بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد الحادی عشر / القسم الخامس: روایة ابوبکر اساسها و عمر حیطانها و عثمان سقفها حدیث موضوع، قضایا ام...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

ردّ ابن‌ حجر والحافظ‌ العلائي‌ّ علی‌ كلام‌ أبي‌ الفرج‌ ابن‌ الجوزي‌ّ

 قال‌ الحافظ‌ العلائيّ في‌ جواب‌ ابن‌ الجوزيّ ومن‌ تبعه‌، وفي‌ ردّه‌ علی‌ السراج‌ القزويني‌ّ:

 والمشهور به‌ رواية‌ أبي‌ الصلت‌ عبد السلام‌ بن‌ صالح‌ الهرويّ عن‌ أبي‌ معاوية‌، عن‌ الاعمـش‌، عن‌ مجاهـد، عن‌ ابن‌ عبّـاس‌ مـرفـوعـاً. وعبد السلام‌ هذا تكلّموا فيه‌ كثيراً. قال‌ النسائي‌ّ: ليس‌ بثقة‌. وقال‌ الدارقطني‌ّ وابن‌ عدي‌: متّهم‌ ] بالتشيّع‌ [. وزاد الدارقطنيّ ] أ نّه‌ [ رافضي‌ّ. وقال‌ أبوحاتم‌: لم‌يكن‌ عندي‌ بصدوق‌. وصوّب‌ أبو زرعة‌ علی‌ حديثه‌؛ ومع‌ ذلك‌ فقد قال‌ حدّثنا الاصـمّ، حدّثنا عبّاس‌ يعنـي‌ الدوريّ، سـأل‌ يحيي‌بن‌ معين‌ عن‌ أبي‌الصلت‌ فقال‌: ثقّة‌. وقال‌ بعد أن‌ ذكر حديثاً عن‌ الحاكم‌:

 قال‌ العلائي‌ّ: فقد بري‌ أبو الصلت‌ عبد السلام‌ من‌ عهدة‌ هذا الحديث‌ ] إذ رواه‌ غيره‌ [. و أبو معاوية‌ ثقة‌ مأمون‌ من‌ كبار الشيوخ‌ وحفّاظهم‌ المتّفق‌ علیهم‌ وقد تفرّد به‌ عن‌ الاعمش‌.

 ] يضاف‌ إلی‌ ذلك‌ [ قال‌ العلائي‌ّ: ماذا؟ وأيّ استحالة‌ في‌ أن‌ يقول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ مثل‌ هذا في‌ حقّ علی رضي‌ الله‌ عنه‌؟!

 ولم‌ يأت‌ كلّ من‌ تكلّم‌ في‌ هذا الحديث‌ وجزم‌ وضعه‌ بجواب‌ عن‌ هذه‌ الروايات‌ الصحيحة‌ عن‌ ابن‌ معين‌؛ ومع‌ ذلك‌ فله‌ شاهد رواه‌ الترمذي‌ّ في‌ جامعه‌ عن‌ إسماعيل‌ بن‌ موسي‌ الفزاريّ، عن‌ محمّد بن‌ عمربن‌ الرومي‌ّ، عن‌ شريك‌بن‌ عبدالله‌، عن‌ سلمة‌ بن‌ كهيل‌، عن‌ سويدبن‌ غفلة‌، عن‌ أبي‌عبدالله‌ الصَّنَابِجي‌ّ، عن‌ علی‌ّ مرفوعاً:

 أَنَا دَارُ الحِكْمَةِ وَعلی بَابُهَا. ورواه‌ أبو مسلم‌ الكجي‌ّ وغيره‌ عن‌ محمّدبن‌ عمربن‌ الرومي‌ّ؛ وهو ممّن‌ روي‌ عنه‌ البخاريّ في‌ غيرالصحيح‌. وقد وثّقه‌ ابن‌ حبّان‌؛ وضعّفه‌ أبو داود.

 وقد روي‌ بعضهم‌ هذا الحديث‌ عن‌ شريك‌ ولم‌ يذكر فيه‌ الصنابجي‌ّ؛ ولانعرف‌ هذا عن‌ أحد من‌ الثقات‌ غير شريك‌، أي‌: النخَعيّ القاضي‌. وبري‌ محمّدبن‌ الروميّ من‌ التفرّد به‌. و شريك‌ هو ابن‌ عبدالله‌ النخعيّ القاضي‌، احتجّ به‌ مسلم‌، وعلق‌ له‌ البخاريّ، ووثّقه‌ يحيي‌بن‌ معين‌؛ وقال‌ العجلي‌ّ: ثقة‌ حسن‌ الحديث‌. وقال‌ عيسي‌ بن‌ يونس‌: ما رأيت‌ أحداً قط‌ أورع‌ في‌ علمه‌ من‌ شريك‌.

 فعلی‌ هذا يكون‌ تفرّده‌ حسناً؛ فكيف‌ إذا انضمّ إلی‌ حديث‌ أبي‌معاوية‌ ولايرد علیه‌ رواية‌ من‌ أسقط‌ منه‌ الصنابجيّ، لانّ سُوَيْدَبْنَ غَفَلَة‌ تابعيّ مخضرم‌ [1] أدرك‌ الخلفاء الاربعة‌، وسمع‌ منهم‌؛ وذكر الصنابجيّ فيه‌ من‌ المزيد في‌ متّصل‌ الاسانيد ] ولاضرر في‌ عدمه‌ [.

 ولم‌ يأت‌ أبو الفرج‌ ولا غيره‌ بلّة‌ قادحة‌ في‌ حديث‌ شريك‌ سوي‌ دعوي‌ الوضع‌ دفعاً بالصدرـانتهي‌ كلام‌ الحافظ‌ علاء الدين‌ العلائي‌ّ. [2]

 ثمّ نقل‌ السيوطيّ هنا كلام‌ ابن‌ حجر العَسْقَلاَنيّ، فقال‌: وسئل‌ شيخ‌ الإسلام‌ أبوالفضل‌بن‌ حجر عن‌ هذا الحديث‌ في‌ فتيا، فقال‌: هذا الحديث‌ أخرجه‌ الحاكم‌ في‌ « المستدرك‌ » وقال‌: إنّه‌ صحيح‌. وخالفه‌ أبوالفرج‌ ابن‌ الجوزي‌ّ، فذكره‌ في‌ الموضوعات‌، وقال‌: إنّه‌ كذب‌. والصواب‌ خلاف‌ قولهما معاً. وأنّ الحديث‌ من‌ قسم‌ الحسن‌ لا يرتقي‌ إلی‌ الصحّة‌، ولاينحطّ إلی‌ الكذب‌.

... وذكر ابن‌ حجر في‌ أجوبته‌ عن‌ الاحاديث‌ التي‌ انتقدها السراج‌ القزوينيّ علی‌ « المصابيح‌ » نحو ذلك‌. وزاد أنّ الحاكم‌ روي‌ له‌ شاهداً من‌ حديث‌ جابر.

 ] بعد هذا الحديث‌ مسنداً [ قال‌ في‌ « لسان‌ الميزان‌ » عقب‌ إيراد الذهبيّ علی‌ رواية‌ جعفربن‌ محمّد عن‌ أبي‌ معاوية‌، وقوله‌: هذا موضوع‌. ما نصّه‌: وهذا الحديث‌ له‌ طرق‌ كثيرة‌ في‌ « مستدرك‌ الحاكم‌ »، أقلّ أحوالها أن‌ يكون‌ للحديث‌ أصل‌ فلاينبغي‌ أن‌ يطلق‌ القول‌ علیه‌ بالوضع‌ـ            انتهي‌. [3]

 وقال‌ ابن‌ حجر أيضاً: قال‌ القاسم‌ بن‌ عبد الرحمن‌ الانباري‌ّ: سألت‌ يحيي‌بن‌ معين‌ عن‌ حديث‌ حدّثنا به‌ أبو الصلت‌ ] عبدالسلام‌بن‌ صالح‌ الهرويّ خادم‌ علی‌ّبن‌ موسي‌ الرضا علیهما السلام‌ [ عن‌ أبي‌معاوية‌، عن‌ الاعمش‌، عن‌ مجاهد، عن‌ ابن‌ عبّاس‌ مرفوعاً ] قال‌: قال‌ النبيّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ [: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعلی بَابُهَا ـالحديث‌؛ فقال‌: هو صحيح‌. [4]

 أجل‌، أطلنا البحث‌ في‌ هذا القسم‌ عن‌ سند الحديث‌ في‌ كتب‌ العامّة‌ ليتبيّن‌ مدي‌ انحرافهم‌ عن‌ الطريق‌ القويم‌ ألا وهو الولاية‌، وتعنّتهم‌ علی‌ جمودهم‌ واستكبارهم‌. وعلی‌ الرغم‌ من‌ تصحيح‌ هذا الحديث‌ من‌ قِبَل‌ الكثير من‌ أعلامهم‌ ومشايخهم‌ الذين‌ هم‌ من‌ الدرجة‌ الاُولي‌ كيحيي‌بن‌ معين‌ و الحاكم‌ و السيوطيّ و الخطيب‌ و العلائيّ وغيرهم‌، لكنّ بعضهم‌ قد أصرّ علی‌ عناده‌ ولجاجه‌ كابن‌ الجوزيّ وابن‌ عدي‌ والذَّهَبيّ ونظائرهم‌، وقالوا بوضع‌ الحديث‌ بلا أيّ برهان‌ وحجّة‌ من‌ كتب‌ الحديث‌، وبلاشاهد من‌ كتب‌ الرجال‌. وبلغ‌ بهم‌ السخف‌ والوضاعة‌ درجة‌ بحيث‌ أدّي‌ إلی‌ اعتراض‌ نفس‌ أعلامهم‌ ـكما ذكرنا عباراتهم‌ نصّاًـ فقالوا: أوّلاً: رجال‌ هذا الحديث‌ من‌ أعلام‌ الحفّاظ‌. وثانياً: تفرُّد أبي‌الصلت‌ بنقل‌ الحديث‌ يحسّن‌ الحديث‌، ولاينبغي‌ القول‌: إنّه‌ موضوع‌. وثالثاً: هذا الحديث‌ مؤيَّد بأحاديث‌ أُخري‌، فلاجرم‌ أ نّه‌ صحيح‌ بتلك‌ الشواهد، وأنّ القول‌ بوضعه‌ إثم‌.

 إذَن‌، فهذا الحديث‌ يتمتّع‌ بجميع‌ مراتب‌ الحُجّيّة‌ علی‌ شرط‌ سنن‌ أعلام‌ العامّة‌، لانّ يحيي‌ بن‌ معين‌ من‌ رجال‌ صحاح‌ العامّة‌، وهو من‌ أعلام‌ الحفّاظ‌، وكذلك‌ شيخه‌ محمّد بن‌ عبد الله‌ بن‌ نُمَير الهمدانيّ الخارفيّ أبوعبدالرحمن‌ الكوفي‌ّ، وأبوه‌ من‌ رجال‌ أحاديث‌ الصحاح‌. ووردت‌ ترجمتهم‌ في‌ « تهذيب‌ التهذيب‌ » للعسقلانيّ، ج‌6، ص‌57؛ ج‌9، ص‌282.

 وأنّ أبا معاوية‌ الضرير، والاعمش‌، [5] ومجاهد، وابن‌ عبّاس‌ من‌ رجال‌ الصحاح‌ وأعلام‌ الرواة‌.

 ومن‌ هنا، فبأيّ لسان‌ ـ سوي‌ اللاغيّ المستهترـ أن‌ يتفوّه‌ بوضع‌ الحديث‌ المذكور؟ وهل‌ يمكن‌ لابن‌ الجوزيّ العنود اللجوج‌ ـ تلميذ ابن‌ تيميّة‌ الحرّانيّ وخرّيج‌ مدرسته‌ـ أن‌ ينكر جماعة‌ من‌ رجال‌ صحاحه‌ الذين‌ اتّفق‌ الجميع‌ علی‌ أمانتهم‌ ونزاهتهم‌ كـ: عيسي‌بن‌ يونس‌ بن‌ أبي‌ إسحاق‌، و يُعلی‌بن‌ عُبَيد، و ابن‌ نُمير، و الفيديّ، و ابن‌ مُعين‌ الذين‌ وردت‌ ترجمتهم‌ في‌ « تهذيب‌ التهذيب‌ » وهم‌ معروفون‌ بالجلالة‌ والعظمة‌ والامانة‌ عند العامّة‌، فينسب‌ إلیهم‌ الكذب‌ والافتراء؟!

 إنّ الحكم‌ بوضع‌ الحديث‌ وإنكاره‌ بلا ضابط‌ علمي‌ّ، ليس‌ إلاّ من‌ تعسّف‌ الامويّين‌ وحملة‌ لواء الباطل‌، والضاربين‌ بوجه‌ الحقّ. فالحديث‌ المؤيّد بالشواهد القطعيّة‌، والمعروف‌ عند المسلّمين‌ بالاخبار والاحاديث‌ المأثورة‌ عن‌ صاحب‌ الشريعة‌ أن‌ لا مناص‌ لهم‌ عن‌ القبول‌ بهذا الحديث‌.

