بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد السادس عشر و السابع عشر / القسم السابع عشر: اختلافات الامامیة و الاشاعرة، عصمة الانبیاء

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

شعر الزمخشري‌ّ في‌ كتمان‌ مذهبه‌

 ومحصّلة‌ الكلام‌ أنّ هذه‌ المذاهب‌ الاربعة‌ التي‌ أبنَّا موجزاً عنها ـ مضافاً إلی‌ اشتراكها في‌ الاعتقاد بخلافة‌ الخلفاء الغاصبين‌ ـ تختلف‌ فيما بينهما في‌ أُصول‌ المعارف‌ والفروع‌ الفقهيّة‌. وفي‌ كلٍّ منها انحراف‌ كبير حسب‌ الاُصول‌ العقلائيّة‌ والموازين‌ الحكميّة‌ والتأريخ‌ الدقيق‌، ولا يتسنّي‌ لنا أن‌ نتمسّك‌ بها ونتّخذها حُجزَةَ الثقة‌ والعمل‌ والصراط‌ المستقيم‌ نحو الله‌ تعإلی‌، حتّي‌ أنّ الشيخ‌ محمود جار الله‌ الزمخشريّ الذي‌ كان‌ من‌ فرائد دهره‌ ونوادر عصره‌ في‌ الادب‌ ـ مع‌ أ نّه‌ كان‌ عامّيّ المذهب‌، ولم‌ يخرج‌ من‌ هذه‌ الاُصول‌ في‌ عقائده‌ ولا من‌ هذه‌ الفروع‌ في‌ عمله‌ ـ [1] قال:

 إذَا سَأَلُوا عَنْ مَذْهَبِي‌ لَمْ أَبُحْ بِهِ              وَأَكْتُمُهُ، كِتْمَانُهُ لِي‌ أَسْلَمُ

 فَإنْ حَنِيفاً قُلْتُ قَالُوا بِأَنَّني                     ‌ أُبِيحُ الطِّلاَ [2] وَهُوَ الشَّرَابُ المُحَرَّمُ

 وَإنْ مَالِكِيّاً قُلْتُ قَالُوا بِأَنَّنِي                     ‌ أُبِيحُ لَهُمْ أَكْلَ الكِلاَبِ وَهُمْ هُمُ

 وَإنْ شَافِعِيّاً قُلْتُ قَالُوا بِأَنَّنِي                   ‌ أُبِيحُ نِكَاحَ البِنتِ وَالبِنْتُ تَحْرُمُ

 وَإنْ حَنْبَلِيّاً قَالُوا بِأَنَّنِي‌                ثَقِيلٌ حُلُولِيٌّ بَغِيضٌ مُجَسِّمُ

 وَإنْ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ وَحَزِبِهِ                        يَقُولُون‌: يَئْسٌ لَيْسَ يَدْرِي‌ وَيَفْهَمُ

 تَعَجَبَّتُ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ                 فَمَا أَحَدٌ مِنْ أَلْسُنِ النَّاسِ يَسْلَمُ

 وَأَخَّرَنِي‌ دَهْري‌ وَقَدَّمَ مَعْشَراً                 علی أَ نَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَأَعْلَمُ

 وَمُذْ أَفْلَحَ الجُهَّالُ أَيْقَنْتُ أَ نَّنِي                 ‌ أَنَا المِيمُ وَالاَيَّامُ أَفْلَحُ أَعْلَمُ [3]

 ( يقصد الزمخشريّ أ نّه‌ كحرف‌ الميم‌ وهو من‌ الحروف‌ المطبقة‌ التي‌ ينغلق‌ الفم‌ عند تلفّظها، وعلومه‌ في‌ باطنه‌، أمّا غيره‌ فشفاههم‌ مشقوقة‌، وهم‌ يثرثرون‌ وينسجون‌ كلاماً من‌ شفتيهم‌ المشقوقتين‌ ).

 الرجوع الي الفهرس

العواقب‌ السيّئة‌ لغلق‌ باب‌ الاجتهاد والقول‌ بعدالة‌ الصحابة‌

 ويبدو من‌ الضروريّ هنا أن‌ يكون‌ لنا حديث‌ عن‌ سبب‌ تميّز فقه‌ الشيعة‌ عن‌ فقه‌ العامّة‌، وعصر انفصاله‌، وسبب‌ خمود الاجتهاد عند العامّة‌، وغلق‌ طريق‌ الفكر أمام‌ جميع‌ الناس‌ بانسداد باب‌ الاجتهاد وحصر المذاهب‌ في‌ أربعة‌. وحديث‌ عن‌ عدالة‌ الصحابة‌ الذين‌ يُعتبرون‌ اكبر سند داعم‌ لفقه‌ العامّة‌ وعقائدهم‌، ويعدّون‌ الدعامة‌ الوحيدة‌ التي‌ يتوكّأون‌ عليها في‌ الاُصول‌ والفروع‌. وبانهيار هذه‌ الابنية‌ الواهية‌ المسيَّدة‌ علی ساحل‌ البحر بلا أساس‌ رصين‌، نبرهن‌ كالشمس‌ الساطعة‌ علی مدي‌ ضعف‌ الاساس‌ الذي‌ يقوم‌ عليه‌ مذهب‌ العامّة‌، وندلّ علی أ نّه‌ أقام‌ هذه‌ الخيمة‌ الواهية‌ علی قاعدة‌ خاوية‌ بلا اتّكاء علی أصل‌ ثابت‌ وأساس‌ رصين‌ وبنيان‌ متين‌، وأ نّه‌ أثار ضجيجاً وجلبة‌ في‌ العالم‌، وحرم‌ أصحابه‌ ومتابعيه‌ من‌ شرب‌ الماء المعين‌ من‌ عين‌ صافية‌ لماء الحقيقة‌.

 قال‌ العلاّمة‌ الحلّيّ في‌ كتاب‌ « منهاج‌ الكرامة‌ » بعد ترجمة‌ مفصّلة‌ للائمّة‌ الاثني‌ عشر المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌: فهؤلاء الائمّة‌ الفضلاء المعصومون‌ عليهم‌ السلام‌، الذين‌ بلغوا الغاية‌ في‌ الكمال‌، ولم‌يتّخذوا ما اتّخذ غيرهم‌ من‌ الائمّة‌ المشتغلين‌ بالملك‌ وأنواع‌ المعاصي‌ والملاهي‌، وشرب‌ الخمور والفجور، حتّي‌ فعلوا بأقاربهم‌ علی ما هو المتواتر بين‌ الناس‌. قالت‌ الإماميّة‌: فَاللَهُ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤلاءِ وَهُوَ خَيْرُالحَاكِمينَ.[4] وما أحسن‌ قول‌ بعض‌ الناس‌:

 إذَا شِئْتَ أَنْ تَرْضَي‌ لِنَفْسِكَ مَذْهَباً                      وَتَعْلَمَ أَنَّ النَّاسَ فِي‌ نَقْلِ أَخْبَارِ

 فَدَعْ عَنْكَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ              وَأَحْمَدَ وَالمَرْوِيَّ عَنْ كَعْبِ أَحْبَارِ

 وَوَالِ أُنَاساً قَوْلُهُمْ وَحَدِيثُهُمْ                    رَوَي‌ جَدُّنَا عَنْ جَبْرِيئلَ عَنِ البَارِي‌

 وما أظنّ أحداً من‌ المحصّلين‌ وقف‌ عليه‌ هذه‌ المذاهب‌ فاختار غير مذهب‌ الإماميّة‌ باطناً، وإن‌ كان‌ في‌ الظاهر يصير إلی‌ غيره‌ طلباً للدنيا، حيث‌ وضعت‌ لهم‌ المدارس‌ والربط‌ والاوقاف‌ حتّي‌ تستمرّ لنبي‌ العبّاس‌ الدعوة‌، ويُشيد للعامّة‌ اعتقادُ إمامتهم‌.

 وكثيراً ما رأينا من‌ يتديّن‌ في‌ الباطن‌ بمذهب‌ الإماميّة‌، ويمنعه‌ عن‌ إظهاره‌ حبّ الدنيا وطلب‌ الرئاسة‌. وقد رأيتُ بعض‌ أئمّة‌ الحنابلة‌ يقول‌: إنّي‌ علی مذهب‌ الإماميّة‌، فقلتُ: فلم‌ تدرّس‌ علی مذهب‌ الحنابلة‌؟ فقال‌: ليس‌ في‌ مذهبكم‌ البغلات‌ والمشاهرات‌. وكان‌ أكبر مدرّسي‌ الشافعيّة‌ في‌ زماننا، حيث‌ توفّي‌ أوصي‌ بأن‌ يتولّي‌ أمره‌ في‌ غسله‌ وتجهيزه‌ بعض‌ المؤمنين‌، وأن‌ يدفن‌ في‌ مشهد الكاظم‌ عليه‌ السلام‌، وأشهد عليه‌ أ نّه‌ علی دين‌ الإماميّة‌. [5]

 الرجوع الي الفهرس

الإماميّة‌ يعتقدون‌ بالعدل‌ الإلهي‌ّ وعصمة‌ الانبياء

 وقال‌ العلاّمة‌ أيضاً في‌ الفصل‌ الاوّل‌ من‌ الكتاب‌: في‌ نقل‌ المذاهب‌: ذهبت‌ الإماميّة‌ إلی‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ عدل‌ حلكيم‌ لايفعل‌ قبيحاً ولايُخلّ بواجبٍ، وأنّ أفعاله‌ إنّما تقع‌ لغرض‌ صحيح‌ وحكمة‌، وأ نّه‌ لايفعل‌ الظلم‌ ولا العبث‌، وأ نّه‌ رؤوف‌ بالعباد يفعل‌ بهم‌ ما هو الاصلح‌ لهم‌ والانفع‌. وأنّه‌ تعإلی‌ كلّفهم‌ تخييراً لا اجباراً، ووعدهما لثواب‌ وتوعّدهم‌ بالعقاب‌ علی لسان‌ أنبيائه‌ ورسله‌ المعصومين‌، بحيث‌ لا يجوز عليهم‌ الخطأ ولاالنيسان‌ ولا المعاصي‌، وإلاّ لم‌ يبق‌ وثوق‌ بأقوالهم‌ وأفعالهم‌ فتنفي‌ فائدة‌ البعثة‌. ثمّ أردف‌ الرسالة‌ بعد موت‌ الرسول‌ بالإمامة‌، فنصب‌ أولياء معصومين‌ ليأمن‌ الناس‌ من‌ غلطهم‌ وسهوهم‌ وخطأهم‌ فينقادون‌ إلی‌ أوامرهم‌، لئلاّ يُخلي‌ الله‌ تعإلی‌ العالم‌ من‌ لطفه‌ ورحمته‌. وأ نّه‌ لمّا بعث‌ رسوله‌ محمّداً صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قام‌ بنقل‌ الرسالة‌، ونصّ علی أنّ الخليفة‌ بعده‌ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليهما السلام‌، ثمّ من‌ بعده‌ علی ولده‌ الحسن‌ الزكيّ، ثمّ علی الحسين‌ الشهيد أخيه‌، ثمّ علی عليّ بن‌ الحسين‌ زين‌ العابدين‌، ثمّ علی محمّد بن‌ عليّ الباقر، ثمّ علی جعفر بن‌ محمّد الصادق‌، ثمّ علی موسي‌ بن‌ جعفر الكاظم‌، ثمّ علی عليّ بن‌ موسي‌ الرضا، ثمّ علی محمّد بن‌ عليّ الجواد، ثمّ علی عليّ بن‌ محمّد الهاديّ، ثمّ علی الحسن‌ بن‌ عليّ العسكريّ، ثمّ علی الخلف‌ الحجّة‌ محمّد بن‌ الحسن‌ عليهم‌ أفضل‌ الصلوات‌؛ وأنّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لم‌ يمت‌ إلاّ عن‌ وصيّة‌ بالإمامة‌.

