير مقصود في‌ هذه‌ الآية‌، فهو إمّا يعتبر نفسه‌ عالماً بالتوراة‌ فرأي‌ هذه‌ الآية‌، أعني‌: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَـ'بِ، فاستنبط‌ معني‌ التوراة‌ من‌ الكتاب‌ خطأً، واعتبر نفسه‌ مصداق‌ الآية‌، و أنـّها نزلت‌ فيه‌، لاقدّر الله‌، و أمّا أنـّه‌ تعمّد في‌ ادّعاء هذه‌ المنزلة‌ و هو يعلم‌ أنّ الكتاب‌ هذا هو القرآن‌ المجيد، و أنّ الذي‌ عنده‌ علمه‌ هو علی بن‌ أبي‌ طالب‌، والعلم‌ عندالله‌. بَيدَ أنـّه‌ مهما كان‌ فإنّ هذا الادّعاء خطأ بحت‌، كما اتّضح‌ لنا من‌ خلال‌ مجموع‌ البحث‌.

 و أمّا أنّ هذه‌ الروايات‌ المذكورة‌ منحولة‌ و ملفّقة‌ من‌ قبل‌ الامويّين‌ وأعداء أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ كما نلمس‌ ذلك‌ في‌ نقاش‌ معاوية‌ مع‌ قيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌، لانّ معاوية‌ كان‌ يهتمّ كثيراً في‌ تحريف‌ الآيات‌ و الروايات‌ الواردة‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ و حجب‌ فضائله‌ و مناقبه‌ من‌ خلال‌ إلصاقها بشخص‌ آخر. و لم‌ يجد هنا شخصاً مناسباً غير عبدالله‌بن‌ سلام‌ فزعم‌ نزول‌ الآية‌ فيه‌. و هو ـ طبعاً ـ ما كان‌ يستطيع‌ أن‌ ينسب‌ هذه‌ الفضية‌ إلی أبي‌ سفيان‌ أو إلی نفسه‌، و هما ممّن‌ سلّ سيفه‌ و أصلته‌ بوجه‌ الإسلام‌ حتّي‌ حان‌ فتح‌ مكّة‌. كما أنّ عمر و أبابكر لم‌ يكونا عالمين‌ بالكتاب‌، لذلك‌ فلم‌ يكن‌ هناك‌ طريق‌ أقرب‌ و أيسر من‌ تحريف‌ معني‌ الكتاب‌ بالتوراة‌ بدلاً عن‌ القرآن‌، والذي‌ عنده‌ علم‌ الكتاب‌ بعبدالله‌بن‌ سلام‌ بدلاً عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

 و علی الرغم‌ من‌ أنّ هذا التحريف‌ لم‌ يَخْفَ علی الباحثين‌ والمحقّقين‌، و أنّ الشعبيّ، و الحسن‌ البصريّ، و سعيد بن‌ جبير، و حتّي‌ عِكْرَمَة‌ نفسه‌ الذي‌ كان‌ عدوّاً لامير المؤمنين‌، كانوا يرون‌ أنّ إلصاق‌ هذه‌ الفضيلة‌ بعبدالله‌ بن‌ سلام‌ أمر عار من‌ الصحّة‌ والصواب‌، بَيدَ أنـّه‌ لم‌ يكن‌ هناك‌ طريق‌ أقرب‌ من‌ هذا للتمويه‌ علی عامّة‌ الناس‌ الذين‌ لم‌ يستوعبوا الخصوصيّات‌ المتعلّقة‌ بمكّيّة‌ السورة‌ و إسلام‌ عبدالله‌ في‌ المدينة‌، ولم‌ يستطيعوا التفريق‌ بين‌ القرآن‌ و التوراة‌ في‌ هذه‌ الآية‌. و ليس‌ أمام‌ الخصم‌ إلاّ تحريك‌ سوق‌ العناد وا لعداء لاهل‌ البيت‌، و لذلك‌ نجد أنّ أعداء أهل‌ البيت‌ و النواصب‌ أمثال‌ ابن‌ تيميّة‌ و من‌ لفّ لفّه‌ أصرّوا علی إلصاق‌ هذه‌ الآية‌ بعبدالله‌ بن‌ سلام‌ بكلّ ما أُوتوا من‌ قوّة‌ مخالفين‌ بذلك‌ هذه‌ الروايات‌ الجمّة‌ والقرائن‌ الكثيرة‌ التي‌ يرونها رأي‌ العين‌ و لم‌ يتراجعوا عن‌ آرائهم‌ السقيمة‌ وتأويلاتهم‌ الواهية‌. و يتجلّي‌ لنا في‌ الحقيقة‌ هنا صدق‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ في‌ سورة‌ الرعد: أَفَمَن‌ يَّعْلَمُ أَنـَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن‌ رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَي‌' إِنـَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الاْلْبَابِ.

 الرجوع الي الفهرس

الأئمة علیهم السّلام کانوا أعلم الناس بکتاب الله

أمیر المؤمنین کان أعلم الناس بکتاب الله تعالی

 و من‌ المناسب‌ هنا أن‌ نذكر نصّاً كلام‌ الشيخ‌ سليمان‌ القندوزيّ الحنفيّ المذكور في‌ كتاب‌ «ينابيع‌ المودّة‌» و قد نقله‌ عن‌ بعض‌ المحقّقين‌ بخصوص‌ نزول‌ هذه‌ الآية‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌.

 قال‌ بعض‌ المحقّقين‌: إنّ الله‌ تبارك‌ و تعالي‌ بعث‌ خاتم‌ أنبيائه‌ وأشرف‌ رسله‌ وأكرم‌ خلقه‌ بمنّه‌ و فضله‌ العظيم‌ بسابق‌ علمه‌ و لطفه‌ بعد أخذه‌ العهد و الميثاق‌ علی أنبيائه‌ و عباده‌ بمحمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ بقوله‌: لتؤمنن‌ به‌ و لتنصرنّه‌ ـ و لمّا فتح‌ الله‌ أبواب‌ السعادة‌ الكبري‌ و الهداية‌ العظمي‌ برسالة‌ حبيبه‌ علی العرب‌ و قريش‌ و خصوصاً علی بني‌ هاشم‌ بقوله‌ تعالي‌: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتِكَ الاْقْرَبِينَ وَ رَهْطَكَ الْمُخْلَصِينَ، [2] اقتضي‌ العقل‌ أن‌ يكون‌ العالم‌ بجميع‌ أسرار كتاب‌ الله‌ لابدّ أن‌ يكون‌ رجلاً من‌ بني‌ هاشم‌ بعد النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ لانّه‌ أقرب‌ إليه‌ من‌ سائر قريش‌، و أن‌ يكون‌ إسلامه‌ أوّلاً ليكون‌ واقفاً علی أسرار الرسالة‌ و بدء الوحي‌، و أن‌ يكون‌ جميع‌ الاوقات‌ عنده‌ بحسن‌ المتابعة‌ ليكون‌ خبيراً عن‌ جميع‌ أعماله‌ و أقواله‌ وأن‌ يكون‌ من‌ طفولتة‌ منزّهاً من‌ أعمال‌ الجاهليّة‌ ليكون‌ متخلّقاً بأخلاقه‌ و مؤدّباً بآدابه‌ و نظيراً بالرشيد من‌ أولاده‌.

 فلم‌ توجد هذه‌ الشروط‌ لاحد إِلاّ في‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌السلام‌ وأمّا عبدالله‌ بن‌ سلام‌ لم‌ يسلم‌ إِلاّ بعد الهجرة‌ (إذ مضي‌ أكثر من‌ نصف‌ المدّة‌ علی البعثة‌ النبويّة‌) فلم‌ يعرف‌ سبب‌ نزول‌ السور التي‌ نزلت‌ قبل‌ الهجرة‌، و لمّا كان‌ حاله‌ هذا، لم‌ يعرف‌ حقّ تأويلها بعد إسلامه‌. مع‌ أنّ سلمان‌ الفارسيّ الذي‌ صرف‌ عمره‌ الطويل‌ ثلاثمائة‌ و خمسين‌ سنة‌ في‌ تعلّم‌ أسرار الإنجيل‌ و التوراة‌ و الزبور و كتب‌ الانبياء السابقين‌ و القرآن‌ لم‌ يكن‌ من‌ عنده‌ علم‌ الكتاب‌ لفقده‌ الشروط‌ المذكورة‌. فكيف‌ يكون‌ من‌ عنده‌ علم‌ الكتاب‌ ابن‌ سلام‌ الذي‌ لم‌ يقرأ الإنجيل‌، و لم‌ توجد فيه‌ الشروط‌ ولم‌ يصدر منه‌ مثل‌ ما صدر من‌ علی يعسوب‌ الدين‌ من‌ الاسرار و الحقائق‌ في‌ الخطبات‌ مثل‌ قوله‌: سَلُونِي‌ قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي‌ فَإِنَّ بَيْنَ جَنْبَيَّ عُلُوماً كَالبِحَارِ الزَّواخِر، و مثل‌ ما صدر من‌ أولاده‌ الائمّة‌ الهداة‌ عليهم‌ سلام‌ الله‌ و بركاته‌ من‌ المعارف‌ و الحكم‌ في‌ تأويلات‌ كتاب‌ الله‌ و أسراره‌؟ [3]

 يقول‌ الشعبيّ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَهِ بَعْدَ الْنَّبِيِّ مِنْ عَلِيِّبْنِ أَبِي‌طَالِبٍ عليه‌ السّلام‌ وَ مِنَ الصَّالحِينَ مِنْ أَوْلاَدِهِ عليهم‌ السَّلام‌.[4]

