بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد العاشر/ القسم التاسع: النبیّ لایخطئ، مواخذة الله نبیّه لیست مواخذة حقیقة، المستأذنون و المعذرون...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

منع‌ المنافق‌ المعروف‌ الجدّ بن‌ قيس‌ قومه‌ من‌ الجهاد

وقال‌ الواقدي‌ّ: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌  لِجَدّبن‌ قيس‌ ( الذي‌ كان‌ أحد رؤوس‌ النفاق‌ ):  أبا وهب‌!  هل‌ لك‌ العامَ تخرج‌ معنا لعلّك‌ تحتقب‌ من‌ بنات‌ الاصفر  [1].

 فقال‌  الجَدُّ بْنُ قَيْس‌:  أو تأذن‌ لي‌ ولا تفتنّي‌!  فو  الله‌، لقد عرف‌ قومي‌ ما أحد أشدّ عجباً بالنساء منّي‌؛ وإنّي‌ لاخشي‌ إن‌ رأيت‌ نساء بني‌ الاصفر لا  أصبر عنهنّ!  فأعرض‌ عنه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وقال‌: قد أذنت‌ لك‌.

 فجاءه‌ ابنه‌  عبد الله‌ بن‌ الجدّ  ، وكان‌ بدريّاً ، وهو أخو  مُعَاذبن‌ جَبَل‌ لاُمّه‌، فقال‌ لابيه‌: لِمَ تردّ علی‌ رسول‌ الله‌ مقالته‌ ؟!  فو  الله‌ ما في‌  بَنِي‌ سَلِمَة‌ أكثر مالاً منك‌!  ولا تخرج‌  ( مع‌ رسول‌الله‌ )؛ ولاتحمل‌ أحداً  ( أي‌ ولاتدفع‌ حصانك‌ وبعيرك‌ إلی‌ آخر فيخرج‌ مع‌ رسول‌الله‌ )  ؟!

 قال‌  (الجدّ) : يا بُني‌ّ!  ما لي‌ وللخروج‌ في‌ الريح‌ ، والحرّ، والعسرة‌ إلی‌ بني‌ الاصفر  ؟  والله‌!  ما آمن‌ خوفاً من‌ بني‌ الاصفر ؛ وإنّي‌ في‌ منزلي‌ بخُرْبَي‌! فأَذهب‌ إلیهم‌ فأغزوهم‌!  إنّي‌ والله‌ يا بني‌ّ عالم‌ بالدوائر!

 فأغلظ‌ له‌ ابنه‌، فقال‌: لا والله‌ ، ولكنّه‌ النفاق‌!  والله‌ لينزلنّ علی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ فيك‌ قرآن‌ يقرأونه‌  [2]. قال‌: فرفع‌ نعله‌ فضرب‌ بها وجهه‌.

 فانصرف‌ ابنه‌ ولم‌ يكلّمه‌. وجعل‌ الخبيث‌ يثبّط‌ قومه‌ ، وقال‌  لجَبَّارِبْنِ صَخْرٍ  ونفر معه‌ من‌  بَنِي‌ سَلِمَة‌ : يا بني‌ سلمة‌!  لا تنفروا في‌ الحرّ!  يقول‌: لاتخرجوا في‌ الحرّ زهادة‌ في‌ الجهاد ، وشكّاً في‌ الحقّ ، وإرجافاً برسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ، فأنزل‌ الله‌ عزّ وجلّ فيه‌:

 فَرِحَ الْمُخَلِّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـ'فَ رَسُولِ اللَهِ وَكَرِهُو´ا أَنْ يُجَـ'هِدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي‌ الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ  [3].

 وفي‌ الجدّ بن‌ قيس‌ نزلت‌ هذه‌ الآية‌ أيضاً:

 وَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَقُولُ ائْذَن‌ لِّي‌ وَلاَ تَفْتِنِّي‌´ أَلاَ فِي‌ الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَـ'فِرِينَ[4] .

 ذلك‌ أنّ الكذب‌ أوّلاً ، والشكّ في‌ الإيمان‌ ثانياً ، وقبول‌ دعوة‌ النبي‌ّ للجهاد القريب‌ وإلیسير الذي‌ فيه‌ غنيمة‌ ، وردّ الجهاد البعيد والعسير، كلّ أُولئك‌ أكبر فتنة‌ سقط‌ فيها.

 وكان‌ هذا الرجل‌ يزعم‌ أنّ نساء الروم‌ تفتنه‌ بجمالها، وتسقطه‌. إنّه‌ كان‌ يكذب‌، وكان‌ يتظاهر أ  نّه‌ يتخلّص‌ من‌ الحرب‌ ، ويحفظ‌ نفسه‌ التي‌ كان‌ يحبّها أكثر من‌ نفس‌ رسول‌الله‌. وهذا اللون‌ من‌ التفكير أكبر فتنة‌ ارتكس‌ فيها.

 ولمّا نزلت‌ هذه‌ الآية‌ ، جاء عبد الله‌ إلی‌ أبيه‌ ، فقال‌: ألم‌ أقل‌ لك‌ إنّه‌ سوف‌ ينزل‌ فيك‌ قرآن‌ يقرأه‌ المسلمون‌ ؟!  فقال‌ الجدّ لابنه‌:  اسْكُت‌ عَنِّي‌ يَالُكَعُ وَاللَهِ لاَ أَنْفَعُكَ بِنَافِعَةٍ أَبَدَاً ، وَاللَهِ لاَنْتَ أَشَدُّ علی‌َّ مِنْ مُحَمَّدٍ  [5].

 روي‌ ابن‌ هشام‌ بسنده‌ عن‌ عبد الله‌ بن‌ حارثة‌ ، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌، قال‌:

 بلغ‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أنّ ناساً من‌ المنافقين‌ يجتمعون‌ في‌ بيت‌  سُوَيْلِم‌  إلیهودي‌ّ -وكان‌ بيته‌ عند جاسومَ- يُثَبِّطون‌ الناس‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌. فبعث‌ إلیهم‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وسلّم‌ طلحة‌بن‌ عُبيدالله‌ في‌ نفر من‌ أصحابه‌ وأمره‌ أن‌ يخرِّق‌ علیهم‌ بيت‌ سُويلم‌.

 ففعل‌ طلحة‌ فاقتَحم‌ الضحّاك‌ بنُ خليفة‌ من‌ ظهر البيت‌  ( وهو أحد المنافقين‌ ) ، فانكسرت‌ رجله‌ واقتحم‌ أصحابه‌ فأفلتوا  [6].

