بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الله/ المجلد الثانی/ القسم الثالث:إنکار لقاء الله، النفس من المجردات، مقام العرفاء فی الأحادیث، الروایة المعراج...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

إنكار لقاء الله‌ الباعث‌ علی‌ التنزيه‌ المحض‌، يوجب‌ الكفر

 ويقول‌ الاءمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: مَا رَأَيْتُ شَيْئَاً إلاَّ وَرَأَيْتُ اللَهَ قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ ؛ فليس‌ للاءنسان‌ بعد أن‌ ينكر ذلك‌، أو يأوّله‌ علی‌ هذا المعني‌ ( وقد أقرّ قلبه‌ بذلك‌ ) ويسمّي‌ ذلك‌ تنزيهاً للّه‌ تعالي‌ عن‌ أن‌ يشاهد أحد حقائق‌ أسمائه‌ العظيمة‌.

 نعم‌، هذا طبيعيّ، فالاءنسان‌ عدوّ ما يجهل‌.

 وعلی‌ أيّة‌ حال‌، فإذا كان‌ عزم‌ المؤمن‌ علی‌ أن‌ ينفي‌ كلّ مسألة‌ لا يصل‌ الفهم‌ البدويّ إليها، فإنّه‌ سيخرج‌ عن‌ دائرة‌ الاءيمان‌، بل‌ ـ وحسب‌ قول‌ الاءمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ فهو إن‌ لم‌ يُقرّ بعد التأمّل‌ والبحث‌، وأصرّ علی‌ الردّ والاءنكار، واتّخذهما نهجاً ومذهباً له‌، فهو خارج‌ عن‌ دائرة‌ الاءيمان‌.

 وحريُّ بالاءنسان‌ في‌ غمرة‌ هذه‌ المسائل‌، إذا استعصي‌ علیه‌ أمرٌ في‌ كلمات‌ الانبياء والاولياء والعلماء الاعلام‌ ولم‌ يتبيّن‌ كنهه‌، أن‌ يتضرّع‌ إلي‌ واهب‌ العلم‌ والعقل‌، ويُخلص‌ نيّته‌، ويتأمّل‌ في‌ كلماته‌، وإذا أُتيحت‌ له‌ الفرصة‌ فليسأل‌ من‌ أتقياء العلماء، فإنّ خالق‌ الكون‌ سيمنّ علیه‌ بفهمها، أو يريه‌ سبيل‌ فهمها.

 ووجود هذه‌ المسائل‌ الرفيعة‌ والاسرار الربّانيّة‌ في‌ الدين‌ الحقّ، أمر مفروغ‌ منه‌، ولكنّ الكلّ يدرك‌، حتّي‌ المتوغّلين‌ منهم‌ في‌ جمودهم‌، بأنّ السبيل‌ إلي‌ ذلك‌ الفهم‌، هو بتزكية‌ النفس‌ والتقوي‌ والرياضة‌ الشرعيّة‌، فبهذا كلّه‌ تضعف‌ القوّة‌ الحيوانيّة‌، وتنمو القوّة‌ الروحانيّة‌ والاءيمانيّة‌، عندها تري‌ بصيرة‌ الاءنسان‌ نور الحقيقة‌ ( بالكشف‌ والشهود ) كما في‌ قوله‌ تعالي‌ في‌ الآية‌ الكريمة‌: وَالَّذِينَ جَـ'هَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. [1]

 وروي‌ عن‌ خاتم‌ الرسل‌ الحبيب‌ المصطفي‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أ نّه‌ قال‌، إنّ كلّ فرد له‌ عينا السرّ يُبصر بهما الغيب‌، فإذا أراد تعالي‌ بعبده‌ خيراً، فتح‌ له‌ عينَي‌ السرّ هاتين‌.

 والآن‌ يا أخي‌! إذا عقدت‌ الامر لتكون‌ من‌ أهل‌ المعرفة‌، وتصبح‌ إنساناً، فتسبح‌ في‌ العالم‌ الروحانيّ، وتكون‌ شريكاً للملائكة‌، ورفيقاً للانبياء والاولياء، فاحزم‌ أمرك‌، وادخل‌ من‌ باب‌ الشريعة‌، وضَعْ عنك‌ ما استطعتَ من‌ الصفات‌ الحيوانيّة‌، وتخلّق‌ بأخلاق‌ الروحانيّين‌، ولا ترضَ بمقام‌ الحيوان‌، ولا تقنع‌ بدرجة‌ الجماد، وغادر هذا المستنقع‌ إلي‌ الموطن‌ الاصليّ في‌ عوالم‌ العلیّين‌، ومكان‌ المقرّبين‌، لكي‌ تلمس‌ حقيقة‌ هذا الامر الجسيم‌ بالكشف‌ والعيان‌، وطريق‌ الوصول‌ إلي‌ المنزلة‌ العظمي‌ هو بمعرفة‌ النفس‌، فابذل‌ السعي‌ الحثيث‌ لعلّك‌ تصل‌ إلي‌ معرفة‌ نفسك‌، فهي‌ السبيل‌ لمعرفة‌ الله‌ جلّ جلاله‌ كما قد روي‌ بأنّ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ. [2]

 مع‌ أنّ البعض‌ يأخذ هذه‌ الرواية‌ ويُأوّلها علی‌ أساس‌ التعلیق‌ بالمحال‌ ؛ غافلين‌ عن‌ أنّ هذا المعني‌ قد ورد في‌ أخبار أُخري‌ بالمعني‌ الاوّل‌.

 كما وردَ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » أنّ رسول‌ الله‌ سُئل‌: ما العِلم‌ الذي‌ أُشيرَ إليه‌ أن‌ يُطَلَبَ ولو كان‌ في‌ الصين‌ ؟

 قال‌: المراد من‌ ذلك‌ هو معرفة‌ النفس‌ التي‌ فيها تكمن‌ معرفة‌ الربّ.

 وهكذا فقد ورد في‌ الخبر أ نّهم‌ سألوا رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: كَيْفَ الطَّرِيقُ إلی‌ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ ؟! فأجاب‌: مَعْرِفَةُ النَّفْسِ! [3]

 وبالجملة‌، فاعلم‌ أنّ إنسانيّة‌ الاءنسان‌ ليس‌ في‌ صورته‌، فالصورة‌ يمكن‌ نقشها علی‌ باب‌ الحمّام‌ كذلك‌، ولا في‌ جسمانيّته‌، فالحيوانات‌ الخبيثة‌ أيضاً لها أجسام‌، ولا في‌ شراهة‌ الاكل‌ والجماع‌، ذلك‌ أنّ الدبّ والخنزير أكثر شراهةً منك‌، ولا حتّي‌ في‌ الغضب‌ وشدّة‌ الانتقام‌، ذلك‌ أنّ قوّة‌ الغضب‌ عند الكلب‌ والذئب‌ كبيرة‌، بل‌ إنّ الخصوصيّة‌ الاءنسانيّة‌ التي‌ تجعل‌ منك‌ إنسانياً وتُفتَقَد لدي‌ نُظرائك‌، هي‌ العلم‌ والمعرفة‌ والاخلاق‌ الفاضلة‌.

 فلا يمكن‌ الحصول‌ علی‌ العلم‌ والمعرفة‌ إلاّ بتحسين‌ الاخلاق‌، كما قال‌: لَيْسَ العِلْمُ فِي‌ السَّمَاءِ لِيَنْزِلَ إلیْكُمْ، وَلاَ فِي‌ الاَرْضِ لِيَصْعَدَ لَكُمْ ؛ بَلْ مَجْبُولٌ فِي‌ قُلُوبِكُمْ. تَخَلَّقُوا بِأَخْلاَقِ الرُّوحَانِيِّينَ حَتَّي‌ يَظْهَرَ لَكُمْ! [4]

 وتفصيل‌ هذا الاءجمال‌ هو: هذا النموذج‌ الاءنسانيّ هو عجينة‌ غريبة‌ قد حوت‌ جانباً من‌ كلّ عوالم‌ الاءمكان‌، بل‌ وفيها أثر من‌ كلّ الصفات‌ والاسماء الاءلهيّة‌ جلّ جلاله‌. كتابٌ خطّه‌ أحسن‌ الخالقين‌ بيمينه‌، وهو صورة‌ عن‌ اللوح‌ المحفوظ‌. وهو حجّة‌ الله‌ الكبري‌، وحامل‌ الامانة‌ التي‌ أبت‌ السماوات‌ والارضون‌ أن‌ يحملنها، وبعبارة‌ أُخري‌، فلعالم‌ المحسوسات‌ وعالم‌ المثال‌ وعالم‌ المعقول‌، لكلّ هذه‌ العوالم‌ نصيبٌ وافر في‌ هذا الاءنسان‌. فإذا وظّف‌ الاءنسان‌ عالَمَي‌ الحسّ والمثال‌ فيه‌ لخدمة‌ عقله‌، أي‌ بمعني‌ أ نّه‌ صبّ توجّهاته‌ وهممه‌ نحو عالمه‌ ذاك‌. وأن‌ يضع‌ قوّته‌ موضع‌ التنفيذ، فعندها سيوهب‌ ملكوت‌ عالَمي‌ الشهادة‌ والمثال‌، وباختصار فسيدرك‌ منزلة‌ ومقاماً لم‌ يخطرا ببال‌ أحد لما فيهما من‌ الشرف‌ واللذّة‌ والبهاء ومعرفة‌ للحقّ تعالي‌.

 بلي‌، فما لا يمكن‌ تصوّره‌ بالخيال‌، سيتحقّق‌.

 وأمّا إذا وظّف‌ عقله‌ لخدمة‌ عالم‌ الحسّ والشهادة‌ وهو عالم‌ الطبيعة‌ وعالم‌ سجّين‌، وجعله‌ تابعاً لهما، وآثر الانغماس‌ في‌ عالم‌ الطبيعة‌، و أَخْلَدَ إِلَي‌ الاْرْضِ،[5] فالله‌ أعلم‌ بما سيصيبه‌ من‌ البلاء والشقاء والظلمة‌ والشدّة‌ بعد مفارقة‌ الروح‌ بدنه‌، لا سيّما في‌ يوم‌ القيامة‌ الكبري‌، يَوْمَ تُبْلَي‌ السَّرَآءِرُ. [6]

 الرجوع الي الفهرس

من‌ عبر الحجب‌ الظلمانيّة‌ رأي‌ أنّ النفس‌ هي‌ من‌ المجرّدات‌

 وعموماً، إذا زكّي‌ الاءنسان‌ أخلاقه‌، ووزن‌ أعماله‌ وحركاته‌ وسكناته‌ بميزان‌ الشرع‌ والعقل‌ ـ لانّ الشرع‌ والعقل‌ متطابقان‌ فإنّها تأمر الاءنسان‌ الاتّصاف‌ بصفات‌ وأخلاق‌ الروحانيّين‌، وأن‌ تكون‌ حركاته‌ وسكناته‌ حافزاً للارتقاء إلي‌ عوالم‌ العلیّين‌ ومنزلة‌ الروحانيّين‌ السامية‌.