 وروي‌ عاصم‌ بن‌ أبي‌ النُّجود عن‌ عبدالرْحمن‌ بن‌ سُلمي‌ أنـّه‌ قال‌: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَقْرَأ مِنْ علی بنِ أَبِي‌ طَالِبٍ. [5]

 وروي‌ أبو عبدالرّحمن‌ عن‌ ابن‌ مسعود أنـّه‌ قال‌: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَهِ مِنِّي‌ لاَتَيْتُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَعَلِيٌ؟ قَالَ: أَوَلَمْ آتِهِ؟

 فِي‌ ضَوء ما تقدّم‌ فإنّ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌السلام‌ كان‌ أعلم‌ الاُمّة‌ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ و سلّم‌ و الآية‌ الكريمة‌ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَـ'بِ تنطبق‌ عليه‌ طبعاً. و لو كان‌ هناك‌ فرد من‌ أفراد الاُمّة‌ أعلم‌ منه‌ بكتاب‌ الله‌ عند نزول‌ الآية‌ فإنـّها تنطبق‌ عليه‌. و الآن‌ ينبغي‌ أن‌ نري‌، لماذا ذكر النبيّ شاهداً آخر مع‌ الله‌، و ما هي‌ قيمة‌ شهادته‌ في‌ مقابل‌ شهادة‌ الله‌؟ لا جَرَمَ إنّ ذلك‌ الشاهد ينبغي‌ أن‌ تكون‌ شهادته‌ قريبة‌ من‌ شهادة‌ الله‌ من‌ حيث‌ الوزن‌ و الرصانة‌، و هو أميرالمؤمنين‌ سند القرآن‌ وكفيله‌ وحفيظه‌. القرآن‌ كلام‌ لفظيّ، و هو كلام‌ الله‌ الفعليّ، هو حقيقة‌ القرآن‌، و القرآن‌ مترجم‌ لوجوده‌، و كلاهما حقيقة‌ واحدة‌ ظهرت‌ بشكلين‌: لفظي‌ و فعلي‌. و هما مترابطان‌ لايقبل‌ أحدهما الانفصال‌ عن‌ الآخر. و في‌ الحقيقة‌ أنّ رسول‌ الله‌، مضافاً إلی إقامته‌ شهادة‌ الله‌ اللفظيّة‌ المكتوبة‌ في‌ القرآن‌ المجيد علی رسالته‌ أمام‌ المشركين‌، فإنـّه‌ يأتي‌ بشاهد آخر هو مركز إشعاع‌ الانوار الإلهيّة‌، و مظهر الاسماء الإلهيّة‌، و العارف‌ بكتاب‌ التكوين‌ و التشريع‌. و مصدر هذين‌ الشاهدين‌ هو كلام‌ رسول‌ الله‌ الذي‌ نقله‌ الشيعة‌ و السنّة‌ في‌ روايات‌ متواترة‌، و هو قوله‌: إِنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَهِ، وَ عِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌ وَ لَنْ يَفْتَرقَا حَتّي‌ يَرَدا علی الْحَوْضَ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي‌ أَبَداً.[6] إذ إنـّه‌ يمكن‌ أن‌ نجعل‌ هذاالحديث‌ مفسّراً للآية‌ المذكورة‌، و يمكن‌ أن‌ نستدلّ بالآية‌ علی اقتران‌ الإمام‌ بكتاب‌ الله‌.

 و يجدر التنويه‌ بأنّ الآية‌ تليت‌ في‌ بعض‌ القراءات‌ الشاذّة‌ وَ مِنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ أَو وَ مِنْ عِنْدَهُ عُلِمَ الْكِتَابُ كما نقل‌ السيوطيّ ذلك‌. [7] إِلاّ أنّ من‌ الطبيعيّ أنّ هذه‌ قراءة‌ شاذّة‌ لايوثق‌ بها في‌ مقابل‌ جميع‌ القراءات‌، و مضافاً إلی ذلك‌ فإنـّها لاتحمل‌ موضوعاً سلساً من‌ حيث‌ المعني‌ إذ يقول‌ النبيّ أنّ الله‌ شهيد بيني‌ و بينكم‌، و مِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتاب‌. و علی الرغم‌ من‌ أنّ هذا المعني‌ في‌ حدّ نفسه‌ صحيح‌، بَيدَ أنّ هذه‌ الجملة‌ بوصفها تعريفاً لله‌ شاهداً في‌ مقابل‌ مشركي‌ قريش‌ تفتقد العذوبة‌ و الظرافة‌.

 جاء في‌ «أمالي‌» الشيخ‌ الطوسيّ ما نصّه‌: مَرَّ أميرُالمؤمنِينَ بِمَلا فِيهِمْ سَلْمَانُ، فَقَالَ لَهُمْ سَلْمَانُ: قُومُوا فَخُذُوا بِحُجْزَةِ هَذَا، فَوَاللَهِ لاَيُخْبِرُكُمْ بِسرِّ نَبِيِّكُمْ َيْرُهُ.[8]

 و قال‌ النقّاش‌ في‌ تفسيره‌: قال‌ ابن‌ عبّاس‌: علی علم‌ علماً علّمه‌ رسول‌ الله‌، و رسول‌ الله‌ علّمه‌ الله‌، فعلم‌ النبيّ علم‌ الله‌، و علم‌ علی من‌ علم‌ النبي‌ّ، و علمي‌ من‌ علم‌ علی. و ما علمي‌ و علم‌ أصحاب‌ محمّد في‌ علم‌ علی إِلاّ كقطرة‌ في‌ سبعة‌ أبحر. [9]

 يقول‌ العونيّ:

 وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ وَ عِلْمُ مَا                        يَكُونُ وَ مَا قَدْ كَانَ عِلْماً مُكْتَماً [10]

 و يقول‌ أبو مقاتل‌ بن‌ الداعي‌ العلويّ:

 و إِنَّ عِنْدَكَ عِلْمَ الْكَوْنِ أَجْمَعَهُ                 مَا كَانَ مِنْ سَالِفٍ مِنْهُ وَ مُؤتَنَفِ [11]

 ويقول‌ نصر بن‌ المنتصر:

 وَ مَنْ حَوي‌ عِلْمَ الْكِتَابِ كُلِّهِ                    عِلْمَ الَّذِي‌ يَأتِي‌ وَ عِلْمَ مَا مَضي‌ [12]

 ويقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: (و منها يعني‌ آل‌ محمّد عليهم‌ السلام‌): هُمْ مَوْضِعِ سِرِّهِ، وَ لَجَأُ أَمِْرِهِ، وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ، وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ، وَ جِبَالُ دِينِهِ، إلی أن‌ يقول‌: لاَ يُقَاسُ بِآلِ مُحمَّدٍ عَلَيهِمُ السَّلاَمُ مِنْ هَذِهِ الاُمَّةِ أَحَدٌ، وَ لاَ يُسَوَّي‌ بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَ عِمَادُ الْيَقِينِ، إِلَيْهِمْ يَفِي‌ءُ الْغَالِي‌، وَ بِهِمْ يَلْحَقُ التّالِي‌، وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلاَيَةِ، وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِراثَةُ. [13]

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس الرابع و الخمسون إلی السادس و الخمسین:

تفسیر الآیة: «أَمَن کَانَ عَلَی بَیِّنَة وَیَتلُوهُ شَاهِدٌ مِّنهِ...»

 

 بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علی محمّد و آله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

و لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتاب‌ الكريم‌:

 أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّن‌ رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن‌ قَبْلِهِ كِتَـ'بُ مُوسَي‌'´ إِمَامًا وَرَحْمَةً (كمن‌ ليس‌ علی هذه‌ الصفة‌) أُولَـ'´نءِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن‌ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الاْحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ و فَلاَ تَكُ فِي‌ مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنـَّهُ الْحَقُّ مِن‌ رَّبِّكَ وَلَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ. [14]

 إنّ المقصود من‌ صاحب‌ البيّنة‌ في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ هو الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ والشاهد هو أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌طالب‌ عليه‌ السلام‌. و الاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ الخاصّة‌ و العامّة‌ في‌ هذا الحقل‌ جمّة‌. بل‌ إنّ الاحاديث‌ التي‌ نقلها العامّة‌ بأسنادهم‌ تفوق‌ أحاديث‌ الخاصّة‌. فقد ذكر العلاّمة‌ المحدّث‌ البحرانيّ ثلاثة‌ و عشرين‌ حديثاً من‌ طريق‌ العامّة‌، و أحد عشر حديثاً عن‌ طريق‌ الخاصّة‌. [15] و من‌ الضروريّ هنا أن‌ نبدأ ببحث‌ تفسير للآية‌ قبل‌ الخوض‌ في‌ الاحاديث‌الواردة‌.

