بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الثامن عشر/ القسم السادس: انحصار لقب الامام بالائمة الاثنی عشر

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

معني‌ الإمام‌ عند الشيعة‌ وانحصاره‌ بالائمّة‌ الاثني‌ عشر عليهم‌ السلام‌

إنّ المقصود من‌ الاثني‌ عشريّة‌ هم‌ الذين‌ يقرّون‌ ويعترفون‌ بإمامة‌ اثني‌ عشر شخصاً من‌ أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌، ويجعلون‌ ذلك‌ ديناً لهم‌. ويتواضعون‌ أمام‌ هؤلاء الائمّة‌. ويرونهم‌ أُولي‌ مَلَكَة‌ العصمة‌، ويذهبون‌ إلي‌ أنّهم‌ عِدل‌ القرآن‌ الكريم‌: كتاب‌ الوحي‌ السماويّ في‌ حُجّيّة‌ كلامهم‌. وفي‌ ضوء حديث‌ الثقلين‌ فإنّ كلامهم‌ معصوم‌ ككتاب‌ الله‌. وكذا أفعالهم‌ وأفكارهم‌. لا يصدر منهم‌ خطأ، لانّ جواز الخطأ عليهم‌ يلازم‌ سقوط‌ الحجّيّة‌ عن‌ أقوالهم‌. ووفقاً للحديث‌ المذكور الذي‌ قرنهم‌ بالكتاب‌ الابديّ الثابت‌ الذي‌ لا يقبل‌ الخطأ فإنّ عصمة‌ كلامهم‌ وفعلهم‌ أمر لازم‌ لا يقبل‌ الشبهة‌.

 ذلك‌ أ نّنا لو فرضنا جواز الخطأ عليهم‌، فإنّنا إمّا نجيز هذا الخطأ علي‌ كتاب‌ الله‌، وحينئذٍ يلازم‌ ذلك‌ فرض‌ الخطأ في‌ الوحي‌ الإلهيّ وأزليّته‌ وأبديّته‌، وهذا محال‌.

 وإمّا أن‌ نسلب‌ احتمال‌ الخطأ عن‌ الإمام‌ ، ونراه‌ معصوماً ككتاب‌ الله‌ ، وعندئذٍ تثبت‌ استقامتهم‌ وعصـمتهم‌ في‌ جميع‌ مراحل‌ حياتهم‌ بدون‌ أدني‌ خطأ أو أقلّ اشتباه‌ سواء في‌ الشؤون‌ التبليغيّة‌ والإرشاديّة‌ والإمارة‌ والرئاسة‌ علي‌ المسـلمين‌، أم‌ في‌ الشـؤون‌ الشـخصيّة‌ والاجتـماعيّة‌ كالمعـاملات‌، والمقايضات‌، وأمثال‌ ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

غير المعصوم‌ لا يُسمّي‌ إماماً عند الشيعة‌

 هذا هو معني‌ الإمام‌ في‌ الاصطلاح‌ الشيعيّ. أي‌: زعيم‌ العالمين‌ ومقتداهم‌ في‌ الشؤون‌ الظاهريّة‌ والباطنيّة‌، والاجتماعيّة‌ والمعنويّة‌ الروحانيّة‌، والملكيّة‌ والملكوتيّة‌. وقد وهبه‌ الله‌ الحصانة‌ والعصمة‌ اصطفاءً من‌ لدنه‌ ليكون‌ زعيماً مقدّماً في‌ جميع‌ الاُمور.

 وهؤلاء الائمّة‌ ينحـصرون‌ في‌ اثني‌ عشر شخـصاً: أوّلهم‌ الإمام‌ علي‌ّ ابن‌ أبي‌ طالب‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ ، وآخرهم‌ الإمام‌ الحجّة‌ بقيّة‌ الله‌ : محمّد بن‌ الحسن‌ العسكريّ عجّل‌ الله‌ تعالي‌ فَرَجَهُ المبارك‌.

 وهو حيّ حسـب‌ عقيدة‌ الشـيعة‌ الراسـخة‌، وبيده‌ ولاية‌ الشـؤون‌ المعنويّة‌ والملكوتيّة‌ في‌ العوالم‌، بَيدَ أنّه‌ غائب‌ عن‌ الانظار الآن‌ بسـبب‌ غصب‌ الغاصبين‌ للخلافة‌ والإمامة‌، ويظلّ غائباً إلي‌ أن‌ يأذن‌ الله‌ تعالي‌ بظهوره‌ فيُقيل‌ المتصدّين‌ للسلطة‌ علي‌ الناس‌ باطلاً، ويتولّي‌ حكومة‌ الناس‌ علي‌ أساس‌ الطـهارة‌ السـرّيّة‌ والعصـمة‌ الإلهيّة‌ والولاية‌ الحـقّة‌ الحقيقـيّة‌ الكبري‌.

 لهذا عدد هؤلاء الائمّة‌ اثنا عشر كنقـباء بني‌ إسرائـيل‌، لا ينقـص‌ ولا يـزيد. والعدد ( 11 ) غلـط‌، كمن‌ يخـتم‌ الإمامة‌ مثلاً بالإمام‌ الحسـن‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌، والعدد ( 13 ) غلط‌ أيضاً، كمن‌ يختار له‌ إماماً غير الإمام‌ المهديّ بقيّة‌ الله‌ أرواحنا فداه‌.

 من‌ الطـبيعيّ أنّ هذا الموضـوع‌ يقوم‌ علي‌ أسـاس‌ معـتقد الشـيعة‌ ومذهبـهم‌ واصطـلاحهم‌، لا كما ورد في‌ اللغة‌ واستعـمال‌ العامّة‌ الذين‌ يطلقونه‌ علي‌ كلّ من‌ كان‌ زعيماً مقدّماً في‌ أمر من‌ الاُمور.

 كما وردت‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ آيات‌ بهذا اللفظ‌ في‌ المعني‌ المطلق‌ للإمام‌ والقدوة‌. كقوله‌ تعالي‌:

 وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَ جِنَا وَذُرِّيَّـ'تِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا. [1]

 لفظ‌ الإمام‌ في‌ هذه‌ الآية‌ يعود إلي‌ مطلق‌ المراد منه‌ هنا طبعاً مطلق‌ الإمام‌ الصالح‌.

 وقوله‌ تعالي‌: فَقَـ'تِلُو´ا أَنءِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لآ أَيْمَـ'نَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ.[2] واللفظ‌ هنا أيضاً يراد به‌ مطلق‌ الإمام‌، المقصود هنا مطلق‌ أئمّة‌ الكفر.

 وقوله‌ تعالي‌: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ.[3]

 ولفظه‌ في‌ هذه‌ الآية‌ يرتبط‌ بمطلق‌ الإمام‌ أيضاً ، سواء كان‌ إمام‌ الفجّار الذي‌ يسوق‌ الآثمين‌ إلي‌ النار يوم‌ القيامة‌، أم‌ إمام‌ الابرار الذي‌ يقود الصالحين‌ إلي‌ الجنّة‌ يومئذٍ.

 علماً أنّ لفظ‌ الإمام‌ قد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌ بمعني‌ الإمام‌ حسب‌ مصطـلح‌ الشـيعة‌ الإمامـيّة‌ أيضـاً، كقوله‌ تعالي‌: وَإِذِ ابْتَلَي‌'´ إِبْرَ هِــمَ رَبُّهُ و بِكَلِمَـ'تٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي‌ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن‌ ذُرِّيَّتِي‌ قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي‌ الظَّـ'لِمِينَ.[4]

 المراد من‌ لفظ‌ الإمام‌ هنا هو المعـني‌ الاخـصّ له‌. ولهذا لا يـنال‌ الظالمون‌ هذا المقام‌، وإلاّ فمن‌ الواضح‌ أنّهم‌ لا يحرزون‌ مقام‌ الإمامة‌ بمعناها المطلق‌ أيضاً.

 أجل‌، إنّ لفظ‌ الإمام‌ والإماميّة‌ في‌ عرف‌ الشيعة‌ هو خصوص‌ المعني‌ المعهود والمعروف‌، لا مطلقه‌، وإلاّ فلا معني‌ لإطلاق‌ الإماميّة‌ علي‌ الشيعة‌ الاثني‌ عشريّة‌. وكلّ جماعة‌ تتبع‌ مقتداها تُدعي‌ الإماميّة‌ حتماً كالحنابلة‌، والحنفيّة‌ ، والوهّابيّين‌ ، إذ إنّ لكلّ فرقة‌ من‌ هؤلاء إماماً . ولمّا كان‌ مقتدوهم‌ أبا حنيفة‌، أو أحمد بن‌ حنبل‌، أو محمّد بن‌ عبد الوهّاب‌، فلا جرم‌ أن‌ يقال‌ لهم‌: الإماميّة‌ أيضاً، ويكون‌ إطلاق‌ هذا اللفظ‌ عليهم‌ صحيحاً، في‌ حين‌ ليس‌ الامر كذلك‌.

 إنّ لفظ‌ الإماميّة‌ يطلق‌ علي‌ القائلين‌ بولاية‌ الائمّة‌ المعصومين‌ الاثني‌ عشر وإمارتهم‌. ويطلقه‌ عليهم‌ المؤرّخون‌ بما فيهم‌ مناوئوهم‌ كأحمد أمين‌ المصري‌ّ، والشهرستانيّ، وفريد وجدي‌، وابن‌ خلدون‌،[5] ومن‌ شابههم‌. فإنّ هؤلاء يرون‌ أنّ الإماميّة‌ اصطلاح‌ خاصّ لهذه‌ الجماعة‌ خاصّةً. وذكر كلّ منهم‌ فصلاً في‌ كتابه‌ حول‌ الإماميّة‌. وعقّبوه‌ بشرح‌ مشبع‌ يتناول‌ مزايا المذهب‌ الشيعيّ الإماميّ الاثني‌ عشريّ، أو الإسماعيليّ وآثارهما وأخبارهما وخصائصهما.

 ولهذا في‌ ضوء عقيدة‌ الشيعة‌ الاثني‌ عشريّة‌ المؤمنة‌ بحياة‌ الحجّة‌ عليه‌ السلام‌ وإمامته‌ لا يمكن‌ أن‌ نطلق‌ لقب‌ « الإمام‌ » علي‌ غيره‌. [6]

 الرجوع الي الفهرس

الالقاب‌ المختلفة‌ لمجتهدي‌ الشيعة‌ علي‌ مرّ التأريخ‌

 وفي‌ عرف‌ الشـيعة‌ يطـلق‌ علي‌ المجـتهدين‌ العظـام‌ أُولي‌ الفقاهة‌ والعدالة‌ الجامعين‌ للشرائط‌ ألقاب‌ نحو « نائب‌ الإمام‌ » وأمثاله‌. جاء في‌ مجلّة‌ « الحوزة‌ » :

 كان‌ المرحوم‌ الكلينيّ يُدعي‌ « ثقة‌ الإسلام‌ » ، لأنّه‌ كان‌ متبحّراً في‌ حفظ‌ آثار أهل‌ البيت‌ وأحاديثهم‌.

 وكان‌ كلٌّ من‌ الميرزا حسين‌ النوريّ، والشيخ‌ عبّاس‌ القمّي‌ّ يسمّي‌ « المحدِّث‌ » ، وأطلقوا علي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ « رئيس‌ المحدِّثين‌ » . ودُعي‌ المرحوم‌ السيّد محمّد مهدي‌ الطباطبائيّ « بحر العلوم‌ » لسعة‌ علمه‌ وغزارته‌. واشتهر المرحـوم‌ الحسـن‌ بن‌ يوسـف‌ الحلّي‌ّ بـ « العلاّمة‌ » لجامعـيّته‌ في‌ الكمالات‌ المختلفة‌ وغزارة‌ علمه‌ في‌ الفقه‌ والكلام‌.

 كما عُرف‌ المرحوم‌ الطبرسيّ صاحب‌ « مجمع‌ البيان‌ » بـ « أمين‌ الإسلام‌ »، والمرحوم‌ الاردبيليّ بـ « المقدّس‌ » ، والمرحوم‌ الشفتيّ بـ « حجّة‌ الإسلام‌ » ، والشـيخ‌ الطـوسـي‌ّ بـ « شـيخ‌ الطائـفة‌ » ، وصـاحـب‌ « الكـفاية‌ » بـ « الآخـوند » ، وأبو القاسم‌ نجـم‌ الدين‌ جعـفر بن‌ محمّد صاحب‌ « شرائـع‌ الإسلام‌ » بـ « المحـقّق‌ » بسـبب‌ دراسـاته‌ العميقة‌ ونفاذ بصـره‌ في‌ المسـائل‌ الفقهيّة‌.

 وألحق‌ العلماء الذين‌ كانوا يدركون‌ المستوي‌ العلميّ والإيمانيّ للمرحوم‌ الميرزا الشيرازيّ ألقاباً وأوصافاً باسمه‌ الشريف‌، بسبب‌ ما اتّصف‌ به‌ من‌ علم‌، وبصيرة‌، وتقوي‌، وما عرف‌ به‌ من‌ جهود سياسيّة‌. ويعبّر كلّ منها عن‌ بُعد من‌ أبعاد شخصيّته‌.

 1 ـ حجة‌ الإسلام‌ : كان‌ المرحوم‌ الملاّ أسد الله‌ البروجرديّ المتوفّي‌ سنة‌ 1270 ه، والملاّ محمّد النراقيّ، والمولي‌ محمّد تقي‌ المامقانيّ يتلقّبون‌ بهذا اللقب‌ قبل‌ المرحوم‌ السيّد محمّد باقر الشفتيّ البيدآبادي‌ أحد مراجع‌ إصفهان‌ الكبار.[7]

 ويُلحظ‌ أنّ أيّاً من‌ هؤلاء وأمثالهم‌ لم‌ يلقّب‌ بلقب‌ « الإمام‌ » ، حتّي‌ الشيخ‌ المفيد الذي‌ لا خلاف‌ عند الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ رئاسته‌ العلميّة‌ والكلاميّة‌ وزعامته‌، والشريف‌ المرتضي‌ والشريف‌ الرضيّ مع‌ زعامتهما الظاهريّة‌ ومنزلتهما عند السلاطين‌، وغزارة‌ علومهما، وتقواهما الفريدة‌، وعلوّ همّتهما وشهامتهما ومَنَعَتهما التي‌ استأثرا بها.

 الرجوع الي الفهرس

توصية‌ البعض‌ من‌ أُولي‌ البصيرة‌ بعدم‌ استعمال‌ لفظ‌ الإمام‌

 ومن‌ المناسب‌ أن‌ نذكر القصّة‌ الآتية‌ دعماً للموضوع‌ وتأكيداً له‌: الرسالة‌ الآتية‌ هي‌ الرسالة‌ التي‌ أرسلها لي‌ صديقي‌ العزيز المرحوم‌ حجّة‌ الإسلام‌ والمسلمين‌ صاحب‌ العلم‌ والتقوي‌ والشخصيّة‌ الميرزا حسن‌ النوري‌ الهمدانيّ رحمه‌ الله‌. وقد بعثها من‌ قم‌ إلي‌ مشهد استجابة‌ لطلبي‌، ووافتني‌ في‌ 27 ذي‌ القعدة‌ سنة‌ 1410 ه. علماً أنّه‌ كان‌ قد شافهـني‌ بمضـمونها ومحتواها بعد عودته‌ من‌ لندن‌ التي‌ أمضي‌ فيها مدّة‌ ممثّلاً للمرحوم‌ آية‌ الله‌ العظـمي‌ السـيّد محـمّد رضا الكلـبايـكاني‌ّ، [8] وكنـتُ يومـها في‌ طهـران‌ ولم‌ أُغادرها إلي‌ مشهد المقدّسة‌ بعد. وطلبت‌ منه‌ أن‌ يوافيني‌ بها تحريريّاً رغبة‌ منّي‌ في‌ ضبط‌ محتواها.