 ولو تغاضينا عن‌ ذلك‌ كلّه‌، وافترضنا أنّ رجال‌ الحديث‌ المذكور ضعفاء وغيرموثّقين‌، بَيدَ أنّ ضعف‌ السند شي‌ء، والوضع‌ شي‌ء آخر، وليس‌ ثمّة‌ من‌ تلازم‌. أجل‌، فلو كان‌ سند الحديث‌ ضعيفاً، وهو غيرمؤيَّد بالدليل‌ القطعيّ فينبغي‌ التوقّف‌ فيه‌ فيما لو لم‌ يرد حديث‌ آخر يعارض‌ مفاده‌، لا أن‌ نحكم‌ بوضعه‌، أو بحجّيّته‌. فبأيّ قاعدة‌ أُصوليّة‌ ـإذَن‌ـ يتسنّي‌ لنا عدّ الحديث‌ موضوعاً، ومن‌ ثمّ إنكاره‌؟ وليس‌ لهذا الحديث‌ ذنب‌ سوي‌ أ نّه‌ ورد في‌ فضيلة‌ إمام‌ المظلومين‌ وصاحب‌ الولاية‌ الكبري‌ للانام‌، المعزول‌ في‌ داره‌. وليس‌ له‌ ذنب‌ سوي‌ أنّ مفاده‌ يقصر سبيل‌ السعادة‌ والفلاح‌ والإنسانيّة‌ وشرف‌ العلم‌ والحقيقة‌ علی‌ مدينة‌ العلم‌، ويعلن‌ بصراحة‌ أنّ علیاً بَابُهَا.

 إنّ أبا الصلت‌ الهرويّ هو أحد رواة‌ هذا الحديث‌. ولمّا كان‌ شيعيّاً واعياً قويّاً مقتدراً في‌ البحث‌، [6] فقد أسقطوه‌ وحطّوا من‌ شأنه‌ من‌ خلال‌ وصفه‌ بالتشيّع‌، وقالوا عنه‌: رافضي‌ّ خبيث‌، ودجّال‌، وكذّاب‌، وراوٍ أحاديثَ منكرة‌، هذا مع‌ أ نّه‌ كان‌ مشهوراً عند علماء العامّة‌، ويروي‌ أحاديثهم‌. ولو كانوا قد وثّقوه‌، لصدّقوا جميع‌ أحاديثه‌ المرويّة‌ بواسطته‌ عن‌ الإمام‌ المبين‌ وخليفة‌ شرع‌ سيّد المرسلين‌، الإمام‌ الغريب‌ المسموم‌ علی‌ّبن‌ موسي‌ الرضا علیه‌ السلام‌. لكنّهم‌ طعنوا فيه‌ لتفقد الروايات‌ المأثورة‌ عن‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ حجّيّتها عندهم‌.

 كان‌ أبو الصلت‌ خادماً للإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌، وروي‌ عنه‌ روايات‌ جمّة‌ في‌ الولاية‌، وهي‌ مذكورة‌ في‌ كتاب‌ «عيون‌ أخبار الرضا». ويحترم‌ أبناء العامّة‌ الإمام‌ الرضا، ويرونه‌ ثقة‌ مأموناً من‌ حيث‌ الرواية‌، ولايردّون‌ رواية‌ ثبت‌ صدورها عنه‌. ولكن‌ ما فائدة‌ ذلك‌ وهم‌ يسقطون‌ مثل‌ أبي‌الصلت‌، خادمه‌ الذي‌ كان‌ رجلاً تقيّاً، زاهداً، ناسكاً، معرضاً عن‌ الدنيا، عالماً بأخبار العامّة‌ ورواياتهم‌؟ وإنّما يفعلون‌ ذلك‌ ليسقطوا بالنتيجة‌ تعإلیم‌ الإمام‌ في‌ التوحيد، التي‌ تمثّل‌ ردّاً علی‌ الحنابلة‌ المجسِّمة‌، وكذلك‌ تعإلیمه‌ في‌ المعاد والعدل‌ والإمامة‌ والولاية‌ التي‌ تمثّل‌ ردّاً علی‌ جميع‌ مذاهبهم‌. وفعلوا ما فعلوا بإلصاق‌ التهم‌ بأبي‌ الصلت‌ الهروي‌ّ. وليس‌ له‌ من‌ ذنب‌ سوي‌ روايته‌ للحديث‌! وما علیكم‌ إلاّ أن‌ تناقشوا في‌ أصل‌ الحديث‌!

 الرجوع الي الفهرس

أبو الصلت‌ الهروي‌ّ من‌ ثقات‌ الشيعة‌ ورواتهم‌

 كان‌ ما تقدّم‌ موجزاً لترجمة‌ أبي‌ الصلت‌ من‌ كتب‌ رجال‌ العامّة‌، وأمّا ما في‌ كتب‌ الخاصّة‌، فنكتفي‌ بمختصر ذكره‌ شيخ‌ الفقهاء والمجتهدين‌: الشيخ‌ عبدالله‌ المامقانيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ ترجمته‌:

 قال‌ البعض‌: اثنان‌ يسمّيان‌ بعبدالسلام‌ بن‌ صالح‌، أحدهما عامّي‌ّ، والآخر شيعي‌ّ. وذهب‌ الشيخ‌ الطوسيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ باب‌ أصحاب‌ الرضا علیه‌ السلام‌ من‌ رجاله‌ إلی‌ أ نّه‌ عامّي‌ّ. وتبعه‌ العلاّمة‌ الحلّيّ في‌ باب‌ الكني‌ في‌ القسم‌ الثاني‌ من‌ كتابه‌ « الخلاصة‌ » وقال‌: هو عامّيّ من‌ أصحاب‌ الرضا علیه‌ السلام‌. وقد صدر هذا الكلام‌ من‌ العلاّمة‌ من‌ استعجاله‌ في‌ التصنيف‌، لانّ عدّه‌ إيّاه‌ في‌ القسم‌ الاوّل‌ شهادته‌ بأ نّه‌ ثقة‌ صحيح‌ الحديث‌ من‌ دون‌ غمز في‌ مذهبه‌ بوجه‌ نصّ في‌ تشيّعه‌.

 ومن‌ راجع‌ كلمات‌ أهل‌ الرجال‌ العامّة‌ والخاصّة‌، جزم‌ بأنّ عبدالسلام‌ ابن‌صالح‌ أبا الصلت‌ الخراسانيّ الهرويّ واحد لا اثنان‌. كما أنّ من‌ راجع‌ الاخبار وكلمات‌ الفريقين‌ من‌ أهل‌ الرجال‌ جزم‌ بأنّ هذا الرجل‌ شيعيّ إماميّ اثنا عشري‌ّ، وأنّ نسبة‌ العامّيّة‌ إلیه‌ من‌ الشيخ‌ سهو من‌ قلمه‌. ونسوق‌ فيما يأتي‌ شطراً من‌ كلمات‌ أهل‌ الرجال‌ ليستبين‌ الموضوع‌:

 قال‌ النجاشيّ: ثقة‌ صحيح‌ الحديث‌. له‌ كتاب‌ « وفاة‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ ». وهذا الكلام‌ نصّ علی‌ تشيّعه‌، إذ لم‌ يغمز في‌ مذهبه‌؛ وإطلاقه‌ الثقة‌ علیه‌ دليل‌ علی‌ كونه‌ إماميّاً. وزعم‌ بعض‌ الفضلاء أنّ إطلاقه‌ الثقة‌ علیه‌ لايدلّ علی‌ تشيّعه‌ بوجه‌، بل‌ قول‌ النجاشيّ: صحيح‌ الحديث‌ يومي‌ إلی‌ عدم‌صحّة‌ مذهبه‌. وهذا وهم‌، لانّ إنكار دلالة‌ إطلاق‌ الوثاقة‌ علی‌ التشيّع‌ ناشي‌ من‌ الذهول‌ عن‌ اصطلاح‌ رجال‌ الشيعة‌ إطلاق‌ الثقة‌ علی‌ العدل‌ الإماميّ الضابط‌ في‌ الرواية‌. ودعواه‌ دلالة‌ قول‌: صحيح‌ الحديث‌ علی‌ عدم‌صحّة‌ مذهبـه‌ من‌ الخيـالات‌ السـوداويّة‌. ألا تـري‌ إلی‌ ما يأتي‌ الآن‌ من‌ كـلام‌ ابن‌طاووس‌ الناصّ علی‌ كون‌ الرجل‌ نقيّ الحديث‌، شديد التشيّع‌؟!

 وفي‌ « التحرير الطاووسي‌ّ »: قال‌ أبو أحمد محمّد بن‌ سليمان‌ وهو من‌ العامّة‌: حدّثني‌ العبّاس‌ الدوريّ، قال‌: سمعت‌ يحيي‌ بن‌ نعيم‌ [7] يقول‌: أبوالصلت‌ نقي‌ّ الحديث‌. ورأيناه‌ سمع‌، ولكن‌ كان‌ شديد التشيّع‌، ولم‌يُرَ منه‌ الكذب‌.

 وقال‌ نزلة‌ بن‌ قيس‌ الإسفرايينيّ: سمعت‌ أحمد بن‌ سعيد الرازيّ يقول‌: أبوالصلت‌ الهرويّ ثقة‌ مأمون‌ علی‌ الحديث‌، إلاّ أ نّه‌ يحبّ آل‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌؛ وكان‌ دينه‌ ومذهبه‌ـانتهي‌. ومثله‌ بعينه‌ موجود في‌ كتاب‌ الكشِّي‌ّ.

 وقال‌ الذهبيّ ذهب‌ الله‌ بنوره‌: عبد السلام‌ بن‌ صالح‌ أبوالصلت‌ الهرويّ خادم‌ علی‌ّبن‌ موسي‌ الرضا علیهما السلام‌؛ روي‌ عن‌ حمّادبن‌ يزيد ومالك‌: وَاهٍ شِيعيٌّ مَعَ صَلاَحِهِ. وقال‌ في‌ « ميزان‌ الاعتدال‌ »: رَجُلٌ صَالِحٌ إلاَّ أَ نَّهُ شِيعِي‌ٌّ.

 وقال‌ الجعفيّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ. وقال‌ الدارقطنيّ: رَافِضِيٌّ مُتَّهَمٌ. وقال‌ ابن‌ الجوزي‌ّ: إنَّهُ خَادِمُ الرِّضَا علیه‌ السلام‌؛ شيعيّ مع‌ صلاحه‌. وجاء في‌ « أنساب‌ السمعاني‌ّ » عن‌ أبي‌ حاتم‌: إنَّهُ رَأْسُ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ. إلی‌ غير ذلك‌ من‌ كلماتهم‌ الناصّة‌ علی‌ كونه‌ إماميّاً شيعيّاً.

 ولقد أجاد الشهيد الثاني‌ رضوان‌ الله‌ علیه‌ حيث‌ استفاد من‌ ثاني‌ خبرَي‌ الكشّيّ أنّ أبا الصلت‌ كان‌ مخالطاً للعامّة‌، وراوٍ لاخبارهم‌؛ فلهذا قال‌: فلذلك‌ التبس‌ أمره‌ علی‌ الشيخ‌؛ وذكر في‌ كتابه‌ أ نّه‌ عامّي‌ّ، وتبعه‌ العلاّمة‌ في‌ باب‌ الكني‌ من‌ القسم‌ الثاني‌. ولكنّ عبدالسلام‌بن‌ صالح‌ واحد، ثقة‌ عند المخالف‌ والمؤالف‌، لكن‌ التبس‌ أمره‌ علی‌ بعض‌ الناس‌ لكونه‌ مخالطاً للجميع‌، ومثله‌ كثير من‌ رجال‌ الشيعة‌ قد التبس‌ أمرهم‌ علی‌ بعض‌ الناس‌ أيضاً كمحمّد بن‌ إسحاق‌ الإسفرايينيّ صاحب‌ كتاب‌ « السيرة‌ » المؤرّخ‌ المشهور، و سليمان‌ بن‌ مهران‌ أبي‌ محمّد الاسديّ الاعمش‌، وخلق‌ كثير. وفي‌ كتاب‌ الشيخ‌ الطوسيّ ما يؤذِن‌ بأ نّهما واحد، لا نّه‌ ذكره‌ مرّتين‌، إحداهما في‌ الكُنَي‌، والاُخري‌ في‌ باب‌ العين‌ باسمه‌. وذكر في‌ الموضعين‌ أ نّه‌ عامّي‌ّـانتهي‌ كلام‌ الشهيد الثاني‌ رضوان‌الله‌ علیه‌.

 وقال‌ المولي‌ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌: إنّ الاخبار الصادرة‌ عنه‌ في‌ «العيون‌» و «الامإلی» وغيرهما الصريحة‌ الناصّة‌ علی‌ تشيّعه‌، بل‌ وكونه‌ من‌ خواصّ الشيعة‌ أكثر من‌ أن‌ تحصي‌. وعلماء العامّة‌ ذكروا أ نّه‌ شيعي‌ّ. ثمّ نقل‌ كثيراً من‌ عبارات‌ العامّة‌.