 الرجوع الي الفهرس

استعراض عام لسورة هود المبارکة

 هذه‌ الآية‌ في‌ سورة‌ هود، و سورة‌ هود من‌ السور المكّيّة‌. تبدأ السورة‌ بقوله‌ تعالي‌: ال´ر كِتَـ'بٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـ'تُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن‌ لَّدُن‌ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. إذ تتحدّث‌ هنا عن‌ قرآن‌ محكم‌، و قرآن‌ مفصّل‌، أو بكلمة‌ بديلة‌، قرآن‌ له‌ حقيقة‌ واحدة‌ في‌ العوالم‌ العلويّة‌، و له‌ سور و آيات‌ و أحكام‌ و معارف‌ و قضايا مستقلّة‌ بعضها عن‌ بعض‌ في‌ هذا العالم‌. و تتحدّث‌ الآيات‌ التي‌ تتلو تلك‌ الآية‌ عن‌ الدعوة‌ إلی عبادة‌ الله‌، و التوبة‌ إليه‌، و تذكّر بأنّ المرجع‌ إلی الله‌؛ و تأتي‌ الآية‌ الخامسة‌ لتتحدث‌ عن‌ الذين‌ يثنون‌ صدورهم‌ من‌ كفّار قريش‌ ليعرضوا عن‌ ذلك‌. و في‌ الآيات‌ التي‌ تتلوها حديث‌ عن‌ إرادة‌ الله‌ و قيّوميّته‌ و خالقيّته‌، و عن‌ المعاد و بعث‌ الناس‌ من‌ بعد الموت‌، و إنكار المنكرين‌. و أحوال‌ المؤمنين‌ في‌ الصمود و الاستقامة‌، و حالات‌ غيرهم‌ في‌ التلوّن‌، والارتياب‌ النفسيّ، واليأس‌، وكفران‌ النعمة‌، والفخر، والفرح‌ الذي‌ ليس‌ في‌ موضعه‌.

 ثمّ نصل‌ إلی الآية‌ الحادية‌ عشرة‌ التي‌ تخاطب‌ النبيّ فتقول‌: فلعلّك‌ تارك‌ بعض‌ ما يوحي‌ إليك‌ و ضائق‌ به‌ صدرك‌ أن‌ يقولوا لولا أنزل‌ عليه‌ كنز أو جاء معه‌ مَلَك‌ (فلا تحزن‌ من‌ هذه‌ الكلمات‌) إنـّما أنت‌ نذير (من‌ عواقب‌ الشرك‌ و الظلم‌ الوخيمة‌) و الله‌ علی كلّ شي‌ء وكيل‌. و تتحدّث‌ الآية‌ التي‌ تتبعها عمّا يقوله‌ المشركون‌ بأنّ محمّداً صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قد افتري‌ هذا القرآن‌: أم‌ يقولون‌ افتراه‌ قل‌ فأتوا بعشر سور مثله‌ مفتريات‌ و أدعوا من‌ استطعتم‌ من‌ دون‌ الله‌ إن‌ كنتم‌ صادقين‌. يا رسول‌ الله‌ فإن‌ لم‌ يستجيبوا لكم‌ فاعلموا إنـّما أُنزل‌ بعلم‌ الله‌ و أن‌ لا إله‌ إلاّ هو فهل‌ أنتم‌ مسلمون‌؟

 ثمّ تتلو ذلك‌ آيتان‌ تتحدّثان‌ عن‌ الثمار التي‌ يقطفها من‌ يريد الحياة‌ الدنيا، و بعدهما نلتقي‌ قوله‌ تعالي‌: أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ (و بصيرة‌ باطينّة‌ الهيّة‌) مِن‌ رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَ مِن‌ قَبْلِهِ كِتَـ'بُ مُوسَي‌' إِمَامًا وَ رَحْمَةً أُولَـ'ئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

 و لمّا كانت‌ الآيات‌ السابقة‌ قد بيّنت‌ إنكار المشركين‌ لاحقّيّة‌ القرآن‌ فإنّ هذه‌ الآية‌ ناظرة‌ إلی تلك‌ الآيات‌، و هي‌ في‌ مقام‌ الاستدلال‌ و إقامة‌ البرهان‌ علی لزوم‌ الإيمان‌ بالقرآن‌ المجيد، و الاستفهام‌ هنا إنكاري‌.

 الرجوع الي الفهرس

معنی کلمتی البیّنة و الشاهد الواردتین فی الآیة

و ينبغي‌ أن‌ نري‌ هنا ما هو القصد من‌ البيّنة‌، و ما معني‌ يَتْلُو، و شَاهِد.

و قد جاءت‌ البيّنة‌ في‌ بعض‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ بمعني‌ الحجّة‌ كقوله‌ تعالي‌: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن‌ بَيِّنَةٍ، [16] و جاءت‌ في‌ بعضها الآخر بمعني‌ الآية‌ و المعجزة‌ كقوله‌ تعالي‌: قَدْ جَاءَتْكُم‌ بَيِّنَةٌ مِن‌ رَّبِّكُمْ هَـ'ذِهِ نَاقَةُ اللَهِ لَكُمْ. [17] و وردت‌ في‌ آيات‌ أُخري‌ بمعني‌ البصيرة‌ الخاصّة‌ و النور المخصوص‌ الذي‌ منحه‌ الله‌ الانبياء كما جاء في‌ قوله‌ تعالي‌ علی لسان‌ نبيّه‌ نوح‌ عليه‌ السلام‌: يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إن‌ كُنْتُ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِن‌ رَّبِّي‌ وَ ءَاتَانِي‌ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ. [18] و ذكرت‌ في‌ آيات‌ من‌ الكتاب‌ العزيز علی أنـّها مطلق‌ البصيرة‌ الإلهيّة‌ و النور الباطنيّ، كما في‌ قوله‌ تعالي‌: أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِن‌ رَّبِّهِ كَمَن‌ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَائَهُمْ. [19] و هذا المعني‌ هو الذي‌ تقصده‌ الآية‌ التي‌ هي‌ مدار بحثنا، لانـّه‌ تعالي‌ يقول‌ بعدها بصيغة‌ الجمع‌: أُولَـ'´نءِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ.

 والواضح‌ هو أنّ جميع‌ المؤمنين‌ ليست‌ لهم‌ بصيرة‌ النبوّة‌ الخاصّة‌ وإن‌كان‌ القصد من‌ صاحب‌ البيّنة‌ هو رسول‌ الله‌ وفقاً لموضوعها، بَيدَ أنـّه‌ لمّا كان‌ هذا القسم‌ من‌ الآية‌ تمهيداً لما يليه‌، و هو قوله‌ تعالي‌: فَلاَ تَكُ فِي‌ مِرْيَةٍ مِّنْهُ، فالقصد من‌ البيّنة‌، إذن‌، هي‌ تلك‌ البصيرة‌ الإلهيّة‌ المطلقة‌ التي‌ أفاض‌ الله‌ بها علی نبيّه‌ الكريم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌. و ليس‌ القصد منها هو القرآن‌، لانـّها لاتنسجم‌ مع‌ مايليها، و هو قوله‌ تعالي‌: فَلاَ تَكُ فِي‌ مِرْيَةٍ.

 و يستفاد ممّا تقدّم‌ أنـّه‌ لايصحّ كلام‌ البعض‌ في‌ أنّ صاحب‌ البيّنة‌ المقصود في‌ هذه‌ الآية‌ هو رسول‌ الله‌ خاصّة‌ علی وجه‌ العموم‌، لترتّب‌ قوله‌ في‌ صيغة‌ الجمع‌ أُولَـ'´نءِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ علی ذلك‌، و قد أُخذ هذا اللفظ‌ من‌ مفاد قوله‌: مَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ.

 و كذلك‌ لايصحّ قول‌ بعضهم‌ إنّ المراد هنا أصحاب‌ رسول‌ الله‌، لانّ النبيّ نفسه‌ له‌ بيّنة‌. فتنطبق‌ الآية‌ عليه‌ علی وجه‌ الحصر لاعلي‌ وجه‌ العموم‌ ويريد الله‌ أن‌ يقول‌ له‌: أنت‌ الذي‌ لك‌ بيّنة‌ إلهيّة‌ و شاهد خارجيّ ومن‌ قبلك‌ كتاب‌ موسي‌ مصدّقاً لك‌، ينبغي‌ لك‌ أن‌ تؤمن‌ بالقرآن‌، ولا يعتريك‌ الشكّفيه‌، و لا يضيق‌ صدرك‌ من‌ قول‌ المشركين‌ الذين‌ طلبوا منك‌ إنزال‌ كنز أو مجي‌ء مَلَك‌، و عليك‌ أن‌ تقوم‌ بالتبليغ‌ و إرشاد الناس‌ بقدم‌ راسخة‌ و إرادة‌ لاتلين‌.

 و أيضاً لايستقيم‌ قول‌ من‌ قال‌ إنّ المراد بالبيّنة‌ هنا القرآن‌ أو حجّة‌ العقل‌، لانّ هذه‌ مقدّمة‌ إلی القرآن‌ و الامر بالتمسّك‌ به‌. أي‌ أن‌ الذي‌ له‌ بصيرة‌ باطنيّة‌ و نور إلهيّ يؤمن‌ بالقرآن‌، و أنت‌ يا رسولنا الذي‌ لك‌ مثل‌ هذه‌ البيّنة‌ أيضاً لاتشكّ في‌ القرآن‌. و لا معني‌ أن‌ يُؤْمَرَ مَن‌ كان‌ عنده‌ القرآن‌ بالإيمان‌ به‌، و يُحَذَّر من‌ الشكّ فيه‌.

 و أمّا حجّة‌ العقل‌، فلمّا كانت‌ البيّنة‌ التي‌ عند النبيّ أقوي‌ من‌ الحجّة‌ العقليّة‌، لذلك‌ لا معني‌ أن‌ نقصر هذه‌ البيّنة‌ القائمة‌ في‌ وجود خاتم‌ النبيّين‌ علی دليل‌ العقل‌. و أمّا القصد من‌ كلمة‌ يَتْلُو فإنـّه‌ التتابع‌ لا القراءة‌ و التلاوة‌ لانـّه‌ من‌ غير الصحيح‌ أن‌ نقول‌: إنّ ذلك‌ الشاهد يقرأ النبيّ أو يقرأ نور بصيرته‌؛ و قلنا إنّ البيّنة‌ هي‌ ليست‌ القرآن‌ حتّي‌ تصحّ تلاوته‌.