 ولمّا كانت‌ الثورة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إيران‌ قد انتصرت‌ في‌ ربيع‌ المولد سنة‌ 1399 ه، وبعد سنة‌ وشهـرين‌ غادرتُ طهـران‌ إلي‌ مشـهد، أي‌: في‌ 24 جمادي‌ الاُولي‌ سنة‌ 1400 ه، لهذا كانت‌ هذه‌ الواقعة‌ الواردة‌ في‌ رسالته‌ المرسـلة‌ في‌ شهر رمضان‌ قد حدثـت‌ في‌ شهر رمضان‌ من‌ السـنة‌ الاُولي‌ للثورة‌، أي‌: سنة‌ 1399 ه . وفيما يأتي‌ نصّ الرسالة‌:

 

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 يَا بَقيَّة‌ الله‌ أدْرِكنا

 عندما كنت‌ في‌ لندن‌ جاء ذات‌ يوم‌ مستخدم‌ البناية‌ التي‌ كنت‌ أعيش‌ فيها، وكان‌ الوقـت‌ رمضان‌، ويبـدو أنّه‌ اليوم‌ السـادس‌ عشـر منه‌، فقال‌ لي‌: جاء ثلاثة‌ أشخاص‌ وهم‌ يريدونك‌. فنزلت‌ إلي‌ الطابق‌ الارضي‌ّ حيث‌ صالة‌ الاستقبال‌ فرأيت‌ ثلاثة‌ فتيان‌، عمر أحدهم‌ 28 سنة‌ تقريباً، وعمر الآخرين‌ بين‌ 22 سنة‌ و 23 سنة‌.

 جلسنا للحديث‌. وكانت‌ آثار الصلاح‌ بادية‌ في‌ سيماهم‌. قالوا: جئنا لنأخذ منك‌ القرآن‌ حتّي‌ نقرأه‌، إذ لا يتوفّر في‌ مكتبات‌ البيع‌ والمطالعة‌ في‌ لندن‌. فقدّمت‌ لهم‌ ثلاثة‌ مصاحف‌، ثمّ ودّعوني‌ وذهبوا. وما أن‌ غادروا المكان‌ حتّي‌ رجع‌ أكبرهم‌ إلي‌ الباب‌ فقال‌: لنا لقاء بأبي‌ عبد الله‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ مساء غدٍ، فهل‌ لك‌ شغل‌ أو وصيّة‌ أو سؤال‌ ؟!

 قلتُ: كيف‌ يمكن‌ أن‌ يتمّ هذا اللقاء ؟!

 قال‌: أنت‌ تعلم‌. أُلقي‌َ في‌ روعنا أن‌ نقول‌ لك‌. وأراد أن‌ يرجع‌، فقلتُ له‌: إذا رغبتَ فاسأله‌ عن‌ ثورة‌ إيران‌ ( كانت‌ الثورة‌ في‌ سنينها الاُولي‌ ) وماذا سيحدث‌ ؟!

 قال‌: سألنا أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ ذلك‌ في‌ الاُسبوع‌ الماضي‌، فأسأل‌ عن‌ شي‌ء آخر !

 قلتُ: اسألوا عن‌ الوقت‌ الذي‌ يظهر فيه‌ وليّ العصر أرواحنا فداه‌ فإذا سألتم‌ فإنّي‌ آخذ بعين‌ الاعتبار موضوعاً أو موضوعين‌، فاسألوا عن‌ جواب‌ ذلك‌ ؟ ثمّ ذهبوا. وبعد أيّام‌ جاؤوا إلي‌ ذلك‌ المكان‌ وكنت‌ مشغولاً في‌ محاضرةٍ فرأيتهم‌، وأنهيت‌ محاضرتي‌ بسرعةٍ، وأقبلتُ عليهم‌. فبدأ الحديث‌ وسألتهم‌ عن‌ الاشياء التي‌ كنت‌ قد طلبتها منهم‌.

 قالوا: أمّا مسألة‌ الظهور، فكما جاء عنها في‌ الاخبار والاحاديث‌، واختيار ذلك‌ وعلمه‌ عند الله‌ تعالي‌. وأمّا الاسئلة‌ الاُخري‌ التي‌ كانت‌ علي‌ بالي‌، فقد أتوني‌ بأجوبة‌ مساعدة‌ عنها تقريباً.

 وقالوا لي‌: وأوصانا لكم‌ أن‌ لا تسمّوا السيّد الخمينيّ إماما، بل‌ سمّوه‌ نائـب‌ الإمام‌، هكذا كما يبدو. وأعطانا دعاءً موجـزاً نقـرأه‌، وذكر لنا موضوعاً آخر وأوصانا أن‌ نخبرك‌ به‌ ولا تخبر به‌ أحداً، وحكوه‌ لي‌.

 قلتُ: أنتم‌ ذكرتم‌ لي‌ أ نّكم‌ كنتم‌ قد سألتم‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ الثورة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إيران‌ ! فماذا قال‌ لكم‌؟!

 قالوا: قال‌ لنا: نحن‌ رفعنا راية‌ التوحيد أو راية‌ لا إله‌ إلاّ الله‌ ( الشكّ منّي‌ ) في‌ إيران‌، وسـيمرّ الشـعب‌ الإيـرانيّ بمحـنٍ وابتـلإات‌، فكـيف‌ يجتازها ؟

 قلتُ: ما هي‌ طبيعة‌ اتّصالكم‌ ؟! وكيف‌ تلتقون‌ بالإمام‌ ؟!

 قالوا: لنا أُستاذ يرتّب‌ لنا اللقاء، ويبلغنا بوقته‌. قلتُ: مثلاً كيف‌ ؟ وأين‌ هو ؟! فتلكّأوا ولم‌ يتكلّموا أكثر من‌ ذلك‌، أو قالوا: لا نستطيع‌ أن‌ نتكلّم‌.

 وعندما أرادوا الذهاب‌، قلتُ: متي‌ سيكون‌ موعدنا القادم‌ ؟!

 قالوا: لا ندري‌ ! فلسنا مختارين‌. ولو قيل‌ لنا: اذهبوا إلي‌ إفريقية‌ السوداء، لتحرّكنا فوراً، كما أنّ قدومنا إلي‌ لندن‌ لم‌ يكن‌ باختيارنا.

 وودّعوني‌ وذهبوا ولم‌ يرجعوا.

 هذا ما أذكره‌ من‌ اللقاء. والسلام‌ عليكم‌ ورحمة‌ الله‌ وبركاته‌. علماً أنّ أكبـرهم‌ سنّاً كان‌ يتحـدّث‌ معي‌ أكثر منـهم‌. أمّا الآخـران‌ فقـلّما كانا يتكلّمان‌.[9]

 الرجوع الي الفهرس

 مكيدة‌ المصريّين‌ في‌ تلقيب‌ كاشف‌ الغطاء بالإمام‌

أجل‌، لم‌ نعهد أحداً من‌ علماء الشيعة‌ قد تلقّب‌ بلقب‌ الإمام‌ إلاّ المرحـوم‌ المغـفور له‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الشـيخ‌ محمّد الحسـين‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء الذي‌ كان‌ من‌ المعاصرين‌ للطبقة‌ التي‌ سبقتني‌. ومع‌ أ نّي‌ لم‌ أدرس‌ عنده‌ في‌ النجف‌ الاشرف‌، بَيدَ أنّه‌ يعدّ في‌ طبقة‌ أساتذتي‌.

 كان‌ هذا الشيخ‌ نسيج‌ وحده‌ في‌ العربيّة‌ والادب‌ والفقه‌ والعرفان‌ والفلسفة‌ والتفسير والتأريخ‌ والكلام‌، وبخاصّة‌ في‌ الدفاع‌ عن‌ حريم‌ التشيّع‌. وكان‌ ذا قلم‌ قويّ ولسان‌ بليغ‌ في‌ الخطابة‌ والتدريس‌. وهو من‌ أحفاد مالك‌ الاشتر النخعي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ صاحب‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

 وكانـت‌ له‌ مدرسـة‌ مسـتقلّة‌ في‌ النجـف‌ الاشـرف‌، وانتـهت‌ إليه‌ المرجعيّة‌، إذ كان‌ يقلّده‌ كثير من‌ العرب‌ وقليل‌ من‌ العجم‌.

 وكان‌ مقدّماً علي‌ أترابه‌ في‌ الخطب‌ من‌ الدرجة‌ الاُولي‌ والمجالس‌ والمحافل‌ الدوريّة‌ للمسلمين‌، التي‌ كانت‌ تعقد تحت‌ عنوان‌ « الملتقي‌ » أو « الندوة‌ » . وله‌ مركز الصدارة‌ فيها. وكان‌ ذا كلام‌ مؤثّر وخدمات‌ جليلة‌ يُحتفي‌ بها.

 وجملة‌ القول‌، عندما شارك‌ في‌ أحد المجالس‌ المصريّة‌ لقّبه‌ المصريّون‌ بالإمام‌ علي‌ علم‌ وعمد منهم‌ لكسر هيبة‌ الإمام‌ وعظمته‌ وعصمته‌ عند الإماميّة‌. لقّبوه‌ بهذا اللقب‌ إذ كان‌ الشخص‌ الاوّل‌ والمرجع‌ التامّ لجميع‌ العرب‌، ولغته‌ الاُمّ هي‌ العربيّة‌. واحتفوا به‌ أحسن‌ حفاوةٍ وبذلوا قصاري‌ جهدهم‌ في‌ وسائل‌ الإعلام‌ من‌ أجل‌ إسماع‌ أهل‌ مصر وسائر البلدان‌ بخبر قدومه‌ إلي‌ مصر.

 وقد انطلت‌ عليه‌ مكيدة‌ علماء مصر إذ لم‌ يقصدوا من‌ تلقيبه‌ بالإمام‌ المعني‌ المطلق‌ الذي‌ يستعملونه‌ في‌ أكابرهم‌، بل‌ أرادوا الحطّ من‌ شأن‌ الإماميّة‌ والإمامة‌ عبر تلقيبه‌ بالإمام‌. وفي‌ السـنة‌ التي‌ تلتها ـ أو المرّة‌ التي‌ تلتها إذ عُقد ذلك‌ الملتقي‌ بمصر، دعا المصريّون‌ عالماً آخر مزيّفاً من‌ علماء النجف‌ الاشرف‌ وكان‌ معروفاً بعمالته‌ للنظام‌ الحاكم‌ يومئذٍ، وكان‌ من‌ طلاّب‌ الدنيا ولم‌ يتورّع‌ عن‌ الكذب‌، لكن‌ معلوماته‌ جيّدة‌ نوعاً ما، ومن‌ أهل‌ الحـوار، وكان‌ حسـن‌ اللسـان‌، وكان‌ أعجـميّاً. دعـوه‌ بوصـفه‌ عالماً شيعيّاً. فلبّي‌ الدعوة‌ وتوجّه‌ تلقاء مصر، فلقّبوه‌ بالإمام‌ ككاشف‌ الغطاء، ولم‌ يدّخروا وسعاً في‌ تكريمه‌ بلفظ‌ الإمام‌ حتّي‌ انتهت‌ مجالسهم‌ ومحافلهم‌.

 ودلّ الجميع‌ علي‌ أنّ هذا الرجل‌ الذي‌ لا حظّ له‌ من‌ العلم‌ والعمل‌ والتقوي‌ هو إمام‌ الشيعة‌. لذلك‌ فإنّ أئمّة‌ الشيعة‌ الوارد ذكرهم‌ في‌ التأريخ‌، والذين‌ يتبعهم‌ جميع‌ الشيعة‌ بوصفهم‌ المقتدين‌ المعصومين‌، من‌ أين‌ نعرف‌ أنّهم‌ ليسوا كهؤلاء الائمّة‌ ؟! كلّ ما في‌ الامر أنّهم‌ اتّخـذوا طابـع‌ الطهارة‌ والنزاهة‌ والعصمة‌ بسبب‌ بُعد الفترة‌ الزمنيّة‌. وعلي‌ تعبير العامّة‌: لم‌ يدخلوا الماء لكنّهم‌ سبّاحون‌ مؤهّلون‌.

 ونحن‌ نلحظ‌ عين‌ هذه‌ التهم‌ منسوبة‌ إلي‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ في‌ كلمات‌ أحمد أمين‌ المصريّ.

 وعلم‌ العارفون‌ أنّ المرحوم‌ كاشف‌ الغطاء قد أخطأ في‌ هذا الامر وباع‌ رسالته‌ بقبوله‌ لقب‌ « الإمام‌ » مع‌ فهمه‌ العميق‌ وذكائه‌ وبصيرته‌ النافذة‌. وأنّ ما كان‌ يدافع‌ عنه‌ في‌ كتبه‌ قد ذهب‌ أدراج‌ الرياح‌ بقبوله‌ إلصاق‌ هذا اللقب‌ به‌. وجعل‌ شخصيّته‌ مضاهية‌ لشخصيّة‌ الإمام‌ في‌ خضمّ تيّار الآراء والاهواء لشياطين‌ مصر السنّة‌.[10]

 ورأينا بعد كاشف‌ الغطاء أيضاً أنّ بعض‌ العلماء الذين‌ تصدّوا للمرجعيّة‌، وشيّدوا مدارس‌، زيّنوا مدارسهم‌ بلوحة‌ كتب‌ عليها « مدرسة‌ الإمام‌ » . وهنا يكون‌ ميدان‌ المسابقة‌ والمغالبة‌ طبعاً، فإنّ بعضهم‌ طبعوا رسائلهم‌ باسم‌ « الإمام‌ الاكبر » .

 والعجيب‌ أنّ لقب‌ « علم‌ الهدي‌ » الذي‌ عُرِف‌ به‌ الشريف‌ المرتضي‌ منحه‌ إيّاه‌ الإمام‌ المهديّ في‌ المنام‌، ولقب‌ « بحر العلوم‌ » الذي‌ اشتهر به‌ السيّد مهدي‌ الطباطبائيّ البروجرديّ منحه‌ إيّاه‌ أعاظم‌ زمانه‌. ومع‌ هذا لم‌ يُلَّقب‌ أيٌّ منهما بالإمام‌، مع‌ أنّهما كانا بلا شكّ إمامين‌ بالمعني‌ اللغويّ ولهما صدارة‌ محافل‌ العلم‌ ومجالس‌ التدريس‌.

 الرجوع الي الفهرس

اختصاص‌ لقب‌ «أُولي‌ الامر» بالمعصومين‌ عليهم‌ السلام‌

 إنّ إمامة‌ الإمام‌ حسب‌ منطق‌ الشيعة‌ تثبت‌ من‌ آية‌ أُولي‌ الامر التي‌ يستفاد منها العصمة‌ حتماً، بَيدَ أنّ السنّة‌ يسمّون‌ كلّ من‌ تقلّد زمام‌ الاُمور: وليّ الامر، سواء كان‌ معاوية‌، أم‌ يزيد، أم‌ فهد، أم‌ صدّام‌، أم‌ الحسن‌ الثاني‌، أم‌ حسين‌ الاردنيّ، ومهما كانت‌ أفعالهم‌ وانتهاكاتهم‌ ومظالمهم‌. ويرونه‌ واجب‌ الإطاعة‌ وفقاً لمفاد آية‌ أُولي‌ الامر. ولذا نلحظ‌ ضروب‌ الدمار التي‌ حدثت‌ وتحدث‌ من‌ هذا التفسير الخاطي‌.

 أمّا الشيعة‌ فإنّهم‌ يختصّون‌ هذه‌ الآية‌ بأهل‌ بيت‌ العصمة‌ باستدلال‌ متين‌ وبرهان‌ رصين‌ ويقولون‌: محال‌ علي‌ الله‌ أن‌ يأمر بطاعة‌ الوليّ الجائر والحاكم‌ الظالم‌.

 ويفرّق‌ الشيعة‌ بين‌ ولاية‌ النبيّ والائمّة‌ الطاهرين‌ عليهم‌ السلام‌ وبين‌ ولاية‌ الفقيه‌ العادل‌ الجامع‌ للشرائط‌، ويستهدون‌ بالقرآن‌ والسنّة‌ في‌ تحديد معيار كلّ منهما ونطاقه‌.

 إنّ منطق‌ الشيعة‌ هو أنّ في‌ الآية‌ المباركة‌ يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَطِيعُوا اللَهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ،[11] طاعة‌ الله‌ هي‌ طاعة‌ كتابه‌ والاحكام‌ العامّة‌ التي‌ أنزلها فيه‌ كوجوب‌ الصلاة‌. وطاعة‌ الرسول‌ هي‌ أوّلاً: طاعته‌ في‌ الاحكام‌ الجزئيّة‌ التي‌ يشرّعها مثل‌ كيفيّة‌ الصلاة‌ وعدد ركعاتها وشرائطها وموانعها. ثانياً: طاعته‌ في‌ أوامره‌ الولائيّة‌ المتعلّقة‌ بجماعة‌ المسلمين‌ وحكومتهم‌ كالامر بالجهاد.

