بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الله / المجلد الثالث / القسم الثالث‌عشر: اخطاء المحدث النوری، حقیقة التشیع فی کتب العرفاء بالله، کلام خواجه فی ...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

اشتباه‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ التفكيك‌ بين‌ مقصدَي‌ الصوفيّة‌

 يقول‌ الحقير الفقير : يبدو لنا أنّ ما ذكره‌ المحدّث‌ النوري‌ّ رحمه‌ الله‌ عن‌ عدم‌ وجود ترابط‌ بين‌ مقصدي‌ الصوفيّة‌ هو غير صحيح‌ ، لانّ الملازمة‌ والترابط‌ الكامل‌ بين‌ ذلكما المرامين‌ ليس‌ فقط‌ من‌ ضروريّات‌ مسلك‌ الصوفيّة‌ وحسب‌ ، بل‌ وكذلك‌ من‌ ضروريّات‌ أهل‌ الشرع‌ وأتباع‌ السنّة‌ النبويّة‌ والعَلَويّة‌ ، وهي‌ كذلك‌ تشكّل‌ بداهة‌ مفاد ا لآيات‌ القرآنيّة‌ والكتب‌ السماويّة‌ الاُخري‌ .

 إنّ للعبادة‌ وتزكية‌ النفس‌ والتخلّق‌ بالاخلاق‌ الحميدة‌ وتجنّب‌ الصفات‌ الرذيلة‌ أثر فعّال‌ في‌ عُرف‌ وعقيدة‌ المتشرّعين‌ الكبار . والتي‌ يُراد بها التقرّب‌ إلی‌ الحقّ تعإلی‌ والتزلّف‌ إلیه‌ . فأي‌ّ نوع‌ من‌ أنواع‌ العبادة‌ والعمل‌ سيكون‌ باطلاً وفاسداً ما لم‌ تكن‌ الغاية‌ من‌ ذلك‌ التقرّب‌ .

 وليس‌ المقصود بالتقرّب‌ إلی‌ الحقّ تعإلی‌ التقرّب‌ الزماني‌ّ أو المكاني‌ّ أو الكيفي‌ّ أو الكمّي‌ّ وغير ذلك‌ . بل‌ المقصود به‌ رفع‌ الحُجُب‌ النفسانيّة‌ حيث‌ يُرفع‌ بكلّ عمل‌ حجاب‌ ، حتّي‌ تزول‌ جميع‌ الحُجُب‌ في‌ النهاية‌ ولا يبقي‌ بين‌ العبد والحقّ أي‌ّ حجاب‌ . أي‌ أ نّه‌ لايصل‌ إلی‌ مرحلة‌ « لقاء الحقّ » وحسب‌ ، بل‌ سيفوز بـ « الاتّحاد » و « الوحدة‌ » و « الوصول‌ » ومقام‌ « الفناء في‌ الله‌ » ومن‌ ثمّ مقام‌ « البقاء بالله‌ » .

 إلیست‌ ا لآيات‌ القرآنيّة‌ : فَمَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـ'لِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ، [1] تدلّ صراحة‌ علی‌ أنّ العمل‌ الصالح‌ يوصل‌ الإنسان‌ إلی‌ لقاء ربّه‌ إذا اقترن‌ بنيّة‌ الإخلاص‌ ؟!

 إلیست‌ ا لآية‌ مَن‌ كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ اللَهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَهِ لاَتٍ [2] تدلّ دلالة‌ واضحة‌ علی‌ إمكانيّة‌ التشرّف‌ باللقاء الإلهي‌ّ بمجرّد العزم‌ في‌ النيّة‌ والعمل‌ والقول‌ .

 فما فائدة‌ ونتيجة‌ تزكية‌ النفس‌ والتخلّي‌ والتجلّي‌ والتحلّي‌ بجميع‌ المتاعب‌ والمصاعب‌ المتوقّعة‌ في‌ هذا المقام‌ إذا لم‌ تكن‌ بقصد التقرّب‌ إلی‌ الحقّ تعإلی‌ ، أي‌ بنيّة‌ رفع‌ الحجاب‌ والتقرّب‌ إلیه‌ بدرجات‌ متفاوتة‌ ومراتب‌ متباينة‌ من‌ « الوصول‌ والاتّحاد والوحدة‌ والفناء والبقاء » سوي‌ كونها مصداقاً لعمل‌ حمار الطاحونة‌ الذي‌ يدور حول‌ نفسه‌ باستمرار ؟!

 فهل‌ كان‌ الله‌ بحاجة‌ إلی‌ أعمال‌ العباد حتّي‌ يكلّفهم‌ بتكإلیف‌ مجردّة‌ غير ذات‌ معني‌ ، ثمّ يُرسلهم‌ إلی‌ مجرّد نار أو مجرّد جنّة‌ ؟!

 إنّ هذا العمل‌ شديد الشبه‌ بعمل‌ إله‌ وهمي‌ّ محتاج‌ حاقد ضاغن‌ جشع‌ حسود بخيل‌ ؛ إنّه‌ ليس‌ عمل‌ الإله‌ الحقيقي‌ّ الواقعي‌ّ ، الغني‌ّ علی‌ الإطلاق‌ ، الكريم‌ الرحمن‌ الرحيم‌ .

 إنّ كلّ ما فرضه‌ الانبياء من‌ واجبات‌ وأعمال‌ علی‌ أُممهم‌ كان‌ بهدف‌ رفع‌ حُجُبهم‌ النفسانيّة‌ ، فإذا رُفِع‌ الحجاب‌ كانت‌ الجنّة‌ ، وكان‌ الحقّ ، وكان‌ اللقاء والوصول‌ والفَناء .

 وإذا بقي‌ الحجاب‌ ، فهي‌ الجحيم‌ والشيطان‌ والخسران‌ والحرمان‌ والطرد والزمهرير ولظي‌ نزّاعة‌ للشوي‌ والحسرة‌ والندم‌ . ألم‌ نطالع‌ قصّة‌ الاعمال‌ الشاقّة‌ والعبادات‌ الكثيرة‌ لـ « بَلْعَم‌ بن‌ باعوراء » في‌ القرآن‌ الكريم‌ التي‌ أبقته‌ في‌ آخر المطاف‌ فقيراً ؟!

 ولهذا نري‌ أنّ الفصل‌ الذي‌ أوجدوه‌ بين‌ هذين‌ المقصدين‌ غير صحيح‌ وليس‌ في‌ محلّه‌ . فالذين‌ عملوا بالمقصد الاوّل‌ وساروا علی‌ نهجه‌ ثمّ وصلوا إلی‌ المقصد الثاني‌ كانوا هم‌ الفائزون‌ والمفلحين‌ .

 وأمّا الذين‌ عملوا بالمقصد الثاني‌ دون‌ أخذ علّته‌ الغائيّة‌ بنظر الاعتبار ودون‌ أيّما أمل‌ في‌ لقاء الحقّ أو رجاء في‌ ذلك‌ ، وكذلك‌ دون‌ رفع‌ الحُجُب‌ الظلمانيّة‌ والنورانيّة‌ ، فقد ظلّوا في‌ أماكنهم‌ يراوحون‌ لم‌ يخطوا خطوة‌ واحدة‌ إلی‌ الامام‌ ، فمثلهم‌ كالحمار في‌ الوحل‌ الذي‌ يتّجه‌ يمنة‌ ويسرة‌ بغير هدي‌ ، فكان‌ نصيبهم‌ الحرمان‌ إلی‌ الابد .

الرجوع الي الفهرس

 علماء الشيعة‌ الحقيقيّون‌ كانوا يُسايرون‌ أُصول‌ أعاظم‌ التصوّف‌ والعرفان‌

يجب‌ أن‌ نقول‌ لجناب‌ المرحوم‌ النوري‌ّ : إنّ التمسّك‌ بقصر النظر والنزوع‌ إلی‌ الحضيض‌ ، ونسبة‌ السجايا الصحيحة‌ والواقعيّة‌ كالوصول‌ والاتّحاد والفَناء إلی‌ أولياء الله‌ من‌ أمثال‌ بايزيد وشقيق‌ ومَعروف‌ وهم‌ التلامذة‌ الاخصّاء والمُتربّين‌ في‌ مدرسة‌ أئمّتنا الاطهار ، ثمّ تعلیم‌ ذلك‌ كلّه‌ بعلامة‌ البطلان‌ وختمه‌ بختام‌ البدعة‌ واتّهامه‌ في‌ مقاصدهم‌ ونواياهم‌ السامية‌ ، كلّ ذلك‌ لايُنهي‌ العمل‌ ولا يَحلّ الامر أو الادّعاء .

 لقد كان‌ الشيخ‌ أبو الفتوح‌ الرازي‌ّ والشهيد الثاني‌ والسيّد ابن‌ طاووس‌ أيضاً يسيرون‌ وراء مثل‌ هذه‌ المقاصد الراقية‌ ، وكان‌ الفَناء والوحدة‌ والوصول‌ إلی‌ حضرة‌ ربّ العزّة‌ مُنتهي‌ آمالهم‌ وغاية‌ أُمنياتهم‌ .

 إنّ قصّة‌ العرفان‌ والهيجان‌ وسلوك‌ السبيل‌ الإلهي‌ّ لا تنتهي‌ عند هذا العدد من‌ العلماء الاجلإ والاحبار النبلاء في‌ الإسلام‌ . فجميع‌ العلماء الحقيقيّون‌ أمثال‌ ابن‌ فهد الحلّي‌ّ ، والملاّ صدرا الشيرازي‌ّ وتلميذيه‌ الفاضلين‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ والفيّاض‌ اللاهيجاني‌ّ ، والحكيم‌ السبزواري‌ّ ، والسيّد مهدي‌ بحرالعلوم‌ ، والشهيد الاوّل‌ ، والمجلسي‌ّ الاوّل‌ ، والعالِمَينِ النبيلينِ الاوحدين‌ : الحاجّ الملاّ مهدي‌ النراقي‌ّ ونجله‌ الحاجّ الملاّ أحمد النراقي‌ّ ، والاُستاذ آية‌ الحقّ وسند العرفان‌ ووصي‌ّ الشيخ‌ الانصاري‌ّ السيّد علی‌ الشوشتري‌ّ ، وا لآخوند الملاّ حسين‌ قلي‌ الهَمَداني‌ّ وتلاميذه‌ ذوي‌ المجد والاعتبار : ا لآقا السيّد أحمد الطهراني‌ّ الكربلائي‌ّ والحاجّ الشيخ‌ محمّد البهاري‌ّ والحاجّ الميرزا آقا جواد الملكي‌ّ التبريزي‌ّ والسيّد سعيد الحبّوبي‌ّ النجفي‌ّ ، جميع‌ هؤلاء وكثير غيرهم‌ كانوا من‌ هذه‌ الزمرة‌ .