 و أمّا القصد من‌ كلمة‌ شاهِد، فالواضح‌ أنـّه‌ أداء الشهادة‌ لا تحمّلها لانّ تحمّلها لايكون‌ حجّة‌ علی المشركين‌ بل‌ الحجّة‌ عليهم‌، و بل‌ المفضي‌ إلی تقوية‌ الرسول‌ و تأييد بصيرته‌ الإلهِيّة‌ و نوره‌ الربّانيّ هو أداء الشهادة‌؛ لذلك‌ فإنّ الشاهد هنا هو الذي‌ أقرّ بأحقّيّة‌ رسالة‌ النبيّ، و دعم‌ رسالته‌ ببصيرته‌ الإلهيّة‌، و أمن‌ به‌. لانّ شهادة‌ الإنسان‌ صاحب‌ اليقين‌ و البصيرة‌ تكتسح‌ كلّ شكّ و شبهة‌، و تُذهب‌ كلّ خوف‌ من‌ الوحدة‌ و الوحشة‌، و لعلّ الاشخاص‌ الذين‌ يتركون‌ وحدهم‌ في‌ أمر أو جانب‌ يتضعضعون‌ أمام‌ المحن‌ الصعبة‌ و الاحداث‌ المؤلمة‌، علی عكس‌ ما لو أعانهم‌ أحد في‌ سرّه‌ وأسندهم‌ و لم‌ يتركهم‌ وحدهم‌ في‌ الميدان‌، فإنّ الوحشة‌ تزول‌ و القلب‌ ينشط‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌.

 و هنا أيضاً يقول‌ تعالي‌ حيال‌ تهجّم‌ المشركين‌ و مواجهتهم‌ العنيفة‌: يا أيّها النبيّ إنّ من‌ كانت‌ له‌ بيّنة‌ إلهيّة‌ و أعانه‌ شاهد خارجيّ، فهو يؤمن‌ بالقرآن‌، و لايشكّ و لايتضعضع‌. و لاريب‌ أنّ هذا الشخص‌ هو عليّبن‌ أبي‌طالب‌ الذي‌ أسلم‌ منذ اليوم‌ الاوّل‌ للنبوّة‌، و أعان‌ النبيّ في‌ تحمّل‌ أعباء الرسالة‌، و مواجهة‌ الصعوبات‌ التي‌ كانت‌ تعترض‌ طريقها، و لبّي‌ دعوته‌ عندما أمره‌ الله‌ بإنذار عشيرته‌ الاقربين‌ في‌ قوله‌: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاْقْرَبِينَ. [20] و قام‌ وحده‌ في‌ حديث‌ العشيرة‌، و كان‌ مؤازراً و معيناً و وزيراً للنبيّ في‌ جميع‌ المشاكل‌ التي‌ و اجهتها النبوّة‌ و المصاعب‌ الناجمة‌ عن‌ حمل‌ مهمّة‌ الرسالة‌ الثقيلة‌. و في‌ ضوء ما قيل‌ فإنّ الذي‌ تنطبق‌ عليه‌ الآية‌ علی وجه‌ الحصر هو أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌.

 الرجوع الي الفهرس

بیان أبی الفتوح الرازی فی انحصار مصداق الشاهد بأمیرالمؤمنین

 و ذكر المفسّر أبو الفتوح‌ الرازيّ كلاماً لطيفاً في‌ وجه‌ انحصار الشاهد بعليّ بن‌ أبي‌ طالب‌، و دفع‌ الاحتمالات‌ الاُخري‌. و لمّا ذكر في‌ البداية‌ الاحتمالات‌ و الاقوال‌ الواردة‌ في‌ الشاهد، ثمّ انبري‌ إلی تفنيدها بكلامه‌ العذب‌، لذلك‌ نذكر أيضاً تلك‌ الاقوال‌ و الاحتمالات‌ أوّلاً ثمّ نذكر كلامه‌ في‌ تفنيدها بعد ذلك‌. يقول‌: [21] ليس‌ هناك‌ خلاف‌ بين‌ المفسّرين‌ في‌ أنّ المراد من‌ صاحب‌ البيّنة‌ هو رسول‌ الله‌، بل‌ الخلاف‌ قائم‌ بينهم‌ في‌ معني‌ الشاهد. قال‌ عبدالله‌، وعلقمة‌، وإبراهيم‌، ومجاهد، وأبوصالح‌، وأبوالعالية‌ وعكرمة‌: هو جبرئيل‌؛ و قال‌ الحسن‌ البصريّ، و قتادة‌: هو لسان‌ رسول‌ الله‌ وقال‌ البعض‌: وجه‌ رسول‌ الله‌ لانّ من‌ نظر إلی شمائله‌ و سيماه‌ كان‌ يعترف‌ بنبوّته‌ و رسالته‌؛ و قال‌ الحسين‌ بن‌ الفضل‌: الشاهد هو القرآن‌، و نظمه‌ العجيب‌ و أُسلوبه‌ الباهر و إعجازه‌ خير شاهد علی النبوّة‌؛ و قال‌ ابن‌ جُرَيْج‌ ومجاهد: الشاهد هو المَلَك‌ الذي‌ كان‌ يحفظ‌ رسول‌ الله‌ و يؤيّده‌ و يقوّيه‌. وقال‌ بعض‌ آخر: إنّ الشاهد هو رسول‌ الله‌ نفسه‌. و هذه‌ الاحتمالات‌ والاقوال‌، و إن‌ كانت‌ نُسبت‌ إلی المفسّرين‌، لكنّها تبدو مشوّشة‌ و غير مستساغة‌، لانّ كلّ واحد منها يخالف‌ ظاهر الآية‌: وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ، إذ جاءت‌ في‌ هذه‌ الآية‌ ثلاث‌ كلمات‌: الاُولي‌: يَتْلُوهُ بمعني‌ يجي‌ء بعده‌؛ والثانية‌: شَاهِدٌ؛ و الثالثة‌؛ مِّنْهُ و يرجع‌ الضمير إلی رسول‌ الله‌، و هو صاحب‌ البيّنة‌. و عند ملاحظة‌ هذه‌ الكلمات‌ الثلاث‌، يظهر خطأ جميع‌ الاحتمالات‌ التي‌ طرحها المفسّرون‌.

 أمّا الذي‌ قال‌: هو جبرئيل‌، أو المَلَك‌ الموكّل‌ برسول‌ الله‌، فقوله‌ باطل‌ بكلمة‌ مِّنْهُ، لانّ الملك‌ و جبرئيل‌ ليسا من‌ جنس‌ رسول‌ الله‌، بل‌ هما من‌ الملائكة‌، و رسول‌ الله‌ من‌ البشر، و يدلّ الضمير في‌ مّنْهُ علی أنّ ذلك‌ الشاهد هو من‌ جنس‌ رسول‌ الله‌. و أمّا من‌ قال‌: إنـّه‌ القرآن‌، فقوله‌ باطل‌ أيضاً بكلمة‌ يَتْلُوهُ و كلمة‌ مِّنْهُ لانّ القرآن‌ لايأتي‌ تالياً للنبيّ، مضافاً إلی أنـّه‌ ليس‌ من‌ جنسه‌. و أمّا من‌ قال‌: إنـّه‌ لسان‌ رسول‌ الله‌، فهو باطل‌ بكلمة‌ يَتْلُوهُ و كلمة‌ شَاهِدٌ لانّ لسان‌ النبيّ لايتلوه‌ و لايأتي‌ بعده‌، مضافاً إلی أنّ لسان‌ الشخص‌ ليس‌ شاهداً علی صحّة‌ دعواه‌.

 و أمّا من‌ قال‌: إنـّه‌ النبيّ نفسه‌، فقوله‌ ليس‌ ذا بال‌ أبداً لانـّه‌ ينافي‌ الكلمات‌ الواردة‌ يَتْلُوهُ، و شَاهِدٌ، و مِّنْهُ و لانّ رسول‌ الله‌ لايتلو نفسه‌، و ليس‌ شاهداً عليها، و ليس‌ منها. و لمّا كانت‌ هذه‌ الاحتمالات‌ و الاقوال‌ جميعها باطلة‌، فالمتيقّن‌ به‌ أنّ ذلك‌ الشاهد هو الذي‌ روي‌ فيه‌ المؤالف‌ و المخالف‌ عن‌ رسول‌ الله‌ أنـّه‌ هو المعنيّ بهذه‌ الآية‌، وهو أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌. و هذا ما ينسجم‌ مع‌ جميع‌ الكلمات‌ الواردة‌ في‌ الآية‌: يَتْلُوهُ، شَاهِدٌ، مِّنْهُ، لانـّه‌ عليه‌ السلام‌ كان‌ إلی جانب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ و كان‌ يتبعه‌، و كان‌ شاهداً صادقاً علی نبوّته‌ دائماً، مضافاً إلی أنـّه‌ من‌ جنس‌ البشر، بل‌ من‌ رسول‌ الله‌ نفسه‌. [22]

 و أقرب‌ الآيات‌ إلی الآية‌ المشار إليها من‌ حيث‌ الدلالة‌ و المعني‌ هي‌ الآيات‌ الواردة‌ في‌ السورة‌ 46، و هي‌ الاحقاف‌، و الآيات‌ هي‌ 10، 11 و12، يقول‌ تعالي‌: قُلْ أَرَءَيْتُمْ إن‌ كَانَ مِنْ عِنْدِاللَهِ وَ كَفَرْتُم‌ بِهِ وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ بَنِي‌ إسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ فَـَامَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إنَّ اللَهَ لاَ يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الظَّـ'لِمِينَ * وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـ'ذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَ مِن‌ قَبْلِهِ كِتَـ'بُ مُوسَي‌'´ إمَامًا وَ رَحْمَةً وَ هَـ'ذَا كِتَـ'بٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيّـًا لِّيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرَي‌' لِلْمُحْسِنِينَ.

