بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب رسالة بدیعة / القسم الخامس: بحث حول الولاية، الآيات‌ الواردة‌ في‌ ولاية‌ الاءمام‌ عليه‌ السّلام‌، الرّوايات‌ الدَّالّ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الا´يات‌ الواردة‌ في‌ ولاية‌ الاءمام‌ عليه‌ السّلام‌

 المقدّمة‌ الثَّانية‌: الآيات‌ الواردة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ تجعل‌ الولاية‌ علي‌ ربقَة‌ الرَّجل‌ الاءلهيّ المتحقّق‌ بالحقّ و الهادي‌ إليه‌، و تدعو النّاس‌ إلي‌ لزوم‌ الاتّباع‌ له‌ فقطُّ، و هو المعصوم‌ من‌ هَوي‌ النَّفس‌ الامّارة‌ بالسُّوء و من‌ الزَّلل‌.

 1 ـ قال‌ الله‌ تعالي‌: يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ و أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌ فَإِن‌ تَنَازَعْتُم‌ فِي‌ شَي‌ءٍ فَرُودُّوهُ إِلَي‌ اللَهِ وَ الرَّسُولِ إِن‌ كُنتُم‌ تُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَ اليَوْمِ الاْخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. [1]

 تقريب‌ الاستدلال‌: إنّ إطاعة‌ الله‌ إنّما هيَ المتابَعة‌ للاحكام‌ الاءلهيّة‌ الّتي‌ أنزلها في‌ القرآن‌ الكريم‌ بِلسان‌ عربيٍّ مُبين‌، نزلَ به‌ الرّوح‌ الامين‌ علي‌ قلبِ نبيِّنا صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ليكون‌ من‌ المُنذِرينَ.

 و إطاعة‌ الرَّسولِ ينقسم‌ إلي‌ قسمين‌:

 الاوّل‌: ما هو في‌ الاحكام‌ الجزئيّة‌ المُبيَّنة‌ منه‌ لِتعيين‌ حدود الاحكام‌ الكلّيّة‌ و قيودها و شرائطها؛ و هذا يرجع‌ إلي‌ ناحية‌ التّشريع‌.

 و الثّاني‌: الاحكام‌ الصَّادرة‌ منه‌ في‌ الموضوعات‌ الولائيّة‌ حسب‌ كونه‌ واليّاً و إماماً للنّاس‌. و لا مدخل‌ للتّشريع‌ في‌ هذا القسم‌؛ بل‌ تترشّح‌ هذه‌ الاوامر من‌ نفس‌ النّبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ حسب‌ إرادته‌ و خُبرته‌ بمصالح‌ اُمور النّاس‌ و الحوادِث‌ الواقعة‌.

 و هذا القسمان‌ من‌ الاءطاعة‌ مغاير ان‌ لاءطاعة‌ الله‌ الّتي‌ هي‌ الالتزام‌ بالاحكام‌ القرآنيّة‌، و لذا عَطَف‌ إطاعة‌ الرّسول‌ علي‌ إطاعة‌ الله‌، والعطفُ دالُّ علي‌ المغايرة‌. و لمكان‌ تغاير سنخيّة‌ الاءطاعتين‌ كَرَّر لفظة‌ الامر بالاءطاعة‌.

 و أمّا اُولوا الامر فأيّا كانوا و مَهما كانوا لاحظّ لهم‌ في‌ التَّشريع‌؛ و إنَّما حظُّهم‌ ولاية‌ الامر و منصب‌ الاءمارة‌ و الحكم‌ بين‌ النّاس‌ فيما اختلفوا فيه‌؛ فهم‌ مشتركون‌ مع‌ الرّسول‌ من‌ النَّاحية‌ الثانية‌ فقطُّ. و لهذا الاشتراك‌ في‌ كيفيّة‌ الولاية‌، أوجب‌ الله‌ إطاعتهم‌ من‌ دون‌ تكرار الامر بالطّاعة‌.

 إنّ أولي‌ الامر لابدّ و أن‌ يكونوا معصومين‌ من‌ المعاصي‌ و الخطايا، و إلاّ يكون‌ الامر بإطاعة‌ الله‌ و الرّسول‌ و الامر بإطاعتهم‌ أمراً بالضِّدين‌ أو المتناقضين‌، و هو مستحيل‌، كما اعترف‌ به‌ الفخر الرّازيّ في‌ تفسيره‌.

 و احتمال‌ أنّ وجوب‌ إطاعتهم‌ من‌ قبيل‌ وجوب‌ اطاعة‌ الوُلاة‌ في‌ زمن‌ الرِّسول‌ و أميرالمؤمنين‌ ـ عليهما الصلاد و السَّلام‌ ـ مِن‌ انحصارها بالموارد الّتي‌ لا تخالف‌ حكم‌ الله‌، و مِن‌ تدارك‌ موارد الخطاء بالمصلحة‌ الحاصلة‌ في‌ انتصابهم‌، مدفوعٌ بأنّ هذه‌ الفرضيَّة‌ و إن‌ كانت‌ صحيحةً في‌ نفسها لكنَّها غيرُ مَحَطَّ ظهور الآية‌.

 الآية‌ ظاهرةٌ في‌ وجوب‌ طاعة‌ اُولي‌ الامر علي‌ نحو وجوب‌ طاعة‌ اللهِ و طاعة‌ الرسول‌ بسبكٍ واحدٍ و سياقٍ واحد. فلا محيص‌ عن‌ الالتزام‌ بكون‌ اُولي‌ الامر أفراداً من‌ النّاس‌ معصومين‌ من‌ الخَطاء و الذّنب‌. و قد أجمع‌ المُسلمون‌ أنّه‌ لا يدّعِي‌ أحدٌ العصمة‌ الولائيّة‌ في‌ هذه‌ الآية‌ في‌ حقّ أحدٍ إلاّ ما ادّعاه‌ الشّيعة‌ في‌ حقّ أئمَّتِهمُ الاثني‌ عَشَرَ ـ صلوات‌ اللهِ و سلامهُ عليهم‌ أجمعين‌ ـ فينطبق‌ موردُ الآية‌ عليهم‌ طبعاً.

 فائدةٌ: بما أنّ الخطاب‌ في‌ هذه‌ الآية‌ للمؤمنينَ و قد أوجب‌ اللهُ عليهم‌ إطاعة‌ اُولي‌ الامر، فعلي‌ مدلول‌ الآية‌ لا يُعقل‌ التَّنازع‌ معهم‌ في‌ أمرٍ من‌ الامور؛ فإذن‌ ينحصر مورد التّنازع‌ في‌ قوله‌ تعالي‌: فَإِن‌ تَنازعْتُم‌ فِي‌ شَي‌ءٍ بالنِّسبة‌ إلي‌ المومنين‌ بعضهم‌ مع‌ بعض‌.