 وإجمالاً، أن‌ يحصل‌ علی‌ المعرفة‌ بِاللَهِ وَمَلَـ'´نءِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ [7] عن‌ طريق‌ المَعْرِفَةِ الوِجْـدَانِيَّةِ، عندها سـيصبح‌ إنسـاناً روحانيّاً لا جسمانيّاً، وبعبارة‌ أُخري‌: صَارَ مَوْجُوداً بِمَا هُوَ إنْسَانٌ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً بِمَا هُوَ حَيَوَانٌ.

 كما روي‌ علم‌ الهدي‌ [8] في‌ « الغرر والدرر » عن‌ سلطان‌ الولاية‌ علیه‌ السلام‌ في‌ إجابته‌ علی‌ سؤال‌ عن‌ العالم‌ العلويّ حيث‌ قال‌:

 خَلَقَ الاءنْسَانَ ذَا نَفْسٍ نَاطِقَةٍ، إنْ زَكَّاهَا بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ فَقَدْ شَابَهَتْ جَوَاهِرَ أَوَائِلَ عِلَلِهَا، وَإذَا اعْتَدَلَ مِزَاجُهَا وَفَارَقَتِ الاَضْدَادَ فَقَدْ شَارَكَ بِهَا السَّبْعَ الشِّدَادَ. [9]

 وهكذا في‌ خبر آخر، حيث‌ يقول‌ في‌ بيان‌ الخليفة‌ ( بعد بيانه‌ لعدّة‌ مواضيع‌ ):

 فَمَنْ تَخَلَّقَ بِالاَخْلاَقِ فَقَدْ صَارَ مَوْجُوداً بِمَا هُوَ إنْسَانٌ دُونَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُوداً بِمَا هُوَ حَيَوَانٌ ؛ فَقَدْ دَخَلَ فِي‌ البَابِ المَلَكِي‌ِّ الصُّورِي‌ِّ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الغَايَةِ مَعْبَرٌ.

 ومن‌ دالت‌ له‌ هذه‌ الدولة‌ وامتاز علی‌ عالَمَي‌ الماء والطين‌، اللذين‌ هما عالَمي‌ الظلمة‌ وأوصل‌ نفسه‌ إلي‌ مقام‌ معرفة‌ النفس‌، أي‌ حقيقة‌ النفس‌، ورأي‌ حقيقة‌ نفسه‌ وروحه‌ اللتين‌ هما من‌ عالم‌ النور ومفتاح‌ معرفة‌ الربّ بالكشف‌ والعيان‌، فسيري‌ نفسه‌ من‌ المجرّدات‌ ليس‌ إلاّ.

 وحينئذٍ سينجو من‌ الحجب‌ الظلمانيّة‌، ولن‌ تبقي‌ بينه‌ وبين‌ الوصول‌ إلي‌ المقام‌ الذي‌ يمكن‌ فيه‌ معرفة‌ الحقّ جلّ جلاله‌ إلاّ الحجب‌ النورانيّة‌، وخلال‌ تلك‌ الحجب‌ والوصول‌ إلي‌ هذا المقام‌ المنيع‌ توجد لذّات‌ وبهجات‌ ولوازم‌ وعوالم‌ حيث‌ لا يمكن‌ لاحد، غير أهلها، أن‌ يعلم‌ كنه‌ تلك‌ العوالم‌ واللوازم‌ كما يجب‌.

 الرجوع الي الفهرس

مطالب‌ «الكافي‌» و«مصباح‌ الشريعة‌» في‌ علوّ مقام‌ العرفاء

 ولو افترضنا أنّ شخصاً ما توصّل‌ إلي‌ اعتقاد ما بالعلم‌ أو عن‌ طريق‌ البرهان‌ مثلما كتب‌ الشيخ‌ الرئيس‌ وغيره‌ حول‌ درجات‌ العرفاء، أو توصّل‌ إلي‌ ذلك‌ بتقليد أهله‌، فلا تزال‌ هناك‌ آلاف‌ الفروقات‌ بين‌ هذا العلم‌ والمعرفة‌، وبين‌ تلك‌ المعرفة‌ الشهوديّة‌ والوجدانيّة‌ التي‌ تلقّاها عن‌ أهلها ؛ واللذّة‌ التي‌ تحصل‌ لاهلها عند مشاهدة‌ هذه‌ المراتب‌ هي‌ ذات‌ اللذّة‌ التي‌ رواها « الكافي‌ » عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ حيث‌ يقول‌:

 لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي‌ فَضْلِ مَعْرِفَةِ اللَهِ، مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إلی‌ مَا مَتَّعَ اللَهُ بِهِ الاَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَنِعْمَتِهَا، وَكَانَتْ دُنْيَاهُمْ عِنْدَهُمْ أَقَلَّ مِمَّا يَطَؤُونَهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَلَيَتَنَعَّمُوا بِمَعْرِفَةِ اللَهِ تَعَالَي‌ وَتَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي‌ رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللَهِ.

 إنَّ مَعْرِفَةَ اللَهِ أُنْسٌ مِنْ كُلِّ وَحْشَةٍ، وَصَاحِبٌ مِنْ كُلِّ وَحْدَةٍ، وَنُورٌ مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَقُوَّةٌ مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ، وَشِفَاءٌ مِنْ كُلِّ سُقْمٍ[10] ـ انتهي‌.

 وقال‌ في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ » في‌ معرض‌ تعريفه‌ للعارف‌:

 العَارِفُ شَخْصُهُ مَعَ الخَلْقِ وَقَلْبُهُ مَعَ اللَهِ، وَلَوْ سَهَي‌ قَلْبُهُ عَنِ اللَهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَمَاتَ شَوْقاً إلیْهِ.

 وَالعَارِفُ أَمِينُ وَدَائِعِ اللَهِ، وَكَنْزُ أَسْرَارِهِ وَمَعْدِنُ نُورِهِ، وَدَلِيلُ رَحْمَتِهِ عَلَی‌ خَلْقِهِ، وَمَطِيَّةُ عُلُومِهِ، وَمِيزَانُ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ. قَدْ غَنِي‌َ عَنِ الخَلْقِ وَالمُرَادِ وَالدُّنْيَا، وَلاَ مُونِسَ لَهُ سِوَي‌ اللَهِ، وَلاَ مَنْطِقَ وَلاَ إشَارَةَ وَلاَ نَفَسَ إلاَّ بِاللَهِ لِلَّهِ مِنَ اللَهِ مَعَ اللَهِ.

 فَهُوَ فِي‌ رِيَاضِ قُدْسِهِ مُتَرَدِّدٌ، وَمِنْ لَطَائِفِ فَضْلِهِ إلیْهِ مُتَزَوِّدٌ. وَالمَعْرِفَةُ أَصْلٌ وَفَرْعُهُ الاءيمَانُ. [11]

 وروي‌ في‌ « الكافي‌ » و « التوحيد » عن‌ الاءمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌: إنَّ رُوحَ المُؤْمِنِ لاَشَـدُّ اتِّصَالاً بِرُوحِ اللَهِ مِنِ اتِّصَالِ شُـعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا.

 وجاء في‌ حديث‌ قدسيّ متّفق‌ علیه‌ بين‌ جميع‌ أهل‌ الاءسلام‌، أ نّه‌ قال‌:

 مَا يَتَقَرَّبُ إلی‌َّ عَبْدِي‌ بِشَي‌ءٍ أَحَبَّ إلی‌َّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَیْهِ. وَإنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلی‌َّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّي‌ أُحِبَّهُ، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي‌ يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي‌ يُبْصِرُ بِهِ وَلِسَانَهُ الَّذِي‌ يَنْطِقُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي‌ يَبْطِشُ بِهَا.

 إنْ دَعَانِي‌ أَجَبْتُهُ وَإنْ سَأَلَنِي‌ أَعْطَيْتُهُ. [12]

 ويقول‌ الخواجة‌ نصير الدين‌ قدّس‌ سرّه‌:

 العَارِفُ إذَا انْقَطَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَاتَّصَلَ بِالحَقِّ، رَأَي‌ كُلَّ قُدْرَةٍ مُسْتَغْرَقَةً فِي‌ قُدْرَتِهِ المُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ المَقْدُورَاتِ، وَكُلَّ عِلْمٍ مُسْتَغْرَقاً فِي‌ عِلْمِهِ الَّذِي‌ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ شَي‌ءٌ مِنَ المَوْجُودَاتِ، وَكُلَّ إرَادَةٍ مُسْتَغْرَقَةً فِي‌ إرَادَتِهِ الَّتِي‌ لاَ يَتَأَبَّي‌ عَنْهَا شَي‌ءٌ مِنَ المُمْكِنَاتِ ؛ بَلْ كُلُّ وُجُودٍ فَهُوَ صَادِرٌ عَنْهُ فَائِضٌ مِنْ لَدُنْهُ.

 فَصَارَ الحَقُّ حِينَئِذٍ بَصَرَهُ الَّذِي‌ بِهِ يَبْصُرُ، وَسَمْعَهُ الَّذِي‌ بِهِ يَسْمَعُ، وَقُدْرَتَهُ الَّتِي‌ بِهَا يَفْعَلُ، وَعِلْمَهُ الَّذِي‌ بِهِ يَعْلَمُ، وَوُجُودَهُ الَّذِي‌ بِهِ يُوجِدُ.

 فَصَارَ العَارِفُ حينَئِذٍ مُتَخَلِّقاً بِأَخْلاَقِ اللَهِ بِالحَقِيقَةِ. [13]

 وقال‌ أيضاً في‌ « مصباح‌ الشريعة‌ »:

 المُشْتَاقُ لاَ يَشْتَهِي‌ طَعَاماً وَلاَ يَسْتَلِذُّ شَرَاباً وَلاَ يَسْتَطِيبُ رُقَاداً وَلاَ يَأْنَسُ حَمِيماً وَلاَ يَأْوَي‌ دَاراً وَلاَ يَسْكُنُ عِمْرَاناً وَلاَ يَلْبَسُ لَيِّناً وَلاَ يَقِرُّ قَرَاراً، وَيَعْبُدُ اللَهَ لَيْلاً وَنَهَاراً رَاجِياً أَنْ يَصِلَ إلی‌ مَا يَشْتَاقُ إلیْهِ، وَيُنَاجِيهِ بِلِسَانِ شَوْقِهِ مُعَبِّراً عَمَّا فِي‌ سَرِيرَتِهِ، كَمَا أَخْبَرَ اللَهُ عَنْ مُوسَي‌ بْنِ عِمْرَانَ فِي‌ مِيعَادِ رَبِّهِ بِقَوْلِهِ:

 «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَي‌'».

 وَفَسَّرَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَالِهِ: أَ نَّهُ مَا أَكَلَ وَلاَ شَرِبَ وَلاَ نَامَ وَلاَ اشْتَهَي‌ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ فِي‌ ذِهَابِهِ وَمَجِيئِهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً شَوْقاً إلی‌ رَبِّهِ.