 وهنا، قال‌ المامَقَاني‌ّ: أقول‌: كيف‌ يمكن‌ عدم‌ كون‌ الرجل‌ شيعيّاً مع‌ نقله‌ شطراً وافراً من‌ معجزات‌ الرضا والجواد علیهما السلام‌؟ وحكايته‌ شهادة‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌. بل‌ يستفاد ممّا نقله‌ الصدوق‌ رضي‌الله‌ عنه‌ في‌ «العيون‌» عنه‌ من‌ أحوال‌ الرضا علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ ممّن‌ يعتمده‌ الإمام‌ الرضا روحي‌ فداه‌، وأ نّه‌ صاحب‌ سرّه‌ وخاصّته‌. ثمّ نقل‌ المامقانيّ عدداً من‌ الروايات‌ الواردة‌ في‌ «العيون‌» والتي‌ تنصّ علی‌ تشيّع‌ راويها، وهو أبوالصلت‌. وقال‌ بعد ذلك‌: وبالجملة‌، فكون‌ الرجل‌ شيعيّاً إماميّاً عند من‌ راجع‌ الاخبار وكلمات‌ علماء الفريقين‌ كنارٍ علی‌ علم‌. وأنّ ما صدر من‌ الشيخ‌ من‌ رميه‌ بالعامّيّة‌ من‌ سهو القلم‌، وما صدر من‌ العلاّمة‌ هو استعجال‌ في‌ التصنيف‌.

 وممّن‌ صرّح‌ بهذا الاشتباه‌: ابن‌ شهرآشوب‌ حيث‌ قال‌: الذي‌ أعتقده‌ أنّ أبا الصلت‌ كان‌ إماميّ المذهب‌؛ وأنّ قول‌ العلاّمة‌ في‌ ] باب‌ [ الكني‌ إنّه‌ عامّيّ محلّ نظر، فإنّ الصدوق‌ نقل‌ في‌ «عيون‌ أخبار الرضا» ما هو صريح‌ في‌ أ نّه‌ من‌ خواصّ الإماميّة‌؛ يضاف‌ إلی‌ ذلك‌، أ نّي‌ رأيت‌ في‌ كثير من‌ كتب‌ رجال‌ العامّة‌ التشنيع‌ علیه‌ بأ نّه‌ شِيعِيٌّ رَافِضِي‌ٌّ جَلْدٌ كما في‌ « ميزان‌ الاعتدال‌ » وغيره‌ـانتهي‌ كلام‌ ابن‌ شهرآشوب‌.

 وبالجملة‌، لا غبار علی‌ تشيّع‌ هذا الرجل‌ من‌ وحي‌ الاحاديث‌ الكثيرة‌ التي‌ رواها، والتي‌ لم‌ يحدّث‌ بها الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ إلاّ الخواصّ من‌ شيعتهم‌ والمخلصين‌ لهم‌. ولذلك‌ لم‌ يروِها إلاّ الخواصّ الخُلَّص‌ من‌ الشيعة‌. ثمّ نقل‌ بعض‌ الكلمات‌ التي‌ ذكرها العلماء في‌ هذا الموضوع‌، وختم‌ كلامه‌ بعدد من‌ التذييلات‌، وقال‌ في‌ التذييل‌ الرابع‌:

 إنّ من‌ طريف‌ ما روي‌ عن‌ أبي‌ الصلت‌ حديث‌ جاء في‌ « كشف‌ الغمّة‌ » قال‌ فيه‌:

 قال‌ أبو الصلت‌ الهرويّ: حدّثني‌ علی‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا علیهما السلام‌ ـوكان‌ والله‌ ] رضا [ كما سمّي‌ّـ عن‌ أبيه‌ موسي‌ بن‌ جعفر، عن‌ أبيه‌ جعفربن‌ محمّد، عن‌ أبيه‌ محمّد بن‌ علی‌ّ، عن‌ أبيه‌ علی‌ّبن‌ الحسين‌، عن‌ أبيه‌ الحسين‌، عن‌ أبيه‌ علی‌ّ علیهم‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌: قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: الإيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ! [8]

 فلمّا خرجنا، قال‌ أحمد بن‌ حنبل‌: ما هذا الإسناد؟ ] يقول‌ أبو الصلت‌: [ فقال‌ له‌ أبي‌: هَذَا سُعُوطُ المَجَانِينَ إذَا سُعِطَ بِهِ المُجْنُونُ أَفَاقَ.

 وغرضه‌ أنّ هذا السند سند مبارك‌ إذا قُرِي‌ علی‌ المجنون‌ أفاق‌. ويشهد بذلك‌ ما في‌ « مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌ » قال‌: كان‌ أحمدبن‌ حنبل‌ مع‌ انحرافه‌ عن‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌ لمّا روي‌ عن‌ موسي‌بن‌ جعفر علیه‌ السلام‌ قال‌: حدّثني‌ أبو جعفر بن‌ محمّد، وهكذا إلی‌ النبيّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، ثمّ قال‌ أحمد: وهذا إسناد لو قُرِي‌ علی‌ مجنون‌ أفاق‌. [9]

 وقـال‌ فـي‌ التذييـل‌ الثانـي‌: قـال‌ فـي‌ محكـي‌ّ «تهذيـب‌ الكمـال‌»: عَبْدُالسَّلاَمِ بْنُ صَالِحٍ أَبُو الصَّلْتِ الهَرَويُّ خَادِمُ علی‌ِّبْنِ مُوسَي‌ الرِّضَا علیهِمَاالسَّلاَمُ شِيعِيٌّ مَعَ صَلاَحِهِ؛ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِينَ وَمِائَتَيْنِ ـ انتهي‌. [10]

 وعلی‌ ضوء ذلك‌، تشرّف‌ أبو الصلت‌ بخدمة‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ سنتين‌ تقريباً، وأدرك‌ عصر الإمام‌ الجواد، وشيئاً من‌ عصر الإمام‌ الهاديّ علیهما السلام‌، ذلك‌ أ نّه‌ كان‌ يسكن‌ مرو. وفي‌ سنة‌ 200ه أحضر المأمون‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ مرو، وكان‌ استشهاد الإمام‌ ـ علی‌ ما هو مشهورـ في‌ آخر صفر سنة‌ 203ه وهو ابن‌ خمس‌ وخمسين‌ سنة‌. واستشهد الإمام‌ محمّد الجواد علیه‌ السلام‌ سنة‌ 220ه، واستشهد الإمام‌ علی‌ّ الهاديّ علیه‌ السلام‌ سنة‌ 254ه. ويعود السبب‌ في‌ قلّة‌ رواية‌ أبي‌الصلت‌ عن‌ الإمامين‌: الجواد والهاديّ إلی‌ أ نّهماكانا ببغداد والمدينة‌ وسامرّاء، وهو كان‌ بمرو رحمة‌الله‌ ورضوانه‌ علیه‌. [11]

 يقع‌ قبر أبي‌ الصَّلْت‌ الهرويّ خارج‌ مدينة‌ مشهد المقدّسة‌ علی‌ بُعد فرسخين‌ عنها، وهو مزار للشيعة‌.[12]

 الرجوع الي الفهرس

أبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان‌ سقفها، حديثٌ موضوع‌

 أجل‌، لقد دخل‌ العامّة‌ إلی‌ هذا الحديث‌ المبارك‌ الذي‌ يمثّل‌ سنداً في‌ فضيلة‌ مولانا أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وأفضليّته‌ من‌ طريق‌ آخر ـوكم‌ حاول‌ معاندوهم‌ أن‌ يسقطوا شأن‌ الحديث‌، فلم‌يستطيعوا، إذ قام‌ بوجههم‌ أعلامهم‌ ومشايخهم‌ المنصفون‌، وأثبتوا في‌ كتبهم‌ أنّ حديث‌: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعلی بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ المَدِينَةَ فَلْيَأْتِ البَابَ حديث‌ صحيح‌ لايمكن‌ الغمز فيه‌ من‌ حيث‌ حجّيّته‌ـ فوضعوا حديثاً مضمونه‌: إذا كان‌ علی‌ّ باب‌ المدينة‌، فأبوبكر وعمر وعثمان‌ سورها؛ أو أنّ أبابكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان‌ سقفها. وأضاف‌ بعضهم‌ أيضاً أنّ معاوية‌ حلقتها. فلاتبقي‌ إذَن‌ فضيلة‌ لباب‌ المدينة‌ حيال‌ أساسها وجدارها وسقفها.

 نقل‌ السيوطي‌ّ عن‌ « تاريخ‌ ابن‌ عساكر » بسنده‌ عن‌ الحسن‌بن‌ تميم‌، عن‌ أنس‌ مرفوعاً قال‌: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ سُورُهَا وَعلی بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ العِلْمَ فَلْيَأْتِ البَابَ.

 وقال‌ ابن‌ عساكر: مُنْكَرٌ جِدَّاً إسْنَادَاً وَمَتْنَاً.

 وقال‌ ابن‌ عساكر ] في‌ تاريخه‌ أيضاً [: أنبأنا أبو الفجر غيث‌بن‌ علی الخطيب‌: حدّثني‌ أبو الفرج‌ الإسفرايينيّ: كان‌ أبو سعد إسماعيل‌بن‌ المثنّي‌ الإستراباذيّ يعظ‌ بدمشق‌، فقام‌ إلیه‌ رجل‌، فقال‌: أيّها الشيخ‌! ما تقول‌ في‌ قول‌ النبيّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعلی بَابُهَا؟! قال‌: فأطرق‌ لحظة‌، ثمّ رفع‌ رأسه‌ وقال‌: نعم‌! لا يعرف‌ هذا الحديث‌ علی‌ التمام‌ إلاّ من‌ كان‌ صدراً في‌ الإسلام‌!

 إنّما قال‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَأَبُوبَكْرٍ أَسَاسُهَا، وَعُمَرُ حِيطَانُهَا، وَعُثْمَانُ سَقْفُهَا وَعلی بَابُهَا. قال‌: فاستحسن‌ الحاضرون‌ ذلك‌ وهو يردّده‌. ثمّ سألوه‌ ( بعد أن‌ تمّ وعظه‌ ) أن‌ يخرج‌ له‌ إسناده‌ ( أي‌: يقول‌: أروي‌ هذا الحديث‌ عن‌ فلان‌، وهو عن‌ فلان‌، عن‌ فلان‌، إلی‌ أن‌ يصل‌ إلی‌ النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ) فَاغْتَمَّ وَلَمْ يُخْرِجْهُ لَهُمْ. [13]

 وقال‌ ابن‌ حجر الهَيتميّ في‌ كتاب‌ «الفتاوي‌ الحديثة‌» بعد أن‌ نقل‌ هذا الحديث‌: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَمُعَاوِيَةُ حَلَقَتُهَا فَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا. [14]

 ومع‌ ذلك‌ نجد في‌ كتابه‌: «الصواعق‌ المحرقة‌» أنّ عناده‌ ولجاجه‌ في‌ تشييد قواعد الباطل‌، وتضعيف‌ أركان‌ الحقّ، وإثبات‌ أعلميّة‌ أبي‌بكر علی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ قد أعمي‌ بصيرته‌، وأنّ ما حكم‌ بضعفه‌ في‌ كتاب‌ « الفتاوي‌ الحديثة‌ »، ذكره‌ هنا علی‌ نحو إرسال‌ المسلّمات‌، وتشبّث‌ بذلك‌ من‌ أجل‌ تضعيف‌ دلالة‌ قوله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: وَعلی بَابُهَا علی‌ انحصار مرجعيّة‌ الإمام‌ لكافّة‌ الانام‌. ويجد القول‌ المشهور: وَالغَرِيق‌ يَتَشَبَّثُ بِكُلِّ حَشِيشٍ مصداقه‌ هنا بكلّ وضوح‌. [15]

 يقول‌: أَوَّلاً: فَمَنْ أَرَادَ العِلْمَ فَلْيَأْتِ البَابَ لايقتضي‌ الاعلميّة‌، فقد يكون‌ غيرالاعلم‌ يُقْصَد لما عنده‌، من‌ زيادة‌ الإيضاح‌ والبيان‌ والتفرّغ‌ للناس‌ بخلاف‌ الاعلم‌.

 وثانياً: علی‌ أنّ تلك‌ الرواية‌ معارضة‌ بخبر فردوس‌ الديلمي‌ّ: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَأَبُو بَكْرٍ أَسَاسُهَا، وَعُمَرُ حِيطَانُهَا، وَعُثْمَانُ سَقْفُهَا، وَعلی‌ٌّ بَابُهَا. فهذه‌ صريحة‌ في‌ أنّ أبابكر أعلمهم‌.

 وحينئذٍ فالامر بقصد الباب‌ إنّما هو لنحو ما قلناه‌، لا لزيادة‌ شرفه‌ علی‌ ما قبله‌، لما هو معلوم‌ ضرورة‌ أنّ كلاّ من‌ الاساس‌، والحيطان‌، والسقف‌ أعلی‌ من‌ الباب‌.