 الرجوع الي الفهرس

 خطبة‌ رسول‌ الله‌ عند الخروج‌ إلی‌ غزوة‌ تبوك‌

قال‌ علی‌ بن‌ إبراهيم‌ القمّي‌ّ: وأمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بعسكره‌ وضرب‌ في‌  ثَنِيَّة‌ الوَدَاع‌ . وأمر أهل‌ الجدِة‌  ( الاغنياء )  أن‌ يعينوا من‌ لاقوة‌ به‌. ومن‌ كان‌ عنده‌ شي‌ء أخرجه‌ وحملوا وقووا وحثّوا علی‌ ذلك‌. وخطب‌ رسول‌ الله‌ فقال‌:  أَيُّهَا النَّاسُ! إنَّ أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَهِ؛ وَأَوْلَي‌ القَوْلِ كَلِمَةُ التَّقْوَي‌؛ وَخَيْرُ المِلَلِ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ؛ وَخَيْرُ السُّنَنِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ؛ وَأَشْرَفُ الحَدِيثِ ذِكْرُ اللَهِ ، وَأَحْسَنُ القَصَصِ هَذا القُرْآنُ؛ وَخَيْرُ الاُمُورِ عَزَائِمُهَا؛ وَشرُّ الاُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا؛ وَأَحْسَنُ الهَدْي‌ هَدْي‌ُ الاَنْبِياءِ؛ وَأَشرَفُ القَتْلِ قَتْلُ الشُّهَدَاءِ؛ وَأَعْمَي‌ العَمَي‌ الضَّلاَلَةُ بَعْدَ الهُدَي‌؛ وَخَيْرُ الاَعْمَالِ مَا نَفَعَ؛ وَخَيْرُ الهَدْي‌ِ مَا اتُّبِعَ ، وَشَرُّ العَمَي‌ عَمَي‌ القَلْبِ؛ وَإلیدُ العلیا خَيْرٌ مِنَ إلیدِ السُّفْلَي‌؛ وَمَا قَلَّ وَكَفَي‌ خَيْرٌ مَمَّا كَثُرَ وَأَلْهَي‌؛ وَشَرُّ المَعْذِرَةِ حِينَ يَحْضُرُ المَوْتُ؛ وَشَرُّ النَّدَامَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

 وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لاَ يَأْتِي‌ الجُمُعَةَ إلاَّ نَزْرَاً ، وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ يَذْكُرُ اللَهَ إلاَّ هَجْراً؛ وَمِنْ أَعْظَمِ الخَطَايَا اللِّسَانُ الكَذُوبُ؛ وَخَيْرُ الغِنَي‌ غِنَي‌ النَّفْسِ؛ وَخَيْرُ الزَّادِ التَّقْوَي‌؛ وَرَأْسُ الحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَهِ؛ وَخَيْرُ مَا أُلْقِي‌َ فِي‌القَلْبِ إلیقِينُ؛ وَالارْتِيابُ مِنَ الكُفْرِ؛ وَالنِّيَاحَةُ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ؛ وَالغُلُول‌ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ؛ وَالسَّكَرُ جَمْرُ النَّارِ؛ وَالشِّعْرُ مِنْ إبْلِيسَ؛ وَالخْمْرُ جِمَاعُ الإثْمِ؛ وَالنِّسَاءُ حَبَايِلُ إبْلِيسَ؛ وَالشَّبَابُ  [7] شُعْبَةٌ مِنَ الجُنُونِ؛ وَشَرُّ المَكَاسِبِ كَسْبُ الرِّبَا؛ وَشَرُّ المَأْكَلِ أَكْلُ مَالِ إلیتِيمِ؛ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ؛ وَالشَّقِي‌ُّ مَنْ شَقِي‌َ فِي‌ بَطْنِ أُمِّهِ؛ وَإنَّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إلی‌ مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ  [8]؛ وَالاَمْرُ إلی‌ آخِرِهِ؛ وَمَلاَكُ العَمَلِ خَوَاتِيمُهُ؛ وَأَرْبَي‌ الرِّبَا الكَذِبُ؛ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ؛ وَسِبَابُ المُؤْمِنِ فِسْقٌ؛ وَقِتَالُ المُؤْمِنِ كُفْرٌ؛ وَأَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَهِ؛ وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ؛ وَمَنْ تَوَكَّلَ علی‌ اللَهِ كَفَاهُ؛ وَمَنْ صَبَرَ ظَفَرَ؛ وَمَنْ يَعْفُ عَنِ النَّاسِ يَعْفُ اللَهُ عَنْهُ؛ وَمَنْ كَظَمَ الغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللَهُ؛ وَمَنْ يَصْبِرْ علی‌ الرَّزِيَّةِ يُعَوِّضْهُ اللَهُ؛ وَمَنْ يَتْبَعِ السُّمْعَةَ يُسَمِّعِ اللَهُ بِهِ؛ وَمَنْ يَصُمْ يُضَاعِفِ اللَهُ لَهُ؛ وَمَنْ يَعْصِ اللَهُ يُعَذِّبْهُ؛ اللهُمَّ اغْفِرْ لِي‌ وَلاِمَّتِي‌؛ اللَهُمَّ اغْفِرْ لِي‌ وَلاِمَّتِي‌؛ أَسْتَغْفِرُ اللَهَ لِي‌ وَلَكُمْ [9].

 أجل‌ ، هذه‌ الخطبة‌ القصيرة‌ للرسول‌ الاعظم‌ كسائر خطبه‌ القصار، ومنها خطبته‌ حين‌ التحرّك‌ إلی‌ غزوة‌ أُحد [10]  ، تحتوي‌ علی‌ مضامين‌ عإلیة‌ ومهمّة‌ ومترعة‌ بالحكم‌ والاخلاق‌ والمعارف‌ والآداب‌. ومن‌ المناسب‌ حقّاً أن‌ تُشْرَحَ شرحاً وافياً.

 الرجوع الي الفهرس

 مؤاخذة‌ الله‌ نبيَّه‌ الكريم‌ ليست‌ مؤاخذة‌ حقيقيّة‌

ونزلت‌ هذه‌ الآية‌ في‌ المنافقين‌ الذين‌ استأذنوا رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ عدم‌ الخروج‌:  عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّي‌' يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَـ'ذِبِينَ.

 نري‌ هنا أنّ الله‌ يؤاخذ نبيّه‌ الاكرم‌. وعلینا أن‌ نفهم‌ معني‌ المؤاخذة‌ هنا. هل‌ كانت‌ علی‌ سبيل‌ الجدّ والحقيقة‌ أو علی‌ سبيل‌ مخاطبة‌ الآخرين‌. وقد ورد نظيره‌ في‌ كثير من‌ الاشباه‌ والامثال‌.

 جاء في‌ تفسير  « نور الثَّقَلين‌ »  عن‌  « عيون‌ أخبار الرضا علیه‌ السلام‌ »  أنّ الشيخ‌ الصدوق‌ روي‌ بإسناده‌ عن‌  علی‌ّ بن‌ محمّد بن‌ الجَهم‌ ، قال‌: حضرت‌ مجلس‌ المأمون‌ وعنده‌ الرضا علی‌ّ بن‌ موسي‌ علیه‌ السلام‌. فقال‌ له‌ المأمون‌: ياابن‌رسول‌الله‌!  إلیس‌ من‌ قولك‌: إنّ الانبياء معصومون‌ ؟  قال‌: بلي‌.

 فقال‌ له‌ المأمون‌ -فيما سأله‌- فأخبرني‌ عن‌ قول‌ الله‌ عزّ وجلّ:  عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ. قال‌ الرضا علیه‌ السلام‌: هذا ممّا نزل‌  ( علی‌ سبيل‌ ):  إيَّاكِ أَعْنِي‌ وَاسْمَعِي‌ يَا جَارَه‌  [11]. خاطب‌ الله‌ تعإلی‌ بذلك‌ نبيّه‌ ، وأراد به‌ أُمّته‌. وكذلك‌ قوله‌ عزّ وجلّ:  لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـ'سِرِينَ [12]؛ وقوله‌ تعإلی‌:  وَلَوْلآ أَن‌ ثَبَّتْنَـ'كَ كِدتَّ تَرْكَنُ إلیهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً  [13].

 قال‌ المأمون‌:  صَدَقْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَهِ  [14].