 جميعهم‌ كان‌ يقول‌ بوحدة‌ الوجود والوصول‌ والفَناء ، وقد أثني‌ جميعهم‌ علی‌ بايزيد ومعروف‌ وكلّ كلامهم‌ وحديثهم‌ ومرامهم‌ نابع‌ من‌ مصدر واحد . فكيف‌ يتسنّي‌ للبعض‌ والحال‌ كذلك‌ تشويه‌ سمعتهم‌ وتلطيخ‌ سجلّهم‌ بما لا يرضاه‌ الله‌ ؟! كيف‌ يمكن‌ تجاهل‌ هؤلاء الذين‌ كان‌ عملهم‌ وعقيدتهم‌ يعكسان‌ عمل‌ وعقيدة‌ أئمّة‌ الشيعة‌ العظام‌ ؟! كيف‌ يمكن‌ تغطية‌ العقول‌ والاذهان‌ بنسبة‌ ما هو خلاف‌ الواقع‌ إلی‌ العرفاء الصادقين‌ والحكماء المتّقين‌ من‌ أمثال‌ محيي‌ الدين‌ والملاّ صدرا الشيرازي‌ّ ؟! هل‌ من‌ سبيل‌ إلی‌ محو اسم‌ السيّد حيدر ا لآملي‌ّ من‌ سجلّ أتباع‌ هذه‌ المدرسة‌ الجليلة‌ القدر ؟ إنّه‌ حقّاً العالِم‌ الاوحد للشيعة‌ وفخر العالَم‌ والبشريّة‌ جمعاء إلی‌ يوم‌ الدين‌ الذي‌ قام‌ بشرح‌ كلام‌ محيي‌ الدين‌ بن‌ عربي‌ .

 فهل‌ من‌ المنطقي‌ّ أن‌ يقوم‌ الاجانب‌ بالبحث‌ عن‌ كتبه‌ القيّمة‌ والنفيسة‌ مثل‌ « نصّ النصوص‌ » و « نقد النقود » وتفسير « المحيط‌ الاعظم‌ والبحر الخضم‌ في‌ تأويل‌ كتاب‌ الله‌ العزيز المُحكَم‌ » وطبعها ونشرها ويضعوها في‌ متناول‌ أهل‌ التحقيق‌ في‌ الداخل‌ والخارج‌ لدراستها ومطالعتها ؛ في‌ حين‌ قد مضت‌ سبعة‌ قرون‌ علی‌ تإلیف‌ تلك‌ الكتب‌ ونحن‌ الشيعة‌ محرومون‌ من‌ مطالعتها وإدراكها وفهمها والعمل‌ بها ؟!

 وإنّه‌ لامر محيّر أن‌ يغفل‌ المحدّث‌ النوري‌ّ عن‌ ذِكر اسم‌ كتاب‌ « أوصاف‌ الاشراف‌ » ومواضيعه‌ ، في‌ حين‌ أنّ حرفته‌ الاصليّة‌ ومهنته‌ الاساسيّة‌ الببليوغرافيا [3] والإلمام‌ بالنفيس‌ من‌ الكتب‌ الخطّيّة‌ وتإلیف‌ السالفين‌ !

 فهذا الكتاب‌ ( أي‌ « أوصاف‌ الاشراف‌ ») المختصر والشامل‌ والمفيد ، ومن‌ مؤلّفات‌ معلّم‌ البشر ، والعقل‌ الحادي‌ عشر ، فخر الفلاسفة‌ والحكماء ، ذخر الشيعة‌ والعلماء ، ومدار العلم‌ والدراية‌ ، ومنار الفهم‌ والرواية‌ : الخواجة‌ نصير الدين‌ الطوسي‌ّ رضوان‌ الله‌ تعإلی‌ علیه‌ ، يحوي‌ علی‌ ستّة‌ أبواب‌ تدور حول‌ مسألة‌ السلوك‌ إلی‌ الله‌ . التوكّل‌ ، الرضا ، التسليم‌ ، التوحيد ، الاتّحاد ، الوحدة‌ . وبسبب‌ عدم‌ إمكانيّة‌ تقسيم‌ موضوع‌ الفناء ، والذي‌ يشكّل‌ موضوع‌ الباب‌ السادس‌ ، فقد تمّ تخصيص‌ الباب‌ المذكور بأكمله‌ لذلك‌ الموضوع‌ .

 وقد جاء في‌ الفصل‌ الخامس‌ من‌ الباب‌ الخامس‌ ، في‌ موضوع‌ الاتّحاد المنتهي‌ بالوصول‌ ، علی‌ ذكر مسائل‌ قيّمة‌ وقد ذكرناها بالكامل‌ .

الرجوع الي الفهرس

كلام‌ الخواجة‌ في‌ «أوصاف‌ الاشراف‌» في‌ منزلَي‌ الوحدة‌ والفناء

 ويقول‌ في‌ الباب‌ السادس‌ من‌ نفس‌ الباب‌ تحت‌ عنوان‌ « في‌ الوحدة‌ » ما يلي‌ :

 قَالَ اللَهُ سُبْحَانَهُ : لِمَنِ الْمُلْكُ إلیوْمَ لِلَّهِ الْوَ حِدِ الْقَهَّارِ . [4]

 الوحدة‌ هي‌ أعلی‌ من‌ الاتّحاد ؛ وذلك‌ لا نّه‌ تفوح‌ من‌ كلمة‌ الاتّحاد ـ التي‌ تعني‌ الصيرورة‌ شيئاً واحداً رائحة‌ الكثرة‌ ، في‌ حين‌ تخلو كلمة‌ الوحدة‌ من‌ ذلك‌ . وهناك‌ ينعدم‌ السكون‌ ، الحركة‌ ، الفكر ، الذكر ، السير ، السلوك‌ ، الطلب‌ ، الطالب‌ ، المطلوب‌ ، النقصان‌ والكمال‌ حيث‌ : إذَا بَلَغَ الكَلاَمُ إلَی‌ اللَهِ فَأَمْسِكُوا !

 ويقول‌ في‌ باب‌ « في‌ الفَناء » ما يلي‌ :

 قَالَ اللَهُ تَعَإلَی‌ : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِ لآ وَجْهَهُ . [5]

 ولا يوجد في‌ الوحدة‌ ، سالك‌ أو سلوك‌ أو سير أو غاية‌ أو طلب‌ أو طالب‌ أو مطلوب‌ ؛ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ .

 وينعدم‌ الإثبات‌ والنفي‌ لهذا القول‌ ، والإثبات‌ والنفي‌ هما متقابلان‌ . والثنائيّة‌ هي‌ مبدأ الكثرة‌ . وهناك‌ ينعدم‌ النفي‌ والإثبات‌ ؛ ونفي‌ النفي‌ وإثبات‌ الإثبات‌ . وينعدم‌ نفي‌ الإثبات‌ وإثبات‌ النفي‌ .

 ما سبق‌ يُدعي‌ بالفَناء ، وبالفناء يتمّ المعاد للبشر . كماكان‌ مبدأهم‌ منه‌ ؛ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ . [6]

 وتعريف‌ الفَناء علی‌ أ نّه‌ حدّ مع‌ الكثرة‌ : كُلُّ مَنْ عَلَیهَا فَانٍ * وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ [7] .

 ولذا لن‌ يكون‌ هناك‌ فناء بهذا المعني‌ . فكلّ ما يجري‌ علی‌ اللسان‌ وكل‌ ما يُتوهّم‌ وكلّ ما يتناهي‌ إلی‌ العقل‌ ينعدم‌ بالجملة‌ ؛ إلَیهِ يُرْجَعُ الاْمْرُ كُلُّهُ [8] .

الرجوع الي الفهرس

أخطاء كلام‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ فصل‌ العلماء الراسخين‌ عن‌ العرفاء

 وممّا نقلنا هنا تتّضح‌ عدّة‌ مسائل‌ :

 أوّلاً : ما قاله‌ المرحوم‌ المحدّث‌ النوري‌ّ هنا وهو :

 «الثَّانِي‌ : مَا يَدَّعُونَ مِنْ نَتِيجَةِ تَهْذِيبِ النَّفْسِ وَثَمَرَةِ الرِّيَاضَاتِ ؛ مِنَ المَعْرِفَةِ وَفَوْقِهَا مِنَ الوُصُولِ وَالاِتِّحَادِ وَالفَنَاءِ ، وَمَقَامَاتٍ لَمْ يَدَّعِهَا نَبِي‌ٌّ مِنَ الاَنْبِيَاءِ وَوَصِي‌ٌّ مِنَ الاَوْصِيَاءِ فَكَيْفَ بِأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالتُّقَي‌ . مَعَ مَا فِيهَا مِمَّا لاَ يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إلَی‌ مُقَدَّسِ حَضْرَتِهِ جَلَّ وَعَلاَ ، وَيَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ ؛ سُبْحَانَهُ وَتَعَإلَی‌ عَمَّا يَقُولُهُ الظَّالِمُونَ» .

 هذا القول‌ هو عارٍ عن‌ السداد والصحّة‌ والاستقامة‌ ، وقد بُني‌ علی‌ أساس‌ المغالطة‌ والسفسطة‌ ؛ ليس‌ علی‌ أساس‌ العلم‌ والبرهان‌ .