 ولهذا لمّا كان‌ رسول‌ الله‌ لا يشرّع‌ الاحكام‌ الكلّيّة‌، وكان‌ ذلك‌ مختصّاً بالله‌ وحـده‌ فإنّ طاعة‌ الله‌ وطاعة‌ رسـوله‌ المشـرِّع‌ للاحـكام‌ الجـزئيّة‌ قد وردت‌ بتكرار لفظ‌ الطاعة‌، إذ جاء فيها: أطيعـوا الله‌، وأطيعـوا الرسول‌ ! وأمّا طاعة‌ أُولي‌ الامر فتتمثّل‌ في‌ الشؤون‌ الولائيّة‌ والاجتماعيّة‌ للمسلمين‌، إذ ليس‌ للائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ حق‌ التشريع‌ حتّي‌ في‌ الاُمور الجزئيّة‌، لكنّهم‌ لمّا كانوا يشتركون‌ مع‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ وجوب‌ إطاعة‌ الاوامر الولائيّة‌، فقد أوجب‌ الله‌ طاعتهم‌ مع‌ رسوله‌ في‌ سياق‌ واحد بلا تكرار للفظ‌ الإطاعة‌، وقال‌: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُمْ.

 هذا البحث‌ يدور حول‌ ولاية‌ رسول‌ الله‌ والائمّة‌ وحجمها.[12] أمّا بشأن‌ ولاية‌ الفقـيه‌، فلا دليل‌ لنا من‌ الآية‌ القرآنـيّة‌. وما ذُكر حـولها فهو مأخوذ من‌ الروايات‌. وذلك‌ كافٍ ووافٍ بحمد الله‌ ومنّه‌. وأهمّ هذه‌ الروايات‌ التي‌ تعدّ أساساً ومحوراً لسائر الروايات‌ هي‌ مقبولة‌ عمر بن‌ حنظلة‌ التي‌ يمكن‌ الاستهداء بها في‌ فصل‌ الخصومة‌، بل‌ في‌ سائر الاُمور الولائيّة‌ التي‌ تقع‌ علي‌ عاتق‌ الحاكم‌، ويتسنّي‌ لنا أن‌ نستنبط‌ منها أيضاً حُجّيّة‌ أوامر الفقيه‌ في‌ باب‌ القضاء والحكومة‌ والجهاد.

 بَيدَ أ نّنا ننبّه‌ علي‌ نقطتين‌ جديرتين‌ بالذكر: الاُولي‌: حكومة‌ الوليّ الفقيه‌ ليست‌ في‌ درجة‌ حكومة‌ الإمام‌ وولايته‌، إذ إنّ هذا النصب‌ هو من‌ جانب‌ الإمام‌، والمنصوب‌ يخضع‌ لولاية‌ الناصب‌ حتماً.

 قول‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ المقبولة‌ المذكورة‌ فَإنِّي‌ جَعَلْتُهُ حَاكِماً ، يدلّ علي‌ أنّ الوليّ الفقيه‌ منصوب‌ من‌ قبل‌ الإمام‌ المعصوم‌، وهو تحت‌ ولايته‌.

 الثانية‌: سعة‌ الاوامر الولائيّة‌ للوليّ الفقيه‌ وإن‌ كانت‌ في‌ نطاق‌ الاوامر الولائيّة‌ للإمام‌ المعصوم‌ وبمستواها، بَيدَ أنّ الخطأ جائز في‌ ولاية‌ الوليّ الفقيه‌، إذ إنّه‌ كغيره‌ من‌ عامّة‌ الناس‌ لا يتمتّع‌ بملكة‌ العصمة‌ والحصانة‌ من‌ الخطأ، فيجوز عليه‌ الخطأ. ويمكن‌ أن‌ يخطأ في‌ الاُمور الولائيّة‌، أو القضائيّة‌، أو الاستفتاءات‌. بَيدَ أنّ هذا الخطأ معفوّ عنه‌ إن‌ لم‌ ينطلق‌ عن‌ عمدٍ أو تهاون‌. فلا هو يعذّب‌ بعذاب‌ الله‌، ولا الناس‌ العاملون‌ برأيه‌.

 أمّا لو قصّر وأخطأ في‌ مقدّمات‌ استنتاج‌ الفتوي‌ فهو الذي‌ يُعاقَب‌، لا الناس‌.

 يقول‌ الشيعة‌: إنّ الإمامة‌ في‌ عصر غيبة‌ الإمام‌ تختصّ به‌، والوليّ الفقيه‌ تحت‌ ولايته‌، وليس‌ له‌ أن‌ يقوم‌ بعمل‌ من‌ عنده‌ تشريعيّاً أو تكوينيّاً. كما ليس‌ له‌ أن‌ يسمّي‌ نفسه‌ إماماً. وإذا ثبتت‌ نيابته‌ الخاصّة‌ فهو نائب‌ خاصّ، وإلاّ فهو نائب‌ عامّ.

 الرجوع الي الفهرس

الفقيه‌ غير معصوم‌ ورأيه‌ ليس‌ أبديّاً

 إنّ جميع‌ الفقهاء والمجتهدين‌ العظام‌ عند الشيعة‌ يجوز عليهم‌ الخطأ، أيّاً كان‌ منهم‌: الشريف‌ المرتضي‌ والشـيخ‌ المفيد، أو الشـيخ‌ الطوسيّ والعلاّمة‌ الحلّيّ، أو السيّد ابن‌ طاووس‌ والسيّد بحر العلوم‌.

 ولمّا كانوا يجوز عليهم‌ الخطأ، فحجّيّة‌ كلامهم‌ تنحصر في‌ زمان‌ حياتهم‌. والمجتهد وإن‌ كان‌ في‌ ذروة‌ العلم‌ والتحقيق‌ والحكمة‌ بإقرار جميع‌ الحاضرين‌ والغائبين‌ لكنّ كلامه‌ يسقط‌ من‌ الحجّيّة‌ بمجرّد موته‌، وبترك‌ الناس‌ تقليده‌. لإنّه‌ يجوز عليه‌ الخطأ. ولعلّ كلامه‌ خاطي‌، بَيدَ أنّ كلامه‌ الخاطي‌ هذا حجّة‌ علي‌ الناس‌ في‌ حياته‌، ذلك‌ أنّ الإمام‌ المعصوم‌ جعله‌ حجّة‌ في‌ حياته‌. لكن‌ لا نيابة‌ له‌ من‌ قبل‌ الإمام‌ بمجرّد موته‌، كما أنّ كلامه‌ يزول‌ بزوال‌ حياته‌.

 أمّا الإمام‌ المعصوم‌ فليس‌ كذلك‌، إذ إنّ كلامه‌ هو عين‌ الحقّ والواقع‌. لهذا يبقي‌ حيّاً ذا حجّيّة‌ بموته‌ كالآيات‌ القرآنيّة‌ فإنّها حيّة‌ دائماً وأبداً من‌ حيث‌ العصمة‌.

 كلام‌ النبيّ والإمام‌ حيّ وحجّة‌ سواء كانا حيّين‌ أم‌ ميّتين‌. وكلام‌ إمام‌ الزمان‌ حيّ وحجّة‌ سواء كان‌ حاضراً أم‌ غائباً.

 أمّا كلام‌ آية‌ الله‌ الخـمينيّ قدّس‌ سرّه‌ ورأيه‌ وأمره‌ وفتـواه‌ فليـس‌ كذلك‌، إذ يفقد كلامه‌ وفتاواه‌ درجة‌ الاعتبار بمجرّد موته‌. ويجب‌ علي‌ عامّة‌ الناس‌ الرجوع‌ فوراً إلي‌ المجتهد الحيّ الاعلم‌ الجامع‌ للشرائط‌ وأخذ الاحكام‌ والمسائل‌ منه‌، والخضوع‌ لاوامره‌ الولائيّة‌.

 وكما كان‌ أمره‌ في‌ حياته‌ بشأن‌ الحرب‌ والسلم‌ تابعاً لذلك‌ الزمان‌، فكذلك‌ فتاواه‌ وآراؤه‌. فهل‌ من‌ المعقول‌ أن‌ يقول‌ أحد: لمّا كان‌ السيّد الخمينيّ شجاعاً بصيراً عارفاً بأُمور الناس‌ والمسلمين‌، وأمر بالحرب‌، فعلي‌ الناس‌ أن‌ يحاربوا بعد وفاته‌ أيضاً ؟!

 أجل‌، ذلك‌ الرجل‌ العظيم‌ الشأن‌ ليس‌ معصوماً عند الشيعة‌، ويجوز عليه‌ الخطأ كغيره‌ من‌ المجتهدين‌. ولمّا كان‌ مقرّاً ومعترفاً بإمام‌ العصر والزمان‌ عجّل‌ الله‌ تعالي‌ فرجه‌ الشريف‌ فهو مقرّ ومعترف‌ بوجود الإمام‌ الذي‌ هو حيّ وغائب‌ الآن‌. وحينئذٍ كيف‌ يرضي‌ أن‌ يتلقّب‌ بلقب‌ الإمام‌، ويتلقّي‌ ذلك‌ بقبول‌ حسن‌، ويستسيغه‌ منذ أوّل‌ نشيد قُري‌ عند استقباله‌ في‌ مطار مهرآباد بطهران‌ ( خميني‌ أي‌ إمام‌ ) ( = الخمينيّ، أيّها الإمام‌ !) حتّي‌ آخر لحظة‌ من‌ حياته‌ ؟!

 هل‌ كان‌ ذلك‌ بسبب‌ تصدّيه‌ لحكومة‌ المسلمين‌، فهو إمام‌ المسلمين‌ ؟ وهذا لا ينسجم‌ مع‌ منطق‌ الشيعة‌ وحياة‌ إمام‌ العصر والزمان‌ الذي‌ له‌ سيطرة‌ وولاية‌ عليه‌ وعلي‌ الجميع‌.

 هل‌ كان‌ ذلك‌ لانّ ولاية‌ الفقيه‌ عنده‌ كولاية‌ الإمام‌ بعينها ؟ وعلي‌ فرض‌ قبول‌ هذه‌ النقطة‌، فلا يتمّ رضاه‌ بعنوان‌ الإمام‌ في‌ مقابل‌ إمام‌ العصر والزمان‌، ووجوده‌ والاستمداد من‌ فيوضاته‌ الظاهريّة‌ والباطنيّة‌. وماذا يضرّ لو كانت‌ ولاية‌ الوليّ الفقيه‌ كولاية‌ الإمام‌ في‌ حجمها وسعتها ونطاق‌ حكومة‌ الوليّ المذكور، لكنّه‌ مع‌ ذلك‌ يكون‌ نائبه‌، لا هو بذاته‌ ؟! وهل‌ من‌ المحال‌ أن‌ تكون‌ نيابة‌ النائب‌ بقدر سلطة‌ المنوب‌ عنه‌ ؟!

 هل‌ كان‌ ذلك‌ لانّ المقصود من‌ الإمام‌ هو المعني‌ اللغويّ ومطلق‌ الزعيم‌، لا الإمام‌ الاصل‌ ؟ وهذا يُستبعد من‌ شخص‌ خبير بصير فقيه‌ حكيم‌ متأ لّه‌ مطّلع‌ علي‌ جميع‌ الاُمور والاحداث‌. وهل‌ كانت‌ الالقاب‌ الاُخري‌ الدالّة‌ علي‌ زعامته‌ المطلقة‌ كقائد الثورة‌ الإسلاميّة‌ الكبير، ومؤسّس‌ الجمهوريّة‌ الإسلاميّة‌ في‌ إيران‌ ، وأعلي‌ مقام‌ الاجتهاد والولاية‌، وأمثال‌ ذلك‌ قليلة‌ حتّي‌ يُختار لقب‌ الإمام‌ من‌ بين‌ تلك‌ الالقاب‌ جميعها ؟!

 وصفوة‌ القول‌ أ نّنا لم‌ نقف‌ لحدّ الآن‌ علي‌ سرّ هذا الامر وحقيقته‌. لكنّا لمّا كنّا في‌ صدد التعريف‌ بالمدرسة‌ الشـيعيّة‌، فلا يمكن‌ أن‌ نتـجاوز هذا الموضوع‌ ونهمله‌.

 ولو تغاضينا عن‌ إطلاق‌ لفظ‌ الإمام‌ في‌ حياة‌ ذلك‌ المرحوم‌، لكنّنا كيف‌ نتغاضي‌ عمّن‌ يريد أن‌ يستغلّ هذا اللقب‌ بعد مماته‌، ويُضفي‌ علي‌ كلامه‌ صبغة‌ الابديّة‌، ويخلّد فتاواه‌ وآراءه‌.

 هذا التوجّه‌ خاطي‌. أجل‌، إذا أرادوا أن‌ يكتبوا ويتحدّثوا عن‌ جرأته‌ وشجاعته‌ وعلوّ همّته‌ واستقلاله‌ الفكري‌ّ وتفانيه‌ ونكران‌ ذاته‌ وبُعد نظره‌ وأمثال‌ ذلك‌ فليكتبوا وليتحدّثوا ما شاؤوا فهو قليل‌ بحقّه‌. فلقد كان‌ رحمه‌ الله‌ قدوة‌ وأُسوة‌ في‌ هذه‌ الاُمور حقّاً وحقيقة‌. أمّا لا يمكن‌ إضفاء صبغة‌ الابديّة‌ علي‌ فتاواه‌ كفتواه‌ في‌ حلّيّة‌ الشطرنج‌، وحرّيّة‌ الموسيقي‌ المبتذلة‌ المسموعة‌ من‌ الإذاعة‌ والإذاعة‌ المرئيّة‌ وغيرهما. فهذا سدٌّ لباب‌ الاجتهاد. ونكون‌ كالسنّة‌ حتّي‌ يبلغ‌ الامر في‌ آخر المطاف‌ ما بلغ‌ عند الوهّابيّة‌. إنّ آية‌ الله‌ الخمينيّ يجوز عليه‌ الخطأ. وفي‌ فتاواه‌ الصحيح‌ والسقيم‌. وهو مأجور في‌ صحيحه‌، وأمره‌ إلي‌ الله‌ في‌ سقيمه‌. وليس‌ لنا أن‌ نضفي‌ طابع‌ الابديّة‌ علي‌ فتواه‌، فنستند إليها إلي‌ يوم‌ القيامة‌ كاستنادنا إلي‌ رأي‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ الذي‌ هو عِدل‌ الكتاب‌.

 لقد كانت‌ لي‌ سوابق‌ متألّقة‌ مع‌ ذلك‌ المرحوم‌، ولم‌ آل‌ جهداً في‌ إراءة‌ الطريق‌ والنصيحة‌ له‌ في‌ حياته‌، كما أ نّي‌ أنظر إليه‌ بنظرة‌ الإعجاب‌ في‌ مماته‌، وأدعو له‌ بالعفو والغفران‌ والخير، وأقول‌ في‌ قنوتي‌:

 رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَ نِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَـ'نِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي‌ قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. [13]

 أنا لحـدّ الآن‌ لم‌ أُطلـق‌ علي‌ سماحـته‌ لقـب‌ الإمام‌ في‌ المجالـس‌ والمحافل‌، لا تكبّراً علي‌ مقامه‌ المنيع‌ الرفيع‌، بل‌ مراعاةً لآداب‌ المذهب‌. لكنّي‌ استعملتُ اللقب‌ المذكور في‌ ثلاث‌ رسائل‌ كتبتها إليه‌، وكانت‌ مليئة‌ بالالقاب‌ التي‌ تليق‌ به‌، مع‌ ذلك‌ أُخبرت‌ أنّ الرسائل‌ لا تُقبل‌ إلاّ بذكر كلمة‌ الإمام‌، فألحقتها بها.[14]

 الرجوع الي الفهرس

رسالة‌ انتقاديّة‌ لكتاب‌ «وظيفة‌ الفرد المسلم‌...»

 ومنذ الايّام‌ الاُولي‌ للعزاء المعقود بعد وفاته‌ تحدّثت‌ لطلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ الاعزّاء في‌ مشهد عن‌ روابطي‌ المهمّة‌ والحسّاسة‌ به‌ في‌ تأسيس‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ وذلك‌ علي‌ شكل‌ دروس‌ ألقيتها في‌ ستّ جلسات‌. ثمّ صدرت‌ هذه‌ الدروس‌ تحت‌ عنوان‌ «وظيفة‌ الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام‌».

