بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الامام / المجلد العاشر/ القسم الثالث عشر: موت عبد الله بن ابی، کیفیة صلاة رسول الله علی جنازة المومن و المنافق

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

تفسير الآية‌:  إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ ' لَهُمْ...

 وبعد أن‌ بيّن‌ الله‌ تعإلی‌ حال‌ المنافقين‌ الذين‌ بنوا مسجد ضرار، قال‌ في‌ تبيان‌ حال‌ المؤمنين‌:  إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌' مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ ' لَهُم‌ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَـ'تِلُونَ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا علیهِ حَقًّا فِي‌ التَّوْرَب'ةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَي‌' بِعَهْدِهِ مِنَ اللَهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي‌ بَايَعْتُم‌ بِهِ وَذَ ' لِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * التَّـ'´نءِبُونَ العَـ'بِدُونَ الحَـ'مِدُونَ السَّـ'´نءِحُونَ الرَّ ' كِعُونَ السَّـ'جِدُونَ الاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَـ'فِظُونَ لِحُدُودِ اللَهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ  [1].

 قال‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ تفسير هذه‌ الآيات‌: والجهاد قد يكون‌ بالسيف‌. وقد يكون‌ باللسان‌. وربما كان‌ جهاد اللسان‌ أبلغ‌؛ لانّ سبيل‌الله‌ دينه‌؛ والدعاء إلی‌ الدين‌ يكون‌ أوّلاً باللسان‌ ، والسيف‌ تابع‌ له‌؛ ولانّ إقامة‌ الدليل‌ علی‌ صحّة‌ المدلول‌ أولي‌. وإيضاح‌ الحقّ وبيانه‌ أحري‌، وذلك‌ لايكون‌ إلاّ باللسان‌. وقد قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لاميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌:  يَا علی‌ُّ! لاَنْ يَهْدِي‌َ اللَهُ علی‌ يَدَيْكَ نَسَمَةً خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ علیهِ الشَّمْسُ!

 وقال‌ أيضاً: عن‌ الزجّاج‌ في‌ قول‌ الحقّ تعإلی‌:  فِي‌ التَّوْرَب'ةِ وَالإنجِيلِ إنّها تدلّ علی‌ أنّ أهل‌ كلّ ملّة‌ أُمروا بالقتال‌ ، ووعدوا علیه‌ الجنّة‌ [2].

 وروي‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ عن‌  « الكافي‌ »  بإسناده‌ عن‌ سماعة‌، عن‌ أبي‌ عبد الله‌ علیه‌ السلام‌  ( أ  نّه‌ )  قال‌: لقي‌  عبّاد البصري‌ّ علی‌ّبن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌  في‌ طريق‌ مكّة‌: فقال‌ له‌:  يَا علی‌َّبْنَ الحُسَيْنِ! تَرَكْتَ الجِهَادَ وَصُعُوبَتَهُ وَأَقْبَلْتَ علی‌ الحَجِّ وَلِيْنَتِهِ؛ إنَّ اللَهَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَهَ اشْتَرَي‌'»...  إلی‌ آخر الآيات‌. فقال‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌:  إذَا رَأَيْنَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فَالجِهَادُ مَعَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الحَجِّ.

 ثمّ قال‌ العلاّمة‌: يريد الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌ ما في‌ الآية‌ الثانية‌: التَّـ'´نءِبُونَ الْعَـ'بِدُونَ... إلی‌ آخره‌ من‌ الاوصاف‌  [3].

 أي‌: أنّ مراد الإمام‌ السجّاد هو أنّ حكّام‌ الإسلام‌ لمّا كانوا حائزين‌ علی‌ الصفات‌ التي‌ وصفهم‌ بها الله‌ ، فالقتال‌ معهم‌ ضدّ أعداء الدين‌ أفضل‌ من‌ الحجّ. أمّا لو كان‌ الجهاد في‌ ركاب‌ عبد الملك‌بن‌ مروان‌، وهشام‌، والوليد، ويزيدبن‌ عبدالملك‌ وأمثالهم‌ ، وهم‌ حكّام‌ الجور في‌ عصر الإمام‌، فلافضيلة‌ للجهاد في‌ سبيلهم‌ ، لا  نّه‌ ليس‌ جهاداً في‌ سبيل‌الله‌. وحينئذٍ الحجّ أفضل‌.

 يقول‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ ذيل‌ الآية‌:  وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:  هذا أمر النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يبشّر المصدّقين‌ بالله‌ المعترفين‌ بنبوّته‌ بالثواب‌ الجزيل‌ ، والمنزلة‌ الرفيعة‌ خاصّة‌ ، إذا جمعوا هذه‌ الاوصاف‌. وقد روي‌ أصحابنا رضوان‌ الله‌ علیهم‌ أنّ هذه‌ صفات‌ الائمّة‌ المعصومين‌ علیهم‌ السلام‌؛ لا  نّه‌ لا يكاد يجمع‌ هذه‌ الاوصاف‌ علی‌ تمامها وكمالها غيرهم‌.

 ثمّ روي‌ الطبرسي‌ّ لقاء الزُّهري‌ّ الإمام‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌ علیهما السلام‌ في‌ طريق‌ مكّة‌ ومؤاخذته‌ الإمام علی‌ ترك‌ الجهاد ، وجواب‌ الإمام‌ المتمثّل‌ بقوله‌ أن‌ لو كان‌ أُمراء الحرب‌ يحملون‌ هذه‌ الصفات‌... بنفس‌ العبارة‌ والمضمون‌ الذي‌ ذكره‌ العلاّمة‌ عن‌  « الكافي‌ »  عن‌ عبّاد البصري‌ّ [4].

 الرجوع الي الفهرس

اعتذار المنافقين‌ الكاذب‌ من‌ رسول‌ الله‌ عند الرجوع‌ من‌ غزوة‌ تبوك‌

 أجل‌ ، انتهت‌ رحلة‌ غزوة‌ تبوك‌ ، وعاد النبي‌ّ الاكرم‌ والمسلمون‌ إلی‌ المدينة‌. ولم‌يلحق‌ المنافقين‌ إلاّ الخجل‌ ، والذلّ ، والخيبة‌. فلاهم‌ استطاعوا أن‌ يقتلوا النبي‌ّ في‌ العقبة‌ ، ولا هم‌ رأوا النبي‌ّ والمسلمين‌ أسري‌ مغلولين‌ بالسلاسل‌ والحبال‌ علی‌ يد جنود الروم‌ ، ولاهم‌ قدروا علی‌ إثارة‌ الفتن‌ والقلاقل‌ في‌ المدينة‌ عند غياب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، ووجود مولي‌ الموإلی‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. لقد طاش‌ سهمهم‌، ومات‌ أبو عامر، رئيسهم‌، واحترق‌ مسجد ضرار ، مسجدهم‌. وأضحوا وحيدين‌ بلاناصر ولامعين‌. ولا قوّة‌ ، ولا نظم‌ ، ولا عِدّة‌ ، ولا عُدّة‌. وفي‌ مثل‌ هذه‌ الحالة‌، تكشف‌ لنا الآيتان‌ المباركتان‌ الآتيتان‌ حقيقتهم‌، قال‌ جلّ من‌ قائل‌:

 يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَهِ بِأَفْوَ ' هِهِمْ وَاللَهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـ'فِرُونَ* هُوَ الَّذِي‌´ أَرْسَلَ رَسَولَهُ و  بِالْهُدَي‌' وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ و  علی‌ الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[5] .