 ثانياً : كذلك‌ القول‌ التإلی‌ :

 «وَأَمَّا المَقْصَدُ الثَّانِي‌ ، فَحَاشَي‌ أَهْلَ الشَّرْعِ وَالدِّينِ فَضْلاً عَنِ العُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ أَنْ يَمِيلُوا إلیهِ أَوْ يَأْمَلُونَهُ أَوْ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ ؛ وَأَغْلَبُ مَا وَرَدَ فِي‌ ذَمِّ الجَمَاعَةِ نَاظِرٌ إلَی‌ هَذِهِ الدَّعْوَي‌» .

 لا أساس‌ له‌ ؛ ولا تحقّق‌ ولا عينيّة‌ له‌ ، بل‌ بهتان‌ وافتراء في‌ عالم‌ الواقع‌ ليس‌ إلاّ .

 ثالثاً : وما أورده‌ أيضاً :

 «وَآلَ أَمْرُهُمْ إلَی‌ أَنْ نَسَبُوا مِثْلَ الشَّيْخِ الجَلِيلِ تَرْجُمَانِ المُفَسِّرِينَ أَبُو الفُتُوحِ الرَّازِي‌ُّ ، وَصَاحِبِ الكَرَامَاتِ علی‌ِّ بْنِ طَاووسِ ، وَشَيْخِ الفُقَهَاءِ الشَّهِيدِ الثَّانِي‌ قَدَّسَ اللَهُ أَرْوَاحَهُمْ ؛ إلَی‌ المَيْلِ إلَی‌ التَّصَوُّفِ كَمَا رَأَيْنَاهُ . وَهَذِهِ رَزِيَّةٌ جَلِيلَةٌ وَمُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ لاَبُدَّ مِنَ الاِسْتِرْجَاعِ عِنْدَها» .

 كلام‌ لا أساس‌ له‌ من‌ الصحّة‌ وحُقّ أن‌ يرجع‌ عن‌ كلامه‌ ذاك‌ وادّعائه‌ الباطل‌ ؛ وأن‌ لا يلطّخ‌ الثوب‌ الطاهر لاوتاد الدين‌ والعِلم‌ ، وأوطاد الحكمة‌ وإلیقين‌ ، ومنائر الفضيلة‌ والعرفان‌ ، والقائلين‌ بوحدة‌ الباري‌ ربّ العالمين‌ .

الرجوع الي الفهرس

ينبغي‌ البحث‌ عن‌ حقيقة‌ التشيّع‌ في‌ كتب‌ العرفاء بالله‌

 رابعاً : وما أعقب‌ هذه‌ العبارات‌ بـ :

 «نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ تَأَدُّباً لاَ إيرَاداً : إنَّ فِيمَا وَرَدَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ العِصْمَةِ عَلَیهِمُ السَّلاَمُ غِنيً وَمَنْدُوحَةً عَنِ الرُّجُوعِ إلَی‌ زُبُرِهِمْ وَمُلَفَّقَاتِهِمْ وَمَوَاعِظِهِمْ» .

 كذلك‌ كلام‌ غير موزون‌ . مَن‌ غيركم‌ ، أنتم‌ الحشويّون‌ الظاهريّون‌ ، أخرج‌ كلام‌ الثقات‌ أمثال‌ بايزيد البَسطامي‌ّ وشَقيق‌ البَلخي‌ّ والشيخ‌ المستجاب‌ الدعوة‌ من‌ بين‌ أهل‌ بغداد مَعروف‌ الكَرخي‌ّ من‌ كونه‌ من‌ زُمرة‌ تلاميذ آل‌ بيت‌ العصمة‌ علیهم‌ السلام‌ وحشره‌ في‌ زُمرة‌ المخالفين‌ ، أنتم‌ الذين‌ سارعتم‌ إلی‌ الضرب‌ بهراوة‌ التكفير والتفسيق‌ علی‌ رؤوسهم‌ لمجرّد عدم‌ توافق‌ كلماتهم‌ الراقية‌ مع‌ مزاجكم‌ وغياب‌ الانسجام‌ بين‌ مواضيعهم‌ العإلیة‌ وبين‌ ميولكم‌ ، وحسبتموهم‌ ضمن‌ جماعة‌ المخالفين‌ وزُمرة‌ المتمرّدين‌ ورهط‌ المعتدين‌ وعصبة‌ المنحرفين‌ ؟!

 أفحسبتم‌ أ نّكم‌ تستطيعون‌ حبسهم‌ وعزلهم‌ لا نّكم‌ تُمسكون‌ بيدكم‌ أقلاماً وعندكم‌ القدرة‌ علی‌ توجيه‌ تلك‌ الاتّهامات‌ إلی‌ خواصّ الائمّة‌ وأحبّ الناس‌ إلیهم‌ وخصوصاً للإمام‌ جعفر الصادق‌ وولده‌ الاكبر الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر وحفيده‌ الجليل‌ الإمام‌ علی‌ّ بن‌ موسي‌ علیهم‌ الصلاة‌ والسلام‌ ؟! أم‌ ظننتم‌ أ نّكم‌ بكرّكم‌ وفرّكم‌ وقيامكم‌ وقعودكم‌ وصعودكم‌ وهبوطكم‌ قادرون‌ علی‌ تحجيمهم‌ وإرغامهم‌ علی‌ الانزواء والاعتزال‌ عن‌ عامّة‌ الناس‌ ؟! أحسبتم‌ أن‌ يتركوكم‌ سديً ؟! أُقسمُ بالله‌ أ نّكم‌ سترون‌ هؤلاء الافراد فرداً فرداً أثناء اجتيازكم‌ للعقبات‌ الصعبة‌ والحواجز المهولة‌ والمخيفة‌ حين‌ الموت‌ ، وعالَم‌ القبر والحشر والنشر والعرض‌ والسؤال‌ والحساب‌ ؛ حين‌ المواقف‌ العظيمة‌ عند الله‌ ربّ العالمين‌ ؛ سترونهم‌ يؤاخذونكم‌ قائلين‌ : بأي‌ّ ذنب‌ ودليل‌ نسبتم‌ إلینا ما نسبتم‌ جزافاً ، وقلتم‌ إزاءنا كلّ ما استطعتم‌ في‌ المحافل‌ والمجالس‌ والدروس‌ وعلی‌ منبر النبي‌ّ وبين‌ سطور الكتب‌ الدينيّة‌ والعقائديّة‌ بلسان‌ جميع‌ أهل‌ الارض‌ ؟!

 كيف‌ نسيتم‌ مضمون‌ ا لآية‌ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـ'´نءِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُولاً [9] وأودعتموها ثَري‌ النسيان‌ ، وظلتُم‌ تشدّقون‌ ببحث‌ عدم‌ حجّيّة‌ الظنون‌ المطلقة‌ في‌ كتاب‌ الاُصول‌ ؟!

 لماذا قمتم‌ ببحث‌ الالف‌ واللام‌ في‌ أَحَلَّ اللَهُ الْبَيْعَ بإطناب‌ وتفصيل‌ مُملَّيْن‌ واستخرجتم‌ من‌ ذلك‌ فوائد جمّة‌ في‌ العموم‌ والإطلاق‌ ، ووشّحتم‌ شروحها بالحواشي‌ والتفريعات‌ التي‌ لا تحصي‌ ، لكن‌ لمّا وصل‌ الامر إلی‌ بحث‌ الالف‌ واللام‌ في‌ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ غَضّيتم‌ البصر وتغاضيتم‌ عن‌ ذلك‌ ، وأهملتم‌ التأكيد الوارد في‌ كُلُّ أُولَـ'´نءِكَ ولم‌ تنتفعوا بحالة‌ النكرة‌ المذكورة‌ في‌ سياق‌ النفي‌ في‌ كلمة‌ عِلْمٌ الانتفاع‌ المطلوب‌ والمتوخّي‌ منه‌ ؟!

 لقد شرعتم‌ أوّلاً بوضع‌ التلامذة‌ الكبار للائمّة‌ علیهم‌ السلام‌ جانباً وعزلهم‌ بعد اتّهامهم‌ بالمخالفة‌ ، ثمّ ألصقتم‌ بعد ذلك‌ تهمة‌ التخلّف‌ عن‌ ركب‌ الائمّة‌ علی‌ رجال‌ من‌ أمثال‌ أبي‌ الفتوح‌ الرازي‌ّ والسيّد ابن‌ طاووس‌ والشهيد الثاني‌ ، ظانّين‌ أ نّهم‌ من‌ زمرتكم‌ أنتم‌ الحشويّون‌ البعيدون‌ عن‌ العرفان‌ الإلهي‌ّ والمخالفين‌ للقائلين‌ بوحدة‌ الحقّ تعإلی‌ ، لتضفوا علی‌ دُكّان‌ علومكم‌ الظاهريّة‌ والمجرّدة‌ من‌ المعرفة‌ والسلوك‌ الإلهي‌ّ وتهذيب‌ النفس‌ والرياضة‌ المشروعة‌ رونقاً وبهاءً ، مع‌ أنّ هؤلاء ، في‌ الواقع‌ ، ينتسبون‌ إلی‌ أُولئك‌ ؛ ثمّ نَسبتم‌ تهمة‌ الإلحاد والانحراف‌ إلی‌ العلماء العظام‌ من‌ أمثال‌ الحكيم‌ والفيلسـوف‌ المسـلم‌ موضع‌ فخر البشـريّة‌ الملاّ صدرا الشـيرازي‌ّ أعلی‌ الله‌ درجته‌ لا لشي‌ء إلاّ لا نّه‌ مدح‌ ابن‌ عربي‌ ومجّده‌ ؛ وأطلقتم‌ لقب‌ « الملاّ المُسي‌ء » علی‌ الملاّ محسن‌ الفيض‌ ، ولقب‌ « مُميت‌ الدين‌ » علی‌ محيي‌ الدين‌ ؛ [10] وانشغلتم‌ بترتيب‌ العبارات‌ الرنّانة‌ لتُبدوا موالاتكم‌ لمذهب‌ آل‌ بيت‌ العصمة‌ وتزويق‌ الكلمات‌ لتدّعوا سيركم‌ علی‌ نهج‌ آل‌ بيت‌ الطهارة‌ والتشيّع‌ الحقيقي‌ّ . لكنّكم‌ في‌ الحقيقة‌ ابتعدتم‌ بأعمالكم‌ تلك‌ وتصرّفاتكم‌ هذه‌ عن‌ روح‌ التشيّع‌ وقصيتم‌ عن‌ حقيقة‌ الولاية‌ ؛ حتّي‌ آل‌ بكم‌ المطاف‌ إلی‌ تإلیف‌ كتاب‌ « فصل‌ الخطاب‌ في‌ تحريف‌ كتاب‌ ربّ الارباب‌ » الذي‌ اعتبرتم‌ فيه‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ أفضل‌ مرتبة‌ من‌ أبي‌ الفضل‌ علیه‌ صلوات‌ الله‌ الملك‌ المنّان‌ وأعلی‌ درجة‌ منه‌ وأخصّ زُلفة‌ لدي‌ الله‌ !

