بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد العاشر/ القسم الخامس عشر: الشواهد القطعیة علی خلافة الإمام علیّ علی المدینة فی غزوة تبوک، ادلة ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الشواهد القطعيّة‌ علی‌ خلافة‌ الإمام‌ علی‌ّ علی‌ المدينة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌

ثالثاً: إنّ الكلمات‌ التي‌ خاطب‌ بها رسولُ الله‌ أميرالمؤمنين‌ علیهما الصلاة‌ والسلام‌ في‌ حديث‌ المنزلة‌ ، أو التي‌ أُثرت‌ عن‌ الرواة‌ تدلّ علی‌ خلافة‌ الإمام‌ علی‌ جميع‌ أهل‌ المدينة‌. كرواية‌ أبي‌ داود الطيالسي‌ّ في‌ مسنده‌ عن‌ شعبة‌، عن‌ الحكم‌ ، عن‌ مصعب‌ بن‌ سعد ، عن‌ سعد أ  نّه‌ قال‌:  خَلَّفَ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ علی‌َّبْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ فِي‌ غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ فَقَالَ: يَارَسُولَاللَهِ! أَتُخَلِّفُنِي‌ فِي‌ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟! فَقَالَ: أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاَّ أَ  نَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي[1]‌؟! وذلك‌ أ  نّه‌:

 أوّلاً: في‌ كلمة‌ خلَّف‌ إطلاق‌. وهي‌ تفيد استخلافه‌ علی‌ الجميع‌؛ وبالاخصّ جاء جوابه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ رواية‌ ابن‌ إسحاق‌ كما يأتي‌:  كَذَبُوا وَلَكِنِّي‌ خَلَّفْتُكَ لِمَا تَرَكْتُ وَرَائي‌ [2]. ومن‌ المعلوم‌ أنّ هذه‌ الجملة‌ لاتفيد الإطلاق‌ فحسب‌، بل‌ هي‌ عامّة‌ لكافّة‌ شؤون‌ المدينة‌ وما يحتاج‌ أهلها جميعهم‌.

 ثانياً: قوله‌:  إِنَّ المَدِينَةَ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ بِي‌ أَوْ بِكَ[3] نصّ صريح‌ علی‌ استخلافه‌ علی‌ المدينة‌ كلّها.

 ثالثاً: ورد في‌ تفسير علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌:  وَخَلَّفَ أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ علیهِ السَّلاَمُ علی‌ المَدِيْنَةِ[4] . ولمّا جاء الإمام‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ شاكياً من‌ المنافقين‌، قال‌ له‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:  يَا علی‌ُّ! أَلَمْ أُخَلِّفْكَ علی‌ المَدِينَةِ [5] ؟!

 رابعاً: رأينا في‌ رواية‌ الشيخ‌ المفيد قوله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: فَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌ فِي‌ أَهْلِ بَيْتِي‌ وَدَارِ هِجْرَتِي‌ وَقَوْمِي‌ [6].  وتنصّ هذه‌ العبارة‌ علی‌ العموم‌.

 خامساً: ذكر الشيخ‌ الطبرسي‌ّ قائلاً:  وَاسْتَعْمَلَ علی‌ المَدِينَةِ علی، وَقَالَ: إنَّهُ لاَبُدَّ لِلْمَدِينَةِ مِنِّي‌ أَوْ مِنْكَ[7] . وذكر أيضاً:  إمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ وَيُقيِمَ علی‌ٌّ وَإمَّا أَنْ يَخْرُجَ علی‌ٌّ وَتُقِيمَ أَنْتَ  [8].

 سادساً: قال‌ ابن‌ حجر العسقلاني‌ّ:  وَقَالَ لَهُ فِي‌ غَزْوَةِ تَبُوكَ: أَنْتَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إِلاَّ أَ  نَّكَ لَسْتَ بِنَبِي‌ٍّ. أي‌: لاَيَنْبَغِي‌ أَنْ أَذْهَبَ إِلاَّ وَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌ [9]!

 تنصّ هذه‌ العبارة‌ كسابقاتها علی‌ عموميّة‌ الاستخلاف‌ علی‌ جميع‌ شؤون‌ الناس‌. ويستفاد هذا المعني‌ التفسيري‌ّ من‌ تشبيه‌ منزلته‌ بمنزلة‌ هارون‌ من‌ موسي‌، فكما أنّ موسي‌ لم‌ يؤذن‌ له‌ بالذهاب‌ إلی‌ جبل‌ طور للمناجاة‌ دون‌ أن‌ ينصب‌ أخاه‌ هارون‌ خليفة‌ له‌ علی‌ أُمّته‌ ، فكذلك‌ أنا لم‌ يؤذن‌ لي‌ التوجّه‌ إلی‌ غزوة‌ تبوك‌ إلاّ أن‌ أنصبك‌ يا علی‌ّ خليفة‌ لي‌!

 إنّ ما يبدو من‌ كلمات‌ بعض‌ المؤرّخين‌ إذ ذكروا أنّ الذين‌ نصبهم‌ رسول‌الله‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ هم‌ غير أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ ، مع‌ اعتراف‌ الجميع‌ بنصبه‌ علی‌ أهل‌ البيت‌ ، وبحديث‌ المنزلة‌ ، هو إمّا سهو وخطأ تمثّل‌ في‌ ذكره‌ مع‌ من‌ نصبهم‌ رسول‌ الله‌ في‌ سائر الغزوات‌ ، وحجّة‌ الوداع‌، وعمرة‌ الحُدَيْبِيَّةِ  كسِبَاعِبْنِ عُرْفُطَة‌ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمة‌، وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ وإمّا سهو وخطأ متعمَّد ارتكبه‌ بعض‌ أصحاب‌ السير ويلاحظ‌ من‌ سِيَرهم‌ جيّداً أ  نّهم‌ مغرضون‌، وقد دسّوا في‌ التأريخ‌ الصحيح‌ والثابت‌. وأنّ الراوي‌ الاوّل‌ الذي‌ ارتكب‌ هذا التحريف‌ والخيانة‌ ، قد سار بسيرته‌ الآخرون‌ أيضاً فأخذوا كلامه‌ وسطّروه‌ في‌ كتبهم‌ ، وذلك‌ إمّا بتأييد خيانته‌ ، أو من‌ وحي‌ التساهل‌ وعدم‌الإمعان‌ والنقد والتحليل‌ للسيرة‌ والتأريخ‌ الصحيح‌. وكذلك‌ جاء بعدهم‌ من‌ توكّأ علی‌ قوله‌ ، ونقله‌ إلی‌ الاجيال‌ المعاصرة‌ والقادمة‌ يداً بيد، حتّي‌ نجد أنّ أحد الكتّاب‌ المعاصرين‌ ممّن‌ أ  لّف‌ في‌ السيرة‌ النبويّة‌ باللغة‌ الفارسيّة‌ يقول‌: علی‌ الرغم‌ من‌ أ  نّه‌  ( النبي‌ّ )  خلّف‌ محمّدبن‌ مسلمة‌ علی‌ المدينة‌، بَيدَ أ  نّه‌ قال‌ لعلی‌ّ علیه‌ السلام‌:  « أنت‌ خليفتي‌ في‌ أهل‌ بيتي‌ وقومي‌ والمهاجرين‌، ولايصلح‌ لذلك‌ إلاّ أنا أو أنت‌ ».

 ومن‌ المؤسف‌ جدّاً أنّ شيعيّاً يتمتّع‌ بالصلاح‌ والخلوص‌، وقد أ  لّف‌ كتابه‌ خدمة‌ للثقافة‌ الإسلاميّة‌ والمسلمين‌ ، غفل‌ عن‌ هذه‌ النقطة‌، وحرّف‌ التأريخ‌ الثابت‌ -من‌ حيث‌ لايشعر- وفقاً لاهواء واضعي‌ الاحاديث‌ بعد إدانة‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ وعزله‌ في‌ بيته‌. وسبب‌ الخطأ هو ضيق‌ الاُفق‌ الملحوظ‌ في‌ بعض‌ تواريخ‌ العامّة‌ ـالتي‌ مرّ ذكرهاـ. وعدم‌ التتبّع‌ التامّ في‌ أقوال‌ مصادر العامّة‌، وعدم‌ التتبّع‌ في‌ سِيرَ الشيعة‌ ومصادرهم‌ التأريخيّة‌.

 إنّ النقطة‌ المهمّة‌ والجديرة‌ بالاهتمام‌ هي‌ أنّ كتّابنا ينبغي‌ أن‌ لايجعلوا كتب‌ العامّة‌ مصادرهم‌ الاصليّة‌ في‌ دراساتهم‌ ، ويتّكئوا علی‌ أقوالهم‌، ويذكروا كتبهم‌ وعلماءهم‌ من‌ غيرنظر واهتمام‌ بسيرة‌ الشيعة‌. إنّه‌ لضرر عظيم‌ وخسارة‌ فادحة‌ إذ تنقلب‌ حقيقة‌ مدرسة‌ التشيّع‌. ذلك‌ التشيّع‌ الذي‌ استطاع‌ أن‌ يبرز وجهه‌ الحقيقي‌ّ من‌ خلال‌ آلاف‌ المرارات‌، والدماء المهراقة‌، وأظهر الحقّ من‌ بين‌ الافتراءات‌ والتهم‌ وضروب‌ البهتان‌ والقتل‌ والتعذيب‌، ودحض‌ الباطل‌ وأبعده‌. وإذا هؤلاء يتوجّهون‌ إلی‌ كتب‌ العامّة‌ تبرّعاً بلاثمن‌. تلك‌ الكتب‌ التي‌ أُ  لّفت‌ لترسيخ‌ مذهب‌ حكّام‌ الجور والسلاطين‌ الظالمين‌، ولم‌ تدّخر وسعاً لتدمير حقيقة‌ التشيّع‌ بكلّ حربة‌ من‌ حرابه، واستخدمت‌ كلّ وسيلة‌ ممكنة‌ من‌ أجل‌ ذلك‌. وجعلها هؤلاء مصادر وملاجي‌ لموضوعاتهم‌ التحقيقيّة‌ والعلميّة‌.