 و ] ثالثاً [: شذّ بعضهم‌ فأجاب‌ بأنّ معني‌: وَعلی بَابُهَا من‌ العلوّ ] أي‌: أنا مدينة‌ العلم‌ وبابها رفيع‌ عإلی‌ الشأن‌ [ علی‌ حدّ قراءة‌ هَذَا صِرَاطُ علی‌ٌّ مُسْتَقِيمِ برفع‌ علی‌ّ وتنوينه‌، كما قرأ به‌ يعقوب‌. [16]

 ويستبين‌ ممّا ذكرناه‌ وهن‌ ما ذهب‌ إلیه‌ هذا الرجل‌، وذلك‌ للاسباب‌ الآتية‌:

 أوّلاً: أنّ هذا الرجل‌ قد حكم‌ بضعف‌ هذا الحديث‌ في‌ كتابه‌: « الفتاوي‌ »، فكيف‌ يتمسّك‌ بتلك‌ الحربة‌ البإلیة‌ المرفوضة‌؟ وكيف‌ يريد أن‌ يشهرها في‌ مقابل‌ قوله‌: وَعلی بَابُهَا بلا أدني‌ إشارة‌ إلی‌ سندها؟ وهل‌ لهذا من‌ معني‌ غيرالضعف‌ في‌ الاستدلال‌، والتضعضع‌ في‌ الاُسس‌ الإيمانيّة‌ والعقيديّة‌؟ قال‌ العلاّمة‌ الامينيّ: ذكر العجلونيّ في‌ «كشف‌ الخِفاء» ج‌1، ص‌204 عن‌ « الفردوس‌ » بلا إسناد عن‌ ابن‌ مسعود مرفوعاً، وكذلك‌ عن‌ أنس‌ مرفوعاً قال‌: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَعلی بَابُهَا وَمُعَاوِيَةُ حَلْقَتُهَا، قال‌: قال‌ في‌ « المقاصد »: وَبِالجُمْلَةِ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَلْفَاظُهَا رَكيكَةٌ.

 وقال‌ السـيّد محمّد درويـش‌ الحوت‌ في‌ كتاب‌ « أسـني‌ المطالب‌ » ص‌73: أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَأَبُو بَكْرٍ أَسَاسُهَا، وَعُمَرُ حِيطَانُهَا، وذلك‌ لاينبغي‌ ذكره‌ في‌ كتب‌ العلم‌ لا سيّما مثل‌ ابن‌ حجر الهيتمي‌ّ، ذكر ذلك‌ في‌ « الصواعق‌ والزواجر ». وهو غير جيّد من‌ مثله‌.[17]

 وثانياً: أنّ كلمة‌ الباب‌ أو فليأت‌ الباب‌ جاءت‌ من‌ أجل‌ انحصار طريق‌ الوصول‌ إلی‌ المقصد، لا من‌ أجل‌ شي‌ء آخر. وهي‌ من‌ الوجهة‌ الادبيّة‌ واللغويّة‌ أعلی‌ تعبير لعرض‌ الطريق‌ الانحصاريّ والسبيل‌ المقصور لبلوغ‌ المقصود. إذ إنّ كلّ من‌ كان‌ له‌ أدني‌ ذوق‌ علميّ وفهم‌ عرفي‌ّ، يعلم‌ أنّ « الباب‌ » هنا ليس‌ للدخول‌ والخروج‌، بل‌ لاخذ العلوم‌، والوصول‌ إلی‌ معدن‌ الاسرار النبويّة‌ الكامنة‌. ولا يتحقّق‌ هذا المرام‌ والمقصود إلاّ أن‌ يكون‌ ذلك‌ الباب‌ حاوياً جميع‌ علوم‌ النبوّة‌ ومشحوناً بكافّة‌ الاسرار الغيبيّة‌، إذ أراد النبيّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يسوق‌ أُمّته‌ نحوه‌، ويسقيهم‌ من‌ ذلك‌ الماء المعين‌، ويحصل‌ حصر طريق‌ الوصول‌ بكلمة‌ « الباب‌ » فحسب‌، وخاصّة‌ قد جاء في‌ آخرها ما يشدّد هذا التأكيد، وذلك‌ في‌ قوله‌: « فمن‌ أراد المدينة‌، فليأت‌ الباب‌ ».

 هذه‌ هي‌ النكتة‌ الادبيّة‌ اللطيفة‌ المستفادة‌ من‌ الباب‌، بَيدَ أنّ هذا المسكين‌ الوضّاع‌ الذي‌ ينبغي‌ أن‌ يُعَدَّ تعبيره‌ بالاساس‌ والحيطان‌ والسقف‌ مهزلة‌ حقّاً، تصوّر لنفسه‌ مدينة‌، يذهبون‌ في‌ داخلها وينظرون‌ إلی‌ جمالها، ويتجوّلون‌ بين‌ أسوارها، وينامون‌ تحت‌ سقفها، ويطرقون‌ بابها بالحلقة‌؛ وعلی‌ هذا المنوال‌ من‌ التخيّل‌ والتوهّم‌ وضع‌ هذا الحديث‌ وهو لايدري‌ أنّ المدينة‌ لاسقف‌ لها. وكانت‌ هناك‌ طرق‌ أفضل‌ وأرضي‌ من‌ غيرها لوضع‌ الحديث‌، فتوضـع‌ علی‌ كتف‌ الحكّام‌ الغاصبين‌ شـارة‌ الباطل‌ من‌ خـلال‌ تعابيرمقبولة‌، ويُلَوَّثُوا بالكتفيّات‌ الرصاصيّة‌ والحديديّة‌ مكان‌ الاوسمة‌ الزمرّديّة‌.

 يُشعر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بقوله‌: وَعلی بَابُهَا أنّ حبل‌ الاتّصال‌ بالعلوم‌ النبويّة‌، والارتواء من‌ مشرع‌ المعرفة‌ والحقيقة‌ هو خليفته‌ ووصيّه‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ليس‌ غيره‌، كما أنّ الطريق‌ الوحيد للوصول‌ إلی‌ المدينة‌ هو الدخول‌ من‌ بابها.

 وفي‌ ضوء ذلك‌ فالتعبير بالباب‌ كناية‌ لإيصال‌ المغزي‌. وأمّا أساس‌ المدينة‌، فلاشرف‌ له‌ غير بناء الجدران‌ علیه‌.

 فلابدّ لمن‌ يقصد المدينة‌ للاستفادة‌ من‌ منافعها أن‌ يدخلها من‌ بابها؛ وإذا أراد الدخول‌ من‌ غير الباب‌ فقد يهوي‌ ويهلك‌ في‌ الخندق‌ المحفور حولها. وإذا أراد التسلّق‌ علی‌ السور المحيط‌ بالمدينة‌، وألقي‌ نفسه‌ فيها فقد يرميه‌ الحرس‌ ويقتلوه‌، وإذا نجي‌ من‌ القتل‌ فسيقدّم‌ إلی‌ المحكمة‌ علی‌ أ نّه‌ سارق‌ وقاطع‌ طريق‌ وجاسوس‌.

 هذا هو معني‌ الباب‌، وأهمّيّة‌ التعبير به‌ في‌ هذا الحديث‌، وهو أهمّ من‌ الاساس‌، والجدار، والسقف‌، تلك‌ التي‌ ذكرها ابن‌ حجر. وإنّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ هو الباب‌ الوحيد الذي‌ يختبر الناس‌ بالدخول‌ منه‌. وهو علم‌ النبوّة‌، والقرآن‌، وكلّ ما يحتاج‌ إلیه‌ الناس‌ من‌ الاخلاق‌ والمعارف‌ والتوحيد والعقائد والاحكام‌ والقضاء والسياسة‌. وعموماً، فقد أودعت‌ فيه‌ كافّة‌ العلوم‌ الدنيويّة‌ والاُخرويّة‌. وأمّا زيادة‌ البيان‌ والإيضاح‌ في‌ الاحكام‌، والتفرّع‌ أكثر للنظر في‌ شؤون‌ الناس‌ ـالذي‌ لايراه‌ ابن‌ حجر ملازماً للاعلميّة‌ـ فهو خطأ أيضاً.

 إنّ من‌ نصبه‌ الله‌ مرجعاً عامّاً للمسلمين‌ ـ بل‌ للبشريّة‌ـ ينبغي‌ أن‌ يتمتّع‌ بسعة‌ العلم‌ والاطّلاع‌، والقدرة‌ علی‌ علاج‌ المشاكل‌ المستعصية‌، ورفع‌ الخصومات‌ والمحاكمات‌، وبيان‌ الاحكام‌، والعلم‌ بالتفسير وتأويل‌ القرآن‌ والسنّة‌ ومنهاج‌ رسول‌الله‌، وتشخيص‌ المؤمنين‌ من‌ المنافقين‌، وغير ذلك‌؛ كما ينبغي‌ له‌ أن‌ يكون‌ واضح‌ البيان‌ متفرّغاً للنظر في‌ الشؤون‌ العامّة‌، ومجالسة‌ الفقراء والمعوزين‌ وأصحاب‌ الحاجات‌.

 هذا هو نهج‌ الانبياء والاولياءالإلهيّين‌ بالحقّ؛ أمّا إذا أُهمل‌، فإنّه‌ يبدّل‌ برئاسة‌ دنيويّة‌ وحكومة‌ استبداديّة‌، إذ يخلد الإنسان‌ إلی‌ قصره‌، ويري‌ نفسه‌ هو الاعلم‌ والابصر بشؤون‌ الناس‌، وينيط‌ الاُمور بأشخاص‌ لايعرفون‌ حقيقتها، فيظهر ما يظهر.

 وكان‌ هذا هو نهج‌ مولي‌ المتّقين‌ علیه‌ السلام‌، فبينما أقرّ المخالف‌ والمؤالف‌ بأنّ علمه‌ بلغ‌ منزلة‌ بهرت‌ العقول‌، فإنّ فصاحته‌ وبلاغته‌ قد أخضعت‌ بلغاء الدنيا وفصحاءها. وفي‌ الوقت‌ الذي‌ كان‌ يقوم‌ ويقعد فيه‌ مع‌ البائسين‌ والمعدمين‌، كان‌ يمسح‌ رأس‌ إلیتيم‌، ويضع‌ اللقمة‌ في‌ فم‌ الكفيف‌، ويحمل‌ علی‌ كتفه‌ أكياس‌ الخبز والتمر ليوزّعها علی‌ الارامل‌ والايتام‌ والفقراء في‌ الليإلی‌ المظلمة‌. ويجيب‌ علی‌ أسئلة‌ الصغير والكبير.

 وثالثاً: إذا ذهبنا إلی‌ أنّ كلمة‌ علی‌ّ في‌ قوله‌: وَعلی‌ٌّ بَابُهَا هي‌ من‌ العلوّ بالمعني‌ الوصفيّ لا بالمعني‌ العَلَميّ، فهو كلام‌ ما أنزل‌ الله‌ به‌ من‌ سلطان‌. ولايحتمل‌ أحد هذا المعني‌ البعيد جدّاً عمّا يتبادر إلی‌ الذهن‌، فضلاً عن‌ التفوّه‌ به‌، فلهذا قال‌: كلام‌ شاذّ.

 والعجيب‌ هنا أ نّه‌ لو كان‌ المعني‌ وصفيّاً، إذ يفيد أنّ باب‌ المدينة‌ رفيع‌ وعال‌، فماذا يصنعون‌ بقوله‌: فَمَنْ أَرَادَ المَدِينَةَ فَلْيَأْتِ البَابَ! إذ يفيد هذا الكلام‌ أنّ مَن‌ أراد المدينة‌، فعلیه‌ أن‌ يدخل‌ من‌ هذا الباب‌. فإذا كان‌ المعني‌ وصفيّاً سيكون‌ الكلام‌ لغواً لا طائل‌ تحته‌، ولايمكن‌ نسبته‌ إلی‌ رسول‌الله‌.

 والاعجب‌ من‌ هذا أنّ ابن‌ حجر الذي‌ روي‌ في‌ صواعقه‌: أبوبكر أساسها، وعمر حيطانها، وعثمان‌ سقفها، ذكر جملة‌ فَمَنْ أَرَادَ المَدِينَةَ بعد قوله‌: وَعلی‌ٌّ بَابُهَا، فكيف‌ يخطر المعني‌ الوصفيّ في‌ بال‌ مفكّر من‌ المفكّرين‌؟

 وجاء في‌ المَثَل‌ الفارسي‌ّ: « الكذّاب‌ مجبول‌ علی‌ النسيان‌ »، فالذين‌ أرادوا أن‌ يحلّقوا كالخفافيش‌ ويهبطوا من‌ شمس‌ سماء الولاية‌ التي‌ أضاءت‌ مشارق‌ الارض‌ ومغاربها ليقبعوا في‌ كهوف‌ الجهل‌ والإنكار والجحود فراراً من‌ هذه‌ المنقبة‌ قد نسوا أنّ عبارة‌ فَمَنْ أَرَادَ المَدِينَةَ فَلْيَأْتِ البَابَ وردت‌ في‌ذيل‌ عبارة‌ وَعلی‌ٌّ بَابُهَا، لذا قد مرّوا علیها عُمياً لايبصرون‌.