 وقد أثنيتُ علي‌ مواقفه‌ الحسّاسة‌ في‌ هذا الكتاب‌ غاية‌ الثناء، ولم‌ أذكر فيه‌ لقب‌ الإمام‌، بل‌ أشرتُ إلي‌ بعض‌ أخطائه‌ في‌ هذا الطريق‌ الذي‌ كنّا فيه‌ معاً منذ قديم‌ الايّام‌. علماً أ نّي‌ لم‌ أقصد تبيان‌ الخطأ، بل‌ تبيان‌ التأريخ‌، إذ إنّ هذه‌ الدروس‌ قد أُلقيت‌ علي‌ شكل‌ سردٍ تأريخيّ متسلسل‌. ومن‌ الطبيعيّ أنّ تبيان‌ بعض‌ الالفاظ‌ كان‌ يستلزم‌ هذا المعني‌.

 وأرسلتُ نسخة‌ من‌ الكتاب‌ المذكور إلي‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الخامنئي‌ّ، لا نّي‌ كنتُ قد سمعتُ أنّه‌ ينتظر مطالعته‌، وكذلك‌ أرسلتُ نسخاً متعدّدة‌ منه‌ للاصدقاء التوّاقين‌ إلي‌ فهم‌ الواجب‌ بعد وفاة‌ ذلك‌ الرجل‌ الكبير. علماً أنّهم‌ كانوا من‌ معارفي‌. كما أرسلتُ نسخة‌ منه‌ إلي‌ أحد أرحامي‌ القريبين‌ الذي‌ يتمتّع‌ بمنزلة‌ علميّة‌، وكان‌ يتفاني‌ معنا بصدقٍ قبل‌ الثورة‌ من‌ أجل‌ تأسيس‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌. وبعد الثورة‌ كان‌ سبّاقاً في‌ وضع‌ الحجر الاساس‌ لها ورفع‌ المحن‌ عنها، وتصدّي‌ لبعض‌ المهامّ الرسميّة‌، وكان‌ يدرّس‌ أحياناً، وهو الآن‌ عضو في‌ مجلس‌ الشوري‌ الإسلامي‌ّ.

 ولعلّ الكتاب‌ المذكور غير صحيح‌ عند البعض‌ الذين‌ ينظرون‌ من‌ زاوية‌ واحدة‌ وقد عاتبوني‌ هاتفيّاً، بخاصّة‌ اثنان‌ من‌ الاحبّة‌ من‌ علماء شيراز. وكان‌ مثيراً للسؤال‌ عند البعض‌ إجمالاً، إذ ما هو الباعث‌ علي‌ صدور الكتاب‌ بعد وفاة‌ ذلك‌ القائد مباشرة‌ ؟ بَيدَ أنّ من‌ يعرفني‌ ويفهم‌ منهجي‌ يعلم‌ أنّ ذلك‌ الكتاب‌ لم‌ يكن‌ إلاّ لتبيان‌ التأريخ‌ الصحيح‌، وبيان‌ المهمّة‌ الحاليّة‌ التي‌ تقع‌ علي‌ عاتق‌ عامّة‌ الناس‌ بعد تلك‌ الحادثة‌ المؤلمة‌ والكارثة‌ المؤسفة‌.

 وراسلني‌ ذلك‌ القريب‌ المحترم‌ سريعاً برسالة‌ ذكر فيها ما وقف‌ عليه‌ من‌ إشكالات‌ ونقاط‌ ضعف‌، علماً أنّه‌ أثني‌ علي‌ أصل‌ الكتاب‌، وأجبته‌ في‌ حينها.

 ولمّا كانت‌ الرسالة‌ وجوابها ليسا خاصّين‌، بل‌ هما عبارة‌ عن‌ إشكال‌ ورفع‌ لذلك‌ الإشكال‌، لذا ينبغي‌ الاطّلاع‌ عليهما ومطالعتهما كأصل‌ كتاب‌ « وظيفة‌ الفرد المسلم‌... » ، وكنت‌ قد اكتفيت‌ برسالتي‌ في‌ جواب‌ الهاتف‌ الذي‌ وافاني‌ به‌ ذانك‌ العالمان‌ الشيرازيّان‌، لذلك‌ من‌ المناسب‌ أن‌ أنقل‌ فيما يأتي‌ نصّ الرسالة‌ وجوابها بلا أدني‌ تغيير:

 

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 العلاّمة‌ آية‌ الله‌ السيّد محمّد الحسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ دامت‌ بركاته‌. السيّد الكريم‌ المكرّم‌ سلام‌ عليكم‌، سلام‌ الله‌ ورحمته‌ وبركاته‌ المتتابعة‌ عليكم‌.

 طالعتُ كتابكم‌ الموسوم‌ « وظيفه‌ فرد مسلمان‌ در احياي‌ حكومت‌ إسلام‌ » ( = « وظيفة‌ الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام‌ ») بدقّة‌ واستفدتُ منه‌. وَلَكُمُ السَّبْقُ وَلَكُمُ الشُّكْرُ وَالاَجْرُ. وحقيق‌ بهذا الكتاب‌ أن‌ يكون‌ من‌ أفضل‌ وثائق‌ الثورة‌، فينوّر أفكار الجيل‌ المعاصر والاجيال‌ القادمة‌ ويُطلعها علي‌ المشاقّ والمحن‌ التي‌ مرّت‌ علي‌ الثورة‌. بَيدَ أ نّي‌ لاحظتُ فيه‌ نقاطاً قلّلت‌ من‌ قيمته‌، وكان‌ حريّاً بالمؤلّف‌ المحترم‌ أن‌ يتناولها بالحديث‌:

 1 ـ أعتقد من‌ وحي‌ حبّي‌ وودّي‌ القديم‌ لكم‌ أ نّكم‌ قد أصبتم‌ في‌ قولكم‌ « يشهد الله‌ أ نّي‌ ما كتبت‌ شيئاً إلاّ وهدفي‌ المقدّس‌ هو عظمة‌ الإسلام‌ وإحقاق‌ الحقّ والدفاع‌ عن‌ حقوق‌ المظلوم‌ وإبراز الحقيقة‌ » . ( ص‌ 155 ) .

 وتعتقدون‌ بحقّ « أنّ لحاكم‌ المسلمين‌ مزايا ومواصفات‌. وبمجرّد وصف‌ الشخص‌ بأنّه‌ حاكم‌ إسلاميّ، تتغيّر المهمّة‌ الإلهيّة‌، وتكون‌ الدقّة‌ في‌ العمل‌، وينبغي‌ احترامه‌، وتجب‌ طاعته‌ واتّباع‌ أمره‌ » ( ص‌ 170 ) .

 « أي‌ : أمره‌ أمر الله‌ ، وأمر رسول‌ الله‌ ، واحترامه‌ وإعزازه‌ أيضاً احترام‌ رسول‌ الله‌ وإعزازه‌، ولا يجوز التخلّف‌ عن‌ ذلك‌ » .

 2 ـ من‌ هنا كان‌ حقيقاً بكم‌ في‌ كتاباتكم‌ عند ذكر سماحة‌ قائد الثورة‌ الكبير أن‌ تذكروه‌ بتعظيم‌ وتبجيل‌ وافيين‌، وتراعوا احترامه‌ وإعزازه‌ المفروض‌، فلا يشعر القاري‌ غير المطّلع‌ بوجود امتهانٍ له‌ أو عدم‌ اكتراث‌ به‌.

 بخاصّة‌ في‌ النصّ الوارد بشـأن‌ الشـيخ‌ حسـن‌ سعيد دامـت‌ معاليه‌ والمذكور لاحد المراجع‌ الماضين‌ « سماحة‌ آية‌ الله‌ البروجرديّ » ، وتقدّر خدماته‌ وتُشكَر بإضافة‌ كلمة‌ « سماحة‌ » ، فمن‌ اللائق‌ أن‌ تذكر كلمات‌ التقدير والشكر أضعافاً مضاعفة‌ لقائد الثورة‌ الإسلاميّة‌ الكبير والمرجع‌ الشجاع‌ العظيم‌. ويُلحظ‌ هذا التقدير والخضوع‌ والطّاعة‌ والاحترام‌ عند ذكر اسمه‌ المقدّس‌.

 3 ـ اعترضتم‌ علي‌ الشاه‌ المقبور أنّه‌: لم‌ يطلق‌ عبارة‌ « آية‌ الله‌ » علي‌ العلماء، بل‌ أطلق‌ عبارة‌ « حجّة‌ الإسلام‌ » ... وهذا الاعتراض‌ سديد وممدوح‌. وعندما يرفض‌ العرف‌ استعمال‌ مثل‌ هذه‌ الالقاب‌ ويري‌ فيها ازدراءً وامتهاناً، فهل‌ يجدر بكم‌ في‌ هذا النصّ الثمين‌ أن‌ تذكروا اسم‌ قائد الثورة‌ الكبير في‌ مصافّ أسماء تلامذته‌ كآية‌ الله‌ الآذريّ وآية‌ الله‌ اليزديّ بمستوي‌ واحد ؟!

 4 ـ إنّ حذف‌ الكلمات‌ التشريفيّة‌ نحو « الإمام‌ » و « إمام‌ الاُمّة‌ » التي‌ ألفها العرف‌ وتداولتها الالسن‌ يعتبر إهانة‌ له‌ في‌ منظار محبّيه‌ ومواليه‌، بخاصّة‌ أنتم‌ ذكرتم‌ « الإمامة‌ والإمارة‌ » مترادفتين‌ في‌ هذا الكتاب‌. ( ص‌ 169 ) .

 وعندما يُطلق‌ علي‌ المتقدّم‌ الذي‌ يؤمّ المصلّين‌ إمام‌ الجماعة‌، فَلِمَ لا يمكننا أن‌ نطلق‌ علي‌ مثل‌ هذا القائد الشجاع‌ المقدام‌ إمام‌ الاُمّة‌ ؟!

 5 ـ كنتم‌ وما زلتم‌ تعتقدون‌ بحقّ « أنّ الإسلام‌ قد تجسّد في‌ شخصه‌ » ( ص‌ 93 ) ، وأنّ أيّ مسّ لهذا الوجه‌ المتألّق‌ مسّ للإسلام‌ والمسلمين‌. لكنّكم‌ عملتم‌ خلاف‌ عقيدتكم‌ ورأيكم‌، وخلاف‌ حرصكم‌ علي‌ الكتمان‌ مراعاةً لحرمة‌ بعض‌ الاشخاص‌. ولم‌ تصرّحوا باسمه‌ وقلتم‌: « أحد علماء طهران‌ المعروفين‌ » و « بعد اللّتيّا والتي‌ » ( ص‌ 89 ) ... وسردتم‌ مسائلَ يُشمّ منها هتك‌ لحرمة‌ القائد وولايته‌ عمداً أو سهواً. ( ص‌ 89 ) . مثلاً قلتم‌: إنّه‌ قال‌: « لقد زللنا في‌ هذا الطريق‌ » . وقلتم‌ في‌ بياناته‌ الاُولي‌ ( ص‌ 93 ) : « لكن‌ وردت‌ فيها موضوعات‌ لا تخلو من‌ إشكال‌ » ونقاط‌ أُخري‌ غيرها ... ( ص‌ 55 ) . ومن‌ الطبيعيّ أنّ تبيان‌ هذه‌ المسائل‌ والتذكير والنصيحة‌ أُمور ضروريّة‌، بَيدَ أن‌ نشرها في‌ كتاب‌ من‌ قبل‌ ثقةٍ أمثالكم‌ ـ بعد تسنّمه‌ القيادة‌ سيكون‌ حربة‌ بِيَدِ الاعداء، وسيستفيد منه‌ أعداء الدين‌ قبل‌ أوليائه‌ ! أليست‌ النصيحة‌ أمام‌ الملا تقريعاً ؟!

 6 ـ بشأن‌ « طَيِّب‌ » ] اسم‌ شخص‌ [ الذي‌ غسل‌ عاره‌ وطهّر ماضيه‌ بدم‌ استشهاده‌ وشهامته‌، لا يبدو مستحسناً أن‌ تفضحوه‌ وتكشفوا سوابقه‌ بألفاظٍ من‌ قبيل‌ قولكم‌: « كان‌ طيّب‌ شرّير طهران‌ الشاذّ ( ص‌ 83 )» . و « كان‌ طيّب‌ الاوّل‌ في‌ كلّ سيّئة‌ تتصوّرونها » ... ( ص‌ 85 ) .

 وأنا أتذكّر أ نّكم‌ كنتم‌ تقولون‌ علي‌ المنبر: إنّ الله‌ يكتم‌ سيّئة‌ عبده‌ حتّي‌ علي‌ نبيّه‌ فلا يعلم‌ بها. ومضافاً إلي‌ ذلك‌ أ نّي‌ لنا أن‌ نعلم‌ بأنّ « طيّب‌ » كان‌ الاوّل‌ في‌ كلّ سيّئة‌ ؟!

 7 ـ تحدّثتم‌ جيّداً حول‌ قيادة‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الخامنئيّ الذي‌ شهد خبراء الاُمّة‌ باجتهاده‌. وأدّيتم‌ ما عليكم‌ بضرورة‌ اتّباع‌ الوليّ الفقيه‌ من‌ خلال‌ تلك‌ الإشارات‌ الموجزة‌ المعبّرة‌، وأحسنتم‌ وأجدتم‌ في‌ ذلك‌.

 لكن‌ لمّا كانت‌ ولاية‌ الفقيه‌ والوليّ الفقيه‌ ركن‌ الحكومة‌ الإسلاميّة‌ ومحورها وكان‌ إعزاز الوليّ الفقيه‌ وإكرامه‌ هو إعزاز لامير المؤمنين‌ علي‌ّ ابن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ وإكرام‌ له‌، فمن‌ المناسب‌ أن‌ تذكروا اسمه‌ ـ وهو المتولّي‌ لشؤون‌ القيادة‌ بتشريف‌ وتفخيم‌ أكثر، وتستندوا إلي‌ كلمات‌ فقيدنا الإمام‌ الراحل‌ بحقّه‌.

 8 ـ يتسنّي‌ لنا أن‌ نقول‌ بكلّ ثقة‌ واطمئنان‌: إنّ هذا الكتاب‌ من‌ أفضل‌ وثائق‌ الثورة‌ الإسلاميّة‌ بعد تدارك‌ الملاحظات‌ السابقة‌ وأمثالها. وبعد هذا التلافي‌ يمـكن‌ أن‌ يكون‌ مشـعلاً وهّاجاً ينـير الطريق‌ للمسـلمين‌ ليقيـموا حكومة‌ إسلاميّة‌ من‌ خلال‌ جهودهم‌ المتواصلة‌.

 9 ـ لقد عرضتم‌ هذه‌ الاُمور استنارةً بحديث‌ شريف‌ ذكرتَه‌ في‌ آخر الكتاب‌ وهو يُلزم‌ بالنصيحة‌ لائمّة‌ المسلمين‌.

 في‌ الختام‌ أدعو الله‌ تعالي‌ لكم‌ بدوام‌ التوفيق‌ ومزيد العزّة‌ والكرامة‌ في‌ الدنيا والآخرة‌ إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.[15]

 التوقيع‌ بالاسم‌ المعروف‌

 التوقيع‌ بالاسم‌ الموجود في‌ الجنسيّة‌

 16 رمضان‌ المبارك‌ سنة‌ 1410 ه. ق‌.

 الرجوع الي الفهرس

الردّ علي‌ الانتقاد

 وأمّا الجواب‌:

بسم‌ الله‌ الرحمن‌ الرحيم‌

 وصلّي‌ الله‌ علي‌ سيّدنا محمّد وآله‌ الطيّبين‌ الطاهرين‌، ولعنة‌ الله‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌.

 جناب‌ المكرّم‌ المبجّل‌ سيّد الفضلاء العِظام‌ فخر العشيرة‌ الفخام‌... دامت‌ معاليه‌.

 السلام‌ عليكم‌ ورحمة‌ الله‌ وبركاته‌.

 أدام‌ الله‌ سبحانه‌ توفيقكم‌ وتسديدكم‌ وأنعم‌ عليكم‌ بطي‌ّ مراقي‌ العلم‌ والعمل‌ والارتواء من‌ منهل‌ العلم‌ والعرفان‌ كما ترومون‌. وافتني‌ رسالتكم‌ الكريمة‌ واطّلعتُ علي‌ ما فيها. وكانت‌ نقداً وتحليلاً لكتاب‌ « وظيفه‌ فرد مسـلمان‌ در احياي‌ حكـومت‌ اسلام‌ » ( = « وظيفة‌ الفرد المسـلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام‌ ») . الذي‌ أهديناكموه‌ وطالعتموه‌.

