بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة الله/ المجلد الثانی/ القسم الاول: منکری لقاء الله هم الاخسرون، إنکار لقاء الله سبب حبط أعمال المنکرین، تفسیر آی...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

البحث الثالث عشر إلي‌ الخامس عشر:

إنّ منكري‌ لقاء الله‌ هم‌ الاخسرون‌

 

أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمَ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحيم‌

وَصَلَّي‌ اللَهُ عَلَی‌ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ

وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَی‌ أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلی‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلي‌ِّ العَظِيمِ

الآيات‌ القرآنيّة‌ دالّة‌ علی‌ إفلاس‌ منكري‌ لقاء الله‌ وبؤسهم‌

 قَالَ اللَهُ الحَكِيمُ فِي‌ كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

 قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم‌ بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَـ'لاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي‌ الْحَيَو ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَـئكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ وَلِقَآنءِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا * ذَ لِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُو´ا ءَايَـ'تِي‌ وَرُسُلِي‌ هُزُوًا. [1]

تفسير العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ لآية‌: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم‌ بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَـ'لاً

 يقول‌ أُستاذِنا الاعظمِ آية‌ الله‌ علی‌ الاءطلاق‌، العلاّمة‌ الطباطبائيّ قدّس‌ الله‌ تُربته‌ في‌ تفسيره‌ للآية‌:

 الَّذِينَ ضَلَّ سَـعْيُهُمْ فِي‌ الْحَيَو ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا:

 قوله‌ تعالي‌ « الذين‌ ضلّ سعيهم‌ في‌ الحياة‌ الدنيا وهم‌ يحسبون‌ أ نّهم‌ يُحسنون‌ صنعًا » إنباء بالاخسرين‌ أعمالاً وهم‌ الذين‌ عرض‌ في‌ الآية‌ السابقة‌ علی‌ المشركين‌ أن‌ ينبّئهم‌ بهم‌ ويعرّفهم‌ إيّاهم‌ فعرّفهم‌ بأ نّهم‌ الذين‌ ضلّ سعيهم‌ في‌ الحياة‌ الدنيا، وضلال‌ السعي‌ خسران‌، ثمّ عقبه‌ بقوله‌: « وهم‌ يحسبون‌ أ نّهم‌ يحسنون‌ صنعًا » وبذلك‌ تمّ كونهم‌ أخسرين‌.

 بيان‌ ذلك‌: أنّ الخسران‌ والخسار في‌ المكاسب‌ والمساعي‌ المأخوذة‌ لغاية‌ الاسترباح‌ إنّما يتحقّق‌ إذا لم‌ يصبّ الكسب‌ والسعي‌ غرضه‌ وانتهي‌ إلي‌ نقص‌ في‌ رأس‌ المال‌ أو ضيعة‌ السعي‌ وهو المعبّر عنه‌ في‌ الآية‌ بضلال‌ السعي‌، كأ نّه‌ ضلّ الطريق‌ فانتهي‌ به‌ السير إلي‌ خلاف‌ غرضه‌. والاءنسان‌ ربّما يخسر في‌ كسبه‌ وسعيه‌ لعدم‌ تدرّب‌ في‌ العمل‌ أو جهل‌ بالطريق‌ أو لعوامل‌ أُخر اتّفاقيّة‌ وهي‌ خسران‌ يرجي‌ زواله‌، فإنّ المرجو أن‌ يتنبّه‌ به‌ صاحبه‌ ثمّ يستأنف‌ العمل‌ فيتدارك‌ ما ضاع‌ منه‌ ويقضي‌ ما فات‌، وربّما يخسر وهو يذعن‌ بأ نّه‌ يربح‌، ويتضرّر وهو يعتقد أ نّه‌ ينتفع‌ لا يري‌ غير ذلك‌، وهو أشدّ الخسران‌ لا رجاء لزواله‌.

 ثمّ الاءنسان‌ في‌ حياته‌ الدنيا لا شأن‌ له‌ إلاّ السعي‌ لسعادته‌ ولا همّ له‌ فيما وراء ذلك‌، فإن‌ ركب‌ طريق‌ الحقّ وأصاب‌ الغرض‌ وهو حقّ السعادة‌ فهو، وإن‌ أخطأ الطريق‌ وهو لا يعلم‌ بخطأه‌ فهو خاسر سعياً لكنّه‌ مرجوّ النجاة‌، وإن‌ أخطأ الطريق‌ وأصاب‌ غير الحقّ وسكن‌ إليه‌ فصار كلما لاح‌ له‌ لائح‌ من‌ الحقّ ضربت‌ علیه‌ نفسه‌ بحجاب‌ الاءعراض‌ وزيّنت‌ له‌ ما هو فيه‌ من‌ الاستكبار وعصبيّة‌ الجاهليّة‌، فهو أخسر عملاً وأخيب‌ سعياً، لا نّه‌ خسران‌ لا يُرجي‌ زواله‌ ولا مطمع‌ في‌ أن‌ يتبدّل‌ يوماً سعادة‌، وهو قوله‌ تعالي‌ في‌ تفسير الاخسرين‌ أعمالاً: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي‌ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.