 فلهذا نحن‌ نستفيد في‌ هذا الكتاب‌ من‌ مصادر الشيعة‌ الرصينة‌ بحمد الله‌ ومنّه‌؛ ولنا حديث‌ من‌ مصادر العامّة‌ أيضاً للتأييد واعتراف‌ الخصم‌ من‌ باب‌:  وَالفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الاَعْدَاءُ [10]. وكذلك‌ نختدم‌ فنّ الجدل‌، ونقمع‌ الخصم‌ وندكّ صولته‌ بحربته‌ نفسها. وهذا هو باب‌  الجدل‌  إذ تُتَّخذ ثوابت‌ الخصم‌ منه‌، ثمّ يُدَان‌ بعين‌ مقدّماته‌ الثابتة‌ المسلّمة‌:  وَجَـ'دِلْهُم‌ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ . وهذا هو طريق‌ بحثنا. أوّلاً: يبلغ‌ بالإنسان‌ إلی‌ الاُصول‌ والمعارف‌ الحقّة‌ الحقيقيّة‌ في‌ ضوء المباني‌ المسلّمة‌ والمحقّقة‌؛ ويبلغ‌ العقائد والمعارف‌ من‌ باب‌ البرهان‌ الذي‌ يضع‌ المسلّميّات‌ وإلیقينيّات‌ في‌ صغري‌ قياسه‌ وكبراه‌. ثانياً: يعرّف‌ الخصم‌ علی‌ آرائه‌ ومواضع‌ نقده‌ وتزييفه‌؛ ويرغمه‌ علی‌ التسليم‌.

 لقد أ  لّف‌ العلاّمة‌ الكبير المرحوم‌ الاميني‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ كتابه‌ القيّم‌ «الغدير»  لإبطال‌ آراء المخالفين‌ من‌ العامّة‌ فحسب‌، كي‌ يقسرهم‌ علی‌ الاعتراف‌ والإقرار بحقّانيّة‌ مولي‌ الموإلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وإمامته‌ وولايته‌ ووصايته‌ بلافصل‌؛ ويضعضع‌ مذهب‌ المناوئين‌؛ لا  أ  نّه‌ كتبه‌ للشيعة‌ الذين‌ ينبغي‌ أن‌ يأخذوا أُصول‌ معارفهم‌ من‌ مصدر وسند معيّنين‌. فلهذا استُفيد في‌ هذا الكتاب‌ من‌ الجدل‌ ليس‌ غيره‌، كما توكّأ علی‌ مصادر العامّة‌ وكتبهم‌ فحسب‌.

  وكذلك‌ أ  لّف‌ العلاّمة‌  السيّد محمّد قُلي‌  كتاب‌  «تشييد المطاعن‌»  [11] للردّ علی‌  «التحفة‌ الاثنا عشريّة‌». وألزم‌ نفسه‌ بالاستفادة‌ من‌ روايات‌ العامّة‌ ومصادرهم‌. وإلاّ فلا دور لهذا الكتاب‌ في‌ الردّ علی‌ التحفة‌ المذكورة‌.

 وصنّف‌ العلاّمة‌  مير حامد حسين‌ الهندي‌ّ  النيسابوري‌ّ كتابه‌ الشريف‌ «عبقات‌ الانوار» [12]  في‌ الردّ علی‌ كتاب‌  « التحفة‌ العزيزيّة‌ »  الذي‌ هو نفسه‌ كتاب‌ « التحفة‌ الاثنا عشريّة‌ ». ولا حيلة‌ إلاّ بالاستناد إلی‌ مصادر العامّة‌، وتفهيمهم‌ بالمسلّمات‌ الثوابت‌ الموجودة‌ في‌ كتبهم‌.

 وكذلك‌ نلحظ‌ كتب‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ السيّد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ّ كـ «المراجعات‌» و«الفصول‌ المهمّة‌» و«أبو هريرة‌» ، فإنّها التزمت‌ بنفس‌ المنهج‌؛ وعرضت‌ طريق‌ الحقيقة‌ بالاستناد إلی‌ مصادر العامّة‌ المتقنة‌؛ وألزمت‌ المخالف‌ بالقبول‌.

 أمّا الذين‌ لم‌ تؤلّف‌ كتبهم‌ للردّ ، ولم‌ تصنّف‌ لإلزام‌ المخالفين‌، بل‌ صنّفت‌ لإرشاد وهداية‌ عموم‌ المسلمين‌ سواء كانوا من‌ الشيعة‌ أم‌ من‌ السنّة‌. وحتّي‌ لو كانوا من‌ المسلمين‌ وغيرهم‌ ، فعلیهم‌ أن‌ يصنّفوا كتبهم‌ علی‌ أساس‌ المقدّمات‌ البرهانيّة‌ ومن‌ وحي‌ المقدّمات‌ المسلَّمة‌ الثابتة‌، من‌ الكتب‌ والمصادر الموثوقة‌، والعلماء المرضيّين‌ البعيدين‌ عن‌ التعصّبات‌ الجاهليّة‌.

 أجل‌ ، لنعد إلی‌ أصل‌ الموضوع‌ ، وهو أنّ استخلاف‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ المدينة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ ممّا لا شكّ ولاشبهة‌ فيه‌. حتّي‌ أنّ ابن‌تيميّة‌ الحرّاني‌ّ  الذي‌ كان‌ رأس‌ المناوئين‌ وطليعة‌ ركب‌ العناد واللجاجة‌ في‌ طرح‌ إشكالاته‌ وافتراءاته‌ وضروب‌ بهتانه‌ بالنسبة‌ إلی‌ الاخبار والاحاديث‌ الصحيحة‌ المأثورة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ في‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لم‌يستطع‌ أن‌ يُشكل‌ علی‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ رضوان‌الله‌ علیه‌ في‌ استشهاده‌ بهذا الحديث‌؛ وإنّما وجّه‌ مؤاخذته‌ إلی‌ موضع‌ آخر. وتوضيح‌ ذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

 حديث‌ عمرو بن‌ ميمون‌ برواية‌ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌

روي‌  أحمد بن‌ حنبل‌  في‌ مسنده‌ عن‌  يحيي‌ بن‌ حَمّاد ، عن‌  أبي‌ عَوَانَة‌ ، عن‌  أبي‌ بَلْج‌ ، عن‌  عمروبن‌ ميمون‌  ، قال‌: إنّي‌ لجالس‌ إلی‌  ابن‌عبّاس‌ إذ أتاه‌ تسعة‌ رهط‌ فقالوا: يا ابن‌ عبّاس‌!  إمّا أن‌ تقوم‌ معنا ونذهب‌ إلی‌ مكان‌ آخر ونتحدّث‌!  وإمّا تخلو بنا عن‌ هؤلاء!  قال‌ ابن‌ عبّاس‌: بل‌ أنا أقوم‌ معكم‌ -وقال‌ ابن‌ ميمون‌: وهو يومئذٍ صحيح‌ ، قبل‌ أن‌ يعمي‌-.

 فذهبوا مع‌ ابن‌ عبّاس‌ وتحدّثوا؛ فلم‌ نعلم‌ ما قالوا ،  فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: أُفٍّ وتُفٍّ! وَقَعُوا فِي‌ رَجُلٍ لَهُ عَشْرٌ؛ وَقَعُوا فِي‌ رَجُلٍ

 ( 1 ) قَالَ لَهُ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لاَبْعَثَنَّ رَجُلاَ لاَيُخْزِيهِ اللَهُ أَبَدَاً يُحِبُّ اللَهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: فَاسْتَشْرَفَ لَهَا مَنِ اسْتَشْرَفَ. قَالَ: أَيْنَ علی‌ٌّ؟! قَالُوا: هُوَ فِي‌ الرَّحْلِ يَطْحَنُ! قَالَ: وَمَا كَانَ أَحَدُكُمْ لِيَطْحَنَ؟! قَالَ: فَجَاءَ وَهُوَ أَرْمَدُ لاَيَكَادُ يُبْصِرُ. قَالَ: فَنَفَثَ فِي‌ عَيْنَيْهِ؛ ثُمَّ هَزَّ الرَّايَةَ ثَلاَثَاً؛ فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ، فَجَاءَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَي‌ٍّ.

 ( 2 ) قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ فُلاَنَاً بِسُورَةِ التَّوْبَةِ ، فَبَعَثَ علیاً خَلْفَهُ؛ فَأَخَذَهَا مِنْهُ. قَالَ: لاَيَذْهَبُ بِهَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنِّي‌ وَأَنَا مِنْهُ.

 ( 3 ) قَالَ: وَقَالَ لِبَنِي‌ عَمِّهِ: أَيُّكُمْ يُوَإلیني‌  (بحيث‌ لايفصل‌ بيني‌ وبينه‌ أي‌ّ حجاب‌، ويكون‌ معي‌ في‌ السرّاء والضرّاء كنفسي‌ ومتكفّلاً بأُموري‌)  فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟! قَالَ: وَعلی‌ٌّ مَعَهُ جَالِسٌ، فَأَبَوا. وَقَالَ علی‌ٌّ: أَنَا أُوَإلیكَ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ! قَالَ: أَنْتَ وَلِيِّي‌ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. قَالَ: فَتَرَكَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ علی‌ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يُوإلیني‌ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؟ فَقَالَ علی‌ٌّ: أَنَا أُوَإلیكَ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ! فَقَالَ أَنْتَ وَلِيِّي‌ فِي‌ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ خَدِيجَةَ.

 ( 4 ) قَالَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ فَوَضَعَهُ علی‌ علی‌ٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ، فَقَالَ «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».