 ومجمل‌ ما أقوله‌ في‌ دفع‌ الشبهات‌:

 لقد تضمّن‌ كتابي‌ المذكور تكريماً وافياً للفقيد سماحة‌ آية‌ الله‌ الخمينيّ قدّس‌ سرّه‌. وعتابكم‌ عَلَيَّ أ نّي‌ لم‌ أستعمل‌ كلمة‌ « الإمام‌ » أو « إمام‌ الاُمّة‌ » وهي‌ كلمة‌ غير صحيحة‌.

 الرجوع الي الفهرس

استدلال‌ خاطي‌ علي‌ جواز التلقيب‌ بالإمام‌

 إذا جاز استعمال‌ كلمة‌ « الإمام‌ » لغويّاً، فهي‌ عند الشيعة‌ منحصرة‌ اصطلاحاً بالائمّة‌ الاثني‌ عشر أُولي‌ العصمة‌ المنصوبين‌ بالنصّ النبوي‌ّ. فلهذا تسمّي‌ هذه‌ الطائفة‌ من‌ الشيعة‌ بالإماميّة‌، وإلاّ فإنّ إطلاق‌ الإماميّة‌ عليهم‌ كان‌ لغواً. وينبغي‌ أن‌ يكون‌ كلّ طائفة‌ إماميّة‌ لوجود الإمام‌ فيها.

 وقد اعترف‌ بهذا مخالفونا كأحمد أمين‌ المصـري‌ّ الذي‌ ذكـره‌ في‌ كتبه‌. وأُطلق‌ لفظ‌ « الإمام‌ » في‌ الروايات‌ المأثورة‌ عن‌ الائمّة‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌ علي‌ الائمّة‌ الاثني‌ عشر فحسب‌ علي‌ عكس‌ الإمام‌ المضاف‌ مثل‌ إمام‌ الجماعة‌، وإمام‌ الجيش‌، وهو بمعناه‌ اللغويّ لا الاصطلاحيّ.

 ولدينا ألفاظ‌ كثيرة‌ عدلت‌ في‌ الاصطلاح‌ عن‌ معناها اللغويّ وحُرِّم‌ استعمالها في‌ غير معناها الاصطلاحيّ كلفظ‌ « أمير المؤمنين‌ » الذي‌ يمكن‌ إطلاقه‌ لغة‌ علي‌ كلّ من‌ كانت‌ له‌ إمارة‌ علي‌ المؤمنين‌، أمّا اصطلاحاً ( وواضعه‌ رسول‌ الله‌ نفسه‌) فيحرم‌ إطلاقه‌ حتّي‌ علي‌ الائمّة‌ الطاهرين‌ بما فيهم‌ بقيّة‌ الله‌ في‌ الارضين‌ ( الإمام‌ المهدي‌ّ عليه‌ السلام‌ ) ، إذ هو من‌ الالقاب‌ الخاصّـة‌ بعلي‌ّ بن‌ أبـي‌ طالـب‌ عليه‌ أفضـل‌ الصلاة‌ والسـلام‌. وكذلـك‌ لفظ‌ « بقيّة‌ الله‌ » ، و « المهدي‌ّ » ، و « صاحب‌ الزمان‌ » فلا يحظر إطلاقها علي‌ المتّصف‌ بها، أمّا في‌ اصطـلاح‌ الإمامـيّة‌ والشـيعة‌ الذين‌ أخـذوا مذهبـهم‌ من‌ الائمّة‌ فلا يجوز إطلاقها إلاّ علي‌ الإمام‌ المهدي‌ّ عليه‌ السلام‌.

 وتحدّثـتُ عن‌ هذا الموضـوع‌ في‌ أجـزاء من‌ كتابي‌ « معرفة‌ الإمام‌ » بخاصّة‌ في‌ الجزء الاوّل‌ موجزاً، وفي‌ الجزء الرابع‌ عشر مفصّلاً.

 علينا لا سمح‌ الله‌ ألاّ نضحّي‌ بالحقائق‌ في‌ سبيل‌ أهوائنا ونزواتنا وإلاّ فقد خسرنا بلا مبرّر، وبعنا رسالتنا بلا عوض‌. كُلُّ شَي‌ءٍ جَاوَزَ عَنْ حَدِّهِ انْعَكَسَ إلَي‌ ضِدِّهِ.

 ويري‌ المذهب‌ الشيعيّ الإماميّ الاثني‌ عشريّ أنّ إمام‌ العصر والزمان‌ إمام‌ وهو حيّ يُرزق‌. ولا يجتمع‌ سيفان‌ في‌ غمدٍ واحدٍ. وسنخجل‌ أمامَ الإمام‌ الحيّ الذي‌ نراه‌ إماماً منذ عصر النبيّ إلي‌ الآن‌ لكنّا نعرض‌ عنه‌ وندعه‌ جانباً لا سمح‌ الله‌ في‌ العمل‌، ونلصق‌ بأنفسنا عنوانه‌ الخاصّ به‌.

 وجاء إتباع‌ لفظ‌ الإمارة‌ للإمامة‌ في‌ كلامي‌ الدائر حول‌ لزوم‌ البيعة‌، في‌ بحث‌ إمامة‌ الإمام‌ المعصوم‌ ـ والإمارة‌ شرط‌ للإمامة‌ طبعاً ـ لا في‌ بحث‌ ولاية‌ الوليّ الفقـيه‌ وحكومـته‌. وصِدْقُ عنـوان‌ الحكـومة‌ والإمارة‌ هنـاك‌ لا يستلزم‌ صِدق‌ عنوان‌ الإمامة‌. وإلاّ فلا معني‌ لفصل‌ البحث‌ تارةً بوصفه‌ بيعة‌ الإمام‌، وأُخري‌ بوصفه‌ بيعة‌ الوليّ الفقيه‌، ويُختم‌ كلّه‌ في‌ لزوم‌ بيعة‌ حاكم‌ الشرع‌.

 وتحدّث‌ الدكتور حسن‌ روحاني‌ مرّةً في‌ مجلس‌ فاتحة‌ أُقيم‌ بمناسبة‌ استشهاد المرحوم‌ السيّد مصطفي‌ الخمينيّ زاده‌ الله‌ علوّاً ومرتبة‌ فاستدلّ بالآية‌ الكريمة‌ وَإِذِ ابْتَلَي‌'´ إِبْرَ هِــمَ رَبُّهُ و بِكَلِمَـ'تٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي‌ جِاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن‌ ذُرِّيَّتِي‌ قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي‌ الظَّـ'لِمِينَ ،[16] التي‌ تفيد أنّ الله‌ أعطي‌ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ منصب‌ الإمامة‌ بعد ابتلائه‌ بذبح‌ ولده‌ إسماعيل‌، فدعا إلي‌ إطلاق‌ كلمة‌ « الإمام‌ » علي‌ السيّد الخمينيّ بسبب‌ استشهاد نجله‌ السيّد مصطفي‌.

 ولا يتمّ هذا الاستدلال‌، إذ إنّ الله‌ تعالي‌ هو الذي‌ منح‌ إبراهيم‌ ذلك‌ العنوان‌ وأدّاه‌ بقوله‌: إِنِّي‌ جَاعِلُكَ . والله‌ سبحانه‌ الذي‌ ترك‌ الإمام‌ المهديّ حيّاً وجعله‌ ملجأً وملاذاً وموئلاً ومنجياً، لا يجعل‌ إماماً آخراً إلاّ علي‌ سبيل‌ النيابة‌. لَوْ أَرَدْنَآ أَن‌ نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّ تَّخَذْنَـ'هُ مِن‌ لَّدُنَّآ إِن‌ كُنَّا فَـ'عِلِينَ. [17]

 ونلحظ‌ في‌ الكتب‌ المدرسيّة‌ اليوم‌ أنّ الطلاّب‌ يكتبون‌ ـ من‌ جهةٍ : الائمّة‌ اثنا عشر، وثاني‌ عشرهم‌ حيّ غائب‌ عن‌ الانظار، ومن‌ جهة‌ أُخري‌ يكتبون‌ عبارة‌ « الإمام‌ الخمينيّ » كذا وكذا. وسألني‌ هؤلاء الطلاّب‌ مراراً: أليس‌ من‌ الخطأ أن‌ نقول‌: الائمّة‌ اثنا عشر، وهم‌ ثلاثة‌ عشر. فلم‌ أَحِرْ جواباً عن‌ سؤالهم‌ حقّاً.

 لقد شيّدوا قبر آية‌ الله‌ الخمينيّ قدّس‌ سرّه‌ بما نلحظه‌ من‌ تنظيم‌ وصحن‌ ورواق‌ ومسجد ومكتبة‌ وغيرها. وهذا ليس‌ مهمّاً مقلقاً. فالقلق‌ إذا كتبوا له‌ لا سمح‌ الله‌ زيارة‌ مفصّلة‌ ونصبوها علي‌ قبره‌ كإمام‌ أو كإمام‌ الاُمّة‌، فيكون‌ في‌ مصافّ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌. وهذا ما يبدّل‌ تأريخ‌ التشيّع‌ للجيل‌ القادم‌.

 كانت‌ في‌ شخصيّة‌ الفقيد السعيد آية‌ الله‌ الخمينيّ قدّس‌ سرّه‌ ملامح‌ متأ لّقة‌ ساطعة‌ إلي‌ درجة‌ أنّ الإنسان‌ إذا أراد أن‌ يقوم‌ بدراستها دراسة‌ وافية‌، فإنّها ستكون‌ كافية‌ لهذا الجيل‌ والاجيال‌ القادمة‌، وهي‌ في‌ غني‌ عن‌ هذه‌ الاُمور الاعتباريّة‌ الموضوعة‌ غير الحقيقيّة‌.

 أمّا « طيِّب‌ » فإنّي‌ عندما ذكـرته‌ أردتُ أن‌ أُبيّن‌ للمتقدّسـين‌ المزيّفين‌ أنّ هذا الرجل‌ الذي‌ كان‌ لا يرعوي‌ عن‌ كلّ إثم‌ قال‌ من‌ وحي‌ غيرته‌ الفطريّة‌ الوجدانيّة‌: « أنا لا أتّهم‌ السيّد » . ويتعذّر الكلام‌ عنه‌ إجمالاً بلا ذكر لسوابقه‌.

 فالتلمـيح‌ أو التصـريح‌ بآثامه‌ التي‌ كان‌ يرتكـبها علناً وتشـهد بها المناطق‌ التي‌ كانـت‌ حمي‌ له‌ كالاحـياء الشـعبـيّة‌ ومخـزن‌ القمح‌ وشـارع‌ خراسان‌، إنّما يزيد شهامته‌ وشجاعته‌، إذ تنازل‌ عن‌ جميع‌ المناصب‌، ولم‌ أقصد لا سمح‌ الله‌ بثّ الفحشاء وذكر الموتي‌ بسوء.

 نحن‌ نتوقّع‌ من‌ الجمهوريّة‌ الإسلاميّة‌ أن‌ تنوّه‌ باسمه‌ كما تنوّه‌ باسم‌ « تختي‌ » . وكنتُ أوّل‌ من‌ زار قبره‌ بعد إعدامه‌ رمياً بالرصاص‌، إذ ذهبتُ إليه‌ واستمددتُ من‌ روحه‌ الرفيعة‌ واستقامته‌ واستشفعتُه‌ إلي‌ الله‌ كي‌ يختم‌ عاقبتنا بخير ويصوننا من‌ الهواجس‌ النفسانيّة‌ والهزاهز الخادعة‌ التي‌ تغرّ المرءَ بنحو من‌ الانحاء، ويؤتينا كتابنا بيميننا صحيحاً سالماً. والآن‌ كلّما أتشرّف‌ بزيارة‌ السيّد عبد العظيم‌ الحسنيّ عليه‌ السلام‌ أزور قبره‌ أيضاً رحمة‌ الله‌ عليه‌ رحمة‌ واسعة‌.

 رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَ نِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَـ'نِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي‌ قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. [18]

 نسأل‌ الله‌ تعالي‌ أن‌ يوفّقنا وإيّاكم‌ لما يُحبّ ويرضي‌، والسلام‌ عليكم‌ ورحمة‌ الله‌ وبركاته‌.

 7 شوّال‌ 1410   

 السيّد محمّد الحسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ.

 الرجوع الي الفهرس

  ليس‌ بإمكان‌ المؤرِّخ‌ من‌ سرد التأريخ‌ ناصعاً

أجل‌، كيفما كان‌ كتاب‌ « وظيفة‌... » فهو هو. وقد تكفّل‌ بسرد سلسلة‌ من‌ الوقائع‌ التأريخيّة‌ بدون‌ أدني‌ تزويق‌. ودلّ علي‌ هويّة‌ الثورة‌، واستبان‌ واجب‌ كلّ شخص‌ كما هو حقّه‌. وإنّ أقلّ تغيير فيه‌ يسقطه‌ من‌ بساطته‌ وصفائه‌ ونقائه‌ ويجعل‌ تأريخاً صحيحاً يفلت‌ من‌ يد مؤرّخ‌ محايد.

 ألم‌ نعلم‌ أنّ الحـكومة‌ الإسلامـيّة‌ تُقام‌ علي‌ أسـاس‌ حكـومة‌ أمير المؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌. وقواعدها الصدق‌ والاستقامة‌ أعينهما. ولو خرجـت‌ من‌ هذا المحور فهي‌ ليسـت‌ حكومة‌ علي‌ّ. وينبغي‌ أن‌ نُعْرَفَ داخليّاً وخارجيّاً كما نحن‌ عليه‌. والزيادة‌ والنقصان‌ يخزياننا ويشوّهان‌ سمعتنا. ناشدتكم‌ الله‌ هلمّوا لا نتحمّس‌ علي‌ الإسلام‌ والمسلمين‌ أكثر من‌ الحدّ المطلوب‌، فنتحمّس‌ لصيانته‌ وحفظه‌ من‌ خلال‌ إشاعات‌ كاذبة‌. وإلاّ خسرنا في‌ هذه‌ المعركة‌، ذلك‌ أنّ أعداءنا أشطن‌ منّا وأمكر في‌ الشيطنة‌. ولو أردنا إسقاطهم‌ بالكذب‌ والشيطنة‌ لخاطرنا بأنفسنا، إذ علي‌ فرض‌ تفوّق‌ شيطنتهم‌ فإنّهم‌ سيوقعون‌ بنا.

 إنّ سبيل‌ تصدير الثورة‌ هو الصدق‌ والصدق‌ وحده‌ بلا بثٍّ للدعايات‌، وهو الذي‌ يُخضع‌ الاجانب‌ حتّي‌ اليهود والنصاري‌ وسائر الحكومات‌ الكافرة‌، ويستقطب‌ الشعوب‌، لأنّهم‌ يلمسون‌ حقّانيّة‌ الإسلام‌ ونبيّه‌ عمليّاً في‌ وجودنا. بَيدَ أ نّا إذا أردنا أن‌ نخضـعهم‌ بغير الصدق‌ فلن‌ يتيسّـر ذلـك‌ أبداً، لا نّهم‌ يعرفون‌ أُسلوب‌ الخداع‌ وغير الصدق‌ أفضل‌ منّا، بل‌ يظفرون‌ بمعلومات‌ جديدة‌ حول‌ كذبنا.

 جاء في‌ التأريخ‌ أنّ الإنجليز لمّا اقترحوا علي‌ أحمد شاه‌ قاجار مدّ سكّة‌ الحديد من‌ الجنوب‌ حتّي‌ ميناء گز ( =جز ) ، فإنّ السلطان‌ أحمد شاه‌ ذكّر بمثالب‌ هذا السكّة‌، وقال‌: إنّ مصلحة‌ السكك‌ الحديديّة‌ في‌ إيران‌ تستلزم‌ مدّ السكّة‌ من‌ الشرق‌ إلي‌ الغرب‌، وإنّ تجارة‌ الهند سوف‌ تساعد إيران‌ وصادراتها. بَيدَ أنّ سكّة‌ الحديد التي‌ تصل‌ الجنوب‌ بالشمال‌ ذات‌ بُعدٍ عسكريّ استراتيجيّ وليست‌ في‌ مصلحة‌ الشعب‌ الإيرانيّ. وأنا لا أستطيع‌ أن‌ آخذ مال‌ الشعب‌ أو استلف‌ من‌ الاجانب‌ فأنفق‌ علي‌ سكّة‌ حديد يستفيد منها الإنجليز عسكريّاً فحسب‌.