 فَإذَا دَخَلْتَ مَيْدَانَ الشَّوْقِ فَكَبِّرْ عَلَی‌ نَفْسِكَ وَمُرَادِكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَدَعِ المَأْلُوفَاتِ وَأَحْرِمْ عَنْ سِوَي‌ مَشُوقِكَ وَلَبِّ بَيْنَ حَيَاتِكَ وَمَوْتِكَ ـ إلي‌ آخره‌.[14]

 وروي‌ في‌ « علل‌ الشرايع‌ » عن‌ خاتم‌ الانبياء صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 إنَّ شُعَيْباً بَكَي‌ مِنْ حُبِّ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّي‌ عَمِي‌َ فَرَدَّ اللَهُ عَلَیْهِ بَصَرَهُ، ثُمَّ بَكَي‌ حَتَّي‌ عَمِي‌َ فَرَدَّ اللَهُ عَلَیْهِ بَصَرَهُ، ثُمَّ بَكَي‌ حَتَّي‌ عَمِي‌َ ] فَرَدَّ اللَهُ عَلَیْهِ [ بَصَرَهُ.

 فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ أَوْحَي‌ اللَهُ إلیْهِ: يَا شُعَيْبُ! إلی‌ مَتَي‌ يَكُونُ هَذَا مِنْكَ أَبَداً ؟! إنْ يَكُنْ هَذَا خَوْفاً مِنَ النَّارِ فَقَدْ أَجَرْتُكَ ؛ وَإنْ يَكُنْ شَوقاً إلی‌ الجَنَّةِ فَقَدْ أَبَحْتُكَ!

 فَقَالَ: إلَهِي‌ وَسَيِّدِي‌! أَنْتَ تَعْلَمُ أَ نِّي‌ مَا بَكِيتُ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَلاَ شَوْقاً إلی‌ جَنَّتِكَ، وَلَكِنْ عُقِدَ حُبُّكَ عَلَی‌ قَلْبِي‌ فَلَسْتُ أَصْبِرُ أَوْ أَرَاكَ!

 فَأَوْحَي‌ اللَهُ جَلَّ جَلاَلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَأُخْدِمُكَ كَلِيمِي‌ مُوسَي‌ بْنَ عِمْرَانَ. [15]

 وورد في‌ دعاء كميل‌ علیه‌ الرحمة‌:

 وَهَبْنِي‌ يَا إلَهِي‌ وَسَيِّدِي‌ وَمَوْلاَي‌َ! صَبَرْتُ عَلَی‌ عَذَابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَی‌ فِرَاقِكَ ؟!

 وجاء في‌ المناجاة‌ الشعبانيّة‌:

 وَهَبْ لِي‌ قَلْباً يُدْنِيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ، وَلِسَاناً يُرْفَعُ إلیْكَ صِدْقُهُ، وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ إلیْكَ حَقُّهُ.

 وقال‌ أيضاً: وَأَلْحِقْنِي‌ بِنُورِ عِزِّكَ الاَبْهَجِ فَأَكُونَ لَكَ عَارِفاً وَعَنْ سِوَاكَ مُنْحَرِفاً.

 ونجد في‌ دعاء أبي‌ حمزة‌ الثمالي‌ّ ما يلي‌:

 وَإنَّكَ لاَ تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إلاَّ يَحْجُبَهُمُ الآمَالُ السَّيِّئَةُ دُونَكَ. [16]

 فيا عزيزي‌! لو قُدّر لي‌ أن‌ أجمع‌ عبارات‌ كهذه‌ صريحة‌ في‌ المعرفة‌ والمحبّة‌ والوصول‌ إلي‌ مقام‌ القرب‌ والوصال‌ المعنويّ لاَلّفتُ كتاباً في‌ ذلك‌، لا سيّما في‌ أدعية‌ ومناجاة‌ أئمّة‌ الهدي‌. ومانقلتُ ها هنا إنّما هي‌ أخبار ذات‌ أسناد موثوقة‌ ومعتبرة‌ وقد أيّدها علماء الاءماميّة‌، وهناك‌ الكثير من‌ هذا القبيل‌، ومنها مثلاً مقدار ما ورد في‌ الاخبار من‌ تجلّيه‌ جلّ جلاله‌ بالاسماء وبنور العظمة‌، وفي‌ الادعية‌، وأهمّ من‌ ذلك‌ كلّة‌ ما ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌.

 فجميع‌ العلماء قرأوا دعاء السمات‌، وما أكثر ما ورد في‌ الادعية‌ من‌ عبارات‌: وَارْزُقْنِي‌ النَّظَرَ إلی‌ وَجْهِكَ، وفي‌ بعضها وَلاَ تَحْرِمْنِي‌ النَّظَرَ إلی‌ وَجْهِكَ الكَرِيمَ. وكذلك‌ ما ورد في‌ المناجاة‌ الخمس‌ عشرة‌ من‌ التصريح‌ بالوصول‌ و النظر واللقاء والقرب‌ والمعرفة‌، وبالرغم‌ من‌ أ نّني‌ لم‌ أذكرها بسبب‌ عدم‌ ثبوت‌ سند لها، إلاّ أ نّها جميعاً، تعتبر حجّة‌ لدي‌ مقلّدي‌ العلماء الاعلام‌.

 فلِمَ ذلك‌ ؟ ذلك‌ أنّ العلماء يتلون‌ تلك‌ المناجاة‌ ويؤيّدون‌ مضامينها. كذلك‌ كلّ تلك‌ التصاريح‌ الواردة‌ في‌ ملحق‌ دعاء عرفة‌ المنسوب‌ إلي‌ سيّد الشهداء علیه‌ الصلاة‌ والسلام‌، ومواظبة‌ العلماء الاعلام‌ علی‌ قراءتها، إلاّ أ نّي‌ لم‌ أذكرها لعدم‌ ثبوتها.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير الرؤية‌ واللقاء بخلاف‌ النصّ كان‌ من‌ أجل‌ السائل‌

 وقد أوردنا في‌ البداية‌، أنّ حمل‌ هذه‌ التعابير علی‌ حصول‌ الثواب‌، مخالف‌ للنصّ، وإذا كانوا قد فسّروا أحياناً في‌ الاخبار، الرؤية‌ واللقاء بالثواب‌، ذلك‌ بسبب‌ أنّ السائل‌ عن‌ الرؤية‌ لم‌ يكن‌ يدرك‌ حينها إلاّ الرؤية‌ بالعين‌ ؛ كمّا فسّر الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ خُلّة‌ الخليل‌ علیه‌ السلام‌ بغير معني‌ المحبّة‌ وذلك‌ جواباً علی‌ بعض‌ السائلين‌.

 حيث‌ إنّه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ لم‌ يفسّر ذلك‌ بهذا المعني‌، لكفر السائل‌، لا نّه‌ لم‌ يكن‌ ليفقه‌ معني‌ الخلّة‌ إلاّ في‌ إطار المحبّة‌ بين‌ البشر. وهو بالحقيقة‌ كفر.

 نعم‌، وإذا تطلّعت‌ لاكثر ممّا ذكر، فراجع‌ أدعية‌ ومناجاة‌ أئمّة‌ الهدي‌ علیهم‌ الصلاة‌ والسلام‌، والاخبار الواردة‌ في‌ ثواب‌ الاعمال‌. مثل‌ دعاء رجب‌ الذي‌ رواه‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ علیه‌ الرحمة‌ بسند معتبر في‌ « الاءقبال‌ » بتوقيع‌ الاءمام‌ المهديّ أرواح‌ العالمين‌ فداه‌، الذي‌ كان‌ يقرأه‌ حتماً. يقول‌:

 اللَهُمَّ إنِّي‌ أَسْأَلُكَ بِمَعَانِي‌ جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاَةُ أَمْرِكَ المَأْمُونُونَ عَلَی‌ سِرِّكَ.

 إلي‌ أن‌ قال‌:

 وَبِمَقَامَاتِكَ الَّتِي‌ لاَ فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَكَ إلاَّ أَ نَّهُمْ عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ، رَتْقُهَا وَفَتْقُهَا بِيَدِكَ. [17]

 ولاحظ‌ أدعية‌ ليالي‌ الشهر المبارك‌! وانظر! آهِ آهِ! شَوْقاً إلی‌ مَنْ يَرَانِي‌ وَلاَ أَرَاهُ.

 الرجوع الي الفهرس

روايات‌ نظر المؤمن‌ إلي‌ نور الله‌ ووجه‌ الله‌ تعالي‌

الرواية‌ المعراجيّة‌ المصدّرة‌ بـ«يا أحمد» حسب‌ رواية‌ «الوافي‌»

 وانظر في‌ أخبار الثواب‌ إلي‌ حديث‌ المعراج‌ الذي‌ روي‌ في‌ « الوافي‌ » عن‌ العلماء الاعلام‌ حيث‌ قال‌: يَا أَحْمَدُ! إلي‌ أن‌ يقول‌:

 قَالَ: يَا رَبِّ مَا أَوَّلُ العِبَادَةِ ؟!

 قَالَ: الصَّمْتُ وَالصَّوْمُ. تَعْلَمُ يَا أَحْمَدُ مَا مِيرَاثُ الصَّوْمِ ؟!

 قَالَ: لاَ، يَا رَبِّ!

 قَالَ: مِيرَاثُ الصَّوْمِ قِلَّةُ الاَكْلِ، وَقِلَّةُ الكَلاَمِ، وَالعِبَادَةُ.

 الثَّانِيَةُ الصَّمْتُ ؛ وَالصَّمْتُ يُورِثُ الحِكْمَةَ ؛ وَيُورِثُ الحِكْمَةُ المَعْرِفَةَ ؛ وَيُورِثُ المَعْرِفَةُ اليَقِينَ. وَإذَا اسْتَيْقَنَ العَبْدُ لاَ يُبَالِي‌ كَيْفَ أَصْبَحَ بِعُسْرٍ أَمْ بِيُسْرٍ. فَهَذَا مَقَامُ الرَّاضِينَ!

 فَمَنْ عَمِلَ رِضَاي‌َ أُلْزِمُهُ ثَلاَثَ خِصَالٍ: أُعَرِّفُهُ شُكْراً لاَ يُخَالِطُهُ الجَهْلُ، وَذُكْراً لاَ يُخَالِطُهُ النِّسْيَانُ، وَمَحَبَّةً لاَ يُؤْثِرُ عَلَی‌ مَحَبَّتِي‌ مَحَبَّةَ المَخْلُوقِينَ!

 فَإذَا أَحَبَّنِي‌ أَحْبَبْتُهُ وَحَبَّبْتُهُ إلی‌ خَلْقِي‌ وَأَفْتَحُ عَيْنَ قَلْبِهِ إلی‌ عَظَمَتِي‌ وَجَلاَلِي‌! فَلاَ أُخْفِي‌ عَلَیْهِ عِلْمَ خَاصَّةِ خَلْقِي‌!