 ونحن‌ لا نري‌ شرحاً وتوضيحاً لجواب‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ أفضل‌ ممّا قاله‌ أُستاذنا العلاّمة‌ الفقيد في‌ تفسير  « الميزان‌ ». قال‌: الجملة‌ الاُولي‌  (عَفَا اللَهُ عَنكَ)  دعاء للنبي‌ّ بالعفو نظير الدعاء علی‌ الإنسان‌ بالقتل‌ في‌ قوله‌:  قُتِلَ الإنسَـ'نُ مَآ أَكْفَرَهُ  [15]. وقوله‌:  فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ [16] ( المقصود الوليدبن‌ المغيرة‌ ). وقوله‌:  قَـ'تَلَهُمُ اللَهُ أَ  نَّي‌' يُوْفَكُونَ [17].  ( قاتل‌ الله‌ إلیهود الذين‌ قالوا: عزيربن‌ الله‌. وقاتل‌ النصاري‌ الذين‌ قالوا: المسيح‌بن‌ الله‌ ).

 وجملة‌ العفو متعلّقة‌ بقوله‌:  لِمَ أَذِنتَ ، أي‌: في‌ التخلّف‌ والقعود ؟! ولمّا كان‌ الاستفهام‌ للإنكار أو التوبيخ‌ ، كان‌ معناه‌:

 كان‌ ينبغي‌ أن‌ لا تأذن‌ لهم‌ في‌ التخلّف‌ والقعود. ويستقيم‌ به‌ تعلّق‌ الغاية‌ التي‌ يشتمل‌ علیها قوله‌:  حَتَّي‌' يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَـ'ذِبِينَ بقوله‌:  لِمَ أَذِنتَ ، فالتعلّق‌ إنّما هو بالمستفهم‌ عنه‌ دون‌ الاستفهام‌. والكلام‌ مسوق‌ لبيان‌ ظهور كذبهم‌. وأنّ أدني‌ الامتحان‌ كالكفّ عن‌ إذنهم‌ في‌ القعود يكشف‌ عن‌ فضاحتهم‌.

 ومعني‌ الآية‌: عفا الله‌ عنك‌ لم‌ أذنت‌ لهم‌ في‌ التخلّف‌ والقعود ؟!  ولو شئت‌ لم‌ تأذن‌ لهم‌ -وكانوا أحقّ به‌- حتّي‌ يتبيّن‌ لك‌ الذين‌ صدقوا وتعلم‌ الكاذبين‌!  فيتميّز عندك‌ كذبهم‌ ونفاقهم‌.

 وعلی‌ هذا فالآية‌ في‌ مقام‌ دعوي‌ ظهور كذبهم‌ ونفاقهم‌، وأ  نّهم‌ مفتضحون‌ بأدني‌ امتحان‌ يمتحنون‌ به‌. ومن‌ مناسبات‌ هذا المقام‌ إلقاء العتاب‌ إلی‌ المخاطب‌، وتوبيخه‌ ، والإنكار علیه‌. كأ  نّه‌ هو الذي‌ ستر علیهم‌ فضائح‌ أعمالهم‌ وسوء سريرتهم‌.

 وهو نوع‌ من‌ العناية‌ الكلاميّة‌ يتبيّن‌ به‌ ظهور الامر ووضوحه‌ لإيراد أزيد من‌ ذلك‌. فهو من‌ أقسام‌ البيان‌ علی‌ طريق‌:  إيَّاكِ أَعْني‌ وَاسْمَعِي‌ يَاجَارَه‌ ، فالمراد بالكلام‌ إظهار هذه‌ الدعوي‌: وهي‌ وضوح‌ قبح‌ عملهم‌ وسريرتهم‌، لا  الكشف‌ عن‌ تقصير الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ وسوء تدبيره‌ في‌ إحياء أمر الله‌ ، وارتكابه‌ بذلك‌ ذنباً -حاشاه‌- وأولويّة‌ عدم‌الإذن‌ لهم‌ معناها كون‌ عدم‌ الإذن‌ أنسب‌ لظهور فضيحتهم‌ وأ  نّهم‌ أحقّ بذلك‌ لما بهم‌ من‌ سوء السريرة‌ ، وفساد النيّة‌؛ لا لا  نّه‌ كان‌ أولي‌ وأحري‌ في‌ نفسه‌ وأقرب‌ وأمسّ بمصلحة‌ الدين‌.

 الرجوع الي الفهرس

لو كان‌ المنافقون‌ خرجوا في‌ غزوةٍ ما ، فلا دأب‌ لهم‌ إلاّ الفساد

 والدليل‌ علی‌ هذا الذي‌ ذكرنا قوله‌ تعإلی‌ بعد ثلاث‌ آيات‌:

 لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلاَوْضَعُوا خِلَـ'لَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفيِكُمْ سَمَّـ'عُونَ لَهُمْ وَاللَهُ علیمٌ بِالظَّـ'لِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن‌ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الاْمُورَ حَتَّي‌' جَآءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَهِ وَهُمْ كَـ'رِهُونَ [18].

 « لو خرج‌ المنافقون‌ معكم‌ أيّها المؤمنون‌ إلی‌ غزوة‌ تبوك‌، فلايزيدونكم‌ إلاّ خيانة‌ وفساداً واضطراباً ، ويخلّون‌ في‌ عملكم‌ بسرعة‌، ويخطّطون‌ للفتنة‌ وإثارة‌ الاضطرابات‌. وفيكم‌ سمّاعون‌ لهم‌ أو بين‌ جنودكم‌ جواسيس‌ منهم‌ والله‌ علیم‌ بالظالمين‌. وكان‌ هؤلاء يدبّرون‌ من‌ قبل‌ لإشاعة‌ الفتن‌ والقضاء علی‌ الإسلام‌  ( في‌ غزوتي‌ أُحد والخندق‌ ) .  ( ويارسولنا )  إنّهم‌ كانوا يقلّبون‌ لك‌ الاُمور حتّي‌ انتصر الحقّ ، وظهر أمر الله‌ وهم‌ كارهون‌ »[19] .

 ولمّا لم‌ يصدر من‌ المنافقين‌ علی‌ فرض‌ خروجهم‌ إلاّ الضرر، فقد كان‌ الاصلح‌ أن‌ يؤذن‌ لهم‌ في‌ التخلّف‌ ليصان‌ الجمع‌ من‌ الخبال‌ وفساد الرأي‌ وتفرّق‌ الكلمة‌؛ والمتعيّن‌ أن‌ يقعدوا فلا يفتنوا المؤمنين‌ بإلقاء الخلاف‌ بينهم‌ والتفتين‌ فيهم‌. وفيهم‌ ضعفاء الإيمان‌ ومرضي‌ القلوب‌ وهم‌ سمّاعون‌ لهم‌ يسرعون‌ إلی‌ المطاوعة‌ لهم‌. ولو لم‌ يؤذن‌ لهم‌ فأظهروا الخلاف‌، كانت‌ الفتنة‌ أشدّ والتفرّق‌ في‌ كلمة‌ الجماعة‌ أوضح‌ وأبين‌.

 ويؤيّد ذلك‌ قوله‌ تعإلی‌ بعد آيتين‌:

 وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لاَعَدُّوا لَهُ و  عُدَّةً وَلَـ'كِن‌ كَرِهَ اللَهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَـ'عِدِينَ[20].