 و حيثما كان‌ المرجع‌ عند التّنازع‌ هو الكتاب‌ الاءلهيّ و سنّة‌ رسوله‌، و هما اللّذان‌ وقعاً في‌ مصدر التّشريع‌ و الاحكام‌، فعند التْنازع‌ يُرجع‌ إليهما كما نَطَقت‌ به‌ الآية‌، و فسَّرها أميرالمؤمنين‌ في‌ كتابه‌ للمالك‌ الاشتر حين‌ وَلاّه‌ مصرَ بقوله‌:

 وَ ارْدُد إلي‌ الله‌ و رَسُولِهِ مَا يُضلِعُكَ مِنَ الخُطُوبِ، وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الاُمورِ؛ فَقَدْ قَالَ اللَهُ تَعَالَي‌ لِقَوْمٍ أَحَبَّ إرشَادَهُمْ: «يَـ'أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‌ الاْمْرِ مِنكُم‌ فَإِن‌ تَنَازَعْتُم‌ فِي‌ شَي‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي‌ اللَهِ وَ الرَّسُولِ»؛ فَالرَّدُّ إِلَي‌ اللهِ الاخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَ الرَّدُ إلَي‌ الرَّسُولِ الاخْذُ بِسُنَّتِهِ الجَامِعَةِ غَيْرِ المُفَرَّقَةِ. [2]

 الرجوع الي الفهرس

 2 ـ و قال‌ تعالي‌: أَفَمَنْ يَهْدِي‌ إِلَي‌ الْحَقِّ أَحَقُّ أَن‌ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي‌ إِلاَّ أَن‌ يُهْدَي‌ فَمَا لَكُم‌ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. [3]

 تقريب‌ الاستدلال‌: إنَّ بناءَ الاستدلال‌ علي‌ لزوم‌ تبعيَّة‌ الحقِّ، لانَّه‌ تعالي‌ قال‌: قُلِ اللَهُ يَهْدِي‌ لِلْحَقِّ، بعد أخذ الاءقرار عن‌ المشركين‌ بأنَّ شركاءهم‌ لا يَهدون‌ إلي‌ الحقِّ بالاستفهام‌ الاءنكاريّ بقوله‌: قُلْ هَل‌ مِن‌ شُرَكَائِكُم‌ مَن‌ يَهْدِي‌ إِلَي‌ الحقّ؟

 ثُمّ رتّب‌ علي‌ هذا المبني‌ معادلةٌ بين‌ قوله‌: أَفَمَن‌ يَهْدِي‌ إِلَي‌ الْحَقِّ و بين‌ قوله‌: أَمَّن‌ لاَ يَهِدِّي‌ إِلاَّ أَن‌ يُهْدَي‌، فقال‌: أَفَمَنْ يَهْدِي‌ إِلَي‌ الْحَقِّ أَحَقُّ أَن‌ يُتَّبَعَ أَمَّن‌ لاَ يَهِدِّي‌ إِلاَّ أَن‌ يُهْدَي‌. و معلوم‌ أنَّ لاَ يَهِدِّي‌ يكون‌ من‌ باب‌ الافتعال‌ و أصله‌ لا يَهْتَدِي‌، فلجواز إدغام‌ تائِه‌ في‌ الدَّال‌ صار لا يَهِدي‌. إذا عرفت‌ هذا فنقول‌:

 المعادلة‌ الصَّحيحة‌ لا تُقَرَّر إلاّ بين‌ النَّفي‌ و الاءثبات‌، كقولك‌: «زيدٌ جاءَ أمْ لم‌ يجِي‌»؟ و لا يصِحُّ قولك‌ «زيدٌ جاء أم‌ لم‌ يأكل‌ الغَذاء»؟ إلاّت‌ إذا كانف‌ ي‌ الخارج‌ ملازمةٌ بين‌ مجيئِه‌ و بين‌ أكله‌ الغَذاء.

 فحينئذٍ تكون‌ في‌ كلِّ واحدٍ من‌ طَرَفي‌ المعادلة‌ جملتان‌ مقدَّرتان‌، و بهما يتِمُّ المعني‌؛ فتَصير المعادلة‌ بهذا الشكل‌: «زيد جاء و أكل‌ الغَذاء أم‌ لم‌ يَجِي‌ُ و لم‌ يأكل‌ الغَذَاء»؟ 

 

  

 و آية‌ البحث‌ من‌ هذا القبيل‌، لانَّ من‌ لا يَهِدِّي‌ إلاّت‌ أن‌ يُهدي‌ لا يصير عِدلاً للمعادلة‌ إلاّ بتقدير جملتين‌ أيضاً في‌ طَرفي‌ المعادلة‌ فتصير بهذه‌ الصُّورة‌:

 أفَمن‌ يَهِدي‌ إلي‌ الحقّ وَ يَهْتَدي‌ بنَفسِه‌ أحقُّ أَن‌ يُتَّبَع‌ أمَّن‌ لا يَهِدي‌ إلَي‌ الحقّ و لاَ يَهْتَدِي‌ إلاّ أن‌ يُهْدَي‌.

  و نتيجتُه‌ أنَّ من‌ كانت‌ هدايته‌ غيريَّة‌ [4] لا يمكن‌ أن‌ يَهدِي‌ إلي‌ الحقِّ؛ و الهادي‌ إليه‌ هو الّذي‌ يكون‌ هدايتُه‌ ذاتيَّة‌ إلهيَّة‌، و هو الّذي‌ يكون‌ علمه‌ حضوريّاً فعليّاً صانَه‌ اللهُ من‌ الزَّللِ و الخَطايا.

 فالآية‌ بمثابة‌ قوله‌ تعالي‌: وَ جَعَلنَـ'هُم‌ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِم‌ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ إِقَامَ الصَّلَوةِ وَ إِيتَاءَ الزَّكَوةِ وَ كَانُوا لَنَا عَابِدينَ. [5] و قوله‌ تعالي‌: وَ جَعَلْنَـ'هُ مِنْهُم‌ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بِـَايَـ'تِنَا يُؤقِنُونَ. [6]

 و بما ذكرنا تعلم‌ أنّ هذه‌ الآية‌ تدلُّ علي‌ لزوم‌ العصمة‌ في‌ الاءمام‌ القائم‌ بالامور و القاضي‌ بين‌ النّاس‌؛ فالاستدلال‌ بها علي‌ ولاية‌ الفقيه‌ كما ربما سُمِع‌ من‌ بعضٍ في‌ خُطبته‌ لصلاد الجُمعة‌ غير تامًّ.

 هذا و إنّا بحمد الله‌ و حسن‌ توفيقه‌ قد عملنا كتاباً ضخماً في‌ معرفة‌ الاءمام‌ باللُّغة‌ الفارسيَّة‌ سَمَّيناه‌ ب «إمام‌ شناسي‌» و بحثنا فيه‌ عن‌ هاتين‌ الآيتين‌ و غيرهما من‌ الآيات‌ الدَّالّة‌ علي‌ عصمة‌ الاءمام‌ بما لا مزيد عليه‌.