 فلهذا نقرأ أنّ المنافقين‌ كانوا يأتون‌ إلی‌ النبي‌ّ في‌ المدينة‌ بعد غزوة‌ تبوك‌ ويعتذرون‌ إلیه‌ بصور وأشكال‌ مختلفة‌. وكانت‌ مجموعة‌ منهم‌ تقول‌: سنشارك‌ في‌ الغزوات‌ إلی‌ جانبك‌ في‌ المستقبل‌. فنزلت‌ هذه‌ الآية‌:

 فَإِن‌ رَّجَعَكَ اللَهُ إلی‌' طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَئْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن‌ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن‌ تُقَـ'تِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَـ'لِفِينَ  [6].

 قال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌: المراد بالخالفين‌ المتخلّفون‌ بحسب‌ الطبع‌ كالنساء، والصبيان‌ ، والمرضي‌ ، والزمني‌. وقيل‌: المتخلّفون‌ من‌ غيرعذر. وقيل‌: الخالفون‌ هم‌ المنافقون‌ وأهل‌ الفساد. وفي‌ قوله‌:  فَإِن‌ رَّجَعَكَ اللَهُ إلی‌' طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ - الآية‌، دلالة‌ علی‌ أنّ هذه‌ الآية‌ وما في‌ سياقها المتّصل‌ من‌ الآيات‌ السابقة‌ واللاحقة‌ نزلت‌ ورسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ سفره‌، ولمّا يرجع‌ إلی‌ المدينة‌ ، وهو سفره‌ إلی‌ تبوك‌[7] .

 ويعرض‌ القرآن‌ الكريم‌ معاذيرهم‌ وأيمانهم‌ المؤكّدة‌ وطلبهم‌ من‌ النبي‌ّ أن‌ يتغاضي‌ عنهم‌ ، ويصفح‌ عن‌ ذنبهم‌ ، ويرضي‌ عنهم‌، فيقول‌:

 يَعْتَذِرُونَ إلیكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إلیهِمْ قُل‌ لاَّ تَعْتَذِرُوا لَن‌ نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَي‌ اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ و  ثُمَّ تُرَدُّونَ إلی‌' عَـ'لِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـ'دِةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إلیهِمْ لِتَعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَب'هُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوا عَنْهُمْ فَإِن‌ تَرْضُوا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَهَ لاَيَرْضَي‌' عَنِ الْقَوْمِ الْفَـ'سِقِينَ  [8].

 قال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌: قوله‌ تعإلی‌:  يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوا عَنْهُمْ: هذا الحلف‌ منهم‌ كما كان‌ للتوسّل‌ إلی‌ صرفكم‌ عنهم‌ ليأمنوا الذمّ والتقريع‌، كذلك‌ هو للتوسّل‌ إلی‌ رضاكم‌ عنهم‌!  أمّا الإعراض‌ فافعلوه‌؛ لا  نّهم‌ رجس‌ لاينبغي‌ لنزاهة‌ الإيمان‌ وطهارته‌ أن‌ تتعرّض‌ لرجس‌ النفاق‌ والكذب‌ وقذارة‌ الكفر والفسق‌. فلا تتعرّضوا لهم‌ بالتقريع‌ والعتاب‌ ونحوهما. وأمّا الرضي‌، فاعلموا أ  نّكم‌ إن‌ ترضوا عنهم‌  فَإِنَّ اللَهَ لاَيَرْضَي‌' عَنِ الْقَوْمِ الْفَـ'سِقِينَ. وعلی‌ هذا يكون‌ المعني‌: أ  نّكم‌ إن‌ رضيتم‌ عنهم‌، فقد رضيتم‌ عمّن‌ لم‌يرض‌الله‌ عنه‌، أي‌: رضيتم‌ بخلاف‌ رضي‌الله‌!  ولاينبغي‌ لمؤمن‌ أن‌ يرضي‌ عمّا يسخط‌ ربّه‌. فهو أبلغ‌ كناية‌ عن‌ النهي‌ عن‌ الرضا عن‌ المنافقين‌[9] .

 والشاهد علی‌ هذا المطلب‌ ما جاء في‌ تفسير علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ لمّا قدم‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ تبوك‌ ، كان‌ أصحابه‌ المؤمنون‌ يتعرّضون‌ المنافقين‌ ويؤذونهم‌، فأنزل‌ الله‌ هذه‌ الآية‌ تنهاهم‌ عن‌ التعرّض‌ لهم‌ [10].

 وقال‌ في‌  « مجمع‌ البيان‌ » : نزلت‌ الآيات‌ في‌  جَدّ بنِ قَيسٍ وَمُعَتَّب‌بْنِ قُشَيْرٍ  وأصحابهما من‌ المنافقين‌. وكانوا ثمانين‌ رجلاً. ولمّا قدم‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ المدينة‌ راجعاً عن‌ تبوك‌، قال‌  ( لاصحابه‌ ): لاَتُجَالِسُوهُمْ وَلاَتُكَلِّمُوهُمْ ، عن‌ ابن‌ عبّاس‌. وقيل‌: نزلت‌ في‌  عَبْدِاللَهِبْنِ أُبَي‌ّ ، حلف‌ للنبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لايتخلّف‌ عنه‌ بعده، وطلب‌ إلیه‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يرضي‌ عنه‌، عن‌ مقاتل‌ [11].

 وكذلك‌ نزل‌ في‌ المنافقين‌ من‌ الاعراب‌ قوله‌:

 الاَعْرَابُ [12] أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَهُ علی‌' رَسُولِهِ وَاللَهُ علیمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الاْعْرَابِ مَن‌ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآنءِرَ علیهِمْ دَآنءِرَةُ السَّوْءِ وَاللَهُ سَمِيعٌ علیمٌ[13] .

 إلی‌ أن‌ قال‌:

 وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الاْعْرَابِ مُنَـ'فِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا علی‌ النِّفَاقِ لاَتَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم‌ مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلی‌' عَذَابٍ عَظِيمٍ[14] .

 وكذلك‌ يعرض‌ القرآن‌ الكريم‌ أحوال‌ المنافقين‌ وتزلزلهم‌ عند نزول‌ سورة‌ أو آية‌، فيقول‌:

 وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم‌ مَّن‌ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـ'ذِهِ إِيمَـ'نًا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَـ'نًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي‌ قُلُوبِهِم‌ مَّرَضٌ رِجْسًا إلی‌' رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَـ'فِرُونَ * أَوَ لاَ يَرَوْنَ أَ  نَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي‌ كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ( وبعضهم‌ عند رسول‌الله‌ طبعاً ، وما يحدث‌ لهم‌ من‌ شدّة‌ القلق‌ والاضطراب‌ والتزلزل‌ المشهود في‌ سيماهم‌ ) نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلی‌' بَعْضٍ هَلْ يَرَب'كُم‌ مِّنْ أَحَدٍ ( وهل‌ اطّلع‌ علی‌ اضطرابكم‌ أحد أو لا ؟) ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَهُ قُلُوبَهُمْ بِأَ  نَّهُمْ قَوْمٌ لاَّيَفْقَهُونَ  [15].