 إنّي‌ أسأل‌ من‌ سمح‌ لكم‌ بإصدار الحكم‌ «تَأَدُّباً لاَ إيرَاداً» علی‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ وأمثاله‌ والاعتراض‌ علیه‌ والانتقاص‌ منه‌ لتمنعوا بذلك‌ العامّة‌ من‌ مطالعة‌ كتب‌ عرفاء الإسلام‌ العظام‌ والواصلين‌ ذوي‌ المجد والإكرام‌ الذين‌ نهلوا العرفان‌ من‌ مصدره‌ واستقوا مبدأ الوحدة‌ من‌ مَعينها وشلاّلها ـ الوحي‌ والإلهام‌ والكشف‌ والحيلولة‌ دون‌ دراسة‌ كتب‌ الاعلام‌ مثل‌ الخواجة‌ عبد الله‌ الانصاري‌ّ و « الفصوص‌ » و « النصوص‌ » وتحرموهم‌ بذلك‌ من‌ الانتفاع‌ من‌ هذه‌ المصادر الحقّة‌ والاستفاضة‌ منها ؟!

الرجوع الي الفهرس

الإجابة‌ علی‌ الاستدلال‌ علی‌ عدم‌ جواز الرجوع‌ إلی‌ كتب‌ أهل‌ العرفان‌

 الخامس‌ :

 وفيمايلي‌ تعقيبهم‌ علی‌ هذا الكلام‌ كاستشهاد للاستدلال‌ علی‌ عدم‌ جواز الرجوع‌ إلی‌ كتب‌ أهل‌ العرفان‌ ومن‌ ذُكر في‌ كتبهم‌ كلمات‌ أو عبارات‌ مثل‌ الوصول‌ والوحدة‌ والبقاء والفَناء والاتّصال‌ وما إلی‌ ذلك‌ :

 «قَالَ تِلْمِيذُ المُفِيدِ أَبُو يَعلی‌ الجَعْفَرِي‌ُّ فِي‌ أَوَّلِ كِتَابِ «النَّزْهَةِ»[11] : إنَّ عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إلَی‌ الحَجَّاجِ : إذَا سَمِعْتَ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ فَاعْزُهُا إلَی‌ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (يَعْنِي‌ نَفْسَهُ) فَإنَّهُ أَحَقُّ بِهَا وَأَوْلَي‌ مِنْ قَائِلِهَا ! انتهي‌ .

 وَلَوْلاَ خَوْفُ الإطَالَةِ لَذَكَرْتُ شَطْراً مِنْ هَذَا البَابِ . بَلْ قَدْ وَرَدَ النَّهْي‌ُ عَنِ الاِسْتِعَانَةِ بِهِمْ .

 فَرَوَي‌ سِبْطُ الطَّبْرِسِي‌ِّ فِي‌ «مِشْكَاةِ الاَنْوَارِ» عَنِ البَاقِرِ عَلَیهِ السَّلاَمُ ، أَ نَّهُ قَالَ لِجَابِرٍ : يَا جَابِرُ ! وَلاَ تَسْتَعِنْ بِعَدُوٍّ لَنَا حَاجَةً ، وَلاَ تَسْتَطْعِمْهُ وَلاَ تَسْأَلْهُ شَرْبَةً !

 أَمَا إنَّهُ لَيَخْلُدُ فِي‌ النَّارِ فَيَمُرُّ بِهِ المُؤْمِنُ فَيَقُولُ : يَا مُؤْمِنُ ! أَلَسْتُ فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا ؟! فَيَسْتَحْيِي‌ مِنْهُ فَيَسْتَنْقِذُهُ مِنَ النَّارِ .

 الحُجَّةُ : هَذَا حَالُ طَعَامِ الاَجْسَادِ فَكَيْفَ بِقُوتِ الاَرْوَاحِ ؟!» [12] .

 إنّ جواب‌ ذلك‌ يكون‌ علی‌ وجهين‌ :

 الوجه‌ الاوّل‌ : أنّ الرجوع‌ إلی‌ كتب‌ الفلسفة‌ والعرفان‌ التي‌ مرجعها إلی‌ أقوال‌ البعض‌ من‌ أمثال‌ بايزيد البسطامي‌ّ والخواجة‌ الانصاري‌ّ وأبي‌ سعيد أبو الخير ليس‌ معناه‌ كما ذكرنا الرجوع‌ إلی‌ كتب‌ الاعداء والمخالفين‌ ، بل‌ هو رجوع‌ إلی‌ كتب‌ الاصحاب‌ للانتفاع‌ بها والاستفادة‌ من‌ معانيها العإلیة‌ ومضامينها السامية‌ التي‌ تنتهي‌ إلی‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ علیهم‌ أجمعين‌ ، أو إلی‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ ، أو إلی‌ المكاشفات‌ والمشاهدات‌ العينيّة‌ الغيبيّة‌ التي‌ نزلت‌ من‌ الربّ الودود وأُلْهِموا بها . فأين‌ هذا من‌ ذاك‌ ؟!

الرجوع الي الفهرس

وجوب‌ اكتساب‌ العلم‌ والحِكمة‌ ، ولو من‌ الكافر أو المنافق‌

 الوجه‌ الثاني‌ : لدينا الكثير من‌ الروايات‌ التي‌ تأمرنا أن‌ نبحث‌ عن‌ العِلم‌ ونطلبه‌ حثيثين‌ ولو كان‌ مُرادنا في‌ الصين‌ ، [13] وأخذ الحكمة‌ ولو كانت‌ في‌ يد المخالف‌ والمنافق‌ وحتّي‌ الكافر . وعلی‌ هذا لا يجب‌ أن‌ يصبح‌ خِلاف‌ المخالف‌ ولا نفاق‌ المنافق‌ ولا كفر الكافر مانعاً لنا من‌ طلب‌ الحكمة‌ والعِلم‌ وإفناء أنفسنا في‌ غَيابة‌ الجهل‌ والاُمّية‌ .

 ما أروع‌ الحديث‌ التإلی‌ الذي‌ يأمرنا بطلب‌ العِلم‌ في‌ أحلك‌ الظروف‌ وأقسي‌ الحالات‌ : اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَوْ بِخَوْضِ اللُجَجِ وَسَفْكِ المُهَجِ ! [14]

 الروايات‌ الواردة‌ في‌ ضرورة‌ أخذ الحكمة‌ علی‌ نحو الفرض‌ والوجوب‌

وما أبلغَ الحديث‌ النبوي‌ّ الشريف‌ التإلی‌ الذي‌ يصف‌ فيه‌ سعة‌ نطاق‌ التعلیم‌ عند المُعلِّم‌ الحريص‌ والمجرِّب‌ :

الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ أَيْنَمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا . [15]

 وجاء في‌ « مستدرك‌ نهج‌ البلاغة‌ » : قَالَ أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ :

 الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ . ( وَالمَروي‌ُّ في‌ « النَّهْجِ » : ) الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ فَخُذِ الحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ ! [16] ( وفي‌ « تُحَفِ العُقولِ » : ) فَلْيَطْلُبْهَا وَلَوْ فِي‌ أَيدِي‌ أَهْلِ الشَّرِّ ![17]

 وقال‌ : الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ فَاطْلُبُوهَا وَلَوْ عِنْدَ المُشْرِكِ ، تَكُونُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ! [18]

 وقال‌ علیه‌ السلام‌ أيضاً : خُذِ الحِكْمَةَ أَ نَّي‌ كَانَتْ ! فَإنَّ الحِكْمَةَ فِي‌ صَدْرِ المُنَافِقِ ، فَتَلَجْلَجُ فِي‌ صَدْرِهِ حَتَّي‌ تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إلَی‌ صَوَاحِبِهَا فِي‌ صَدْرِ المُؤْمِنِ ! [19]

 وروي‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ من‌ ضمن‌ وصايا لقمان‌ لولده‌ يحثّه‌ فيها علی‌ تعلّم‌ الحكمة‌ ما يلي‌ :

 يَا بُنَي‌َّ ! تَعَلَّمِ الحِكْمَةَ تَشَرَّفْ ؛ فَإنَّ الحِكْمَةَ تَدُلُّ عَلَی‌ الدِّينِ ، وَتُشَرِّفُ العَبْدَ عَلَی‌ الحُرِّ ، وَتَرْفَعُ المِسْكِينَ عَلَی‌ الغَنِي‌ِّ ، وَتُقَدِّمُ الصَّغِيرَ عَلَی‌ الكَبِيرِ ، وَتُجْلِسُ المِسْكِينَ مَجَالِسَ المُلُوكِ ، وَتَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفاً ، وَالسَّيَّدَ سُؤدَداً ، وَالغَنِي‌َّ مَجْداً !

 وَكَيْفَ يَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أَنْ يَتَهَيَّأَ لَهُ أَمْرُ دِينِهِ وَمَعِيشَتِهِ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ ؛ وَلَنْ يُهَيِّي‌َ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَ الدُّنْيَا وَا لآخِرَةِ إلاَّ بِالحِكْمَةِ .