 3 ـ و قوله‌ تعالي‌: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلَـنَـ'كَ خَلِيفَةً فِي‌ الاْرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لاَ تَتَّبِعِ الْهَوَي‌ فَيُضِلَّكَ عَن‌ سَبِيلِ اللَهِ. [7]

 تقريبه‌: أنّ الله‌ تعالي‌ فَرَّع‌ جوازَ الحكم‌ بين‌ النّاس‌ علي‌ كونه‌ خليفته‌ في‌ الارض‌؛ و خليفة‌ الله‌ هو الّذي‌ تجتمع‌ فيه‌ الصِّفاتُ العبوديّة‌ بتمامها المحاذية‌ للصّفات‌ الربوبيّة‌ لذاته‌ ـ عزّ شأنه‌ ـ بتمامها؛ و لا تتحقّق‌ إلاّ بالعصمة‌، بل‌ العصمةُ من‌ لوازمها و آثارها.

 فما ربما يُتوهَّم‌ أو يقال‌: إنّ الآية‌ فَرَّعَت‌ وجوبَ الحكم‌ علي‌ الخلافة‌ لا جوازه‌، أو يقال‌: إنَّ الحكم‌ بين‌ النّاس‌ بالحقِّ فرعٌ للخلافة‌، فالتَّفريع‌ وارد علي‌ القيد و هو الحقّيَّة‌ لا أصل‌ الحكم‌، مدفوعٌ كما اعترف‌ به‌ الشَّيخ‌ محمّد الحسن‌ الآشتيانيُّ ـ قدّس‌ سرّه‌ ـ في‌ كتابه‌. [8]

 لانّ الامر الوارد عقيبَ تَوُّهم‌ الحظَر يفيد الجواز؛ و ظهور الآية‌ في‌ كون‌ التَّفريع‌ وارداً علي‌ الحكم‌ الحقِّ بنحو القيد و المقيَّد معاً ممّا لا إشكال‌ فيه‌.

 و قوله‌ تعالي‌ مخاطباً للرَّسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّلَتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَهُ وَ لاَ تَكُن‌ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا.[9]

 و الاستدلال‌ بهذه‌ الآية‌ أيضاً يتوقَّف‌ علي‌ انحصار لزوم‌ التَّبعيَّة‌ في‌ الحقِّ، و عدم‌ الفصل‌ بين‌ الحقِّ و الباطل‌ بقوله‌ تعالي‌: فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلِ فَأَنَّي‌ تُصْرَفُونَ. [10]

 فالحكم‌ بين‌ النّاس‌ بما أري‌ الله‌ تعالي‌ إنّما هو الحكم‌ بالحقِّ الّذي‌ لا يشوبه‌ باطلٌ، و رتَّبه‌ تعالي‌ علي‌ إنزاله‌ الكتاب‌ بالحقِّ علي‌ قلبه‌.

 فنزول‌ الكتاب‌ بالحقِّ علي‌ قلبه‌ الواعي‌ للوحي‌ الاءلهيِّ و المُتلقِّي‌ للاسرار اللاهوتيَّة‌ و الجَبروتيَّة‌ و الملكوتيّة‌، هي‌ العلَّة‌ الّتي‌ ترتَّب‌ عليها معلولُها و هو الحكم‌ بين‌ النّاس‌ بما أري‌ اللهُ و هو الحقّ.

 5 ـ و قوله‌ تعالي‌: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَ مُنذِرينَ وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.[11]

 و تقريب‌ الاستدلال‌ بها كما تقدّم‌.

 6 ـ و قوله‌ تعالي‌: وَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَـ'بِ وَ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُم‌ بِمَا أَنزَلَ اللَهُ وَ لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ. [12]

 و أردفه‌ بُعَيد هذه‌ بقوله‌ تعالي‌:

 وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم‌ بِمَا أَنزَلَ اللَهُ وَ لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَائَهُمْ وَاحْذَرهُمْ أَن‌ يَفْتِنُوكَ عَن‌ بَعضِ مَا أَنزَلَ اللَهُ إِلَيْكَ. [13]

 و تقريب‌ الاستدلال‌ بها أيضاً كما سبق‌، لتفريع‌ الحكم‌ بما أنزل‌ الله‌ علي‌ نزول‌ الكتاب‌ بالحقِّ.

 7 ـ و قوله‌ تعالي‌: فَلاَ وَ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّي‌ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم‌ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي‌ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. [14]

 حيث‌ إنّه‌ تعالي‌ جعل‌ نفس‌ النَّبيِّ الشَّريفة‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ مركزاً للحكم‌ تدور حولَه‌ مشاجراتُهم‌ و مخاصماتهم‌ بحيث‌ لا يَجدون‌ في‌ أنفسهم‌ ثِقلاً و حَرَجاً ممّا قَضي‌.

 فقضاؤه‌ الحقّ البَحت‌ ينشعب‌ من‌ نورانيَّة‌ نفسه‌ المتجلِّي‌ فيها النّور الاءلهيّ، و المتخلِّقة‌ بأسمائه‌ و صفاته‌ سبحانه‌، و منها العلوم‌ الكليّة‌.

 8 ـ و قوله‌ تعالي‌: وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَي‌ اللَهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةِ مِن‌ أَمْرِهِم‌ وَ مَنْ يَعْصِ اللَهِ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا. [15]

 حيث‌ إنَّه‌ تعالي‌ قرن‌ رسولَه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بنفسه‌ ـ إذا قضي‌ أمراً ـ في‌ سلب‌ الاختيار عن‌ الامَّة‌ جميعهم‌ من‌ المومنين‌ و المؤمنات‌، فليس‌ لهم‌ الخيرةُ قبالَ اختياره‌، و لا الاءرادة‌ حذاءَ إرادته‌، فحكمه‌ حكم‌ الله‌، و في‌ الاءحكام‌ و المتانة‌ و الاستقامة‌ بمنزلة‌ حكم‌ الله‌ تعالي‌.

 الرجوع الي الفهرس

 الرّوايات‌ الدَّالّة‌ علي‌ ولاية‌ المعصوم‌ عليه‌ السّلام‌

و أمّا الروايات‌ الّتي‌ دلّت‌ علي‌ انحصار مقام‌ الحكم‌ في‌ المعصومين‌ من‌ الرّسول‌ و الائمّة‌ عليهم‌ السّلام‌ أيضاً كثيرةٌ، منها:

 1ـما روي‌ الكلينيّ محمّد بن‌ يعقوب‌ عن‌ عدَّة‌ من‌ أصحابنا، عن‌ سهل‌ بن‌ زهير، عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ المؤمن‌، عن‌ ابن‌ مُسكان‌، عن‌ سليمان‌ بن‌ خالد، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليه‌ السّلام‌ قال‌: إتَّقوا الحُكومةَ، فإنَّ الحُكُومَة‌ إنَّما هِيَ للاءمامِ العالِمِ بِالقَضَاءِ العادِلِ فِي‌ المُسْلِمِينَ، لنبِيٍّ أوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ. [16]

 و رواه‌ الصَّدوق‌ محمّد بن‌ عليٍّ في‌ «من‌ لايحضره‌ الفقيه‌» بإسناده‌ عن‌ سليمان‌ بن‌ خالد. [17] و هو ثقةٌ و طزيق‌ الصّدوق‌ إليه‌ حسن‌ كالصّحيح‌ بإبراهيم‌ بن‌ هاشم‌. إلاّ أنّه‌ أتي‌ بلفظ‌ «كَنَبِيٍّ» مكانَ «لِنَبِيٍّ».