 ولذلك‌ كان‌ تخلّفهم‌ ونفاقهم‌ ظاهراً لائحاً من‌ عدم‌ إعدادهم‌ العدّة‌؛ يتوسّمه‌ في‌ وجوههم‌ كلُّ ذي‌ لبّ؛ فكيف‌ يخفي‌ مثل‌ ذلك‌ علی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ؟  وقد نبّأه‌ الله‌ بأخبارهم‌ قَبل‌ نزول‌ هذه‌ السورة‌ ( سورة‌ براءة‌ )  كراراً. فكيف‌ يصحّ أن‌ يعاتب‌ هاهنا عتاباً جدّيّاً بأ  نّه‌ لِمَ لم‌يكف‌ عن‌ الإذن‌ ولم‌ يستعلم‌ حالهم‌ حتّي‌ يتبيّن‌ له‌ نفاقهم‌ ويميّز المنافقين‌ من‌ المؤمنين‌ ؟!  فليس‌ المراد بالعتاب‌ إلاّ ما ذكرناه‌.

 وممّا تقدّم‌ يظهر فساد قول‌ من‌ قال‌: إنّ الآية‌ تدلّ علی‌ صدور الذنب‌ عنه‌، لانّ العفو لا يتحقّق‌ من‌ غير ذنب‌ ، وأنّ الإذن‌ كان‌ قبيحاً منه‌، ومن‌ صغائر الذنوب‌؛ لا  نّه‌ لا يقال‌ في‌ المباح‌: لم‌ فعلتَه‌ ؟  لا  نّا قد بيّنا مفصّلاً أنّ الآية‌ مسوقة‌ لغرض‌ غيرغرض‌ الجدّ في‌ عتاب‌ رسول‌الله‌.

 الرجوع الي الفهرس

 النبي‌ّ لا يخطأ ، واجتهاده‌ عين‌ الصواب‌

وقال‌ العلاّمة‌ بعد شرح‌ وجيز: ذكر هذا المتكلّم‌ في‌ كلام‌ له‌ طويل‌ فقال‌: إنّ ذلك‌ كان‌ اجتهاداً من‌ رسول‌ الله‌ فيما لا وحي‌ فيه‌ من‌ الله‌ وهو جائز وواقع‌ من‌ الانبياء علیهم‌ السلام‌. وليسوا بمعصومين‌ من‌ الخطأ فيه‌؛ وإنّما العصمة‌ المتّفق‌ علیها خاصّة‌ بتبليغ‌ الوحي‌ ببيانه‌ والعمل‌ به‌؛ فيستحيل‌ علی‌ رسول‌الله‌ أن‌ يكذب‌ أو يُخطِي‌ فيما يبلّغه‌ عن‌ ربّه‌ أو يخالفه‌ بالعمل‌.

 ومن‌ هذا الخطأ في‌ الاجتهاد ما جاء في‌ سورة‌ الانفال‌ ، إذ عاتب‌الله‌ رسوله‌ في‌ أخذ الفدية‌ من‌ أُساري‌ بدر حيث‌ قال‌:

 مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ و´  أَسْرَي‌' حَتَّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَـ'بٌ مِّنَ اللَهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [21].

 « لا حقّ لاي‌ّ نبي‌ّ أن‌ يكون‌ له‌ أسري‌. وما علیه‌ إلاّ أن‌ يواصل‌ القتال‌ حتّي‌ تتلطّخ‌ الارض‌ من‌ دم‌ المشركين‌ والادناس‌ ، وعلیه‌ أن‌ يريق‌ دماً كثيراً في‌ الارض‌. فأنتم‌ أيّها المؤمنون‌ من‌ أصحاب‌ رسولنا تريدون‌ الدنيا طمعاً في‌ متاعها المؤقّت‌ وحطامها الزائل‌ ، والله‌ يريدكم‌ نعمة‌ الآخرة‌ الدائمة‌ الخالدة‌، والله‌ عزيز حكيم‌  ( عمله‌ من‌ وحي‌ الاستقلال‌ والعزّة‌، ومن‌ وحي‌ الحكمة‌ ). ولو لم‌ يجر حكم‌ الله‌ الازلي‌ّ في‌ كتاب‌ التقدير من‌ قبل‌ لمسّكم‌ عذاب‌ عظيم‌ في‌ الفدية‌ التي‌ أخذتموها من‌ الاسري‌ وأطلقتموهم‌!»

 وكلامه‌ هذا ككلامه‌ الآخر فاسد ولا يمكن‌ قبوله‌ ، لانّ الآية‌ بلفظها لاتعاتب‌ علی‌ أخذ الفدية‌ من‌ الاسري‌ ، وإنّما تعاتب‌ علی‌ نفس‌ أخذ الاسري‌،  مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ و´  أَسْرَي‌'...  ولم‌ تنزل‌ آية‌ وما وردت‌ رواية‌ في‌ أنّ النبي‌ّ كان‌ أمرهم‌ بالاسر؛ بل‌ روايات‌ القصّة‌ تدلّ علی‌ أنّ النبي‌ّ لمّا أمر بقتل‌ بعض‌ الاسري‌ ، خاف‌ الاصحاب‌ أن‌ يقتلهم‌ عن‌ آخرهم‌. فلهذا كلّموه‌ وألحّوا علیه‌ في‌ أخذ الفدية‌ منهم‌ وقالوا: إنّنا نجهّز جيشنا ونتقوّي‌ علی‌ أعداء الدين‌ بالفدية‌ التي‌ نأخذها منهم‌. فردّ الله‌ علیهم‌ ذلك‌، وعدّ طلبهم‌ عرضَ الحياة‌ الدنيا؛ ولم‌ يجز أخذ الاسير وإطلاقه‌ بالفدية‌. وقال‌: علی‌ النبي‌ّ أن‌ يصبغ‌ الارض‌ بإراقة‌ دم‌ المشركين‌ فحسب‌. وهذا من‌ أحسن‌ الشواهد علی‌ أنّ العتاب‌ في‌ الآية‌ متوجّه‌ إلی‌ المؤمنين‌ خاصّة‌ من‌ غير أن‌ يختصّ به‌ النبي‌ّ أو يشاركهم‌ فيه‌؛ وأنّ أكثر ما ورد من‌ الاخبار في‌ هذا المعني‌ موضوعة‌ أو مدسوسة‌.

 ويضاف‌ إلی‌ ذلك‌ أنّ العتاب‌ في‌ الآية‌ لو اختصّ برسول‌ الله‌ أو شمله‌ وغيره‌، لم‌يكن‌ من‌ العتاب‌ علی‌ ما ذكره‌ علی‌ الذنب‌ بمعناه‌ اللغوي‌ّ وهو تفويت‌ المصلحة‌ معني‌ ووجه‌. وكيف‌ يمكن‌ حمل‌ ذلك‌ علی‌ المعصية‌ الصغيرة‌ والخطأ المغتفر ؟  إذ يقول‌ في‌ ذيل‌ هذا العتاب‌:  لَوْلاَ كِتَـ'بٌ مِّنَ اللَهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.  فلايرتاب‌ ذو لبّ في‌ أنّ التهديد بالعذاب‌ العظيم‌ لا يتأتّي‌ إلاّ مع‌ كون‌ المهدّد علیه‌ من‌ المعصية‌ الكبيرة‌، لاترك‌ الاولي‌ أو الذنب‌ والخطأ الصغير القابل‌ للعفو والإغماض‌.

 وهذا المعني‌ أيضاً من‌ الشواهد علی‌ أنّ العتاب‌ في‌ الآية‌ متوجّه‌ إلی‌ غير رسول‌الله‌.