 وتقوّلوا مثل‌ هذا علی‌ قوله‌ تعإلی‌: وَصَـ'لِحُ الْمُؤْمِنِينَ، ولم‌يعرفوا أ نّه‌ لو كان‌ المقصود من‌ صالح‌ المؤمنين‌ هو ليس‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، بل‌ جميع‌ صلحاء المؤمنين‌، لكُتب‌ وَصَالِحُو المُوْمِنِينَ. [18]

 الرجوع الي الفهرس

أبيات‌ ابن‌ فهد الهاشمي‌ّ والشيخ‌ كاظم‌ الاُزري‌ّ، وخاتمة‌ البحث‌

 ويحسن‌ بنا هنا ـ ونحن‌ نريد أن‌ نختم‌ بحثناـ أن‌ نتبرّك‌ بأشعار الحافظ‌ عزّالدين‌ عبدالعزيز المعروف‌ بابن‌ فهد الهاشمي‌ّ المكّيّ الشافعيّ المتوفّي‌ سنة‌ 932ه، انشدها في‌ مدح‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، وأشار فيها إلی‌ باب‌ علومه‌، وكذلك‌ نتبرّك‌ بأشعار الاُزريّ بعدها:

 لَيْثُ الحُـرُوبِ المِدْرَهُ الضَّـرْغَـامُ مَنْ                     بِحُسَـامِـهِ جَـابَ الدَّيَـاجـي‌ وَالظُّلَـمْ

 صِهْـرُ الرَّسُـولِ أَخُـوهُ بَـابُ عُلُـومِـهِ                     أَقْضَي‌ الصَّحَابَةِ ذُو الشَّـمَائِلِ وَالشِّـيَمْ

 الـزُّهْـدُ وَالـوَرَعُ الشَّــدِيـدُ شِــعَـارُهُ                      وَدِثَـارُهُ العَـدْلُ العَمِيـمُ مَـعَ الكَـرَمْ

 فِي‌ جُـودِهِ مَا البَحْـرُ؟ مَا التَّيَّـارُ؟ مَـا                     كُلُّ السُّـيُولِ؟ وَمَا الغَـوَادِي‌ وَالدِّيَـمْ

 وَلَـهُ الشَّـجَـاعَـةُ وَالشَّـهَـامَـةُ وَالحَيَـا                  وَكَـذَا الفَصَـاحَةُ وَالبَلاَغَـةُ وَالحِكَـمْ

 مَا عَنْتَـرُ؟ مَا غَيْـرُهُ فِـي‌ البَأْسِ؟ مَـا                     أُسْـدُ الشَّـرَي‌ مَعَهُ إذَا الحَرْبُ اصطَلَـمْ

 مَا نَجْـلُ سَـاعِـدَةَ البَلِيـغُ لَدَيْـهِ؟ مَـا                      سَـحْـبَـانُ إنْ نَـثَـرَ الكَـلاَمَ وَإنْ نَظَـمْ

 حَـاَز الفَضَـائِـلَ كُلَّهَـا سُبْـحَـانَ مَـنْ                      مِـنْ فَضْـلِـهِ أَعْـطَـاهُ ذَاكَ مِـنَ القِـدَمْ

 نَصَـرَ الرَّسُـولَ وَكَـمْ فَـدَاهُ؟ فَيَـا لَـهُ                     مِـنْ نَجْـلِ عَـمٍّ فَضْلُـهُ لِلخَلْـقِ عَـمْ

 كُـلٌّ أَقَــرَّ بِـفَـضْـلِــهِ حَـقَّــاً؟ وَذَا              أَمْـرٌ جَلـيٌّ فِـي‌ علی‌ٍّ مَـا انْـبَـهَـمْ

 فَـعلیـهِ مِـنِّـي‌ أَ لْـفُ أَ لْـفُ تَـحِـيَّـةٍ                       وَعلی‌ الصَّحَابَـةَ كُلِّهِـمْ أَهْـلِ الذِّمَـمْ [19]

 وأنشد شاعر أهل‌ البيت‌ الشيخ‌ كاظم‌ الاُزريّ قائلاً:

 عَائِـدٌ لِلمُؤْمِّليـنَ مُجِيـبٌ              سَامِعٌ مَا تُسَـرُّ مِنْ نَجْواهَا

 إنَّما المُصْطَفَي‌ مَدِينَةُ عِلْمٍ                     وَهُوَ البَابُ مَنْ أَتَاهُ أَتَاهَا

 وَهُمَا مُقْلَتَا العَوَالِمِ يُسْـراً                       هَا علی، وَأَحْمَدُ يُمْنَاهَا [20]

 فله‌ الحمد وله‌ الشكر وصلّي‌ الله‌ علی‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌، ولعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌.

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ السابع‌ والخمسون‌ بعد المائة‌ إلی‌ الستّين‌ بعد المائة‌:

 قضايا أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌

 

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللهُ علی‌ محمّد وآله‌ الطَّاهرين‌

ولعنة‌ اللَه‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ باللَه‌ العلی‌ّ العظيم‌

 

رواية‌ الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ أنّ: «الَّذِينَ يَعْلَمُونَ»، هم‌ الائمّة‌ الطاهرون‌

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 أَمَّنْ هُوَ قَـ'نِتٌ ءَانَآءَ إلیلِ سَاجِدًا وَقَآئمًا يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الاْلْبَـ'بِ.[21] ( هل‌ يستوي‌ هذا القانت‌ القائم‌ الراجي‌ رحمة‌ ربّه‌ مع‌ الشخص‌ الذي‌ إذا مسّه‌ ضرّ، دعا ربّه‌ منيباً إلیه‌. وإذا خوّله‌ ربّه‌ نعمة‌ كبيرة‌ منه‌ نسي‌ إنابته‌ ودعاءه‌. وجعل‌ للّه‌ شركاء ليضلّ عن‌ سبيله‌؟). [22]

 ورد في‌ « غاية‌ المرام‌ » حديث‌ واحد عن‌ العامّة‌، واثنا عشر حديثاً عن‌ الخاصّة‌ في‌ تفسير هذه‌ الآية‌ المباركة‌.

 أمّا عن‌ العامّة‌، فقد روي‌ عن‌ ابن‌ شهرآشوب‌، عن‌ النيسابوريّ في‌ « روضة‌الواعظين‌ » أنّ عُرْوَة‌ بن‌ الزبير كان‌ يقول‌: سمع‌ بعض‌ التابعين‌أنس‌ ابن‌مالك‌ يقول‌: نزلت‌ ] الآية‌: أَمَّنْ هُوَ قَـ'نِتٌ ءَانَآءَ إلیلِ سَاجِدًا وَقَانءِمًا [ في‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌.

 قال‌ ذلك‌ الرجل‌ ] التابعي‌ّ [: فأتيتُ علیاً علیه‌ السلام‌ وقت‌ المغرب‌ فوجدته‌ يصلّي‌ ويقرأ ] القرآن‌ [ إلی‌ أن‌ طلع‌ السحر. ثمّ جدّد وضوءه‌، وخرج‌ إلی‌ المسـجد وصلّي‌ بالناس‌ صـلاة‌ الفجـر؛ ثمّ قعد في‌ التعقيب‌ إلی‌ أن‌طلعت‌ الشمس‌، ثمّ قصده‌ الناس‌ فجعل‌ يقضي‌ بينهم‌ إلی‌ أن‌ حان‌ وقت‌ صـلاة‌ الظهـر، فجدّد الوضـوء ثمّ صلّي‌ بأصحابه‌ ] صلاة‌ [ الظهـر. ثمّ قعد في‌التعقيب‌ إلی‌ أن‌ صلّي‌ بهـم‌ العصـر، ثـمّ كان‌ يحكـم‌ بين‌ الناس‌ ويفتيهـم‌. [23]

 وأمّا عن‌ الشيعة‌، فالاوّل‌ عن‌ الكلينيّ بسنده‌ عن‌ عمّار الساباطي‌ّ، عن‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قال‌ بعد تفسير الآية‌ السابقة‌: عطف‌ الله‌ عزّ وجلّ القول‌ في‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ يخبر بحاله‌ وفضله‌ عند الله‌ تبارك‌ وتعإلی‌، ثمّ قال‌ أبوعبدالله‌ علیه‌ السلام‌: فهذا تأويله‌ يا عمّار.[24]

 وعن‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌ المنسوب‌ إلی‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قال‌ بعد تفسير الفقرة‌ السابقة‌: أَمَّنْ هُوَ قَـ'نِتٌ ءَانَآءَ إلیلِ سَاجِدًا وَقَانءِمًا يَحْذَرُ الاْخِرَةَ نزلت‌ في‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبّـِهِ [25]قُلْ ( يَامُحَمَّدُ ) هَلْ يَسْتَوِي‌ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الاْلْبَـ'بِ، يعني‌ أُولي‌ العقول‌. [26]

 وروي‌ تسع‌ روايات‌ بأسناد مختلفة‌ عن‌ الكُليني‌ّ، ومحمّدبن‌ الحسن‌ الصَّفَّار في‌ «بصائر الدرجات‌»، وأحمدبن‌ محمّد بن‌ خالد البرقيّ في‌ كتاب‌ «المحاسن‌»، وعن‌ محمّد بن‌ عبّاس‌ أنّ أبا جعفر الباقر، وأباعبدالله‌ الصادق‌ علیهما السلام‌ قالا في‌ تفسير هذه‌ الآية‌ الكريمة‌: نَحْنُ «الَّذِينَ يَعلَمُونَ»؛ وَعَدُوُّنَا «الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ»؛ وَشِيعَتُنَا «أُولُوا الاْلْبَـ'بِ». [27]

 وذكر الحاكم‌ الحَسْكانيّ بسنده‌ المتّصل‌ هذا المفاد من‌ التفسير عن‌ الباقر علیه‌ السلام‌. [28]

 وذكر الشيخ‌ الطبرسيّ هذا المضمون‌ مرسلاً بدون‌ إسناد.[29]

 وقال‌ العلاّمة‌ الطباطبائيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ بعد أن‌ روي‌ هذا المعني‌ عن «الكافي‌ » بسنده‌ عن‌ الإمام‌ الباقر علیه‌ السلام‌: وهذا المعني‌ مرويّ بطرق‌ كثيرة‌ عن‌ الباقر والصادق‌ علیهما السلام‌. وهو جَرْي‌ وليس‌ من‌ التفسير في‌ شي‌ء. [30]

 ونقل‌ الحاكم‌ الحَسْكانيّ أيضاً رواية‌ أُخري‌ بسند آخر عن‌ ابن‌عبّاس‌ أنّ المراد من‌ قوله‌: هَل‌ يَستَوِي‌ الَّذِينَ يَعلَمُونَ علی‌ّ وأهل‌ بيته‌ من‌ بني‌ هاشم‌. والمراد من‌ قوله‌: وَالَّذِينَ لاَ يَعلَمُونَ بنو أُميّة‌، والمراد من‌ قوله‌: أُولُوا الاْلْبَـ'بِ شيعتهم‌.[31]

 لقد بلغت‌ فضيلة‌ العلم‌ قدراً عظيماً بحيث‌ يبيّنها الله‌ تعإلی‌ علی‌ سبيل‌ الاستفهام‌ الإنكاريّ في‌ هذه‌ الآية‌: « قل‌ يا أيّها النبي‌ّ! هل‌ يستوي‌ الذين‌ يعلمون‌ والذين‌ لايعلمون‌ »؟! والآية‌ كسائر الآيات‌، تشعّ بتأ لّقها في‌ الاوساط‌ والمدارس‌ والحركات‌ والمذاهب‌ إلی‌ يوم‌ القيامة‌، وتتصدّر أُمّهات‌ النماذج‌ والشعارات‌ في‌ بيان‌ عظمة‌ العلم‌. وبالعلم‌ يميَّز الإنسان‌ عن‌ البهائم‌ والجمادات‌. وبه‌ ينتشل‌ الإنسان‌ من‌ الظلمات‌ إلی‌ النور. والفرق‌ بينه‌ وبين‌ الجهل‌ كالفرق‌ بين‌ النور والظلمة‌، والفرق‌ بين‌ القرب‌ والبعد، وبين‌ البصر والعمي‌، والسعادة‌ والشقاء، والجنّة‌ والنار، والحقيقة‌ والمجاز، وأخيراً الفرق‌ بين‌ الحقّ والباطل‌، والعرفان‌ وعدم‌ إدراك‌ عالم‌ الوجود وأسراره‌.

 الرجوع الي الفهرس

لامير المؤمنين‌ المقام‌ الاوّل‌ في‌ العلم‌ بين‌ الصحابة‌ والاُمّة‌ قاطبة‌

 واستبان‌ في‌ هذه‌ المباحث‌ أنّ لامير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ المقام‌ الاوّل‌ في‌ العلم‌ بين‌ أفراد الاُ مّة‌ الإسلاميّة‌ قاطبة‌. ولم‌يصل‌ أحد من‌ الصحابة‌ لذروة‌ ما بلغه‌ طائر علمه‌ المحلّق‌ الطموح‌، إذ كانوا يتساقطون‌ بأجنحة‌ مهيضة‌ أمام‌ تربّعه‌ علی‌ قمّة‌ طود العلم‌؛ ولم‌ تكن‌ الاُ مّة‌ الإسلاميّة‌ وحدها دونه‌، بل‌ كانت‌ الاُمم‌ الاُخري‌ بأسرها كذلك‌، وليس‌ هذه‌ الاُمم‌ فحسب‌، بل‌ كان‌ الانبياء السابقون‌ جميعهم‌ أيضاً.

 قال‌ ابن‌ شهرآشوب‌: رجع‌ عمر إلی‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ في‌ ثلاث‌ وعشرين‌ مسألة‌ ] لم‌ يجب‌ عنها أيّام‌ خلافته‌ [ حتّي‌ قال‌: لَوْلاَ علی‌ٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ. وقد رواه‌ الخلق‌ منهم‌ أبو بكر بن‌ عبّاس‌، [32] وأبوالمظفّر السمعاني‌ّ.