 وحسبانهم‌ عملهم‌ حسناً مع‌ ظهور الحقّ وتبيّن‌ بطلان‌ أعمالهم‌ لهم‌ إنّما هو من‌ جهة‌ انجذاب‌ نفوسهم‌ إلي‌ زينات‌ الدنيا وزخارفها وانغمارهم‌ في‌ الشهوات‌، فيحبسهم‌ ذلك‌ عن‌ الميل‌ إلي‌ اتّباع‌ الحقّ والاءصغاء إلي‌ داعي‌ الحقّ ومنادي‌ الفطرة‌ ؛ قال‌ تعالي‌: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ [2]؛ وقال‌: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالاْءثْمِ. [3] فاتّباعهم‌ هوي‌ أنفسهم‌ ومضيهم‌ علی‌ ما هم‌ علیه‌ من‌ الاءعراض‌ عن‌ الحقّ عناداً واستكباراً والانغمار في‌ شهوات‌ النفس‌ ليس‌ إلاّ رضي‌ منهم‌ بما هم‌ علیه‌ واستحساناً منهم‌ لصنعهم‌.

 وأمّا بشأن‌ تفسير الآية‌: أُولَـئكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ وَلِقَآنءِهِ، فيقول‌:

 تعريف‌ ثان‌ وتفسير بعد تفسير الاْخْسَرِينَ أَعْمَـ'لاً، والمراد بالآيات‌ ـ علی‌ ما يقتضيه‌ إطلاق‌ الكلمة‌ آياته‌ تعالي‌ في‌ الآفاق‌ والانفس‌ وما يأتي‌ به‌ الانبياء والرسل‌ من‌ المعجزات‌ لتأييد رسالتهم‌، فالكفر بالآيات‌ كفر بالنبوّة‌، علی‌ أن‌ النبيّ نفسه‌ من‌ الآيات‌، والمراد بلقاء الله‌ الرجوع‌ إليه‌ وهوالمعاد.

 فآل‌ تعريف‌ الاْخْسَرِينَ أعْمَـ'لاً إلي‌ أ نّهم‌ المنكرون‌ للنبوّة‌ والمعاد، وهذا من‌ خواصّ الوثنيّين‌.

الرجوع الی الفهرس

تفسير العلاّمة‌ ؛ إنكار لقاء الله‌ يسبّب‌ حبط‌ أعمال‌ المنكرين‌

 قوله‌ تعالي‌: فَحَبِطَتْ أَعْمَـ'لُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا، وجه‌ حبط‌ أعمالهم‌ أ نّهم‌ لا يعملون‌ عملاً لوجه‌ الله‌ ولا يريدون‌ ثواب‌ الدار الآخرة‌ وسعادة‌ حياتها ولا أنّ الباعث‌ لهم‌ علی‌ العمل‌ ذكر يوم‌ الحساب‌، وقد مرّ كلام‌ في‌ الحبط‌ في‌ مباحث‌ الاعمال‌ في‌ الجزء الثاني‌ من‌ هذا الكتاب‌.

 وقوله‌: فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَزْنًا تفريع‌ علی‌ حبط‌ أعمالهم‌ والوزن‌ يوم‌ القيامة‌ بثقل‌ الحسنات‌ علی‌ ما يدلّ علیه‌ قوله‌ تعالي‌: وَالْوَزْنُ يَوْمَنءِذٍ الْحَقُّ فَمَن‌ ثَقُلَتْ مَوَ زِينُهُ و فَأُولَـئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَ زِينُهُ و فَأُولَـئكَ الَّذِينَ خَسِرُو´ا أَنفُسَهُمْ، [4] وإذ لا حسنة‌ للحبط‌ فلا ثقل‌ فلا وزن‌.

 وفيما يخصّ تفسير الآية‌: ذَ لِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُو´ا ءَايَـ'تِي‌ وَرُسُلِي‌ هُزُوًا، قال‌:

 الاءشارة‌ إلي‌ ما أورده‌ من‌ وصفهم‌، واسم‌ الاءشارة‌ خبر لمبتدأ محذوف‌، والتقدير: الامر ذلك‌، أي‌ حالهم‌ ما وصفناه‌ وهوتأكيد. وقوله‌: جَزآؤُهُمْ جَهَنَّمُ كلام‌ مستأنف‌ ينبي‌ عن‌ عاقبة‌ أمرهم‌. وقوله‌: بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا ءَايَـ'تِي‌ وَرُسُلِي‌ هُزُوًا في‌ معني‌ بما كفروا وازدادوا كفراً باستهزاء آياتي‌ ورسلي‌. [5]