 ( 5 ) قَالَ: وَشَرَي‌ علی‌ٌّ نَفْسَهُ. لَبِسَ ثوب‌ النَّبي‌ِّ صَلَّي‌اللَهُ علیه‌ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَامَ مَكَانَهُ. قَالَ: وَكَانَ المُشْرِكُونَ يَرْمُونَ رَسُولَاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ أَبُوبَكْرٍ وَعلی‌ٌّ نَائِمٌ. قَالَ: وَأَبُوبَكْرٍ يَحْسَبُ أَ  نَّهُ نَبِي‌ُّاللَهِ. قَالَ: فَقَالَ: يَانَبِي‌َّ اللَهِ! قَالَ: فَقَالَ لَهُ علی‌ٌّ: إنَّ نَبِي‌َّاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَدِ انْطَلَقَ نَحْوَ بِئْرِ مَيْمُونٍ فَأَدْرِكْهُ! قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُوبَكْرٍ فَدَخَلَ مَعَهُ الغَارَ. قَالَ: وَجُعِلَ علی‌ٌّ يُرْمَي‌ بِالحِجَارَةِ كَمَا يُرْمَي‌ نَبِي‌ُّ اللَهِ وَهُوَ يَتَضَوَّرُ قَدْ لَفَّ رَأْسَهُ فِي‌ الثَّوْبِ لاَيُخْرِجُهُ حَتَّي‌ أَصْبَحَ ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالُوا: إنَّكَ لَلَئِيمٌ كَانَ صَاحِبُكَ نُرَامِيهِ فَلاَيَتَضَوَّرُ وَأَنْتَ تَتَضَوَّرُ وَقَدِ اسْتَنْكَرْنَا ذَلِكَ.

 ( 6 ) قَالَ: وَخَرَجَ النَّاسُ فِي‌ غَزْوَةِ تَبُوكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ علی‌ٌّ: أَخْرُجُ مَعَكَ؟! قَالَ: فَقَالَ لَهُ نَبِي‌ُّ اللَهِ: لاَ ، فَبَكَي‌ علی‌ٌّ ، فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ إلاَّ أَ  نَّكَ لَسْتَ بِنَبِي‌ٍّ! إِنَّهُ لاَيَنْبَغِي‌ أَنْ أَذْهَبَ إلاَّ وَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌!

 ( 7 ) قَالَ: وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ: أَنْتَ وَليِّي‌ فِي‌ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي‌!

 ( 8 ) وَقَالَ: سُدُّوا أَبْوَابَ المَسْجِدِ غَيْرَ بَابِ علی‌ٍّ فَقَالَ: فَيَدْخُلُ المَسْجِدَ جُنُباً وَهُوَ طَرِيقُهُ لَيْسَ لَهُ طَرْيقٌ غَيْرُهُ.

 ( 9 ) قَالَ: وَقَالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَإنَّ مَوْلاَهُ علی‌ٌّ.

 ( 10 ) قَالَ: وَأَخْبَرَنَا اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي‌ القُرْآنِ أَ  نَّهُ قَدْ رَضِي‌َ عَنْهُمْ عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي‌ قُلُوبِهِمْ هَلْ حَدَّثَنَا أَ  نَّهُ سَخَطَ علیهِمْ بَعْدُ؟ قَالَ: وَقَالَ نَبِي‌ُّ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ حِينَ قَالَ: ائْذَنْ لِي‌ فَلاِضْرِبَ عُنُقَهُ (حاطب‌ بن‌ أبي‌ بُلتَعَة‌)! قَالَ: أَوَ كُنْتَ فَاعِلاَ؟! وَمَايُدْرِيكَ! لَعَلَّ اللَهَ قَدِ اطَّلَعَ علی‌ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ  [13].

 وروي‌  العلاّمة‌ الحلّي‌ّ  هذه‌ الرواية‌ في‌ كتاب‌  «منهاج‌ الكرامة‌»  بعد حذف‌ رواتها من‌  عمروبن‌ ميمون‌  إلی‌ قول‌ رسول‌ الله‌:  مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا علی‌ٌّ مَوْلاَهُ،  وقال‌:  وعن‌ عمروبن‌ ميمون‌ [14].

 الرجوع الي الفهرس

 تزوير ابن‌ تيميّة‌ وتلبيسه‌ في‌ كتاب‌ «منهاج‌ السنّة‌»

وذكرها  ابن‌ تيميّة‌  في‌ كتاب‌  «منهاج‌ السُّنَّة‌»  مع‌ تتمّة‌ بعنوان‌ رواية‌ العلاّمة‌ مرفوعة‌ [15] ، وأوردها عن‌ العلاّمة‌ بتعبير: قال‌ الرافضي‌ّ [16]. ثمّ انبري‌ إلی‌ جوابه، أ  نّها غيرمسندة‌، بل‌ مرسلة‌  ( بلا سند )  لو ثبتت‌ عن‌ عمروبن‌ ميمون‌؛ مضافاً إلی‌ أنّ في‌ الرواية‌ ألفاظاً مفتراة‌ علی‌ نبي‌ّ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ كقوله‌:  لاَيَنْبَغِي‌ أَنْ أَذْهَبَ إلاَّ وَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌.

 الرجوع الي الفهرس

كذب‌ ابن‌ تيميّة‌ ، ومدي‌ ضرورة‌ في‌ استخلاف‌ أمير المؤمنين‌ بتبوك‌

 فإنّ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ذهب‌ غير مرّة‌ وخليفته‌ علی‌ المدينة‌ غيرعلی‌ّ. كما اعتمر عمرة‌ الحديبيّة‌ ، وعلی‌ّ معه‌ ، وخليفته‌ غيره‌. وغزا بعد ذلك‌ غزوة‌ خيبر، ومعه‌ علی‌ّ، وخليفته‌ بالمدينة‌ غيره‌. وغزا غزوة‌ الفتح‌، وعلی‌ّ معه‌، وخليفته‌ بالمدينة‌ غيره‌. وغزا حنيناً والطائف‌، وعلی‌ّ معه‌، وخليفته‌ بالمدينة‌ غيره‌. وحجّ حجّة‌ الوداع‌ ، وعلی‌ّ معه‌، وخليفته‌ بالمدينة‌ غيره‌. وغزا غزوة‌ بدر ، ومعه‌ علی‌ّ ، وخليفته‌ بالمدينة‌ غيره‌. وكلّ هذا معلوم‌ بالاسانيد الصحيحة‌ ، وباتّفاق‌ أهل‌ العلم‌ بالحديث‌. وكان‌ علی‌ّ معه‌ في‌ غالب‌ الغزوات‌، وإن‌ لم‌يكن‌ فيها قتال‌. إلی‌ أن‌ قال‌:

 وفي‌ غزوة‌ تبوك‌ ، ما كان‌ استخلاف‌ علی‌ّ إلاّ علی‌ النساء والصبيان‌؛ والمرضي‌ والفقراء الذين‌ عذرهم‌ الله‌. وعلی‌ الثلاثة‌ الذين‌ خُلّفوا؛ أو متّهم‌ بالنفاق‌. وكانت‌ المدينة‌ آمنة‌ لا يخاف‌ علی‌ أهلها ، ولايحتاج‌ المستخلَف‌ من‌ قبل‌ رسول‌الله‌ إلی‌ جهاد.

 وقال‌  العلاّمة‌ الاميني‌ّ  في‌ جوابه‌: كان‌ الاحري‌ بالرجل‌  ( ابن‌ تيميّة‌ )  أن‌ يحرّم‌ ويحرّج‌ علی‌ العلماء النظر في‌ كتابه‌؛ فيختصّ خطابه‌ بالرعرة‌ الدهماء ممّن‌ لايعقل‌ أي‌ّ طرفيه‌ أطول‌  ( قدّهم‌ أو عرض‌ بدنهم‌ )  ، لانّ نظر العلماء فيه‌ يكشف‌ عن‌ سوءته‌؛ ويوضّح‌ للملا إعوازه‌ في‌ العلم‌ ، وانحيازه‌ عن‌ الصدق‌ والامانة‌. ويظهر تدجيله‌ وتزويره‌ وتمويهه‌ علی‌ الحقائق‌. ومن‌ المحتمل‌ جدّاً أ  نّه‌ قد غإلی‌ في‌ عظمة‌ نفسه‌ يوم‌ خوطب‌  بشيخ‌ الإسلام‌. فحسب‌ أنّ الاُمّة‌ تأخذ ما يقوله‌ كأُصول‌ مسلّمة‌ لا تناقشه‌ فيه‌ الحساب‌. وإذ أخفق‌ ظنّه‌ وأكدي‌ أمله‌، فهلمّ معي‌ نمعن‌ النظرة‌ في‌ هملجته‌ حول‌ هذا الحديث‌، وما له‌ فيه‌ من‌ جلبة‌ وصخب‌.

 فأوّل‌ ما يتقوّل‌ فيه‌: إنّه‌ مرسل‌ ، وليس‌ بمسند.

 فكأنّ عينيه‌ في‌ غشاوة‌ عن‌ مراجعة‌ السند لإمام‌ مذهبه‌  أحمدبن‌ حنبل‌ ، فإنّه‌ أخرجه‌ في‌ ج‌1، ص‌331 عن‌ يحيي‌ بن‌ حمّاد ، عن‌ أبي‌ عوانة‌، عن‌ أبي‌ بلج‌، عن‌ عمروبن‌ ميمون‌ ، عن‌ ابن‌ عبّاس‌.

 ورجال‌ هذا الحديث‌ رجال‌ الصحيح‌ غير أبي‌ بلج‌، وهو ثقة‌ عند الحفّاظ‌، كما مرّت‌ في‌ ترجمته‌، ج‌1، ص‌71.

 وأخرجه‌ أيضاً بسند صحيح‌ رجاله‌ كلّهم‌ ثقات‌،  الحافظ‌ النسائي‌ّ  في‌ « الخصائص‌ »  ص‌7،  والحاكم‌ في‌  « المستدرك‌ »  ج‌3، ص‌132. وصحّحه‌ الحاكم‌ والذهبي‌ّ. والطبراني‌ّ  كما في‌  « مجمع‌ الزوائد »  للحافظ‌ الهيثمي‌ّ وصحّحه‌. وكذلك‌  أبو يعلی‌  كما في‌  « البداية‌ والنهاية‌ » ، و ابن‌ عساكر  في‌ « الاربعين‌ الطوال‌ »؛ وذكره‌  ابن‌ حجر  في‌  « الإصابة‌ »  ج‌2، ص‌509، وجمع‌ آخرون‌ أسلفناهم‌ في‌ الجزء الاوّل‌ ، ص‌51.