 يتبيّن‌ لنا عند ملاحظة‌ هاتين‌ الطائفتين‌ من‌ الآيات‌ و مقارنتهما أنّـهما:

 أوّلاً: ذكرتا القرآن‌ أو البيّنة‌ الإلهيّة‌ التي‌ ينكرها المشركون‌ علی سبيل‌ الاستفهام‌ الإنكاريّ.

 ثانياً: بيّنتا التوراة‌ بوصفها كتاب‌ هداية‌ و رحمة‌ للناس‌، و قد نزلت‌ قبل‌ القرآن‌ ممهّد الطريق‌ لكتاب‌ الله‌، و هو القرآن‌ المجيد، و القرآن‌ مصدّق‌ لها أيضاً، مضافاً إلی ذلك‌ فإنّ القرآن‌ ليس‌ أوّل‌ كتاب‌ يرفضه‌ المشركون‌، بل‌ كانت‌ التوراة‌ قبله‌ علی هذه‌ الشاكلة‌ أيضاً، و آيات‌ القرآن‌ و المواضيع‌ التي‌ يحتويها امتداد لمواضيع‌ التوراة‌ في‌ الاخلاق‌ و الاحكام‌ و المعارف‌، و مصدّقة‌ لها، إذَن‌ لايبدو هناك‌ أي‌ّ مبرّر لاستنكاف‌ أُولئك‌، كما جاء في‌ القرآن‌ قوله‌ تعالي‌ في‌ الآية‌ التاسعة‌ التي‌ تسبق‌ الآيات‌ المذكورة‌: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ.

 الرجوع الي الفهرس

المراد من الشاهد فی قوله تعالی: و شَهِدَ شَاهِد ٌ عَلَی مِثلِهِ

 ثالثاً: كما جاء في‌ الآية‌ التي‌ هي‌ مدار بحثنا: وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ، فإنّ المراد هنا هو وصي‌ّ رسول‌ الله‌ أميرالمؤمنين‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌السلام‌ الذي‌ يمثّل‌ سند النبوّة‌ و الشاهد علی رسالة‌ رسول‌ الله‌، و كذلك‌ في‌ بني‌ إسرائيل‌، فإنّ وصيّ موسي‌ هو يوشع‌ بن‌ نون‌ الذي‌ كان‌ سنداً لنبوّة‌ موسي‌ و شاهداً علی رسالته‌، و هو الذي‌ آمن‌ به‌، و لذلك‌ يقول‌ جلّ من‌ قائل‌: وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِن‌ بَنِي‌ إِسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ.[23]

 و استهداء بالروايات‌ المستفيضة‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ في‌ أنّ ماوقع‌ علی الامم‌ السالفة‌ سيقع‌ أيضاً علی هذه‌ الاُمّة‌ حذو النعل‌ بالنعل‌ والقُذَّة‌ بالقُذَّة‌، فإنّ شهادة‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ علی نبوّة‌
 رسول‌الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ تُضاهي‌ شهادة‌ وصي‌ّ موسي‌ علی نبوّته‌ إذَن‌، فالمقايسة‌ بين‌ هاتين‌ الطائفتين‌ من‌ الآيات‌، أعني‌: الآيات‌ المشار إليها في‌ سورة‌ هود، و الآيات‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ الاحقاف‌ تفيدنا أنّ الشاهد من‌ بني‌ إسرائيل‌ الذي‌ شهد علی صحّة‌ ما يشاكل‌ القرآن‌، و هي‌ التوراة‌، يماثل‌ الشاهد الذي‌ هو من‌ جنس‌ رسول‌ الله‌ و شهد علی صحّة‌ نبوّته‌. و الشاهد علی كلامنا هو رواية‌ أوردها السيوطيّ في‌ تفسيره‌. يقول‌: أخرج‌ سعيد بن‌ منصور، و ابن‌ جرير، و ابن‌ منذر عن‌ مسروق‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ أنـّه‌ قال‌ في‌ قول‌ الله‌ تعالي‌: وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِن‌ بَني‌ إسْر '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ، قَالَ: مُوسي‌ مَثَلُ مُحَمَّدٍ، وَالْتَّوْرَاةُ مَثَلُ الْقُرآنِ فَآمَنَ هَذَا بِكِتَابِهِ وَ نَبِيِّهِ وَ كَفَرْتُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ.

 و العجيب‌ أنّ أغلب‌ المفسّرين‌ ـ بما فيهم‌ مفسّرو الشيعة‌ ـ ذكروا أنّ المراد من‌ الشاهد في‌ الآية‌ المشار إليها هو عبدالله‌ بن‌ سلام‌؛ وقد صرّح‌ بذلك‌ حتّي‌ المرحوم‌ الطبرسيّ، [24] و الفيض‌ الكاشانيّ،[25] و أُستاذنا الاعظم‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ [26] * مدّ ظلّه‌ و نقل‌ السيوطيّ أيضاً رواية‌ في‌ هذا الباب‌، قال‌: أخرج‌ أبويعلي‌، و ابن‌ جرير، و الطبرانيّ، والحاكم‌ عن‌ عوف‌ بن‌ مالك‌ الاشجعي‌ قال‌: انطلق‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ و أنا معه‌ حتّي‌ دخلنا علی كنيسة‌ اليهود يوم‌ عيدهم‌، فكرهوا دخولنا عليهم‌. فقال‌ لهم‌ رسول‌ الله‌: أروني‌ اثني‌ عشر رجلاً منكم‌ يشهدون‌ أن‌ لاَ إلَه‌ إلاّ اللهُ و أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله‌ يحبط‌ الله‌ عن‌ كلّ يهودي‌ّ تحت‌ أديم‌ السماء الغضب‌ الذي‌ عليه‌، فسكتوا، فما أجابه‌ منهم‌ أحد. ثمّ ردّ عليهم‌، فلم‌ يجبه‌ أحد، فثلّث‌ فلم‌ يجبه‌ أحد. فقال‌: أبيتم‌ فوالله‌ لانا الحاشر، و أنا العاقب‌، و أنا المقفّي‌، آمنتم‌ أو كذّبتم‌، ثمّ انصرف‌ و أنا معه‌، حتّي‌ كدنا أن‌ نخرج‌ فإذا رجل‌ من‌ خلفه‌، فقال‌: كما أنت‌ يا محمّد. فأقبل‌، فقال‌ ذلك‌ الرجل‌: أيّ رجل‌ تعلموني‌ فيكم‌ يا معشر اليهود؟

 فقالوا: والله‌ ما نعلم‌ فينا رجلاً أعلم‌ بكتاب‌ الله‌ و لا أفقه‌ منك‌ و من‌ أبيك‌ و لا من‌ جدّك‌. قال‌: فإنّي‌ أشهد بالله‌ إنـّه‌ النبيّ الذي‌ تجدونه‌ في‌ في‌ التوراة‌ و الإنجيل‌. قالوا: كذبت‌، ثمّ ردّوا عليه‌ و قالوا شرّاً. فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ كذبتم‌، لن‌ يقبل‌ منكم‌ قولكم‌، فخرجنا و نحن‌ ثلاث‌: رسول‌ الله‌، و أنا، و ابن‌ سلام‌. فأنزل‌ الله‌: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِاللَهِ وَ كَفرَتُم‌ بِهِ وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِن‌ بَني‌ إسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ فَـَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَهَ لاَيَهْدِي‌ الْقَوْمَ الظَّـ'لِمِينَ.

 لكن‌ كما ذكرنا فإنّ الشاهد المشار إليه‌ شخص‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌ قد شهد علی التوراة‌ في‌ عصر موسي‌. و هو ماينطق‌ علی وصيّ موسي‌، يوشع‌ بن‌ نون‌.

 الرجوع الي الفهرس

لیس المراد من الشاهد عبد الله بن سلام

الدلائل الواردة فی أنّ عبدالله بی سلام لیس هو المراد من الشاهد

 و هذه‌ الآية‌ لاتنطبق‌ علی عبدالله‌ بن‌ سلام‌ للاسباب‌ التالية‌:

 أوّلاً: سورة‌ الاحقاف‌ مكّيّة‌ وإسلام‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ كان‌ في‌ المدينة‌ فلا جدوي‌ من‌ جعل‌ رسول‌ الله‌ شهادة‌ شخص‌ لم‌ يسلم‌ بعد ولم‌ يظهر علی مسرح‌ الحياية‌ الإسلاميّة‌ سنداً لنبوّته‌، و شاهداً علی أحقّيّته‌ أمام‌ مشركي‌ قريش‌ و منكريهم‌.