 فقال‌ الوزير الذي‌ أتي‌ بالرسالة‌ إلي‌ السلطان‌: لا يمكن‌ أن‌ نجيب‌ الوزير المفوّض‌ للإنجليز بهذه‌ الصراحة‌ ونميت‌ أمله‌ ! فليكن‌ جوابنا أكثر مرونة‌ من‌ هذا وألين‌ منه‌.

 تأمّل‌ السلطان‌ قليلاً، ثمّ قال‌: إنّ هؤلاء يعرفوننا أنا وإيّاك‌ وغيرنا أفضل‌ ممّا نعرف‌ أنفسنا. ولو أجبناهم‌ بغير هذا الجواب‌ لعرفوا أ نّنا أجبـناهم‌ جواباً كاذباً. فالافضل‌ أن‌ نجـيبهم‌ بهذه‌ الصـراحة‌ وليعـلموا أ نّي‌ لا أُوافق‌ علي‌ خطّتهم‌ أبداً.[19]

 أجل‌، دار الكلام‌ حول‌ تلقيب‌ آية‌ الله‌ الخمينيّ قدّس‌ سرّه‌ بإمام‌ الاُمّة‌، واتّضح‌ أنّ هذا اللقب‌ لم‌ يستعمل‌ بمعناه‌ اللغويّ، بل‌ بمعناه‌ الاصطلاحيّ « الإمام‌ » ، وإلاّ فلماذا لا يُلقّب‌ قائد الثورة‌ الحالي‌ سماحة‌ آية‌ الله‌ الخامنئيّ بالإمام‌ ؟ ألم‌ يكن‌ زعيماً وقائداً ؟!

 إنّ الذين‌ لقّبوا آية‌ الله‌ الخمينيّ بالإمام‌ أرادوا أن‌ يُضفوا عليه‌ صبغة‌ الإمامة‌، ويختاروا له‌ لفظ‌ « الإمام‌ » أو « إمام‌ الاُمّة‌». وهل‌ هناك‌ فرق‌ بين‌ لفظ‌ « إمام‌ الاُمّة‌ » ولفظ‌ « إمام‌ الزمان‌ » ؟ لكن‌ لمّا كان‌ لفظ‌ « إمام‌ الزمان‌ » ينقدح‌ في‌ الاذهان‌ ويُراد منه‌ إمام‌ العصر والزمان‌، فقد استبدلوا به‌ لفظ‌ « إمام‌ الاُمّة‌ » .[20]

 الرجوع الي الفهرس

 لزوم‌ المحافظة‌ علي‌ المعالم‌ الإسلاميّة‌ كالمنبر وغيره‌

ومن‌ الاخطاء الاُخري‌ لهذه‌ الحكومة‌ استعمال‌ التأريخ‌ المجوسيّ الشمسيّ والشهور الاُوستائيّة‌ كأُرْديبهشت‌، وشَهْريوَر، وأُمرداد، وإسفند. وقد ألّفنا رسالة‌ في‌ هذا الموضوع‌ بعنوان‌ « رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي‌ الشهور القمريّة‌ » . وكانت‌ رسالة‌ مدعومة‌ بالدليل‌ والبرهان‌ ولا تقبل‌ الإنكار والتخطئة‌. وبعثنا نسخة‌ مخطوطة‌ منها إلي‌ قائد الثورة‌ الكبير ( السيّد الخمينيّ ). وبعد طبعها أهديناه‌ أوّل‌ نسخة‌ منها، مع‌ ذلك‌ لم‌ يُعِر اهتماماً لهذا الموضوع‌.

 ومن‌ أخطائها الاُخري‌ رفع‌ المنبر، إذ رُفع‌ في‌ خطب‌ صلاة‌ الجمعة‌ وغيرها واستبدلوا به‌ المنصّة‌. ويقف‌ الواعظ‌ والخطيب‌ خلف‌ المنصّة‌ ويتكلّم‌.

 لا منصّة‌ في‌ الإسلام‌، بل‌ فيه‌ المنبر الذي‌ صُنع‌ بأمر الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ الاَثْل‌ المأخوذ من‌ غابات‌ المدينة‌ ( القصب‌ ) وهو قويّ وخفيف‌،[21] ليتسنّي‌ حمله‌ للخطيب‌ في‌ صلاة‌ الجمعة‌ والعيد إذا أُقيمت‌ في‌ الصحراء أحياناً. ولهذا جاء في‌ السنّة‌ أن‌ يحمل‌ المنبر من‌ داخل‌ مسجد المدينة‌ في‌ صلاة‌ عيدَي‌ الفطر والاضحي‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تقام‌ خارج‌ المدينة‌ في‌ القاع‌ ( أرض‌ مكشوفة‌ ) . ولا يقفِ الإمام‌ أو نائبه‌ علي‌ شي‌ء آخر غير المنبر ليخطب‌ في‌ الناس‌. وعليه‌ أن‌ يقف‌ علي‌ مرقاته‌ الاُولي‌ ولا يجلس‌.

 أمّا في‌ سائر الاوقات‌، فيجلس‌ المدرّس‌ والخطيب‌ والحكيم‌ والمفسّر في‌ أعلي‌ المنبر للتدريس‌. وينبغي‌ أن‌ تكون‌ للمنبر ثلاث‌ مراقي‌، لانّ منبر النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ كان‌ كذلك‌، وفي‌ طرفيه‌ من‌ الاعلي‌ رمّانتان‌ تعرفان‌ برمّانتي‌ المنبر. ومن‌ آداب‌ زيارة‌ مسجد النبيّ في‌ المدينة‌ تقبيل‌ رمّانتي‌ منبره‌ ومسح‌ العين‌ بهما للاستشفاء، لأنّهما الموضعان‌ اللذان‌ كان‌ رسول‌ الله‌ يضع‌ يديه‌ الشريفتين‌ عليهما.

 وفي‌ بعض‌ المساجد المكتظّة‌ تصنع‌ لمنابرها خمس‌ أو سبع‌ مراقي‌ بسبب‌ الازدحام‌ علي‌ ما يري‌ أصحابها.

 وأوّل‌ من‌ قام‌ بتكبير المنبر هو معاوية‌، إذ خرّب‌ منبر النبيّ وخلط‌ بعيدانه‌ عيداناً جديدة‌ وصنع‌ له‌ منبراً كبيراً.

 ونقلنا في‌ الجزءين‌ 16 و 17 من‌ كتابنا هذا « معرفة‌ الإمام‌ » عن‌ ابن‌ قتيبة‌ الدينوري‌ّ أنّ هارون‌ الرشيد لمّا قدم‌ المدينة‌ قال‌ لمالك‌ بن‌ أنس‌: ما تقول‌ في‌ هذا المنبر ؟ فإنّي‌ أُريدُ أن‌ أنزع‌ ما زاد فيه‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌ ، وأردّه‌ إلي‌ الثلاث‌ درجات‌ التي‌ كانت‌ بعهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ !

 فقال‌ له‌ مالك‌: لا تفعل‌ يا أمير المؤمنين‌ ! فإنّما هو من‌ عود ضعيف‌ قد تخرّمته‌ المسامير. فإن‌ نقضته‌ تفكّك‌ وذهب‌ أكثره‌... إلي‌ آخر الحديث‌ ![22]

 أجل‌، إنّ « المنبر » و « المحراب‌ » من‌ شعائر الاسلام‌ ولهما أحكام‌ خاصّة‌ ولا ينبغي‌ رفع‌ اليد عنهما. ولا يرتقي‌ المنبر إلاّ العالم‌ بالشريعة‌ والقرآن‌، المتولّي‌ تربية‌ الناس‌ روحيّاً، المنزّه‌ التقيّ العالم‌ المعلّم‌ المربّي‌ للخاصّة‌ والعامّة‌، وبيده‌ الخلافة‌ المعنويّة‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌.

 المنصّة‌ موضع‌ لخطاب‌ اللورد غلادستون‌، ذلك‌ السياسيّ الدمويّ السفّاح‌ عدوّ الإسلام‌ الذي‌ قام‌ بتنشيط‌ الاستعمار الإنجليزيّ ضدّ القرآن‌ والإسلام‌ ونبيّه‌. وخطبه‌ ما زالت‌ في‌ متناول‌ الايدي‌.

 والمنصّة‌ موضع‌ لخطاب‌ اللورد كُرزن‌ وزير خارجيّة‌ المستعمرات‌ الإنجليزيّة‌ الذي‌ انتهج‌ سياسة‌ مشؤومة‌ في‌ أواخر العصر القاجاريّ للإطاحة‌ بالاُسرة‌ القاجاريّة‌ وتسليط‌ الاُسرة‌ البهلويّة‌ من‌ خلال‌ مؤامرة‌ السيّد ضياء الطباطبائيّ، وبذل‌ الاموال‌، وتسليم‌ المخطّط‌ المرسوم‌ لنرمان‌ الوزير الإنجليزيّ المفوّض‌ في‌ طهران‌ فوضع‌ غبار الذلّ علي‌ ناصية‌ الشعب‌ الإيرانيّ المسلم‌ الشيعيّ المشرّد.

 ماذا رأيتم‌ من‌ منبر النبيّ وأمير المؤمنين‌ والإمام‌ الصادق‌ وعلماء الدين‌ الابرار حتّي‌ تستبدلوا المنصّة‌ به‌ ؟!

 كان‌ أوّل‌ مَن‌ وضع‌ المنصّة‌ في‌ المسجد هو المرحوم‌ السيّد محمود الطالقانيّ. فقد وضعها في‌ مسجد « هدايت‌ » الواقع‌ في‌ شارع‌ « اسلامبول‌ » ولعلّه‌ فعل‌ ذلك‌ بتشجيع‌ من‌ بعض‌ الدكاترة‌ والمهندسين‌ الذين‌ كانوا يريدون‌ أن‌ يتحدّثوا لمناسبة‌ المبعث‌ النبويّ الشريف‌. فلا معني‌ لارتقائهم‌ المنبر، لذلك‌ تركوه‌ ووضعوا المنصّة‌ مكانة‌. وبعد ذلك‌ لم‌ تُرَ منصّة‌ في‌ مسجد من‌ مساجد طهران‌ حتّي‌ أُقيمت‌ أوّل‌ صلاة‌ جمعة‌ في‌ جامعة‌ طهران‌، وهو الذي‌ أقامها، فخطب‌ خلف‌ المنصّة‌ وأُهمل‌ المنبر.

 إنّ الشخص‌ الذي‌ يريد أن‌ يدرّس‌ ساعات‌ كثيرة‌، أو يتحدّث‌ ويحاور أشخاصاً معيّنين‌ كقاضي‌ المحكمة‌، والمفتي‌، والمتصدّي‌ لشؤون‌ الناس‌ كالحاكم‌، فعليه‌ أن‌ يجلس‌ حتّي‌ يستقرّ جسمه‌ ويفرغ‌ باله‌. والوقوف‌ المتّصل‌ يضرّ الجسم‌، ويسبّب‌ أمراضاً في‌ الاوعية‌ الشعريّة‌ للرِجل‌، ونزف‌ الدم‌ في‌ العروق‌ يؤدّي‌ إلي‌ تمزّقها ويفضي‌ إلي‌ توسّع‌ الاوردة‌ ( Varicosity ) وهو ما يتعذّر علاجه‌.

 كما يضرّ الوقوف‌ المتّصل‌ الفكر، إذ يُرهقه‌ ويجعل‌ قوّة‌ التفكير عاجزة‌، علي‌ عكس‌ حركة‌ الإنسان‌ وتشغيله‌ فلا يقف‌ في‌ سكون‌ دائم‌. من‌ هنا فإنّ تغيير الحالة‌ يرفع‌ مثل‌ هذه‌ الاضرار.

 وكان‌ النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ يجلس‌ ويتحدّث‌ إلي‌ الناس‌. وفي‌ الخطب‌ القصيرة‌ يقف‌ ويتوكّأ علي‌ عمود الحنّانة‌ ويخطب‌. ولو قُدِّر الاكتفاء بالوقوف‌ وحده‌ فلا ضرورة‌ لصنع‌ المنبر حينئذٍ.

 وعلينا أن‌ نتّبع‌ ذلك‌ النبيّ العظيم‌ دائماً لنضمن‌ سلامة‌ روحنا وجسمنا وظاهرنا وباطننا. ولا ننسَ قوله‌ تعالي‌: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي‌ رَسُولِ اللَهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن‌ كَانَ يَرْجُوا اللَهَ وَاليَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَهَ كَثِيرًا ،[23] ولا نقايض‌ أنفسنا ورسالتنا بالتنميقات‌ الخادعة‌ والعسل‌ المُداف‌ بالسمّ.

 كم‌ هو شاذّ في‌ الاسماع‌ عنـدما يعلن‌ المُوَقِّـت‌ أنّ أذان‌ الظـهر يوم‌ الجمعة‌ يُبثّ من‌ خلف‌ منصّة‌ مسجد گوهرشاد !! لاحظوا فقد حلّت‌ المنصّة‌ محلّ المئذنة‌ لا لفظاً فحسب‌، بل‌ حقيقة‌ وواقعاً.

 يذكر الدكتور علي‌ شريعتي‌ في‌ رسالة‌ « حركت‌ تاريخ‌ » مطالب‌ معيّنة‌ علي‌ أساس‌ الهجوم‌ والدفاع‌ إلي‌ أن‌ يقول‌: هذا هو الخطر. الخطر الذي‌ نتحدّث‌ عنه‌ دائماً هو أ نّنا عندما نضع‌ حقيقة‌ خالدة‌ في‌ وعاء متغيّر يبلي‌ فإنّ ملازمتها للوعاء تجعلها تقليداً وسنّة‌ موروثة‌ علي‌ تواتر الايّام‌ فلا تستطيع‌ الاجيال‌ القادمة‌ أن‌ تميّز بين‌ المحتوي‌ ـ العقيدة‌ والرسالة‌ والإيمان‌ وبين‌ الوعاء ـ اللغة‌، والبيان‌، والمنطق‌، والعلوم‌، والسنّة‌، والاستدلال‌ .

 ولابدّ أن‌ تري‌ الاثنين‌ لازماً وملزوماً خطأً، ولمّا كانت‌ هذه‌ الاوعية‌ لايمكن‌ أن‌ تبقي‌ في‌ جميع‌ العصور، وتبلي‌ حتماً، فإنّها تذهب‌ وتتقهقر. وهي‌ غير قابلة‌ للبقاء والاستعمال‌ ذاتيّاً. وإذا قصّر الجيل‌ الواعي‌ المعتقد العارف‌ بهذا المحـتوي‌ ـ الإسلام‌ والديـن‌ ـ في‌ إحيائـها واستخـراجـها، ولم‌ يجـدّدها في‌ أوعية‌ بيانـيّة‌ وعلميّة‌ مناسـبة‌ لعصـرها فقد بلي‌ الوعاء وما فيه‌.

 علي‌ سبيل‌ المثال‌ لو اكتفـينا بمنـبر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ذي‌ المراقي‌ الثلاث‌. بعد بثّ الاصوات‌ والالحان‌ والاشعار والمحاضرات‌ وضروب‌ الموسيقي‌ علي‌ الامواج‌ الطويلة‌ والقصيرة‌ في‌ أرجاء العالم‌، وانفعال‌ منطقة‌ واسعة‌ من‌ الكرة‌ الارضيّة‌ بالبثّ الإذاعي‌ّ والتلفزيوني‌ّ، والصحف‌ والمجلاّت‌ ومكبّرات‌ الصوت‌ والافلام‌ فكريّاً، فإنّ أفضل‌ وأعلي‌ الكلام‌ الذي‌ نطرحه‌ يظلّ في‌ نطاق‌ ضيّق‌ ولن‌ يباشر أسماع‌ الناس‌ في‌ العالم‌.[24]

 نلحظ‌ في‌ هذا الاستدلال‌ مغالطة‌ واضحة‌. فشتّان‌ بين‌ أن‌ نقول‌: ليبق‌ المنبر، ولا تبق‌ معه‌ هذه‌ الوسائل‌ الإعلاميّة‌ المكثّفة‌، وأن‌ نقول‌: يلغي‌ المنبر وتحلّ المنصّة‌ مكانه‌، وتستتبعها جميع‌ الوسائل‌ المذكورة‌. ولم‌ يقل‌ أحد: ليبق‌ المنبر ولا تبق‌ معه‌ الوسائل‌. وقال‌ كبارنا: ليبق‌ المنبر ويتحقّق‌ كلّ ضرب‌ من‌ ضروب‌ الإعلام‌ مـن‌ عليه‌. وهذا أمـر في‌ غاية‌ البسـاطة‌. ولا ملازمة‌ بين‌ ذهاب‌ المنبر وظهور الحضارة‌. ولا نقلق‌ إلاّ علي‌ ذهاب‌ المنبر واستعمال‌ المنصّة‌، فتحلّ حضارتهم‌ محلّ الحضارة‌ الإسلاميّة‌.