 وذهب‌ أهل‌ السنّة‌ إلی‌ خلاف‌ ذلك‌ كلّه‌. فلم‌ يثبتوا العدل‌ والحكمة‌ في‌ أفعاله‌، وجوّزوا عليه‌ فعل‌ القبيح‌ والإخلال‌ بالواجب‌، وأ نّه‌ لا يفعل‌ لغرضٍ بل‌ كلّ أفعاله‌ لا لغرض‌ من‌ الاغراض‌ ولا لحكمة‌ البتة‌. وأ نّه‌ يفعل‌ الظلم‌ والعبث‌، وأ نّه‌ لا يفعل‌ ما هو الاصلح‌ للعباد بل‌ ما هو الفساد في‌ الحقيقة‌، لانّ فعل‌ المعاصي‌ وأنواع‌ الكفر والظلم‌ وجميع‌ أنواع‌ الفساد الواقعة‌ في‌ العالم‌ مسندة‌ إلی‌ الله‌ ـ تَعَإلی‌ عَنْ ذَلِكَ.

 وأنّ المطيع‌ لا يستحقّ ثواباً والعاصي‌ لا يستحقّ عقاباً، بل‌ قد يُعذَّب‌ المطيع‌ طول‌ عمره‌ المبالغ‌ في‌ المتثال‌ أوامره‌ تعإلی‌ كالنبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، ويثيب‌ العاصي‌ طول‌ عمره‌ بأنواع‌ المعاصي‌ وأبلغها كإبليس‌ وفرعون‌؛ وأنّ الانبياء علی نبيّنا وآله‌ وعليهم‌ السلام‌ غير معصومين‌، بل‌ قد يقع‌ منهم‌ الخطأ والزلل‌ والفسوق‌ والكذب‌ والسهو، وغير ذلك‌؛ وأنّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ لم‌ ينصّ علی إمام‌ بينهم‌، وأ نّه‌ مات‌ بغير وصيّة‌؛ وأنّ الإمام‌ بعد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أبو بكر بن‌ أب‌ قحافة‌ لمبايعة‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ له‌ برضا أربعة‌: أبي‌ عُبيدة‌، وسالم‌ مولي‌ ] أبي‌ [ حُذيفة‌، وأُسيد بن‌ حضير، وبشير بن‌ سعد. ثمّ من‌ بعده‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ بنصّ أبي‌ بكر عليه‌، ثمّ عثمان‌ بن‌ عفّان‌ بنصّ عمر علی ستّة‌ [6] هو أحدهم‌ فاختاره‌ بعضهم‌، ثمّ عليّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌ لمبايعة‌ الخلق‌ له‌. ثمّ اختلفوا. فقال‌ بعضهم‌: إنّ الإمام‌ بعده‌ ابنه‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، وبعضهم‌ قال‌: إنّه‌ معاوية‌ بن‌ أبي‌ سفيان‌. ثمّ ساقوا الإمامة‌ في‌ بني‌ أُميّة‌ حتّي‌ ظهر السفّاح‌ من‌ بني‌ العبّاس‌، فساقوا الإمامة‌ إلیه‌. ثمّ انتقلت‌ الإمامة‌ منه‌ إلی‌ أخيه‌ المنصور. ثمّ ساقوا الإمامة‌ في‌ بني‌ العبّاس‌ إلی‌ المستعصم‌. [7]

 كان‌ العلاّمة‌ الحلّيّ كالشيخ‌ المفيد حقّاً، فهو من‌ أركان‌ الاُمّة‌ ورعاتها المدافعين‌ عنها. ويعدّ في‌ الدرجة‌ الاُولي‌ بين‌ المتكلّمين‌ والباحثين‌ في‌ مذهبنا علی أساس‌ التعقّل‌ والبرهان‌. صنّف‌ كتابه‌ « منهاج‌ الكرامة‌ » بطلبٍ من‌ الجايتو ( السلطان‌ محمّد خدا بنده‌ ) الذي‌ كان‌ حنفيّاً، ثمّ اختار المذهب‌ الشيعيّ بفضل‌ مجلس‌ العلاّمة‌ وبرهانه‌. وانتشر هذا الكتاب‌ بعد ذلك‌ المجلس‌. والحقّ أ نّه‌ كتاب‌ نفيس‌، وحريٌّ بالطّلاب‌ المبتدئين‌ أن‌ يدرسوه‌ عند أُستاذ ضمن‌ دروسهم‌ الكلاميّة‌.

 وصنّف‌ ابن‌ تيميّة‌ الحنبلي‌ّ الذي‌ كان‌ من‌ النواصب‌ المعاندين‌ للشيعة‌، وكان‌ معاصراً للعلاّمة‌، كتاباً عنوانه‌ « منهج‌ السُّنّة‌ »، ردّاً علی العلاّمة‌ واعتراضاً عليه‌، وكان‌ في‌ جوابه‌ بذئياً، ولم‌ يرعو عن‌ كلّ قذف‌ وتهمة‌ في‌ غير سدد.

 ولمّا كان‌ كتاب‌ « منهاج‌ الكرامة‌ » موجزاً جدّاً، وكان‌ مشتملاً علی أُصول‌ معتقدات‌ الشيعة‌ فحسب‌، لذا صنّف‌ العلاّمة‌ بعده‌ كتاباً آخر أكثر تفصيلاً سمّاه‌: « نهج‌ الحقّ وكشف‌ الصدق‌ » يضمّ من‌ ذخائر النفائس‌ واللآلي‌ الثمينة‌ والدرر الباهرة‌ ما يجعله‌ ـ برأيي‌ ـ منهلاً يحتاج‌ إلیه‌ الاعلام‌ أيضاً ليرتشفوا منه‌.

 ونتحدث‌ فيما يأتي‌ عن‌ بعض‌ موارد الخلاف‌ بين‌ الشيعة‌ والعامّة‌، التي‌ تُعدّ من‌ أُصول‌ الاعتقادات‌ والمعارف‌ الدينّية‌. قال‌ العلاّمة‌ في‌ بحث‌ حول‌ الباري‌ تعإلی‌ إنّه‌ لا يُري‌:

 الرجوع الي الفهرس

الاشاعرة‌ يعتقدون‌ بجسمانيّة‌ الله‌ في‌ رؤيته‌

 البحث‌ السابع‌: في‌ أ نّه‌ تعإلی‌ يستحيل‌ رؤيته‌.

 وخالفت‌ الاشاعرة‌ كافّة‌ العقلاء في‌ هذه‌ المسألة‌، حيث‌ حكموا بأنّ الله‌ تعإلی‌ يُري‌ للبشر. أمّا الفلاسفة‌، والمعتزلة‌، والإماميّة‌ فإنكارهم‌ لرؤيته‌ ظاهر لايُشكّ فيه‌. وأمّا المشبِّهة‌، والمجسِّمة‌ فإنّهم‌ إنّما جوّزوا رؤيته‌ تعإلی‌، لا نّه‌ عندهم‌ جسم‌، وهو مقابل‌ للرائي‌. فلهذا خالفت‌ الاشاعرة‌ باقي‌ العقلاء، وخالفوا الضرورة‌ أيضاً. [8] فإنّ الضرورة‌ قاضية‌ بأن‌ ما ليس‌ بجسم‌، ولا حالٌّ في‌ الجسم‌، ولا في‌ جهة‌، ولامكان‌، ولا حيّز، ولا يكون‌ مقابلاً، ولا في‌ حكم‌ المقابل‌، فإنّه‌ لا يمكن‌ رؤيته‌. ومَن‌ كابر في‌ ذلك‌ فقد أنكر الحكم‌ الضروريّ، وكان‌ في‌ ارتكاب‌ هذه‌ المقابلة‌ سوفسطائيّاً.

 وخالفوا أيضاً آيات‌ الكتاب‌ العزيز الدالّة‌ علی امتناع‌ رؤيته‌ تعإلی‌. قال‌ عزّ من‌ قائل‌: لاَ تُدْرِكُهُ الاْبْصَـ'رُ. [9] تمدّح‌ بذلك‌، لا نّه‌ ذكره‌ بين‌ مدحين‌، فيكون‌ مدحاً، لقُبح‌ إدخال‌ ما لا يتعلّق‌ بالمدح‌ بين‌ مدحين‌، فإنّه‌ لا يحسن‌ أن‌ يقال‌: فلان‌ عالم‌ فاضل‌، يأكل‌ الخبز، زاهد ورع‌. وإذا مُدح‌ بنفي‌ الإبصار له‌، كان‌ ثبوته‌ له‌ نقصاً، والنقص‌ عليه‌ تعإلی‌ مُحال‌. [10]

 قال‌ العلاّمة‌ في‌ تقي‌ الجسميّة‌ عن‌ الله‌ تعإلی‌:

 البحث‌ الثالث‌: في‌ أ نّه‌ تعالی‌ ليس‌ بجسم‌.

 أطبق‌ العقلاء علی ذلك‌ إلاّ أهل‌ الظاهر، كداود، والحنابلة‌ كافّة‌، فإنّهم‌ قالوا: إنّه‌ تعإلی‌ جسم‌ يجلس‌ علی العرش‌، ويفضل‌ عنه‌ من‌ كلّ جانب‌ ستّة‌ أشبار بشبره‌. وإنّه‌ ينزل‌ في‌ كلّ ليلة‌ جمعة‌ علی حمار، وينادي‌ إلی‌ الصباح‌: هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر؟![11] وحملوا آيات‌ التشبيه‌ علی ظواهرها. [12] والسبب‌ في‌ ذلك‌ قلّة‌ تمييزهم‌ وعدم‌ تفطنّهم‌ بالمناقضة‌ التي‌ تلزم‌، وإنكار الضروريّات‌ التي‌ تُبطل‌ مقالتهم‌. فإنّ الضرورة‌ قاضية‌ بأنّ كلّ جسم‌ لا ينفكّ عن‌ الحركة‌ والسكون‌، وقد ثبت‌ في‌ علم‌ الكلام‌: أ نّهما حادثان‌. والضرورة‌ قاضية‌ أنّ ما لاينفكّ عن‌ المحدث‌ فإنئه‌ يكون‌ محدثاً، فيلزم‌ حدوث‌ الله‌ تعإلی‌.