 ثانياً: تنصّ الآية‌ المباركة‌ علی أنّ هذا الشاهد قد شهد علی مثل‌ القرآن‌، لا علی القرآن‌ نفسه‌، و المراد بمثل‌ القرآن‌ هنا التوراة‌، فماذا يجنبي‌ المشركون‌ من‌ وراء الشهادة‌ علی التوراة‌؟ بينما نجد أنّ قوله‌ تعالي‌: وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ يفيدنا أنّ أميرالمؤمنين‌ شهد علی النبوّة‌ نفسها. وأمّا شهادة‌ ذلك‌ الشخص‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌ في‌ عصر موسي‌ علی نبوّته‌ أو علی التوراة‌ فإنـّها كانت‌ ستؤتي‌ ثمارها، و ستمثّل‌ سنداً لنبوّته‌.

 ثالثاً: كان‌ إسلام‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ في‌ بداية‌ الهجرة‌ إلی المدينة‌ وليس‌ بعد استقرار النبيّ فيها و يوم‌ عيد اليهود. يقول‌ ابن‌ عبدالبرّ في‌ ترجمة‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌: عبدالله‌ سلام‌ بن‌ الحارث‌ الإسرائيليّ ثمّ الانصاريّ. يكنّي‌ أبا يوسف‌، و هو من‌ ولد يوسف‌ بن‌ يعقوب‌ صلّي‌ الله‌ عليهما و كان‌ حليفاً للانصار، يقال‌ كان‌ حليفاً للقوافلة‌ [27] (و هم‌) من‌ بني‌ عوف‌ بن‌ الخزرج‌. و كان‌ اسمه‌ في‌ الجاهليّة‌ الحصين‌. فلمّا أسلم‌، سمّاه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ و سلّم‌ عبدالله‌. توفّي‌ بالمدينة‌ أيّام‌ معاوية‌ سند 43 (ه)؛ و هو أحد الاحبار. أسلم‌ إذ قدم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ و سلّم‌ المدينة‌.

 قال‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌: خرجت‌ في‌ جماعة‌ من‌ أهل‌ المدينة‌ للنظر إلی رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ و سلّم‌ في‌ حين‌ دخوله‌ المدينة‌، فنظرت‌ إليه‌ و تأمّلت‌ وجهه‌، فعلمتُ أنـّه‌ ليس‌ بوجه‌ كذّاب‌، و كان‌ أوّل‌ شي‌ء سمعته‌ منه‌: أيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَ صِلُوا الاْرْحَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بسَلاَمٍ.

 رابعاً: يدلّ سياق‌ الآية‌ الكريمة‌ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن‌ كَانَ مِنْ عِنْدِاللَهِ وَ كَفَرْتُم‌ بِهِ وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِن‌ بَنِي‌ إِسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ علی أنّ خطاب‌ النبيّ لم‌ يكن‌ موجّهاً إلی بني‌ إسرائيل‌.

 خامساً: أنّ الإنجيل‌ ليس‌ من‌ كتب‌ اليهود، و اليهود لايقرّون‌ به‌ أبداً بل‌ هم‌ يفترون‌ علی مريم‌ و ينسبون‌ إليها مالايليق‌ ويعتبرون‌ عيسي‌ ابن‌ سفاح‌. فكيف‌ يمكن‌ في‌ هذه‌ الحالة‌، و وفقاً لهذه‌ الرواية‌، أنّ يقول‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ لليهود: أُشهد الله‌ أنّ محمّداً هو النبيّ الذي‌ و جدتموه‌ في‌ التوراة‌ و الإنجيل‌؟!

 نستنتج‌ ممّا تقدّم‌ أنّ هذه‌ الرواية‌ منحولة‌. ناهيك‌ عن‌ هذا كلّه‌ فإنّ روايات‌ قد جاءت‌ عن‌ طريق‌ العامّة‌ في‌ أنّ آية‌ واحدة‌ من‌ القرآن‌ لم‌ تنزل‌ في‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ أو في‌ أنّ هذه‌ الآية‌ لاتخصّه‌. يقول‌ السيوطيّ: أخرج‌ ابن‌ منذر عن‌ الشعبيّ أنـّه‌ قال‌: مَا نَزَلَ فِي‌ عَبْدِاللهِ بْنِ سَلاَمٍ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ.[28] و يقول‌ أيضاً: أخرج‌ عبدالله‌ بن‌ حميد، و ابن‌ منذر عن‌ عكرمة‌ أنـّه‌ قال‌ في‌ الآية‌: وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي‌ إِسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ، قالَ: لَيْسَ بِعَبْدِ اللَهِ بْنِ سَلاَمٍ، هَذِهِ الآيَةُ مَكِّيَّةٌ فَيَقُولُ مَنْ آَمَنَ مِنْ بَني‌ إسْرائيلَ كَمَنْ آَمَنَ بِالنَّبِيِّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌. [29]

 و يقول‌ أيضاً: أخرج‌ ابن‌ جرير و ابن‌ أبي‌ حاتم‌ عن‌ مسروق‌ أنـّه‌ قال‌: قَوْلُهُ: وَ شَهِدَ شَاهِدَ مِن‌ بَنِي‌ إسْر '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ. قال‌: وَاللَهِ مَا نَزَلَتْ فِي‌ عَبْدِاللَهِ بْنِ سَلاَمٍ، مَا نَزَلَتْ إِلاّ بِمَكَّةَ وَ إِنـَّمَا كَانَ إسْلاَمٍ ابْنِ سَلاَمٍ بِالْمَدِينَةِ، وَ إِنـَّمَا وكَانَتْ خُصُومَةً خَاصَمَ بِهَا مُحَمَّدٌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌.[30]

 نعم‌. إنّ نزول‌ الآية‌ في‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ مستبعد إلی حدّ اضطرّ فيه‌ البعض‌ أن‌ يقول‌ بأنّ الآية‌ مكّيّة‌ و إنّ إسلام‌ عبدالله‌ سلام‌ كان‌ بالمدينة‌ وذلك‌ من‌ أجل‌ تصحيح‌ هذا الموضوع‌. يقول‌ السيوطيّ: أخرج‌ الحسن‌ بن‌ مسلم‌ أنـّه‌ ن َزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ وَ عَبْدُاللَهِ بْنُ سَلاَمٍ بِالْمَدِينَةِ. [31]

 و يقول‌ أيضاً: أخرج‌ ابن‌ سعد، و ابن‌ عساكر عن‌ الحسن‌ البصري‌ أنـّه‌ قال‌: نَزَلَتْ حم‌ وَ عَبْدُاللَهِ بِالْمَدِينَةِ مُسْلِمٌ.[32] و هاتان‌ الروايتان‌ غير صحيحتين‌ أيضاً لانـّنا قلنا: إنّ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ لم‌ يكن‌ قد أسلم‌ بعد عند نزول‌ سورة‌ الاحقاف‌. و كما قلنا في‌ تفسير الآية‌: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَـ'بِ، فإنّ عبدالله‌ بن‌ سلام‌، و ابنه‌، و حفيده‌ دون‌ غيرهم‌ ينسبون‌ هذه‌ الآية‌ إلی أنفسهم‌، و لم‌ ينسبها شخص‌ آخر إليهم‌.

 بَيدَ أنـّه‌ لمّا كان‌ نزول‌ هذه‌ الآية‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ علی عليه‌ السلام‌ فإنّ علماء الشيعة‌ رضوان‌ الله‌ عليهم‌ أصرّوا علی أنـّها لم‌ تنزل‌ في‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌، و برهنوا علی ذلك‌. و أمّا الآية‌: وَ شَهِدَ شَاهِدٌ... فلمّا لم‌ تكن‌ فيه‌ عليه‌ السلام‌. لذلك‌ لم‌ يعيروا لها اهتماماً، و مرّوا عليها دون‌ تحّرٍ دقيق‌ حتّي‌قال‌ البعض‌ من‌ أهل‌ السنّة‌، إنّ علماء الشيعة‌ أيضاً قالوا بنزولها في‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌، مع‌ أنـّها نزلت‌ في‌ يوشع‌ بن‌ نون‌ وصي‌ّ موسي‌ عِدل‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ وصيّ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌. و لافرق‌ في‌ إمكان‌ نزول‌ الآيتين‌ المذكورتين‌: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَـ'بِ، وَ شَهِدَ شَاهِدٌ... في‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ وعدم‌ إمكان‌ نزولهما فيه‌. فكلتاهما مكّيّتان‌. فإذا كان‌ جائزاً في‌ إحداهما فهو جائز في‌الاُخري‌، و العكس‌ صحيح‌.

 مضافاً إلی ذلك‌ ما هو وزن‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌ الذي‌ يعتبره‌ البعض‌ مغموراً مجهول‌ الحال‌، وهو لم‌ يبايع‌ أميرالمؤمنين‌ عليّاً بالخلافة‌ بعد عثمان‌، حتّي‌ يهتمّ رسول‌ الله‌ بشهادته‌ أمام‌ المشركين‌، و يجعله‌ قريناً لنبوّته‌ و للتوراة‌ التي‌ فيها هدي‌ و رحمة‌ للناس‌؟ أجل‌، هذا بحث‌ تناولنا فيه‌ الآية‌ الكريمة‌: وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِن‌ بَنِي‌ إِسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ، فلنعرّج‌ الآن‌ علی الآية‌ التي‌ هي‌ مدار بحثنا: وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ.