 ويبيّن‌ أحوال‌ المنافقين‌ أيضاً عند تقسيم‌ الصدقات‌ والزكاة‌ الواجبة‌ إذ كانوا يلمزون‌ النبي‌ّ:

 وَمِنْهُم‌ مَّنْ يَلْمِزُكَ فِي‌ الصَّدَقَـ'تِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن‌ لَّمْ يُعْطَوا مِنْهَآ إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَ  نَّهُمْ رَضُوا مَآ ءَاتَـ'هُمُ اللَهُ وَرَسُولُهُ و  وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَهُ سَيُؤتِينَا اللَهُ مِن‌ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ و´  إِنَّآ إلی‌ اللَهِ رَ ' غِبُونَ[16].

 وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَاللَهِ لَهُمْ عَذَابٌ إلیمٌ* يَحْلِفُونَ بِاللَهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَهُ وَرَسُولُهُ و´ أَحَقُّ أَن‌ يُرْضُوهُ إِن‌ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُو´ا أَ  نَّهُ و  مَن‌ يُحَادِدِ اللَهَ وَرَسُولَهُ و فَأَنَّ لَهُ و  نَارَ جَهَنَّمَ خَـ'لِدًا فِيهَا ذَ ' لِكَ الخِزْيُ الْعَظِيمُ  [17].

 قال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌: يمكن‌ أن‌ يكون‌ قوله‌:  أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ  من‌ الإضافة‌ الحقيقيّة‌؛ أي‌: سمّاع‌ يسمع‌ ما فيه‌ خيركم‌ حيث‌ يسمع‌ من‌ الله‌ سبحانه‌ الوحي‌ ، وفيه‌ خير لكم‌. ويسمع‌ من‌ المؤمنين‌ النصيحة‌، وفيها خير لكم‌. ويمكن‌ أن‌ يكون‌ من‌ إضافة‌ الموصوف‌ إلی‌ الصفة‌. أي‌: أُذن‌ هي‌ خير لكم‌، لا  نّه‌ لا يسمع‌ إلاّ ما ينفعكم‌ ولايضرّكم‌!

 والفرق‌ بين‌ الوجهين‌ أنّ اللازم‌ علی‌ الاوّل‌ أن‌ يكون‌ مسموعه‌ خيراً لهم‌، كالوحي‌ من‌ الله‌ ، والنصيحة‌ من‌ المؤمنين‌. واللازم‌ علی‌ الثاني‌ أن‌ يكون‌ استماعه‌ استماع‌ خير ، وإن‌ لم‌ يكن‌ مسموعه‌ خير، كأن‌ يستمع‌ إلی‌ بعض‌ ما ليس‌ خيراً لهم‌ لكنّه‌ يستمع‌ إلیه‌ فلا يردّه‌ فيحترم‌ بذلك‌ قائله‌؛ ثمّ يحمل‌ ذلك‌ القول‌ منه‌ علی‌ الصحّة‌ فلا يهتك‌ حرمته‌ ولا يسي‌ء الظنّ به‌؛ ثمّ لايرتّب‌ أثر الخبر الصادق‌ المطابق‌ للواقع‌ علیه‌ ، فلا يؤاخذ مَن‌ قيل‌ فيه‌ بما قيل‌ فيه‌. فيكون‌ قد احترم‌ إيمانه‌ ، كما احترم‌ إيمان‌ القائل‌ الذي‌ جاءه‌ بالخبر.

 ومن‌ هنا يظهر أنّ الانسب‌ بسياق‌ الآية‌ هو الوجه‌ الثاني‌ لما عقبه‌ بقوله‌:  يُؤْمِنُ بِاللَهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ[18] .

 وقال‌ تعإلی‌ في‌ بخل‌ المنافقين‌ وعدم‌ التزامهم‌ بوعودهم‌، ولمزهم‌ المؤمنين‌ في‌ الصدقات‌:  وَمِنْهُم‌ مَّنْ عَـ'هَدَ اللَهَ لَنءِنْ ءَاتَب'نَا مِن‌ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّـ'لِحِينَ [19]  * فَلَمَّآ ءَاتَـ'هُم‌ مِّن‌ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم‌ مُّعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي‌ قُلُوبِهِمْ إلی‌' يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ و  بِمَآ أَخْلَفُوا اللَهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُو´ا أَنَّ اللَهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَب'هُمْ وَأَنَّ اللَهَ عَلَّـ'مُ الْغُيُوبِ * الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي‌ الصَّدَقَـ'تِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ إلیمٌ  [20].

 قال‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ: قيل‌: نزلت‌  ( هذه‌ الآية‌ )  في‌  ثَعْلَبَة‌بنِ حَاطِبٍ. وكان‌ من‌ الانصار، فقال‌ للنبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: ادع‌ الله‌ أن‌ يرزقني‌ مالاً!

 فقال‌  ( رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ) :  يَا ثَعْلَبَةُ! قَلِيلٌ تُؤَدِّي‌ شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثيِرٍ لاَتُطِيقُهُ؛ أَمَا لَكَ فِي‌ رَسُولِ اللَهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟! وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ، لَوْ أَرَدْتُ أَنْ تَسِيرَ الجِبَالَ مَعِي‌ ذَهَبَاً وَفِضَّةً لَسَارَتْ!

 ثمّ أَتاه‌ بعد ذلك‌ فقال‌: يا رسول‌ الله‌!  ادع‌ الله‌ أن‌ يرزقني‌ مالاً!  والذي‌ بعثك‌ بالحقّ لئن‌ رزقني‌ الله‌ مالاً ، لاعطينّ كلّ ذي‌ حقّ حقّه‌!

 فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: اللهمّ ارزق‌ ثعلبة‌ مالاً! فاتّخذ ثعلبة‌ غنماً فنمت‌ كما ينمو الدود ، فضاقت‌ علیه‌ المدينة‌، فتنحّي‌ عنها. فنزل‌ وادياً من‌ أوديتها. ثمّ كثرت‌ نموّاً حتّي‌ تباعد عن‌ المدينة‌.

 فاشتغل‌ بذلك‌ عن‌  ( صلاة‌ )  الجمعة‌ والجماعة‌. وبعث‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إلیه‌ المصدق‌ ليأخذ الصدقة‌. فأبي‌، وبخل‌، وقال‌: مَا هَذَا إلاَّ أُخْتُ الجِزْيَةِ.

 فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:  يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ! يَاوَيْحَ ثَعْلَبَةَ!  فنزلت‌ هذه‌ الآيات‌ فيه‌. وروي‌ ذلك‌ عن‌ أبي‌ أمامة‌ الباهلي‌ّ مرفوعاً.