 وقال‌ الصاحب‌ بن‌ عبّاد في‌ هذا المجال‌:

 هَلْ مِثْلُ فَتْوَاكَ إذْ قَالُوا مُجَاهَرَةً             لَوْلاَ علی هَلَكْنَا فِي‌ فَتَاوِينَا

 وقال‌ الخطيب‌ الخوارزمي‌ّ:

 إذا عُـمَـرُ تَـخَـطَّ فِـي‌ جَـوَابِ                   وَنَـبَّـهَــهُ علی‌ٌّ بِالـصَّــوَابِ

 يَـقُـولُ بِـعَـدْلِــهِ لَـوْلاَ علی‌ٌّ                      هَلَكْتُ هَلَكْتُ فِي‌ ذَاكَ الجَوَابِ

 وقد اشتهر عن‌ أبي‌ بكر قوله‌: فَإنِ اسْتَقَمْتُ فَاتَّبِعُونِي‌ وَإنْ زِغْتُ فَقَوِّمُونِي‌. وقوله‌: أمّا الفَاكِهَةُ فَأعرفها، وأمّا الاَبُّ فالله‌ أعلم‌. [33]

 وقوله‌ في‌ الكَلاَلَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْي‌ٍ فَإنْ أَصَبْتُ فَمِنَ اللَهِ؛ وَإنْ أَخْطَأْتُ فَمِنِّي‌ وَمِنَ الشَّيْطَانِ؛ الكَلاَلَةُ مَا دُونَ الوَلَدِ وَالوَالِدِ. [34]

 ولم‌ يحر عمر جواباً عندما سأله‌ سبع‌ [35] عن‌ الذَّارِيات‌.

 ] وورد عن‌ عمر أيضاً [ قوله‌: لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ إمَامٍ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٍ أَصَابَتْ، نَاضَلَتْ أَمِيرَكُمْ فَنضَلَتْهُ.

 وكذلك‌ في‌ المسألة‌ الحِمَارِيَّة‌، وآية‌ الكلالة‌، وقضائه‌ في‌إرث‌الجَدِّ[36]، وغير ذلك‌ من‌ القضايا والمسائل‌ التي‌ سئل‌ عنها عمر، وعي‌ّ عن‌ جوابها.

 وقد شهد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ بالعلم‌ في‌ قوله‌: علی‌ٌّ عَيْبَةُ عِلْمِي‌. وقوله‌: علی‌ٌّ أَعْلَمُكُمْ عِلْماً وَأَقْدَمُكُمْ سِلْماً. وقوله‌: أَعْلَمُ أُمَّتِي‌ بَعْدِي‌ علی‌ُّبْنُ أَبِي‌طَالِبٍ. رواه‌ علی‌ّبن‌ هاشم‌، وابن‌ شيرويه‌ الديلميّ بإسنادهما إلی‌ سلمان‌.

 وقوله‌: أعْطَي‌ اللَهُ علیاً مِنَ الفَضْلِ جُزْءاً لَوْ قُسِّمَ علی‌ أَهْلِ الاَرْضِ لَوَسِعَهُمْ؛ وَأَعْطَاهُ مِنَ الفَهْمِ جُزْءاً لَوْ قُسِّمَ علی‌ أَهْلِ الاَرْضِ لَوَسِعَهُمْ.

 وما ذُكر في‌ « حلية‌ الاولياء » أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ سئل‌ عن‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌، فقال‌: قُسِّمَتِ الحِكْمَةُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ فَأُعْطِي‌َ علی‌ٌّ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ وَالنَّاسُ جُزْءاً وَاحِدَاً.[37]

 وقال‌ ربيع‌ بن‌ خُثيم‌: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً مَنْ يُحِبُّهُ أَشَدَّ حُبَّاً مِنْ علی وَلاَمَنْ يُبْغِضُهُ أَشَدَّ بُغْضاً مِنْ علی. ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا».[38]

 واستُدِلَّ بالحساب‌ فقالوا: أَعْلَمُ الاُ مَّةِ علی‌ٌّ بْنُ أَبِي‌ طَالِبٍ اتّفقا، في‌ مائتين‌ وثمانية‌ عشر. وكذلك‌ قولهم‌: أَعْلَمُ الاُ مَّةِ جَمَالُ الاُ مَّةِ علی‌ُّبْنُ أَبِي‌طَالِبٍ سَيِّدُ النُّجَبَاءِ، اتّفقا في‌ ثلاثمائة‌ وسبعين‌.

 وقال‌ ديك‌ الجنّ:

 هُـوَ الَّذِي‌ سُـمِّي‌ أَبَـا البَيَـانِ                   صَدَقْتَ قَـدْ أَصَبْـتَ بِالبَيَـانِ

 وَهُوَ أَبُو العِلْـمِ الَّذِي‌ لاَ يُعْلَمُ                    مِنْ قَوْلِهِ قُولُوا وَلاَ تَحَمْحَمُوا

 وقد أجمعوا علی‌ أنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: أَقْضَاكُمْ علی‌ٌّ.

 الرجوع الي الفهرس

حوار الإمام الصادق‌ مع‌ ابن‌ أبي‌ ليلي‌ في‌ علم‌ أمير المؤمنين‌

 ورُوينا عن‌ سعيد بن‌ أبي‌ الخضيب‌ وغيره‌ أ نّه‌ قال‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ لابن‌ أبي‌ ليلي‌: أتقضي‌ بين‌ الناس‌ يا عبد الرحمن‌؟!

 قال‌: نعم‌ يا ابن‌ رسول‌ الله‌!

 قال‌: بأيّ شي‌ءٍ تقضي‌؟!

 قال‌: بكتاب‌ الله‌!

 قال‌: فما لم‌ تجد في‌ كتاب‌ الله‌!

 قال‌: من‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌! وما لم‌ أجده‌ فيهما، أخذته‌ عن‌ الصحابة‌ بما اجتمعوا علیه‌!

 قال‌: فإذا اختلفوا فبقول‌ مَن‌ تأخذ منهم‌؟

 قال‌: بقول‌ من‌ أردتُ، وأُخالف‌ الباقين‌.

 قال‌: فهل‌ تخالف‌ علیاً فيما بلغك‌ أ نّه‌ قضي‌ به‌؟!

 قال‌: ] نعم‌! [ ربما خالفته‌ إلی‌ غيره‌ منهم‌.

 قال‌: ما تقول‌ يوم‌ القيامة‌ إذا رسول‌ الله‌ قال‌: أي‌ ربّ! إنّ هذا بلغه‌ عنّي‌ قولي‌ فخالفه‌؟!

 قال‌: وأين‌ خالفت‌ قوله‌ يا ابن‌ رسول‌ الله‌؟

 قال‌: فبلغك‌ أنّ رسول‌ الله‌ قال‌: أَقْضَاكُمْ علی‌ٌّ؟!

 قال‌: نعم‌! قال‌: فإذا خالفت‌ قوله‌، لم‌ تخالف‌ قول‌ رسول‌ الله‌؟

 فاصفرّ وجه‌ ابن‌ أبي‌ ليلي‌ وسكت‌! [39]

 وجاء في‌ كتاب‌ «الإبانة »: قال‌ أبو أُمامة‌: قال‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ وَالقَضَاءِ بَعْدِي‌ علی‌ٌّبْنُ أَبِي‌طَالِبٍ.

 ( وذكر ) في‌ كتاب‌ « الجِلاء والشفاء والإحَن‌ والمِحَن‌ » أنّ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ قال‌: قضي‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ بقضيّة‌ بإلیمن‌، فأتوا النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ فقالوا: إنَّ علیاً ظَلَمَنَا.

 فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌:

 إنَّ علیاً لَيْـسَ بِظَالِمٍ وَلَمْيُخْلَقْ لِلظُّلْـمِ وَإنَّ علیاً وَلِيُّكُـمْ بَعْدِي‌ وَالحُكْـمُ حُكْمُهُ وَالقَـوْلُ قَوْلُهُ لاَيَـرُدُّ حُكْمُهُ إلاَّ كَافِـرٌ وَلاَيَرْضَي‌ بِهِ إلاَّ مُؤْمِـنٌ.

 وإذا ثبت‌ ذلك‌ فلا ينبغي‌ لهم‌ أن‌ يتحاكموا بعد رسول‌ الله‌ إلی‌ غير علی‌ّ. و ] كلمة‌ [ القضاء ] الواردة‌ في‌ هذه‌ الروايات‌ تشمل‌ [ جميع‌ علوم‌ الدين‌. فإذا يكون‌ هو الاعلم‌، فلا يجوز تقديم‌ غيره‌ علیه‌، لا نّه‌ يقبح‌ تقديم‌ المفضول‌ علی‌ الفاضل‌.

 وقال‌ الشاعر المعروف‌ العوني‌ّ:

 أَمَّـنْ سِـوَاهُ إذَا أُتِـي‌ بِقَضِـيَّـةٍ                 طَرَدَ الشُّكُوكَ وَأَخْرَسَ الحُكَّامَا

 فَإذَا رَأَي‌ رَأْيـاً فَخَـالَـفَ رَأْيَـهُ                    قَـوْمٌ وَإنْ كَـدُّوا لَـهُ الاَفْـهَـامَا

 نَـزَلَ الكِتَـابُ بِرَأْيِـهِ فَكَـأَنَّـمَـا                    عَقَـدَ الإلَـهُ بِـرَأْيِـهِ الاَحْـكَـامَا

 وقال‌ ابنُ حَمَّاد:

 علیـمٌ بِمَا قَـدْ كَانَ أُوْ هُـوَ كَائِنٌ                وَمَا هُوَ دِقٌّ فِي‌ الشَّـرَائِعِ أَوْ جِلُّ

 مُسَمَّي‌ مُجَلاَّ [40] في‌ الصَّحَائِفِ كُلِّهَا                   فَسَلْ أَهْلَهَا وَاسْمَعْ تِلاَوَةَ مَن‌ يَتْلُو

 وَلَوْلاَ قَضَايَاهُ الَّتِي‌ شَـاعَ ذِكْرُهَا               لَعَطَّلَتِ الاَحْكَامُ وَالفَرْضُ وَالنَّفْلُ

 وقال‌ السيّد إسماعيل‌ الحِمْيَري‌ّ:

 مَنْ كَانَ أَعْلَمَهُمْ وَأَقْضَاهُمْ وَمَنْ              جَعَلَ الرَّعِيَّةَ وَالرِّعَـاءَ سَـوَاءَا [41]

 أجل‌، فقد بلغت‌ علوم‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ حدّاً من‌ العمق‌ والشمول‌ بحيث‌ أعجزت‌ كلّ من‌ يروم‌ جمعها في‌ كتاب‌.

 كتاب‌ فضـل‌ تـرا آب‌ بحـر كافـي‌ نيـسـت‌                     كه‌ تر كند سر انگـشـت‌ و صفحه‌ بشـمارد [42]

 وزخرت‌ كتب‌ الحديث‌ والتفسير والتأريخ‌ والسنن‌ والسيرة‌ والادب‌ والفقه‌ والمعارف‌ السنّيّة‌ والشيعيّة‌ بعلوم‌ الإمام‌، حتّي‌ جلّت‌ عن‌ التعداد والإحصاء.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الصحابيّ اصطلاحاً هو من‌ أدرك‌ بإسلامه‌ النبيّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، وزاره‌ ولو لحظة‌ واحدة‌. والتابعيّ هو الذي‌ لم‌ يدرك‌ بإسلامه‌ النبي‌ّ، بل‌ أدرك‌ أصحابه‌. والمخضرم‌هو الذي‌ عاش‌ مدّة‌ من‌ عمره‌ في‌ الجاهليّة‌، ومدّة‌ منه‌ في‌ الإسلام‌.

[2] ـ «اللآلي‌ المصنوعة‌» ج‌ 1، ص‌ 332 إلي‌ 334، الطبعة‌ الثانية‌.

[3] ـ «اللآلي‌ المصنوعة‌» ج‌ 1، ص‌ 334؛ و«لسان‌ الميزان‌» ج‌ 2، ص‌ 123.

[4] ـ «تهذيب‌ التهذيب‌» ج‌ 6، ص‌ 320.