 وعلی‌ العموم‌، تشير الآية‌ الكريمة‌ بوضوح‌ صريح‌ إلي‌ العذاب‌ والثبور الشديدين‌ اللذين‌ ينتظران‌ أُولئك‌ الذين‌ ينكرون‌ لقاء الله‌، فطبقاً للقواعد العقليّة‌ والادلّة‌ الشرعيّة‌، لا يوجد هناك‌ كسر وإنكسار بين‌ الاعمال‌ السيّئة‌ والاعمال‌ الحسنة‌، وكما ذكرنا في‌ سلسلة‌ « معرفة‌ المعاد »، ففي‌ يوم‌ القيامة‌، حين‌ يُحشر الخلق‌ وتُعرض‌ أعمالهم‌ أمام‌ الباري‌ جلّ شأنه‌ وتعالي‌ مجده‌، فإنّ هذه‌ الاعمال‌ تكون‌ محفوظة‌ حيث‌ لا تُغادر صغيرة‌ ولا كبيرة‌، وحيث‌ تُجزي‌ كلّ نفس‌ بما كسبت‌، ولا تُحبط‌ الاعمال‌ إلاّ في‌ مواضع‌ معيّنة‌، وذلك‌ بالنصّ الصريح‌ للآيات‌ القرآنيّة‌، أي‌ بمعني‌ أن‌ تمحي‌ الاعمال‌ الحسنة‌ للاءنسان‌ في‌ الدنيا وتُعدم‌، وتكون‌ الذنوب‌ من‌ الشدّة‌ بحيث‌ تحرق‌ كلّ الحسنات‌، وأحد هذه‌ المواضع‌، هوموضع‌ الشرك‌ بالله‌، وإنكار آياته‌ ولقائه‌، فلا يبقي‌ لهؤلاء عمل‌ يُرجي‌ ولا يُقام‌ لهم‌ وزنٌ، حيث‌ إنّ للعمل‌ الصالح‌ وزن‌ وثِقل‌، والعمل‌ السيّي‌ أجوف‌، وهوهباء منثور.

 وكما بيّن‌ أُستاذنا العلاّمة‌، فإنّ هاتين‌ الآيتين‌ هما في‌ تبيان‌ حال‌ منكري‌ الرسل‌ ويوم‌ المعاد، حيث‌ يتحقّق‌ اللقاء بالله‌، ولكن‌ في‌ هذه‌ الآية‌، اقترنَ إنكار المعاد مع‌ مسألة‌ الكفر بلِقاء الله‌، ويستفاد من‌ ذلك‌ أ نّه‌ مع‌ كون‌ معني‌ لقاء الله‌ قد ورد في‌ هذه‌ الآية‌ بصفة‌ عامّة‌، وأنّ جريان‌ المعاني‌ القرآنيّة‌ هو جريان‌ الشمس‌ والقمر، فإنّ كل‌ من‌ يكفر بآيات‌ الله‌ ولقائه‌، بأيّ شكل‌ أو صورة‌ كانت‌. فهوينضوي‌ تحت‌ حكم‌ هذه‌ الآية‌، وسيشمله‌ حبط‌ العمل‌ وعدم‌ إقامة‌ وزن‌ له‌.

 وقد جاء بيان‌ ووصف‌ المنكرين‌ لله‌ وللقائه‌ بعبارات‌ بليغة‌ وأمثلة‌ محيّرة‌ ومضامين‌ فلسفيّة‌ وبرهانيّة‌ عجيبة‌ وإيراد شواهد واقعيّة‌ وعرفانيّة‌، وهذا البيان‌ كان‌ واضحاً لدرجة‌ تزيد في‌ إيمان‌ المؤمنين‌ وفي‌ كفر الكافرين‌ علی‌ حدّ سواء.

الرجوع الی الفهرس

النكات‌ البليغة‌ الواردة‌ في‌ الآية‌ بياناً لمراميها

 انظر إلي‌ هذه‌ الآيات‌ الاخيرة‌، كيف‌ تقوم‌ بإيصال‌ هذه‌ الحقيقة‌ بلهجة‌ وخطاب‌ يقرعان‌ القلوب‌ وبأُسلوب‌ أدبيّ رفيع‌، وفصاحة‌ وبلاغة‌ شديدتين‌.

 أوّلاً: فهو يأمر نبيّه‌ بكلمة‌ قُلْ ليقوم‌ بإبلاغ‌ هذا الامر الخطير بهذه‌ الكيفيّة‌.

 ثانياً: بكلمة‌ الاستفهام‌ هَلْ وكأنّ خطورة‌ وثِقَل‌ هذا الامر هي‌ من‌ الجدّيّة‌ بحيث‌ إنّ تفهيمه‌ للمخاطب‌ يحتاج‌ إلي‌ إذن‌ للشروع‌ فيه‌.

 ثالثاً: اختيار نُنَبِّئُكُمْ بصيغة‌ الجمع‌ من‌ لدن‌ مقام‌ العزّة‌ الاءلهيّة‌، واستعمال‌ إنباء بدلاً من‌ ألفاظ‌ الاءخبار والاءعلام‌ المستعملة‌ في‌ الصياغة‌ البلاغيّة‌.

 رابعاً: اختيار كلمة‌ الاْخْسَرِينَ، وكأ نّه‌ لا يوجد أحد أكثر تضرّراً ولا خسارة‌ من‌ هؤلاء.

 خامساً: ذكر كلمة‌ الاعمال‌ لصفة‌ الاخسر علی‌ نحوٍ يُفهم‌ فيه‌ الناس‌، بأنّ أعمال‌ الاءنسان‌، وإن‌ كانت‌ تبدوكالجبل‌ من‌ جهة‌ الوجاهة‌ والرياء والخداع‌، إلاّ أنّ قيمتها عند الله‌ صفر، ولا وزن‌ لها، من‌ حيث‌ إنّه‌ لا يؤمن‌ بلقاء الله‌ وزيارته‌.