 وبالجملة‌ يظهـر من‌ مطـالبنا المفصّـلة‌ أن‌ لا ذنب‌ ولا خطـأ علی‌ رسول‌الله‌، لاعُرفاً ولا لغة‌ ، وذلك‌ بالدلالة‌ الصريحة‌ المستفادة‌ من‌ الآيات‌ الناطقة‌ بأنّ عدم‌ خروج‌ المنافقين‌ أقرب‌ إلی‌ مصلحة‌ المسلمين‌ الحقيقيّة‌، وأفضل‌ لاجتماع‌ عسكرهم‌ وجيشهم‌. إذ إنّه‌ يجعل‌ المسلمين‌ مصونين‌ أكثر من‌ وقوع‌ الفتنة‌ واختلاف‌ الكلمة‌.

 وهذه‌ العلّة‌ بعينها موجودة‌ لو لم‌ يأذن‌ لهم‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌. ذلك‌ أ  نّه‌ إذا لم‌ يأذن‌ ، وأمر بالخروج‌ ، فإنّ المنافقين‌ يظهرون‌ ما كانوا يخفونه‌ من‌ كفرهم‌ ونفاقهم‌. وهم‌ لم‌ يستعدّوا للخروج‌ قطّ، وعند عدم‌الإذن‌، تشتّد مخالفتهم‌ ومواجهتهم‌ لرسول‌ الله‌. وكان‌ النبي‌ّ يعلم‌ أ  نّهم‌ غيرمستعدّين‌ للخروج‌، ومقام‌ رسول‌الله‌ ومكانته‌ أجلّ من‌ أن‌ يخفي‌ علیه‌ هذا المعني‌ ولايعلمه‌، بينما كان‌ المنافقون‌ بمرأي‌ منه‌ ومسمع‌، وقال‌الله‌ فيهم‌:

 وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لاَعَدُّوا لَهُ و  عُدَّةٍ.

 ويضاف‌ إلیه‌ أنّ الله‌ خاطب‌ نبيّه‌ لا  نّه‌ يعرفهم‌ في‌ لحن‌ قولهم‌: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي‌ لَحْنِ الْقَوْلِ.

 وحينئذٍ كيف‌ يخفي‌ علیه‌ مثل‌ قول‌ أحدهم‌:  إِئْذَن‌ لِّي‌ وَلاَ تَفْتِنِّي‌.  أو قول‌ آخر في‌ رسول‌الله‌:  هُوَ أُذُنٌ.  أو قول‌ من‌ يلمزه‌ في‌ الصدقات‌:  وَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَلْمِزُكَ فِي‌ الصَّدَقَـ'تِ.  وهذا الكلام‌ كلّه‌ من‌ طلائع‌ النفاق‌ يطلع‌ منهم‌، وما وراءه‌ إلاّ كفر وخلاف‌.

 فقد كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يتوسّم‌ منهم‌ النفاق‌ والخلاف‌؛ ويعلم‌ بما في‌ نفوسهم‌. ومع‌ ذلك‌ فعتابه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ بأ  نّه‌ لِمَ لم‌ يكف‌ عن‌ الإذن‌ ولم‌ يستعلم‌ حالهم‌ ولم‌ يميّزهم‌ من‌ غيرهم‌ ؟  ليس‌ إلاّ عتاباً غير جدّي‌ّ للغرض‌ المذكور.

 وأمّا قوله‌ الآخر: إنّ الإذن‌ المعفو عنه‌ قد استتبع‌ فوت‌ المصلحة‌ المنصوصة‌ في‌ الآية‌:  حَتَّي‌' يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَـ'ذِبِينَ.  فهو خطأ أيضاً. لانّ الذي‌ تشتمل‌ علیه‌ الآية‌ من‌ المصلحة‌ هو تبيّن‌ الذين‌ صدقوا للنبي‌ّ وعلمه‌ هو بالكاذبين‌، لا مطلق‌ تبيّنهم‌ ولا مطلق‌ العلم‌ بالكاذبين‌. وقد ظهر ممّا تقدّم‌ أ  نّه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لم‌ يكن‌ يخفي‌ علیه‌ ذلك‌؛ وأنّ حقيقة‌ المصلحة‌ إنّما كانت‌ في‌ الإذن‌ ، وهي‌ سدّ باب‌ الفتنة‌ واختلاف‌ الكلمة‌؛ فإنّه‌ كان‌ يعلم‌ من‌ حالهم‌ أ  نّهم‌ غير خارجين‌ البتة‌ سواء أذن‌ لهم‌ في‌ القعود أم‌ لم‌ يأذن‌. فلهذا بادر إلی‌ الإذن‌ حفظاً علی‌ ظاهر الطاعة‌ ووحدة‌ الكلمة‌.

 وليس‌ لك‌ أن‌ تتصوّر أ  نّه‌ لو بان‌ نفاقهم‌ يومئذٍ وظهر خلافهم‌ بعدم‌  إذن‌ النبي‌ّ لهم‌ بالقعود لتخلّص‌ الناس‌ من‌ تفتينهم‌ وإلقائهم‌ الخلاف‌ لما في‌ الإسلام‌ يومئذٍ -وهو يوم‌ خروج‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلی‌ غزوة‌ تبوك‌- من‌ الشوكة‌ والقوّة‌. وله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ نفوذ الكلمة‌.

 وهذا التصوّر غير صحيح‌. فإنّ الإسلام‌ يومئذٍ إنّما كان‌ يملك‌ القوّة‌ والمهابة‌ في‌ أعين‌ الناس‌ من‌ غير المسلمين‌. كانوا يرتاعون‌ من‌ شوكته‌، ويعظِّمون‌ سواد أهله‌؛ ويخافون‌ حدّ سيوفهم‌؛ وأمّا المسلمون‌ في‌ داخل‌ مجتمعهم‌ وبين‌ أنفسهم‌، فلم‌ يخلصوا بعد من‌ النفاق‌ ومرض‌ القلوب‌، ولم‌تستول‌ علیهم‌ بعدُ وحدة‌ الكلمة‌ وجدّ الهمّة‌ والعزيمة‌. والدليل‌ علی‌ ذلك‌ نفس‌ هذه‌ الآيات‌ وما يتلوها إلی‌ آخر سورة‌ براءة‌. ونزلت‌ سورة‌ براءة‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ من‌ الهجرة‌.

 وقد كان‌ المنافقون‌ تظاهروا بمثل‌ ذلك‌ يوم‌ أُحُد. وقد هجم‌ علیهم‌ العدوّ في‌ عقر دارهم‌ ، فرجع‌ ثلث‌ الجيش‌ الإسلامي‌ّ من‌ المعركة‌ بقيادة‌ المنافق‌  عبدالله‌بن‌ أُبَي‌ّ . ولم‌ يؤثّر فيهم‌ عِظَة‌ ولا إلحاح‌ حتّي‌ قالوا:  لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـ'كُمْ  [22].

 فكان‌ ذلك‌ أحد الاسباب‌ العاملة‌ في‌ انهزام‌ المسلمين‌ [23].

 الرجوع الي الفهرس

الآيات‌ الواردة‌ في‌ المنافقين‌ المتخلّفين‌ عن‌ غزوة‌ تبوك‌

 أجل‌ ، إنّ الآيات‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌ تنصّ علی‌ أنّ استئذان‌ رسول‌الله‌ في‌ التخلّف‌ عن‌ الجهاد يتعلّق‌ بالمنافقين‌ ، لا بالمؤمنين‌،  لاَيَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ أَن‌ يُجَـ'هِدُوا بِأَمْوَ ' لِهِمْ وأَنفُسِهِمْ وَاللَهُ علیمٌ بِالْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَإلیوْمِ الاْخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي‌ رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ  [24].

 إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُوْهُمْ وَإِن‌ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن‌ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ * قُل‌ لَّن‌ يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَهُ لَنَا هُوَ مَوْلَب'نَا وَعلی‌ اللَهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلآ إِحْدَي‌ الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُو´ا إِنَّا مَعَكُم‌ مُّتَرَبِّصُونَ[25] .

 «  يا نبيّنا  »!  إذا بلغتك‌ نعمة‌  ( كالظفر علی‌ العدوّ والغنيمة‌ )  فإنّهم‌ يمتعضون‌. وإذا نزلت‌ بك‌ مصيبة‌  ( كالشدّة‌ والعسرة‌ والبلاء والنقص‌ في‌ النفس‌ والمال‌ )  فإنّهم‌ يقولون‌: نحن‌ صُنّا أنفسنا منذ البداية‌  ( وتشبّثنا بعروة‌ الامان‌ والسلامة‌ بالقعود عن‌ الحرب‌ )  ويتولّون‌ وهم‌ فرحون‌  ( ويذهبون‌ إلی‌ بيوتهم‌ ). قل‌ لن‌يصيبنا شي‌ء أبداً إلاّ ما كتب‌ لنا الله‌ مولانا وسيّدنا!  هو مولانا وقيّمنا وحارسنا وصاحب‌ اختيارنا وولي‌ّ أمرنا!  وعلی‌ الله‌ فليتوكلّ المؤمنون‌  ( يتّخذوه‌ وكيلاً في‌ شؤونهم‌ ).

 قل‌: هل‌ تنتظرون‌ بنا إلاّ حسنتين‌  ؟ ( خصلتان‌ محمودتان‌ ونعمتان‌ عظيمتان‌ )  إحداهما: الغلبة‌ والغنيمة‌ والنصر علی‌ الخصم‌ في‌ الدنيا. والاُخري‌: الشهادة‌ في‌ سبيل‌ الله‌ والثواب‌ الدائم‌ في‌ القيامة‌ ويوم‌ الجزاء ؟! أمّا نحن‌ فننتظر أن‌ يأتيكم‌ العذاب‌ إمّا من‌ الله‌ أو بأيدينا  ( إمّا يأتي‌ العذاب‌ منه‌ أو أ  نّكم‌ تقتلون‌ بأيدينا بواسطة‌ ظفرنا وغلبتنا علیكم‌ ). فانتظروا هذا العذاب‌!  ونحن‌ ننتظر الشهادة‌ ، والجنّة‌ ، والنصر ، والغنيمة‌. وننتظر لكم‌ الذلّة‌ والنكبة‌ والموت‌ والقتل‌ بأيدينا ثمّ الدخول‌ إلی‌ جهنّم‌!».

 الرجوع الي الفهرس

إدلاّء رسول‌ الله‌ بحديث‌ المنزلة‌ لأمير المؤمنين‌ بالجرف‌

 قال‌ الواقدي‌ّ: لمّا كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يتجهّز لغزوة‌ تبوك‌، جاءه‌ خمسة‌ من‌ المنافقين‌ من‌ أصحاب‌ مسجد ضرار وهم‌: مُعَتِّبُبْنُ قُشَيرٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ، وَخِذَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَأَبُو حَبِيبَة‌بْنُ الاَزْعَرِ، وَعَبْدُاللَهِبْنُ نَبتَل‌ بْن‌ حَارِث‌ ، وقالوا: يارسول‌الله‌!  إنّا رُسُل‌ من‌ خلفنا من‌ أصحابنا!

 إنّا قد بنينا مسجداً لذي‌ القلّة‌ والحاجة‌ ، والليلة‌ المَطيرة‌، والليلة‌ الشاتية‌. إذ لايقدرون‌ علی‌ الذهاب‌ إلی‌ مسجد قبا. ونحن‌ نحبّ أن‌ تأتينا فتصلّي‌ بنا فيه‌. ورسول‌ الله‌ يتجهّز إلی‌ تبوك‌ ، فقال‌ لهم‌: إنّي‌ علی‌ جَناح‌ سَفَر وحال‌ شُغل‌؛ ولو قدمنا إن‌ شاء الله‌ أتيناكم‌ فصلّينا بكم‌ فيه‌. فلمّا نزل‌ بذي‌ أوان‌ [26]  راجعاً من‌ تبوك‌، أمر بهدمه‌ [27].

 لمّا خرج‌ رسول‌ الله‌ من‌ المدينة‌ ، ونزل‌ عسكره‌ في‌ الجُرْف‌ وثَنِيَّة‌ الوَدَاع‌، نصب‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ أفضل‌ صلوات‌الله‌ وملائكته‌ المقرّبين‌ وأنبيائه‌ المرسلين‌ في‌ المدينة‌ خليفة‌ لاهل‌ المدينة‌ كافّة‌، وكذلك‌ لاهل‌ رسول‌الله‌ وعياله‌ وإدارة‌ شؤون‌ الاُمّة‌.

 وعندما رأي‌ منافقو المدينة‌ علیاً علیه‌ السلام‌ مكان‌ النبي‌ّ، طفقوا يبثّون‌ الإشاعات‌ علی‌ أنّ النبي‌ّ لم‌ يأخذه‌ معه‌ استثقالاً منه‌.

 جاء في‌  « تفسير علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ »  فلمّا اجتمع‌ لرسول‌ الله‌ الخيول‌، رحل‌ من‌ ثَنِيَّة‌ الوَدَاع‌  و خلّف‌ أمير المؤمنين‌  ( علی‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌ )  علی‌ المدينة‌ فأرجف‌ المنافقون‌ بعلی‌ّ وقالوا:  مَا خَلَّفَهُ إلاَّ تَشَاؤمَاً بِهِ. فبلغ‌ ذلك‌ أمير المؤمنين‌ علیاً ، فأخذ سيفه‌ وسلاحه‌، ولحق‌ برسول‌الله‌ بالجُرْف‌؛  فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌:  يَا علی‌ُّ! أَلَمْ أُخَلِّفْكَ علی‌ المَدِينَةِ؟!  قال‌:  نَعَمْ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ زَعَمُوا أَ  نَّكَ خَلَّفْتَنِي‌ تَشَاؤُمَاً بِي‌!

 فَقَالَ: كَذِبَ المُنَافِقُونَ يَا علی‌ُّ! أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ أَخِي‌ وَأَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إلاَّ أَ  نَّهُ لاَ نَبِي‌َّ بَعْدِي‌؟! وَإِنْ كَانَ بَعْدِي‌ نَبِي‌ٌّ لَقُلْتُ أَنْتَ أَنْتَ! وَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌ فِي‌ أُمَّتِي‌؛ وَأَنْتَ وَزِيرِي‌ وَأَخِي‌ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ!

 فرجع‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ إلی‌ المدينة‌  [28].

 وروي‌ جمع‌ عظيم‌ من‌ محدّثي‌ الفريقين‌ ومؤرّخيهم‌ ومفسّريهم‌ في‌ كتبهم‌ هذا الحديث‌ حين‌ خروج‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ غزوة‌ تبوك‌  [29].

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] - جاء في‌ «المغازي‌» للواقدي‌: تحتقب‌ يعني‌: تركبها وراءك‌. وورد في‌ «تفسير علي‌ّبن‌ إبراهيم‌» ص‌ 267: تحتفد أي‌: تخدمها. وهكذا نقلها في‌ «الميزان‌» عن‌ التفسير المذكور. ولكنّ المجلسي‌ّ قال‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 626: تحتفد: تجعلهنّ حفدة‌ لك‌ أي‌: أعواناً وخدماً. وفي‌ بعض‌ النسخ‌: تستحفد. ولعلّه‌ أصوب‌.