 ولذلك‌ ، ما عذر الرجل‌ في‌ نسبة‌ الإرسال‌ إلی‌ مثل‌ هذا الحديث‌ ؟ وإنكار سنده‌ المتّصل‌ الصحيح‌ الثابت‌ ؟  أهكذا يُفعل‌ بودايع‌ النبوّة‌ ؟!  أهكذا تلعب‌ يد الامانة‌ بالسنّة‌ والعلم‌ والدين‌ ؟

 والاعجب‌ ، أ  نّه‌ عطف‌ بعد ذلك‌ علی‌ فقرات‌ من‌ الحديث‌، وهو يحاول‌ تفنيده، ويحسبها من‌ الاكاذيب‌.

 منها قول‌ رسول‌ الله‌:  لاَيَنْبَغِي‌ أَنْ أَذْهَبَ إِلاَّ وَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌.  فارتآه‌ كذباً مستدلاّ بأنّ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ذهب‌ غير مرّة‌ وخليفته‌ علی‌ المدينة‌ غيرعلی‌ّ.

 ومن‌ حلّل‌ حقيقة‌ الامر من‌ هذا الموقف‌ ، واستطلعه، علم‌: أنّ هذا الموقف‌ الخاصّ، أي‌: الخروج‌ إلی‌ غزوة‌ تبوك‌ قضيّة‌ شخصيّة‌ لاتعدو قصّة‌ تبوك‌. لما كان‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يعلمه‌ من‌ عدم‌ وقوع‌ الحرب‌ فيها. وكانت‌ حاجة‌ المدينة‌ إلی‌ خلافة‌ مثل‌ أميرالمؤمنين‌ علیها مسيسة‌ لِما تداخل‌ القوم‌ من‌ عظمة‌ ملك‌ الروم‌  (هرقل‌)  ، وتقدّم‌ جحفله‌ الجرّار؛ وكانوا يحسبون‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ واله‌ وسلّم‌ وحشده‌ الملتفّ به‌ لاقِبَلَ لهم‌ به‌؛ ومن‌ هنا تخلّف‌ المتخلّفون‌ من‌ المنافقين‌؛ فكان‌ أقرب‌ الحالات‌ في‌ المدينة‌ بعد غيبة‌ رسول‌الله‌ أن‌ يرجِّف‌ بها المنافقون‌ للفتّ في‌ عضد صاحب‌ الرسالة‌، والتزلّف‌ إلی‌ عامل‌ بلاد الروم‌ الزاحف‌ الذي‌ عبَّأ الجيش‌، وهو في‌ حالة‌ التقدّم‌ شيئاً فشيئاً.

 وعندئذٍ ومع‌ وجود مثل‌ هذه‌ المتطلّبات‌ والاحوال‌ في‌ المدينة‌، كان‌ من‌ الواجب‌ أن‌ يخلّف‌ علیها  أميرالمؤمنين‌  علیه‌ السلام‌ المهيب‌ في‌ أعين‌ القوم‌، والعظيم‌ في‌ النفوس‌ الجامحة‌؛ وقد عرفوه‌ بالبأس‌ الشديد، والبطش‌ الصارم‌، اتّقاء بادرة‌ ذلك‌ الشرّ المترقّب‌. وإ لاّ فأميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ لم‌يتخلّف‌ عن‌ مشهد حضره‌ رسول‌الله‌ إلاّ غزوة‌ تبوك‌[17] ؛ وعلی‌ هذا اتّفق‌ علماء السير كما قال‌  سبط‌ بن‌ الجوزي‌ّ  في‌  « التذكرة‌ »  ص‌12.

 وفي‌ وسع‌ الباحث‌ أن‌ يستنتج‌ ما بيّناه‌ من‌ قول‌ رسول‌الله‌ لاميرالمؤمنين‌:  كَذَبُوا وَلَكِنْ خَلَّفْتُكَ لِمَا وَرَائي‌ [18].  وكذلك‌ ما ورد في‌ الحديث‌ الصحيح‌ أنّ رسول‌الله‌ حين‌ أراد أن‌ يذهب‌ إلی‌ تبوك‌ ، قال‌ لاميرالمؤمنين‌:  وَلاَبُدَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَ أَوْ تُقِيمَ فَخَلَّفَهُ[19]

 وإذا عرفتَ ذلك‌ كلّه‌ ، فلا يذهب‌ علیك‌ أنّ قول‌ رسول‌ الله‌:  لاَيَنْبَغِي‌ أَنْ أَذْهَبَ إلاَّ وَأَنْتَ خَلِيفَتِي‌[20] ليس‌ له‌ مغزي‌ إلاّ خصوص‌ هذه‌ الواقعة‌؛ وليس‌في‌ لفظه‌ عموم‌ يستوعب‌ كلّ ما غاب‌ عن‌ المدينة‌.

 إذاً ، في‌ ضوء ما نقضه‌ هذا الرجل‌  ( ابن‌ تيميّة‌ ) ، فإنّ قوله‌ باستخلاف‌ غيرعلی‌ّ علی‌ المدينة‌ في‌ غير هذه‌ الواقعة‌ كلام‌ باطل‌. حيث‌ لم‌يكن‌ فيه‌ من‌ إرجاف‌ المنافقين‌ وإثارتهم‌ الفتنة‌؛ وكانت‌ حاجة‌ الحرب‌ أمسَّ إلی‌ وجود أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ حيث‌ لم‌يكن‌ غيره‌ كمثله‌ يكسر صولة‌ الابطال‌، ويغير في‌ وجوه‌ الكتائب‌.

 فكان‌ رسول‌ الله‌ في‌ أخذ أمير المؤمنين‌ معه‌ إلی‌ الحروب‌ واستخلافه‌ في‌ مغيّبه‌ يتبع‌ أقوي‌ المصلحتين‌.

 مضافاً إلی‌ ذلك‌ ، أنّ هذا الرجل‌  ( ابن‌ تيميّة‌ )  حاول‌ تصغيراً لصورة‌ هذه‌ الخلافة‌، فقال‌: كان‌ الاستخلاف‌ في‌ تبوك‌ علی‌ النساء والصبيان‌ وذوي‌ الاعذار وغيرهم‌. ولكن‌ نظّارة‌ التنقيب‌ لا تزال‌ مكبّرة‌ لها من‌ شتّي‌ النواحي‌.

 الرجوع الي الفهرس

أدلّة‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ علی‌ أهمّيّة‌ مفاد حديث‌ المنزلة‌

 الاُولي‌: قول‌ رسول‌ الله‌:  أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ مِنَّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌؟  وهو يعطي‌ إثبات‌ كلّ ما لرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ رتبةٍ وعملٍ ومقامٍ ونهضةٍ وحكمٍ وإمارةٍ وسيادةٍ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عدا ما أخرجه‌ الاستثناء من‌ النبوّة‌ [21]  ، كما كان‌ هارون‌ من‌ موسي‌ كذلك‌. فهذا المقام‌ هو مقام‌ الخلافة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ ، وانزال‌ لعلی‌ّ منزلة‌ نفسه‌، لامحض‌ استعمال‌ علی‌ّ في‌ المدينة‌ كما يظنّه‌ الظانّون‌.

 فقد استعمل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قبل‌ هذه‌ علی‌ البلاد أُناس، وعلی‌ المدينة‌ آخرين‌، وأمّر علی‌ السرايا رجالاً لم‌يقل‌ في‌ أحد منهم‌ ما قاله‌ في‌ هذا الموقف‌؛ فهي‌ منقبة‌ تخصّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ فحسب‌.

 الثانية‌: قول‌ رسول‌ الله‌ فيما مرّ عن‌  سَعْدِ بْنِ أَبِيْ وَقَّاصٍ: كَذَبُوا وَلَكِنْ خَلَّفْتُكَ لِمَا وَرَائِي‌ ، لمّا طعن‌ رجال‌ من‌ المنافقين‌ في‌ إمرة‌ علی‌ّ. ولايقصد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ به‌ إلاّ إلی‌ ما أشرنا إلیه‌ من‌ خشية‌ الإرجاف‌ بالمدينة‌ عند مغيّبه‌ ، وأنّ إبقاء أميرالمؤمنين‌ كان‌ لإبقاء بيضة‌ الدين‌ عن‌ أن‌ تنتهك‌ وحذار أن‌ يتّسع‌ خرقها بهملجة‌ المنافقين‌، لولا هناك‌ من‌ يطأ فورتهم‌ بأخمص‌ بأسه‌ وحجاه‌ ، فكان‌ قد خلّفه‌ لمهمّة‌ لاينوء بها غيره‌.

 الثالثة‌: قول‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لعلی‌ّ علیه‌ السلام‌ في‌ حديث‌  البراءبن‌ عازب‌ وزيد بن‌ أرقم‌  ، قالا: قال‌ رسول‌الله‌ لعلی‌ّ حين‌ أراد يغزو:  إنَّهُ لاَبُدَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَ أَوْ تُقِيمَ، فَخَلَّفَهُ[22] .

 وهذا الكلام‌ يدلّ علی‌ أنّ بقاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ حدّ بقاء رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ كلاءة‌ بيضة‌ الدين‌، وإرحاض‌ معرّة‌ المفسدين‌. فهو أمر واحد يقام‌ بكلّ منهما علی‌ حدّ سواء. وناهيك‌ به‌ من‌ منزلة‌ ومقام‌.

 الرابعة‌: ما صحّ عن‌ سعد بن‌ أبي‌ وقّاص‌ من‌ قوله‌:  وَاللَهِ لاَنْ يَكُونَ لِي‌ وَاحِدَةٌ مِنْ خِلاَلٍ ثَلاَثٍ أَحَبُّ إلی‌َّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي‌ مَا طَلَعَتْ علیهِ الشَّمْسُ، لاَنْ يَكُونَ قَالَ لِي‌ مَا قَالَ لَهُ حِينَ رَدَّهُ مِنْ تَبُوكَ: أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ ، إلاَّ أَ  نَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي‌، أَحَبُّ إلی‌َّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي‌ مَا طَلَعَتْ علیهِ الشَّمْسُ ـالحديث‌  [23].