 والضرورة‌ الثانية‌ قاضية‌ بأنّ كلّ محدَث‌ مفتقر إلی‌ محدِث‌، فيكون‌ واجب‌ الوجود مفتقراً إلی‌ مؤثِّر، ويكون‌ ممكناً، فلا يكون‌ واجباً، وقد فُرض‌ أ نّه‌ واجب‌، هذا خُلف‌.

 وقد تمادي‌ أكثرهم‌، فقال‌: إنّه‌ تعإلی‌ يجوز عليه‌ المصافحة‌، وإنّ المخلصين‌ يعانقونه‌ في‌ الدنيا. [13]

 وقال‌ داود: [14] أُعْفُونِي‌ عَنِ الفَرْجِ وَاللِّحْيَةِ وَاسْأَلُونِي‌ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ.

 وقال‌: إنّ معبوده‌ جسم‌ ذو لحم‌، ودم‌، وجوارح‌، وأعضاء، وإنّه‌ بكي‌ علی طوفان‌ نوح‌، حتّي‌ رمدت‌ عيناه‌، وعادَتْه‌ الملائكة‌ لمّا اشتكت‌ عيناه‌!

 فلينصف‌ العاقل‌ المقلّد من‌ نفسه‌، هل‌ يجوز له‌ تقليد هؤلاء في‌ شي‌؟! وهل‌ للعقل‌ مجال‌ في‌ تصديقهم‌ في‌ هذه‌ المقالات‌ الكاذبة‌ والاعتقادات‌ الفاسدة‌؟ وهل‌ تثق‌ النفس‌ بإصابة‌ هؤلاء في‌ شي‌ء البتّة‌؟

 

  إنّه‌ تعالی‌ ليس‌ في‌ جهة‌

 البحث‌ الرابع‌: في‌ أ نّه‌ تعإلی‌ ليس‌ في‌ جهة‌.

 العقلاء كافّة‌ علی ذلك‌، خلافاً لكَرّاميّة‌[15] حيث‌ قالوا: إنّه‌ تعإلی‌ في‌ جهة‌ فوق‌. ولم‌ يعلموا أنّ الضرورة‌ قضت‌ بأنّ كلّ ما هو في‌ جهة‌، فإمّا أن‌ يكون‌ لاثباً فيها، أو متحرّكاً عنها. فهو إذن‌ لاينفكّ عن‌ الحوادث‌، وكلّ ما لا ينفكّ عن‌ الحوادث‌، فهو حادث‌ علی ما تقدّم‌. [16]

 الرجوع الي الفهرس

 نقل‌ الخلاف‌ في‌ مسائل‌ العدل‌

رأي‌ الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌ في‌ العدل‌

 المبحث‌ الحادي‌ عشر: في‌ العدل‌. وفيه‌ مطالب‌:

 الاوّل‌: في‌ نقل‌ الخلاف‌ في‌ مسائل‌ هذا الباب‌.

 اعلم‌ أنّ هذا أصل‌ عظيم‌ نبتني‌ عليه‌ القواعد الإسلاميّة‌، بل‌ الاحكام‌ الدينيّة‌ مطلقاً وبدونه‌ لا يتمّ شي‌ء من‌ الاديان‌، ولايمكن‌ أن‌ يُعلَم‌ صدق‌ نبي‌ من‌ الانبياء علی الإطلاق‌، علی ما نقرّره‌ فيما بعد إن‌ شاءالله‌. وبئس‌ ما اختار الإنسان‌ لنفسه‌ مذهباً، خرج‌ به‌ عن‌ جميع‌ الاديان‌. ولم‌ يمكنه‌ أن‌ يعبدالله‌ تعإلی‌ بشرع‌ من‌ الشرائع‌ السابقة‌ واللاحقة‌. ولا يجزم‌ به‌ علی نجاة‌ نبيّ مرسَل‌، أو مَلَك‌ مقرَّب‌، أو مطيع‌ في‌ جميع‌ أفعاله‌ من‌ أولياء الله‌ تعإلی‌ وخلصائه‌، ولا علی عذاب‌ أحد من‌ الكفّار والمشركين‌، وأنواع‌ الفسّاق‌ والعاصين‌. فلينظر العاقل‌ المقلِّد هل‌ يجوز له‌ أن‌ يلقي‌ الله‌ تعإلی‌ بمثل‌ هذه‌ العقائد الفاسدة‌، والآراء الباطلة‌، المستندة‌ إلی‌ اتّباع‌ الشهوة‌، والانقياد إلی‌ المطامع‌؟!

 * * *

  قال‌ الإماميّة‌، ومتابعوهم‌ من‌ المعتزلة‌: إنّ الحُسن‌ والقبح‌ عقليّان‌ مستندان‌ إلی‌ صفات‌ قائمة‌ بالافعال‌، أو وجوه‌ واعتبارات‌ يقع‌ عليها.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: إنّ العقل‌ لا يحكم‌ بحُسن‌ شي‌ء البتّة‌ ولابقبحه‌، بل‌ كلّ ما يقع‌ في‌ الوجود من‌ أنواع‌ الشرور كالظلم‌، والعدوان‌، والقتل‌. والشرك‌، والإلحاد، وسبّ الله‌ تعإلی‌، وسبّ ملائكته‌ وأنبيائه‌ وأوليائه‌، فإنّه‌ حُسن‌. [17] 

 * * *

 وقالت‌ الإماميّة‌ ومتابعوهم‌ من‌ المعتزلة‌: إنّ جميع‌ أفعال‌ الله‌ تعإلی‌ حكمة‌ وصواب‌، ليس‌ فيها ظلم‌، ولا جور، ولاكذب‌ ولاعبث‌، ولافاحشة‌، والفواحش‌، والقبائح‌، والكذب‌، والجهل‌ من‌ أفعال‌ العباد، والله‌ تعإلی‌ منزّه‌ عنها، وبري‌ء منها.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: ليس‌ جميع‌ أفعال‌ الله‌ تعإلی‌ حكمة‌ وصواباً، لانّ الفواحش‌ والقبائح‌ كلّها صادرة‌ عنه‌ تعإلی‌، لا نّه‌ لا مؤثِّر غيره‌. [18]

 * * *

  وقالت‌ الإماميّة‌: نحن‌ نرضي‌ بقضاء الله‌ تعإلی‌: حُلوِه‌ ومُرِّه‌، لا نّه‌ لايقضي‌ إلاّ بالحقّ.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: لانرضي‌ بقضاء الله‌ كلّه‌، لا نّه‌ قضي‌ الكفر، والفواحش‌، والمعاصي‌، والظلم‌، وجميع‌ أنواع‌ الفساد. [19]

 * * *

  وقالت‌ الإماميّة‌ والمعتزلة‌: لا يجوز أن‌ يعاقب‌ الله‌ الناس‌ علی فعله‌، ولا يلومهم‌ علی صنعه‌، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي‌'. [20]

 وقالت‌ الاشاعرة‌: لا يعاقب‌ الله‌ الناس‌ إلاّ علی ما لم‌ يفعلوه‌، ولايلومهم‌ إلاّ علی ما لم‌ يصنعوه‌، وإنّما يعاقبهم‌ علی فعله‌ فيهم‌، وسبّه‌ وشتمه‌، ثمّ يلومهم‌ عليه‌، ويعاقبهم‌ لاجله‌، ويخلق‌ فيهم‌ الإعراض‌، ثمّ يقول‌: فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِِضِينَ. [21] ويمنعهم‌ من‌ الفعل‌، ويقول‌: مَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا. [22]

 * * *

  وقالت‌ الإماميّة‌: إنّ الله‌ تعإلی‌ لم‌ يفعل‌ شيئاً عبثاً، بل‌ إنّما يفعل‌ لغرض‌ ومصلحة‌. وإنّه‌ إنّما يُمرض‌ لمصالح‌ العباد، ويعوِّض‌ المؤلم‌ بالثواب‌، بحيث‌ ينفي‌ العبث‌ والظلم‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: لا يجوز أن‌ يفعل‌ الله‌ شيئاً لغرض‌ من‌ الاعراض‌، ولا لمصلحة‌، ويؤلم‌ العبد بغير مصلحة‌ ولا غرض‌، بل‌ يجوز أن‌ يخلق‌ خلقاً في‌ النار مخلّدين‌ فيها، من‌ غير أن‌ يكونوا قد عصوا أو لا. [23]

 * * *

  وقالت‌ الإماميّة‌: لا يحسن‌ في‌ حكمة‌ الله‌ تعإلی‌ أن‌ يظهر المعجزات‌ علی يد الكذّابين‌، ولا يصدّق‌ المبطلين‌، ولايرسل‌ السفهاء، والفسّاق‌، والعُصاة‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: يحسن‌ كلّ ذلك‌. [24]

* * *

  وقالت‌ الإماميّة‌: إنّ الله‌ سبحانه‌ لم‌ يكلّف‌ أحداً فوق‌ طاقته‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: لم‌ يكلّف‌ الله‌ أحداً إلاّ فوق‌ طاقته‌، وما لايتمكّن‌ من‌ تركه‌ وفعله‌، ولامهم‌ علی ترك‌ ما لم‌ يعطهم‌ القدرة‌ علی فعله‌. وجوّزوا أن‌ يكلّف‌ الله‌ مقطوع‌ إلید الكتابة‌، ومن‌ لا مال‌ له‌ الزكاة‌، ومن‌ لا يقدر علی المشي‌ للزمانة‌ ( العاهة‌، عدم‌ بعض‌ الاعضاء، تعطيل‌ القوي‌ ): الطيران‌ إلی‌ السماء، وأن‌ يكلّف‌ العاطل‌ الزَّمِن‌ المفلوج‌ خلق‌ الاجسام‌، وأن‌ يجعل‌ القديم‌ مُحدَثاً، والمحدَث‌ قديماً.

 وجوّزوا أن‌ يرسل‌ رسولاً إلی‌ عباده‌ بالمعجزات‌، ليأمرهم‌ ب‌.ن‌ يجعلوا الجسم‌ الاسود أبيض‌ دفعة‌ واحدة‌، ويأمرهم‌ بالكتابة‌ الحسنة‌، ولا يخلق‌ لهم‌ الايدي‌ والآلات‌، وأن‌ يكتبوا في‌ الهواء بغير دواة‌ ولا مداد، ولا قلم‌، ولا يد ما يرؤه‌ كلّ أحد. [25]

 وقالت‌ الإماميّة‌: ربّنا أعدل‌ وأحكم‌ من‌ ذلك‌.