 فَأُنَاجِيهِ فِي‌ ظُلَمِ اللَيْلِ وَضَوْءِ النَّهَارِ حَتَّي‌ يَنْقَطِعَ حَدِيثُهُ مَعَ المَخْلُوقِينَ وَمُجَالَسَتُهُ مَعَهُمْ وَأُسْمِعُهُ كَلاَمِي‌ وَكَلاَمَ مَلاَئِكَتِي‌ وَأُعَرِّفُهُ سِرِّي‌َ الَّذِي‌ سَتَرْتُهُ مِنْ خَلْقِي‌ إلي‌ أن‌ قال‌:

 ثُمَّ أَرْفَعُ الحُجُبَ بَيْنِي‌ وَبَيْنَهُ فَأُنَعِّمُهُ بِكَلاَمِي‌ وَأُلَذِّذُهُ بِالنَّظَرِ إلی‌َّ إلي‌ أن‌ قال‌:

 وَلاَجْعَلَنَّ مُلْكَ هَذَا العَبْدِ فَوْقَ مَلِكِ المُلُوكِ حَتَّي‌ يَتَضَعْضَعَ لَهُ كُلُّ مَلِكٍ وَيَهَابَهُ كُلُّ سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَجَبَّارٍ عَنِيدٍ وَيَتَمَسَّحَ لَهُ كُلُّ سَبُعٍ ضَارٍّ، وَلاَشَوِّقَنَّ إلیْهِ الجَنَّةَ وَمَا فِيهَا، وَلاَسْتَغْرِقَنَّ عَقْلَهُ بِمَعْرِفَتِي‌، وَلاَقُومَنَّ لَهُ مَقَامَ عَقْلِهِ، ثُمَّ لاَهَوِّنَنَّ عَلَیْهِ المَوْتَ وَسَكَرَاتِهِ وَحَرَارَتَهُ وَفَزَعَهُ حَتَّي‌ يُسَاقَ إلی‌ الجَنَّةِ شَوْقاً.

 وَإذَا نَزَلَ بِهِ مَلَكُ المَوْتِ يَقُولُ: مَرْحَباً بِكَ! فَطُوبَي‌ لَكَ! طُوبَي‌ لَكَ! إنَّ اللَهَ إلیْكَ لَمُشْتَاقٌ!

 اعْلَمْ يَا وَلِي‌َّ اللَهِ! أَنَّ الاَبْوَابَ الَّتِي‌ كَانَ يَصْعَدُ مِنْهَا عَمَلُكَ تَبْكِي‌ عَلَیْكَ! وَأَنَّ مِحْرَابَكَ وَمُصَلاَّكَ يَبْكِيَانِ عَلَیْكَ!

 فَيَقُولُ: أَنَا رَاضٍ بِرِضْوَانِ اللَهِ وَكَرَامَتِهِ ؛ وَيَخْرُجُ الرُّوحُ مِنْ بَدَنِهِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِينِ. وَإنَّ المَلاَئِكَةَ تَقُومُ عِنْدَ رَأْسِهِ، بِيَدَي‌ْ كُلِّ مَلَكٍ كَأْسٌ مِنْ مَاءِ الكَوْثَرِ وَكَأْسٌ مِنَ الخَمْرِ يَسْقُونَ رُوحَهُ حَتَّي‌ يَذْهَبَ سَكْرَتُهُ وَمَرَارَتُهُ وَيُبَشِّرُونَهُ بِالبِشَارَةِ العُظْمَي‌، وَيَقُولُونَ: طِبْتَ وَطَابَ مَثْوَاكَ! إنَّكَ تَقْدِمُ عَلَی‌ العَزِيزِ الكَرِيمِ الحَبِيبِ القَرِيبِ!

 فَيَطِيرُ الرُّوحُ مِنْ أَيْدِي‌ المَلاَئِكَةِ فَيَسْرَعُ إلی‌ اللَهِ فِي‌ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ ؛ فَلاَ يَبْقَي‌ حِجَابٌ وَلاَ سِتْرٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَهِ تَعَالَي‌. وَاللَهُ تَعَالَي‌ إلیْهَا لَمُشْتَاقٌ. فَتَجْلِسُ عَلَی‌ عَيْنٍ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ.

 ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: أَيَّتُهَا الرُّوحُ! كَيْفَ تَرَكْتِ الدُّنْيَا ؟!

 فَتَقُولُ: إلَهِي‌ وَ سَيِّدِي‌! وَعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لاَ عِلْمَ لِي‌ بِالدُّنْيَا! أَنَا مُنْذُ خَلَقْتَنِي‌ إلی‌ هَذِهِ الغَايَةِ خَائِفٌ مِنْكَ!

 فَيَقُولُ اللَهُ: صَدَقْتَ! كُنْتَ بِجَسَدِكَ فِي‌ الدُّنْيَا وَبِرُوحِكَ مَعِي‌! فَأَنْتَ بِعَيْنِي‌ أَعْلَمُ سِرَّكَ وَعَلاَنِيَتَكَ! سَلْ أُعْطِكَ وَتَمَنَّ عَلَی‌َّ فَأُكْرِمْكَ!

 هَذِهِ جَنَّتِي‌ فَتَبَحْبَحْ فِيهَا، وَهَذَا جِوَارِي‌ فَاسْكُنْهُ!

 فَتَقُولُ الرُّوحُ: إلَهِي‌ عَرَّفْتَنِي‌ نَفْسَكَ فَاسْتَغْنَيْتُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ! وَعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لَوْ كَانَ رِضَاكَ فِي‌ أَنْ أُقَطَّعَ إرْباً إرْباً أَوْ أُقْتَلَ سَبْعِينَ قَتْلَةً بِأَشَدِّ مَا يُقْتَلُ بِهِ النَّاسُ لَكَانَ رِضَاكَ أَحَبَّ إلی‌َّ إلي‌ أن‌ قال‌:

 قَالَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي‌ وَجَلاَلِي‌ لاَ أَحْجُبُ بَيْنِي‌ وَبَيْنَكَ فِي‌ وَقْتٍ مِنَ الاَوْقَاتِ حَتَّي‌ تَدْخُلَ عَلَی‌َّ أَي‌َّ وَقْتٍ شِئْتَ وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِأَحِبَّائِي‌!

 ويقول‌ في‌ تفسير الحياة‌ الباقية‌ بعد ذلك‌: وسأفعل‌ كذا وكذا بصاحبها. إلي‌ أن‌ يقول‌:

 وَأَفْتَحُ عَيْنَ قَلْبِهِ وَسَمْعَهُ حَتَّي‌ يَسْمَعَ بِقَلْبِهِ مِنِّي‌ وَيَنْظُرَ بِقَلْبِهِ إلی‌ عَظَمَتِي‌ وَجَلاَلِي‌.

 ويقول‌ أيضاً في‌ هذا الحديث‌:

 إنَّ أَدْنَي‌ مَا أُعْطِي‌ الزَّاهِدِينَ فِي‌ الآخِرَةِ أَنْ أُعْطِيَهُمْ مَفَاتِيحَ الجَنَانِ كُلَّهَا حَتَّي‌ يَفْتَحُوا أَي‌َّ بَابٍ شَاءُوا. وَلاَ أَحْجُبُ عَنْهُمْ وَجْهِي‌ وَلاَنَعِّمَنَّهُمْ بِأَنْوَاعِ التَّلَذُّذِ مِنْ كَلاَمِي‌.

 إلي‌ أن‌ قال‌:

 وَأَفْتَحُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَبْوَابٍ: بَابٌ تُدْخَلُ عَلَیْهِمُ الهَدَايَا مِنْهُ بُكْرَةً وَعَشِيَّاً، وَبَابٌ يَنْظُرُونَ مِنْهُ إلی‌ كَيْفَ شَاءُوا.

 ويقول‌ كذلك‌ في‌ هذا الحديث‌ في‌ وصف‌ أصحاب‌ الآخرة‌:

 وَلاَرْفَعَنَّ الحُجُبَ لَهَا دُونِي‌. ويقول‌: وَلاَ يَلِي‌ قَبْضَ رُوحِهِ غَيْرِي‌ ؛ وَأَقُولُ عِنْدَ قَبْضِ رُوحِهِ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِقُدوُمِكَ عَلَی‌َّ. [18]

 فكلّ ما رويتهُ هنا كان‌ روايات‌ صحيحة‌ ومعتبرة‌، ولو توسّعتُ في‌ ذلك‌ قليلاً، وذكرتُ ما ورد في‌ أخبار داود، وتلك‌ الموجودة‌ في‌ المناجاة‌ الخمس‌ عشرة‌ وتلك‌ الموجودة‌ أيضاً في‌ المناجاة‌ الملحقة‌ لدعاء عرفة‌ الذي‌ رواه‌ السيّد قدّس‌ سرّه‌ في‌ « الاءقبال‌ » والعلاّمة‌ قدّس‌ سرّه‌ في‌ « المزار »، فهذه‌ لوحدها هي‌ أكثر من‌ كونها متواترة‌.

 وروي‌ في‌ حديث‌ الصلاة‌، حيث‌ يقول‌ في‌ عبارة‌ القراءة‌: يرتقي‌ بإزاء كلّ آية‌ درجة‌ من‌ فلان‌ وفلان‌، إلي‌ أن‌ قال‌: وَدَرَجَةً مِنْ نُورِ رَبِّ العِزَّةِ، وروي‌ في‌ حديث‌ لقاء المؤمن‌ في‌ « المستدرك‌ » من‌ مجموعة‌ الشهيد نقلاً عن‌ كتاب‌ « الانوار » لابي‌ علی‌ّ محمّد بن‌ همّام‌، إلي‌ حيث‌ قال‌:

 أُشْهِدُكُمْ عِبَادِي‌ بِأَ نِّي‌ أُكْرِمُهُ بِالنَّظَرِ إلی‌ نُورِي‌ وَجَلاَلِي‌ وَكِبْرِيائِي‌!

 وروي‌ في‌ حديث‌ ثواب‌ الجهاد في‌ « التهذيب‌ » حيث‌ يُحصي‌ فيه‌ الخصال‌ السبع‌ للشهيد، إلي‌ أن‌ قال‌:

 السَّابِعُ أَنْ يَنْظُرَ فِي‌ وَجْهِ اللَهِ، وَإنَّهَا لَرَاحَةٌ لِكُلِّ نَبِي‌ٍّ وَشَهِيدٍ. [19]

 وورد في‌ حديث‌ صحيح‌ في‌ ثواب‌ سجدة‌ الشكر في‌ الصلوات‌ الواجبة‌ ما يلي‌:

 إنَّ العَبْدَ إذَا صَلَّي‌ وَسَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ فَتَحَ الرَّبُّ تَعَالَي‌ الحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَلاَئِكَةِ، فَيَقُولُ: يَا مَلاَئِكَتِي‌! انْظُرُوا إلی‌ عَبْدِي‌ ؛ أَدَّي‌ فَرِيضَتِي‌ وَأَتَمَّ عَهْدِي‌ ثُمَّ سَجَدَ لِي‌ شُكْراً عَلَی‌ مَا أَنْعَمْتُ بِهِ عَلَیْهِ!

 مَلاَئِكَتِي‌! مَاذَا لَهُ ؟!

 فَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ: يَا رَبَّنَا رَحْمَتُكَ! ثُمَّ يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَي‌: ثُمَّ مَاذَا ؟!

 فَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ: يَا رَبَّنَا كِفَايَةُ مُهِمِّهِ! فَيَقُولُ الرَّبُّ: ثُمَّ مَاذَا ؟! فَلاَ يَبْقَي‌ شَي‌ءٌ مِنَ الخَيْرِ إلاَّ قَالَتْهُ المَلاَئِكَةُ. فَيَقُولُ اللَهُ تَعَالَي‌: يَا مَلاَئِكَتِي‌! ثُمَّ مَاذَا!

 فَيَقُولُ المَلاَئِكَةُ: يَا رَبَّنَا لاَ عِلْمَ لَنَا!