 وذكر العلاّمة‌ الاميني‌ّ هنا الرواية‌ التي‌ نقلناها عن‌  « مروج‌ الذهب‌ »  في‌ هذا الجزء، ثمّ قال‌:

 وصحّ عند الحفّاظ‌ الاثبات‌ أنّ معاوية‌ أمر سعداً فقال‌: ما منعك‌ أن‌ تسبّ أباتراب‌ ؟!  قال‌  ( سعد في‌ جوابه‌ ): أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لعلی‌ّ ، فلن‌ أسبّه‌؛ لأن‌ تكون‌ لي‌ واحدة‌ منهنّ أحبّ إلی‌ّ من‌ حمر النعم‌!

 سمعت‌ رسول‌ الله‌ يقول‌ لعلی‌ّ وخلّفه‌ في‌ تبوك‌ ، فقال‌ له‌ علی‌ّ : ياسول‌الله‌!  تخلّفني‌ مع‌ النساء والصبيان‌ ؟!  فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌:  أَمَا تَرْضَي‌ أَنْ تَكُونَ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي‌؛ إلاَّ أَ  نَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي‌؟! -الحديث[24]‌ .

 وكذلك‌ بعد أن‌ ذكر الحديث‌ الذي‌ نقلناه‌ في‌ هذا الكتاب‌ عن‌  « غاية‌ المرام‌ » ، عن‌ ابن‌ أبي‌ الحديد ، وابن‌ كثير ، وهو نقله‌ عن‌  « البداية‌ والنهاية‌ » لابن‌ كثير ، ج‌8، ص‌77  [25]، قال‌: إنّ هذا الذي‌ كان‌ يستعظمه‌ سعد في‌ عداد حديث‌ الراية‌ والتزويج‌ بالصدّيقة‌ الطاهرة‌ بوحي‌ من‌ الله‌ العزيز، اللذين‌ هما من‌ أربي‌ الفضائل‌، ويراه‌ معاوية‌ لو كان‌ سمعه‌ فيه‌ ، لما قاتل‌ علی، ولكان‌ يخدم‌ علیاً ما عاش‌، لابُدّ وأن‌ يكون‌ علی‌ حدّ ما وصفناه‌ حتّي‌ يتسنّي‌ لسعد تفضيله‌ علی‌ ما طلعت‌ علیه‌ الشمس‌ أو حمر النعم‌؛ ولمعاوية‌ إيجاب‌ الخدمة‌ له‌، دون‌ الاستخلاف‌ علی‌ العائلة‌ لينهض‌ بشؤون‌ حياتها كما هو شأن‌ الخدم‌؛ أو يُنصب‌ عَيناً علی‌ المنافقين‌ فحسب‌، ليتجسّس‌ أخبارهم‌ كما هو وظيفة‌ الطبقة‌ الواطئة‌ من‌ مستخدم‌ الحكومات‌.

 الخامسة‌: قول‌  سعيد بن‌ المسيِّب‌  بعد ما سمع‌ حديث‌ المنزلة‌ عن‌ إبراهيم‌، أو عامر ابني‌ سعد بن‌ أبي‌وقّاص‌. يقول‌: فلم‌ أرضَ، فأحببت‌ أن‌ أشافه‌  بذلك‌  سعداً ، فأتيته‌، فقلت‌: ما حديث‌ حدّثني‌ به‌ ابنك‌ عامر ؟!

 فأدخل‌  سعد  إصبعيه‌ في‌ أُذنيه‌ وقال‌:  سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِاللَهِ وَإلاَّ اسْتَكَّتَا[26]فماذا كان‌ سعيدبن‌ المسيِّب‌ يستعظمه‌ من‌ الحديث‌، حتّي‌ طفق‌ يستحفي‌ خبره‌ من‌ نفس‌ سعد بعدما سمعه‌ من‌ ابنه‌ ؟  فأكّد له‌  سعد  ذلك‌ التأكيد، فهل‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ قد فهم‌ من‌ مؤدّاه‌ ما ذكرناه‌ من‌ العظمة‌ ؟

 السادسة‌: قول‌ الإمام‌ أبي‌ بَسطام‌  شُعْبَة‌ بْنِ الحَجَّاجِ  في‌ الحديث‌: كان‌ هارون‌  أفضل‌ أُمَّة‌ موسي‌، فوجب‌ أن‌ يكون‌  علی‌ّ  علیه‌ السلام‌ أفضل‌ من‌ كلّ أُمة‌ محمّد صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ صيانة‌ لهذا النصّ الصحيح‌ الصريح‌، كما قال‌ موسي‌ لاخيه‌ هارون‌:  اخْلُفْنِي‌ فِي‌ قَوْمِي‌ وَأَصْلِحْ [27].

 السابعة‌: قال‌  الطَّيِّبِي‌ُّ: مِنِّي‌ ( في‌ هذه‌ العبارة‌ )  خبر المبتدأ؛ و من‌ اتّصإلیة‌؛ ومتعلّق‌ الخبر خاصّ والباء زائدة‌، كما في‌ قوله‌ تعإلی‌:  فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُمْ بِهِ[28]  ،  أي‌:  فَإنْ آمَنَوا إيِمَانَاً مِثْلَ إيمَانِكُمْ.  يعني‌:  أَنْتَ مُتَّصِلٌ وَنَازِلٌ مِنِّي‌ بِمَنْزِلَةِ هَـارُونَ مِنْ مُوسَـي‌.  وفيه‌ تشـبيه‌ ، ووجـه‌ الشـبه‌ مبهم‌ بيّنه‌ بقوله‌:  إلاَّ أَ  نَّهُ لاَنَبِي‌َّ بَعْدِي‌.  فعُرف‌ أنّ الاتّصال‌ المذكور بين‌ رسول‌الله‌ وأميرالمؤمنين‌ ليس‌ من‌ جهة‌ النبوّة‌؛ بل‌ من‌ جهة‌ ما دونه، وهي‌ الخلافة‌ [29].

 إنّ الغرض‌ من‌ بيان‌ هذا الحديث‌ ، مضافاً إلی‌ ما يضمّه‌ من‌ فوائد، هو أ  نّه‌ بلغ‌ من‌ القوّة‌ درجة‌ حتّي‌ أنّ ابن‌ تيميّة‌ الحَرَّاني‌ّ الناصبي‌ّ وعدوّ آل‌ الرسول‌ لم‌يسجّل‌ أي‌ّ مؤاخذة‌ قطّ علی‌ خلافة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ المدينة‌ عند غياب‌ رسول‌الله‌.

 وخالَ الحديث‌ المسند الذي‌ رواه‌ إمامه‌ ورئيس‌ مذهبه‌ أحمدبن‌ حنبل‌ في‌ مسنده‌ مع‌ ذكر جميع‌ رواته‌ مُعَنْعَنَاً ، مُرْسلاً ، لانّ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ رضوان‌الله‌ علیه‌ ذكره‌ في‌  « منهاج‌ الكرامة‌ »  بعد حذف‌ أسناده‌. وسجّل‌ مؤاخذته‌ علی‌ إرسال‌ الحديث‌. فمُني‌ بخَبْطٍ وغلط‌ عظيم‌ ، وحار في‌ قوله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسـلّم‌:  لاَيَنْبَغِي‌ أَنْ أَذْهَبَ إلاَّ وَأَنْتَ خَلِيفَتِـي‌؛  وهـذا ناتج‌ عن‌ عدم‌خبرته‌ بتأريخ‌ المنافقين‌ ووضعهم‌. وقد ذكرنا ترجمتهم‌ مفصّلاً في‌ هذا الكتاب‌.

 إنّ  النقطة‌ المهمّة‌ الواردة‌ في‌ ذيل‌ الحديث‌  ، وقد ذكرناها في‌ عداد المنقبة‌ العاشرة‌ -بَيدَ أنّ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ علی‌ ما يبدو لم‌يذكرها في‌ منهاجه‌، وقطع‌ الحديث‌ عند النقطـة‌ التي‌ بلغها ، وكذلك‌ فعل‌ العلاّمة‌ الاميني‌ّ في‌ « الغدير »  تبعاً للعلاّمة‌، إذ بلغ‌ بحديث‌  « مسند أحمد بن‌ حنبل‌ »  عند نفس‌ النقطة‌  [30]- هي‌ أنّ ابن‌ عبّاس‌ بعد أن‌ عدّ مناقب‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ العشر، بلغ‌ قوله‌: لاينبغي‌ لاصحاب‌ بدر وأصحاب‌ الشَجَرَة‌ أن‌ يرضوا عن‌ أنفسهم‌؛ ويغترّوا ويتباهوا ويرون‌ أنفسهم‌ من‌ أهل‌ الجنّة‌ بمجرّد اشتراكهم‌ في‌ غزوة‌ بدر، أو بيعتهم‌ تحت‌ الشجرة‌ ونزول‌ الآية‌ فيهم‌:  لَّقَدْ رَضِيَ اللَهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ  [31]فهذا الرضا المؤقّت‌ كان‌ بحسب‌ حالهم‌ آنذاك‌. ونلاحظ‌ أنّ الله‌ قد غضب‌ علی‌ بعضهم‌ فيما بعد، فما عاد رضاالله‌ دائماً. أمّا أمير المؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیه‌ السلام‌، فقد اشترك‌ في‌ بدر وحُنين‌، وكان‌ سبّاقاً علی‌ الجميع‌ ، ولم‌يسخط‌ علیه‌ الله‌ بسبب‌ تغيير النهج‌، لا  نّه‌ لم‌يغيّر نهجه‌ ، بل‌ كان‌ علی‌ منهاج‌ رسول‌الله‌. وأمّا عمر، فقد غيّر نهجه‌ ، وخرج‌ من‌ السنّة‌ ، فلهذا نزلت‌ آية‌ السخط‌ والغضب‌ الإلهي‌ّ وهي‌ تنطق‌ بجهنّميّته‌ ، وبيّنها رسول‌الله‌.