 الرجوع الي الفهرس

روایات ابن عباس و أنس فی أنّ المراد من الشاهد أمیرالمؤمنین

 وردت‌ حول‌ هذه‌ الآية‌ روايات‌ جمّة‌ عن‌ طريق‌ الشيعة‌ و السنّة‌، و هي‌ تنصّ علی أنّ عليّاً أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ هو المقصود بهذه‌ الآية‌. وفيمايلي‌ عدد منها أُثِرَ بمضامين‌ متنوّعة‌، نذكرها هنا كمثال‌ علی ما نقول‌:

 الاولي‌: طائفة‌ من‌ الروايات‌ نقلت‌ عن‌ عبدالله‌ بن‌ عبّاس‌. قال‌ الموفّق‌ بن‌ أحمد الخوارزميّ في‌ قوله‌ تعالي‌: أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هُوَ علی يَشْهَدُ لِلنَّبِي‌ِّ وَ هُوَ مِنْهُ. [33] و نقل‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ هذه‌ الرواية‌ أيضاً من‌ «تفسير البرهان‌» عن‌ الخوارزميّ. [34]

 و نقل‌ إبراهيم‌ بن‌ محمّد الحموينيّ، و هو من‌ فضلاء العامّة‌، في‌ «فرائد السمطين‌» بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌ عن‌ إبن‌ عبّاس‌ أنـّه‌ قال‌: «أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ» رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» علی عليه‌السلام‌ خاصَّةً. [35] و ذكر الحاكم‌ الحسكانيّ هذه‌ الرواية‌ أيضاً و بالعبارة‌ نفسها. [36] و ذكرها الثعلبيّ بالعبارة‌ ذاتها في‌ تفسيره‌ عن‌ ابن‌ عبّاس‌. [37] و نقلها العلاّمة‌ الطباطبائيّ عن‌ الثعلبيّ، [38] و كذلك‌ ذكرها علی بن‌ عيسي‌ الاربليّ في‌ «كشف‌ الغمّة‌» عن‌ ابن‌ عبّاس‌. [39]

 الثانية‌: روايات‌ نقلت‌ عن‌ أنس‌ بن‌ مالك‌. روي‌ حمّاد بن‌ سلمة‌ عن‌ ثابت‌، عن‌ أنس‌ أنـّه‌ قال‌: «أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ» قَالَ: هُوَ رَسُولُ اللهَ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ و سلّم‌ «وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» هُوَ علی بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَيهِ السَّلاَمُ. كَانَ وَاللَهِ لِسَانَ رَسُولِ اللهِ. [40]

 و نقل‌ الحاكم‌ الحسكانيّ هذه‌ الرسالة‌ أيضاً عن‌ أنس‌ بسلسلة‌ سنده‌ المتّصل‌، إِلاّ أنـّه‌ أضاف‌ إليها جملة‌ في‌ آخرها: كَانَ وَاللَهِ لِسَانَ رَسُولِ اللَهِ إلی أَهلِ مَكَّةَ فِي‌ نَقْضِ عَهْدِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌.[41]

 الرجوع الي الفهرس

طوائف الروایات عن الرسول الأکرم و الأئمّة الأطهار فی أن المراد من الشاهد أمیرالمؤمنین

 الثالثة‌: روايات‌ أُثرت‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ نفسه‌. يقول‌ ابن‌ المغازليّ الشافعيّ: قوله‌ تعالي‌: أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ. قَالَ رَسُولُ اللهِ: أَنَا علی بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ علی الشَّاهِدُ. [42] و نقل‌ الحاكم‌ الحسكانيّ هذه‌ الرواية‌ عن‌ رسول‌ الله‌ نفسه‌ بسندين‌: أحدهما عن‌ محمّد بن‌ أحمد بن‌ محمّد المفيد. [43] و الآخر عن‌ ابن‌ عبّاس‌. [44] و ذكر السيوطيّ هذا الحديث‌ أيضاً عن‌ رسول‌ الله‌ مع‌ اختلاف‌ يسير في‌ اللفظ‌. [45]

 الرابعة‌: روايات‌ جاءت‌ عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌. فقد روي‌ علی بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌ بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بصير، والفضيل‌، قالا: عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ قال‌: إنـَّما نَزَلَتْ: أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ يعْني‌ رَسُولَ اللَهِ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ إمَامًا وَ رَحْمَةً [46]. و صفة‌ الإمام‌ و الرحمة‌ في‌ الآية‌ تخصّ عليّاً لا التوراة‌، ولكن‌ حصل‌ تقديم‌ و تأخير لكي‌ توصف‌ التوراة‌.

 الخامسة‌: رواية‌ مأثورة‌ عن‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر عليهما السلام‌. فقد روي‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيّ بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أحمد بن‌ عمر الحلاّل‌ أنـّه‌ قال‌: سألت‌ أبا الحسن‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ: «أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ» فَقَالَ: أَميرُ المُؤْمِنِينَ ـ عَلَيهِ السَّلاَمُ الشَّاهِدُ مِنْ رَسُولِ اللهِ علی بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ. [47]

 السادسة‌: رواية‌ جاءت‌ عن‌ قيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌. يقول‌ سليم‌ بن‌ قيس‌ الهلاليّ الكوفيّ: [48] أنقلُ هذا الحديث‌ عن‌ قيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌ في‌ مشاجرة‌ بينه‌ و بين‌ معاوية‌. قال‌ قيس‌: لقد قبض‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ فاجتمعت‌ الانصار إلی أبي‌ بكر، فقال‌: تبايع‌ سعداً (ابن‌ عبادة‌)؟ فجاءت‌ قريش‌ فخاصموا بحجّة‌ علی و أهل‌ بيته‌ و خاصمونا بحقّه‌ و قرابته‌. فما يعدوا فعقد قريش‌ أن‌ يكونوا ظلموا الانصار و آل‌ محمّد. ولعمري‌ ما لاحد من‌ الانصار ولا من‌ قريش‌، و لا من‌ العرب‌، و لا من‌ العجم‌ في‌ الخلافة‌ حقّ و لا نصيب‌ مع‌ علی بن‌ أبي‌ طالب‌ و ولده‌ من‌ بعده‌. فغضب‌ معاوية‌، و قال‌: يا بن‌ سعد عمّن‌ أخذتَ هذا، و عمّن‌ ترويه‌، و ممّن‌ سمعته‌؟ أبوك‌ حدّثك‌ بهذا و عنه‌ أخذته‌؟ فقال‌ له‌ قيس‌ بن‌ سعد: أخذته‌ عمّن‌ هو خير من‌ أبي‌ و أعظم‌ حقّاً من‌ أبي‌. قال‌: من‌ هو؟ قال‌: علی ابن‌ أبي‌ طالب‌؛

 أَخَذْتُهُ مِنْ عَالِمِ هَذِهِ الاْمَّةَ وَ رَبَّانِيِّهَا وَ صِدِّيقِهَا وَ فَارُوقِهَا الَّذِي‌ أَنْزَلَ اللَهُ فِيهِ مَا أَنْزَلَ: «قُلْ كَفَي‌' بِاللَهِ شَهِيدًا بَيْنِي‌ وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَـ'بِ.» فَلَمْ تَكُنْ اَيةٌ نَزَلَتْ فِيهِ إلاّ ذَكَرَهَا.

 فقال‌ معاوية‌: إنّ صدّيقها و فاروقها عمر، والذي‌ عنده‌ علم‌ الكتاب‌ عبدالله‌ بن‌ سلام‌. قال‌ قيس‌: أحقّ بهذه‌ الاشياء وأولي‌ بها الذي‌ أنزل‌ الله‌ فيه‌: «أَفَمَن‌ كَانَ عَلَي‌' بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ». الَّذِي‌ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ: «إِنـَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَّ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» وَالَّذِي‌ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَهِ صَلّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. يَوْمَ غَديرِ خُمٍّ فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَعَلِيٌّ أَوْلَي‌ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ قَالَ فِي‌ غَزْوَةِ تَبُوكٍ: أَنْتَ مِنّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاّ أَنـَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي‌. [49]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «ينابيع‌ المودّة‌» باب‌ 30، ص‌ 104 نقلاً عن‌ كتاب‌ «سليم‌ بن‌ قيس‌ الهلاليّ» و أصل‌ هذه‌ الرواية‌ موجود في‌ كتاب‌ سليم‌ بالتفصيل‌ من‌ ص‌ 199 إلی 201.

[2] ـ العبارة‌ الثانية‌ ليست‌ من‌ الآية‌

[3] ـ «ينابيع‌ المودّة‌» باب‌ 30، ص‌ 104.

[4] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 301

[5] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 301.

[6] ـ نقل‌ أحمد بن‌ حنبل‌ هذا الحديث‌ عن‌ زيد بن‌ ثابت‌ بطريقين‌ صحيحين‌، الاوّل‌ في‌ أوّل‌ الصفحة‌ 182، و الثاني‌ في‌ آخر الصفحة‌ 189، في‌ الجزء الخامس‌ من‌ مسنده‌. قال‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَهِ وَ أَهْلَ بَيْتِي‌ وَ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرقِا حَتّي‌ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ. و (قال‌ السيوطيّ) في‌ تفسير «الدرّ المنثور» ج‌ 2، ص‌ 7: و أخرجه‌ الترمذيّ و حسّنه‌ و ابن‌ الانباريّ في‌ المصاحف‌ عن‌ زيد بن‌ أرقم‌ رضي‌ الله‌ عنه‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌: إنِّي‌ تَارِكٌ فِيكُمُ ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي‌ أَحَدُهُما أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ كِتَابَ اللَهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّماءِ إلی الارْضِ وَ عِتْرَتِي‌ أَهْلَ بَيْتِي‌ وَلَنْ يَفْتِرِقَا حَتّي‌ يَرِدا عَلَي‌ّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي‌ فِيهَما. و نقل‌ صاحب‌ «غاية‌ المرام‌ في‌ ص‌ 11 فما بعدها تسعة‌ و ثلاثين‌ حديثاً عن‌ طريق‌ العامّة‌، و اثنين‌ و ثمانين‌ حديثاً عن‌ طريق‌ الخاصّة‌.