 * * *

  وقالت‌ الإماميّة‌: ما أضلّ الله‌ تعإلی‌ أحداً من‌ عباده‌ عن‌ الذين‌، ولم‌ يرسل‌ رسولاً إلاّ بالحكمة‌ والموعضة‌ الحسنة‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: قد أضلّ الله‌ كثيراً من‌ عباده‌ عن‌ الدين‌، ولبّس‌ عليهم‌ وأغواهم‌. وأ نّه‌ يجوز أن‌ يرسل‌ رسولاً إلی‌ قومٍ لا يأمرهم‌ إلاّ بسبّه‌، ومدح‌ إبليس‌. فيكون‌ من‌ سبّ الله‌ تعإلی‌، ومدح‌ الشيطان‌، واعتقد التثليت‌ والإلحاد، وأنواع‌ الشرك‌ مستحقّاً للثواب‌ وا لتعظيم‌. ويكون‌ من‌ مدح‌ الله‌ تعإلی‌ طول‌ عمره‌، وعبده‌ بمقتضي‌ أوامره‌، وذمّ إبليس‌ دائماً، في‌ العقاب‌ المخلّد، واللعن‌ المؤبَّد. وجوّزوا أن‌ يكون‌ فيمن‌ سلف‌ من‌ الانبياء، ممّن‌ لم‌ يبلغنا خبره‌، من‌ لم‌ يكن‌ شريعته‌ إلاّ هذا. [26]

* * *

 وقالت‌ الإماميّة‌: قد أراد الله‌ تعإلی‌ الطاعات‌، وأحبّها، ورضيها، واختارها، ولم‌ يكرهها، ولم‌ يسخطها، وأ نّه‌ كره‌ المعاصي‌، والفواحش‌، ولم‌ يحبّها، ولم‌ رضيَها، ولا اختارها.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: قد أراد الله‌ من‌ الكافر أن‌ يسبّه‌ ويعصيه‌، واختار ذلك‌، وكَرِه‌ أن‌ يمدحه‌. قال‌ بعضهم‌: أَحبّ وجود الفساد، ورضي‌ بوجود الكفر. [27]

 وقالت‌ الإماميّة‌: قد أراد النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ من‌ الطاعات‌ ما أراد الهل‌ عزّ وجلّ، وكره‌ من‌ المعاصي‌ ما كرهه‌ الله‌ عزّ وجلّ:

 وقالت‌ الاشاعرة‌: بل‌ أراد النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ كثيراً ممّا كرهه‌ الله‌ عزّوجلّ، وكره‌ كثيراً ممّا أراد الله‌. [28]

 * * *

 قالت‌ الإماميّة‌: قد أراد الله‌ تعإلی‌ من‌ الطاعات‌ ما أراده‌ أنبياؤه‌، وكره‌ ما كرهوه‌، وأراد ما كره‌ الشياطين‌ من‌ الطاعات‌، ولم‌ يُرد ما أرادوه‌ من‌ الفواحش‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: بل‌ قد أراد الله‌ سبحانه‌ ما أرادته‌ الشياطين‌ من‌ الفواحش‌، وكره‌ ما كرهوه‌ من‌ كثير من‌ الطاعات‌، ولم‌ يُرِد ما أرادته‌ الانبياء من‌ كثير من‌ الطاعات‌، بل‌ كره‌ ما أرادته‌ منها. [29]

 * * *

 وقالت‌ الإماميّة‌: قد أمر الله‌ عزّوجلّ بما أراده‌ ونهي‌ عمّا كرهه‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: قد أمر الله‌ عزّوجلّ بكثير ممّا كرهه‌، ونهي‌ عمّا أراد. [30]

 فهذه‌ خلاصة‌ أقاويل‌ الفريقين‌ في‌ عدل‌ الله‌ تعإلی‌.

 * * *

 وقول‌ الإماميّة‌ في‌ التوحيد يضاهي‌ قولهم‌ في‌ العدل‌، فإنّهم‌ يقولون‌: إنّ الله‌ عزّ وجلّ واحد لاقديم‌ سواه‌، ولا إله‌ غيره‌، ولايُشبه‌ الاشياء، ولا يجوز عليه‌ ما يصحّ عليها من‌ التحرّك‌، والسكون‌. وأ نّه‌ لم‌يزل‌ ولا يزال‌ حيّاً، قادراً، عالماً، مدركاً، لا يحتاج‌ إلی‌ أشياء يعلم‌ بها، ويقدّر ويُحيي‌، وأ نّه‌ خلق‌ الخلق‌، أمرهم‌، ونهاهم‌، ولم‌ يكن‌ آمراً وناهياً قبل‌ خلقه‌ لهم‌.

 وقالت‌ المُشَّبِّهَة‌: إنّه‌ يشبه‌ خلقه‌، ووصفوه‌ بالاعضاء، والجوارح‌، وأ نّه‌ لم‌ يزل‌ آمراً وناهياً، ولا يزال‌ قبل‌ خلق‌ خلقه‌، ولا يستفيد بذلك‌ شيئاً، ولا يفيد غيره‌. ولا يزال‌ آمراً وناهياً ما بعد خراب‌ العالم‌، وبعد الحشر والنشر، دائماً بدوام‌ ذاته‌ تعإلی‌. [31]

 وهذه‌ المقالة‌ في‌ الامر والنهي‌ ودوامها مقالة‌ الاشعريّة‌ أيضاً.

 وقالت‌ الاشاعرة‌ أيضاً: إنّه‌ تعإلی‌ قادر، عالم‌، حيّ، إلی‌ غير ذلك‌ من‌ الصفات‌، بذوات‌ قديمة‌، ليست‌ هي‌ الله‌ تعإلی‌، ولا غيره‌، ولابعضه‌ـ ولولاها لم‌ يكن‌ قادراً، عالماً، حيّاً [32] تَعَإلی‌ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبيرًا.

 * * *

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌ في‌ عصمة‌ الانبياء

 وقالت‌ الإماميّة‌: إنّ أنبياء الله‌ وأئمّته‌ منزّهون‌ عن‌ المعاصي‌، وعمّا يُستحفّ وينفِّر. ودانوا بتعظيم‌ أهل‌ البيت‌ الذين‌ أمر الله‌ تعإلی‌ بمودّتهم‌، وجعلها أجر الرسالة‌، فقال‌: قُلْ لآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَةَ فِي‌ الْقُرْبَي‌'. [33]

 وقال‌ أهل‌ السُّنّة‌: [34] إنّه‌ يجوز عليهم‌ الصغائر. وجوّزت‌ الاشاعرة‌ عليهم‌ الكبائر.

  ترجيح‌ أحد المذهَبين‌

 فلينظر العاقل‌ في‌ المقالتين‌، ويلمح‌ المذهَبين‌، ويُنصف‌ في‌ الترجيح‌، ويعتمد علی الدليل‌ الواضح‌ الصحيح‌، [35] ويترك‌ تقليد الآباء، والمشايخ‌ الآخذين‌ بالاهواء، [36] وغرّتهم‌ الحياة‌ الدنيا. [37] بل‌ ينصح‌ نفسه‌، ولا يعوّل‌ علی غيره‌، [38] ولا يُقبَل‌ عذره‌ غداً في‌ القيامة‌: إنّي‌ قلّدتُ شيخي‌ الفلانيّ،[39] أو وجدتُ آبائي‌ وأجدادي‌ علی هذه‌ المقالة‌. [40] فإنّه‌ لا ينفعه‌ ذلك‌ يوم‌ القيامة‌، يوم‌ يتبرّأ المتّبعون‌ من‌ أتباعهم‌، ويفرّون‌ من‌ أشياعهم‌. وقد نصّ الله‌ تعإلی‌ علی ذلك‌ في‌ كتابه‌ العزيز. [41] ولكن‌ أين‌ الآذان‌ السامعة‌، والقلوب‌ الواعية‌؟! وهل‌ يشكّ العاقل‌ في‌ الصحيح‌ من‌ المقالَتين‌؟! وأنّ مقالة‌ الإماميّة‌ هي‌ أحسن‌ الاقاويل‌، وأ نّها أشبه‌ بالدِّين‌، وأنّ القائلين‌ بها هم‌ الذين‌ قال‌ الله‌ فيهم‌: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ و´ أُولَـ'ئِكَ الَّذِينَ هَدَي'هُمُ اللَهُ وَأُولَـ'ئِكَ هُمْ أُولُو الاْلْبَـ'بِ. [42]

 الرجوع الي الفهرس

عقائد الاشاعرة‌ في‌ التوحيد والعدل‌ مدعاة‌ إلی‌ البراءة‌ من‌ الإسلام‌

 ولينصف‌ العاقل‌ من‌ نفسه‌: أ نّه‌ لو جاء مشرك‌ يطلب‌ شرح‌ أُصول‌ دين‌ المسلمين‌ في‌ العدل‌، والتوحيد، رجاء أن‌ يستحسنه‌، ويدخل‌ فيه‌ معهم‌، هل‌ كان‌ الاولي‌ أن‌ يقال‌ له‌، حتّي‌ يرغب‌ في‌ الإسلام‌، ويتزيّن‌ في‌ قلبه‌ أ نّه‌ من‌ ديننا: إنئ جميع‌ أفعال‌ الله‌ تعإلی‌ حكمة‌ وصواب‌، وأ نّا نرضي‌ بقضائه‌، وأ نّه‌ منزّه‌ عن‌ فعل‌ القبائح‌ والفواحش‌، لا تقع‌ منه‌، ولا يعاقب‌ الناس‌ علی فعل‌ يفعله‌ فيهم‌، ولا يقدرون‌ علی دفعه‌ عنهم‌، ولا يتمكّنون‌ من‌ امتثال‌ أمره‌. أو قال‌: ليس‌ في‌ أفعاله‌ حكمة‌ وصواب‌، وإنئه‌ يفعل‌ السفه‌ والفاحشة‌ ( وإنّه‌ أمر بالسفه‌ والفاحشة‌ ) ولا نرضي‌ بقضاء الله‌، وإنّه‌ يعاقب‌ الناس‌ علی ما فعله‌ فيهم‌، بل‌ خلق‌ فيهم‌ الكفر والشرك‌، ويعاقبهم‌ عليهما، ويخلق‌ فيهم‌ اللون‌، والطول‌، والقصر، ويعذّبهم‌ عليها.

 وهل‌ الاولي‌ أن‌ نقول‌: من‌ ديننا أنّ الله‌ لا يكلّف‌ الناس‌ ما لا يقدرون‌ عليه‌، ولا يطيقون‌؟! أو نقول‌: إنّه‌ يكلّف‌ الناس‌ ما لا يطيقون‌، ويعاقبهم‌ علی ترك‌ ما لا يقدرون‌ علی فعله‌؟!

 وهل‌ الاولي‌ أن‌ نقول‌: إنّه‌ تعإلی‌ يكره‌ الفواحش‌، ولا يريدها، ولايُحبّها، ولا يرضاها، أو نقول‌: إنّه‌ يجب‌ أن‌ يُشتَم‌، ويُسَبّ، ويُعصي‌ بأنواع‌ المعاصي‌، ويكره‌ أن‌ يُمدَح‌، ويُطاع‌، ويعذّب‌ الناس‌ لمّا كانوا كما أراد ولم‌ يكونوا كما كره‌؟!

 وهل‌ الاولي‌ أن‌ نقول‌: إنّه‌ تعإلی‌ لايُشبه‌ الاشياء، ولا يجوز عليه‌ ما يجوز عليها، أو نقول‌: إنّه‌ يُشبهها؟!