 وَمَثَلُ الحِكْمَةِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ ، مَثَلُ الجَسَدِ بِلاَ نَفْسٍ ، أَوْ مَثَلُ الصَّعِيدِ بِلاَ مَاءٍ .

 وَلاَ صَلاَحَ لِلْجَسَدِ بِغَيْرِ نَفْسٍ ، وَلاَ لِلصَّعِيدِ بِغَيرِ مَاءٍ ، وَلاَ لِلْحِكْمَةِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ . [20]

 قال‌ المرحوم‌ المحدّث‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌ القمّي‌ّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ في‌ كتابه‌ النفيس‌ والقيّم‌ « سفينة‌ البحار » بعد ذِكر وصيّة‌ لقمان‌ أعلاه‌ عن‌ « بحار الانوار » : « وجاء في‌ كتاب‌ « نُزهة‌ النَّاظر » من‌ مصنّفات‌ أبي‌ يَعلی‌ الجعفري‌ّ خليفة‌ الشيخ‌ المفيد :

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : كَلِمَةُ حِكْمَةٍ يَسْمَعُهَا المُؤْمِنُ فَيَعْمَلُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ .

 وروي‌ في‌ كتاب‌ « مُنية‌ المريد » عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌ : قَامَ عِيسَي‌ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَیهِمَا السَّلاَمُ خَطِيباً فِي‌ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ فَقَالَ :

 يَا بَنِي‌ إسْرَائِيلَ ! لاَ تُحَدِّثُوا الجُهَّالَ بِالحِكْمَةِ فَتَظْلِمُوهَا ؛ وَلاَ تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ !

 فَأَقُولُ عَلَی‌ طِبْقِ مَا قَالَ عَلَیهِ السَّلاَمُ : إيَّاكَ وَأَنْ تَعْرِجَ مَعَ الجَاهِلِ عَلَی‌ بَثِّ الحِكْمَةِ ، وَأَنْ تَذْكُرَ لَهُ شَيْئاً مِنَ الحَقَائِقِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ لَهُ قَلْباً طَاهِراً لاَ تَعَافُهُ الحِكْمَةُ ؛ فَقَدْ قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ : لاَ تُعَلِّقُوا الجَوَاهِرَ فِي‌ أَعْنَاقِ الخَنَازِيرِ !

 وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ : إنَّ لِكُلِّ تُرْبَةٍ غَرْساً ، وَلِكُلِّ بِنَاءٍ أُسَّاً . وَمَا كُلُّ رَأْسٍ يَسْتَحِقُّ التِّيجَانَ ، وَلاَ كُلُّ طَبِيعَةٍ تَسْتَحِقُّ إفَادَةَ البَيَانِ .

 وَقَالَ العَالِمُ عَلَیهِ السَّلاَمُ : لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ . فَإنْ كَانَ وَلاَبُدَّ فَاقْتَصِرْ مَعَهُ عَلَی‌ مِقْدَارٍ يَبْلُغُهُ فَهْمُهُ وَيَسَعُهُ ذِهْنُهُ !

 فَقَدْ قِيلَ : كَمَا أَنَّ لُبَّ الثِّمَارِ مُعَدٌّ لِلاَنَامِ فَالتِّبْنُ مُتَاحٌ لِلاَنْعَامِ ، فَلُبُّ الحِكْمَةِ مُعَدٌّ لِذَوِي‌ الاَلْبَابِ وَقُشُورُهَا مَجْعُولَةٌ لِلاَغْنَامِ .

الرجوع الي الفهرس

لقمان‌ الحكيم‌ الشامي‌ّ والفلاسفة‌ إلیونانيّون‌ الخمسة‌ كانوا عظماء

 السادس‌ : وا لآن‌ وقد تبيّن‌ لنا أنّ الإسلام‌ والقرآن‌ يدعوان‌ إلی‌ الحكمة‌ بغضّ النظر عن‌ ممّن‌ تُؤخَذ ومن‌ أين‌ ، لانّ الحكمة‌ عِلم‌ يصنع‌ الإنسان‌ ويُربّي‌ البشريّة‌ علی‌ الواقع‌ وحقائق‌ الاُمور ، كما صرّحت‌ بذلك‌ ا لآيات‌ القرآنيّة‌ علی‌ لسان‌ لقمان‌ الحكيم‌ ؛ فمن‌ الاهمّيّة‌ بمكان‌ أن‌ نعلم‌ أنّ قيمة‌ هذا العلم‌ وتعلُّمه‌ وصلا حدّاً تمّ فيه‌ تمجيد لقمان‌ الحَكيم‌ والإطراء علیه‌ لاجل‌ حمله‌ هذا العلم‌ الشريف‌ ، مع‌ أ نّه‌ قد عاش‌ في‌ القرن‌ السابع‌ قبل‌ ميلاد المسيح‌ ابن‌ مريم‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیه‌ السلام‌ . وكذلك‌ الحال‌ مع‌ حكماء إلیونان‌ وفلاسفتهم‌ ، حيث‌ مُدِحوا ويُمدَحون‌ علی‌ مرّ السنون‌ مع‌ أنّ آخرهم‌ كان‌ أرسطو الذي‌ كان‌ قد عاش‌ في‌ القرن‌ السادس‌ قبل‌ ميلاد السيّد المسيح‌ . ولا نّهم‌ ( أي‌ هؤلاء الفلاسفة‌ ) كانوا فلاسفة‌ متأ لّهين‌ وكان‌ مذهبهم‌ يقوم‌ علی‌ أساس‌ توحيد الحقّ تعإلی‌ ، نري‌ أ نّهم‌ كانوا يُذكرون‌ بالفخر ويُتَحدَّثُ عنهم‌ بالاعتزاز من‌ قِبَل‌ صاحب‌ العقل‌ الكلّ والهادي‌ إلی‌ سبل‌ النجاة‌ خاتم‌ النبيّين‌ والرسل‌ وأصحاب‌ درجة‌ عإلیة‌ ومرتبة‌ راقية‌ من‌ قِبَل‌ أوصيائه‌ .

 كان‌ لقمان‌ الحكيم‌ من‌ أهل‌ الشام‌ ولم‌ يكن‌ نبيّاً ، لكنّه‌ بسبب‌ قدرته‌ الروحيّة‌ وتسلّطه‌ في‌ الحكمة‌ واغترافه‌ من‌ ينبوع‌ تعإلیم‌ النبي‌ّ داود علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیه‌ السلام‌ والذي‌ كان‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌ ، بلغ‌ منزلة‌ مرموقة‌ ومقاماً عإلیاً بحيث‌ سُمّيت‌ سورة‌ مباركة‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ باسمه‌ .

 وأورد القاضي‌ بن‌ صاعد الاندلسي‌ّ في‌ كتاب‌ « طبقات‌ الاُمم‌ » كلاماً قال‌ فيه‌ :

 «الفلاسفة‌ ، جمع‌ فيلسوف‌ وهي‌ كلمة‌ يونانيّة‌ تعني‌ « محبّ الحكمة‌ » . ويعتبر فلاسفة‌ إلیونان‌ من‌ أعاظم‌ البشر ومن‌ الطبقة‌ الممتازة‌ لعلماء العالم‌ ، حيث‌ كانوا ملمّين‌ إلماماً تامّاً بمختلف‌ الفنون‌ في‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ والعلوم‌ كالرياضيات‌ والمنطق‌ والعلوم‌ الطبيعيّة‌ والإلهيّات‌ وسياسة‌ المدن‌ والمنزل‌ .

 وهناك‌ خمسة‌ فلاسفة‌ هم‌ من‌ أعظم‌ فلاسفة‌ إلیونان‌ ، وهم‌ من‌ الاقدم‌ إلی‌ الاحدث‌ : بندقليس‌[21] ويليه‌ فيثاغورس‌ و سقراط‌ و أفلاطون‌ وأخيراً أرسطوطإلیس‌ ابن‌ نيقوماخوس‌ ( نيقوماخوش‌ ) .

 1 ـ كان‌ بندقليس‌ ( أُمبيذُكلس‌ ) معاصراً للنبي‌ّ داود حسب‌ ما يرويه‌ علماء التأريخ‌ ، وقد تلقّي‌ الحكمة‌ علی‌ يد لقمان‌ ، ثمّ رجع‌ بعد ذلك‌ إلی‌ بلاد إلیونان‌ ...

 وكان‌ أمبيذُكِلس‌ أوّل‌ من‌ جمع‌ بين‌ معاني‌ صفات‌ الله‌ ؛ وقال‌ بأنّ جميع‌ تلك‌ الصفات‌ ناشئة‌ عن‌ الذات‌ الواحدة‌ المسمّاة‌ بـ « العلم‌ » و « الجود » و « القدرة‌ » .

 وقال‌ كذلك‌ بأنّ ذات‌ الباري‌ عزّ وجلّ واحدة‌ بالحقيقة‌ وغير قابلة‌ للكثرة‌ والتمييز بأي‌ّ شكل‌ من‌ الاشكال‌ ؛ وإنّ المعاني‌ والصفات‌ المختلفة‌ هي‌ من‌ تجلّيات‌ تلك‌ الذات‌ . وإنّ وحدانيّة‌ وجود الباري‌ تختلف‌ عن‌ سائر الموجودات‌ التي‌ هي‌ عرضة‌ للكثرة‌ إلی‌ أجزاء أو معانٍ أو نظائر ، وذات‌ الله‌ منزّهة‌ عن‌ كلّ ذلك‌ .

 وقد سار علی‌ هذا المذهب‌ في‌ الصفات‌ الإلهيّة‌ أبو الهذيل‌ بن‌ العلاّف‌ المصري‌ّ .