[7] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 4، ص‌ 259

[8] ـ «مناقب‌» ابن‌ شهرشوب‌ ج‌ 1، ص‌ 259.

[9] ـ «مناقب‌» ابن‌ شهرشوب‌ ج‌ 2، ص‌ 30

 [10] ـ «مناقب‌ابن‌ شهرآشوب»‌ ج‌ 1، ص‌ 258.

[11] ـ «مناقب‌ابن‌ شهرآشوب‌ ج‌ 1، ص‌ 258.

[12] ـ «مناقب‌ابن‌ شهرآشوب‌ ج‌ 1، ص‌ 258.

[13] ـ «نهج‌ البلاغة‌» ج‌ 1 ص‌ 29.

[14] ـ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 11: هود.

[15] ـ «غاية‌ المرام‌» من‌ ص‌ 359 إلی 361.

[16] ـ الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

[17] ـ الآية‌ 73، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[18] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 11: هود.

[19] ـ الآية‌ 14، من‌ السورة‌ 47: محمّد

[20] ـ الآية‌ 214، من‌ السورة‌ 26: الشعراء.

[21] ـ ذكر في‌ «الدرّ المنثور» ج‌ 3، ص‌ 324 هذه‌ الاحتمالات‌ و الاقوال‌ عن‌ أصحابها وكذلك‌ جاءت‌ في‌ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 150

[22] ـ «تفسير أبي‌الفتوح‌ الرازيّ» ج‌ 6، ص‌ 255 (بالفارسيّة‌) و قد أوردنا ترجمة‌ كلامه‌. (م‌)

[23] ـ عندما طالع‌ أحد أخلاّئنا و إخواننا في‌ الاءيمان‌، و هو من‌ مفاخر علماء طهران‌، مخطوطة‌ هذا الكتاب‌، كتب‌ في‌ الهامش‌ قائلاً: «إنّ الاحتمال‌ المطروح‌ في‌ أنّ قوله‌: وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي‌ إسْرَ '´ ءِيل‌ عَلَي‌' مِثْلِهِ يخصّ إيمان‌ يوشع‌ بن‌ نون‌ بالتوراة‌ بعيد للغاية‌، و يبعث‌ علی تفكيك‌ مفردات‌ الآية‌، و لا يحضرني‌ أنّ أحد المفسّرين‌ ذكر هذه‌ الاحتمال‌، كما لم‌ تُؤثَر رواية‌ في‌ هذا الباب‌ أيضاً. نعم‌، احتمل‌ بعض‌ المفسّرين‌ أنّ المراد بالشاهد هنا هو موسي‌بن‌ عمران‌ نفسه‌، و شهادته‌ علی مثل‌ القرآن‌، أعنيّ التوراة‌، من‌ حيث‌ إنّ التوراة‌ إشتملت‌ علی وصف‌ للنبيّ الاكرم‌ و بشّرت‌ به‌، و في‌ هذه‌ الحالة‌، يستقيم‌ الترابط‌ بين‌ الآيات‌ و نظمها». يقول‌ مؤلّف‌ الكتاب‌: لايتمّ هذا الكلام‌، و ذلك‌، أوّلاً: أنّ استبعاد دلالة‌ الآية‌ وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِن‌ بَنِي‌ إِسْرَ '´ ءِيلَ عَلَي‌' مِثْلِهِ علی إيمان‌ يوشع‌ بن‌ نون‌ بالتوراة‌، و الغموض‌ الذي‌ يكتنف‌ الترابط‌ بين‌ مفردات‌ الآية‌ يصحّان‌ إذا كان‌ المراد من‌ التوراة‌ هو الكتاب‌ السماويّ النازل‌ علی موسي‌ فحسب‌، لا من‌ حيث‌ اشتمالها علی وصف‌ للنبيّ الاكرم‌، و التبشير به‌، بَيدَ أنـّه‌ إذا كان‌ المراد من‌ التوراة‌ في‌ هذه‌ الآية‌، كتاب‌ بهذه‌ المواصفات‌، فالمعني‌ واضح‌ تماماً و الترابط‌ متحقّق‌. و ما هو الفرق‌ بين‌ أن‌ نعتبر الشاهد من‌ بني‌ إسرائيل‌ في‌ هذه‌ الآية‌ موسي‌ النبيّ أو وصيّة‌ يوشع‌ بن‌ نون‌؟ لانـّنا يجب‌ أن‌ نجعل‌ كلمة‌ مثله‌ في‌ كلا الحالتين‌: التوراة‌، و لمّا كانت‌ التوراة‌ مشتملة‌ علی التصديق‌ بالرسول‌ الاكرم‌، فهذه‌ الآية‌ تشكّل‌ دليلاً و حجّة‌ لرسول‌ الله‌ علی اليهود الذين‌ لم‌ يقرّوا بدعوته‌.

 ثانياً: جاء في‌ الرواية‌ المأثورة‌، التي‌ نقلها السيوطيّ، قوله‌: فآمن‌ هذا بكتابه‌ و نبيّه‌ وكفرتم‌ يا أهل‌ مكّة‌. فواضح‌ أنّ الظاهر من‌ كلمة‌ نبيّه‌ هو النبيّ الذي‌ كان‌ في‌ ذلك‌ الزمان‌، و هو موسي‌، لا نبيّنا الذي‌ أقام‌ هذه‌ الآية‌ من‌ جانبه‌ إتماماً للحجّة‌ علی اليهود؛ و تريد الآية‌ أن‌ تقول‌: هو آمن‌ بنبيّه‌، فَلِمَ لا تؤمنون‌ بنبيّكم‌؟! في‌ ضوء ذلك‌، لايمكن‌ أن‌ يكون‌ المراد من‌ الشاهد غير يوشع‌ بن‌ نون‌. و علی الرغم‌ من‌ عدم‌ وجود رواية‌ عندنا تؤيّد ذلك‌، فليس‌ عندنا رواية‌ تخالفه‌ أيضاً؛ و ما لم‌ يستند قول‌ المفسّرين‌ علی حجّة‌ قاطعة‌ و رواية‌ مأثورة‌ عن‌ المعصوم‌، فهو يعتبر رأياً شخصيّاً. و لا إشكال‌ في‌ دحضه‌ علی أساس‌ الظواهر و القرائن‌ المستفادة‌ من‌ تطبيق‌ الآيات‌، و تحليل‌ المعني‌، و القصد الذي‌ يستنبط‌ من‌ الآيات‌

[24] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 5، ص‌ 86.

[25] ـ «تفسير الصافي‌» ج‌ 2، ص‌ 554. ذكر ذلك‌ تحت‌ عنوان‌: قيل‌: عبدالله‌ بن‌ سلام‌.

[26] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 18، ص‌ 210.

* الكتاب‌ مؤلّف‌ زمن‌ حياة‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ سرّه‌، و آثرنا الاءبقاء علی تعبير المؤلّف‌. (م‌)

[27] ـ اسم‌ طائفة‌ من‌ الانصار.

[28] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 39.

[29] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 39.

[30] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 39.

[31] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 39.

[32] ـ «الدرّ المنثور» ج‌ 6، ص‌ 39

[33] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 359 الحديث‌ الثاني‌؛ و جاء في‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 99 باختلاف‌ يسير في‌ اللفظ‌.

[34] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 10، ص‌ 201.

[35] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 359، الحديث‌ الثالث‌.

[36] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 201.

[37] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 360، الحديث‌ الثامن‌؛ و نقل‌ ذلك‌ في‌ «تفسير أبي‌الفتوح‌» ج‌ 6 ص‌ 256 عن‌ الثعلبيّ.

[38] ـ تفسير «الميزان‌» ج‌ 10، ص‌ 201.

[39] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 362، الحديث‌ الحادي‌ عشر

[40] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 362، الحديث‌ الثالث‌ عشر.

[41] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 280.

[42] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 360، الحديث‌ السابع‌ عشر.

[43] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 276.

[44] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 1، ص‌ 275.

[45] ـ «الدرّ المنثور» ص‌ 324.

[46] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 361،الحديث‌ الاوّل‌. و جاء أيضاً في‌ هذا الكتاب‌ نفسه‌، ص‌ 362، الحديث‌ الثامن‌ عن‌ العيّاشيّ في‌ تفسيره‌ عن‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌، و قال‌ الإمام‌ في‌ آخرها: ثُمَّ أَوْصِيَاؤُهُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ.

[47] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 361، الحديث‌ الثاني‌؛ و تفسير «الميزان‌» ج‌ 1، ص‌ 199. و جاء في‌ «الكافي‌» باللفظ‌ التالي‌: أميرُالْمُؤْمِنِينَ عليه‌ السلام‌ الشَّاهِدُ مِنْ رَسُولِ اللهِ، وَ رَسولُ اللَهِ علی بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ.

[48] ـ نقلنا هذه‌ الرواية‌ عن‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 361، الحديث‌ السابع‌، الطبعة‌ الحجريّة‌ الرحليّة‌ ولكنّها جاءت‌ مفصّلة‌ و مشروحة‌ مع‌ مقدّمات‌ المفاوضات‌ التي‌ جرت‌ بين‌ قيس‌ و معاوية‌ في‌ «كتاب‌ سليم‌ بن‌ قيس‌» من‌ 199 إلی ص‌ 202. طبع‌ النجف‌

[49] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 361، الحديث‌ السابع‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com