 وذيل‌ الحديث‌ هو أنّ ابن‌ عبّاس‌ قال‌: وقد أخبرنا الله‌ عزّ وجلّ في‌ القرآن‌ أ  نّه‌ رضي‌ عنهم‌ [32] ، عن‌ أصحاب‌ الشجرة‌ ، فعلم‌ ما في‌ قلوبهم‌؛ فهل‌ أخبرنا أ  نّه‌ سخط‌ علیهم‌ بعد ذلك‌ ؟ ( نعم‌ ، أخبر بذلك‌ ).

 الرجوع الي الفهرس

الآية‌:  إِنَّ الَّذِينَيُلْحِدُونَ فِي‌´ ءَايَـ'تِنَا  في‌ عمر وأعوانه‌

 قال‌ ابن‌ عبّاس‌: وقال‌ نبي‌ّ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لعمر حين‌ قال‌: ائذن‌ لي‌ فأضرب‌ عنقه‌!  قال‌:  وَكُنْتَ فَاعِلاَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَهَ قَدِ اطَّلَعَ علی‌ أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ. ( عنق‌ حاطب‌بن‌ أبي‌ بُلتَعة‌، كما ورد في‌ صحيح‌ البخاري‌ّ ومسلم‌ ، إذ كان‌ يرسل‌ أخبار المسلمين‌ إلی‌ المشركين‌ بمكّة‌ سرّاً[33]  ).

 وهذه‌ الآية‌  ( اعملوا ما شئتم‌ )  هي‌ الآية‌ 40 ، من‌ السورة‌41: فصّلت‌: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي‌´ ءَايَـ'تِنَا لاَ يَخْفَوْنَ علینَآ أَفَمَن‌ يُلْقَي‌' فِي‌ النَّارِ خَيْرٌ أَم‌ مَّن‌ يَأْتِي‌´ ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ و  بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.  وهذا الكلام‌ الصادر من‌ النبي‌ّ لانحراف‌ وإلحاد عمر وأعوانه‌ قوي‌ّ جدّاً.

 وتوضيح‌ ذلك‌: أوّلاً: أراد رسول‌ الله‌ بهذا الكلام‌ أن‌ يشعر عمر أ  نّه‌ لافضل‌ له‌ علی‌  حَاطِبِبْنِ أَبِي‌ بُلْتَعَة‌  الخائن‌ والجاسوس‌ الذي‌ كان‌ يتجسّس‌ لمصلحة‌ كفّار العرب‌ ومشركيهم‌، فيكون‌ خليقاً بقتله‌؛ وعمر بما أ  نّه‌ عمر لايحقّ له‌ قتله‌. ثانياً: لاينبغي‌ لعمر وأمثاله‌ أن‌ يغترّوا ويتباهوا لحضورهم‌ في‌ غزوة‌ بدر، أو بيعتهم‌ تحت‌ الشجرة‌ ونزول‌ الآية‌ الدالّة‌ علی‌ رضاالله‌ عنهم‌ جميعاً. ذلك‌ أنّ الآية‌ الدالّة‌ علی‌ سخط‌ الله‌ وغضبه‌ علیهم‌ لإلحادهم‌ وهتكهم‌ آيات‌ الله‌، وتحليلهم‌ حرام‌ الله‌، وتمزيقهم‌ حجاب‌ عصمة‌ الناموس‌ الإلهي‌ّ والنبوي‌ّ قد نزلت‌ بعد ذلك‌.

 إنّ الآية‌ الكريمة‌  اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ  لم‌ تتكرّر في‌ القرآن‌ الكريم‌، وإنّ تلاوة‌ الرسول‌ له، واستشهاده‌ بها ، مع‌ المضامين‌ التي‌ قبله، وتتمثّل‌ في‌ أنّ الذين‌ يلحدون‌ في‌ آياتنا لايخفون‌ علینا ، أفمن‌ يُلقَي‌ في‌ النار خير أم‌ من‌ يأتي‌ آمناً بسلامٍ يوم‌ القيامة‌ ؟  والممارسات‌ التي‌ صدرت‌ عن‌ عمر وحزبه‌ سواء في‌ عصر رسول‌الله‌ أم‌ بعد وفاته‌ ، والتطبيق‌ الدقيق‌ لهذه‌ الآية‌ مع‌ تلك‌ الجنايات‌، وضروب‌ الهتك‌ والانتهاك‌ ، كلّ ذلك‌ يدلّ جيّداً علی‌ أنّ آيات‌ الرضا عن‌ أهل‌ بدر والرضوان‌ كانت‌ مؤقّتة‌ ، وأ  نّها نزلت‌ وفقاً لوضعهم‌ يومئذٍ؛ وهي‌ لاتدلّ علی‌ أنّ الله‌ يرضي‌ عنهم‌ فيما بعد حتّي‌ لو ارتكبوا ألف‌ جناية‌ وخيانة‌. وبالاخصّ نري‌ في‌ قوله‌:  اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ  تهديداً عجيباً. ويشعر أنّ حبل‌ ربطكم‌ قد انفرط‌ ، وأنّ السيل‌ بلغ‌ الزُّبي‌، فاعملوا ما شئتم‌، فأنا علیم‌ بما تعملون‌.

 وقد أخرج‌ هذا الحديث‌ ، مضافاً إلی‌  أحمد بن‌ حنبل‌  في‌ مسنده‌ ـونحن‌ ذكرناه‌-  الحاكم‌  في‌  « المستدرك‌ »  ج‌3، ص‌134،  وابن‌ حجر العسقلاني‌ّ  في‌  « الإصابة‌ »  ج‌2، ص‌502، عن‌  أحمد بن‌ حنبل‌ والنسائي‌ّ ، عن‌ طريق‌ عمروبن‌ ميمون‌.

 وذكر صاحب‌  « الإصابة‌ »  في‌ آخره‌ ما نصّه‌:  وقَالَ رَسُولُاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَاعُمَرُ! مَا يُدْرِيكَ إنَّ اللَهَ اطَّلَعَ علی‌ بَدْرٍ فَقَالَ: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [34] »؟!  وذكره‌ ابن‌ حجر الهيثمي‌ّ في‌  « مجمع‌ الزوائد »  ج‌9، ص‌120، وقال‌: رواه‌ أحمد والطبراني‌ّ أيضاً في‌  « الكبير »  و « الاوسط‌ »  باختصار.

 الرجوع الي الفهرس

الابيات‌ المنسوبة‌ إلی‌ أمير المؤمنين‌ في‌ حديث‌ المنزلة‌

 أجل‌ ، لقد تحدّثنا هنا عن‌ هذا المقام‌ والموطن‌ ، أي‌: موطن‌ حديث‌ المنزلة‌ عند سفر رسول‌الله‌ إلی‌ تبوك‌ حديثاً وافياً بحمد الله‌ وتوفيقه‌. ومن‌ المناسب‌ أن‌ نختم‌ بحثنا هذا بأبيات‌ منسوبة‌ إلی‌ ديوان‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌.

 أَلاَ بَاعَدَ اللَهُ أَهْلَ النِّفَاقْ                          وَأَهْلَ الاَرَاجِيفِ وَالبَاطِلِ

 يَقُولُونَ لِي‌ قَدْ قَلاَكَ الرَّسُولْ                   فَخَلاَّكَ فِي‌ الخَالِفِ الخَاذِلِ

 وَمَا ذَاكَ إلاَّ لاِنَّ النَّبِي‌َّ                                     جَفَاكَ وَمَا كَانَ بِالفَاعِلِ

 فَسِرْتُ وَسَيْفِي‌ علی‌ عَاتِقِي                 ‌ إلی‌ الرَّاحِمِ الحَاكِمِ الفَاضِلِ

 فَلَمَّا رَآنِي‌ هَفَا قَلْبُهُ                                       وَقَالَ مَقَالَ الاَخِ السَّائِلِ

 أَمِمَّ ابْنَ عَمِّي‌ ؟ فَأَنْبَأْتُهُ                                  بِأَرْجَافِ ذِي‌ الحَسَدِ الدَّاغِلِ

 فَقَالَ: أَخِي‌ أَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ                     كَهَارُونَ مِنْ مُوسَي‌ وَلَمْ يَأْتَلِ[35]

 ونتوسّل‌ بهذا الرباعي‌ّ:

 رَأَيْتُ وَلاَئِي‌ آلَ طَهَ وَسيلَةً                 علی‌ رَغْمِ أَهْلِ البُعْدِ يُورِثُنِي‌ القُرْبَي‌

 فَمَا طَلَبَ المَبْعُوثُ أَجْرَاً علی‌ الهُدَي‌           بِتَبْلِيغِهِ إلاَّ المَوَدَّةَ لِلْقُرْبَي[36]

 

 اللَهُمَّ صَلِّ علی‌ سِرِّ الاَسْرَارِ ، وَمَشْرِقِ الاَنْوَارِ ، المُهَنْدِسِ فِي‌ الغُيُوبِ اللاَّهُوتِيَّةِ، السَّيَّاحِ فِي‌ الفَيَافِي‌ الجَبَرُوتِيَّةِ ، المُصَوِّرِ لِلهَيُولَي‌ المَلَكُوتِيَّةِ، الوَإلی‌ لِلوَلاَيَةِ النَّاسُوتِيَّةِ ، أُنْمُوذَجِ الوَاقِعِ، وَشَخْصِ الإطْلاَقِ، المُنْطَبِعِ فِي‌ مَرَايَا الاَنْفُسِ وَالآفَاقِ ، سِرِّ الاَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِ الاَوْصِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ، صُورَةِ الاَمَانَةِ الإلهِيَّةِ ، مَادَّةِ العُلُومِ الغَيْرِ المُتَنَاهِيَةِ، الظَّاهِرِ بِالبُرْهَانِ، البَاطِنِ بِالقُدْرَةِ وَالشَّانِ، بَسْمَلَةِ كِتَابِ المَوْجُودِ، فَاتِحَةِ مُصْحَفِ الوُجُودِ، حَقِيقَةِ النُّقْطَةِ البَائِيَّةِ ، المُتَحَقِّقِ بَالمَرَاتِبِ الإنسانيَّةِ حَيْدَرِ آجَامِ الإبْدَاعِ، الكَرَّارِ فِي‌ مَعَارِكِ الاخْتِرَاعِ ، السِّرِّ الجَلِي‌ِّ، وَالنَّجْمِ الثَّاقِبِ، علی‌ِّبْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ علیهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ [37].