[2] - وردت‌ هذه‌ القصّة‌ حتّي‌ الكلمة‌ المشـار إليها في‌ تفسـير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 313 و 314 عن‌ «تفسير القمّي‌ّ»؛ وكتاب‌ «حياة‌ محمّد» ص‌ 426 و 427.

[3] - الآيتان‌ 81 و 82، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[4] - الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[5] - «المغازي‌» للواقدي‌ّ، ج‌ 3، ص‌ 989 إلي‌ 993؛ وذكر ابن‌ هشام‌ مختصره‌ في‌ سيرته‌، ج‌ 4، ص‌ 943 و 944؛ وتفسير «نور الثَّقَلَين‌» ج‌ 2، ص‌ 223؛ و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 150.

[6] - «سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 4، ص‌ 944؛ و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 150؛ وكتاب‌ «حياة‌ محمّد» ص‌ 427.

[7] - جاء الشباب‌ بمعني‌ التَّشْبِيب‌. يقال‌: قصيدةٌ حَسَنَةُ الشَّباب‌. أي‌: استعمل‌ فيها التشبيب‌ جيّداً. والتشبيب‌ هو ذكر أيّام‌ الشباب‌ واللهو والتغزّل‌. وهو وصف‌ الشاعر محاسن‌ النساء. وشرح‌ هيامه‌ وانجذابه‌ إليهنّ.

[8] - الذراع‌: الطول‌ من‌ طرف‌ المرفق‌ إلي‌ طرف‌ الاءصبع‌ الوسطي‌، وهو قرابة‌ نصف‌ متر وأربعة‌ أذرع‌ يعني‌ مترين‌. وفيه‌ كناية‌ عن‌ مقدار القبر.

[9] - «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 266 و 267؛ و«الميزان‌» ج‌ ص‌ 313؛ ورواها المجلسي‌ّ في‌ «بحارالانوار» ج‌ ص‌ 624 عن‌ «تفسير القمّي‌ّ»؛ وشرح‌ المجلسي‌ّ في‌ ص‌ 625 بعضاً من‌ فقراتها تحت‌ عنوان‌: بيان‌. منها أ نّه‌ قال‌: قال‌ في‌ «النهاية‌»: خير الاُمور عوازمها يعني‌ فرائضها التي‌ عزم‌ الله‌ عليك‌ بفعلها. والمعني‌ ذات‌ عزمها التي‌ فيها عزم‌. وقيل‌: هي‌ ما وكّدت‌ رأيك‌ وعزمك‌ عليه‌ ووفيت‌ بعهد الله‌ فيه‌. والعزم‌ الجدّ والصبر. وقال‌ فيه‌: إيّاكم‌ ومُحَدثات‌ الاُمور جمع‌ محدثة‌ بالفتح‌ وهي‌ ما لم‌ يكن‌ معروفاً كتاباً ولاسنّة‌ ولاإجماعاً. وقال‌ في‌ «النهاية‌»: وفي‌ الحديث‌: ومن‌ الناس‌ من‌ لا يذكر الله‌ إلاّ مهاجراً يريد هجران‌ القلب‌ وترك‌ الاءخلاص‌ في‌ الذكر فكان‌ قلبه‌ مهاجراً للسانه‌ غير مواصل‌ له‌. ومنه‌ الحديث‌: ولايسمعون‌ القرآن‌ إلاّ هجْراً، يريد الترك‌ والاءعراض‌ عنه‌. والامر إلي‌ آخره‌، أي‌ الامر ينفع‌ إذا انتهي‌ إلي‌ آخره‌ أو الامر ينسب‌ في‌ الخير والشرّ والسعادة‌ والشقاوة‌ إلي‌ آخره‌. وعلي‌ التقديرين‌ الفقرة‌ الثانية‌ كالتفسير لها.

 وجاء في‌ روايات‌ العامّة‌: شرّ الروايا روايا الكذب‌. وذكر الواقدي‌ّ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «المغازي‌ّ» ج‌ 3، ص‌ 1016 و 1017، ولكنّه‌ قال‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ خطبها في‌ تبوك‌. وأوردها ابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 13 عن‌ البيهقي‌ّ، و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 161.

[10] - ذكر المجلسي‌ّ هذه‌ الخطبة‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 512 ضمن‌ الاخبار المتعلّقة‌ بغزوة‌ أُحد. ورواها نقلاً عن‌ الواقدي‌ّ. كما أنّ الواقدي‌ّ أوردها في‌ «المغازي‌ّ» ج‌ 1، ص‌ 221 إلي‌ 223.

[11] - معني‌ هذه‌ الجملة‌ هو: «أ نّني‌ الذي‌ أنشد هذه‌ الاشعار، وأهوي‌ تلك‌ المحبوبة‌ أعنيكِ أيّتها الفتاة‌ الجالسة‌ في‌ الخيمة‌». ونقول‌ في‌ اللغة‌ الفارسيّة‌ مثله‌: «به‌ در مي‌ گويم‌، ديوار تو بشنو» وترجمته‌ الحرفيّة‌: «أنا أتحدّث‌ إلي‌ الباب‌ واسمع‌ أيّها الجدار». وجاء هذا المثل‌ في‌ كتاب‌ «مجمع‌ الامثال‌» للميداني‌ّ ج‌ ص‌ 49 و 50 من‌ طبعة‌ بيروت‌. وقال‌ هناك‌: أوّل‌ من‌ قال‌: إيَّاكِ أَعْنِي‌ وَاسْمَعِي‌ يَا جَارَهْ سهل‌ بن‌ مالك‌ الفزاري‌ّ، وذلك‌ أ نّه‌ خرج‌ يريد النعمان‌، فمرّ ببعض‌ أحياء طي‌ء، فسأل‌ عن‌ سيّد الحي‌ّ، فقيل‌ له‌: حارثة‌بن‌ لام‌، فأَمّ رحله‌ فلم‌يصبه‌ شاهداً؛ فقالت‌ له‌ أُخته‌: انزل‌ في‌ الرحب‌ والسعة‌! فنزل‌، فأكرمته‌ ولاطفته‌؛ ثمّ خرجت‌ من‌ خبائها، فرأي‌ أجمل‌ أهل‌ دهرها وأكملهم‌. وكانت‌ عقيلة‌ قومها، وسيّدة‌ نسائها. فوقع‌ في‌ نفسه‌ منها شي‌ء، فجعل‌ لا يدري‌ كيف‌ يرسل‌ إليها، ولا ما يوافقها من‌ ذلك‌. فجلس‌ بفناء الخباء يوماً، وهي‌ تسمع‌ كلامه‌، فجعل‌ ينشد ويقول‌:

 يا أُخت‌ خَير البَدْو والحضاره‌                                   كيف‌ ترين‌ في‌ فتي‌ فزاره‌ ؟

 أَصبح‌ يَهْوي‌ حُرَّةَ معطاره                                       ‌ إيَّاكِ أَعنِي‌ واسمعي‌ يَاجَاره‌

                 فلمّا سمعت‌ قوله‌، عرفت‌ أ نّه‌ إيّاها يعني‌، فقالت‌: ما يقول‌ هذا ذو عقل‌ أريب‌، ولارأي‌ مصيب‌، ولاأنف‌ نجيب‌، فأقم‌ ما قمت‌ مكرّماً، ثمّ ارتحل‌ متي‌ شئت‌ مسلماً. ويقال‌: أجابته‌ نظماً فقالت‌:

 إنّي‌ أقول‌ يا فتي‌ فزاره‌                                         لا أبتغي‌ الزوج‌ ولا الدعاره‌

 ولا فراق‌ أهل‌ هذي‌ الجاره‌                                   فارحل‌ إلي‌ أهلك‌ باستخاره‌

 فاستحي‌ الفتي‌ وقال‌: ما أردتُ منكراً، واسوأتاه‌! قالت‌: صدقت‌. فكأ نّها استحيت‌ من‌ تسرّعها إلي‌ تهمته‌، فارتحل‌، فأتي‌ النعمان‌ فحيّاه‌ وأكرمه‌. فلمّا رجع‌، نزل‌ علي‌ أخيها. فبينا هو مقيم‌ عندهم‌، تطلّعت‌ إليه‌ نفسها، وكان‌ جميلاً. فأرسلت‌ إليه‌ أن‌ اخطبني‌ إن‌ كان‌ لك‌ إلي‌ّ حاجة‌ يوماً من‌ الدهر، فإنّي‌ سريعة‌ إلي‌ ما تريد. فخطبها، وتزوّجها، وسار بها إلي‌ قومه‌.