 حافظوا علي‌ المنبر، وبثّوا ثقافتكم‌ علي‌ البسيطة‌، بل‌ إلي‌ الاجرام‌ السماويّة‌ من‌ عليه‌. لا تفرّوا من‌ حجر أُمّكم‌ فتكونون‌ بلا أُمّ. حجر الاُمّ دافي‌ وثير مأمون‌. وحجر الضَّرّة‌ والمنصّة‌ ذعر وخشونة‌ وخطر.

 ومن‌ الاخطاء الاُخري‌ إسقاط‌ لعن‌ أعداء محمّد وآل‌ محمّد الذي‌ كان‌ متداولاً ثابتاً ملازماً للصلوات‌ علي‌ النبيّ وآله‌ في‌ الخطب‌ والمحاضرات‌ والكتب‌ والمجلاّت‌. وها هم‌ اليوم‌ يكتفون‌ بالصلوات‌ في‌ كلّ مكان‌ بذريعة‌ الوحدة‌ بين‌ الشيعة‌ والسنّة‌، غافلين‌ عن‌ أنّ ما يخالف‌ الوحدة‌ هو لعن‌ بعض‌ الاشخاص‌ المعيّنين‌. أمّا لعن‌ أعداء آل‌ محمّد بنحوٍ عام‌ فقد اتّفق‌ جميع‌ العامّة‌ والخاصّة‌ علي‌ جوازه‌ أو رجحانه‌ . وإذا سألتم‌ أبا بكر ، وعمر ، وعثمان‌ عنه‌ لاجابوا بأنّه‌ حَسَنٌ جدّاً ، بَيدَ أنّهم‌ يرون‌ أنّ أعداء آل‌ محمّد هم‌ غيرهم‌ ، زاعمين‌ الولاء لهم‌. حتّي‌ أنّ معاوية‌ الذي‌ كان‌ يلعن‌ عليّاً وحسناً وحسيناً وعبد الله‌ بن‌ عبّاس‌ وقيس‌ بن‌ سعد بن‌ عبادة‌ وأمثالهم‌ من‌ الصالحين‌ بزعم‌ أنّ هؤلاء ليسوا أهل‌ بيت‌ النبيّ، بل‌ إنّ أهل‌ بيته‌ زوجاتُه‌ كعائشة‌ وحفصة‌ وأُخته‌ أُمّ حبيبة‌، وحينئذٍ لا محذور في‌ لعن‌ أعداء آل‌ محمّد.

 الرجوع الي الفهرس

لزوم‌ لعن‌ أعداء محمّد وآل‌ محمّد صلوات‌ الله‌ عليهم‌ في‌ الخطب‌

 ومن‌ الاخطاء الاُخري‌ حذف‌ كلمة‌ « السيّد » ، و « الشـيخ‌ » ، و « الميرزا » ، إذ لا تُسـتعمل‌ هذه‌ الكلـمات‌ في‌ الصحـف‌ والمجـلاّت‌ والكتب‌ ووسـائل‌ الإعلام‌ وبثّ الاخبار أبداً.

 ولعلّ الباعث‌ علي‌ ذلك‌ هو أنّ هذه‌ الكلمات‌ عربيّة‌، والعربيّة‌ لغة‌ أجنبيّة‌، ونحن‌ فُرس‌ علينا أن‌ نعود إلي‌ أُصولنا ولا نستخدم‌ هذه‌ الالفاظ‌ !

 وهذه‌ ذريعة‌ لا غير. فالحقّ أنّهم‌ يتهرّبون‌ من‌ روح‌ السيّد المرتضي‌، والسيّد الرضي‌ّ، والسيّد ابن‌ طاووس‌، والسيّد محمّد باقر الشفتي‌ّ، وسائر السادات‌، ويتهرّبون‌ أيضاً من‌ روح‌ الشيخ‌ المفيد، والشيخ‌ الصدوق‌، والشيخ‌ الطوسي‌ّ، والميرزا محمّد حسن‌ الشيرازيّ، والميرزا محمّد تقي‌ الشيرازي‌ّ، والميرزا محمّد حسين‌ النائيني‌ّ، وأمثالهم‌؛ ويخشون‌ ذكر أسمائـهم‌ وألقابهم‌ كنماذج‌ للعـلم‌ والالقاب‌ البارزة‌ للرئاسـة‌ في‌ التشـيّع‌ والإسلام‌.

 وإلاّ فإنّ عنـوان‌ « الدكتـور » و « البروفـيسـور » يكثـر فـي‌ كلماتـهم‌ وتواقيعهم‌. إنّهم‌ يعادون‌ اللغة‌ العربيّة‌ خاصّة‌، لأنّها لغة‌ القرآن‌ الكريم‌، ولغة‌ « نهج‌ البلاغة‌ » والروايات‌ والفقه‌ والتفسير، ولا شغل‌ لهم‌ بمطلق‌ اللغة‌ الاجنبيّة‌، وإلاّ فلاحظوا هذه‌ المفردات‌ التي‌ يستعملها العالِم‌ والعامّي‌ّ في‌ المحادثة‌ اليوميّة‌ نحو « پاركينگ‌ » ( = موقف‌ السيّارات‌ ) ، و «پلاك‌» ( = رقم‌ المبني‌ ) ، و « فاميل‌ » ( = اللقب‌ ) ، و « إيده‌ » ( = الفكرة‌ أو العقيدة‌ ) ونظائرها فإنّها تفوق‌ الإحصاء.

 إنّهم‌ يقولون‌ في‌ الاخبار: آية‌ الله‌ عبد الكريم‌ الحائريّ ] إشارة‌ إلي‌ هذا العالم‌ الذي‌ أسّس‌ الحوزة‌ العلميّة‌ في‌ قمّ المقدّسة‌ [ ويُسـقطون‌ لفظ‌ ( الشـيخ‌ ) منه‌ وهو وثيقة‌ عظـمته‌ وعلمه‌ وزعامته‌ العلمـيّة‌. لكنّـهم‌ من‌ المسـتحيل‌ أن‌ يسـقطوا لفظ‌ « الدكتـور » ويقولون‌: السـيّد محمّد حسـين‌ البهشـتـي‌ّ، بل‌ لابدّ أن‌ يقـولوا: الدكتـور البهشـتـي‌ّ، والدكتـور مفتّـح‌. ولا نتحدّث‌ في‌ هذا المجال‌ عن‌ الاطبّاء الذين‌ استأثر بلقب‌ « الدكتور » منذ البداية‌ واستعملوه‌ بدل‌ لقب‌ « الحكيم‌ » ، بل‌ عن‌ الاخصّائيّين‌ في‌ الآداب‌ أو الفلسفة‌ الإسلاميّة‌ إذ استبدلوا لفظ‌ « المجتهد » الذي‌ كان‌ يعدّ مفخرة‌ لهم‌ سابقاً بلفظ‌ « الدكتور » ، حتّي‌ نجدهم‌ يوقّعون‌ بهذا اللفظ‌.

 أجل‌، يحوم‌ كلامنا حول‌ كلمة‌ « السيّد » ، و « الشيخ‌ » ، و « الميرزا » التي‌ تعتبر من‌ مزايا الإسلام‌ والالقاب‌ الخاصّة‌ الدالّة‌ علي‌ الرسالة‌ الإسلاميّة‌، والتي‌ لم‌ تكن‌ لتوجد لولا الجهود المضنية‌ التي‌ بذلها شهداء الإسلام‌ والتشيّع‌ وعلماؤها علي‌ امتداد أربعة‌ عشر قرناً. ويا للخسارة‌ أن‌ نفقدها سدي‌ !

 إنّ رسالة‌ التشيّع‌ والإمام‌ الثاني‌ عشر الغائب‌ من‌ أسمي‌ الرسالات‌ وأرفعها وأبلغها واقعيّة‌ وأكثرها رفداً بالحياة‌. وهي‌ التي‌ تعالج‌ مشاكل‌ البشريّة‌ ليس‌ في‌ زمن‌ الظهور فحسب‌، بل‌ في‌ زمن‌ الانتظار والفرج‌ أيضاً، وتنقذها من‌ المآزق‌ التي‌ لا محيد عنها وتأخذ بأيديها إلي‌ الصراط‌ المستقيم‌ بفكر هادي‌ وبالٍ رخيّ وقلب‌ مطمئن‌، وترشدها إلي‌ الهدف‌ الاعلي‌ الذي‌ تنشده‌ الإنسانيّة‌.

 لماذا ننسي‌ إمام‌ العصر والزمان‌، ونكتفي‌ بلفظ‌ مجرّد له‌ من‌ خلال‌ تبديلنا بعض‌ الاصطلاحات‌ ؟! إنّ رسالتنا رافدة‌ بالحياة‌، وهي‌ نعم‌ الدواء المهدّي‌ الناجع‌ للبشريّة‌. هذا الدواء الذي‌ يعدو المرء خلفه‌ ويجدّ في‌ استقصائه‌ من‌ كلّ جانب‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 74. من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[2] ـ الآية‌ 12. من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[3] ـ الآية‌ 71. من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[4] ـ الآية‌ 124. من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[5] ـ قال‌ ابن‌ خلدون‌ في‌ مقدّمته‌، ص‌ 201: وأمّا الاثنا عشريّة‌ فربّما خُصّوا باسم‌ الإماميّة‌ عند المتأخّرين‌ منهم‌، فقالوا بإمامة‌ موسي‌ الكاظم‌ بن‌ جعفر الصادق‌ لوفاة‌ أخيه‌ الاكبر إسماعيل‌ الإمام‌ في‌ حياة‌ أبيهما جعفر، فنصّ علي‌ إمامة‌ موسي‌ هذا، ثمّ ابنه‌ علي‌ّ الرضا الذي‌ عهد إليه‌ المأمون‌ ومات‌ قبله‌ فلم‌ يتمّ له‌ أمر، ثمّ ابنه‌ محمّد التقيّ، ثمّ ابنه‌ علي‌ّ الهادي‌ّ، ثمّ ابنه‌ الحسن‌ العسكريّ، ثمّ ابنه‌ محمّد المهدي‌ّ المنتظر الذي‌ قدّمناه‌ قبل‌.

[6] ـ تحدّثنا في‌ الجزء الاوّل‌ من‌ هذا الكتاب‌ عن‌ هذا الموضوع‌، وذلك‌ في‌ الدرس‌ 12 إلي‌ 14.

[7] ـ العددان‌ 2 و 3. السنة‌ التاسعة‌، سنة‌ 1371 شمسيّ، والعددان‌ 51 و 52 من‌ مجلّة‌ «الحوزة‌»: عددان‌ خاصّان‌ بالذكري‌ المئويّة‌ لوفاة‌ الميرزا الشيرازيّ، ص‌ 367. يتناول‌ العددان‌ المجلّدان‌ في‌ جزء واحد ترجمة‌ وافية‌ لذلك‌ الزعيم‌ الكبير، بخاصّة‌ فتواه‌ الشهيرة‌ بتحريم‌ التبغ‌. وعندما وفقتُ علي‌ بعض‌ أعداد المجلّة‌ المذكورة‌ وجدتها مجلّة‌ مضرّة‌ ملحدة‌ لما يُلحظ‌ فيها من‌ موضوعات‌ مضادّة‌ للدين‌. فلهذا لا أقتنيها في‌ مكتبتي‌. أمّا المجلّد المذكور فقد أهدانيه‌ صهري‌ المكرّم‌ السيّد محمّد سيادت‌ الموسويّ حفظه‌ الله‌. وذكر أنّ فيه‌ معلومات‌ مفيدة‌ حول‌ المرحوم‌ حجّة‌ الإسلام‌ الشيرازيّ قدّس‌ سرّه‌. فرحّبت‌ به‌ وطالعته‌ إلي‌ آخره‌ بدقّة‌. والحقّ وجدتُه‌ كما قال‌، إذ إنّ الموضـوعات‌ المجـموعة‌ فيه‌ تحـكي‌ ما في‌ الكتب‌ الاُخري‌، وقد أنصف‌ في‌ الجرح‌ والتعديل‌ ووفّي‌ الموضوع‌ حقّه‌ وأجاد فيه‌ أحسن‌ الإجادة‌.

[8] ـ توفّي‌ سيّد الفقهاء والمجتهدين‌ حجّة‌ الإسلام‌ والمسلمين‌ آية‌ الله‌ تعالي‌ في‌ العالمين‌ السيّد الكلبايكانيّ أسكنه‌ الله‌ بحبوحة‌ جنّته‌، وكان‌ من‌ المبرّزين‌ في‌ العلم‌ والتقوي‌، ذا نفس‌ طيّبة‌ لطيفة‌ نقيّة‌ من‌ شوائب‌ الهوي‌، وأحد مراجع‌ الشيعة‌ العظام‌ الذي‌ انحصرت‌ المرجعيّة‌ به‌ تقريباً في‌ الفترة‌ الاخيرة‌. وكانت‌ لي‌ معه‌ سوابق‌ لامعة‌. وقد توفّي‌ بعد وعكة‌ دامت‌ ثلاث‌ سنين‌ رقد علي‌ أثرها في‌ أحد مستشفيات‌ طهران‌ أيّاماً. وكانت‌ وفاته‌ في‌ ليلة‌ الجمعة‌ عن‌ أذان‌ المغرب‌ 24 جمادي‌ الآخرة‌ 1414 ه. وهو ابن‌ ست‌ وتسعين‌ سنة‌. وتمّ تشييعه‌ من‌ تلك‌ المستشفي‌ الواقعة‌ في‌ حي‌ شميران‌ إلي‌ محطّة‌ القطار لينقل‌ إلي‌ قم‌. ثمّ شُيِّع‌ في‌ قم‌ يوم‌ السبت‌ قبل‌ الظهر بثلاث‌ ساعات‌ (ودُفن‌ عصر ذلك‌ اليوم‌ بسبب‌ كثرة‌ المشيّعين‌ وازدحامهم‌ العجيب‌) من‌ مسجد الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌ إلي‌ صحن‌ السيّدة‌ فاطمة‌ ابنة‌ موسي‌ الكاظـم‌ عليهـما السـلام‌. ودفن‌ جوار قبر أُسـتاذه‌ المرحـوم‌ آية‌ الله‌ الشـيخ‌ عبد الكريم‌ الحائريّ تغمّده‌ الله‌ برحمته‌. فَمِنْهُم‌ مَّن‌ قَضَي‌' نَحْبَهُ و وَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً. (الآية‌ 23. من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌).

[9] ـ كان‌ المرحوم‌ حجّة‌ الإسلام‌ والمسلمين‌ الميرزا حسن‌ نوري‌ زاده‌ الله‌ رحمة‌ وغفراناً من‌ أصدقائي‌ وأعزّ أحبّتي‌ ورفقائي‌. وكان‌ مهذّباً فاضلاً غيوراً محبّاً للدين‌. تمتدّ مودّتي‌ له‌ قرابة‌ خمسين‌ سنةً. التحق‌ بالرفيق‌ الاعلي‌ في‌ حادثة‌ اصطدام‌ مؤسف‌ عندما كان‌ متوجّهاً نحو سيرجان‌ في‌ أواخر شعبان‌ المعظّم‌ سنة‌ 1412 ه. ونقل‌ جثمانه‌ إلي‌ موطنه‌ الدائم‌ قم‌، ودفن‌ في‌ إحدي‌ الغرف‌ الواقعة‌ في‌ الشمال‌ الغربيّ من‌ الصحن‌ الكبير. رحمه‌ الله‌ رحمةً واسعةً.