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] - «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 7.

[2] - «تاريخ‌ الطبري‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 368؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 7؛ و«مناقب‌ ابن‌ المغازلي‌ّ» فيما نقله‌ صاحب‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 114، الحديث‌ 50 عن‌ العامّة‌؛ و«الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 278.

[3] - «الاءرشاد» للمفيد، ص‌ 83 و 84؛ و«أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 2، ص‌ 197 و 198، الطبعة‌ الرابعة‌، عن‌ المفيد.

[4] - «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 246.

[5] - «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 246.

[6] - «الاءرشاد» للمفيد، ص‌ 83 و 84؛ و«بحار الانوار» ج‌ 4، ص‌ 624، طبعة‌ الكمباني‌ّ، عن‌ «الاءرشاد».

[7] - «إعلام‌ الوري‌» للطبرسي‌ّ، ص‌ 129؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 131، طبعة‌ الكمباني‌ّ، عن‌ «إعلام‌ الوري‌».

[8] - «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 635، عن‌ «تفسير الاءمام‌»؛ و«طبقات‌ ابن‌ سعد» ج‌ 3، ص‌ 24: لابدّ من‌ أن‌ أُقيم‌ أو تقيم‌.

[9] - «الاءصابة‌» ج‌ 2، ص‌ 502؛ و«مسند أحمد بن‌ حنبل‌» في‌ ضوء ما نقله‌ صاحب‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 114، الحديث‌ 48، عن‌ العامّة‌.

[10] - مثل‌ يضرب‌ للثناء علي‌ من‌ يعترف‌ الصديق‌ والعدوّ بفضله‌. وأصل‌ البيت‌ هو:

 وَمَلِيحَةٍ شَهِدَتْ بِهَا ضَرَّاتُهَا وَالفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الاَعْدَاءُ - الآية‌ 125، من‌ السورة‌ 16: النحل‌: ادْعُ إِلَي‌' سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـ'دِلْهُم‌ بِالَّتِي‌ هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن‌ ضَلَّ عَن‌ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.

[11] - قال‌ في‌ « الذريعة‌ » ج‌ 4، ص‌ 192 و 193: كتاب‌ «تشييد المطاعن‌ لكشف‌ الضغائن‌» بجميع‌ أجزائه‌ الآتية‌ ثامن‌ مجلّدات‌ «الاجناد الاثنا عشريّة‌ المحمّديّة‌» في‌ ردّ «التحفة‌ الاثنا عشريّة‌» الدهلويّة‌ المرتّبة‌ علي‌ اثني‌ عشر باباً في‌ الردّ علي‌ الاءماميّة‌. والتشييد هذا ردّ علي‌ خصوص‌ الباب‌ العاشـر من‌ التحفة‌ الذي‌ هو في‌ دفع‌ المطاعن‌. وردّ الباب‌ الاوّل‌منه‌ الذي‌ هو في‌ حدوث‌ فرق‌ الشيعة‌، اسمه‌ «السيف‌ الناصري‌ّ». وردّ الباب‌ الثاني‌ منه‌ الذي‌ هو في‌ نسبة‌ المكائد إلي‌ الشيعة‌، اسمه‌ «تقليب‌ المكائد». وردّ الباب‌ السابع‌ منه‌ الذي‌ هو في‌ الاءمامة‌، اسمه‌ «برهان‌ السعادة‌». وردّ الباب‌ الحادي‌ عشر منه‌ الذي‌ هو في‌ الاوهام‌ والتعصّبات‌ والهفوات‌، اسمه‌ «مصارع‌ الافهام‌». كلّ هذه‌ الكتب‌ من‌ مجلّدات‌ كتاب‌ «الاجناد» باللغة‌ الفارسيّة‌، مطبوعة‌ بالهند. وجميع‌ هذه‌ الكتب‌ من‌ تأليفات‌ العلاّمة‌ السيّدمحمّدقلي‌ ابن‌السيّدمحمّدحسين‌بن‌ حامد حسين‌ بن‌ زين‌ العابدين‌ الموسوي‌ّ النيسابوري‌ّ الكنتوري‌ّ المولود في‌ سنة‌ 1188، والمتوفّي‌ في‌ التاسع‌ من‌ المحرّم‌، سنة‌ 1260.

[12] - ذكر صاحب‌ «الذريعة‌» في‌ ج‌ 15، ص‌ 214 و 215 مطالب‌ حول‌ كتاب‌ «العبقات‌»، نذكر فيما يأتي‌ موجزاً منها: «عبقات‌ الانوار في‌ مناقب‌ الائمّة‌ الاطهار» في‌ مجلّدات‌ ضخام‌ كبار لاءثبات‌ إمامة‌ الائمّة‌، للسيّد المير حامد حسين‌ بن‌ محمّد قلي‌ خان‌ صاحب‌بن‌ محمّدبن‌ حامد النيسابوري‌ّ الكنتوري‌ّ المتوفّي‌ في‌ سنة‌ 1306. هو ردّ علي‌ الباب‌ السابع‌ من‌ «التحفة‌ الاثنا عشريّة‌» الذي‌ هو في‌ مبحث‌ الاءمامة‌. ورتّبه‌ علي‌ منهجين‌: المنهج‌ الاوّل‌: في‌ دلالة‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ المستدلّ بها للاءمامة‌، وهو غير مطبوع‌. والمنهج‌ الثاني‌: في‌ دلالة‌ الاحاديث‌ الاثني‌ عشر علي‌ الاءمامة‌ والجواب‌ عن‌ اعتراضات‌ صاحب‌ التحفة‌ عليه، في‌ اثني‌ عشر جزءاً؛ لكلّ حديث‌ جزء. فالجزء الاوّل‌ من‌ المنهج‌ الثاني‌ في‌ حديث‌ الغدير. والثاني‌ في‌ حديث‌ المنزلة‌. والثالث‌ في‌ حديث‌: إنَّ عليّاً منّي‌ وأنا من‌ علي‌ّ وهو ولي‌ّ كلّ مؤمن‌ من‌ بعدي‌. والرابع‌ في‌ حديث‌ الطير. والخامس‌ في‌ حديث‌: أنا مدينة‌ العلم‌ وعلي‌ّ بابها. والسادس‌ في‌ حديث‌ التشبيه‌: من‌ أراد أن‌ ينظر إلي‌ آدم‌ ونوح‌ فلينظر إلي‌ علي‌ّ. والسابع‌ في‌ حديث‌: من‌ ناصب‌ عليّاً الخلافة‌ فهو كافر. والثامن‌ في‌ حديث‌ النور: كنت‌ أنا وعلي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌ نوراً. والتاسع‌ في‌ حديث‌ الراية‌ يوم‌ خيبر. والعاشر في‌ حديث‌: علي‌ّ مع‌ الحقّ حيث‌ دار. والحادي‌ عشر في‌ حديث‌ قتال‌ علي‌ّ بالتأويل‌ والتنزيل‌. والثاني‌ عشر في‌ حديث‌ الثقلين‌. وهذه‌ المجلّدات‌ مجموعة‌ تشكّل‌ المنهج‌ الثاني‌.

[13] - «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» ج‌ 1، ص‌ 330 و 331؛ وكذلك‌ في‌ «غاية‌ المرام‌» ص‌ 112، الحديث‌ 41 عن‌ العامّة‌، عن‌ «مسند أحمد بن‌ حنبل‌» إلي‌ الفقرة‌ التاسعة‌: من‌ كنت‌ مولاه‌....

[14] - «منهاج‌ الكرامة‌ في‌ إثبات‌ الاءمامة‌» ص‌ 34 و 35، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[15] - تتمّتها: وعن‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مرفوعاً أ نّه‌ بعث‌ أبا بكر بالبراءة‌ إلي‌ أهل‌ مكّة‌ فسار بها ثلاثاً ثمّ قال‌ لعلي‌ّ عليه‌ السلام‌: إلْحَقْهُ فردّه‌ وبلّغها أنت‌ ففعل‌. ولمّا قدم‌ أبو بكر علي‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بكي‌ وقال‌: يارسول‌الله‌! أحدث‌ في‌َّ شي‌ءٌ؟ قال‌: ل، ولكن‌ أمرني‌ ربّي‌ ألاّ يبلّغه‌ إلاّ أنا أو رجل‌ منّي‌.

[16] - «منهاج‌ السنّة‌» ج‌ 3، ص‌ 8، الفصل‌ التاسع‌.

[17] - «الاستيعاب‌» ج‌ 3، ص‌ 34، في‌ حاشية‌ «الاءصابة‌ شرح‌ التقريب‌» ج‌ 1، ص‌ 85؛ «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2، ص‌ 163؛ «الصواعق‌ المحرقة‌» ص‌ 72؛ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 148؛ «الاءسعاف‌» ص‌ 149؛ «الاءصابة‌» ج‌ 2، ص‌ 507.

[18] - «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2، ص‌ 162، «الاءمتاع‌» للمقريزي‌ّ ص‌ 449؛ «عيون‌ الاثر» ج‌ 2، ص‌ 217؛ «السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 148؛ «شرح‌ المواهب‌» للزرقاني‌ّ ج‌ 3، ص‌ 69؛ «سيرة‌ زيني‌ دحلان‌» ج‌ 2، ص‌ 338.

[19] - ذكر الهيثمي‌ّ في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 9، ص‌ 111: أنّ الطبراني‌ّ أخرج‌ هذه‌ الجملة‌ بسند صحيح‌.

[20] - وردت‌ هذه‌ العبارة‌ نفسها في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 9، ص‌ 120.