 و رواه‌ الشَّيخ‌ محمَّد بن‌ الحسن‌ الطُّوسيُّ في‌ «التَّهذيب‌» بإسناده‌ عن‌ سهل‌ بن‌ زياد معنعناً عن‌ الصّادق‌ عليه‌ السّمم‌ بعين‌ ما في‌ «الكافي‌». [18]

 2 ـ و روي‌ الكلينيّ عن‌ محمَّد بن‌ يحيي‌، عن‌ محمّد بن‌ أحمد، عن‌ يعقوب‌ بن‌ يزيد، عن‌ يحيي‌ بن‌ المبارك‌، عن‌ عبدالله‌ بن‌ جبلة‌، عن‌ أبي‌ جميلة‌، عن‌ إسحق‌ بن‌ عمّار، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ عليه‌ السّلام‌ قال‌: قال‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ لِشُرَيحٍ: يَا شُريْحُ ! قَد جَلَسْتَ مَجْلِساً لا يَجلِسُهُ إلاّ نَبِيُّ أوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أوْ شَقِيُّ.19]

 و كذلك‌ رواه‌ الشّيخ‌ في‌ «التهذيب‌» بإسناده‌ عن‌ محمّد بن‌ أحمد بعين‌ ما في‌ «الكافي‌». [20]

 إلاّ أنّ الصّدوق‌ أورد في‌ «الفقيه‌» مرسلاً عن‌ أميرالمؤمنين‌، و فيه‌ « جَلَسْتَ مَجْلِساً مَا جَلَسَهُ إلاّ نَبِيُّ ـ الخ‌». [21]

 و الاوّل‌ يُفهم‌ منه‌ صُعوبة‌ القضاء بحيث‌ ينحصر في‌ المعصوم‌ من‌ النَّبيِّ أو وصيِّه‌؛ و الثّاني‌ يُفهم‌ منه‌ أنَّ من‌ زمان‌ النَّبيِّ إلي‌ الآن‌ ما جلس‌ فيه‌ إلاّ‌ أحدُ هؤلاء الثَّلاثة‌.

 قال‌ المجلسيُّ ـ رضوان‌ الله‌ عليه‌ ـ في‌ «مرآة‌ العقول‌»: «لا يخفي‌ أنّ هذه‌ الاخبار تدلُّ بظواهرها علي‌ عدم‌ جواز القضاء لغير المعصوم‌، و لا ريب‌ أنّهم‌ عليهم‌ السّمم‌ كانوا يَبعثون‌ القُضاةَ إلي‌ البلاد، فلابدّ من‌ حملها علي‌ القضا بالاصالة‌ لهم‌، و لا يجوز لغيرهم‌ تصدِّي‌ ذلك‌ إلاّ بإذنهم‌، و كذا في‌ قوله‌: «لاَ يَجْلِسُهُ إلاّ نَبِيُّ»، أي‌ بالاصالة‌. و الحاصل‌ أنّ الحصر إضافيُّ بالنسبة‌ الي‌ من‌ جلس‌ فيها بغير إذنهم‌ و نصبهم‌ عليهم‌ السّلام‌». [22]

 3 ـ و أتمُّ ما في‌ هذه‌ الرّوايات‌ و أحسنُها ما رواه‌ الكلينيّ عن‌ أبي‌ محمّد القاسم‌ بن‌ العَلاء، مرفوعاً عن‌ عبدالعزيز بن‌ مُسلم‌، عن‌ الرّضا عليه‌ السّلام‌ بمَرو، في‌ حديثه‌ الطَّويل‌ الوارد في‌ شؤون‌ الولاية‌ ـ إلي‌ أن‌ قال‌ عليه‌ السّلام‌ ـ إنَّ الاءمَامَةَ أجَلُّ قَدْرًا، و أعظمُ شأناً، و أعْلَي‌ مَكاناً، و أمنَعُ جَانِباً، و أَبْعَدُ غُوراً مِنْ أَن‌ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَو يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إمَاماً بِاختِيَارِهِمْ. [23]

 هذا كلّه‌ بعضُ ما اخترناه‌ ممّا دلَّ علي‌ ولاية‌ الاءمام‌ عليه‌ السّلام‌، و رعينا فيها غاية‌ الاختصار.

 الرجوع الي الفهرس

الرّوايات‌ الدَّالّة‌ علي‌ ولاية‌ الفقيه‌

 المقدّمة‌ الثالثة‌: دلّت‌ رواياتٌ علي‌ أنّ الائِمَّة‌ عليهم‌ السّلام‌ كانوا ينصبون‌ للولاية‌ و القَضاءِ رجالاً بالخصوص‌ أو علي‌ نهجٍ عامٍ. و نحن‌ نذكر بعضاً منها.

 1 ـ ما هو المعروف‌ بمقبولة‌ عُمر بن‌ حنظلة‌، و هو ما رواه‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيُّ، عن‌ محمَّد بن‌ يحيي‌، عن‌ محمَّد بن‌ الحسين‌، عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ صفوان‌، عن‌ داود بن‌ الحصين‌، عن‌ عُمر بن‌ حنظلة‌ قال‌: سَأَلْتُ أبا عَبْدِ اللَهِ عليه‌ السّلام‌ عَن‌ رَجُلَيْنِ مِن‌ أصحَابِنَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي‌ دَيْنٍ أوْ مِيراثٍ فَتَحَاكَمَا إلَي‌ السُّلطانِ أوْ إلَي‌ القُضَاةِ، أيَحِلُّ ذَلِكَ؟

 فَقَالَ: مَن‌ تَحَاكَمَ إلَي‌ الطَّاغُوتِ فَحَكَمَ لَهُ فَإنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وَ إن‌ كانَ حَقُّهُ ثَابِتاً، لانَّهُ أخَذَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أمَرَ اللَهُ أن‌ يُكْفَرَ بِهِ.

 قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعَانِ؟

 قَالَ: انظُرُوا إلَي‌ مَنْ كَانَ مِنكُمْ قَدْ رَوَي‌ حَدِيثَنَا وَ نَظَرَ فِي‌ حَلاَلِنَا وَ حَرَامِنَا وَ عَرَفَ أحْكَامَنَا فَارْضَوا بِهِ حَكَماً، فَإنِّي‌ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً؛ فَإذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإنَّمَا بِحُكْمِ اللَهِ قَدِ اسْتَخْفَّ وَ عَلَيْنَا رَدَّ، وَ الرَّادُّ عَلَيْنَغا الرَّادُّ عَلَي‌ اللَهِ، وَ هُوَ عَلَي‌ حَدِّ الشِّرْكِ بِاللِهِ. [24]

 و رواه‌ الشّيخ‌ في‌ «التَّهذيب‌» عن‌ محمّد بن‌ يحيي‌، عن‌ محمَّد بن‌ الحسن‌ بن‌ شمُّون‌، عن‌ محمّد بن‌ عيسي‌ مثلَه‌. [25]

 و لهذه‌ الرواية‌ تتمَّةٌ أوردها الصدوق‌ في‌ «الفقيه‌» و هو قوله‌:

 قُلْتُ: فإن‌ كانَ كُلُّ رَجلٍ اخْتَارَ رَجُلاً فَرَضِياً أن‌ يَكُونَا النَّاظِرينَ فِي‌ حَقِّهِمَا، فاخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَ كِلاَهُمَا اخْتَلَفَا فِي‌ حَدِيثِكُمْ؟

 قَالَ: الحُكْمُ مَا حَكَمَ بِهِ أعْدَلُهُمَا وَ أَفقَهُمُا وَ أصدَقُهُمَا فِي‌ الحَدِيثِ وَ أَوْرَعُهُمَا، وَ لاَ يُلتَفَتْ إلَي‌ مَا يَحْكُمُ بِهِ الآخَرُ.