 فَيَقُولُ اللَهُ تَعَالَي‌: لاَشْكُرَنَّهُ كَمَا شَكَرَنِي‌، وَأُقْبِلُ عَلَیْهِ بِفَضْلِي‌، وَأُرِيهِ وَجْهِي‌! [20]

 وورد في‌ ثواب‌ مَن‌ يُحرم‌ البصر، حيث‌ قال‌: وَأُرِيكَ وَجْهِي‌.

 وورد كذلك‌ في‌ رواية‌ ضيافة‌ أصحاب‌ الجنّة‌ خبراً مفاده‌ أ نّه‌ بعد قراءة‌ القرآن‌ يرجون‌ الاستماع‌ لصوت‌ الباري‌، فيُمَنُّ علیهم‌ بالاءجابة‌، ومن‌ فرط‌ التلذّذ بالاستماع‌، يخرّون‌ مغشيّاً علیهم‌ طويلاً، وبعد استفاقتهم‌، يطلبون‌ التشرّف‌ برؤية‌ جمال‌ الجميل‌ فيتجلّي‌ نور يخرّون‌ علی‌ أثره‌ مغشيّاً علیهم‌ ؛ فيظلّون‌ علی‌ هذه‌ الحال‌ حتّي‌ تشتكي‌ الحور العين‌ من‌ ذلك‌.

 وفي‌ مكان‌ آخر من‌ نفس‌ الحديث‌، يقول‌ في‌ ثواب‌ الذين‌ يحفظون‌ ألسنتهم‌ عن‌ اللغو وبطونهم‌ من‌ التخمة‌.

 أَنْظُرُ إلیْهِمْ فِي‌ كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً وَأُكَلِّمُهُمْ كُلَّمَا نَظَرْتُ إلیْهِمْ.

 فكُن‌ منصفاً يا عزيزي‌، أيمكن‌ لاحد من‌ البشر إنكار كلّ هذه‌ الآيات‌ والاخبار والادعية‌ الواردة‌ بتعابير مختلفة‌ ؟

 إذا كنت‌ تبحث‌ عن‌ سند موثوق‌، فلو قيل‌ إنّ درجة‌ التواتر تبلغ‌ الاربعين‌ لاتيتك‌ بخمسمائة‌ بل‌ بألف‌، وأمّا القرآن‌ فلا يحتاج‌ لسند، وإذا ابتغيت‌ الدلالة‌، فلا أبلغ‌ في‌ ذلك‌ من‌ النصّ، بل‌ إنّ دلالات‌ بعض‌ هذه‌ الالفاظ‌ المرويّة‌ لا شكّ ولا محمل‌ ولا احتمال‌ مجازي‌ّ فيها البتة‌.

 وعلی‌ الاءنسان‌ إدراك‌ أنّ لقاءه‌ جلّ جلاله‌ لا يشبه‌ لقاء الممكن‌، وأنّ رؤيته‌ لا تكون‌ بالعين‌، أو مثل‌ رؤية‌ الجسمانيّات‌، بل‌ إنّ الرؤية‌ القلبيّة‌ أيضاً منزّهة‌ عن‌ الكيفيّة‌ في‌ رؤية‌ المتخيّلات‌، وحتّي‌ الرؤية‌ العقليّة‌ منزّهة‌ عن‌ الكيفيّة‌ في‌ رؤية‌ المعقولات‌. كما قال‌ علیه‌ السلام‌ في‌ دعاء « الصحيفة‌ العلويّة‌ »:

 وَتَمَثَّلَ فِي‌ القُلُوبِ بِغَيْرِ مِثَالٍ تَحُدُّهُ الاَوْهَامُ أَوْ تُدْرِكُهُ الاَحْلاَمُ. [21]

 الرجوع الي الفهرس

قول‌ الاءمام‌: كَأَ نَّنِي‌ سَمِعْتُهَا مُشَافَهَةً مِمَّنْ أَنْزَلَهَا عَلَی‌ المُكَاشَفَةِ وَالعِيَانِ

 وكما قال‌ السيّد ابن‌ طاووس‌ قدّس‌ سرّه‌ العزيز في‌ « فلاح‌ السائل‌ »، ص‌107و108:

 فَقَدْ رُوِي‌َ أنَّ مَوْلاَنَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عَلَیْهِمَا السَّلاَمُ كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ فِي‌ صَلاَتِهِ فَغُشي‌َ عَلَیْهِ.

 فَلَمَّا أَفَاقَ سُئِلَ: مَا الَّذِي‌ أَوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُكَ إلیْهِ ؟!

 فَقَالَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ مَا مَعْنَاهُ: «مَا زِلْتُ أُكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حَتَّي‌ بَلَغْتُ إلی‌ حَالٍ كَأَ نَّنِي‌ سَمِعْتُهَا مُشَافَهَةً مِمَّنْ أَنْزَلَهَا عَلَی‌ المُكَاشَفَةِ وَالعِيَانِ.

 فَلَمْ تَقُمِ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَاشَفَةِ الجَلاَلَةِ الاءلَهِيَّةِ».

 وَإيَّاكَ يَا مَنْ لاَ تَعْرِفُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ أَنْ تَسْتَبْعِدَهُ أَوْ يَجْعَلَ الشَّيْطَانُ فِي‌ تَجْوِيزِ الَّذِي‌ رَوَيْنَاهُ عِنْدَكَ شَكَّاً! بَلْ كُنْ مُصَدِّقاً! أَمَا سَمِعْتَ اللَهَ يَقُولُ:

 «فَلَمَّا تَجَلَّي‌' رَبُّهُ و لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ و دَكًّا وَخَرَّ مُوسَي‌' صَعِقًا [22] انتهي‌.

  نعم‌، فإذا أراد الاءنسان‌ الوصول‌ إلي‌ هذه‌ العوالم‌ بالكشف‌ والشهود، علیه‌ أن‌ يقدّر عظمة‌ المقصود حقّ قدرها، وأن‌ يعلم‌ ما يصبو إليه‌، ومقدار قدرته‌، حتّي‌ يكون‌ سعيه‌ بمستوي‌ ما يطلب‌.

 فمن‌ يسعي‌ أن‌ يكون‌ رئيساً لقبيلة‌ ليس‌ كمن‌ يسعي‌ لامتلاك‌ العالم‌، ولكن‌ لانّ عظمة‌ هذا المطلوب‌ هي‌ علی‌ قدر من‌ الشرف‌ والنور والبهاء والسلطان‌ واللذّة‌ بحيث‌ لا يمكن‌ تصوّرها لا سيّما من‌ قبل‌ الساذج‌، وكلّ ما يتصوّره‌ لا يساوي‌ جزء من‌ الالف‌ من‌ الحقيقة‌، فإنّ علیه‌ ـ عموماً القياس‌ بقدر معقولاته‌ ومعلوماته‌.

 فليفترض‌ مثلاً، أنّ ما يراه‌ من‌ الشرف‌ في‌ عالم‌ الحقّ والشهادة‌ ناشي‌ عن‌ ذوي‌ السطوة‌ من‌ أهل‌ الدنيا ومن‌ التقرّب‌ إلي‌ السلاطين‌ ومن‌ الملك‌، بل‌ ومن‌ زعامة‌ العالم‌ بأسره‌، ولينظر بعد ذلك‌ سلطان‌ السماوات‌ وما له‌ من‌ العظمة‌ والشرف‌، ثمّ ليقس‌ بعد ذلك‌ بينهما. وليقارن‌ عندها بين‌ عالم‌ المحسوس‌ وعالم‌ الملكوت‌ الغيبيّ والجبروت‌ وغيره‌. وحينئذٍ ليعد ويفكّر في‌ ماهيّة‌ سلطنة‌ السلاطين‌، ويقارنها بالسلطنة‌ المعنويّة‌، فسيري‌ عندئذٍ تفاهة‌ أيّام‌ دولة‌ هؤلاء السلاطين‌ التي‌ لا تتجاوز بضعة‌ سنين‌، بالمقارنة‌ مع‌ السلطان‌ الابدي‌ّ، ومضافاً إلي‌ ذلك‌ فهي‌ ليست‌ بشي‌ء يُذكر لما تحويه‌ من‌ آلاف‌ العيوب‌ وما تحمله‌ من‌ النواقص‌ الكثيرة‌.

 وأمّا السلطنة‌ المعنويّة‌ فهي‌ السلطنة‌ الحقيقيّة‌ ؛ كما هي‌ الحال‌ في‌ سلطنة‌ الاءنسان‌ علی‌ أعضائه‌ وقواه‌ وخياله‌. فعلی‌ سبيل‌ المثال‌، لينظر إلي‌ السلطنة‌ الاُخرويّة‌، حيث‌ ورد من‌ جملة‌ ما ورد من‌ الاخبار في‌ باب‌ سلطنة‌ أهل‌ الجنّة‌، حيث‌ يأتونه‌ بأمرٍ من‌ الله‌ تعالي‌ يقول‌ فيه‌:

 جَعَلْتُكَ حَيَّاً لاَ تَمُوتُ وَتَقُولُ لِلشَّي‌ءِ: كُنْ فَيَكُونُ! [23]

 وعموماً، فإنّ تلك‌ السلطنة‌ التي‌ وهبها خلاّق‌ العالمين‌ للاءنسان‌ الصحيح‌ المشاعر في‌ خلق‌ الصور الخياليّة‌: قد تكرّم‌ الله‌ بمثلها علی‌ خواصّ عباده‌ من‌ الانبياء والاولياء في‌ هذه‌ الدنيا، أو علی‌ العامّة‌ من‌ الناس‌ أو عموم‌ أهل‌ الجنّة‌ في‌ الآخرة‌، وذلك‌ بخلق‌ وإيجاد الاعيان‌ الخارجيّة‌ بإذنه‌ سبحانه‌ وتعالي‌.

 وعلیه‌ يفسّر أهل‌ المعرفة‌ إعجاز الانبياء والائمّة‌ عن‌ هذا الطريق‌.

 وباختصار، فإذا قارن‌ الاءنسان‌ أيّة‌ مسألة‌ بالعقل‌، فإنّه‌ سيري‌ بأنّ مراتب‌ الاشياء وحدودها قُدّرت‌ بحسبان‌ وعلی‌ أساس‌ من‌ العدل‌. وإذا نحّي‌ العقل‌ جانباً، فحينئذٍ ستكون‌ عنده‌ الحكمة‌ والباطل‌، والنور والظلمة‌، والخير والشرّ، والشريف‌ والوضيع‌ سيّان‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ صدر الآية‌ 69، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[2] ـ «مصباح‌ الشريعة‌» ص‌ 41، الباب‌ 62، طبع‌ وتعلیق‌ المصطفوي‌ّ.

[3] ـ «مصباح‌ الشريعة‌» ص‌ 41، الباب‌ 62، طبع‌ وتعلیق‌ المصطفوي‌ّ.