 2 ـ أخذ فيثاغورس‌ ـ الذي‌ عاش‌ بعد أُمبيذُكِلس‌ والذي‌ سافر من‌ الشام‌ إلی‌ مصر الحكمة‌ من‌ أصحاب‌ سليمان‌ بن‌ داود ، وكان‌ قد تلقّي‌ الهندسة‌ عن‌ علماء مصر قبل‌ ذلك‌ . وبعد اكتسابه‌ العلم‌ رجع‌ إلی‌ إلیونان‌ وأدخل‌ إلیها الهندسة‌ والعلوم‌ الطبيعيّة‌ والدينيّة‌ لاوّل‌ مرّة‌ . وهو الذي‌ اخترع‌ بفطنته‌ وذكائه‌ علم‌ الموسيقي‌ وتإلیف‌ الالحان‌ والانغام‌ ، وهو أوّل‌ من‌ أخضع‌ الالحان‌ للنِّسَب‌ العدديّة‌ . وكان‌ فيثاغورس‌ يدّعي‌ أ نّه‌ استقي‌ أفكاره‌ من‌ مشكاة‌ النبوّة‌ .

 وتنطوي‌ نظريّة‌ فيثاغورس‌ ، في‌ تركيب‌ العالَم‌ وتكوينه‌ والمبنيّة‌ علی‌ خواصّ العدد ومراتبه‌ ، علی‌ رموز غريبة‌ . وتُشبه‌ عقيدة‌ فيثاغورس‌ حول‌ المعاد الديني‌ّ عقيدة‌ أمبيذُكِلس‌ ، وملخّصها هو :

 إنّ هناك‌ عالَماً فوق‌ عالَم‌ الطبيعة‌ يُسمّي‌ بالعالَم‌ الروحاني‌ّ النوراني‌ّ وهو مجبول‌ من‌ الجسمانيّات‌ والمادّة‌ ؛ وليس‌ بمقدور العقل‌ إدراك‌ حُسن‌ ذلك‌ العالَم‌ ، وهو عالَم‌ تشتاق‌ إلیه‌ النفوس‌ الزكيّة‌ باستمرار . ولا أحد يستحقّ الاتّصال‌ بذلك‌ العالَم‌ واغتنام‌ جواهر الحكمة‌ الإلهيّة‌ التي‌ يحتويها واللذائذ النفسانيّة‌ كالانغام‌ الموسيقيّة‌ التي‌ تُطرِب‌ الاسماع‌ إلاّ الإنسان‌ الكامل‌ الذي‌ جَنّب‌ نفسه‌ الصفات‌ الذميمة‌ والحيوانيّة‌ وطهّرها من‌ العادات‌ السيّئة‌ كالبخل‌ والعُجب‌ والرياء والتكبّر ، ولا قيمة‌ للعناء الذي‌ يتجشّمه‌ الإنسان‌ مقابل‌ حصوله‌ علی‌ ذلك‌ النعيم‌ .

 ولفيثاغورس‌ تإلیف‌ قيّمة‌ في‌ « علم‌ الحساب‌ » والموسيقي‌ وسائر العلوم‌ الاُخري‌ .

الرجوع الي الفهرس

تحمّل‌ سقراط‌ وأفلاطون‌ وأرسطو المشاقّ في‌ إعلإ كلمة‌ التوحيد

 3 ـ سُقراط‌ : وهو تلميذ فيثاغورس‌ ؛ فضّل‌ اللاهوت‌ علی‌ الفلسفة‌ والعلوم‌ ، وابتعد عن‌ الملذّات‌ الدنيويّة‌ وأعرض‌ عن‌ زخارفها ، وكان‌ مخالفاً للعقائد الدينيّة‌ التي‌ كانت‌ سائدة‌ عند إلیونانيّين‌ آنذاك‌ ومنها عبادة‌ الاوثان‌ ، وكان‌ يحتجّ مع‌ رؤسائهم‌ وكبرائهم‌ بالحجّة‌ البالغة‌ والبحث‌ البنّاء . فكان‌ ذلك‌ السبب‌ في‌ تإلیب‌ الناس‌ وإرغام‌ ملكهم‌ علی‌ قتله‌ .

 فأمر الملك‌ بحبس‌ سقراط‌ ثمّ أُمِر به‌ فسُقي‌ سُمّاً زؤاماً أنهي‌ حياته‌ ، فارتاح‌ من‌ عذابهم‌ ومن‌ المجادلات‌ التي‌ كانت‌ تقع‌ بينه‌ وبين‌ ملك‌ إلیونان‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ .

 ولسقراط‌ وصايا وحِكم‌ ونصائح‌ كثيرة‌ معروفة‌ . كان‌ مذهب‌ سقراط‌ في‌ موضوع‌ الصفات‌ الإلهيّة‌ قريب‌ من‌ مذهب‌ أمبيذُكِلس‌ وفيثاغورس‌ ...

 4 ـ أفلاطون‌ : أخذ الحكمة‌ عن‌ فيثاغورس‌ كما فعل‌ قبله‌ سقراط‌ ، لكنّه‌ لم‌ يشتهر بالحكمة‌ في‌ حياة‌ سقراط‌ .

 وينحدر أفلاطون‌ من‌ عائلة‌ اشتهرت‌ بالعلم‌ والنبل‌ والاصالة‌ في‌ إلیونان‌ ، وكانت‌ له‌ إلید الطولي‌ في‌ جميع‌ الفنون‌ الفلسفيّة‌ ، وأ لّف‌ في‌ هذا الباب‌ كتباً جمّة‌ .

 عُرف‌ كثير من‌ تلامذته‌ باسم‌ « المشّائين‌ » وذلك‌ بسبب‌ تعلیمه‌ إيّاهم‌ الحكمة‌ وهو ماشياً . وأوكل‌ التدريس‌ في‌ أواخر عمره‌ إلی‌ أعلم‌ تلامذته‌ ، وفضّل‌ اعتزال‌ الناس‌ وانشغل‌ بعبادة‌ الله‌ . وأشهر مؤلّفاته‌ «فيدون‌» في‌ معرفة‌ النفس‌ ، و « السياسي‌ّ » ، وكتاب‌ « تيمِه‌ » [22] في‌ تربية‌ العوالم‌ الربوبيّة‌ وعالم‌ العقل‌ وعالم‌ النفس‌ ، وكتاب‌ « تيمِه‌ الطبيعي‌ّ » في‌ تركيب‌ عالم‌ الطبيعة‌ ، حيث‌ أ لّف‌ الكتابين‌ الاخيرين‌ باسم‌ تلميذه‌ تيماوس‌ .

 5 ـ أرسطوطإلیس‌ بن‌ نيقوماخوس‌ الجهراشي‌ّ [23] الفيثاغوري‌ّ .

 وتعني‌ كلمة‌ ( نيقوماخوس‌ ) قاهر الخصوم‌ و ( أرسطوطإلیس‌ ) صاحب‌ الفضيلة‌ التامّة‌ .

 قال‌ أبوالحسن‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌ بن‌ علی‌ّ المسعودي‌ّ أنّ : نيقوماخوس‌ كان‌ من‌ أتباع‌ فيثاغورس‌ وله‌ تإلیف‌ مشهورة‌ في‌ علم‌ الحساب‌ . وكان‌ ابنه‌ أرسطوطإلیس‌ تلميذاً لافلاطون‌ حيث‌ لازمه‌ 20 سنة‌ .

 وكان‌ أفلاطون‌ يؤثر أرسطوطإلیس‌ علی‌ سائر تلامذته‌ ، وكان‌ يدعوه‌ بالعاقل‌ . وجدير بالذكر أنّ فلسفة‌ إلیونان‌ خُتمت‌ بأرسطوطإلیس‌ ، ويُعتبر بذلك‌ آخر الحكماء وكبير العلماء فيهم‌ .

 وكان‌ أرسطوطإلیس‌ أوّل‌ من‌ استخرج‌ صناعة‌ البرهان‌ من‌ سائر الصناعات‌ المنطقيّة‌ ورتّبها علی‌ ثلاث‌ صور ، وجعلها معيار للعلوم‌ النظريّة‌ ، ومن‌ هنا جاءت‌ تسميته‌ بواضع‌ علم‌ المنطق‌ .

 وقد أ لّف‌ أرسطوطإلیس‌ كتباً مهمّة‌ عديدة‌ في‌ جميع‌ العلوم‌ الفلسفيّة‌ ، يتناول‌ بعضها علماً واحداً من‌ العلوم‌ في‌ حين‌ يشتمل‌ البعض‌ ا لآخر علی‌ عدّة‌ علوم‌ يحتوي‌ علی‌ وصايا وتمارين‌ في‌ مجالات‌ مختلفة‌ . وتربو كتبه‌ علی‌ الـ 70 كتاباً حيث‌ كتبها لـ « اوفارس‌ » ... » [24] .

الرجوع الي الفهرس

تهتمّ المجامع‌ العلميّة‌ بالفلسفة‌ كثيراً ، وعند فقهنا وأُصولنا فهي‌ اعتباريّة‌

 وممّا يؤيّد أصالة‌ كلامنا في‌ هذا المجال‌ ، وهو أنّ علم‌ الفلسفة‌ والحكمة‌ يمتلكان‌ أساساً وواقعيّة‌ لا يمكن‌ التغاضي‌ عنها ، وأنّ علی‌ طلبة‌ العلوم‌ الدينيّة‌ في‌ الحوزات‌ المقّدسة‌ التسلّح‌ بها حتّي‌ يمكنهم‌ أوّلاً بناء شخصيّتهم‌ ، وثانياً نشر المعارف‌ العلميّة‌ والإلهيّة‌ في‌ المجتمعات‌ البشريّة‌ في‌ العالم‌ . أقول‌ إنّ ما يؤيّد كلامنا هو كلام‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ حسين‌ علی‌ المنتظري‌ّ الذي‌ خاطب‌ به‌ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ أعلی‌ الله‌ مقامه‌ قائلاً : « إنّها الفلسفة‌ العلميّة‌ التي‌ تستند علیها الجامعات‌ في‌ العالم‌ ويُحسب‌ لها ألف‌ حساب‌ ؛ وإنّ الفقه‌ والاُصول‌ عندنا أُمور اعتباريّة‌ » .