 قَالَ: قُلْتُ: فَإنَّهُمَا عَدْلاَنِ مَرْضِيَّانِ عِندَ أصْحَابِنَا لَيْسَ يَتَفَاضَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَي‌ صَاحِبِهِ.

 قَالَ: فَقَالَ: يُنْظَرُ إلَي‌ مَا كَانَ مِنْ رِوايَتِهمَا عَنَّا فِي‌ ذَِلِكَ الَّذي‌ حَكَمَا برهِ المُجْمَعَ عَلَيْهِ أصْحَابُكَ فَيُوْخَذُ بِهِ مِن‌ حُكْمِنَا، وَ يُتْرَكُ الشَّادُّ الّذِي‌ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِندَ أصْحَابِكَ؛ فَإنَّ المجمَعَ عَلَيْهِ حُكْمُنَا لاَ رَيْبَ فِيهِ. وَ إنَّمَا الاُمورَ ثَلاَثَةٌ، أَمْرٌ بَيْنٌ رُشْدُهُ فَمُتَّبَعٌ، وَ أَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَمُجْتَنَبٌ، وَ أمرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ حُكْمُهُ إلَي‌ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 قالَ رَسُولُ اللزهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ: حَلاَلٌ بَيِّنٌ، وَ حَرَامٌ بَيِّنٌ، وَ شُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ؛ فَمَنو تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَي‌ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وَ مَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ المُحَرَّمَاتِ وَ هَلَكَ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُ.

 قُلْتُ: فَإن‌ كَانَ الخَبَرَانِ عَنْكُمْ مَشْهُورَينِ، قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنكُمْ؟

 قَالَ: يُنظَرُ فِيمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَ خَالَفَ العَامَّةَ، اُخِذَ بِهِ.

 قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَجَدنَا أَحَدَ الخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَ الآخَرَ مُخَالِفاً لَهَا؛ بَأيِّ الخَبَرَيْنِ يُؤخَذُ؟

 قَالَ: بِمَا يُخَالِفُ العَامَّةَ فَإنَّ فِيهِ الرَّشَادَ.

 قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإن‌ وَافَقَهُمَا الخَبَرَانِ جَمِيعًا؟

 قَالَ: يُنظَرُ إلَي‌ مَاهُمْ إلَيْهِ أَمْيَلُ حُكَّامُهُمْ وَ قُضَاتُهُمْ فَيُتورَكُ، وَ يُؤخَذُ بِالآخَرِ.

 قُلْتُ: فَإن‌ وَافَقَ حُكَّامَهُمْ وَ قُضَاتَهُمُ الخَبَرَانِ جَمِيعاً؟

 قَالَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَارْجَه‌، حَتَّي‌ تَلْقَي‌ إمَامَكَ، فَإنَّ الوُقُوفَ عِندَ الشُّبَهَاتِ خَيْرٌ مِنَ الاقْتِحَامِ فِي‌ الهَلَكَاتِ. [26]

 قال‌ في‌ «المستند» بعد نقله‌ شطراً من‌ هذه‌ الرّواية‌: «و تضعيفُ هذه‌ الرّواية‌ مع‌ انجبارها بما مرّ حتّي‌ اشتهرت‌ بالمقبولة‌ غير جيِّد أيضاً، إذ ليس‌ في‌ سندها من‌ يتوقف‌ في‌ شأنه‌ سوس‌ «داود بن‌ الحصين‌» و وثَّقه‌ النَّجاشيّ، فلو ثبت‌ ما ذكره‌ الشّيخ‌ و ابنُ عقدة‌ مِن‌ وقفه‌ فالرّواية‌ موثَّقةٌ لا ضعيفةٌ؛ و عُمر بن‌ حنظلة‌ قد حكي‌ عنه‌ توثيقه‌؛ هذا مع‌ أنَّ في‌ السّند قبلهما «صفوان‌ بن‌ يحيي‌» و هو ممَّن‌ نقل‌ إجماع‌ العصابة‌ علي‌ تصحيح‌ ما يصحُّ عنه‌». [27]

 أقول‌: هذا في‌ سند الرّواية‌؛ أمّا دلالة‌ المتن‌ فهي‌ علي‌ كثرة‌ الاءشكالات‌ الواردد عليها المذكورة‌ في‌ كتب‌ الاصول‌ ك «رسائل‌» الشّيخ‌ و غيره‌، تدلُّ علي‌ ثبوت‌ الولاية‌ لفقهاء الشّيعة‌ في‌ المقامات‌ الثَّلاثة‌: الفتوي‌ و القضاء و الحكومة‌ إجمالاً؛ فهي‌ نظير آية‌ النّبأ حيث‌ إنّها أيضاً مع‌ كثرة‌ الاءشكالات‌ الواردة‌ عليها في‌ دلالتها علي‌ حجِّيَّة‌ الخبر الواحد كما ذكره‌ الشّيخ‌ ـ قدّه‌ ـ تدلُّ علي‌ حجّيّته‌.

 2 ـ ما رواه‌ الكلينيّ عن‌ الحسين‌ بن‌ محمّد، عن‌ معلَّي‌ بن‌ محمَّد، عن‌ الحسن‌ بن‌ عليٍّ، عن‌ أبي‌ خديجة‌ قال‌: قال‌ أبوعبدالله‌ عليه‌ السّلام‌: إيّاكُمْ أن‌ يُحاكِمَ بَعْضُكُمْ بَعضاً إلي‌ أهلِ الجَوْرِ، وَلَكِن‌ انظُرُوا إلَي‌ رَجُلٍ مِنْكُم‌ يَعْلَمُ شَيئاً مِن‌ قَضائِنَا، فَاجْعَلُوهُ بَيْنَكُمْ؛ فَإنِّي‌ قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِياً فَتَحَاكَمُوا إلَيْهِ. [28]

 و رواه‌ الشّيخ‌ في‌ «التَّهذيب‌» بعين‌ هذا السَّند و المتن‌ إلاّ أنّه‌ أتي‌ بلفظ‌ قَضَايَانَا بدل‌ قَضائِنَا. [29]

 و رواه‌ الصَّدوق‌ عن‌ أحمد بن‌ عائذ، عن‌ أبي‌ خديجة‌ سالم‌ بن‌ مكرم‌ الجمّال‌ قال‌: قال‌ أبو عبدالله‌ جعفرُ بن‌ محمّد الصّادق‌... بعين‌ هذا المتن‌ إلاّ أنّه‌ أيضاً أتي‌ بلفظ‌ قَضَايَانَا [30].