 وقيل‌: إنّ ثعلبة‌ أتي‌ مجلساً من‌ الانصار فأشهدهم‌ فقال‌: لئن‌ آتاني‌ الله‌ من‌ فضله‌، تصدّقت‌ منه‌، وآتيتُ كلّ ذي‌ حقّ حقّه‌، ووصلتُ منه‌ القرابة‌، فابتلاه‌ الله‌. فمات‌ ابن‌ عمّ له‌ ، فورثه‌ مال، ولم‌يفِ بما قال‌: فنزلت‌. عن‌ ابن‌ عبّاس‌، وسعيدبن‌ جبير، وقتادة‌.

 وقيل‌: نزلت‌ في‌ ثعلبة‌ بن‌ حاطب‌ ، ومُعَتّب‌ بن‌ قشَير ، وهما من‌ بني‌ عمروبن‌ عوف‌ قالا: لئن‌ رزقنا الله‌ مالاً لنصّدّقنّ. فلمّا رزقهما الله‌ المال‌، بخلابه‌. عن‌ الحسن‌، ومجاهد [21].

 وقال‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ بعد ذكر هذه‌ الرواية‌: ما ذكره‌ من‌ الروايات‌ لا يدفع‌ بعضها البعض‌؛ فمن‌ الجائز أن‌ يكون‌ ثعلبة‌ عاهد النبي‌ّ بذلك‌ ثمّ أشهد علیه‌ جماعة‌ من‌ الانصار ، وأن‌ يكون‌ معه‌ في‌ ذلك‌ غيره‌، فتتأيّد الروايات‌ بعضها ببعض‌  [22].

 الرجوع الي الفهرس

قصّة‌ الاشخاص‌ المعنيّين‌ بالآية‌:  وعلی‌ الثَّلَـ'ثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

ومن‌ بين‌ الذين‌ تخلّفوا عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ -ماعدا المتخلّفين‌ من‌ المنافقين‌، والمعذّرين‌، والذين‌ التحقوا فيما بعد  كأَبِي‌ خَيْثَمَة‌ - ثلاثة‌ أشخاص‌. إذ ظلّوا في‌ المدينة‌ مع‌ إيمانهم‌ برسول‌الله‌، لكن‌ اعتراهم‌ ضعف‌ ، وتثاقلوا مع‌ قدرتهم‌ المإلیة‌ والبدنيّة‌. إلی‌ أن‌ عاد جيش‌ رسول‌الله‌ من‌ تبوك‌. وروي‌ المؤرّخون‌ كالواقدي‌ّ وغيره‌ [23] قصّة‌ هؤلاء الاشخاص‌ الثلاثة‌ مفصّلاً. بَيدَ أ  نّا ننقلها هنا عن‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ بإيجاز:

 يقول‌: نزلت‌ الآية‌  وَعلی‌ الثَّلَـ'ثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا  في‌ شأن‌  كَعْبِبْنِ مَالِكٍ وَمَرَارَة‌بْنِ الرَّبِيعِ وَهِلاَلِبْنِ أُمَيَّة‌  [24]. وذلك‌ أ  نّهم‌ تخلّفوا عن‌ رسول‌الله‌ ولم‌يخرجوا معه‌، لا عن‌ نفاق‌ ولكن‌ عن‌ توانٍ ، ثمّ ندموا.

 ولمّا قدم‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ المدينة‌ ، جاؤوا إلیه‌ واعتذرو، فلم‌ يكلّمهم‌ النبي‌ّ ، وتقدّم‌ إلی‌ المسلمين‌ بأن‌ لايكلّمهم‌ أحد منهم‌؛ فهجرهم‌ الناس‌ كلّهم‌ حتّي‌ الصبيان‌. وجاءت‌ نساؤهم‌ إلی‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ، فقلن‌ له‌: نعتزلهم‌ ؟!  فقال‌: ل، ولكن‌ لايقربوكنّ.

 فضاقت‌ علیهم‌ المدينة‌؛ فخرجوا إلی‌ رؤوس‌ الجبال‌. وكان‌ أهإلیهم‌ يجيئون‌ لهم‌ بالطعام‌، ولايكلّمونهم‌. فقال‌ بعضهم‌ لبعض‌: قد هجرنا الناس‌، فهلاّ نتهاجر نحن‌ أيضاً ؟  فتفرّقو، ولم‌يجتمع‌ منهم‌ اثنان‌. وبقوا علی‌ ذلك‌ خمسين‌ يوماً يتضرّعون‌ إلی‌ الله‌ ، ويتوبون‌ إلیه‌، فقبل‌ الله‌ توبتهم‌؛ وأنزل‌ فيهم‌ هذه‌ الآية‌:

 وَعلی‌ الثَّلَـ'ثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّي‌' إِذَا ضَاقَتْ علیهِمُ الاْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ علیهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّو´ا أَن‌ لاَّمَلْجَأَ مِنَ اللَهِ إِلآ إلیهِ ثُمَّ تَابَ علیهِمْ لِيَتُوبُو´ا إِنَّ اللَهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم‌ [25].

 قال‌ الواقدي‌ّ: وقدم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ المدينة‌ في‌ رمضان‌ سنة‌ تسع‌  [26]. فقال‌:  الحَمْدُ لِلَّهِ علی‌ مَا رَزَقَنَا فِي‌ سَفَرِنَا هَذَا مِنْ أَجْرٍ وَحَسَنَةٍ وَمَنْ بَعْدَنَا شُرَكَاؤُنَا فِيهِ.

 قالت‌ عائشة‌: يا رسول‌ الله‌!  أصابكم‌ السفر وشدّة‌ السفر ، وَمَن‌ بعدكم‌ شركاؤكم‌ فيه‌ ؟!

 فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:  إِنَّ بِالمَدِينَةِ لاَقْوَاماً مَاسِرْنَا مِنْ مَسِيرٍ وَلاَهَبَطْنَا وَادِيَاً إِلاَّ كَانُوا مَعَنَ، حَبَسَهُمُ المَرَضُ؛ أَوَ لَيْسَ اللَهُ تَعَإلی‌ يَقُولُ فِي‌ كِتَابِهِ: «مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً» [27] ؟ فَنَحْنُ غُزَاتُهُمْ وَهُمْ قَعَدَتُنَا[28] . وَالَّذِي‌ نَفْسِي‌ بِيَدِهِ لَدُعَاؤُهُمْ أَنْفَذُ فِي‌ عَدُوِّنَا مِنْ سِلاَحِنَا!

 وجعل‌ المسلمون‌ يبيعون‌ سلاحهم‌ ويقولون‌: قد انقطع‌ الجهاد. فجعل‌ القوي‌ّ منهم‌ يشتريها لفضل‌ قوّته‌. فـ ( لمّا )  بلغ‌ ذلك‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ، فنهاهم‌ عن‌ ذلك‌ وقال‌:  لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِن‌ أُمَّتِي‌ يُجَاهِدُونَ علی‌ الحَقِّ حَتَّي‌ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ  [29].