 سادساً: تشبيه‌ هذه‌ المجموعة‌ بعبارة‌ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ، أي‌ أنّ جهودهم‌ ومحاولاتهم‌ وعلومهم‌ وكنوزهم‌ ونصيبهم‌ من‌ الدنيا وحظّهم‌ الوافر من‌ المال‌ والبنون‌ وما إلي‌ ذلك‌، لا ينفعهم‌ مثقال‌ ذرّة‌، لا نّهم‌ أنكروا أصل‌ الوجود، ومعدن‌ الجود ولبّ الحقيقة‌، وهي‌ لقاء الله‌، وركضوا وراء لقاء غيره‌ من‌ المخلوقات‌ الفانية‌ وربطوا قلوبهم‌ برموز العدم‌ والبطلان‌.

 سابعاً: وقد ربط‌ هذا الضلال‌ بـ فِي‌ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا، أي‌ في‌ الدنيا الدنيّة‌ الوضيعة‌، وهي‌ في‌ مقابل‌ الحياة‌ العلیا، أي‌ الحياة‌ الاغلي‌ والاعلی‌ والارفع‌.

 واعلم‌ أنّ الحياة‌ الدنيا، ليست‌ هي‌ العيش‌ علی‌ سطح‌ الارض‌، وفي‌ أحضان‌ الطبيعة‌، ذلك‌ أنّ هذه‌ الحياة‌ يشترك‌ فيها جميع‌ الناس‌ والانبياء والائمّة‌، ولكنّ المراد من‌ ذلك‌ هوالعيش‌ علی‌ مستوي‌ البهيميّة‌ والوحشيّة‌ والشيطنة‌، حيث‌ تظهر فيها أخلاق‌ وصفات‌ وأفعال‌ البهائم‌ والسباع‌ والشياطين‌، وأمّا الحياة‌ الآخرة‌، فهي‌ تعني‌ المستوي‌ الاسمي‌ للحياة‌، وهي‌ العيش‌ علی‌ مستوي‌ الاءنسانيّة‌ والكمال‌ العقلانيّ والفطريّ، وهو طريق‌ وسنّة‌ الانبياء والمرسلين‌ والائمّة‌ المعصومين‌ والاولياء المقرّبين‌ إلي‌ ساحة‌ لقاء الله‌، وأُمناء سرّ حَريم‌ كِبرياء أحَديّته‌.

 تلك‌ هي‌ أسوأ حياة‌، وأقبح‌ نمط‌ معيشة‌، والتي‌ ورد ذكرها في‌ القرآن‌ الكريم‌ والروايات‌ باسم‌ الحياة‌ الدنيا، وهذه‌ هي‌ أجمل‌ وأسمي‌ وأكرم‌ حياة‌ ونمط‌ معيشة‌، والتي‌ أُشير إليها بالحياة‌ العقبي‌ والحياة‌ الاُخري‌، وتكمن‌ في‌ بطن‌ هذه‌ الحياة‌ الدنيا.

 وعلی‌ هذا، فإنّ هذه‌ الآية‌ الكريمة‌ تدلّ دلالة‌ واضحة‌ علی‌ أنّ منكري‌ لقاء الله‌ يعيشون‌ في‌ بيئة‌ ملؤها الظلمات‌، وتكتنفها الادران‌ والتعفّنات‌ الروحيّة‌ والنفسيّة‌ والخياليّة‌، وهي‌ قطعاً أظلم‌ العوالم‌.

 ثامناً: استخدام‌ عبارة‌ وَهُمْ يَحْسَبُونَ، والحسبان‌ يعني‌ الظنّ والاعتقاد، في‌ مقابل‌ يَعْلَمونَ و يَعْتَقِدُونَ و يَجْزِمون‌ وأمثال‌ ذلك‌ من‌ التعابير، وتشير كلمة‌ الحسبان‌ بوضوح‌ إلي‌ أنّ أعمال‌ وأفعال‌ منكري‌ لقاء الله‌ لا تتعدّي‌ الظنّ والحدس‌ والخيال‌، علی‌ مدي‌ سنيّ عمرهم‌ وإن‌ تخلّلت‌ تلك‌ الاعمال‌، أعمالٌ مهمّة‌ وحيويّة‌. وفي‌ هذا الصدد، هناك‌ الكثير من‌ الآيات‌ في‌ الكتاب‌ المبين‌ التي‌ تصرّح‌ علی‌ أنّ أفعال‌ أولياء الله‌ فقط‌، التي‌ تنجز علی‌ سبيل‌ اليقين‌، وأمّا الآخرين‌، فلا تتجاوز أفعالهم‌ إلي‌ أبعد من‌ الخيال‌ والوهم‌ والظنّ.

 تاسعاً: عبارة‌ أَ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وتعني‌ أنّ هذه‌ المجموعة‌ تعتقد بصواب‌ أعمالها، وأنّ أفعالها تصطبغ‌ بصبغة‌ حسنة‌، وعلی‌ هذا، فهم‌ لا يحاولون‌ معالجة‌ أمراضهم‌ النفسيّة‌، لا نّهم‌ يجزمون‌ بصحة‌ أمزجتهم‌، واعتدال‌ نفوسهم‌، وهكذا فهم‌ يقيمون‌ في‌ هذا الوباء المُهلك‌، حتّي‌ يفنون‌ فيه‌، وإلاّ، فإنّ العلم‌ بالمرض‌، هوالخطوة‌ الاُولي‌ في‌ مرحلة‌ علاجه‌.