 وهل‌ الاُولي‌ أن‌ نقول‌: إنّ الله‌ تعإلی‌ يعلم‌، ويقدر، ويُحيي‌، ويدرك‌ لذاته‌، أو نقول‌: إنّه‌ لا يُدرك‌، ولا يُحيي‌، ولا يقدر، ولايعلم‌ إلاّ بذوات‌ قديمة‌، لولاها لم‌ يكن‌ قادراً، ولا عالماً، ولا غير ذلك‌ من‌ الصفات‌؟!

 وهل‌ الاُولي‌ أن‌ نقول‌: إنّه‌ تعإلی‌ لمّا خلق‌ الخلق‌ أمرهم‌ ونهاههم‌، أو نقول‌: إنّه‌ لم‌ يزل‌ في‌ القِدَم‌ ولا يزال‌ بعد فنائهم‌ طول‌ الابد يقول‌: أقيموا الصلاة‌ وآتوا الزكاة‌! ولا يخلُّ بذلك‌ أصلاً؟!

 وهل‌ الاُولي‌ أن‌ نقول‌: إنّه‌ تعإلی‌ تستحيل‌ رؤيته‌، والإحاطة‌ بكُنه‌ ذاته‌، أو نقول‌: إنّه‌ يُري‌ بالعين‌ إمّا في‌ جهة‌ من‌ الجهات‌ له‌ أعضاء وصورة‌، أو يُري‌ لا في‌ الجهة‌؟!

 وهل‌ الاُولي‌ أن‌ نقول‌: إنّ أنبياءه‌ وأئمّته‌ منزّهون‌ عن‌ كلّ قبيح‌ وسخيف‌، أو نقول‌: إنّهم‌ اقترفوا المعاصي‌ المنِّفرة‌ عنهم‌، وإنّه‌ يقع‌ منهم‌ ما يدلّ علی الخسّة‌ والذلّة‌ كسرقة‌ درهم‌، وكذب‌، وفاحشة‌، ويدومون‌ علی ذلك‌، مع‌ أ نّهم‌ محلّ وحيه‌، وحَفَظَة‌ شَرْعه‌، وإنّ النجاة‌ تحصل‌ بامتثال‌ أوامرهم‌ القوليّة‌ والفعليّة‌؟!

 فإذا عرفتَ أ نّه‌ لا ينبغي‌ أن‌ يُذكر لهذا السائل‌ عن‌ دين‌ الإسلام‌، إلاّ مذهب‌ الإماميّة‌ دون‌ قول‌ غيرهم‌، عرفتَ عِظَم‌ موقعهم‌ في‌ الإسلام‌، وتعلم‌ أيضاً بزيادة‌ بصيرتهم‌. لا نّه‌ ليس‌ في‌ التوحيد دليل‌ ولا جواب‌ عن‌ شبهة‌ إلاّ من‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وأولاده‌ عليهم‌ السلام‌ أخذ. وكان‌ جميع‌ العلماء يستندون‌ إلیه‌ علی ما يأتي‌. فكيف‌ لايجب‌ تعظيم‌ الإماميّة‌، والاعتراف‌ بعلوّ منزلتهم‌؟!

 فإذا سمعوا شبهة‌ في‌ توحيد الله‌ تعإلی‌، أو في‌ عبث‌ بعض‌ أفعاله‌ انقطعوا بالفكر فيها عن‌ كلّ أشغالهم‌ فلا تسكن‌ نفوسهم‌، ولاتطمئنّ قلوبهم‌ حتّي‌ يتحقّقوا جواباً عنها. ومخالفهم‌ إذا سمع‌ دلالة‌ قاطعه‌ علی أنّ الله‌ عزّ وجلّ لا يفعل‌ الفواحش‌ والقبائح‌، ظلّ ليله‌ ونهاره‌ مهموماً مغموماً، طالباً لإقامة‌ شبهة‌ يجيب‌ بها حذراً: أن‌ يصحّ عنده‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ لا يفعل‌ القبيح‌. فإذا ظفر بأدني‌ شبهة‌ قنعت‌ نفسه‌، وعظم‌ سروره‌ بما دلّت‌ الشبهة‌ عليه‌ بأنّه‌ لا يفعل‌ القبيح‌، وأنواع‌ الفواحش‌ غير الله‌ تعإلی‌.

 فشتّان‌ بين‌ الفريقين‌! وبَعُدَ ما بين‌ المذهبَبين‌! ولنشرع‌ الآن‌ في‌ تفصيل‌ المسائل‌، وكشف‌ الحقّ فيها بعون‌ الله‌ ولطفه‌:

 الرجوع الي الفهرس

  إثبات‌ الحُسن‌ والقُبح‌ العقليّين‌

الحُسن‌ والقبح‌ العقليّان‌ من‌ منظار الشيعة‌ والاشاعرة‌

 المطلب‌ الثاني‌ ذهبت‌ الإماميّة‌، ومن‌ تابعهم‌ من‌ المعتزلة‌ إلی‌ أنّ من‌ الافعال‌ ما هو معلوم‌ الحُسن‌ والقُبح‌ بضرورة‌ العقل‌. كعلمنا بُحسن‌ الصدق‌ النافع‌، وقبح‌ الكذب‌ الضارّ. فكلّ عاقل‌ لا يشكّ في‌ ذلك‌. وليس‌ جزمه‌ بهذا الحكم‌ بأدون‌ من‌ الجزم‌ بافتقار الممكن‌ إلی‌ السبب‌، وأنّ الاشياء المساوية‌ لشي‌ءٍ واحد متساوية‌. ومنها ما هو معلوم‌ بالاكتساب‌ أ نّه‌ حسن‌، أو قبيح‌، كحسن‌ الصدق‌ الضارّ، وقبح‌ الكذب‌ النافع‌. [43] ( فهذه‌ أحكام‌ عقليّة‌ لكنّها تحتاج‌ إلی‌ تهيئة‌ المقدّمات‌ القعليّة‌ ).

 ومنها ما يعجز العقل‌ عن‌ العلم‌ بحسنه‌ أن‌ قبحه‌، فيكشف‌ الشرع‌ عنه‌ كالعبادات‌.

 وقالت‌ الاشاعرة‌: إنّ الحُسن‌ والقبح‌ شرعيّان‌، ولا يقضي‌ العقل‌ بحسن‌ شي‌ء منها، ولا بقبحه‌، بل‌ القاضي‌ بذلك‌ هو الشرع‌. فما حسّنه‌ فهم‌ حسن‌، وما قبّحه‌ فهو قبيح‌. [44] وهو باطل‌ من‌ وجوه‌:

 الاوّل‌: أ نّهم‌ أنكروه‌ ما عمله‌ كلّ عاقل‌: من‌ حُسن‌ الصدق‌ النافع‌، وقبح‌ الكذب‌ الضارّ، سواء كان‌ هناك‌ شرع‌ أم‌ لا. ومنكر الحكم‌ الضروريّ سوفسطائيّ.

 الثاني‌: لو خُيِّر العاقل‌ الذي‌ لم‌ يسمع‌ الشرائع‌، ولا عَلِمَ شَئياً من‌ الاحكام‌، بل‌ نشأ في‌ بادية‌ خإلیاً من‌ العقائد كلّها، بين‌ أن‌ يصدق‌ ويعطي‌ ديناراً، أو بين‌ أن‌ يكذب‌ ويعطي‌ ديناراً، ولا ضرر عليه‌ فيهما، فإنّه‌ يتخيّر الصدق‌ علی الكذب‌. ولولا حكم‌ العقل‌ بقبح‌ الكذب‌، وحُسن‌ الصدق‌، لما فرّق‌ بينهما، ولا اختار الصدق‌ دائماً.

 الثالث‌: لو كان‌ الحُسن‌ والقبيح‌ شرعيّين‌ لما حكم‌ بهما من‌ ينكر الشرع‌، والتإلی‌ باطل‌، فإنّ البراهمة‌ بأسرهم‌ ينكرون‌ الشرائع‌ والاديان‌ كلّها، ويحكمون‌ بالحُسن‌ والقبح‌، مستندين‌ إلی‌ ضرورة‌ العقل‌ في‌ ذلك‌.

 الرابع‌: الضرورة‌ قاضية‌ بقبح‌ العبث‌، كمن‌ يستأخر أجيراً ليرمي‌ من‌ ماء الفرات‌ في‌ دجلة‌، ويبيع‌ متاعاً أُعطيّ في‌ بلده‌ عشرة‌ دراهم‌، وفي‌ بلد يحمله‌ إلیه‌ بمشقّة‌ عظيمة‌، ويعلم‌ أنّ سعره‌ كسعر بلده‌ بعشرة‌ دراهم‌ أيضاً.

 وقبح‌ تكليف‌ ما لا يُطاق‌، كتكليف‌ الزَّمِن‌ الطيران‌ إلی‌ السماء، وتعذيبه‌ دائماً علی ترك‌ هذا الفعل‌.

 وقبح‌ من‌ يذمّ العالم‌ الزاهد علی علمه‌ وزهده‌، وحُسن‌ مدحه‌.

 وقبح‌ مدح‌ الجاهل‌ الفاسق‌ علی جهله‌ وفسقه‌، وحُسن‌ ذمِّه‌ عليهما. ومن‌ كابر في‌ ذلك‌ فقد أنكر أجلي‌ الضروريّات‌، لانّ هذا الحكم‌ حاصل‌ للاطفال‌، والضروريّات‌ قد لاتحصل‌ لهم‌.

 الخامس‌: لو كان‌ الحسن‌ والقبح‌ باعتبار السمع‌ لاغير، لما قَبح‌ من‌ الله‌ شي‌ء، ولو كان‌ كذلك‌ لما قبح‌ منه‌ تعإلی‌ إظهار المعجزة‌ علی يد الكذّابين‌. وتجويز ذلك‌ يسدّ باب‌ معرفة‌ النبوّة‌. فإنّ أيّ نبيّ أظهر المعجزة‌ عقيب‌ ادّعاء النبوّة‌ لا يكمن‌ تصديقه‌ مع‌ تجويز إظهار المعجزة‌ علی يد الكاذب‌ في‌ دعوي‌ النبوّة‌.

 السادس‌: لو كان‌ الحُسن‌ والقبح‌ شرعيّين‌ لحسن‌ من‌ الله‌ تعإلی‌ أن‌ يأمر بالكفر، وتكذيب‌ الانبياء، وتعظيم‌ الاصنام‌، والمواظبة‌ علی الزنا والسرقة‌، والنهي‌ عن‌ العبادة‌ والصدق‌، لا نّها غير قبيحة‌ في‌ أنفسها. فإذا أمر الله‌ تعإلی‌ بها صارت‌ حسنة‌، إذ لا فرق‌ بينهما وبين‌ الامر بالطاعة‌.

 فإن‌ شكر المُنْعُم‌، وردّ الوديعة‌، والصدق‌ ليست‌ حسنة‌ في‌ أنفسها، ولو نهي‌ الله‌ تعإلی‌ عنها كانت‌ قبيحة‌، لكن‌ لمّا اتّفق‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ أمر بهذه‌ مجاناً لغير غرض‌ ولا حكمة‌، صارت‌ حسنة‌، واتّفق‌ أ نّه‌ نهي‌ عن‌ تلك‌ فصارت‌ قبيحة‌، وقبل‌ الامر والنهي‌ لا فرق‌ بينهما.