[5] ـ ذكر الخطيب‌ ترجمة‌ الاعمش‌ في‌ «تاريخ‌ بغداد» ج‌ 9، ص‌ 3 إلي‌ 13، وفيما يأتي‌ موجزاً لها:

 سليمان‌ بن‌ مهران‌ أبو محمّد الاعمش‌ مولي‌ بني‌ كاهل‌. ولد علي‌ ما ذكر جريربن‌ عبدالحميد بدَنباوند وهي‌ ناحية‌ جبليّة‌ في‌ أطراف‌ الري‌. وقال‌ عبّاس‌ الدوري‌ّ: كان‌ الاعمش‌ رجلاً من‌ أهل‌ طبرستان‌ من‌ قرية‌ يقال‌ لها: دَباوند. جاء به‌ أبوه‌ حميلاً إلي‌ الكوفة‌ فاشتراه‌ رجل‌ من‌ بني‌ كاهل‌ من‌ بني‌ أسد واعتقه‌، فهو مولي‌ لبني‌ أسد، وكان‌ نازلاً فيهم‌. قيل‌: ولد عمربن‌ عبدالعزيز، وهشام‌ بن‌ عروة‌، والزُّهْريّ، وقتادة‌، والاعمش‌ ليالي‌ قتل‌ الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ سنة‌ 61 ه. وكان‌ ثقة‌. وكان‌ محدّث‌ أهل‌ الكوفة‌ في‌ زمانه‌. قيل‌: إنّه‌ ظهر له‌ أربعة‌ آلاف‌ حديث‌؛ ولم‌يكن‌ له‌ كتاب‌. وكان‌ من‌ رؤساء قراءة‌ القرآن‌، وكان‌ فصيحاً. وكان‌ أبوه‌ من‌ سبي‌ الديلم‌. وكان‌ عسراً سيّي‌ الخلق‌. وكان‌ الاعمش‌ عالماً بالاحكام‌ والفرائض‌، ولم‌يكن‌ في‌ طبقته‌ أكثر حديثاً منه‌. وكان‌ فيه‌ تشيّع‌. وكان‌ زاهداً متواضعاً، ذهب‌ إلي‌ صلاة‌ الجمعة‌ يوماً وعليه‌ فرو مقلوب‌ وعلي‌ كتفه‌ منديل‌ الخوان‌ مكان‌ الرداء. قال‌ عيسي‌بن‌ يونس‌: لم‌نر نحن‌ ولا القرن‌ الذين‌ كانوا قبلنا مثل‌ الاعمش‌. وما رأيت‌ الاغنياء والسلاطين‌ عند أحد أحقر منهم‌ عند الاعمش‌ مع‌ فقره‌ وحاجته‌. وكان‌ الاعمش‌ من‌ نسّاك‌ زمانه‌ وكان‌ محافظاً علي‌ صلاة‌ الجماعة‌ وعلي‌ الصفّ الاوّل‌ وهو علاّمة‌ الإسلام‌. وكان‌ يحيي‌ بن‌ معين‌ يقول‌: كان‌ الاعمش‌ جليلاً جدّاً. وكان‌ ابن‌ عينيّة‌ يقول‌: كان‌ أقرأهم‌ للقرآن‌، وأحفظهم‌ للحديث‌، وأعلمهم‌ بالفرائض‌. وعندما كان‌ يذكر اسم‌ الاعمش‌ عند شعبة‌، كان‌ يقول‌: المصحف‌، المصحف‌. توفّي‌ الاعمش‌ سنة‌ 148 ه.

[6] ـ ذكر الذهبيّ في‌ «ميزان‌ الاعتدال‌» ج‌ 2، ص‌ 616. تحت‌ الرقم‌ 5051 ترجمة‌ عبدالسلام‌ أبي‌ الصلت‌ الهرويّ وقال‌: عبدالسلام‌ بن‌ صالح‌ أبو الصلت‌ الهرويّ الرجل‌ الصالح‌، إلاّ أ نّه‌ شيعيّ جَلْدٌ. روي‌ عن‌ حمّاد بن‌ زيد، وأبي‌ معاوية‌، وعليّ الرضا عليه‌ السلام‌. ونقل‌ كلام‌ أبي‌ حاتم‌ فيه‌ إذ قال‌: لم‌ يكن‌ عندي‌ بصدوق‌، وذكر إسقاط‌ أبي‌زرعة‌ حديثه‌، وأورد كلام‌ العُقَيليّ فيه‌ إذ قال‌: رافضيّ خبيث‌، وكذلك‌ كلام‌ ابن‌ عدي‌ّ. أ نّه‌ متّهم‌،وكلام‌ النسائيّ أ نّه‌: ليس‌ بثقة‌، وكلام‌ الدارقطنيّ أ نّه‌: رافضيّ خبيث‌ متّهم‌ بوضع‌ حديث‌: الایمان‌ إقرار بالقلب‌، وقال‌ أيضاً: كلبٌ للعلويّة‌ خير من‌ بني‌ أُميّة‌، وذكر مطالب‌ أُخري‌ كتوثيق‌ يحيي‌بن‌ معين‌ إيّاه‌، وجمع‌ المأمون‌ بنيه‌ وبين‌ بشر المريسي‌ّ، وتغلّبه‌ علي‌ المريسيّ في‌ جميع‌ مجالس‌ البحث‌، وقال‌ بعد نقل‌ هذه‌ المطالب‌ الاخيرة‌ عن‌ أحمدبن‌ سيّار في‌ «تاريخ‌ مرو»: قال‌ أحمد بن‌ سيّار: ناظرته‌ لاعرف‌ حقيقة‌ مذهبه‌، فلم‌أره‌ قد أفرط‌، إلاّ أ نّه‌ يروي‌ أحاديث‌ في‌ مثالب‌ الخلفاء.

[7] ـ المقصود: يحيي‌ بن‌ معين‌. وقد حدث‌ تصحيف‌ في‌ هذه‌ النسخة‌ سهواً.

[8] ـ ذكر الخطيب‌ البغداديّ في‌ «تاريخ‌ بغداد» ج‌ 11، ص‌ 51 عن‌ أبي‌ الحسن‌ الدارقطني‌ّ أ نّه‌ قال‌: روي‌ أبوالصلت‌ حديثاً عن‌ جعفر بن‌ محمّد عليه‌ السلام‌، عن‌ آبائه‌، عن‌ النبيّ صلّي‌الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ قال‌ فيه‌: الایمان‌ إقرارٌ بالقول‌ وعمل‌ بالجوارح‌ ـالحديث‌. وأبوالصلت‌ متّهم‌ بوضع‌ هذا الحديث‌، إذ لم‌ يحدّث‌ به‌ إلاّ من‌ سرقه‌ منه‌؛ فهو الابتداء في‌ هذا الحديث‌.

 ونقل‌ الذهبيّ في‌ «ميران‌ الاعتدال‌» ج‌ 2، ص‌ 616 هذه‌ العبارة‌ نفسها في‌ أبي‌الصلت‌ عن‌ الدارقطني‌ّ. قال‌: قال‌ الدارقطنيّ: رافضيّ خبيث‌ متّهم‌ بوضع‌ حديث‌: الایمان‌ إقرار بالقلب‌ (خ‌:بالقول‌) ـانتهي‌. وهذا مورد من‌ الموارد الاُخري‌ التي‌ يغمز العامّة‌ فيها أبا الصلت‌. إذ لمّا كان‌ مفاد هذا الحديث‌ يخالف‌ مذهبهم‌، لكونهم‌ يرون‌ الایمان‌ اعتقاداً قلبيّاً فحسـب‌، فلهذا اتّهموا أبا الصلت‌ بوضع‌ الحديث‌ المذكور. وهذا خطأ واضح‌، ذلك‌ أنّ أبا الصلت‌ رواه‌ مسلسلاً عن‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ إلي‌ رسول‌ الله‌. فهو مسند لاموضوع‌. وعلّة‌ تفرّده‌ به‌ أنّ أحداً لم‌يروِه‌ عن‌ الائمّة‌ قبله‌. وهذا ليس‌ دليلاً علي‌ وضعه‌. وما أكثر نظائره‌ التي‌ رواها الخلف‌ من‌ المحدّثين‌ عن‌ الائمّة‌، ولم‌يروها السلف‌ منهم‌!

[9] ـ أصل‌ هذا الموضوع‌ في‌ «المناقب‌» ج‌ 2، ص‌ 378، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[10] ـ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 2، ص‌ 151 و 152.

[11] ـ ذكر المحدّث‌ القمّيّ في‌ « سفينة‌ البحار » ج‌ 2، ص‌ 39 و 40 نبذة‌ موجزة‌ عن‌ أبي‌الصلت‌. وهو ما نقلناه‌ عن‌ المامقانيّ. وأضاف‌ أنّ المأمون‌ حبسه‌ بعد وفاة‌ ] الإمام‌ [ الرضا عليه‌ السلام‌. فكان‌ في‌ الحبس‌ سنة‌ فضاق‌ صدره‌. فدعا الله‌ بمحمّد وآله‌ الطاهرين‌، فأخرجه‌ الإمام‌ الجواد عليه‌ السلام‌ بإعجازه‌. وكان‌ مع‌ ] الإمام‌ [ الرضا عليه‌ السلام‌ حين‌ رحل‌ من‌ نيسابور ] إلي‌ أن‌ استشهد [ وذكر أحاديث‌ شريفة‌ عن‌ ] الإمام‌ [ الرضا عن‌ آبائه‌ عن‌ النبيّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ في‌ شكر نعمة‌ المنعم‌ وفي‌ معني‌ الاءيمان‌ ينبغي‌ أن‌ تكتب‌ بالتبر. كان‌ يحضر مجلسه‌ متفقّهة‌ نيسابور وأصحاب‌ الحديث‌ منهم‌. ومضافاً إلي‌ ما ذكره‌ المرحوم‌ القمّي‌ّ عن‌ مقبرة‌ له‌ خارج‌ مشهد، فقد قال‌: وتنسب‌ إليه‌ مقبرة‌ في‌ محلّة‌ من‌ محلاّت‌ قم‌ قرب‌ الموضع‌ بدرب‌ الري‌.

 يقـع‌ بالقرب‌ من‌ قبر الخواجـة‌ أبي‌ الصلت‌ قبر يعـرف‌ بقبـر الخواجـة‌ مراد، وهو قبر هَرْثَمَة‌بن‌ أَعْيَن‌. قال‌ في‌ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 3، ص‌ 291: يظهر من‌ «عيون‌ أخبار الرضا» ] أنّ هذا الرجل‌ [ كانت‌ له‌ محبّة‌ تامّة‌ وإخلاص‌ كامل‌ بالنسبة‌ إلي‌ ] الإمام‌ [ الرضا عليه‌ السلام‌، بل‌ ربما يظهر منها كونه‌ شيعة‌ له‌ ومن‌ خواصّه‌ وأصحاب‌ أسراره‌ وأ نّه‌ كان‌ مشهوراً معروفاً بالتشيّع‌. فإنّه‌ قال‌ في‌ جملة‌ ] بعد استشهاد الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ [: فإذا أنا بالمأمون‌ قد أشرف‌ عَلَي‌َّ فصاح‌ بي‌: يا هرثمة‌! أليس‌ زعمتم‌ أنّ الإمام‌ لا يغسله‌ إلاّ الإمام‌ مثله‌؟ فأين‌ محمّدبن‌ علي‌ّ؟ فقلت‌ له‌: يا أمير المؤمنين‌! إنّا نقول‌: إنّه‌ لايجب‌ للاءمام‌ أن‌ يغسله‌ إلاّ إمام‌ مثله‌، فإن‌ تعدّي‌ متعدّ فغسل‌ الإمام‌ لايبطل‌ إمامة‌ الإمام‌ لتعدّي‌ غاسله‌؛ ولابطلت‌ إمامة‌ الإمام‌ الذي‌ بعده‌؛ فإنّه‌ نصّ في‌ كونه‌ شيعيّاً بصيراً بفروع‌ المذهب‌ وأُصوله‌. وبعد أن‌ نقل‌ المامقانيّ مطلباً من‌ «كشف‌ الغمّة‌» قال‌: ولكن‌ بعد هذا الكلام‌ كلّه‌، ففي‌ النفس‌ من‌ حُسنه‌ شي‌ء، فإنّ أهل‌ السير ] والمؤرّخين‌ [ عدّوه‌ من‌ قوّاد المأمون‌، وقالوا: إنّه‌ بعثه‌ الحسن‌بن‌ سهل‌ لقتال‌ محمّدبن‌ محمّدبن‌ زيد، وإنّه‌ حمله‌ أخيراً إلي‌ المأمون‌ فسمّه‌ فمات‌.

[12] ـ يبعد قبر أبي‌ الصلت‌ عن‌ الصحن‌ الرضويّ الشريف‌ خمسـة‌ عشـر كيلومتراً ومائتي‌متر تماماً، ويبعد قبر الخواجة‌ مراد عشرين‌ كيلومتراً.

[13] ـ «اللآلي‌ المصنوعة‌» ج‌ 1، ص‌ 335 و 336، الطبعة‌ الثانية‌.

[14] ـ «الفتاوي‌ الحديثة‌» ص‌ 197.

[15] ـ

 مـحـمّـد عـربـي‌ آبـروي‌ هـر دو ســراي                                ‌ كسـي‌ كـه‌ خـاك‌ درش‌ نيـسـت‌ خاك‌ بر سـر او

 شـنيـده‌ام‌ كـه‌ تكلّـم‌ نمـود همچـو مـسـيح‌                                بـر ايـن‌ حـديـث‌ لـب‌ لـعـل‌ روح‌ پــرور او

 كـه‌ مـن‌ مدينـة‌ علمـم‌ علـيّ دراسـت‌ مـرا                  عجب‌ خجسـته‌ حديثـي‌اسـت‌ من‌ سـگ‌ در او

 ولايـت‌ شـه‌ مـردان‌ نه‌ كـار بي‌ پـدري‌ اسـت‌                                كـه‌ دسـت‌ غـيـر گـرفتـه‌ اسـت‌ پـاي‌ مـادر او

 يقول‌: «محمّد العربيّ شرف‌ الدارين‌، فقبحاً لمن‌ لم‌ يكن‌ تراب‌ بابه‌.

 سمعتُ أ نّه‌ تكلّم‌ بهذا الحديث‌ كالمسيح‌ ونطقت‌ به‌ شفتاه‌ القانيتان‌ المربيّتان‌ للروح‌.

 فقال‌: أنا مدينة‌ العلم‌ وعلي‌ّ بابها، فما أروعه‌ من‌ حديث‌ مبارك‌! وأنا كلبه‌ (كلب‌ علي‌ّ عليه‌ السلام‌).

 إنّ ولاء علي‌ّ عمل‌ الشريف‌ النجيب‌ لا عمل‌ ابن‌ الزنا الذي‌ فُعل‌ بأُمّة‌ ما فُعل‌».