 الرجوع الي الفهرس

موت‌ عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ رئيس‌ المنافقين‌ بالمدينة‌

 ومرض‌  عَبْدُ اللَهِ بْنُ أُبَي‌ّ  في‌ ليالٍ بقين‌ من‌ شوّال‌. ومات‌ في‌ ذي‌ القعدة‌. وكان‌ مرضه‌ عشرين‌ ليلة‌. وكان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يعوده‌ فيها. فلمّا كان‌ إلیوم‌ الذي‌ مات‌ فيه‌ ، دخل‌ علیه‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ، وهو يجود بنفسه‌. فقال‌:  قَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ حُبِّ إلیهُودِ. فقال‌ عبدالله‌بن‌ أُبَي‌ّ: أبغضهم‌  سَعْدُبْنُ زُرَارَة‌ ، فما نفعه‌!

 ثمّ قال‌ ابن‌ أُبي‌ّ:  يَارَسولَاللَهِ!  ليس‌ بحين‌  عِتاب‌!  هو الموت‌. فإن‌ متُّ فاحضر غُسلي‌ وأَعطِني‌ قميصَك‌، أُكفَّن‌ فيه‌!  فأعطاه‌ الاعلی‌ -وكان‌ علیه‌ قميصان‌- فقال‌: الذي‌ يلي‌ جلدك‌!  فنزع‌ قميصه‌ الذي‌ يلي‌ جلده‌ فأعطاه‌، ثمّ قال‌: صلّ علی‌َّ واستغفر لي‌!

 وإنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ حضر غُسله‌ وكفَّنه‌. ثمّ حُمل‌ إلی‌ موضع‌ الجنائز. فتقدّم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ليصلّي‌ علیه‌  [30].

 فلمّا قام‌ ، وثب‌ إلیه‌ عمر بن‌ الخطّاب‌ فقال‌: يارسول‌الله‌!  أتصلّي‌ علی‌ ابن‌ أُبي‌ّ، وقد قال‌ يوم‌ كذا كذا ، ويوم‌ كذا كذا ؟  فعدّ علیه‌ قوله‌.

 فتبسّم‌ رسول‌الله‌ وقال‌:  أَخِّرْ عَنِّي‌ يَا عُمَرُ!  فلمّا أكثر علیه‌ عمر، قال‌ ( رسول‌ الله‌ ): إنّي‌ قد خُيّرت‌ فاخترت‌؛ ولو أعلم‌ أ  نّي‌ إذا زدت‌ علی‌ السبعين‌، غُفِر له‌ ، زدت‌ علیها. وهو قوله‌ عزّ وجلّ:  اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ ذَ ' لِكَ بِأَ  نَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ وَاللَهُ لاَ يَهْدِي‌ الْقَوْمَ الفَـ'سِقِينَ  [31].

 وقيل‌: إنّه‌ قال‌: سأزيد علی‌ السبعين‌. فصلّي‌ رسول‌الله‌، ثمّ انصرف‌. فلم‌يكن‌ إلاّ يسيراً حتّي‌ نزلت‌ هذه‌ الآية‌:

 وَلاَ تُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ علی‌' قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَـ'سِقُونَ [32].

 وكان‌  مُجَمِّع‌ بْنُ جَارِيَة‌  يقول‌: ما رأيت‌ رسول‌ الله‌ أطال‌ علی‌ جنازة‌ قطّ ما أطال‌ علیها من‌ الوقت‌ ، ثمّ خرجوا حتّي‌ انتهوا إلی‌ قبره‌.

 فكان‌  عَمْرُو بْنُ أُمَيَّة‌ الضَّمْرِي‌ّ  يقول‌: لقد جَهدِنا أن‌ ندنو من‌ سريره‌، فما نقدر علیه‌. قد غلب‌ علیه‌ هؤلاء المنافقون‌ وكانوا قد أظهروا الإسلام‌، وهم‌ علی‌ النفاق‌. من‌  بني‌ قينقاع‌  وغيرهم‌  كسَعْدِ بْنِ حُنَيْفٍ وَزَيْدِبْنِ اللُّصيْتِ وَسَلاَمَة‌بْنِ الحُمَامِ وَنُعْمَانِبْنِ أَبِي‌ عَامِرٍ وَرَافِعِ بْنِ حَرْمَلَة‌ وَمَالِكِبْنِ أَبِي‌ نَوْفَلٍ وَدَاعِسٍ وَسُوَيْدٍ. وكانوا أخابث‌ المنافقين‌، وكانوا هم‌ الذين‌ يعرّضونه‌.

 وكان‌ ابنه‌ عبدالله‌  ( سمّاه‌ رسول‌الله‌ عبدالله‌ )  ليس‌ شي‌ء أثقل‌ علیه‌ ولا  أعظم‌ من‌ رؤيتهم‌.  ( وكان‌ هذا الابن‌ من‌ خواصّ عبد الله‌ ) ، ويغلق‌ دون‌ المنافقين‌ الباب‌. وكان‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ يقول‌: لايليني‌ غيرهم‌، ويقول‌ ( لابنه‌ ): أنت‌ والله‌ أحبّ إلی‌ّ من‌ الماء علی‌ الظَّمَأ!  و ( كان‌ المنافقون‌ ) يقولون‌  ( له‌ ): ليت‌ أ  نّا نفديك‌ بالانفس‌ ، والاولاد، والاموال‌،  ( ولم‌تكن‌ متَّ!)  ولمّا وقفوا علی‌ حفرته‌ ، ورسول‌ الله‌ صليّ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ واقف‌ يلحظهم‌، ازدحموا علی‌ النزول‌ في‌ حفرته‌ ، وارتفعت‌ الاصوات‌ حتّي‌ أُصيب‌ أنف‌  داعِس‌؛ وجعل‌  عُبَادَةُبْنُ الصَّامِتِ  يذبّهم‌ ويقول‌: اخفضوا أصواتكم‌ عند رسول‌الله‌. حتّي‌ أُصيب‌ أنف‌ داعس‌ فسال‌ الدم‌. وكان‌ يريد أن‌ ينزل‌ في‌ حفرته‌، فنُحِّي‌، ونزل‌ رجال‌ من‌ قومه‌ ، أهل‌ فضلٍ وإسلام‌. وكان‌ لمّا رأوا من‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ من‌ الصلاة‌ علیه‌ وحضوره‌، ومن‌ القيام‌ علیه‌، فنزل‌ في‌ حفرته‌ ابنه‌  عَبْدُاللَهِ وَسَعْدُبْنُ عُبَادَة‌بْنُ الصَّامِتِ وَأَوْسُبْنُ خَوْلي‌  حتّي‌ سُوِّي‌ علیه‌  ( قبره‌ ). وإنّ علیة‌ أصحاب‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ والاكابر من‌ الاوس‌ والخزرج‌ يُدلونه‌ في‌ اللَّحد، وهم‌ قيام‌ مع‌ النبي‌ّ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌. وكان‌ رسول‌الله‌ قد وقف‌ علی‌ قبره‌ حتّي‌ دُفن‌ ، وعزّي‌ ابنَه‌، وانصرف‌.