[4] ـ «الكلمات‌ المكنونة‌» ص‌ 219، الطبعة‌ الحجريّة‌، سنة‌ 1316 هجريّة‌ قمريّة‌؛ وفي‌ طبعة‌ فراهاني‌، ص‌ 248: وَقالَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ (يَعْنِي‌ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ): «لَيْسَ العِلْمُ في‌ السَّماءِ فَيَنْزِلَ إلیْكُمْ، وَلاَ فِي‌ تُخُومِ الاَرْضِ فَيَخْرُجَ لَكُمْ؛ وَلَكِنَّ العِلْمَ مَجْبُولٌ فِي‌ قُلوبِكُمْ. تَأَدَّبُوا بِآدَابِ الرُّوحَانِيِّينَ يَظْهَرْ لَكُمْ!» وَفي‌ كَلاَمِ عِيسَي‌ عَلَی‌ نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَیْهِ السَّلاَمُ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ.

[5] ـ الآية‌ 176، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـ'هُ بِهَا وَلَـ'كِنَّهُ و´ أَخْلَدَ إِلَي‌ الاْرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَب'هُ فَمَثَلُهُ و كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن‌ تَحْمِلْ عَلَیْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث‌ ذَّ لِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

[6] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 86: الطارق‌.

[7] ـ الآية‌ 136، من‌ السورة‌ 4: النساء: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا ءَامِنُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَـ'بِ الَّذِي‌ نَزَّلَ عَلَی‌' رَسُولِهِ وَالْكِتَـ'بِ الَّذِي‌´ أَنزَلَ مِن‌ قَبْلُ وَمَن‌ يَكْفُرْ بِاللَهِ وَمَلَـ'´نءِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاْ´خِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـ'لاً بَعِيدًا.

[8] ـ المقصود بعلم‌ الهدي‌ هو السيّد المرتضي‌، وله‌ كتاب‌ باسم‌ «الامالي‌» الذي‌ يدعي‌ بـ «الغرر والدرر»، والمراد به‌ «غرر الفوائد ودرر القلائد» والذي‌ أُشير إليه‌ في‌ «الذريعة‌» ج‌ 16، ص‌ 44؛ ولكن‌ بتفحّص‌ ذلك‌ الكتاب‌، لا نجد أثراً لتلك‌ المواضيع‌. بل‌ قد وردت‌ في‌ «الغرر والدرر» للآمدي‌ّ: عبد الواحد بن‌ محمّد التميميّ، والذي‌ قام‌ بشرحه‌ المحقّق‌ البارع‌ آقا جمال‌ الخونساري‌ّ؛ وقد ورد الشرح‌ الوافي‌ لها في‌ الجزء 4، ص‌ 218 إلي‌ 221، برقم‌ 5885.

 وقد نقل‌ الحقير ذلك‌ في‌ الجزء 3، المجلس‌ 17، في‌ قسم‌ «معرفة‌ المعاد» من‌ سلسلة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الإسلاميّة‌ مع‌ ملحق‌ يتضمّن‌ بياناً متيناً للاُستاذ العزيز الفقيد آية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ سرّه‌.

[9] ـ وقبل‌ هذه‌ الفقرة‌، ورد أ نّه‌ سئل‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ العالم‌ العلوي‌ّ، أي‌ عالم‌ المجرّدات‌، والذي‌ هو من‌ حيث‌ المنزلة‌ أعلی‌ مرتبة‌ من‌ عالم‌ الاجسام‌، فأجاب‌: صُوَرٌ عَارِيَةٌ عَنِ المَوَادِّ، عَالِيَةٌ عَنِ القُوَّةِ وَالاِسْتِعْدَادِ. تَجَلَّي‌ لَهَا فَأَشْرَقَتْ، وَطَالَعَهَا فَتَلاَلاَتْ، وَأَلْقَي‌ فِي‌ هُويَّتِهَا مِثَالَهُ فَأَظْهَرَ عَنْهَا أَفْعَالَهُ.

[10] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 247، الحديث‌ 347، عن‌ محمّد بن‌ سالم‌، عن‌ أحمد بن‌ ريّان‌ عن‌ أبيه‌، عن‌ جميل‌، عن‌ الإمام‌.

[11] ـ «مصباح‌ الشريعة‌»، ص‌ 64، الباب‌ 95.

[12] ـ فيما يخصّ هذا الحديث‌، فقد أسهبنا في‌ شرحه‌ في‌ الجزء الاوّل‌ من‌ «معرفة‌ الله‌» في‌ البحثين‌ 9 و 10.

[13] ـ شرح‌ «الإشارات‌» لابن‌ سينا، مقامات‌ العارفين‌، في‌ الصفحة‌ الثامنة‌ قبل‌ نهاية‌ الكتاب‌، وهي‌ الصفحة‌ اليمني‌، من‌ الطبعة‌ الحجريّة‌ والتي‌ لا تحمل‌ ترقيماً، وجاء في‌ ïشرح‌ قول‌ المصنّف‌:

 إشارَةٌ: العرفانُ مبتدي‌ٌ من‌ تفريقٍ ونفضٍ وتركٍ ورفضٍ، مُمعِنٌ في‌ جمعٍ هو جمعُ صفاتِ الحقِّ للذَّاتِ المريدةِ بالصِّدقِ، مُنتهٍ إلي‌ الواحدِ ثمَّ وقوفٌ.

[14] ـ «مصباح‌ الشريعة‌» ص‌ 65، باب‌ 98؛ وجاءت‌ في‌ نسخة‌ العالم‌ الفاضل‌ المصطفوي‌ّ، وَوَدِّعْ جَمِيعَ المَأْلُوفَاتِ، ولكنّنا وحسب‌ نسخة‌ المرحوم‌ الملكيّ نقلناها بلفظ‌ وَدَعْ.

[15] ـ «علل‌ الشرائع‌» للصدوق‌ ص‌ 57، طبعة‌ دار إحياء التراث‌ العربي‌ّ، مع‌ مقدّمة‌ للعلاّمة‌ السيّد محمّد صادق‌ بحر العلوم‌، الطبعة‌ الثانية‌.

ظهور روح‌ حجب‌ الروح‌ الإنسانيّة‌ بواسطة‌ تعلّقها بالبدن‌

[16] ـ وورد في‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌» ج‌ 2، ص‌ 56 إلي‌ 58 ما يلي‌:

 الفصل‌ السادس‌: في‌ ظهور حُجُب‌ الروح‌ الإنسانيّة‌ بسبب‌ تعلّقها بالبدن‌:

 قَالَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَي‌ سَبْعِينَ أَلْفَ حِجَابٍ مِنْ نُورٍ وَظُلْمَةٍ.

 اعلم‌ أ نّهم‌ لمّا كانوا قد نسبوا الروح‌ الإنسانيّة‌ إلي‌ عالم‌ القالب‌ والظلمة‌ بعد قربها من‌ الحقّ عزّ وجلّ، وأمرّوها من‌ خلال‌ سبعين‌ ألف‌ عالم‌، وأرفقوها زبدة‌ وخلاصة‌ كلّ عالم‌ من‌ تلك‌ العوالم‌، حتّي‌ صارت‌ بالقالب‌ الذي‌ هو علیه‌ متلبّسة‌ بسبعين‌ ألف‌ حجاب‌ نوراني‌ّ وظلماني‌ّ، أمّا الحجب‌ النورانيّة‌ فمنشؤها العالم‌ الروحانيّ، وأمّا الحجب‌ الظلمانيّة‌، فمنشؤها العالم‌ الجسماني‌ّ.

 فالتفاتها إلي‌ أيّ شي‌ء في‌ أيٍّ من‌ تلك‌ العوالم‌، وإن‌ كان‌ قد جعلت‌ منها وسيلة‌ للكمال‌، إلاّ أ نّها مقارنة‌ مع‌ حال‌ أي‌ٍّ منها، إلاّ أنّ الروح‌ قد صيّرت‌ كلّ التفاتة‌ حجاباً لها؛ وبسبب‌ تلك‌ الحجب‌، قد حرمت‌ من‌ رؤية‌ الملكوت‌، ومشاهدة‌ جمال‌ اللاهوت‌، ومن‌ لذّة‌ التحدّث‌ إلي‌ الحقّ تعالي‌ شأنه‌، أو التشرّف‌ بقربه‌ والحظوة‌ بكرامته‌، فبذلك‌ هوت‌ من‌ قرب‌ أعلی‌ علیّين‌ إلي‌ طبيعة‌ أسفل‌ سافلين‌.

 مع‌ أن‌ الروح‌ كانت‌ تحظي‌ ولآلاف‌ من‌ السنين‌ بشرف‌ القرب‌ في‌ خلوة‌ خاصّة‌ مباشرة‌ من‌ الحقّ تعالي‌ لكنّ الحجب‌ أنستها تلك‌ الحالة‌ تماماً في‌ هذه‌ الايّام‌ المعدودة‌، ومتي‌ أرادت‌ أن‌ تتذكّر حالتها تلك‌، لم‌ تسعفها الذاكرة‌ في‌ ذلك‌، فها هي‌ قد ابتليت‌ بآفة‌ الحُجب‌، إذ لم‌ تكن‌ نسّاءة‌ كما هي‌ الحال‌ بها الآن‌، وما استبدلت‌ إقبال‌ الاُنس‌ علیها بإدبار الوحشة‌. وما كانت‌ لتُدعي‌ بالإنسان‌ إلاّ لسابق‌ أُنسها بالحقّ تعالي‌ جلّت‌ عظمته‌.

 ولهذا، فحينما يخبر الله‌ عزّ شأنه‌ عن‌ زمان‌ سابق‌ لوجود الآدميّ، فهو يُطلق‌ علیه‌ اسم‌ الإنسان‌، كقوله‌ تعالي‌:

 هَلْ أَتَي‌' عَلَی‌ الإنسَـ'نِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن‌ شَيْـًا مَّذْكُورًا.

 فلمّا التحق‌ بهذا العالم‌ ونسي‌ ذلك‌ القرب‌ والاُنس‌، حينئذٍ أطلق‌ علیه‌ اسماً آخر يناسبه‌، حيث‌ قال‌: يَـ'´أَيُّهَا النَّاسُ.

 ومن‌ هنا قال‌ للرسول‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّب'مِ اللَهِ. أي‌ ذكّر هذا الجمع‌ الذي‌ شُغِل‌ بالدنيا بأيّامٍ كان‌ في‌ حضرته‌ تعالي‌ وفي‌ مقعد صدق‌ عند مليك‌ مقتدر، علّ نوازع‌ الشوق‌ تعتمل‌ في‌ قلوبهم‌ إلي‌ جنابه‌ تعالي‌ فيحزموا أمتعتهم‌ مرّة‌ أُخري‌ شوقاً إلي‌ أصله‌ وحنيناً إلي‌ موطنه‌ الحقيقيّ. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

 فإذا هاجت‌ في‌ القلب‌ محبّة‌ ذلك‌ الموطن‌ الاصليّ، فهو عين‌ الإيمان‌، حيث‌ إنّ: ïحُبُّ الوَطَنِ مِنَ الإيمَانِ، وإذا رجعوا إلي‌ الموطن‌ الاصليّ، فذاك‌ مقام‌ الإحسان‌، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَي‌' وَزِيَادَةٌ. وإذا تجاوزوا ذلك‌ الموطن‌ الاصليّ، فتلك‌ مرتبة‌ العرفان‌، وَالسَّـ'بِقُونَ السَّـ'بِقُونَ * أُولَـ'´نءِكَ الْمُقَرَّبُونَ. وإذا دخلوا إلي‌ حضرة‌ الباري‌ عزّ وجلّ، فهي‌ درجة‌ العيان‌، فِي‌ مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ. وما يلي‌ ذلك‌ فلا حدّ للوصف‌، ولا عالم‌ للبيان‌. طُوبَي‌ لِمَنْ عَرِفَ مَأْوَاهُ وَلَمْ يَحْجُبْهُ شَي‌ءٌ عَمَّا وَرَاهُ.