 ومن‌ أدّاه‌ عقل‌ إلی‌ تقليد من‌ يعتقد ذلك‌، إنَّهُ أَجْهَلُ الجُهَّالِ، وَأَحْمَقُ الحَمْقَي‌، إذ علم‌ أنّ معتقد رئيسه‌ ذلك‌. ومن‌ لم‌ يعلم‌، ووقف‌ عليه‌، ثمّ استمرّ علی تقليده‌ فكذلك‌، فلهذا وجب‌ علينا كشف‌ معتقدهم‌، لئلاّ يضلّ غيرهم‌ ولا تستوعب‌ البليّة‌ جميع‌ الناس‌.

 السابع‌: لو كان‌ الحُسن‌ والقبح‌ شرعيّين‌، لزم‌ توقّف‌ وجوب‌ الواجبات‌ علی مجي‌ء الشرع‌.

 ولو كان‌ كذلك‌ لزم‌ إفحام‌ الانبياء، لاّنّ النبيّ علی السلام‌ إذا ادّعي‌ الرسالة‌، وأظهر المعجزة‌، كان‌ للمدعوّ أن‌ يقول‌: إنّما يجب‌ علَيَّ النظر في‌ معجزتك‌، بعد أن‌ أعرف‌ أ نّك‌ صادق‌! ( ولكن‌ لمّا لم‌ يكن‌ وجوب‌ عقليّ في‌ النظر ) فأنا لا أنظر حتّي‌ أعرف‌ صدقك‌! ولا أعرف‌ صدقك‌ إلاّ بالنظر! وقبله‌ لا يجب‌ علَيَّ امتثال‌ الامر. ( وعلی هذا أنا لاأنظر في‌ صدق‌ كلامك‌ أبداً حتّي‌ تجب‌ علَيَّ متابعتك‌، وهكذا أنا غير مُلزَم‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌. ولا أنظر حسب‌ الرغبة‌ فتجب‌ عليّ طاعتك‌ والقبول‌ منك‌ ) فينقطع‌ النبيّ، ولا يبقي‌ له‌ جواب‌.

 الثامن‌: لو كان‌ الحُسن‌ والقبح‌ شرعيّين‌، لم‌ يجب‌ المعرفة‌ لتوقّف‌ معرفة‌ الإيجاب‌ علی معرفة‌ الموجب‌، ( الباري‌ تعإلی‌ شأنه‌ العزيز ) المتوقّفة‌ علی معرفة‌ الإيجاب‌، فيدور.

 التاسع‌: الضرورة‌ قاضية‌ بالفرق‌ بين‌ ما أحسن‌ إلینا دائماً، ومن‌ أساء إلینا دائماً، وحَسُن‌ مدح‌ الاوّل‌، وذمّ الثاني‌، وقَبح‌ ذمّ الاوّل‌، ومدح‌ الثاني‌، ومن‌ يشكّك‌ في‌ ذلك‌ فقد كابر مقتضي‌ عقله‌.

 الرجوع الي الفهرس

  إن‌ الله‌ تعإلی‌ لا یفعل‌ القبيح‌

 المطلب‌ الثالث‌: في‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ لا يفعل‌ القبيح‌ ولا يُخلّ بالواجب‌.

 ذهبت‌ الإماميّة‌ ومن‌ وافقهم‌ من‌ المعتزلة‌ إلی‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ لايفعل‌ القبيح‌، ولا يُخلّ بالواجب‌، بل‌ جميع‌ أفعاله‌ تعإلی‌ حكمة‌ وصواب‌.

 ليس‌ فيها ظلم‌، ولا جور، ولا عدوان‌، ولا كذب‌، ولا فاحشة‌، لانّ الله‌ تعإلی‌:

 ( أوّلاً ): غني‌ عن‌ القبيح‌.

 ( ثانياً ): وعالم‌ بقبح‌ القبيح‌، لا نّه‌ عالم‌ بكلّ المعلومات‌.

 ( ثالثاً ): وعالم‌ بغناه‌ عنه‌.

 وكلّ من‌ كان‌ كذلك‌ فإنّه‌ يستحيل‌ عليه‌ صدور القبيح‌ عنه‌، والضرورة‌ قاضية‌ بذلك‌. ومن‌ فعل‌ القبيح‌ مع‌ الاوصاف‌ الثلاثة‌ استحقّ الذمّ واللوم‌.

 وأيضاً الله‌ تعإلی‌ قادر، والقادر إنّما يفعل‌ بواسطة‌ الداعي‌، والداعي‌: إمّا داعي‌ الحاجة‌، أو داعي‌ الجهل‌، أو داعي‌ الحكمة‌.

 فأمّا داعي‌ الحاجة‌، فقد يكون‌ العالم‌ بقبيح‌ القبيح‌ محتاجاً إلیه‌، فيصدر عنه‌ دفعاً لحاجته‌.

 وأمّا داعي‌ الجهل‌، فبأن‌ يكون‌ القادر عليه‌ جاهلاً بقبحه‌، فيصحّ صدوره‌ عنه‌.

 وأمّا داعي‌ الحكمة‌، فبأن‌ يكون‌ الفعل‌ حسناً فيفعله‌ لدعوة‌ الداعي‌ إلیه‌. والتقدير أنّ الفعل‌ قبيح‌ فانتفت‌ هذه‌ الدعاوي‌، فيستحيل‌ القُبح‌ منه‌ تعإلی‌. قد فعل‌ القبائح‌ بأسرها، من‌ أنواع‌ الظلم‌، والشرك‌، والجور، والعدوان‌، ورضي‌ بها وأحبّها.

 فلزمهم‌ من‌ ذلك‌ محالات‌:

 منها: امتناع‌ الجزم‌ بصدق‌ الانبياء، لانّ مسيلمة‌ الكذّاب‌ لافعل‌ له‌، بل‌ القبيح‌ الذي‌ صدر عنه‌ من‌ الله‌ تعإلی‌ عندهم‌، فجاز أن‌ يكون‌ جميع‌ الانبياء كذلك‌ ( أي‌: كلّهم‌ كذّابون‌ ومتنبّئون‌ لا أنبياء ). وإنّما يُعلَم‌ صدقهم‌ لو علمنا أ نّه‌ تعإلی‌ لا يصدر عنه‌ القبيح‌، فلا يُعلَم‌ حينئذٍ نبوّة‌ نبيّنا صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، ولا نبوّة‌ موسي‌ وعيسي‌ وغيرهما من‌ الانبياء.

 فأيّ عاقل‌ يرضي‌ لنفسه‌ أن‌ يقلّد من‌ لا يجزم‌ بنبيّ من‌ الانبياءالبتّة‌؟وأنّه‌ لافرق‌ عنده‌ بين‌ نبوّة‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، ونبوّة‌ مسيلمة‌ الكذّاب‌؟! فليحذر العاقل‌ من‌ اتّباع‌ أهل‌ الاهواء، والانقياد إلی‌ طاعتهم‌، ليبلّغهم‌ مرادهم‌، ويربح‌ هو الخسران‌ بالخلود في‌ النيران‌، ولا ينفعه‌ عذره‌ غداً في‌ يوم‌ الحساب‌! [45]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ قال‌ العلاّمة‌ الحلّيّ في‌ «منهاج‌ الكرامة‌» ص‌ 28، طبعة‌ عبدالرحيم‌: مع‌ أنّ الزمخشريّ ـ من‌ مشايخ‌ الحنفيّة‌ ـ ذكر في‌ كتاب‌ «ربيع‌ الابرار» أ نّه‌ ادّعي‌ بنوّته‌ (بنوّة‌ معاوية‌) أربعة‌ نفر. وفي‌ «ريحانة‌ الادب‌» ج‌ 2، ص‌ 381: ويُنسب‌ إلیه‌ أيضاً:

 كَثُرَ الشَّكُ وَالخلاِفُ فَكُلٌّ                       يَدَّعِي‌ الفَوْزَ بِالصِّراطِ السَّوِيِّ

 فَاعْتِصَابِي‌ بِلاَ إلَهٍ سِوَاهُ                        ثُمَّ حُبِّي‌ لاِحْمَدٍ وَعلی

 فَازَ كَلْبٌ بِحُبِّ أَصْحَابِ كَهْفٍ                   كَيْفَ أشْقَي‌ بِحُبِّ آلِ نَبِيِّ

 ومع‌ أ نّه‌ صرّح‌ بأنّ الزمخشريّ كان‌ معتزليّ الاُصول‌، حنفيّ الفروع‌، لكنّه‌ قال‌ في‌ آخر ترجمته‌ بعد نقله‌ أبياته‌ التسعية‌ في‌ سرّ كتمان‌ مذهبه‌: ظاهر هذه‌ الاشعار يدلّ علی‌ تشيّع‌ الزمخشريّ. وقال‌ في‌ «هدية‌ الاحباب‌»: روي‌ الزمخشريّ بإسناده‌ عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ أنّه‌ قال‌: فاطمةُ مُهْجَةُ قَلْبِي‌، وابناها ثمرة‌ فؤادي‌، وبَعْلها نور بصري‌، والائمّةُ من‌ وُلدها أُمناءُ رَبِّي‌ وحَبْلٌ ممدودٌ بينهُ وبين‌ خَلْقِهِ. مَنِ اعتصم‌ بهمْ نَجَا، ومن‌ تخلِّف‌ عنهم‌ عنهم‌ هوي‌.

 ونحن‌ بحمدالله‌ والمنّة‌ تحدّثنا مفصّلاً عن‌ سند هذا الحديث‌ المبارك‌ في‌ الصفحة‌ الاخيرة‌ من‌ الجزء الثالث‌ عشر من‌ هذا الكتاب‌.

[2] ـ قال‌ في‌ «أقرب‌ الموارد»: الطِّلاء القطران‌، وكلّ ما يُطلي‌ به‌، وما طُبخ‌ من‌ عصير العنب‌ حتّي‌ ذهب‌ ثلثاه‌. وبعض‌ العرب‌ يسمّي‌ الحُمر الطلاء يريد بذلك‌ تحسين‌ اسمها، لا أ نّها الطلاء بعينها.

[3] ـ ذكر الشيخ‌ إبراهيم‌ الدُّسوقيّ مصحّح‌ الكتاب‌ في‌ آخر الجزء الثاني‌ من‌ تفسير «الكشّاف‌» مطالب‌ في‌ سياق‌ ترجمة‌ الزمخشريّ في‌ ثلاث‌ صفحات‌، ونحن‌ نقلناه‌ هذه‌ الابيات‌ منها، ص‌ 573. دار المطبعة‌ الاميريّة‌ من‌ طبعة‌ بولاق‌، في‌ أواخر القرن‌ الثالث‌ عشر الهجريّ.

[4] ـ اقتباس‌ من‌ آية‌ قرآنيّة‌ وليس‌ مضموناً لها.