[10] ـ نظم‌ سيّد الفقهاء والمجتهدين‌ ركن‌ العرفاء والموحّدين‌ آية‌ الله‌ المعظّم‌ الميرزا السيّد علي‌ القاضي‌ أعلي‌ الله‌ درجته‌ السامية‌ غديريّة‌ عصماء سنة‌ 1356 ه، ومطلعها:

 خُذْ يَا وَلِي‌ُّ غَدَاةَ العِيدِ وَالطَّرَبِ قَصِيدَةً هِيَ لِلاَعْدَاءِ كَالشُّهُبِ

 وشرحـها نجله‌ الاكبـر سيّد الفضـلاء العظام‌ فخـر السـادات‌ والعـرفاء العـظام‌ السـيّد محمّد حسن‌ القاضي‌ الطباطبائيّ. وها هي‌ قيد الطبع‌ في‌ جزءين‌: أحدهما في‌ ترجمة‌ الفقيد، والآخر في‌ ترجمة‌ تلامذته‌ ومعاصريه‌ وأقاربه‌. وذُكرت‌ هذه‌ القصيدة‌ في‌ كتاب‌ يدور حوله‌. ولمّا بلغ‌ الشاعر هذين‌ البيتين‌:

 أَلاَ إنَّ مِنْ يَوْمِ السَّقِيفَةِ عَمَّمُوا                               إمَامَ الهُدَي‌ سَيْفاً مُقِيمَ الرَّوَاتِبِ

 أَلاَ إنَّ مِنْ يَوْمِ السَّقِيفَةِ سُمَّ بِال                             ـنَّقِيعِ الإمَامُ المُجْتَبَي‌ فِي‌ المَشَارِبِ

 فإنّ للشـارح‌ مطـلباً في‌ شـرح‌ لفظ‌ الإمام‌. ولمّا كان‌ شرحه‌ متضـمّناً رحـلة‌ المرحـوم‌ آية‌ الله‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء إلي‌ مصر . وتلقيبه‌ بلقب‌ الإمام‌ وكنّا قد أوردنا ذلك‌ لهذا نكتفي‌ بلفظه‌ العربيّ من‌ غير ترجمة‌ له‌: الإمام‌: كلّما جاء في‌ كتب‌ الشـيعة‌ لفظ‌ الإمام‌ فإنّهم‌ يعـنون‌ به‌ الائمّة‌ المعصومين‌ الاثني‌ عشر عليهم‌ السلام‌. وخَصَّتِ الشيعة‌ هذا اللقب‌ بهم‌ وسمحت‌ للآخرين‌ أن‌ يلقّبوا علماءهم‌ بكلّ ما يريـدون‌... وما أكثر العلماء وأشدّ اختلاف‌ الالقاب‌ ؟! حجة‌ الإسلام‌ والمسلمين‌، وآية‌ الله‌ وآية‌ الحقّ، وثقة‌ الانام‌، وصدر الدين‌، ومروّج‌ الدين‌، وهكذا بلا حدود ولا نهاية‌، وليست‌ هناك‌ ضوابط‌ معيّنة‌ لمنح‌ هذه‌ الالقاب‌ لهذا العالم‌ أو ذاك‌. وذلك‌ بسبب‌ عدم‌ وجود جامعات‌ مبرمجة‌ للعلوم‌ الإسلاميّة‌ لتعيين‌ الرتب‌ والمراحل‌ الدراسيّة‌ والدرجة‌ العلميّة‌ لتقدّم‌ هذا وتأخّر ذاك‌، وقديماً منحوا الفارابيّ لقب‌ «المعلّم‌ الثاني‌» ولا نعرف‌ بصورة‌ دقيقة‌ علي‌ أيّ أساس‌، ومنحوا الشيخ‌ الطوسيّ لقب‌ «شيخ‌ الطائفة‌» وآخر لقب‌ «المحقّق‌» أو «العلاّمة‌»، وهكذا لم‌ يذكر التأريخ‌ لنا ضوابط‌ صحيحة‌ لاسباب‌ وكيفيّة‌ منح‌ الالقاب‌ والسمات‌ العلميّة‌ إلاّ بعض‌ النوادر والقصص‌ التافهة‌ غير المسندة‌.

 والذي‌ حدث‌ في‌ أيّامنا: أنّ سماحة‌ الشيخ‌ محمّد الحسين‌ آل‌ كاشف‌ الغطاء (العالم‌ المتبحّر في‌ العلوم‌ العربيّة‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌» تهيّأت‌ له‌ سفرة‌ إلي‌ مصر عاصمة‌ العالم‌ الإسلاميّ ـ كما يعجبهم‌ أن‌ يسمّوها ـ واجتمع‌ هناك‌ بعلماء الازهر الشريف‌.

 ولمّا كان‌ عالماً قويّ المعارضة‌ سريع‌ البديهة‌ خطيباً عملاقاً ومن‌ عائلة‌ علميّة‌ وأُسرة‌ نجفيّة‌ عريقة‌ مُنح‌ لقب‌ «الإمام‌»، لقد صدرت‌ الصحف‌ المصريّة‌ مع‌ اختلاف‌ اتّجاهاتها وكثرة‌ عددها تحمل‌ نبأ ورود الشيخ‌ إلي‌ القاهرة‌ واحتفاء الازهر الشريف‌ به‌ مع‌ لقب‌ «الإمام‌ كاشف‌ الغطاء» عاد الشيخ‌ إلي‌ النجف‌ وكأنّه‌ فرح‌ بهذا اللقب‌، ولم‌ يمنع‌ أحداً، أو لم‌ يتيسّر له‌ أن‌ يمنع‌ الآخرين‌ ـ علي‌ الاقل‌ في‌ النجف‌ ـ من‌ تلقيبه‌ بهذا اللقب‌ مع‌ علمه‌ الاكيد بمحتوي‌ اتّفاق‌ الشيعة‌ علي‌ هذا اللقب‌، غير أنّ أولئك‌ الذين‌ منحوه‌ هذا اللقب‌ أو خاطبوه‌ هكذا في‌ الصحف‌ والمجلاّت‌ يومذاك‌ رأوه‌ أكبر من‌ اللقب‌ الممنوح‌ له‌، أو علي‌ الاقلّ يوازيه‌ في‌ المرتبة‌ والمكانة‌. وصادف‌ أن‌ سافر إليهم‌ شيخ‌ آخر لم‌ يكن‌ في‌ منزلته‌ العلميّة‌ والاُسرة‌ والسوابق‌ وكان‌ دونه‌ بمراحل‌، منحوه‌ أيضاً لقب‌ «الإمام‌» وعند ذلك‌ أدرك‌ الشيخ‌ غفر الله‌ له‌ وتغمّده‌ برضوانه‌ أنّ الغرض‌ هو ضياع‌ وإنزال‌ لقب‌ الإمام‌ من‌ المعني‌ والمرتبة‌ الخاصّة‌ به‌، لا الحفاوة‌ والاحترام‌ والإكبار والإعظام‌ للشيخ‌ كاشف‌ الغطاء.

[11] ـ الآية‌ 59. من‌ السورة‌ 4: النساء.

[12] ـ خلاصة‌ لبحث‌ أُستاذنا الكبير العلاّمة‌ الطباطبائيّ في‌ تفسير «الميزان‌» ذيل‌ تفسير هذه‌ الآية‌ الكريمة‌، ج‌ 4. ص‌ 412. طبعة‌ الآخونديّ.

[13] ـ الآية‌ 10. من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[14] ـ الاُولي‌ تدور حول‌ مسوّدة‌ دستور الجمهوريّة‌ الإسلاميّة‌ الإيرانيّة‌. والثانية‌ حول‌ لزوم‌ العمل‌ بالتأريخ‌ الهجريّ والشهور والسنين‌ القمريّة‌ رسميّاً. وقد أرسلتها إليه‌ ملحقة‌ بـ «رساله‌ نوين‌» (= الرسالة‌ الجديدة‌) التي‌ ألّفتها في‌ هذا الباب‌. والثالثة‌ بعنوان‌ «رسالة‌ حول‌ مسألة‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ لزوم‌ اشتراك‌ الآفاق‌ في‌ دخول‌ الشهور القمريّة‌» وهي‌ ملحقة‌ بكتاب‌ «رؤيت‌ هلال‌». علماً أ نّي‌ أتّفق‌ معه‌ في‌ هذا الموضوع‌. ويمكن‌ أن‌ تكون‌ هذه‌ الرسالة‌ مؤيّدة‌ لفتواه‌. وهي‌ لزوم‌ رؤية‌ الهلال‌ في‌ كلّ مكان‌ بالخصوص‌ من‌ أجل‌ دخول‌ الشهور القمريّة‌، وعدم‌ كفاية‌ الرؤية‌ في‌ الجـملة‌ في‌ مكان‌ من‌ العالـم‌، علي‌ عكـس‌ رأي‌ المرحـوم‌ آية‌ الله‌ السيّد أبو القاسم‌ الخوئيّ رحمه‌ الله‌ الذي‌ كان‌ يري‌ أنّ الرؤية‌ في‌ الجملة‌ كافية‌. وكتبت‌ الرسالة‌ المذكورة‌ للحؤول‌ دون‌ تطبيق‌ تلك‌ الفتوي‌.

[15] ـ في‌ الآية‌ 61. من‌ السورة‌ 11: هود: إِنَّ رَبِّي‌ قَرِيبٌ مُّجِيبٌ. (م‌)

[16] ـ الآية‌ 124. من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[17] ـ الآية‌ 17. من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[18] ـ الآية‌ 10. من‌ السورة‌ 59: الحشر.

[19] ـ «تاريخ‌ سياسي‌ سلطان‌ أحمد شاه‌» (= التأريخ‌ السياسيّ للسلطان‌ أحمد شاه‌) تأليف‌ حسين‌ مكّي‌، ص‌ 284. الطبعة‌ الثانية‌.

[20] ـ قال‌ آية‌ الله‌ المجتهد المجدّد الشيخ‌ محمّد رضا المظفّر رحمه‌ الله‌ في‌ كتابه‌ النفيس‌ «عقائد الإماميّة‌» ص‌ 37. طبعة‌ النجف‌ الاشرف‌، سنة‌ 1388: عقيدتنا في‌ المجتهد:

 وعقيدتنا في‌ المجتهد الجامع‌ للشرائط‌ أ نّه‌ نائب‌ للإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ حال‌ غيبته‌، وهو الحاكم‌ والرئيس‌ المطلق‌، له‌ ما للإمام‌ في‌ الفصل‌ في‌ القضايا والحكومة‌ بين‌ الناس‌، والرادّ عليه‌ رادّ علي‌ الإمام‌ والرادّ علي‌ الإمام‌ رادّ علي‌ الله‌ تعالي‌، وهو علي‌ حدّ الشرك‌ بالله‌ كما جاء في‌ الحديث‌ عن‌ صادق‌ آل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. فليس‌ المجتهد الجامع‌ للشرائط‌ مرجعاً في‌ الفتيا فقط‌، بل‌ له‌ الولاية‌ العامّة‌، فيُرجَع‌ إليه‌ في‌ الحكم‌ والفصل‌ والقضاء، وذلك‌ من‌ مختصّاته‌ لا يجوز لاحدٍ أن‌ يتولاّها دونه‌ إلاّ بإذنه‌، كما لا تجوز إقامة‌ الحدود والتعزيرات‌ إلاّ بأمره‌ وحكمه‌. ويُرجَعُ إليه‌ أيضاً في‌ الاموال‌ التي‌ هي‌ من‌ حقوق‌ الإمام‌ ومختصّاته‌. وهذه‌ المنزلة‌ أو الرئاسة‌ العامّة‌ أعطاها الإمام‌ عليه‌ السلام‌ للمجتهد الجامع‌ للشرائط‌ ليكون‌ نائباً عنه‌ في‌ حال‌ الغيبة‌، ولذلك‌ يسمّي‌ «نائب‌ الإمام‌».

 أليس‌ عبارة‌ «إمام‌ الاُمّة‌» هي‌ نفس‌ عبارة‌ «إمام‌ الزمان‌» في‌ المعني‌ والمفاد والمحتوي‌ والتـبلور ؟ وهي‌ الواردة‌ في‌ الحـديث‌ المتـواتر المتّـفق‌ عليه‌ بيـن‌ الفريقـين‌: مَن‌ مَـاتَ وَلَمْ يَعْرِف‌ إمامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وهل‌ يُعقل‌ ويُتصوَّر أنّ غير المعصوم‌ يحوز هذا المقام‌ وهذا اللقب‌ ؟ وهل‌ لنا سبيل‌ من‌ جهة‌ الادلّة‌ العـقليّة‌ أو الروايات‌ النقلـيّة‌ لتلقيب‌ غير المعصوم‌ بهذا اللقب‌ ؟ أجل‌، نقرأ في‌ خطبة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ أ نّه‌ جعل‌ معرفة‌ الإمام‌ عين‌ معرفة‌ الله‌، وحينئذٍ كيف‌ يتسنّي‌ لنا توجيه‌ إطلاقه‌ علي‌ غير المعصوم‌ ؟ جاء في‌ كتاب‌ «لمعات‌ الحسين‌» ص‌ 2: قال‌ الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ وهو يخطب‌ علي‌ أصحابه‌: أَيُّهَا النَّاسُ ! إنَّ اللَهَ مَا خَلَقَ خَلْقَ اللَهِ إلاَّ لِيَعْرِفُوهُ ! فَإِذَا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، وَاسْتَغْنَوا بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ.

 فَقَالَ رَجُلٌ: يَا بْنَ رَسُولِ اللَهِ ! مَا مَعْرِفَةُ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟! فَقَالَ: مَعْرِفَةُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ إمَامَهُ الَّذي‌ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ. *

 * ـ ورد كلام‌ الإمام‌ هذا في‌ «ملحقات‌ إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 11. ص‌ 594. عن‌ العلاّمة‌ الشهير ابن‌ حُسْنَوَيه‌ في‌ كتاب‌ «درّ بحر المناقب‌» ص‌ 128. نسخة‌ خطّيّة‌، عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌، قال‌: خرج‌ الحسين‌ بن‌ عليّ عليه‌ السلام‌ ليخطب‌ أصحابه‌ وقال‌:....

[21] ـ قال‌ الشيخ‌ محمود أبو ريّة‌ في‌ هامش‌ ص‌ 272 من‌ كتابه‌ «أضواء...» الطبعة‌ الثالثة‌: أبو رافع‌ مولي‌ رسول‌ الله‌ واسمه‌ أسلم‌، وكان‌ للعبّاس‌ بن‌ عبد المطّلب‌ فوهبه‌ رسول‌ الله‌، وهو الذي‌ عمل‌ منبر رسول‌ الله‌ من‌ أثل‌ الغابة‌، وكانت‌ سلمي‌ مولاة‌ رسول‌ الله‌ عند أبي‌ رافع‌ فولدت‌ له‌ عبيد الله‌ بن‌ أبي‌ رافع‌ كاتب‌ عليّ عليه‌ السلام‌. ونقل‌ «دِهْخُدا» في‌ معجمه‌ الفارسيّ عن‌ «البرهان‌ القاطع‌» أنّ الاثل‌ ضرب‌ من‌ شجر الطرفا... ويقال‌ لثمره‌ بالعربيّة‌: حبّ الاثل‌، ويُشرب‌ مطبوخه‌ مع‌ الزبيب‌ لعلاج‌ الجذام‌. وشرابه‌ نافع‌ للبواسير. وهذه‌ الكلمة‌ عربيّة‌.

[22] ـ «معرفة‌ الإمام‌» ج‌ 16 و 17. الدرس‌ 241 إلي‌ 255. عن‌ كتاب‌ «الإمامة‌ والسياسة‌» ج‌ 2. ص‌ 126 إلي‌ 154. مطبعة‌ الاُمّة‌، مصر، سنة‌ 1338. ويفصّل‌ الكلام‌ هنا عن‌ جميع‌ أعمال‌ هارون‌ في‌ المدينة‌.

[23] ـ الآية‌ 21. من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[24] ـ ص‌ 21 و 22 من‌ كتاب‌ «حركت‌ تاريخ‌ » (= حركة‌ التأريخ‌) المطبوع‌ مع‌ مجموعتين‌ أُخريين‌ باسم‌ «روحانيت‌ يا علماي‌ اسلام‌» (= علماء الدين‌ أو علماء الإسلام‌) و«اجتهاد ونظريه‌ انقلاب‌ دائمي‌» (= الاجتهاد ونظريّة‌ الثورة‌ الدائمة‌) في‌ مجلّد واحد.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com