 وأمّا إذا هاجت‌ في‌ القلب‌ محبّة‌ ذلك‌ الموطن‌ الاصليّ ولم‌ يبادروا بالرجوع‌ إليه‌، وشغف‌ القلب‌ بنعيم‌ هذه‌ العالم‌، وخُدِع‌ بزخارف‌ وأباطيل‌ الدنيا، فقد استقرّ في‌ سجن‌ سرمديّ وخسران‌ أبديّ، فِي‌ سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِّن‌ يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ.

 وأمّا الغرض‌ من‌ وضع‌ الحُجُب‌ فهو للإبقاء علی‌ نسل‌ بني‌ آدم‌ وتناظم‌ العالم‌، فلولا وقوعك‌ في‌ حبائل‌ الحجب‌، ما انغمست‌ في‌ الاُمور الدنيويّة‌ وخلدت‌ إلي‌ العالم‌ السفلي‌ّ، كما هو ملاحظ‌ عند بعض‌ السالكين‌، فحين‌ ينزعون‌ الحجاب‌ عنهم‌ أثناء السلوك‌ ويتوجّهون‌ إلي‌ ذلك‌ القرب‌ والشرف‌ الرفيع‌، ينصرفون‌ إلي‌ عالم‌ القالب‌ من‌ غمرة‌ الفرح‌ وشدّة‌ شوق‌ الكمال‌، أو يهوون‌ في‌ عالم‌ الحيرة‌ من‌ فرط‌ الغيرة‌، فيُعرضون‌ عن‌ الدنيا وما فيها، ويتخلّصوا من‌ نير العبادة‌ وعناء الخلوة‌.

[17] ـ هذا الدعاء من‌ أدعية‌ شهر رجب‌ وهو قد أخرج‌ من‌ الناحية‌ المقدّسة‌. وقد رواه‌ كلّ من‌ الشيخ‌ الطوسيّ في‌ «مصباح‌ المتهجّد» ص‌ 559، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ والشيخ‌ الكفعميّ في‌ الطبعة‌ الحجريّة‌ من‌ كتابه‌ «المصباح‌». ص‌ 529؛ وفي‌ كتاب‌ الادعية‌ «البلد الامين‌» ص‌ 179، الطبعة‌ الحجريّة‌؛ والسيّد ابن‌ طاووس‌ في‌ «الإقبال‌» ص‌ 646 الطبعة‌ الحجريّة‌؛ والعلاّمة‌ المجلسيّ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 20، ص‌ 343، الطبعة‌ القديمة‌ (الكمباني‌ّ).

 وقد فنّده‌ العالم‌ المعاصر آية‌ الله‌ المحدّث‌ والخبير في‌ علم‌ الرجال‌ الشيخ‌ محمّد تقي‌ الشوشتريّ رحمة‌ الله‌ علیه‌ في‌ كتاب‌ «الاخبار الدخيلة‌» ص‌ 263 إلي‌ 265، واعتبره‌ من‌ جملة‌ الافتراءات‌.

 وقد قمنا بتفنيد الادلّة‌ والشواهد التي‌ استدلّ بها لإثبات‌ تلفيق‌ الدعاء، وذلك‌ أثناء حياته‌، ولقد أثبتنا بأ نّها كلّها واهية‌. وقد سجّلت‌ كلّ ذلك‌ في‌ إحدي‌ دفاتري‌ في‌ ستّة‌ عشر صفحة‌ من‌ القطع‌ الوزيري‌ّ، لصيانتها من‌ الضياع‌ ونشرها في‌ الوقت‌ المناسب‌.

 وكان‌ أنسب‌ وقت‌ لها هو أن‌ نوردها ضمن‌ شرح‌ كلام‌ آية‌ الله‌ الملكي‌ّ التبريزي‌ّ أعلی‌ الله‌ مقامه‌، ولكن‌ لانّ إيرادها ضمن‌ كتاب‌ «معرفة‌ الله‌» هنا كان‌ غير مناسب‌، وأنّ هذا الشرح‌ سيشغل‌ حجماً كبيراً، لذا سنرفقه‌ في‌ آخر هذا الكتاب‌ علی‌ شكل‌ ملحق‌ صغير. والله‌ المستعان‌.

[18] ـ أصل‌ هذا الحديث‌ موجود في‌ كتاب‌ «إرشاد القلوب‌ في‌ المواعظ‌ والحِكم‌» النفيس‌ لمؤلّفه‌ أبي‌ محمّد حسن‌ بن‌ أبي‌ الحسن‌ محمّد الديلمي‌ّ، وهو من‌ أعاظم‌ العلماء والمشايخ‌ الزاهدين‌ في‌ القرن‌ السابع‌. وفي‌ نسخة‌ مكتبة‌ البوذرجمهري‌ّ المصطفوي‌ّ، عام‌ 1375 هجريّة‌ جاء في‌ آخر الكتاب‌ الذي‌ يختتم‌ بحديث‌ المعراج‌ يا أحمد، من‌ ص‌ 278 إلي‌ 286؛ وفي‌ نسخة‌ مؤسّسة‌ الاعلمي‌ّ ـ بيروت‌، في‌ نهاية‌ الجزء الاوّل‌، من‌ ص‌ 199 إلي‌ 206.

 ويرويه‌ المحقّق‌ الملاّ محمّد محسن‌ الفيض‌ الكاشانيّ في‌ كتاب‌ «الوافي‌» ضمن‌ أبواب‌ المواعظ‌، في‌ باب‌ مواعظ‌ الله‌ سبحانه‌، ج‌ 3، ص‌ 38 إلي‌ 42، من‌ القطع‌ الرحلي‌ّ، الطبعة‌ الحجريّة‌، باسم‌ أبي‌ محمّد الحسين‌ بن‌ أبي‌ الحسن‌ بن‌ محمّد الديلمي‌ّ في‌ كتاب‌ «إرشاد القلوب‌ إلي‌ الصواب‌» مرسلاً عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌، ورواه‌ عن‌ غير الديلميّ أيضاً مسنداً إليه‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ جدّه‌ أمير المؤمنين‌ علیهم‌ السلام‌، حيث‌ قال‌:

 سأل‌ الرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ربّه‌ سبحانه‌ ليلة‌ المعراج‌ قائلاً:

 يَا رَبِّ! أَي‌ُّ الاَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ إلي‌ آخر الحديث‌، الشيّق‌ والبليغ‌ والمفصّل‌.

 وكذلك‌ رواه‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ «بحار الانوار» مجلّد الروضة‌ (ج‌ 17 ) نسخة‌ الكمباني‌ّ، ص‌ 6 إلي‌ 9، نقلاً عن‌ «إرشاد القلوب‌» للديلميّ عن‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌. وعندها يقول‌ المجلسيّ بعد سرد الحديث‌: لقد عثرتُ علی‌ سندين‌ لهذا الحديث‌، ويقوم‌ بشرح‌ هذين‌ السندين‌.

[19] ـ «تهذيب‌ الاحكام‌» ج‌ 6، ص‌ 122.

[20] ـ «تهذيب‌ الاحكام‌» ج‌ 2، ص‌ 110؛ و«من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌» ج‌ 1، ص‌ 334، من‌ انتشارات‌ مكتبة‌ الصدوق‌.

[21] ـ عن‌ «الصحيفة‌ العلويّة‌»، ص‌ 16، الطبعة‌ الحجرية‌ القديمة‌، وبخطّ فخر الاشراف‌، وهي‌ من‌ أدعيته‌ علیه‌ السلام‌ في‌ وصف‌ وتعظيم‌ الله‌ سبحانه‌، ومُستهلّه‌ هو:

 الحَمْدُ لِلَّهِ أوَّلَ مَحْمُودٍ وَآخِرَ مَعْبُودٍ وَأَقْرَبَ مَوْجُودٍ، البَدِي‌ءِ بِلاَ مَعْلُومٍ لاِزَلِيَّتِهِ، وَلاَ آخِرَ لاِوَّليَّتِهِ وَالكَائِنِ قَبْلَ الكَوْنِ بِلاَ كِيَانٍ وَالمَوْجُودِ فِي‌ كُلِّ مَكَانٍ بِلاَ عيَانٍ وَالقَرِيبِ مِنْ كُلِّ نَجْوَي‌ بِغَيْرِ تَدَانٍ. عَلَنَتْ عِنْدَهُ الغُيُوبُ وَضَلَّتْ فِي‌ عَظَمَتِهِ القُلُوبُ؛ فَلاَ الاَبْصَارُ تُدْرِكُ عَظَمَتَهُ وَلاَ القُلُوبُ عَلَی‌ احْتِجَابِهِ تُنْكِرُ مَعْرِفَتَهُ.

 تَمَثَّلَ فِي‌ القُلُوبِ بِغَيْرِ مِثَالٍ تَحُدُّهُ الاَوْهَامُ أَوْ تُدْرِكُهُ الاَحْلاَمُ. ثُمَّ جَعَلَ مِنْ نَفْسِهِ دَلِيلاً عَلَی‌ تَكَبُّرِهِ عَلَی‌ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشَّكْلِ وَالمِثْلِ، فَالوَحْدَانِيَّةُ آيَةُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالمَوْتُ الآتِي‌ عَلَی‌ خَلْقِهِ مُخْبِرٌ عَنْ خَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ.

 إلي‌ آخر الدعاء الذي‌ ينمّ عن‌ مدي‌ جزالته‌ البالغة‌، والذي‌ يدلّل‌ علی‌ وجود الحقّ جلّ وعزّ؛ وخصوصاً هذه‌ الفقرات‌ التي‌ استشهد بها عارفنا المتأ لّه‌ وعالمنا الصمداني‌ّ. وأيضاً قوله‌:

 وَالكَائِنِ قَبْلَ الكَوْنِ بِلاَ كِيَانٍ، وَالمَوْجُودِ فِي‌ كُلِّ مَكَانٍ بِلاَ عِيَانٍ، وَالقَرِيبِ مِنْ كُلِّ نَجْوَي‌ بِغَيْرِ تَدَانٍ.

بيان‌ أقسام‌ المكاشفات‌ نقلاً عن‌ «نفائس‌ الفنون‌»

[22] بما أنّ الكلام‌ قد نحي‌ بنا نحو مكاشفة‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ علیه‌ السلام‌، فمن‌ المناسب‌ هنا أن‌ نقوم‌ بسرد أنواع‌ المكاشفات‌ عن‌ العلاّمة‌ شمس‌ الدين‌ محمّد بن‌ محمود الآملي‌ّ الواردة‌ في‌ كتاب‌ «نفائس‌ الفنون‌» ج‌ 2، ص‌ 62 إلي‌ 65، فهو يقول‌:

 الفصل‌ التاسع‌: في‌ المكاشفات‌ وأنواعها:

 اعلم‌ أنّ حقيقة‌ الكشف‌ هي‌ خروج‌ الشي‌ء من‌ حجابه‌ بوجه‌ لم‌ يكن‌ مدركاً من‌ قبل‌ علی‌ هذا النحو.