 وكان‌  عَمْرُو بْنُ أُمَيَّة‌  يقول‌: ما لقي‌ علیه‌ أصحابه‌ هؤلاء المنافقون‌ ؟! فهم‌ من‌ جهة‌ يَحثون‌ علیه‌ الترابَ في‌ القبر،  ( ومن‌ جهة‌ أُخري‌ )  يقولون‌: يإلیت‌ أَ  نَّا فديناك‌ بالانفس‌؛ وكنّا متنا قبلك‌ ، وهم‌ يحثون‌ التراب‌ علی‌ رؤوسهم‌. فكان‌ الذي‌ يحسن‌ أمره‌ يقول‌: الخزرج‌ قوم‌ أهل‌ فقر، وكان‌ يحسن‌ إلیهم‌  [33].

 وفي‌ تفسير  « الدرّ المنثور »  بعد كلام‌ رسول‌ الله‌ لعمر: أخِّر عنّي‌ ياعمر!  قال‌ عمر: صلّي‌ علیه‌ رسول‌ الله‌ ، ومشي‌ في‌ جنازته‌، حتّي‌ قام‌ علی‌ قبره‌، وفرغ‌ منه‌  فَعَجِبْتُ لِي‌ وَلِجُرْأَتِي‌ علی‌ رَسُولِاللَهِ صَلَّي‌اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَاللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ  [34].

 الرجوع الي الفهرس

البحث‌ في‌ كيفيّة‌ صلاة‌ رسول‌ الله‌ علی‌ جنازة‌ المؤمن‌ والمنافق‌

 وروي‌ في‌  « الدرّ المنثور »  أيضاً عن‌ ابن‌ أبي‌ حاتم‌ ، عن‌ الشعبي‌ّ  ( قال‌ ) إنّ عمربن‌ الخطّاب‌: قال‌:  لَقَدْ أَصَبْتُ فِي‌ الإسلام هَفْوَةً مَا أَصَبْتُ مِثْلَهَا قَطُّ. أراد رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يصلّي‌ علی‌  عَبْدِاللَهِبْنِ أُبَي‌ٍّ ، فأخذتُ بثوبه‌، فقلتُ: والله‌ ما أمرك‌ الله‌ بهذا. لقد قال‌ الله‌:  اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ. وقال‌ رسول‌الله‌: قد خيّرني‌ ربي‌ّ فقال‌:  « استغفر لهم‌ أو لا تستغفر لهم‌ »!  فقعد رسول‌الله‌ علی‌ شفير القبر؛ فجعل‌ الناس‌ يقولون‌ لابنه‌ عبدالله‌: ياحُبَاب‌! افعل‌ كذا!  ياحُبَاب‌!  افعل‌ كذا!  فقال‌ رسول‌ الله‌:  الحُباب‌  اسم‌ الشيطان‌. أنت‌ عَبْدُاللَهِ[35] .

 وقال‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ: نهي‌ الله‌ سبحانه‌ نبيّه‌ عن‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌ وقال‌:  لاَتُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَداً ، لا  نّه‌ كان‌ يصلّي‌ علیهم‌ ويجري‌ علیهم‌ أحكام‌ المسلمين‌.  وَلاَ تَقُمْ علی‌' قَبْرِهِ.

 ( إذ كان‌ )  إذا صلّي‌ علی‌ ميّت‌ ، يقف‌ علی‌ قبره‌ ساعة‌ ويدعو له‌. فنهاه‌ الله‌ تعإلی‌ عن‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌، والوقوف‌ علی‌ قبورهم‌ والدعاء لهم‌. ثمّ بيّن‌ سبحانه‌ سبب‌ الامرين‌  ( الصلاة‌ والدعاء )  فقال‌: إنّهم‌ كفروا بالله‌ ورسوله‌ وماتوا وهم‌ فاسقون‌. فما صلّي‌ رسول‌الله‌ بعد ذلك‌ علی‌ منافق‌، حتّي‌ قبض‌.

 وفي‌ هذه‌ الآية‌  وَلاَ تَقُمْ علی‌' قَبْرِهِ  دلالة‌ علی‌ أنّ القيام‌ علی‌ القبر للدعاء عبادة‌ مشروعة‌. ولولا ذلك‌ ، لم‌ يخصّ الله‌ سبحانه‌ بالنهي‌ عنه‌ الكافر.

 وروي‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ، وألبسه‌ قميصه‌ قبل‌ أن‌ ينهي‌ عن‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌. عن‌ ابن‌ عبّاس‌، وجابر، وقتادة‌.

 وروي‌ عن‌ أنس‌ ، والحسن‌ أ  نّه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أراد أن‌ يصلّي‌ علیه‌ فأخذ جبرائيل‌ بثوبه‌ ، وتلا علیه‌:  وَلاَ تُصَلِّ علی‌'´ أَحَدٍ مِّنْهُم‌ مَّاتَ أَبَداً.

 وروي‌ أ  نّه‌ قيل‌ لرسول‌ الله‌: لِمَ وجهت‌ بقميصك‌ إلیه‌ يكفن‌ فيه‌، وهو كافر ؟!  فقال‌:  إِنَّ قَميصِي‌ لَنْ يُغْنِي‌ عَنْهُ مِنَ اللَهِ شَيْئَاً. وإنّي‌ أُؤمّل‌ من‌ الله‌ أن‌ يدخل‌ بهذا السبب‌ في‌ الإسلام‌ خلق‌ كثير.

 فروي‌ أ  نّه‌ أسلم‌ ألف‌ من‌ الخزرج‌ لمّا رأوه‌ يطلب‌ الاستشفاء[36] بثوب‌ رسول‌الله‌. ذكر الزجّاج‌ ذلك‌ وقال‌: والاكثر في‌ الروايات‌ أ  نّه‌ لم‌يصلّ علیه‌[37] .

 وجاء في‌ تفسير  « علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ » : لمّا رجع‌ رسول‌ الله‌ إلی‌ المدينة‌، ومرض‌ عبدالله‌بن‌ أُبي‌ّ؛ وكان‌ ابنه‌ عبدالله‌ مؤمناً ، جاء  ( الابن‌ )  إلی‌ رسول‌الله‌ وأبوه‌ يجود بنفسه‌، فقال‌: يارسول‌الله‌!  بأبي‌ أنت‌ وأُمّي‌!  إنّك‌ إن‌ لم‌تأت‌ أبي‌، كان‌ ذلك‌ عاراً علینا!

 فدخل‌  ( رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لعيادته‌، والمنافقون‌ عنده‌. فقال‌ ابنه‌ عبدالله‌:  ( يارسول‌الله‌! )  فاستغفر له‌!  فقال‌ عمر: ألم‌ ينهك‌ الله‌ يارسول‌الله‌ أن‌ تصلّي‌ علیهم‌ أو تستغفر لهم‌ ؟!  فأعرض‌ عنه‌ رسول‌الله‌. فأعاد علیه‌.

 فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌:  وَيْلَكَ!  إنّي‌ خيّرت‌ فاخترتُ. إنّ الله‌ يقول‌: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن‌ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن‌ يَغْفِرَ اللَهُ لَهُمْ.

 ولمّا مات‌ ابن‌ أُبي‌ّ ، جاء ابنه‌ إلی‌ رسول‌ الله‌ ، فقال‌: بأبي‌ أنت‌ وأُمّي‌ يارسول‌الله‌!  إن‌ رأيت‌ أن‌ تحضر جنازته‌!  فحضره‌ رسول‌الله‌ وقام‌ علی‌ قبره‌.