 با مدّعي‌ مگوئيد اسرار عشق‌ و مستي‌                   تا بي‌خبر بميرد در درد خودپرستي‌ [6]

 عاشق‌ شو ار نه‌ روزي‌ كار جهان‌ سرآيد                    ناخوانده‌ نقش‌ مقصود از كارگاه‌ هستي‌

 دوش‌ آن‌ صنم‌ چه‌ خوش‌ گفت‌ در مجلس‌ مغانم                      ‌ با كافران‌ چه‌ كارت‌ گر بت‌ نمي‌پرستي‌

 سلطان‌ من‌ خدا را زلفت‌ شكست‌ ما را                    تا كي‌ كند سياهي‌ چندين‌ دراز دستي‌

 در گوشة‌ سلامت‌ مستور چون‌ توان‌ بود                   تا نرگس‌ توبا ما گويد رموز مستي‌

 آن‌ روز ديده‌ بودم‌ اين‌ فتنه‌ها كه‌ برخاست‌                  كزسركشي‌زماني‌باما مي‌نشستي‌

 عشقت‌ به‌ دست‌ طوفان‌ خواهد سپرد حافظ‌                        چون‌ برق‌ ازين‌ كشاكش‌ پنداشتي‌ كه‌ جستي‌ [7]

 عاشـراً: تفسـير ذلك‌ بعبارة‌ أُولَـئكَ الَّذِينَ كَفَـرُوا بَِايَـ'تِ رَبِّهِمْ وَلِقَانءِهِ. وتصدير هـذه‌ الجملة‌ أوّلاً، مخاطبة‌ النبيّ بأ نّه‌ هو موضع‌ العناية‌ الاءلهيّة‌، وليس‌ أُولئك‌ البعيدون‌، غير الجديرين‌ بالخطاب‌.

 وثانياً، الاءشارة‌ بالبعيد لا القريب‌، مثل‌ هـ'ؤلاء، ذلك‌ أنّ هذا التعبير يدلّ علی‌ فناء أُولئك‌ وعدمهم‌ ومهجوريّتهم‌، وذلك‌ بمخاطبتهم‌ من‌ مكان‌ بعيد أُولَـئكَ يُنَادَوْنَ مِن‌ مَّكَانٍ بَعِيدٍ. [8]

 فأُولئك‌ الكفّار يُنادون‌ من‌ مكان‌ بعيد، ومن‌ وراء حجاب‌، لا من‌ مكان‌ قريب‌، كما هوالحال‌ في‌ مخاطبة‌ المقرّبين‌ والاحبّة‌.

 وثالثاً، التوكيد المتكرّر، كالبدء بجملة‌ اسميّة‌: أُولَـ'´نءِكَ، وكذلك‌ استخدام‌ المعرفة‌ في‌ خبر هذا المبتدأ: الَّذِينَ كَفَرُوا، والتي‌ تفيد الحصر بمعني‌ أ نّهم‌ وحدهم‌ الكافرون‌.

 حادي‌ عشر: استخدام‌ الحبط‌ والفناء بالنسبة‌ للعمل‌، والذي‌ ينتج‌ عن‌ ذلك‌ عدم‌ اعتدال‌ ميزان‌ الاعمال‌ في‌ اليوم‌ الآخر.

 ثاني‌ عشر: إيراد الجملة‌ التعلیليّة‌ وبيان‌ علّة‌ ذلك‌ العمل‌ لجهنّم‌، كعقاب‌ وجزاء الاعمال‌، وكذلك‌، البدء بجملة‌ اسميّة‌ محذوفة‌ المبتدأ: وَالاْمْرُ ذَلِكَ، ومخاطبة‌ النبيّ بـ « الكاف‌ »، والاءتيان‌ بجملة‌ اسميّة‌ ثانويّة‌: جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمَ، والتي‌ تعني‌ جملة‌ استئنافيّة‌ أوتفسيريّة‌ لجملة‌ الاَمْرُ ذَلِكَ.

الرجوع الی الفهرس

تفسير آية‌: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن‌ دُونِ اللَهِ أَولِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ

 ومن‌ جملة‌ تلك‌ الآيات‌ التي‌ تحتوي‌ علی‌ مثال‌ خاصّ وتعبير رائع‌، الآيات‌ التالية‌:

 مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن‌ دُونِ اللَهِ أَولِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.

 إِنَّ اللَهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن‌ دُونِهِ مِن‌ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

 وَتِلْكَ الاْمْثَـ'لُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَـ'لِمُونَ. [9]

 ففي‌ هذه‌ الآيات‌، يشبّه‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌ أُولئك‌ الذين‌ يتعاملون‌ مع‌ غير الله‌، ويُنشئون‌ علائق‌ وروابط‌ معهم‌، ويتولّونهم‌، ويُقيمون‌ لهم‌ سلطاناً وشأناً، بالعنكبوت‌ التي‌ تُقيم‌ بيتاً وتسكن‌ فيه‌ مشتاقة‌ ومتربّصة‌ بصيدها من‌ ذباب‌ وحشرات‌، فأيّ عالم‌ ذلك‌ الذي‌ تعيش‌ فيه‌ هذه‌ العناكب‌.