 و روي‌ محمّد بن‌ الحرِّ العامليُّ في‌ «وسائل‌ الشِّيعة‌» عن‌ محمَّد بن‌ الحسن‌ بإسناده‌ عن‌ محمَّد بن‌ عليِّ بن‌ محبوب‌، عن‌ أحمد بن‌ محمَّد، عن‌ الحسين‌ بن‌ سعيد، عن‌ أبي‌ الجَهم‌، عن‌ أبي‌ خديجد قال‌: بَعَثَنِي‌ أبُو عَبدِ اللهِ عليه‌ السَّلامُ إلَي‌ أصحَابِنَا، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ: إيَّاكُمْ إذَا وَقَعَتْ بَيْنَكُمْ خُصُومَةٌ أَوْ تَدَارَي‌ بَيْنَكُمْ فِي‌ شَي‌ءٍ مِنَ الاخْذِ وَ العَطَاءِ أَنْ تَحَاكَمُوا إلَي‌ أحَدٍ مِنْ هَؤلاءِ الفُسَّاقِ؛ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ رَجُلاً مِمَّن‌ قَدْ عَرَفَ حَلاَلَنَا وَ حَرَامَنَا، فَإنِّي‌ قَدْ جَعَلْتُهُ قَاضِيا؛ وَ إيَّاكُمْ أنْ يُخَاصِمَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إلَي‌ السُّلطَانِ الجَائِرِ[31].

 أورد هذه‌ الرّواية‌ الكَنِيُّ في‌ قضائه‌،[32] و شطراً منها النَّراقيُّ في‌ «المستند». [33]

 و اعلم‌ أنّ صاحبَ «المستند» عدَّ هايتن‌ الرِّوايتين‌ من‌ الصّحاح‌، ثمَّ قال‌: «و وصف‌ الرّوايتين‌ بعدم‌ الصَّحَّة‌ ـ مع‌ أنّه‌ غيرُ ضائرٍ عندنا مع‌ وجودهما في‌ الاصول‌ المعتبرة‌ و انجبارهما بالاءجماع‌ المحقّق‌ و المحكيِّ مستفيضاً، و في‌ «المسالك‌» أنّهما و المقبولة‌ مشتهران‌ بين‌ الاصحاب‌ متَّفقٌ علي‌ العمل‌ بمضمونهما ـ غيرُ جَيِّدٍ؛ لانَّ أوليهما رواها في‌ «الفقيه‌» عن‌ أحمد بن‌ عائذ، عن‌ أبي‌ خديجة‌؛ و طريق‌ «الفقيه‌» إلي‌ أحمد صحيحٌ كما صَرَّح‌ به‌ في‌ «الرَّوضة‌»، و أحمد نفسه‌ موَثَّق‌ إماميُّ.

 و امّا ابو خديجة‌ و هو سالم‌ بن‌ مكرم‌ و إن‌ ضعَّفه‌ الشَّيخ‌ في‌ موضع‌ و لكن‌ وثَّقه‌ في‌ موضع‌ آخر و وثَّقه‌ النَّجاشيُّ؛ و قال‌ الحسن‌ بن‌ عليِّ بن‌ الحسن‌: كان‌ صالحاً؛ و عَدَّ في‌ «المختلف‌» في‌ باب‌ الخُمس‌ روايَته‌ من‌ الصِّحاح‌؛ و قال‌ الاسترآبادي‌ ُّ في‌ رجاله‌ الكبير في‌ حقّه‌: «فالتَّوثيق‌ أقوي‌». [34]

 تحقيق‌: إنَّ أبا خديجة‌ هو سالم‌ بن‌ مكرم‌ الجمّال‌ الكوفيُّ مولي‌ بني‌ أسد، و قد يُكَنَّي‌ بأبي‌ سَلَمة‌، ثقةٌ روي‌ عن‌ أبي‌ عبدالله‌ و أبي‌ الحسن‌ عليهما السّلام‌؛ و له‌ كتابٌ يرويه‌ عنه‌ عدَّة‌ من‌ أصحابنا.

 قال‌ الشّيخ‌ محمَّد تقيُّ التُستريُّ في‌ رجاله‌: «قال‌ العلاّمة‌ في‌ «الخُلاصة‌»: «قال‌ الشّيخ‌ في‌ موضعٍ إنَّه‌ ضعيف‌، و في‌ موضعٍ آخر إنَّه‌ ثقة‌؛ و الوجه‌ عندي‌ التَّوقُف‌ فيما يرويه‌ عند تعارض‌ الاقوال‌».

 ثمّ قال‌ التُّستريُّ: «لا وجهَ لاضطرابهم‌ فيه‌ بعد اتّفاق‌ النَّجاشيِّ و الكشَّي‌ علي‌ توثيقه‌ و تبجيله‌، و سقوط‌ تضعيف‌ له‌ بتعارض‌ توثيقه‌ له‌ معه‌ علي‌ نقل‌ «الخلاصة‌»؛ مع‌ أنّ تضعيفَه‌ مبنيُّ علي‌ زعمه‌ اتّحاده‌ مع‌ سالم‌ بن‌ أبي‌ سَلَمَة‌ المُتقدِّم‌ الّذي‌ ضَعَّفه‌ الغَضايريُّ و كذا النَّجاشيُّ؛ بدليل‌ أنَّه‌ قال‌: و مكرمٌ يكنّي‌ أبا سَلَمَة‌» و قال‌ في‌ آخر طريقة‌: «عن‌ سالم‌ بن‌ أبي‌ سلمة‌ و هو أبو خديجة‌» مع‌ أنَّ غيرَه‌ جَعَل‌ سالماً هذا نفسَ أبي‌ سَلَمَة‌ لا ابنه‌، فقد عرفت‌ قول‌ المشيخة‌ و البرقيِّ و الكشيّ و النَّجاشيّ في‌ ذلك‌.

 و ممّا يوضح‌ كون‌ أبي‌ سَلَمَة‌ كأبي‌ خديجة‌ نفس‌ هذا لا أباه‌ أنَّ خبر شِراء العبدين‌ المأذونين‌ كلُّ منهما الآخر رواه‌ في‌ «التَّهذيب‌» عن‌ أبي‌ خديجة‌، و «الكافي‌» عن‌.بي‌ سَلَمَة‌». انتهي‌ موضع‌ الحاجة‌. [35]

 و عليهذا لا وجه‌ لتوقُّف‌ العلاّمة‌ ـ قدّه‌ ـ لابتنائه‌ علي‌ تضعيف‌ الشيخ‌، و هو غيرُ صحيحٍ لاشتباه‌ الرَّجلِ عليه‌ برجلٍ آخر ضعيف‌.