 ولا شكّ في‌ أنّ السالك‌ الصادق‌ إذا ما توجّه‌ نحو عالم‌ الشريعة‌ بدافع‌ الإرادات‌ من‌ قعر الطبيعة‌، وآثر جادّة‌ الطريقة‌ علی‌ قانون‌ المجاهدة‌ والرياضة‌ بخطي‌ صادقة‌، فإنّه‌ سيوهب‌ خلال‌ مروره‌ عبر كلّ حجاب‌ من‌ الحجب‌ السبعين‌ ألف‌ ناظرة‌ تناسب‌ ذلك‌ الموقف‌، وتُكشف‌ له‌ أحوال‌ ذلك‌ المقام‌، وتتجلّي‌ له‌ معاني‌ المعقول‌ بمقدار ما يرتفع‌ من‌ الحُجُب‌ ويصفو من‌ العقل‌ ويقف‌ علی‌ أسرار المعقولات‌، ويدعون‌ ذلك‌ بالكشف‌ النظري‌ّ ولا يمكن‌ التعويل‌ علیه‌ كثيراً، فليس‌ كلّ ما تراه‌ العينان‌ يمكن‌ الاعتماد علیه‌ والاطمئنان‌ به‌ ما لم‌ يثبت‌ بالتجربة‌ والبرهان‌.

 وتوقّف‌ معظم‌ الفلاسفة‌، من‌ الذين‌ شمّروا عن‌ ساعد الهمّة‌، علی‌ تجريد العقل‌ وإدراك‌ المعقولات‌ وقضوا العمر في‌ ذلك‌، واعتبروه‌ الطريق‌ إلي‌ الهدف‌ الحقيقي‌ّ. والحقّ أ نّه‌ بسبب‌ عدم‌ معرفتهم‌ المقصود الاصلي‌ّ، فقد حرموا من‌ المشاهد الاُخري‌ للمدركات‌ وتنكّروا لها، فتاهوا في‌ تيه‌ الضلالة‌، فضلّوا من‌ قبل‌ وأضلّوا كثيراً.

 وإذا اجتاز كشف‌ المعقولات‌، بانتْ له‌ المكاشفات‌ القلبيّة‌ والتي‌ يُسمّونها بالكشف‌ الشهودي‌ّ؛ وكُشفت‌ هناك‌ أنوار مُتعدّدة‌، وبعدها تأتي‌ المكاشفات‌ السرّيّة‌ التي‌ يدعونها بالكشـف‌ الإلهامي‌ّ، وتتجلّي‌ في‌ هذا المقام‌ جميع‌ أسـرار الخليقة‌ وحِكمة‌ وجـود كلّ ïالاشياء وتَظهر بوضوح‌. ثمّ تأتي‌ بعدها المكاشفات‌ الروحيّة‌ التي‌ تُسمي‌ بالكشف‌ الروحي‌ّ وتظهر، وتنكشف‌ في‌ أوّل‌ هذا المَقام‌ درجات‌ الجنان‌ وشواهد الرضوان‌، ومشاهدة‌ الملائكة‌ والتحدّث‌ إليهم‌.

 فلمّا تَصفو الروح‌ تماماً وتنصقل‌ من‌ كلّ كدورات‌ الجسم‌، تنكشف‌ العوالِم‌ اللامتناهية‌ وتكون‌ دائرة‌ الازل‌ والابَد نصب‌ العين‌، وتزول‌ الحُجُب‌ الزمانيّة‌ والمكانيّة‌؛ حتّي‌ تتمثّل‌ أمامه‌ الموجودات‌ والمراتب‌ منذ بدء الخليقة‌ فيري‌ كلّ ما سيكون‌ ويحدث‌ في‌ المستقبل‌. ولهذا قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: لاَ تَرْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ فَإنِّي‌ أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي‌ وَمِنْ خَلْفِي‌.

 إنّ معظم‌ العادات‌ الخارقة‌ والتي‌ يدعونها بالكرامات‌ تظهر في‌ هذا المَقام‌ من‌ جرّاء الإشراف‌ علی‌ الخواطر والاطّلاع‌ علی‌ الغيبيّات‌ والعبور من‌ فوق‌ النار والماء والهواء وانطواء الارض‌ وغير ذلك‌، لكنّ هذا المعني‌ ليس‌ له‌ كثير اعتبار عند أرباب‌ الحقيقة‌، لا نّه‌ يُمثّل‌ كذلك‌ ذهنيّة‌ أهل‌ الضلال‌؛ كما سأل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ هذا الصيّاد قائلاً: مَا تَرَي‌ ؟! قَالَ: أَرَي‌ عَرْشاً عَلَی‌ المَاءِ! فَقَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ عَرْشُ إبْلِيسَ. وما ورد في‌ الاخبار من‌ أنّ الدجّال‌ سيقوم‌ بإحياء الموتي‌ هو من‌ هذا القبيل‌. ولا يمكن‌ لغير أهل‌ الدين‌ فَهم‌ حقيقة‌ الكرامات‌؛ ولا يمكن‌ رؤية‌ ذلك‌ إلاّ بعد الكشف‌ الروحي‌ّ في‌ المكاشفات‌ الخفيّة‌؛ لانّ المسلم‌ والكافر يمتلكان‌ الروح‌ علی‌ السواء. وأمّا الخفي‌ّ فهي‌ روح‌ خاصّة‌ يدعونها بالنور الجلالي‌ّ ولا تُوهَب‌ إلاّ إلي‌ خواصّه‌ تعالي‌؛ كما قال‌ تعالي‌: كَتَبَ فِي‌ قُلُوبِهِمُ الإيمَـ'نَ وَأَيَّدَهُم‌ بِرُوحٍ مِّنْهُ، وقال‌ في‌ مطلق‌ الروح‌: يُلْقِي‌ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَی‌' مَن‌ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ. وقال‌ في‌ حقّ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّن‌ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي‌ مَا الْكِتَـ'بُ وَلاَ الإيمَـ'نُ وَلَـ'كِن‌ جَعَلْنَـ'هُ نُورًا نَّهْدِي‌ بِهِ مَن‌ نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا، أي‌ أ نّني‌ أهِبُ إلي‌ بعض‌ عبادي‌ نوراً جلاليّاً خاصّاً حتّي‌ يتمكّنوا بواسطته‌ من‌ العبور إلي‌ عالَم‌ الصفات‌.

 وإذا صار القلب‌ واسطة‌ عالَم‌ المُلك‌ والملكوت‌، حيث‌ يكون‌ أحد وَجهَيْه‌ نحو عالَم‌ الملكوت‌ والآخر في‌ عالم‌ المُلك‌، صار قابلاً لفيض‌ النور والعقل‌ والروح‌ وذلك‌ عبر وجهه‌ في‌ عالَم‌ الملكوت‌، ويوصل‌ بوجهه‌ في‌ عالَم‌ المُلك‌ آثار أنوار الروحانيّات‌ والمعقولات‌ إلي‌ النفس‌ والجسد. ويصير سرّ واسطة‌ عالَم‌ الروح‌ والقلب‌، حتّي‌ يستفيد من‌ الفيض‌ علیها ïبواسطة‌ ذلك‌ الوجه‌ الموجود في‌ الروح‌، وإيصال‌ حقائق‌ ذلك‌ الفيض‌ إليها عبر ذلك‌ الوجه‌ الموجود في‌ القلب‌؛ ويصير الخفي‌ّ كذلك‌ واسطة‌ عالم‌ الصفات‌ الإلهيّة‌ والروحانيّة‌، حتّي‌ يكون‌ قابلاً لمكاشفات‌ الصفات‌ الجلاليّة‌ فيوصل‌ صورة‌ ذلك‌ إلي‌ عالَم‌ الروحانيّة‌، وهذه‌ كلّها يدعونها بالكشف‌ الصفاتي‌ّ.

 وإذا كُشف‌ جلالته‌ في‌ هذه‌ الحال‌ بالصفة‌ العالميّة‌ تمّ الحصول‌ عَلَی‌ العِلْمِ اللَّدُنِّي‌ِّ، وأمّا إذا كشفَ بالصفة‌ الجلاليّة‌ كان‌ الفَناء الحقيقي‌ّ، وكذا القياس‌ بالنسبة‌ إلي‌ سائر الصفات‌. وأمّا الكشف‌ الذاتي‌ّ فهذه‌ أعلی‌ المراتب‌ وأسماها ولا يمكن‌ حصرها بالكلمات‌ والعبارت‌ أو الإشارات‌. وَجَعَلْنَا اللَهُ مِنَ الفَائِزِينَ بِهِ.

[23] ـ قد ورد في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ عن‌ العلاّم‌ الخلاّق‌ أ نّه‌ قال‌: عَبْدِي‌ أَطِعْنِي‌ أَجْعَلْكَ مِثْلِي‌! أَنَا حَي‌ٌّ لاَ أَمُوتُ، أَجْعَلُكَ حَيَّاً لاَ تَمُوتُ! أَنَا غَنِي‌ٌّ لاَ أفْتَقِرُ، أَجْعَلُكَ غَنِيَّاً لاَ تَفْتَقِرُ! أَنَا مَهْمَا أَشَاءُ يَكُونُ، أَجْعَلُكَ مَهْمَا تَشَاءُ يَكُونُ!

 وروي‌ كعب‌ الاحبار هذا الحديث‌ بالصيغة‌ التالية‌: يَابْنَ آدَمَ! أَنَا غَنِي‌ٌّ لاَ أَفْتَقِرُ، أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ غَنِيَّاً لاَ تَفْتَقِرُ! يَابْنَ آدَمَ، أَنَا حَي‌ٌّ لاَ أَمُوتُ؛ أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ حَيَّاً لاَ تَمُوتُ! أَنَا أَقُولُ لِلشَّي‌ءِ كُنْ فَيَكُونُ؛ أَطِعْنِي‌ فِيمَا أَمَرْتُكَ تَقُولُ لِلشَّي‌ءِ كُنْ فَيَكُونُ! («كلمة‌ الله‌» ص‌ 140؛ وذكر في‌ ص‌ 536 الكُتب‌ التالية‌ كمصادر للحديث‌: كتاب‌ «عدّة‌ الداعي‌» لاحمد بن‌ فهد الحلّي‌ّ عن‌ كعب‌ الاحبار، وكتاب‌ «مشارق‌ أنوار اليقين‌» للحافظ‌ رجب‌ البرسي‌ّ، وكتاب‌ «إرشاد القلوب‌» للحسن‌ بن‌ محمّد الديلمي‌ّ). ويقول‌ في‌ الصفحة‌ 143: ورد في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ: إنَّ لِلَّهِ عِبَاداً أَطَاعُوهُ فِيمَا أَرَادَ فَأَطَاعَهُمْ فِيمَا أَرَادُوا، يَقُولُونَ لِلشَّي‌ءِ كُنْ فَيَكُونُ. (وفي‌ ص‌ 537 نسب‌ مصدره‌ إلي‌ كتاب‌ «مشارق‌ أنوار اليقين‌» للحافظ‌ رجب‌ البرسي‌ّ).

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com