[5] ـ «منهاج‌ الكرامة‌ في‌ إثبات‌ الإمامة‌» ص‌ 23، طبعة‌ عبدالرحيم‌، سنة‌ 1296.

 ومن‌ الجدير ذكره‌ أنّ موارد الخلاف‌ بين‌ الإماميّة‌ والعامّة‌ لاتنحصر في‌ الموارد المذكورة‌. فالخلاف‌ بينهما في‌ الفتاوي‌ والآراء كبير لا حصر له‌. وأحد موارده‌ جواز عقد الزواج‌ المؤقّت‌ (المتعة‌) قال‌ العلاّمة‌ الحلّيّ في‌ كتاب‌ «نهج‌ الحقّ وكشف‌ الصدق‌» ص‌ 524 و 525: ذهبت‌ الإماميّة‌ إلی‌ إباحة‌ نكاح‌ المتعة‌. وخالف‌ الفقهاء الاربعة‌. وقد خالفوا القرآن‌، والاءجماع‌، والسنّة‌ النبويّة‌، أمّا القرآن‌ فقوله‌ تعإلی‌: فَمَا اسْتَمتَعْتُمْ بِهِ مِنهُنَّ فَـَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً (الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 4: النساء)، وهو حقيقة‌ في‌ المتعة‌. وأيضاً قرأ ابن‌ عبّاس‌: إلی‌' أَجَلٍ مُّسَمَّي‌. وأمّا الاءجماع‌، فلا خلاف‌ في‌ إباحتها. واستمرّت‌ الاءباحة‌ مدّة‌ نبوئة‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وخلافة‌ أبي‌ بكر، وكثيراً من‌ خلافة‌ عمر. ثمّ صعد المنبر وقال‌: أيّها الناس‌! متعتان‌ كانتا علی‌ عهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وأنا أنهي‌ عنهما وأعاقب‌ علیهما.

[6] ـ وهم‌: علی أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وعثمان‌، وطلحة‌، والزبير، وسعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌، وعبدالرحمن‌ بن‌ عوف‌.

[7] ـ «منهاج‌ الكرامة‌» ص‌ 3 و 4، طبعة‌ عبدالرحيم‌.

[8] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: مَن‌ راجع‌ كتاب‌ «الاءبانة‌ في‌ أُصول‌ الديانة‌» لابي‌ الحسن‌ الاشعريّ رئيس‌ الاشاعرة‌، ص‌ 5 و 6، يظهر له‌ أ نّه‌ لم‌ يأت‌ بمذهب‌ جديد يمتاز عن‌ مذاهب‌ المتكلّمين‌ من‌ أهل‌ الحديث‌. وقد صرّح‌ في‌ كتابه‌ هذا بأنّ ما يعتقده‌، وما أظهره‌ من‌ أُصول‌ العقائد كلّه‌ كان‌ تبعاً لاحمد بن‌ حنبل‌، وتقليد له‌. وأفرط‌ في‌ تعظيمه‌، وتجاوز الحدّ بالغلوّ فيه‌. وقال‌ عبدالكريم‌ الشهرستانيّ في‌ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 93: حتّي‌ انتهي‌ الزمان‌ إلی‌ عبدالله‌ بن‌ سعيد الكلابيّ، وأبي‌ العبّاس‌ القلانسيّ، والحارث‌ بن‌ أسد المحاسبيّ. وهؤلاء كانوا من‌ جملة‌ السلف‌، إلاّ أ نّهم‌ باشروا علم‌ الكلام‌، وأيّدوا عقائد السلف‌ بحجج‌ كلاميّة‌ وبراهين‌ أُصوليّة‌. فأيّد أبو الحسن‌ الاشعريّ مقالتهم‌ بمناهج‌ كلاميّة‌، وصار ذلك‌ مذهباً جديداً لاهل‌ السنّة‌ والجماعة‌، وانتقلت‌ سمة‌ الصفاتيّة‌ إلی‌ الاشعريّة‌ ـ انتهي‌.

 وذكّر بذلك‌ محمّد كرد علی‌ في‌ الجزء السادس‌ من‌ كتابه‌ «خطط‌ الشام‌»: والمشبّهة‌ والمجسِّمة‌ من‌ المتكلّمين‌ هم‌ الصفاتيّة‌. وتبع‌ الاشعريّ في‌ ذلك‌ أحمد بن‌ حنبل‌ وأتباعه‌. (راجع‌: «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 92 إلی‌ 108؛ و«حاشية‌ الكستليّ» المطبوع‌ في‌ هامش‌ «شرح‌ العقائد» للتفتازانيّ، ص‌ 70 ).

[9] ـ الآية‌ 103، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌: لاَ تُدْرِكُهُ الاْبْصَـ'رُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَـ'رَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

[10] ـ «نهج‌ الحقّ وكشف‌ الصدق‌» ص‌ 46 و 47، طبعة‌ منشورات‌ دار الهجرة‌، قم‌، تعلیق‌ العالم‌ الفاضل‌ الشيخ‌ عين‌ الله‌ الارمويّ الحسينيّ.

[11] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: وفي‌ الاحاديث‌ الواردة‌ عن‌ أئمّة‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌: إنَّ اللَهَ يَبعثَ مَلَكاً ينادي‌ ليلة‌ الجمعة‌: هل‌ من‌ تائب‌؟ هل‌ من‌ مستغفر؟ من‌ دون‌ أن‌ يتجسّم‌ تعإلی‌ شأنه‌ (راجع‌: تعلیقة‌ «إحقاق‌ الحقّ» ج‌ 1، ص‌ 173 ).

[12] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: غير خفيّ علی‌ أُولي‌ الالباب‌ أنّ أحمد بن‌ حنبل‌ إمام‌ الحنابلة‌ كان‌ معتقداً بأنّ للّه‌ جسم‌، وله‌ أعضاء كإلید، والوجه‌، والعين‌، ويتمسّك‌ لذلك‌ بظواهر الآيات‌ المتشابهة‌. وهكذا قال‌ مالك‌ بن‌ أنس‌ إمام‌ المالكيّة‌. (راجع‌: «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 93 و 104 ). وقال‌ الزمخشريّ في‌ «الكشّاف‌» ج‌ 3، ص‌ 301:

 فإن‌ حنبليّاً قلتُ قالوا بأنّني                   ‌ ثقيل‌ حُلوليٌّ بغيضٌ مجسِّمُ

 قال‌ ابن‌ الاثير الجزريّ في‌ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 6، ص‌ 248، تحت‌ عنوان‌ «ذكر فتنة‌ الحنابلة‌ ببغداد»: وفيها عظم‌ أمر الحنابلة‌، وقويت‌ شوكتهم‌... إلی‌ أن‌ قال‌: فخرج‌ توقيع‌ الراضي‌ بما يقرأ علی‌ الحنابلة‌، ينكر علیهم‌ فعلهم‌، ويوبّخهم‌ باعتقاد التشبيه‌، وغيره‌، فمنه‌: تارة‌ أ نّكم‌ تزعمون‌: أنّ صورة‌ وجوهكم‌ القيحة‌ السمجة‌ علی‌ مثال‌ ربّ العالمين‌، وهيئتكم‌ الرذلة‌ علی‌ هيئته‌، وتذكرون‌: الكفّ، والاصابع‌، والرجلين‌، والنعملين‌ المذهّبَين‌، والشعر القطط‌، والصعود إلی‌ السماء والنزول‌ إلی‌ الدنيا تعإلی‌ الله‌ عمّا يقول‌ الظالمون‌ علوّا كبيراً، ثمّ طعنكم‌ علی‌ خيار الائمّة‌، ونسبتكم‌ شيعة‌ آل‌ محمّد صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ إلی‌ الكفر والضلال‌، ثمّ استدعاؤكم‌ المسملمين‌ إلی‌ الدين‌ بالبدع‌ الظاهرة‌، والمذاهب‌ الفاجرة‌ التي‌ لا يشهد بها القرآن‌.

 هذا وكُتبُ الحنابلة‌ مشحونة‌ بهذه‌ الخرافات‌ في‌ الاُمور الاعتقاديّة‌، حتّي‌ أنّ أباالحسن‌ الاشعريّ رئيس‌ الاشاعرة‌، تبعاً لقدوته‌ أحمد بن‌ حنبل‌، قد عقد أبواباً لهذه‌ المناكير في‌ كتابه‌ «الاءنابة‌ في‌ أُصول‌ الدّيانة‌» ص‌ 36 إلی‌ 55. وذهب‌ إلی‌ هذا المذهب‌ الوهّابيّون‌، وقدوتهم‌ ابن‌ تيميّة‌. (راجع‌: «العقيدة‌ الحمويّة‌» ضمن‌ مجموعة‌ الرسائل‌، ج‌ 1، ص‌ 429؛ و«منهاج‌ السنّة‌» ج‌ 2، ص‌ 240 إلی‌ 278؛ و«الرسائل‌ الخمس‌» المسمّي‌ ب «الهديّة‌ السنيّة‌» ص‌ 97 إلی‌ 99، وفي‌ الرسالة‌ الخامسة‌، ص‌ 105 ).

[13] ـ روي‌ محمّد بن‌ الكريم‌ الشهرستانيّ هذا القول‌ عن‌ عدّة‌ علماء من‌ أهل‌ السنّة‌ في‌ كتاب‌ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 105.

[14] ـ وهو داود الجوارب‌، من‌ علمائ أهل‌ السنئة‌. ذكره‌ الشهرستانيّ في‌ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 105.

[15] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: الكرّاميّة‌: هم‌ أصحاب‌ أبي‌ عبدالله‌ محمّد بن‌ كرّام‌، بلغ‌ عددهم‌ إلی‌ اثنتي‌ عشرة‌ فرقة‌. (راجع‌: «الفرق‌ بين‌ الفرق‌» ص‌ 131؛ و«الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 108 ). وذهب‌ مذهب‌ الكرّاميّة‌ أبو الحسن‌ الاشعريّ رئيس‌ الاشاعرة‌، وأثبت‌ الفوقيّة‌ للّه‌ تعإلی‌. (راجع‌ «الاءبانة‌ في‌ أُصول‌ الديانة‌» ص‌ 36 إلی‌ 55 ).

 وذهب‌ أيضاً إلی‌ ذلك‌ المذهب‌ فرقة‌ الوهّابيّة‌ وقدوتهم‌ ابن‌ تيميّة‌ (راجع‌: «رسالة‌ العقيدة‌ الحمويّة‌» ج‌ 1، ص‌ 429، لابن‌ تيميّة‌؛ و«الهديّة‌ السنيّة‌» ص‌ 97، والرسالة‌ الخامسة‌ منها، ص‌ 105، لعبد اللطيف‌، حفيد محمّد بن‌ عبدالوهّاب‌.)

[16] ـ «نهج‌ الحقّ وكشف‌ الصدق‌» ص‌ 55 إلی‌ 57.

[17] ـ «شرح‌ التجريد» للقوشجيّ، ص‌ 373؛ و«الفِصَل‌» لابن‌ حزم‌، ج‌ 3، ص‌ 66؛ و«الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 101.