 3 ـ روي‌ الصَّدوق‌ في‌ «معاني‌ الاخبار»: قال‌: حَدَّثنا عليُّ بن‌ إبراهيم‌ بن‌ هاشم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ الحسين‌ بن‌ يزيد النَّوفليِّ، عن‌ عليِّ بن‌ داود اليعقوبيِّ، عن‌ عيسي‌ بن‌ عبدالله‌ بن‌ محمَّد بن‌ عمر بن‌ عليِّ بن‌ أبيطالب‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدِّه‌، عن‌ عليِّ ] بن‌ أبيطالب‌ [ عليه‌ السّلام‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌: اللَّهُمَّ ارْحَمْ خَلَفَائِي‌، اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفائِي‌، اللَّهُمَّ ارْحَمو خُلَفَائِي‌. قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَهِ ! وَ مَن‌ خُلَفَاؤُكَ؟

 قَالَ: الَّذين‌ يَأتُونَ مِن‌ بَعْدِي‌، يَرْوُونَ حَديثي‌ وَ سُنَّتي‌. [36]

 و ذكر الحرُّ العامليُّ: أنَّ الصَّدوق‌ رواه‌ في‌ «عيون‌ الاخبار» أيضاً. [37]

 أقول‌: إنَّ عليَّ بن‌ ابراهيم‌ و أباه‌ إبراهيم‌ بن‌ هاشم‌ من‌ أجلِّ الرُّواة‌ و أقدمهم‌؛ و لا يخفي‌ حالُهما مِن‌ الجلالة‌ و المَتانة‌ عند العلماء؛ و الحسين‌ بن‌ يزيد النّوفلي‌ أيضاً من‌ الاعلام‌ عَدَّه‌ الشَّيخ‌ في‌ رجاله‌ من‌ أصحاب‌ الرِّضا عليه‌ السّلام‌ و عنونه‌ في‌ «الفهرست‌»، و قال‌: «له‌ كتابٌ»، و النَّجاشيُّ في‌ رجاله‌ قائلاً بأنّه‌ «كان‌ شاعراً و أديباً، و سَكَن‌ الرَّيَّ و مات‌ بها، و له‌ كتاب‌ التَّقيّة‌» [38].

 و عليُّ بن‌ داود اليعقوبيُّ رجلٌ معروفٌ عند الاصحاب‌. [39]

 و عيسي‌ بن‌ عبدالله‌ بن‌ محمّد بن‌ عمر بن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السّلام‌ عدّه‌ الشَّيخ‌ في‌ رجاله‌ من‌ أصحاب‌ الصادق‌ و عَنونه‌ في‌ «الفهرست‌»، و النجاشيُّ في‌ رجاله‌ قائلاً: «له‌ كتاب‌ يرويه‌ جماعةٌ». [40]

 و أمّا دلالة‌ الخبر؛ فلمكان‌ نسبة‌ الخِلافة‌ إلي‌ الفقهاء الرَّاوينَ لحديث‌ الرَّسول‌ و سُنَّته‌، يمكن‌ الاستدلال‌ بنصبهم‌ للولاية‌ و القضاء و الاءفتاء؛ لانَّ ظهور الخِلافة‌ قيامُ الفقيه‌ مقامَ النَّبيِّ، و هو في‌ كلّ ما ثَبَتَ له‌ من‌ المزايا و الخواصِّ إلاّ ما خرج‌ بالدَّليل‌، و هو خصائص‌ الاءمامة‌.

 4 ـ في‌ «نهج‌ البلاغة‌»، من‌ كلام‌ له‌ عليه‌ السّلام‌ لكميل‌ بن‌ زيادٍ النَّخعيِّ:

 قال‌ كميل‌ بن‌ زياد: أخَذَ بِيَدي‌ أميرالمُؤمنينَ عَليُّ بنُ أبيطالبٍ عليه‌ السّمم‌ فأخرَجَني‌ إلي‌ الجَبَّانِ، فَلمَّا أصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءَ ثُمَّ قَالَ: يا كُمَيْلُ إنَّ هَذِهِ القُلُوبَ أوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي‌ مَا أَقُولُ لَكَ:

 النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيُّ؛ وَ مُتَعَلِّمٌ عَلَي‌ سَبيلِ نَجَاةٍ؛ وَ هَمَجٌ رَعَاعٌ، أتبَاعُ كَلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ العِلْمِ وَ لَمْ يَلْجَأوُوا إلَي‌ رُكنٍ وَثِيقٍ.

 يزا كُمَيْلُ العِلْمُ خَيْرٌ مِنَ المَالِ. العِلْمُ يَحْرُسُكَ وَ أنتَ تَحْرُسُ المَالَ، المَالُ تَنقُصُهُا لنَّفَقَةُ والعِلْمُ يَزْكُو عَلَي‌ الاءنفَاقِ، وَ صَنِيعُ المَالِ يَزُولُ بِزَوالِهِ.

 يَا كُمَيْلُ العِلْمُ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الاءنسَانُ الطَّاعَةَ فِي‌ حَيَاتِهِ، وَ جَميلَ الاحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ والعِلْمُ حَاكِمٌ وَالمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ.

 يَا كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الامْوَالِ وَ هُمْ أحْيَاءٌ، والعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ؛ أعْيَانُهُمْ مَفقُودَةٌ وَ أَمثَالُهُمْ فِي‌ القُلُوبِ مَوْجُودَةٌ.

 هَا، إنَّ هَـ'هُنَا لَعِلْماً جَمّاً (وَ أشارَ إلَي‌ صَدْرِه‌) لَوْ أصْبتُ لَهُ حَمَلَةً.

 بَلَي‌ أصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأمُونٍ عَلَيْهِ، مُستَعْمِلاً آلَةَ الدِّينِ للدُّنْيَا، وَ مُسْتَظْهِراً بِنَعَمِ اللَهِ عَلَي‌ عِبَادِهِ، وَ بِحُججِه‌ عَلَي‌ أوليَائِهِ.

 أوْ مُنقَاداً لِحَمَلَةِ الحَقِّ، لاَ بَصِيرَةَ لَهُ فِي‌ أحْنَائِهِ، يَنقَدِحُ الشَّكُّ فِي‌ قَلوبِهِ لاوَّلِ عارِضٍ مِن‌ شُبْهَةٍ؛ ألاَ، لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ.

 أوْ مَنْهُوماً بِاللَّدةِ، سَلِسَ القِيَادِ لِلشَّهْوَةِ.

 أوْ مَغْرَماً بِالجَمْعِ وَ الاِدِّخَارِ، لَيوسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي‌ شَي‌ءٍ؛ أقرَبُ شَي‌ءٍ شَبَهاً بِهِمَا الاءنعَامُ السَّائِمَةُ، كَذَلِكَ يَمُوتُ العِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ.

 اللَّهُمَّ بَلَي‌، لاَ تَخْلُو الارْضُ مِن‌ قَائِمٍ لِلّهِ بِحُجَّةٍ؛ إمَّا ظَاهِراً مَشهُوراً أوْ خَائِفاً مَغمُوراً؛ لِئلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللَهِ وَ بَيِّنَاتُهُ. وَ كَمْ ذَا؟ وَ أَيْنَ اُولئِكَ؟

 اولئِكَ ـ وَ اللهِ ـ الاقلُّونَ عَدَداً وَ الاعْظَمُونز قَدْراً؛ يَحْفَظُ اللَهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّي‌ يُودِعُوهَا نُظَراءَهُمْ، وَ يَزرَعُوهَا في‌ قُلُوبِ أشبَاهِهِمْ.

 هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَي‌ حَقِيقَةِ البَصِيرَةِ، وَ يَا شَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، وَ استَلانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ المُترَفُونَ، وَ أنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ وَ صَحِبُوا الدُّنيَا بِأَبْدانٍ أرواحُهَا مَعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الاعْلَي‌.

 أولئِكَ خُلَفاءُ اللَهِ فِي‌ أرضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلَي‌ دينِهِ. آهِ آهِ شَوقاً إلَي‌ رؤيَتِهِمْ. إنصَرِفْ إذا شِئتَ. [41]

 و روي‌ هذا الخبر الشّريف‌ الصّدوق‌ في‌ «الخصال‌» عن‌ أبي‌ الحسن‌ محمَّد بن‌ عليِّ بن‌ الشّاه‌ قال‌: حدَّثنا أبو إسحق‌ الخواصُّ قال‌: حدَّثنا محمَّد بن‌ يونس‌ الكريميُّ، عن‌ سفيان‌ بن‌ وكيع‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ سفيان‌ الثَّوريّ، عن‌ منصور، عن‌ مجاهد، عن‌ كميل‌ بن‌ زياد، إلاّ أنّه‌ أتي‌ بجملة‌: يَا كُمَيلُ مَحَبَّةُ العَالِمِ دينٌ يُدانُ بِهِ، تَكْسِبُهُ الطَّاعَةَ فِي‌ حَيَاتِهِ وَ جَميلَ الاحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمَنْفَعَةُ المَالِ يَزُولُ بِزَوالِهِ بدل‌ قوله‌: يَا كُمَيْلُ العِلْمُ دينٌ يُدانُ بِهِ؛ و أتي‌ بجملة‌ لِيَتَّخِذَ الضُّعَفَاءَ. [42] وَليجَةً مِن‌ دُونِ وَلِيِّ الحَقَّ بدل‌ قوله‌: وَ بِحُجَجِهِ عَلَي‌ أوليِائِهِ.

 ثمّ قال‌ الصّدوق‌: «قد رويتُ هذا الخبر من‌ طُرقٍ كثيرةٍ قد أخرجتُها في‌ كتاب‌ «إكمال‌ الدّين‌ و إتمام‌ النِّعمة‌ في‌ إثبات‌ الغيبة‌ و كشف‌ الحيرة‌». [43] 

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآية‌ 59، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[2] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الكتب‌، ص‌ 93 و ص‌ 94، من‌ طبع‌ عبده‌ بمصر.

[3] ـ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[4] ـ المراد من‌ الهداية‌ الغيريّة‌ ما يكون‌ بغيره‌ من‌ الناس‌. و المراد من‌ الهداية‌ الذاتيَّة‌ ما يكون‌ بالله‌ تبارك‌ و تعالي‌.

[5] ـ الآية‌ 73، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[6] ـ الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[7] ـ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 38: ص‌.

[8] ـ كتاب‌ «القضاء» للآشتياني‌، ص‌ 3.

[9] ـ الآية‌ 105، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[10] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[11] ـ الآية‌ 213، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[12] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[13] ـ الآية‌ 49، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[14] ـ الآية‌ 65، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[15] ـ الآية‌ 36، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[16] ـ «فروع‌ الكافي‌»، طبع‌ دار الكتب‌ طبع‌ الاسلاميّة‌ سنة‌ 1379، ج‌ 5، ص‌ 1، كتاب‌ القضاء.

[17] ـ «الفقيه‌» طبع‌ مكتبة‌ الصّدوق‌، ج‌ 3، ص‌ 5، كتاب‌ القضاء.

[18] ـ «التهذيب‌» طبع‌ دار الكتب‌ سنة‌ 1379، ج‌ 6، ص‌ 217، كتاب‌ القضاء.

[19] ـ «الكافي‌» ج‌ 5، ص‌ 406، كتاب‌ القضاء.

[20] ـ «التهذيب‌» ج‌ 6، ص‌ 217.

[21] ـ «الفقيه‌» ج‌ 3، ص‌ 5، كتاب‌ القضاء.

[22] ـ «مراة‌ العقول‌» الطبع‌ علي‌ الحجر، ج‌ 4، ص‌ 213، كتاب‌ القضاء و الاحكام‌.

[23] ـ «اصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 198، باب‌ «نادر جامع‌ في‌ فضل‌ الاءمام‌ و صفاته‌».

[24] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 7، ص‌ 412، و من‌ الطبع‌ علي‌ الحجر، ج‌ 2، كتاب‌ القضاء و الاحكام‌.

[25] ـ «التهذيب‌» ج‌ 6، ص‌ 218.

[26] ـ «الفقيه‌» طبع‌ مكتبة‌ الصدوق‌، ج‌ 3، ص‌ 9 إلي‌ 11، كتاب‌ القضاء و الاحكام‌.

[27] ـ «المستند» ج‌ 2، ص‌ 516، كتاب‌ القضاء و الشهادات‌.

[28] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 7، ص‌ 412، كتاب‌ القضاء.

[29] ـ «التهذيب‌» ج‌ 6، ص‌ 219، كتاب‌ القضاء.

[30] ـ «الفقيه‌» ج‌ 3، ص‌ 1 و ص‌ 2، كتاب‌ القضاء.

[31] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 3، الباب‌ 11، من‌ ابواب‌ صفات‌ القاضي‌ و ما يجوز أن‌ يفتي‌ به‌ ص‌ 385 من‌ الطبع‌ البهادريّ.

[32] ـ «القضاء» للكني‌، ص‌ 12 و ص‌ 13.

[33] ـ «المستند» ج‌ 2، ص‌ 516. الاّ أنّه‌ أتي‌ بلفظ‌ تَرادَي‌ بدل‌ تَدَارَي‌؛ و هكذا الامر في‌ «قضاء» الكني‌ ـ قدّهماـ.

[34] ـ «المستند» ج‌ 2، ص‌ 516.

[35] ـ «قاموس‌ الرّجال‌» ج‌ 4، ص‌ 297.

[36] ـ «معاني‌ الاخبار» طبع‌ مطبعد الحيدري‌ 1379 ه، ص‌ 374 و ص‌ 375.

[37] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 3، الباب‌ 11، ص‌ 385 من‌ الطبع‌ البهادريّ.

[38] ـ «قاموس‌ الرّجال‌» ج‌ 3، ص‌ 343.

[39] ـ «قاموس‌ الرجال‌» ج‌ 6، ص‌ 486.

[40] ـ «قاموس‌ الرِّجال‌» ج‌ 7، ص‌ 275.

[41] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الحكم‌، طبع‌ عبده‌ بمصر، ص‌ 171 إلي‌ ص‌ 174.

[42] ـ «في‌ الطبع‌ الحروفيّ ص‌ 186، هكذا ورد: ليتَّخذه‌ الضُّعفاء وليجةً.

[43] ـ «الخصال‌»، الطبع‌ علي‌ الحجر، ص‌ 87 و ص‌ 88.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com