 يضرب‌ هذا المثل‌ لمن‌ يتكلّم‌ بكلام‌، ويريد به‌ شيئاً غيره‌.

[12] - الآية‌ 65 من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[13] - الآية‌ 74، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[14] - تفسير «نور الثَّقَلين‌» ج‌ 2، ص‌ 223 و 224؛ وفي‌ «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 314 نقلاً عن‌ «العيون‌».

[15] - الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 80: عبس‌.

[16] - الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 74: المدَّثِّر.

[17] - الآية‌ 30، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[18] - الآيتان‌ 47 و 48، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[19] - قال‌ الاُستاذ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ تفسير الآية‌ الاخيرة‌: أي‌: أُقسم‌ لقد طلبوا المحنة‌ واختلاف‌ الكلمة‌ وتفرّق‌ الجماعة‌ من‌ قبل‌ هذه‌ الغزوة‌ -وهي‌ غزوة‌ تبوك‌- كما في‌ غزوة‌ أُحد حين‌ رجع‌ عبد الله‌ بن‌ أُبَي‌ّ بثلث‌ القوم‌ وخذل‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌. و قلّبوا لَكَ الاُمور بدعوة‌ الناس‌ إلي‌ الخلاف‌ وتحريضهم‌ علي‌ المعصية‌ وخذلانهم‌ عن‌ الجهاد، وبعث‌ اليهود والمشركين‌ علي‌ قتال‌ المؤمنين‌ والتجسّس‌ وغير ذلك‌ حتّي‌ جاء الحقّ -وهو الحقّ الذي‌ يجب‌ أن‌ يُتّبع‌- وظَهَرَ أمرُ الله‌ وهم‌ كارهون‌. ( تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 304 ).

[20] - الآية‌ 46، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[21] - الآيتان‌ 67 و 68، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

[22] - الآية‌ 167، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌؛ وتمامها: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَـ'تِلُوا فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَـ'كُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يِوْمَنءِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلاْءِيمَـ'نِ يَقُولُونَ بِأَفْوَ ' هِهِم‌ مَّا لَيْسَ فِي‌ قُلُوبِهِمْ وَاللَهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ.

[23] - «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 9، ص‌ 267 إلي‌ 302. والمطالب‌ التي‌ عزم‌ علي‌ تفنيدها هنا من‌ تفسير «المنار» ج‌ 10، ص‌ 465 و 466 للشيخ‌ محمّد عبده‌ المصري‌ّ. وأ لّفه‌ سيّد محمّد رشيد رضا.

[24] - الآيتان‌ 44 و 45، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[25] - الآيات‌ 50 إلي‌ 52، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[26] - جاء في‌ «وفاء الوفاء بأحوال‌ المصطفي‌» ج‌ 2، ص‌ 250: ذو أوَان‌ موضع‌ علي‌ ساعة‌ من‌ المدينة‌.

[27] - «المغازي‌» ج‌ 3، ص‌ 1045 و 1046؛ و«مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 72؛ و«تفسير علي‌ّبن‌ إبراهيم‌» ص‌ 280.

[28] - «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 268؛ وجاء في‌ «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 624 عن‌ «تفسير القمّي‌ّ».

[29] - «الاءرشاد» للمفيد ص‌ 83 إلي‌ 85 من‌ الطبعة‌ الحجريّة‌؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 623 و 624 عن‌ «الاءرشاد» وفي‌ ص‌ 627 عن‌ «الاحتجاج‌» للطبرسي‌ّ، وعن‌ «تفسير إلامام‌ الحسن‌ العسكري‌ّ عليه‌ السلام‌»، وفي‌ ص‌ 629 عن‌ «الامالي‌» للشيخ‌ الطوسي‌ّ روايتان‌: الاُولي‌ عن‌ أبي‌ سعيد الخدري‌ّ، والاُخري‌ بسنده‌ عن‌ الاءمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، وكذلك‌ في‌ ص‌ 630 بسند آخر عن‌ تفسير الاءمام‌. ورواه‌ أيضاً في‌ ج‌ 9، ص‌ 237 عن‌ «الامالي‌» للطوسي‌ّ، عن‌ الرضا، عن‌ آبائه‌، وفي‌ ص‌ 239 عن‌ كتاب‌ «العمدة‌» لابن‌ بطريق‌، بإسناده‌ عن‌ سعيدبن‌ مالك‌ (أبو سعيد الخدري‌ّ)، وفي‌ ص‌ 240 عن‌ كتاب‌ علي‌ّبن‌ عبدالواحد الواسطي‌ّ، عن‌ سعدبن‌ أبي‌ وقّاص‌، وفيها أيضاً عن‌ ابن‌ بطريق‌ في‌ كتاب‌ «المستدرك‌» عن‌ كتاب‌ «المغازي‌» لمحمّدبن‌ إسحاق‌، وفي‌ ص‌ 241 عن‌ ابن‌ حجر العسقلاني‌ّ في‌ «فتح‌ الباري‌ شرح‌ صحيح‌ البخاري‌ّ» عن‌ سعدبن‌ أبي‌ وقّاص‌؛ و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 151؛ و«سيرة‌ ابن‌ هشـام‌» ج‌ 4، ص‌ 946 و 947؛ و«تاريـخ‌ الطبـري‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 368 طبعـة‌ مطبعـة‌ الاستقامة‌؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 7؛ و«حبيب‌ السير» ج‌ 1، ص‌ 399؛ و«الطبقات‌ الكبري‌» لابن‌ سعد، ج‌ 3، ذكر في‌ ص‌ 23 و 24 أربع‌ روايات‌ بأربعة‌ أسناد. ونقل‌ ابن‌ المغازلي‌ّ في‌ مناقبه‌ من‌ ص‌ 27 إلي‌ 37 سبع‌ عشرة‌ رواية‌ في‌ حديث‌ المنزلة‌ تحت‌ الرقم‌ 40 إلي‌ 56، وأربع‌ منها نصّت‌ علي‌ وقت‌ التوجّه‌ إلي‌ تبوك‌؛ و«مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌ 1، ص‌ 171؛ و«الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 278؛ و«الاستيعاب‌» ج‌ 3، ص‌ 1097؛ و«الاءصابة‌» ج‌ 2، ص‌ 502؛ و«الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 386 عن‌ تفسير «الدرّ المنثور» و«أُسد الغابة‌» ج‌ 4، ص‌ 25 و 26، وكذلك‌ في‌ «أُسد الغابة‌» ج‌ 1، ص‌ 188.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com