[21] - عرفنا الاستفادة‌ من‌ هذا الحديث‌ في‌ مباحث‌ صدر الكتاب‌ كالآتي‌: لايريد الحديث‌ أن‌ يجعل‌ منزلة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أقلّ من‌ منزلة‌ الانبياء حتّي‌ من‌ منظار النبوّة‌، بل‌ يريد أن‌ يشعر أنّ هذا المنصب‌ لك‌ فحسب‌ لعدم‌ وجود نبي‌ّ بعدي‌! وإلاّ فإنّ شأنك‌ ومقامك‌ ودرجتك‌ ومرتبتك‌ وقدرتك‌ علي‌ الاتّصال‌ بعوالم‌ الملكوت‌ هي‌ بنحو أكمل‌ وأتمّ كما كانت‌ للانبياء. فلهذا عندما شكي‌ أميرالمؤمنين‌ إلي‌ رسول‌الله‌ في‌ الجرف‌ خارج‌ المدينة‌ بقوله‌: إنّ قريشاً تزعم‌ أ نّك‌ خلّفتني‌ استثقالاً منّي‌! قال‌ له‌ رسول‌ الله‌: طال‌ ما آذت‌ الاُمَمُ أَنْبياءَها. أي‌: أنّ هذا أذي‌ يؤذونني‌ به‌ في‌ نسبة‌ هذا الخلاف‌، وأذي‌ يؤذونك‌ به‌ في‌ هذا الاتّهام‌ والبهتان‌. (نقلنا كلام‌ رسول‌ الله‌ المذكور من‌ كتاب‌ «إعلام‌ الوري‌» ص‌ 129 ).

[22] - أخرجه‌ الطبراني‌ّ بإسنادين‌ أحدهما رجاله‌ رجال‌ الصحيح‌ إلاّ ميمون‌ البصري‌ّ، وهو ثقة‌. وثّقه‌ ابن‌ حبان‌ كما في‌ «مجمع‌ الزوائد» ج‌ 9، ص‌ 111.

[23] - خصائص‌ النسائي‌ّ ص‌ 32؛ و «مروج‌ الذهب‌» ج‌ 2، ص‌ 61.

[24] - «جامع‌ الترمذي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 213؛ و«مستدرك‌ الحاكم‌» ج‌ 3، ص‌ 108 وصحّحه‌، وأقرّه‌ الذهبي‌ّ. وأخرجه‌ باللفظ‌ المذكور مسلم‌ في‌ صحيحه‌. ونقله‌ الحافظ‌ الكنجي‌ّ في‌ «الكفاية‌» ص‌ 28؛ والبدخشاني‌ّ في‌ «نزل‌ الابرار» ص‌ 15 عن‌ مسلم‌، والترمذي‌ّ؛ وذكره‌ بهذا اللفظ‌ ابن‌ حجر في‌ «الاءصابة‌» ج‌ 2، ص‌ 509 عن‌ الترمذي‌ّ، وميرزا محذوم‌ الجرجاني‌ّ في‌ الفصل‌ الثاني‌ من‌ «نواقص‌ الروافض‌» نقلاً عن‌ مسلم‌، والترمذي‌ّ.

[25] - وقال‌ في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 8، ص‌ 77 بعد هذا الحديث‌: وفي‌ رواية‌ من‌ وجه‌ آخر أنّ هذا الكلام‌ كان‌ بين‌ سعد ومعاوية‌ وهما بالمدينة‌ في‌ حجّة‌ حجّها معاوية‌. وأ نّهما قاما إلي‌ أُمّ سلمة‌ فسألاه، فحدّثتهما بما حدّث‌ به‌ سعد، فقال‌ معاوية‌: لو سمعتُ هذا قبل‌ هذا اليوم‌ لكنت‌ خادماً لعلي‌ّ حتّي‌ يموت‌ أو أموت‌.

[26] - رواه‌ النسائي‌ّ في‌ «الخصائص‌» بعدّة‌ طرق‌، ص‌ 15.

[27] - الحافظ‌ الكنجي‌ّ في‌ «الكفاية‌» ص‌ 150.

[28] - الآية‌ 137، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌: فَإِنْ ءَامَنُوا بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِن‌ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي‌ شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

[29] - «شرح‌ المواهب‌» للعلاّمة‌ الزرقاني‌ّ، ج‌ 3، ص‌ 70؛ و«الغدير» ج‌ 3، ص‌ 197 إلي‌ 202.

[30] - يبدو أنّ العلاّمة‌ الحلّي‌ّ عدّ سبق‌ علي‌ّ عليه‌ السلام‌ إلي‌ الاءسلام‌ بعد خديجة‌ رقماً مستقلاّ وقد ذكرناها ضمن‌ الرقم‌ الثالث‌؛ وحينئذٍ لا يرتبط‌ ذيل‌ الحديث‌ بتلك‌ المناقب‌، بل‌ يصبح‌ مطلباً مستقلاّ ذُكر في‌ مثالب‌ عمر وأمثاله‌. ولهذا السبب‌ الذي‌ أوردناه‌ ويتمثّل‌ في‌ أنّ ذيل‌ الحديث‌ هو المنقبة‌ العاشرة‌، عدّ بعض‌ الرواة‌ حديث‌ سبق‌ علي‌ّ إلي‌ الاءسلام‌ منقبة‌ مستقلّة‌. ورووا في‌ حديثهم‌ أنّ المناقب‌ بضع‌ عشرة‌، والله‌ العالم‌.

[31] - الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 48: الفتح‌: لَقَدْ رَضِيَ اللَهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُوْنَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي‌ قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـ'بَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا.

[32] - ليس‌ في‌ «المستدرك‌» ج‌ 3، ص‌ 134 كلمة‌ (عنهم‌).

[33] - ذكر هذا المفاد في‌ تعليقة‌ المدرك‌ نفسه‌.

[34] - وكذلك‌ ذكر هذا الحديث‌ الشريف‌ محبّ الدين‌ الطبري‌ّ الشافعي‌ّ في‌ كتاب‌ «ذخائر العقبي‌ في‌ مناقب‌ ذوي‌ القربي‌» ص‌ 86، طبعة‌ القاهرة‌ سنة‌ 1356، تحت‌ عنوان‌ «ذكر اختصاصه‌ بعشر» عن‌ عمرو بن‌ ميمون‌، عن‌ ابن‌ عبّاس‌. ثمّ قال‌ الطبري‌ّ: أخرج‌ هذا الحديث‌ بتمامه‌ أحمد وأبو القاسم‌ الدمشقي‌ّ في‌ «الموافقات‌» و«الاربعين‌ الطوال‌»؛ وذكر النسائي‌ّ بعض‌ فقراته‌ كما شرح‌ بعض‌ ألفاظ‌ الحديث‌؛ وكذلك‌ ذكر ملاّ علي‌ المتّقي‌ بعض‌ عباراته‌ في‌ «كنز العمّال‌» ج‌ ص‌ 153 عن‌ «المستدرك‌» للحاكم‌، و«مسند أحمد بن‌ حنبل‌» عن‌ ابن‌ عبّاس‌، في‌ الحديث‌ رقم‌ 2559: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ ] وآله‌ [ وسلّم‌ لعلي‌ّ: أما ترضي‌ أن‌ تكون‌ منّي‌ بمنزلة‌ هارون‌ من‌ موسي‌ إلاّ أ نّك‌ لست‌ بنبي‌ّ، إنّه‌ لاينبغي‌ أن‌ أذهب‌ إلاّ وأنت‌ خليفتي‌.

 ورواه‌ الذهبي‌ّ أيضاً في‌ «تلخيص‌ المستدرك‌» للحاكم‌، ج‌ 3، ص‌ 132، وهو مطبوع‌ بحيد رآباد الدكن‌ مع‌ «المستدرك‌» نفسه‌، وقال‌ في‌ آخره‌: هذا حديث‌ صحيح‌، كما قال‌ الحاكم‌ أيضاً: هذا حديث‌ صحيح‌ الاءسناد، ولم‌ يخرجه‌ البخاري‌ّ ومسلم‌ بهذا السياق‌. وكذلك‌ ذكره‌ القندوزي‌ّ في‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص‌ 234، طبعة‌ إسلامبول‌ سنة‌ 1301، وقال‌: أخرجه‌ ابن‌ المغازلي‌ّ الشافعي‌ّ؛ وذكره‌ النسائي‌ّ في‌ «الخصائص‌» ص‌ 7، وذكره‌ الطبري‌ّ أيضاً في‌ كتابه‌ الآخر «الرياض‌ النضرة‌» ج‌ 2، ص‌ 203، طبعة‌ مصر سنة‌ 1327. وأورده‌ أيضاً العلاّمة‌ عبيدالله‌بن‌ مظهر جمال‌ في‌ كتابه‌: «أرجح‌ المطالب‌ في‌ عدّ مناقب‌ علي‌ّبن‌ أبي‌ طالب‌» ص‌ 692، طبعة‌ لاهور، ثمّ عدّ جمعاً من‌ العلماء الذين‌ ذكروه‌ في‌ كتبهم‌ واحداً واحد، ومنهم‌ أبو يعلي‌، والخوارزمي‌ّ، وابن‌ عساكر، والسيوطي‌ّ في‌ «جمع‌ الجوامع‌».

[35] - «بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 663، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[36] - «مجالس‌ المؤمنين‌» شرح‌ ترجمة‌ محيي‌ الدين‌ العربي‌ّ.

[37] - من‌ صلوات‌ محيي‌ الدين‌ الطائي‌ّ العربي‌ّ. شرحها الحكيم‌ السيّد صالح‌ الخلخالي‌ّ تحت‌ عنوان‌ «شرح‌ مناقب‌ محيي‌ الدين‌» («الذريعة‌» ج‌ 13، ص‌ 261 ). وكان‌ الخلخالي‌ّ تلميذ الميرزا أبو الحسن‌ جلوه‌. وقال‌ صاحب‌ «الذريعة‌» ج‌ 8، ص‌ 269: «دوازده‌ إمام‌» ينسب‌ إلي‌ محيي‌الدين‌بن‌ العربي‌ّ المدفون‌ بصالحيّة‌ دمشق‌، ولكنّه‌ قال‌ في‌ ج‌ 22، ص‌ 317 و 318: ينسب‌ «مناقب‌ دوازده‌ إمام‌» إلي‌ محيي‌الدين‌، ولعلّه‌ من‌ إنشاء العياني‌ّ الخفري‌ّ. وقال‌ في‌ ج‌ 9، ص‌ 777: العياني‌ّ الخفري‌ّ، محمّد بن‌ محمود الدهدار الشيرازي‌ّ.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com