 فقال‌ عمر: يا رسول‌ الله‌!  ألم‌ ينهك‌ الله‌ أن‌ تصلّي‌ علی‌ أحد منهم‌ مات‌ أبداً وأن‌ تقوم‌ علی‌ قبره‌  ؟!  فقال‌ له‌ رسول‌ الله‌:  وَيْلَكَ!  وهل‌ تدري‌ ماقلتُ ؟ إنَّمَا قُلْتُ: اللَهُمَّ احْشُ قَبْرَهُ نَارَاً وَجَوْفَهُ نَارَاً وَأَصْلِهِ النَّارَ. فبدا من‌ رسول‌الله‌ ما لم‌ يحبّ [38].

 وذكر العيّاشي‌ّ في‌ تفسيره‌ هذه‌ الرواية‌ قريباً من‌ هذا المضمون‌ عن‌ زرارة‌، عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام[39]‌ .

 ونقل‌ في‌ رواية‌ أُخري‌ عن‌ حنان‌ بن‌ سدير ، عن‌ أبيه‌ ، عن‌ الإمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام‌ ، قال‌: مات‌ رجل‌ من‌ المنافقين‌. فبعث‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ علی‌ أبيه‌[40] وقال‌: إذا فرغت‌ منه‌، فأعلمني‌. فلمّا عزم‌ علی‌ التحرّك‌، أرسل‌ وراء رسول‌ الله‌ ، فجاء ، وأخذ بِيَدِ ابنه‌ في‌ الجنازة‌، ومضي‌. فتصدّي‌ له‌ عمر وقال‌:  يَا رَسُولَ اللَهِ! أَمَا نَهَاكَ رَبُّكَ عَنْ هَذَ، أَنْ تُصَلِّي‌ علی‌ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدَاً ، أَوْ تَقُومَ علی‌ قَبْرِهِ؟!  فلم‌يجبه‌.

 ولمّا كان‌ قبل‌ أن‌ ينتهوا به‌ إلی‌ القبر ، أعاد عمر كلامه‌ أيضاً. فقال‌ له‌ رسول‌الله‌: ما رأيتنا صلّينا له‌ علی‌ جنازة‌ ، ولا قمنا علی‌ قبر!  ثمّ قال‌: إنّ ابنه‌ رجل‌ من‌ المؤمنين‌ وكان‌ يحقّ علینا أداء حقّه‌. وقال‌ عمر: أعوذ بالله‌ من‌ سخط‌الله‌ وسخطك‌ يا رسول‌ الله‌ [41].

 وقال‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ بعد بيان‌ هاتين‌ الروايتين‌[42] في‌ تفسير  « الصافي‌ »: كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ حيّياً كريم، كما قال‌ الله‌ عزّ وجلّ:  فَيَسْتَحيِ مِنكُمْ وَاللَهُ لاَيَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ[43] . فكان‌ يكره‌ أن‌ يفتضح‌ رجل‌ من‌ أصحابه‌ ممّن‌ يظهر الإيمان‌؛  ( فلهذا )  كان‌ يدعو علی‌ المنافقين‌ ويورّي‌ أ  نّه‌ يدعو لهم‌. وهذا معني‌ قوله‌ لعمر: ما رأيتنا صلّينا له‌ علی‌ جنازة‌ ولاقمنا علی‌ قبر!  وكذا معني‌ قوله‌ في‌ حديث‌ القمّي‌ّ: خيّرت‌ فاخترت‌ الاستغفار.

 إلی‌ أن‌ قال‌: إن‌ صحّ حديث‌ القمّي‌ّ ،  ( فإنّه‌ )  لم‌ يستند إلی‌ المعصوم‌؛ والاعتماد علی‌ حديث‌ العيّاشي‌ّ هنا أكثر منه‌ علی‌ حديث‌ القمّي‌ّ، لاستناده‌ إلی‌ قول‌ المعصوم‌ دونه‌، لانّ سياق‌ كلام‌ القمّي‌ّ تارة‌ يدلّ علی‌ أ  نّه‌ كان‌ سبب‌ نزول‌ الآية‌ قصّة‌ ابن‌ أُبي‌ّ؛ وأُخري‌ تدلّ علی‌ نزولها قبل‌ ذلك‌. وفي‌ كتاب‌ « الكافي‌ »  عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ يكبّر علی‌ قومٍ خمساً وعلی‌ قوم‌ آخرين‌ أربعاً. فإذا كبّر علی‌ رجل‌ أربع، اتّهم‌، يعني‌ بالنفاق‌. وفيه‌ أيضاً وفي‌ تفسير العيّاشي‌ّ عنه‌ علیه‌ السلام‌: كان‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ إذا صلّي‌ علی‌ ميّت‌ كبّر وتشهّد؛ ثمّ كبّر وصلّي‌ علی‌ الانبياء؛ ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين‌؛ ثمّ كبّر الرابعة‌ ودعا للميّت‌؛ ثمّ كبّر وانصرف‌. فلمّا نهاه‌ الله‌ عزّ وجلّ عن‌ الصلاة‌ علی‌ المنافقين‌، كبّر وتشهّد؛ ثمّ كبّر وصلّي‌ علی‌ النبيّين‌؛ ثمّ كبّر ودعا للمؤمنين‌؛ ثمّ كبّر الرابعة‌ وانصرف‌ ولم‌يدع‌ للميّت‌ [44].

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] - الآيتان‌ 111 و 112، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[2] - تفسير «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 75. والشاهد علي‌ كلام‌ الطبرسي‌ّ عن‌ الزجّاج‌ أنّ الآية‌ تدلّ علي‌ وجوب‌ الجهاد في‌ الشرائع‌ السابقة‌ هو الآيات‌ 146، 147، 148 من‌ السورة‌ 3: آل‌عمران‌: وَكَأَيِّن‌ مِّن‌ نَّبِيٍّ قَـ'تَلَ مَعَهُ و رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي‌ سَبِيلِ اللَهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَهُ يُحِبُّ الصَّـ'بِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلآ أَن‌ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي‌´ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَي‌ الْقَوْمِ الْكَـ'فِرِينَ فَـَاتَب'هُمُ اللَهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاْخِرَةِ وَاللَهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ. بل‌ إنّ هذه‌ الآيات‌ لمّا كانت‌ تبشّر بثواب‌ الدنيا وحسن‌ ثواب‌ الآخرة‌ في‌ مقابل‌ الجهاد فهي‌ كالآيات‌ التي‌ هي‌ مثار بحثن، إذ ضمن‌ الله‌ لهم‌ الجنّة‌.

[3] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 429؛ وفي‌ تفسير «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 76 هذا المضمون‌ من‌ السؤال‌ والجواب‌ في‌ طريق‌ مكّة‌، عن‌ الزهري‌ّ والاءمام‌.

[4] - «مجمع‌ البيان‌» ج‌ ص‌ 76.

[5] - الآيتان‌ 8 و 9، من‌ السورة‌ 61: الصفّ.

[6] - الآية‌ 83، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[7] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 378؛ وتفسير «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 56.