 وإنّ مسبار طهر الفطرة‌ ونقائها في‌ الولادة‌ محبّة‌ أُولئك‌ العظام‌؛ كما هو مأثور في‌ الحديث‌ النبويّ عن‌ جابر بن‌ عبد الله‌ الانصاريّ: يا معاشر المهاجرين‌ والانصار! أدّبوا أولادكم‌ بمحبّة‌ أميرالمؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌! فإن‌ أبوا فاسألوهم‌ عن‌ أُمّهم‌ (كتاب‌ «آيات‌ الولاية‌» ج‌ 1، ص‌ 79، الطبعة‌ الحجريّة‌، تأليف‌ السيّد الميرزا أبوالقاسم‌بن‌ محمّد نبي‌ّ الحسينيّ الشريفيّ الشيرازي‌ّ، المعروف‌ بآغا ميرزا بابا).

 وهذا الحديث‌ إشارة‌ إلي‌ الروايات‌ التي‌ تدلّ علي‌ أنّ ميزان‌ معرفة‌ ابن‌ النكاح‌ من‌ ابن‌ السِّفاح‌ حبّ أميرالمؤمنين‌ أو بغضه‌. وكان‌ المسلمون‌ في‌ عصر صدر الإسلام‌ يعرفون‌ أبناءهم‌ بهذا المعيار، ويشخّصونهم‌ عند حصول‌ شبهة‌. وقد أُثرت‌ هذه‌ الروايات‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌، ورواها الشيعة‌ والعامّة‌ في‌ كتبهم‌ أيضاً.

[16] ـ «الصواعق‌ المحرقة‌» من‌ الطبعة‌ الاُولي‌ المطبوع‌ في‌ هامشها «تطهير الجنان‌» ص‌ 20، ومن‌ الطبعة‌ المستقلّة‌ لدار الطباعة‌ المحمّديّة‌، مصر، ص‌ 32.

[17] ـ «الغدير» ج‌ 7، ص‌ 198.

[18] ـ الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 66: التحريم‌: إِن‌ تَتُوبَآ إِلَي‌ اللَهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن‌ تَظَـ'هَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَهَ هُوَ مَوْلَب'هُ وَجِبْرِيلُ وَصَـ'لِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَـ'ءِكَةُ بَعْدَ ذَ ' لِكَ ظَهِيرٌ. ورد في‌ تفسير «الكشّاف‌» أنّ ابن‌ عبّاس‌ سأل‌ عمر في‌ الحجّ عن‌ هاتين‌ المرأتين‌، فقال‌ عمر: حفصة‌ وعائشة‌. وجاء في‌ تفاسير الشيعة‌ وبعض‌ تفاسير العامّة‌ أنّ المراد من‌ صالح‌المؤمنين‌ هو أميرالمؤمنين‌ علي‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ عليه‌ السلام‌. ولمّا أراد بعض‌ العامّة‌ أن‌ يحرفوا هذه‌ الآية‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌، قالوا: قوله‌: «صالح‌ المؤمنين‌» لا يشير إلي‌ شخص‌ خاصّ، بل‌ إلي‌ من‌ كان‌ صالحاً بين‌ المؤمنين‌. ولمّا كان‌ «صالح‌» مفرداً، والصالح‌ من‌ المؤمنين‌ فيهم‌، ولامعني‌ أن‌ يقال‌: رجل‌ غير معيّن‌ من‌ المؤمنين‌ مولي‌ النبيّ وناصره‌، فلهذا قالوا: صالح‌ المؤمنين‌ جمع‌، أي‌: الصلحاء من‌ المؤمنين‌، وكانت‌ في‌ الاصل‌ (وصالحو المؤمنين‌)، حذفت‌ الواو لالتقاء الساكنين‌ وتقرأ بدون‌ واو. وهذا الاحتمال‌ خاطي‌، لا نّه‌ لو كان‌ كما قالوا، لكتبت‌: صالحو المؤمنين‌.

[19] ـ «الغدير»، ج‌ 6، ص‌ 69 و 70.

[20] ـ «ديوان‌ الاُزري‌ّ» ص‌ 142.

[21] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[22] ـ هذا هو مفاد الآية‌ السابقة‌ لهذه‌ الآية‌، أي‌: الآية‌ الثامنة‌: وَإِذَا مَسَّ الاْءِنسَـ'نَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ و مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ و نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو´ا إِلَيْهِ مِن‌ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن‌ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـ'بِ النَّارِ.

[23] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 415، الباب‌ 161، الحديث‌ الاوّل‌ عن‌ العامّة‌.

[24] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 415 و 416، الباب‌ 162، الحديث‌ الاوّل‌ عن‌ الخاصّة‌.

[25] ـ يبدو أنّ قوله‌: وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ينبغي‌ أن‌ يأتي‌ قبل‌ ذكر نزول‌ الآية‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ وبعد قوله‌: وَيَحْذَرُ الاْخِرَةَ. ولكن‌ لمّا وردت‌ الرواية‌ علي‌ النسق‌ المذكور في‌ «غاية‌ المرام‌»، و كذلك‌ في‌ «تفسير علي‌ّ بن‌ إبراهيم‌» ص‌ 575، لذلك‌ ذكرناها هنا بدون‌ تصرّف‌ فيها.

[26] ـ «غاية‌ المرام‌»، ص‌ 416، الحديث‌ الثاني‌ عشر عن‌ الخاصّة‌.

[27] ـ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 416، الحديث‌ 2 إلي‌ 8 و 10 و 11، عن‌ الخاصّة‌.

[28] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 2، ص‌ 116، الحديث‌ 805.

[29] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 4، ص‌ 491، طبعة‌ صيدا.

[30] ـ «الميزان‌» ج‌ 17، ص‌ 260.

[31] ـ «شواهد التنزيل‌» ج‌ 2، ص‌ 117، الحديث‌ 806.

[32] ـ جاء في‌ نسخة‌ «المناقب‌» المطبوعة‌: عبّاس‌. ويبدو أ نّه‌ سهو، والصحيح‌ هو أبوبكربن‌ عيّاش‌، وردت‌ ترجمته‌ في‌ «تنقيح‌ المقال‌» ج‌ 3، ص‌ 5 و 6، باب‌ الكُني‌. كان‌ معاصراً للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وروي‌ عنه‌. ويمكن‌ إثبات‌ تشيّعه‌ من‌ رواية‌ وردت‌ عنه‌ في‌ «التهذيب‌» في‌ باب‌ الاءرث‌ كما دلّت‌ عليه‌ حواشـي‌ السـيّد صدر الدين‌ علي‌ «منتهي‌ المقال‌».

[33] ـ «الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 80: عبس‌. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلاِنْعَامِكُمْ.

 الابّ هو ما تأكله‌ الانعام‌ كما يظهر ذلك‌ من‌ الآية‌ نفسها، إذ إنّ قوله‌: «مَتَاعًا لَّكُمْ» يعود علي‌ الفاكهة‌، وقوله‌: «وَلاِنْعَامِكُمْ» يعود علي‌ الابّ.

[34] ـ الكلالة‌ أقرباء الميّت‌ من‌ أُمّه‌ كالاخ‌ والاُخت‌ من‌ الاُمّ. وقد يطلق‌ علي‌ أقربائه‌ من‌ الاب‌ أيضاً.

[35] ـ ذكر في‌ التعليقة‌ قائلاً: الظاهر أنّ اللفظ‌ في‌ السائل‌ من‌ عمر: سبيع‌ كأمير. وبه‌ سُمّي‌ جمع‌ منهم‌ ممّن‌ ذكره‌ ابن‌ حجر في‌ «التقريب‌». ويحتمل‌ أ نّه‌ سبيع‌ بن‌ خالد اليشكري‌ّ. وأمّا ما نقل‌ في‌ «بحار الانوار» فاللفظ‌ فيه‌ بالصاد بدل‌ السين‌. ولم‌ أظفر بمن‌ سُمِّي‌ّ به‌.

[36] ـ مسائل‌ سيأتي‌ شرحها في‌ هذا الدرس‌ إن‌ شاء الله‌ تعالي‌.

[37] ـ رواه‌ الحمّوئيّ في‌ كتاب‌ «فرائد السمطين‌» ج‌ 1، ص‌ 94، الحديث‌ 63؛ ورواه‌ الخوارزميّ أيضاً في‌ مناقبه‌، الفصل‌ 10، ص‌ 49؛ وفي‌ مقتله‌، الفصل‌ 4، ج‌ 1، ص‌ 43؛ وذكره‌ أبونُعَيم‌ الإصفهانيّ في‌ «حلية‌ الاولياء» ج‌ 1، ص‌ 65.

[38] ـ الآية‌ 269، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[39] ـ ذكر الشـيخ‌ الطوسـيّ تفصيل‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «تهذيب‌ الاحكام‌» ج‌ 6، ï ïص‌ 220 و 221. وقال‌ الكلينيّ في‌ «الكافي‌» ج‌ 7، ص‌ 408 و 409: روي‌ الحسين‌بن‌ سعيد، عن‌ فضالة‌بن‌ أيّوب‌، عن‌ داود بن‌ فرقد، قال‌: حدّثني‌ رجل‌ عن‌ سعيدبن‌ أبي‌الخَضِيب‌ البَجَليّ أ نّه‌ قال‌: كنت‌ مع‌ ابن‌ أبي‌ ليلي‌ مزاملة‌ حتّي‌ جئنا إلي‌ المدينة‌. فبينا نحن‌ في‌ مسجد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ إذ دخل‌ جعفر بن‌ محمّد عليهما السلام‌. فقلت‌ لابن‌أبي‌ليلي‌: تقوم‌ بنا إليه‌؟! فقال‌: وما نصنع‌ عنده‌؟ فقلتُ: نسائله‌ نُحَدّثه‌. فقال‌: قم‌! فقمنا إليه‌ فسألني‌ عن‌ نفسي‌ وأهلي‌ ثمّ قال‌: من‌ هذا معك‌؟ فقلتُ: ابن‌ أبي‌ ليلي‌ قاضي‌ المسلمين‌. فقال‌: أنت‌ ابن‌أبي‌ليلي‌ قاضي‌ المسلمين‌؟! فقال‌: نعم‌. فقال‌: تأخذ مال‌ هذا فتعطيه‌ هذا، وتقتل‌، وتفرّق‌ بين‌ المرء وزوجه‌، ولاتخاف‌ في‌ ذلك‌ أحداً؟ قال‌: نعم‌. قال‌: فبأيّ شي‌ءٍ تقضي‌؟ قال‌: بما بلغني‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، وعن‌ علي‌ّ عليه‌ السلام‌، وأبي‌بكر، وعمر. قال‌: فبلغك‌ عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌: إنَّ عَلِيَّاً عَلَيهِ السَّلاَمُ أَقْضَاكُمْ؟ قال‌: نعم‌! قال‌: فكيف‌ تقضي‌ بغير قضاء علي‌ عليه‌ السلام‌ وقد بلغك‌ هذا ] عن‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ [ فما تقول‌ إذا جي‌ء بأرض‌ من‌ فضّة‌ وسماوات‌ من‌ فضّة‌ ثمّ أخذ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ بيدك‌ فأوقفك‌ بين‌ يدي‌ ربّك‌ وقال‌: ياربّ! إنّ هذا قضي‌ بغير ما قضيتُ؟! قال‌ ] سعيد بن‌ أبي‌ الخضيب‌ [: فاصفرّ وجه‌ ابن‌ أبي‌ ليلي‌ حتّي‌ عاد مثل‌ الزعفران‌. ثمّ قال‌ لي‌ ابن‌ أبي‌ ليلي‌: الْتَمس‌ لنفسك‌ زميلاً والله‌ لا أُكلّمك‌ من‌ رأسي‌ كلمة‌ أبداً.

[40] ـ مُجَلّ اسم‌ مفعول‌ من‌ باب‌ أجَلَّهُ إجلالاً، أي‌: المنزّه‌ من‌ العيب‌. وهو حينئذٍ مضاعف‌، ويمكن‌ أن‌ يكون‌ ناقصاً يائيّاً من‌ باب‌ جَلَّي‌ الامرَ أظهره‌، وجَلَّي‌ الفَرَسُ سبق‌ في‌ الميدان‌. وفي‌ هذه‌ الحالة‌ كان‌ في‌ الاصل‌ مُجَلِّي‌ وهو اسم‌ فاعل‌ من‌ باب‌ التفعيل‌، وكان‌ في‌ الشعر مُجَلِّياً، لكنّه‌ ورد هنا مُجَلاّ لضرورة‌ شعريّة‌. أي‌: أنّ عليّاً في‌ كافّة‌ الكتب‌ السماويّة‌ هو فارس‌ الحلبة‌ الوحيد والسبّاق‌ في‌ ميدان‌ العلم‌ والمعرفة‌. وهذا الاحتمال‌ أقرب‌ من‌ حيث‌ المعني‌، لانّ الابيات‌ المذكورة‌ تتحدّث‌ عن‌ المقامات‌ العلميّة‌ لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌.

[41] ـ «المناقب‌» لابن‌ شهرآشوب‌، ج‌ 1، ص‌ 259 إلي‌ 261، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[42] ـ يقول‌: «لا يكفي‌ ماء البحر لان‌ يبلّل‌ الإنسان‌ بنانه‌ ليعدّ صفحات‌ كتاب‌ علمك‌».

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com