 فإذا عَلِقَت‌ ذبابة‌ أو حشرة‌ بنسيجها في‌ غفلة‌، اندفعت‌ العنكبوت‌ نحوها وجعلت‌ منها لقمة‌ سائغة‌ لها.

 فهذه‌ العنكبوت‌، تظنّ أنّ بيتها أحكم‌ البيوت‌، وأنّ نسيجها الذي‌ نسجته‌ بلعابها أقوي‌ القلاع‌، ولا تري‌ شيئاً أقوي‌ منه‌.

 ولا يختصّ هذا المثال‌ بنسيج‌ العنكبوت‌ وحده‌، بل‌ إنّ كلّ كائن‌ في‌ هذا العالم‌ له‌ مصيدته‌ الخاصّة‌ به‌، والتي‌ يسعي‌ بواسطتها الحصول‌ علی‌ صيده‌ المفضّل‌.

 كُلُّ مَنْ فِي‌ الوُجُودِ يَطْلُبُ صَيْداً              إنَّمَا الاخْتِلاَفُ فِي‌ الشَّبَكَاتِ

 وهذه‌ العنكبوت‌ تجهل‌ أنّ بيتها المصنوع‌ من‌ لعابها، وَهِن‌ وضعيف‌، وأنّ دارها مهدّدة‌ بالفناء بمجرّد هبوب‌ نسمة‌ علیه‌، أو نفخة‌ من‌ نَفَس‌ الاءنسان‌.

 إلاّ أنّ هذه‌ العنكبوت‌ ببنائها لذلك‌ البيت‌ وتلك‌ المصيدة‌، لم‌ ترتكب‌ سوءاً، بل‌ إنّها مجبولة‌ علی‌ ذلك‌، وفقاً لنظام‌ تكوينها وغريزتها الطبيعيّة‌، فهذا المخلوق‌ بري‌ء، لا نّه‌ يؤدّي‌ ذلك‌ حسب‌ ما تمليه‌ علیه‌ طبيعته‌، بدون‌ زيادة‌.

 أمّا الاءنسان‌ الذي‌ يسير عكس‌ مشيئة‌ الله‌ وفطرته‌ هو، وضدّ طريق‌ ومنهج‌ الحقّ، فيُنكر لقاء الله‌، ويتّخذ من‌ دونه‌ أولياء، سواء كانوا صُمّاً كالاصنام‌، أوناطقين‌ كالمتجبّرين‌ والمعتدين‌ علی‌ حقوق‌ الله‌ والخلق‌، ويُلزم‌ نفسه‌ طاعتهم‌ وولايتهم‌، مقترفاً كلّ ذلك‌ عن‌ علم‌ منه‌ بالخطيئة‌ والمعصية‌، ويضع‌ الغشاوة‌ علی‌ عينيه‌، مع‌ علمه‌ بعدم‌ ثبات‌ ودوام‌ هذه‌ الولاية‌ المتهرِّئة‌ والخياليّة‌. ويعجز عن‌ رؤية‌ الحقّ والحقيقة‌، ويربط‌ نفسه‌ وحياته‌ ومصيره‌ وأبديّته‌ الاءنسانيّة‌ ـ وهو أفضل‌ وأشرف‌ المخلوقات‌ بخيوط‌ وهنة‌ من‌ لعاب‌ وأفكار نفسانيّة‌ رديّة‌ ومعتقدات‌ شيطانيّة‌ ليحسب‌ المرء أنّ هذه‌ الخيالات‌ والاوهام‌ والظنون‌ التي‌ لا أساس‌ لها، هي‌ أفضل‌ وأقوي‌ وأمتن‌ ما موجود في‌ عالم‌ الوجود، حتّي‌ تهبّ ريح‌ تذهب‌ بما بناه‌، وتحيل‌ حياته‌ وعيشه‌ إلي‌ خراب‌ وكأنّ شيئاً لم‌ يكن‌ كَأَن‌ لَّمْ تَغْنَ بِالاْمْسِ. [10]

 * ناگهان‌ بانگي‌ برآمد خواجه‌ مُرد * [11]

 والآن‌، ألا يشبه‌ هذا التوكّل‌ والاعتماد علی‌ غير الله‌، واليأس‌ من‌ لقائه‌، ضعف‌ ووهن‌ بيت‌ العنكبوت‌ التي‌ ضرب‌ بها المثل‌ في‌ هذه‌ الآية‌ ؟ ومضافاً إلي‌ ذلك‌، فهذه‌ الآية‌ تشير بوضوح‌ إلي‌ أنّ هذا النمط‌ من‌ الناس‌ قد فقد عقله‌، وخسر وجدانه‌، فأعمي‌ عينيه‌، وأصمّ أذنيه‌، وأفرغ‌ قلبه‌ من‌ حبّ الله‌، وأفرغ‌ عقله‌ من‌ كلّ أمل‌ بزيارة‌ ورؤية‌ المحبوب‌ الحقيقيّ، والرجوع‌ إلي‌ الموطن‌ الاصليّ، فلا عقل‌ لهم‌ يعقلون‌ به‌، ولا فكر لهم‌ يفكّرون‌ به‌، وإلاّ لما انتهجوا هذا الطريق‌ المعوجّ والمنحرف‌.