[8] - الآيات‌ 94 إلي‌ 96، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[9] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 382.

[10] - «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 388.

[11] - «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 61؛ و«الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 388.

[12] - قال‌ الراغب‌ الاءصفهاني‌ّ في‌ مفرداته‌: العرب‌ وُلدْ إسماعيل‌، والاعراب‌ جمعه‌ في‌ الاصل‌؛ وصار ذلك‌ اسماً لسكّان‌ البادية‌.

[13] - الآيتان‌ 97 و 98، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[14] - الآية‌ 101، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[15] - الآيات‌ 124 إلي‌ 127، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[16] - الآيتان‌ 58 و 59، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[17] - الآيات‌ 61 إلي‌ 63 من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[18] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 329.

[19] - ذكر في‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 370 و 371، عن‌ تفسير «الدرّ المنثور» أ نّه‌ أخرج‌ عن‌ البخاري‌ّ، ومسلم‌، والترمذي‌ّ، والنسائي‌ّ، عن‌ أبي‌ هريرة‌ أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌: آية‌ المنافق‌ ثلاث‌: إذا حدّث‌ كذب‌، وإذا وعد أخلف‌، وإذا ائتمن‌ خان‌.

[20] - الآيات‌ 75 إلي‌ 79، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[21] - تفسير «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 53؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 369 و 370.

[22] - «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 370.

[23] - « المغازي‌ » للواقدي‌ّ، ج‌ 3، ص‌ 1049 إلي‌ 1056. وذكرها علي‌ّبن‌ إبراهيم‌ في‌ تفسيره‌ في‌ ذيل‌ الآية‌ 46: ولو أرادوا الخروج‌ لاعدّوا له‌ عدّة‌، في‌ ص‌ 272. وفي‌ تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 316 و 317 عن‌ «تفسير القمّي‌ّ».

[24] - ذكر الواقدي‌ّ أسماء هؤلاء الثلاثة‌ في‌ «المغازي‌» أيضاً في‌ باب‌ الآيات‌ الواردة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌، ج‌ 3، ص‌ 1075.

[25] - تفسير «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 79؛ وتفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 431 و 432 عن‌ «مجمع‌ البيان‌» و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 165؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 622 و 623 عن‌ «مجمع‌ البيان‌»؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 630 عن‌ «تفسير العيّاشي‌ّ»؛ و«الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 282؛ و«أعيان‌ الشيعة‌» ج‌ 2، ص‌ 199 ط 4؛ و«سيرة‌ ابن‌ هشام‌» ج‌ 4، ص‌ 946 و 957؛ وكتاب‌ «حياة‌ محمّد» ص‌ 433. والآية‌ هي‌ 118، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[26] - وكذلك‌ ذكر ابن‌ الاثير في‌ كتابه‌ «الكامل‌ في‌ التاريخ‌» ج‌ 2، ص‌ 282.

[27] - الآية‌ 122، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[28] - قَعَدَة‌ يعني‌ كثير القعود. ويقال‌ قَعَد لمن‌ لا يذهبون‌ إلي‌ الحرب‌. و أقعَدَهُ عَنِ الاَمْرِ: حبسه‌ عنه‌.

[29] - «المغازي‌» ج‌ 3، ص‌ 1056 و 1057؛ و«السيرة‌ الحلبيّة‌» ج‌ 3، ص‌ 163؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 632 عن‌ «دلائل‌ النبوّة‌» للبيهقي‌ّ؛ و«إعلام‌ الوري‌» ص‌ 131.

[30] - ذكر هيكل‌ الصلاة‌ علي‌ عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ مختصراً في‌ كتاب‌ «حياة‌ محمّد» ص‌ 432.

[31] - الآية‌ 80، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[32] - الآية‌ 84، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[33] - «المغازي‌» ج‌ 3، ص‌ 1057 إلي‌ 1060، وكذلك‌ في‌ ص‌ 1070؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5: ص‌ 34 و 35.

[34] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 372 و 373؛ و«البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 5، ص‌ 35.

[35] - تفسير «الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 373 و 374؛ ونقل‌ ابن‌ هشام‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ سيرته‌ ج‌ 4، ص‌ 979 عن‌ ابن‌ عبّاس‌، عن‌ عمر، إلي‌ أن‌ قال‌ عمر: فلمّا وقف‌ عليه‌ يريد الصلاة‌، تحوّلتُ حتّي‌ قمتُ في‌ صدره‌ فقلتُ- إلي‌ آخره‌.

[36] - الاستشفاء طلب‌ الشفاء. ولا يناسب‌ هن، لانّ عبد الله‌ بن‌ أُبي‌ّ كان‌ يعلم‌ أ نّه‌ يموت‌. وأراد هذا القميص‌ كفناً له‌. ولذلك‌ يمكن‌ أن‌ يكون‌ في‌ النسخة‌: استشفاع‌ بمعني‌ اتّخاذ الشفيع‌. فكتبت‌ العين‌ همزة‌ سهواً. ويمكن‌ أيضاً أ نّه‌ أراد الاستشفاء بمعناه‌ الاعمّ؛ أي‌: طلب‌ الشفاء في‌ الامر الروحي‌ّ والنفسي‌ّ، وهو لا يغاير الموت‌ أيضاً.

[37] - «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 3، ص‌ 57؛ و«بحار الانوار» ج‌ 6، ص‌ 621 و 622

[38] - «تفسير القمّي‌ّ» ص‌ 277 و 278؛ و«تفسير الصافي‌» ص‌ 237؛ و«الميزان‌» ج‌ 9، ص‌ 373 و 374.

[39] - «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 101.

[40] - يبدو أنّ الصحيح‌ هو ابنه‌. ولكن‌ لمّا جاء في‌ النسخة‌: أبيه‌، لذلك‌ أوردناها كما هي‌. وفي‌ الحالة‌ الاُولي‌ لابدّ أن‌ تكون‌ الكلمة‌: ابنه‌. وهي‌ قريبة‌ من‌ كلمة‌: أبيه‌ في‌ الكتابة‌.

[41] - «تفسير العيّاشي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 102؛ و«تفسير البرهان‌» ج‌ 2، ص‌ 149؛ و«تفسير الصافي‌» الطبعة‌ الحجريّة‌ ص‌ 237.

[42] - يعني‌ رواية‌ علي‌ّ بن‌ إبراهيم‌، ورواية‌ العيّاشي‌ّ.

[43] - الآية‌ 53، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلآ أَن‌ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَي‌' طَعَامٍ غَيْرَ نَـ'ظِرِينَ إِنَـ'هُ وَلَـ'كِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَمُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَ ' لِكُمْ كَانَ يُؤْذِي‌ النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنكُمْ وَاللَهُ لاَيَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَـ'عًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن‌ وَرَآءِ حِجَابٍ ذَ ' لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن‌ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَهِ وَلآ أَن‌ تَنكِحُو´ا أَزْوَ ' جَهُ و مِن‌ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَ ' لِكُمْ كَانَ عِندَ اللَهِ عَظيِمًا.

[44] - «تفسير الصافي‌» ص‌ 237.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com