[18] ـ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 96؛ و«عقائد النسفيّ» وشرح‌ للتغتازانيّ، ص‌ 109؛ و«الفِصَل‌» لابن‌ حزم‌ ج‌ 3، ص‌ 69.

[19] ـ «شرح‌ العقائد» وحاشيته‌ للكستكيّ ص‌ 113؛ و«الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 94؛ و«التفسير الكبير» ج‌ 26، ص‌ 201.

[20] ـ الآية‌ 15، من‌ السورة‌ 17: الإسراء.

[21] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 74: المدّثّر.

[22] ـ الآية‌ 55، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[23] ـ «التفسير الكبير» ج‌ 17، ص‌ 11، و: ج‌ 28، ص‌ 232؛ و«شرح‌ التجريد» للقوشجيّ، ص‌ 375.

[24] ـ «الفِصَل‌» لابن‌ حزم‌، ج‌ 3، ص‌ 1؛ و«المنخول‌» للغزإلی.

[25] ـ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 96 و 102؛ و«الفِصَل‌» لابن‌ حزم‌، ج‌ 3، ص‌ 54؛ و«شرح‌ العقائد» ص‌ 102 و 123.

[26] ـ. ـ قال‌ في‌ الهامش‌: وقد قرّر مقالتهم‌ هذه‌ متكلّمهم‌ الفضل‌ بن‌ روزبهان‌ في‌ المقام‌. (وليراجع‌: «الفِصَل‌» لابن‌ حزم‌، ج‌ 3، ص‌ 142؛ و«شرح‌ العقائد» ص‌ 109 و 129، وفي‌ حاشيته‌ للكستليّ).

[27] ـ وقد قرّر ذلك‌ أيضاً الفضل‌ في‌ المقام‌، وحاول‌ توجيهه‌. (وليراجع‌: «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 96؛ و«شرح‌ العقائد» ص‌ 113. وذكره‌ ابن‌ القيّم‌ الجوزيّة‌ في‌ شرح‌ «منازل‌ السائرين‌»).

[28] ـ «التفسير الكبير» ج‌ 17، ص‌ 218. ويأتي‌ ما هو الحقّ في‌ ذلك‌ في‌ مسألة‌ النبوّة‌ إن‌ شاء الله‌.

[29] ـ إذا فُرض‌ أنّ الله‌ تعإلی‌ هو الفاعل‌ لافعال‌ البشر، ولا مؤثّر إلاّ هو، فلابدّ أن‌ يكون‌ مريداً لما يقع‌ من‌ الفواحش‌ التي‌ هي‌ مراد الشياطين‌، ومراد الشياطين‌ مكروه‌ للانبياء. وقد أراد الله‌ منهم‌ ما هو مكروه‌ للانبياء، وما أراده‌ الانبياء من‌ الطاعات‌ لم‌ يردها الله‌ تعإلی‌ في‌ الشياطين‌ والفسّاق‌.

[30] ـ «التفسير الكبير» ج‌ 1، ص‌ 142؛ و«الفِصَل‌» لابن‌ حزم‌، ج‌ 1، ص‌ 142؛ و«شرح‌ العقائد» وفي‌ حاشيته‌ للكستليّ ص‌ 109 إلی‌ 113.

[31] ـ قال‌ في‌ الهامش‌: قال‌ أبو منصور البغداديّ في‌ كتابه‌ «الفَرْق‌ بين‌ الفِرَق‌» ص‌ 37، طبعة‌ مصر: إنئ المشبِّهة‌ صنفان‌: صنف‌ شبّوا ذات‌ الباري‌ بذات‌ غيره‌، وصنف‌ آخر شبّهوا الصفاته‌ بصافت‌ غيره‌. وكلّ من‌ هذين‌ الصنفين‌ متفرّقون‌ إلی‌ أصناف‌ شتّي‌. أقول‌: إنّ أحمد بن‌ حنبل‌، ومن‌ تبعه‌ من‌ الحنابلة‌، وغيرهم‌، كأبي‌ الحسن‌ الاشعريّ؛ والوهّابيّة‌، قد وافقوا في‌ا لتشبيه‌ في‌ كلا الصنفين‌. راجع‌ «الاءبانة‌ في‌ أُصول‌ الديانة‌» للاشعريّ؛ و«الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 92 و 93 و 103 و 108؛ و«الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 6، ص‌ 248؛ وتفسير «الكشّاف‌» ج‌ 1، ص‌ 301؛ و«منهاج‌ السنّة‌» ج‌ 2، ص‌ 240 إلی‌ 278؛ والرسائل‌ الخمس‌ المسمّاة‌ ب «الهديّة‌ السنيّة‌» ص‌ 97 إلی‌ 99، وفي‌ الرسالة‌ الخامسة‌: ص‌ 105؛ و«مجموعة‌ الرسائل‌» ج‌ 1، ص‌ 429.

[32] ـ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 95.

[33] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[34] ـ مراده‌ الاعمّ من‌ المعتزلة‌ والاشاعرة‌.

[35] ـ كما قال‌ الله‌ تعإلی‌: هَـ'ذَا بَصَآئِرُ مِن‌ رَّبِّكُمْ وَهُدًي‌ وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُؤْمِنُونَ (الآية‌ 203، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌). وقال‌ تعإلی‌: يَـ'أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم‌ مَّوْعِظَةٌ مِن‌ رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي‌ الصُّدُورِ وَهُدًي‌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. (الآية‌ 57، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[36] ـ كما قال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌: يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا ءَابَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ علی‌ الاءِيمَـ'نِ. وقال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 31، من‌ هذه‌ السورة‌: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـ'نَهُمْ أَرْبَابًا مِّن‌ دُونِ اللَهِ.

[37] ـ كما قال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 70، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَـ'وةُ الدُّنْيَا.

[38] ـ كما قال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 56، من‌ السورة‌ 39: الزُّمر: أَن‌ تَقُولَ نَفْسٌ يَـ'حَسْرَتَي‌' علی‌ مَا فَرَّطْتُ فِي‌ جَنبِ اللَهِ وَإِن‌ كُنتُ لَمِنَ السَّـ'خِرِينَ.

[39] ـ كما قال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 113، من‌ السورة‌ 11: هود: وَلاَ تَرْكَنُوا إلی‌ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ. وقال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 57، من‌ السورة‌ 30: الروم‌: فَيَؤْمَئِذٍ لاَّ يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ.

[40] ـ كما قال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌: وَإِذَا فَعَلُوا فَـ'حِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا علیهَآ ءَابَآءَنَا وَاللَهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَهَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ علی‌ اللَهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

[41] ـ ينّص‌ كتاب‌ الله‌ علی‌ أنّ يوم‌ القيامة‌ يوم‌ تكشف‌ فيه‌ الاسرار، ويتذكّر فيه‌ الإنسان‌ ما سعي‌، ويري‌ أ نّه‌ لا يغدر من‌ عمله‌ صغيرة‌ ولا كبيرة‌ إلاّ أحصاها في‌ صحيفة‌ عمله‌. قال‌ تعإلی‌: فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَي‌ * يَوْمَ يَتَذَّكَّرُ الاْءِنْسَـ'نُ مَا سَعَي‌'. (الآيتان‌ 34 و 35، من‌ السورة‌ 79: النازعات‌). وقال‌ تعإلی‌ في‌ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌: وَوُضِعَ الْكِتَـ'بُ فَتَرَي‌ الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـ'وَيْلَتَنَا مَالِ هَـ'ذَا الْكِتَـ'بِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَـ'هَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. وقال‌ في‌ الآيتين‌ 166 و 167، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّب‌
 َعُوا وَرَأَؤُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاْسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُم‌ كَمَا يَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَ'لِكَ يُرِيهُمُ اللَهُ أَعْمَـ'لَهُمْ حَسَرَ'تٍ علیهِمْ وَمَا هُمْ بِخَـ'رِجِينَ مِنَ النَّارِ.

[42] ـ الآيتان‌ 17 و 18، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[43] ـ قال‌ المعلِّق‌ المحترم‌ في‌ الهامش‌: أقول‌: إنّ الحسن‌ والقبح‌ العقليّ لا يتغيّر ولايتبدّل‌ بعروض‌ الحسن‌ أو القبح‌ الثانويّ، بطرؤ العنوان‌ الثانويّ، لانّ ما هو حَسَنٌ في‌ ذاته‌ لا ينقلب‌ قبيحاً في‌ ذاته‌ وبالعكس‌ ـ انتهي‌ كلامه‌.

 في‌ هذا الكلام‌ سهو واضح‌، لانّ كلام‌ العلاّمة‌ رحمه‌ الله‌ ليس‌ في‌ حسن‌ الصدق‌ بذاته‌ وقبح‌ الكذب‌ بذاته‌، فيقال‌: الذاتي‌ لا يتغيّر ولا يتبدّل‌، بل‌ الكلام‌ في‌ حسن‌ الصدق‌ النافع‌ بقيد «النافع‌»، وقبح‌ الكذب‌ الضارّ بقيد «الضارّ». وهذا من‌ الاحكام‌ العقليّة‌. وإذا رُفع‌ القيدان‌ ووُضع‌ مكانهما ضدّهما فإنّهما يتغيّران‌ ويتبدّلائن‌ البتّّة‌ كالصدق‌ الضارّ الذي‌ ما عادله‌ حُسن‌، والكذب‌ النافع‌ الذي‌ ما عادله‌ قبح‌، بل‌ الصدق‌ الضارّ قبيح‌ والكذب‌ النافع‌ حسن‌.

 أجل‌ محصّلة‌ الكلام‌ هو أ نّنا ينبغي‌ أن‌ نقول‌: الصدق‌ حَسَن‌ بذاته‌ حتّي‌ لو كان‌ مضرّاً والكذب‌ قبيح‌ بذاته‌ حتّي‌ لو كان‌ نافعاً. وهذا الكلام‌ غير سديد، إذ إنّ حُسن‌ الكذب‌ النافع‌ وقبح‌ الصدق‌ المضرّ أمر مفروغ‌ منه‌ عند العلاّمة‌ وعند غيره‌. أو ينبغي‌ أن‌ نقول‌: ما لم‌ يتقيّد الصدق‌ والكذب‌ بالنفع‌ والضرر مبدئيّاً فلا يطرأ علیهما السحن‌ والقبح‌، فهما تابعان‌ للقيد. وحينئذٍ يجب‌ أن‌ نقول‌: للعقل‌ حكمه‌ المستقلّ في‌ حسن‌ الصدق‌ النافع‌ وقبح‌ الكذب‌ المضرّ، وفي‌ حسن‌ الكذب‌ النافع‌ وقبح‌ الصدق‌ المضرّ يحتاج‌ إلی‌ نظر ومقدّمات‌.

[44] ـ «الملل‌ والنحل‌» ج‌ 1، ص‌ 101؛ و«شرح‌ التجريد» للقوشجيّ، ص‌ 375.

[45] ـ «نهج‌ الحقّ وكشف‌ الصّدق‌» ص‌ 72 إلی‌ 86.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com