 وقد ذكر أعلام‌ وأساطين‌ الادب‌ أ نّه‌ لو وُضع‌ حرف‌ لو في‌ بداية‌ الجملة‌ الشرطيّة‌، لافاد تعلیق‌ الجملة‌ الجزائيّة‌ بالجملة‌ الشرطيّة‌ في‌ مقام‌ الاءثبات‌، وكذلك‌ امتناع‌ تحقّق‌ الجملة‌ الشرطيّة‌، فمثلاً لوقيل‌ لَوْ جَاءَ زَيْدٌ لاَكْرَمْتُكَ، فهذه‌ الجملة‌ تفيد أوّلاً: في‌ حال‌ مجي‌ء زيد يتحقّق‌ الاءكرام‌، وثانياً، تفيد أنّ زيداً لم‌ يحضر بعد.

 علی‌ العكس‌ من‌ ( إن‌ ) الشرطيّة‌، والتي‌ تفيد الثبوت‌ عند الثبوت‌، والنفي‌ عند النفي‌، فمثلاً لوقيل‌ إنْ جَاءَ زَيْدٌ لاَكْرَمْتُكَ، فإنّها تفيد ثبوت‌ الاءكرام‌ عند مجي‌ء زيد وعدم‌ الاءكرام‌ عند عدم‌ مجيئه‌، ومن‌ ناحية‌ أُخري‌، فلا تفيد أنّ زيداً قد جاء فتمّ الاءكرام‌، أو أ نّه‌ لم‌ يأت‌، فلم‌ يتحقّق‌، فمفادها التعلیق‌ وحسب‌، وأمّا في‌ حالة‌ استخدام‌ لو، ففي‌ هذه‌ الحال‌ يتمّ الاءشارة‌ إلي‌ تعلیق‌ الثبوت‌ عند الثبوت‌، ولا دخل‌ لها بالنفي‌ عند النفي‌، إلاّ أ نّها تفيد أنّ زيد لم‌ يأت‌ بعد، وأنّ الجملة‌ الشرطيّة‌ لم‌ تتحقّق‌، بل‌ كانت‌ ممتنعة‌ الصدور.

 وفي‌ الآية‌، موضوع‌ البحث‌، يقول‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌: إنّ أوهن‌ البيوت‌ لبيت‌ العنكبوت‌، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ولكنّهم‌ لا يعلمون‌، وأنّ علمهم‌ بذلك‌ ممتنع‌ التحقّق‌ وعديم‌ الصدور.

 ويفيد هذا الامر، علی‌ أنّ هؤلاء الذين‌ لا يؤمنون‌ بالله‌ ولقائه‌، والذين‌ اتّخذوا أولياء من‌ دونه‌ تعالي‌، لا عقل‌ لهم‌ ولا علم‌.

 واستطراداً للآية‌ السابقة‌ يقول‌ سبحانه‌ وتعالي‌: « إنّ الله‌ يعلم‌ ما يدعون‌ من‌ دونه‌ من‌ شي‌ء وهو العزيز الحكيم‌ »، ثمّ يقول‌ تعالي‌ بعد ذلك‌: « وتلك‌ الامثال‌ ( أيّها النبيّ ) نضربها للناس‌ وما يعقلها إلاّ العالمون‌ ». ويستفاد من‌ ذلك‌ أيضاً أنّ مسألة‌ اتّخاذ الولاية‌ الاءلهيّة‌ هي‌ متعلّقة‌ بدرك‌ الخاصّة‌ من‌ الاولياء والذين‌ أُشير إليهم‌ هنا بعقل‌ العالمين‌ بالله‌، وبعقل‌ الاصفياء والمقرّبين‌ والمخلصين‌.

الرجوع الی الفهرس

وَالَّذِينَ كَفَرُو´ا أعْمَـ'لُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ... أَوْ كَظُلُمَـ'تٍ فِي‌ بَحْرٍ لُّجِّيٍّ

 ومن‌ بين‌ الآيات‌ ذات‌ التعبير والتمثيل‌ العجيب‌ قوله‌ تعالي‌:

 وَالَّذِينَ كَفَرُو´ا أعْمَـ'لُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْـَانُ مَآءً حَتَّي‌'´ إِذَا جَآءَهُ و لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَهَ عِندَهُ و فَوَفَّب'هُ حِسَابَهُ و وَاللَهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ.

 أَوْ كَظُلُمَـ'تٍ فِي‌ بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَب'هُ مَوْجٌ مِّن‌ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن‌ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَـ'تٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ و لَمْ يَكَدْ يَرَب'هَا وَمَن‌ لَّمْ يَجْعَلِ اللَهُ لَهُ و نُورًا فَمَا لَهُ و مِن‌ نُّورٍ. [12]

 وقد ذكر أصحاب‌ التفاسير: أنّ الله‌ سبحانه‌ ذكر مثالين‌ لبيان‌ أعمال‌ الكافرين‌ في‌ هاتين‌ الآيتين‌: الاوّل‌: السراب‌، والثاني‌: الظلمات‌ في‌ بحر لجّيّ.