 وفيما يلي‌ جانباً من‌ اللقاء الذي‌ أجرته‌ مجلّة‌ « الحوزة‌ » مع‌ آية‌ الله‌ المنتظري‌ّ :

 « من‌ المشهور أنّ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ كان‌ مخالفاً للحكمة‌ والفلسفة‌ ، وهو ماحدا به‌ إلی‌ منع‌ دروس‌ الفلسفة‌ التي‌ كان‌ يلقيها العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ . نرجو من‌ سماحتكم‌ توضيح‌ هذه‌ النقطة‌ !» .

 فأجاب‌ آية‌ الله‌ المنتظري‌ّ قائلاً :

 « كان‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ يدرّس‌ « الاسفار » وكنتُ أنا أُدرّس‌ « المنظومة‌ » . فجاءني‌ يوماً المرحوم‌ الحاجّ محمّد القدسي‌ّ الإصفهاني‌ّ وقال‌ لي‌ : يقول‌ السيّد البروجردي‌ّ : قل‌ للشيخ‌ المنتظري‌ّ أن‌ يعطّل‌ درس‌ « المنظومة‌ » ويأتي‌ إلی‌ّ .

 فذهبتُ إلی‌ بيت‌ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ ، وقال‌ لي‌ الحاجّ محمّد حسين‌ :

 يقول‌ السيّد « قل‌ للشيخ‌ المنتظري‌ّ أن‌ يأتيني‌ بلائحة‌ أسماء تلاميذ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ لاقطع‌ عنهم‌ رواتبهم‌ الشهرية‌ » .

 فتعجّبتُ من‌ ذلك‌ وقلتُ له‌ : هذا أمر غير ممكن‌ ! أي‌ّ قرار هذا ؟

 فقال‌ الحاجّ محمّد حسين‌ : أنا كذلك‌ توصّلتُ إلی‌ أنّ هذا القرار خاطي‌ .

 قلتُ : إذن‌ دعنا نذهب‌ إلی‌ السيّد .

 فذهبنا ، وخاطبتُ السيّد بصراحتي‌ المعهودة‌ قائلاً : سيّدنا ! ما هذا القرار ؟ إنّها الفلسفة‌ العلميّة‌ التي‌ تستند علیها الجامعات‌ في‌ العالم‌ ويُحسب‌ لها ألف‌ حساب‌ ؛ وإنّ الفقه‌ والاُصول‌ عندنا أُمور اعتباريّة‌ .

 فقال‌ السيّد : هذا صحيح‌ ، وأنا نفسي‌ درستُ الفلسفة‌ ، لكن‌ ما العمل‌ ؟! فإنّي‌ أري‌ من‌ جهة‌ بعض‌ الطلبة‌ لا يستطيعون‌ هضم‌ هذا الكلام‌ جيّداً ، ومن‌ هنا أراهم‌ ينساقون‌ إلی‌ الانحراف‌ ، وقد رأيتُ أحدهم‌ في‌ إصفهان‌ يحمل‌ كتاب‌ « الاسفار » تحت‌ إبطه‌ ويردّد قائلاً : أنا الله‌ ! أنا الله‌ .

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌ هناك‌ اعتراضات‌ تصل‌ إلی‌ّ من‌ بعض‌ الإخوة‌ يلحّون‌ عَلَی‌ّ فيها بإستمرار بوضع‌ حدّ لهذه‌ المسألة‌ » .

 قلتُ : إذن‌ فهذا يعني‌ أ نّكم‌ لستم‌ مخالفين‌ للفلسفة‌ ، بل‌ سماحتكم‌ تعترضون‌ علی‌ نشر وترويج‌ هذه‌ العبارات‌ الغوغائيّة‌ !

 قال‌ : « نعم‌ . لا بأس‌ لو يصغوا إلی‌ الدروس‌ ويعوها جيّداً » .

 قلتُ : سأشرع‌ بتدريس‌ « الإشارات‌ » . وسأحاول‌ إقناع‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ بتدريس‌ « الشفاء » .

 فقال‌ سماحته‌ : « لا أظنّ أنّ العلاّمة‌ سيوافق‌ علی‌ ذلك‌ ، فهو لن‌ يقبل‌ بكلامي‌ » .

 قلتُ : ما هذا الكلام‌ يا سيّد ! إنّه‌ يكنّ لكم‌ احتراماً زائداً . أنا شخصيّاً سأبدأ تدريس‌ « الإشارات‌ » .

 فذهبتُ إلی‌ بيت‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ وكان‌ مريضاً في‌ ذلك‌ الوقت‌ ، فأخبرته‌ بالذي‌ جري‌ بيني‌ وبين‌ سماحة‌ البروجردي‌ّ . فقال‌ : لا ، لن‌ أُعطّل‌ درس‌ « الاسفار » سأرحل‌ مع‌ تلاميذي‌ عن‌ قم‌ إلی‌ « كوشك‌ نصرت‌ » .

 قلتُ : ما هذا الكلام‌ يا سيّد ! الطلبة‌ بحاجة‌ إلی‌ الرواتب‌ الشهريّة‌ ، وكذلك‌ هم‌ بحاجة‌ إلی‌ تلقّي‌ دروس‌ الفقه‌ والاُصول‌ ، ابدأوا أنتم‌ بتدريس‌ « الشفاء » واطرحوا آراءكم‌ كلّما كان‌ ذلك‌ ميسوراً .

 فقبل‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ بذلك‌ . ولمّا أطلعتُ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ علی‌ ذلك‌ سُرّ كثيراً .

 ما نريد قوله‌ إنّ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ درس‌ الفلسفة‌ ولم‌ يكن‌ مخالفاً لها ، لكنّ الظروف‌ في‌ ذلك‌ الوقت‌ مضافاً إلی‌ بعض‌ المسائل‌ الاُخري‌ أرغمته‌ علی‌ هذا التصرّف‌ »[25] .

الرجوع الي الفهرس

تفسير : «وَلَمْ يَكُن‌ لَّهُو وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا»

 وأمّا ما يخصّ تفسير ومفاد : وَلَمْ يَكُن‌ لَّهُ و وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ، فقد فسّرها المرحوم‌ الحاجّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ بما يلي‌ : أَي‌ْ لَمْ يَتَّخِذْ وَلِيَّاً يُعَاوِنُهُ لِمَذَلَّةٍ فِيهِ تَعَإلَی‌ عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبيراً . [26]

 ولمّا كان‌ وجـود الحقّ تعإلی‌ مطـلق‌ ووحـدته‌ وحدة‌ بالصـرافة‌ ، فلا يمكن‌ لاي‌ّ شي‌ء تحقّق‌ أي‌ّ شي‌ء خارج‌ ذاته‌ تعإلی‌ وإنّيّته‌ حتّي‌ يكون‌ وجوده‌ كاملاً ومكمّلاً به‌ أو تزول‌ حاجته‌ .

 وقال‌ كذلك‌ في‌ تفسير : يَا مَنْ هُوَ عَزِيزٌ بِلاَ ذُلٍّ ، يَا مَنْ هُوَ غَنِي‌ٌّ بِلاَ فَقْرٍ ، يَا مَنْ هُوَ مَلِكٌ بِلاَ عَزْلٍ !

 لانّ كلّ عزيز وكلّ غني‌ّ وكلّ سلطان‌ اكتسب‌ هذه‌ العزّة‌ وهذا الغني‌ وذلك‌ المُلك‌ بالاستعارة‌ وأودعت‌ عنده‌ كأمانة‌ . فنواصيهم‌ مُسخّرة‌ بِيَد قدرة‌ الحقّ تعإلی‌ .

 يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ ، وَيَقْدِرُ عَلَی‌ مَن‌ يَشَاءُ ، وَيُؤْتِي‌ المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ .

 وهو الله‌ القادر القاهر الذي‌ لا قدرة‌ ولا قهر تعلوان‌ علی‌ قدرته‌ وقهره‌ ، وأنّ هذه‌ الصفات‌ وإن‌ وُجدت‌ عند مالكيها فهي‌ مشوبة‌ بصفات‌ مقابلة‌ لها كالذلّ والفقر والعزل‌ ، بل‌ إنّ هذه‌ الصفات‌ هي‌ عين‌ صفاتهم‌ المتقابلة‌ .

 وَهُوَ البَسِيطُ الصِّرْفُ وَالوَاحِدُ المَحْضُ الثَّابِتُ لَهُ أَشْرَفُ طَرَفَي‌ِ المُقَابِلاَتِ . [27]

 وقال‌ أيضاً في‌ تفسير العبارة‌ : يَا مَنْ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلاَ وَزِيرَ ، يَا مَنْ لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَ نَظِيرَ !

 ثبت‌ بالعلوم‌ الحقيقيّة‌ أنّ الاتّحاد بالجنس‌ يُدعي‌ « المجانسة‌ » ، وبالنوع‌ يُدعي‌ « المماثلة‌ » وبالكيفيّة‌ « المشابهة‌ » وبالكمّيّة‌ « المساواة‌ » وبالوضع‌ « المطابقة‌ » وبالإضافة‌ « المناسبة‌ » .

 وليس‌ للحقّ تعإلی‌ شريك‌ في‌ الوجوب‌ ، بل‌ وليس‌ له‌ شريك‌ في‌ حقيقة‌ الوجود كذلك‌ ، لا نّه‌ لا يمكن‌ تصوّر وجود موجود فِي‌ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ إلاّ ذاته‌ . وأمّا سبب‌ عدم‌ وجود شريك‌ له‌ في‌ الجنس‌ فذلك‌ لا نّه‌ لا جنس‌ له‌ ، ولا وجود لموجود يكون‌ مثله‌ أو نظيره‌ ، لا نّه‌ لا نوع‌ له‌ ، ولا شبيه‌ له‌ لا نّه‌ لا يمتلك‌ كيفيّة‌ ، ولا وجود لموجود يساويه‌ لا نّه‌ لا يمتلك‌ كمّيّة‌ ، ولا وجود لوجود يطابقه‌ ، لا نّه‌ لا يمتلك‌ وضعاً ، ولا وجود لوجود مناسب‌ له‌ لا نّه‌ لا يمتلك‌ إضافة‌ مقوليّة‌ .

 وعلی‌ هذا فإنّ جميع‌ تلك‌ الاقسام‌ لاتقبل‌ الشريك‌ بل‌ تنفيه‌ ، لانّ المشابِه‌ أو المساوي‌ أو غيرهما هما ( في‌ الواقع‌ ) بمثابة‌ شريك‌ في‌ الكيفيّة‌ والكمّيّة‌ ونحوهما . [28]

 وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ، أي‌ عَظّمه‌ ما استطعتَ وكلمَتَي‌ الكبر والعظمة‌ هما حسب‌ اختيارك‌ واستخدامك‌ !

 وقال‌ أيضاً في‌ تفسير الفقرة‌ : يَا مَنْ هُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِ :

 « الكبير هنا تعني‌ العظيم‌ وهي‌ من‌ باب‌ «كَبُرَ» بالضمّ ، أي‌ عظيم‌ ، وليست‌ من‌ باب‌ «كَبِرَ» بالكسر ، أي‌ كبر في‌ السنّ وشاخ‌ . ووصف‌ الكبير في‌ هذه‌ الجملة‌ محصور بالضمير « هُوَ » ، أي‌ هو الموجود الكبير المتعال‌ وحسب‌ ولا موجود كبير ومتعال‌ غيره‌ علی‌ الإطلاق‌ ، لانّ المُسند المُعَرَّف‌ باللام‌ يفيد الحصر في‌ المسند إلیه‌ كما هو معروف‌ في‌ علم‌ المعاني‌ » [29] .

 وعلی‌ أساس‌ هذا فالحصر موجود في‌ معني‌ ومفهوم‌ المسند في‌ المسند إلیه‌ في‌ مناجاة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ مع‌ الحقّ المتعال‌ حيث‌ يقول‌ :

 مَوْلاَي‌َ يَا مَوْلاَي‌َ ! أَنْتَ العَزِيزُ وَأَنَا الذَّلِيلَ وَهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إلاَّ العَزِيزُ ؟ [30]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ ذيل‌ الآية‌ الاخيرة‌ من‌ السورة‌ 18 : الكهف‌ . 

[2] ـ صدر الآية‌ 5 ، من‌ السورة‌ 29 : العنكبوت‌ . 

[3] ـ Bibliography ويعني‌ فنّ وصفّ الكتب‌ والمخطوطات‌ أو التعريف‌ بها . (م‌) 

[4] ـ ذيل‌ الآية‌ 16 ، من‌ السورة‌ 40 : غافر .  

[5] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 88 ، من‌ السورة‌ 28 : القصص‌ . 

[6] ـ ذيل‌ الآية‌ 29 ، من‌ السورة‌ 7 : الاعراف‌ . 

[7] ـ الآيتان‌ 26 و 27 ، من‌ السورة‌ 55 : الرحمن‌ . 

[8] ـ «أوصاف‌ الاشراف‌» ص‌ 67 و 68 . والآية‌ هي‌ قسم‌ من‌ الآية‌ 123 ، من‌ السورة‌ 11 : هود . 

[9] ـ الآية‌ 36 ، من‌ السورة‌ 17 : الإسراء . 

[10] ـ هذه‌ هي‌ صريح‌ عبارات‌ الشيخ‌ أحمد الاحسائي‌ّ . 

[11] ـ يعني‌ كتاب‌ «نزهة‌ الناظر» . 

[12] ـ خاتمة‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» ج‌ 3 ، ص‌ 330 و 331 . 

[13] ـ «بحار الانوار» للعلاّمة‌ المجلسي‌ّ رحمه‌ الله‌ ، ج‌ 1 ، ص‌ 57 و 58 ، طبعة‌ الكمباني‌ّ ؛ وكتاب‌ «غوالي‌ اللئالي‌» و«روضة‌ الواعظين‌» . 

[14] ـ هذه‌ العبارة‌ مقتبسة‌ من‌ رواية‌ أوردها محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ في‌ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1 ، ص‌ 35 ، رواية‌ رقم‌ 5 ، باب‌ ثواب‌ العالِم‌ والمُتعلِّم‌ ، بسنده‌ إلي‌ أبي‌ حمزة‌ الثمالي‌ عن‌ الإمام‌ سيّد الساجدين‌ علي‌ّ بن‌ الحسين‌ عليهما السلام‌ حيث‌ قال‌ :

 لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي‌ طَلَبِ العِلْمِ لَطَلَبوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ المُهَجِ وَخَوْضِ اللُجَجِ . إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ أَوْحَي‌ إلَي‌ دَانْيَالَ : إنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي‌ إلَي‌َّ الجَاهِلُ المُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ العِلْمِ ، التَّارِكُ لِلاِقْتِدَاءِ بِهِمْ ؛ وَإنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي‌ إلَي‌َّ التَّقِي‌ُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الجَزِيلِ ، اللاَزِمُ لِلْعُلَمَاءِ ، التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ ، القَابِلُ عَنِ الحُكَمَاءِ . 

[15] ـ روي‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 2 ، ص‌ 99 ، الطبعة‌ الحروفيّة‌ ، من‌ «الامالي‌» للشيخ‌ الطوسي‌ّ بسند متّصل‌ عن‌ الإمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نّه‌ قال‌ : كَلِمَةُ الحِكْمَةِ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ فَحَيْثُ وَجَدَها فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا .

 وروي‌ الراغب‌ الإصفهاني‌ّ في‌ «المحاضرات‌» ج‌ 1 ، ص‌ 50 ، عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ أ نّه‌ قال‌ : الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ أَيْنَمَا وَجَدَهَا قَيَّدَهَا .

 وقيل‌ كذلك‌ : خُذِ الحِكْمَةَ مِمَّنْ تَسْمَعُهَا مِنْهُ ؛ فَرُبَّ رَمْيَةٍ مِنْ غَيرِ رَامٍ ، وَحِكمَةٍ مِنْ غَيْرِ حَكِيمٍ . وأيضاً : لاَ يَمْنَعَكَ ضِعَةُ القَائِلِ عَنِ الاسْتِمَاعِ إلَيْهِ ؛ فَرُبَّ فَمٍ كَرِيهٍ مَجَّ عِلْماً ذَكِيَّاً ، وَتِبْرٍ صَافٍ فِي‌ صَخْرٍ جَاسٍ . 

[16] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الحكمة‌ 80 ؛ وفي‌ طبعة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ ـ مصر : ج‌ 2 ، ص‌ 154 . 

[17] ـ «مستدرك‌ نهج‌ البلاغة‌» تأليف‌ الشيخ‌ هادي‌ كاشف‌ الغطاء ، ص‌ 158 . 

[18] ـ «مستدرك‌ نهج‌ البلاغة‌» تأليف‌ الشيخ‌ هادي‌ كاشف‌ الغطاء ، ص‌ 178 . 

[19] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الحكمة‌ 79 ؛ وفي‌ طبعة‌ مصر ، شرح‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌ : ج‌ 2 ، ص‌ 154 . 

[20] ـ «بحار الانوار» ذكره‌ في‌ موضعَين‌ ، الاوّل‌ في‌ : باب‌ العلوم‌ التي‌ أُمِرَ الناسُ بتحصيلها وينفعهم‌ ، وفيه‌ تفسير الحكمة‌ ، من‌ طبعة‌ الكمباني‌ّ : ج‌ 1 ، ص‌ 68 ؛ والطبعة‌ الحروفيّة‌ : ج‌ 1 ، ص‌ 219 و 220 ، من‌ «كنز الفوائد» للكراجكي‌ّ . والثاني‌ في‌ كتاب‌ الروضة‌ ، باب‌ نوادر المواعظ‌ والحِكَم‌ ، من‌ طبعة‌ الكمباني‌ّ : ج‌ 17 ، ص‌ 249 ؛ والطبعة‌ الحروفيّة‌ ، ج‌ 78 ، ص‌ 458 من‌ كتاب‌ «أعلام‌ الدين‌» . 

[21] ـ وهو نفسه‌ المسمّي‌ أُمبيذُ كِلس‌ (Empedocles) . (التعليقة‌) . 

[22] ـ Le Timee . 

[23] ـ ربّما كان‌ جراسي‌ واستراجيري‌ موطنا أرسطو . (التعليقة‌) . 

[24] ـ كتاب‌ «طبقات‌ الاُمم‌» تأليف‌ أبي‌ القاسم‌ صاعد بن‌ أحمد بن‌ صاعد الاندلسي‌ّ المتوفّي‌ سنة‌ 462 ه . 

[25] ـ مجلّة‌ «الحوزة‌» العددان‌ 43 و 44 ، الصادران‌ في‌ (فروردين‌ ، أُرديبهشت‌ ، خرداد ، تير) 1370 ه.ش‌ ، بمناسبة‌ الذكري‌ الثلاثين‌ لرحيل‌ آية‌ الله‌ العظمي‌ البروجردي‌ّ قدّس‌ سرّه‌ ، ص‌ 254 و 255 ، ضمن‌ لقاء تحت‌ عنوان‌ «مبادي‌ وأساليب‌ الاستنباط‌ عند آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ» . 

[26] ـ «شرح‌ الاسماء» ، ص‌ 609 ، طبعة‌ جامعة‌ طهران‌ ، ضمن‌ تفسير الفصل‌ 62 (سب‌) من‌ ذلك‌ الدعاء المبارك‌ . 

[27] ـ «شرح‌ الاسماء» ص‌ 657 ، ضمن‌ تفسير الفقرة‌ 74 (عد) من‌ ذلك‌ الدعاء المبارك‌ . 

[28] ـ «شرح‌ الاسماء» ص‌ 675 و 676 ، ضمن‌ تفسير الفقرة‌ 79 (عط‌) من‌ الدعاء المبارك‌ . 

[29] ـ «شرح‌ الاسماء» ص‌ 151 ، ضمن‌ تفسير الفقرة‌ 4 (د) من‌ الدعاء المبارك‌ . 

[30] ـ «البلد الامين‌» للكفعمي‌ّ ، ص‌ 319 ، الطبعة‌ الحجريّة‌ ، سنة‌ 1383 .

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com