 أمّا المثال‌: الاوّل‌: فهو عن‌ أُولئك‌ الذين‌ يعتبرون‌ أنّ أعمالهم‌ حسنة‌ ويحسبون‌ أنّ أفعالهم‌ مرضية‌، وأ نّها مستحسنة‌ من‌ قبل‌ الناس‌، وتستحقّ التمجيد، إلاّ أنّ أعمالهم‌ تلك‌ كلّها باطلة‌، مثلها كمثل‌ السراب‌، وتتبيّن‌ حقيقتها جليّة‌ بعد انكشاف‌ الحقّ.

 الثاني‌: يخصّ أُولئك‌ الذين‌ يعتدون‌، ويخرجون‌ عن‌ جادّة‌ الحقّ، عن‌ علم‌ منهم‌ بذلك‌ ويقين‌، مدركين‌ العاقبةَ الوخيمة‌ لاعمالهم‌ ومصرّين‌ علی‌ جحود وإنكار ربّ العالمين‌، والتكبّر إزائه‌ فيحرفون‌ الامّة‌ من‌ خلال‌ استقطابها.

 وأيّاً كان‌ الامر، فإنّ هذين‌ المثالين‌ مثيران‌ للاءعجاب‌، فأمّا الاوّل‌، وهو مثال‌ السراب‌، فإنّ الظمآن‌ حين‌ ينظر إلي‌ السراب‌ في‌ الصحراء يحسبه‌ ماءً، فيمضي‌ نحوه‌ مسرعاً، إلاّ أنّ السراب‌ يبتعد عنه‌ كلّما دنا منه‌، ذلك‌ أنّ شرط‌ رؤية‌ السراب‌ هو وجود مسافة‌ معيّنة‌ بين‌ عين‌ الناظر وذلك‌ السراب‌، فكلّما اقترب‌ الناظر ابتعد السراب‌ بنفس‌ المسافة‌. وخلاصة‌ القول‌ فإذا افترضنا أنّ الصحراء واسعة‌ جدّا، فلو سار الناظر وراء السراب‌ من‌ الصباح‌ حتّي‌ المساء في‌ بحثه‌ عن‌ الماء لظلّ السراب‌ علی‌ نفس‌ البعد عن‌ الناظر، واستمرّ تلالؤ ولمعان‌ شعاع‌ الشمس‌ المنعكس‌ عن‌ الرمال‌، والذي‌ يتسبّب‌ بظهور هذا السراب‌، ولقضي‌ الظمآن‌ نهاره‌ كلّه‌ في‌ ذلك‌ عطشاناً حتّي‌ تخور قواه‌، ويلفظ‌ أنفاسه‌.

 وأعجب‌ من‌ ذلك‌ مشهد البستان‌ ذي‌ الاشجار العالية‌ الذي‌ نراه‌ في‌ بعض‌ الصحاري‌ والفلوات‌، التي‌ لا تحمل‌ إلاّ أشواكاً كصحراء الجزيرة‌ العربيّة‌ المحرقة‌ التي‌ تغطّيها أشواك‌ الغيلان‌، إذ تبدو كأشجار باسقة‌ عن‌ بعيد، وذلك‌ بانعكاس‌ ضوء الشمس‌ علیها فيحسبها الناظر إليها بستاناً نضرة‌ فيسعي‌ جاهداً للوصول‌ إليها، فإذا به‌ لا يري‌ إلاّ أشواكاً.

 فأمّا في‌ المثال‌ الثاني‌، بما أنّ النور هو الوسيلة‌ الوحيدة‌ لمعرفة‌ أيّ علم‌ أوحياة‌، فلولا وجود النور لكان‌ العالم‌ عدم‌ مطلق‌، فالاءنسان‌ يحتاج‌ إلي‌ نور عود الثقاب‌ في‌ الليلة‌ المظلمة‌، فبدونه‌، يتعثّر في‌ الظلام‌، ويهوي‌ ساقطاً في‌ حفرة‌، أو يغوص‌ في‌ الطين‌، أو قد يسقط‌ من‌ مرتفع‌، ويقع‌ في‌ شَرَك‌ حيوان‌ مفترس‌، أو بِيَد عدوٍّ لدود، وهلمّ جرّاً.

 فتأمّل‌ في‌ مدي‌ فائدة‌ هذا النور الضئيل‌ له‌!

 فما بالك‌ في‌ الاشدّ وهجاً، وكذا في‌ الانوار الاخلاقيّة‌ والصفاتيّة‌، وكذلك‌، الانوار العقلانيّة‌ والذاتيّة‌، التي‌ لوفقد الاءنسان‌ إحداها، لصار كالاعمي‌، فهو أعمي‌ برغم‌ امتلاكه‌ لعينين‌، فالعين‌ تُبصر بالنور الحِسّيّ، وأمّا العقل‌ والشهود، فيُبصران‌ بالنور العقلانيّ والشهوديّ.

الرجوع الی الفهرس

الكفّار غارقون‌ في‌ ظلمات‌ ثلاث‌: الخيال‌ والوهم‌، والعقل‌، والذات‌

 إنّ المنكر للّه‌ ولقائه‌، والذي‌ يرتكب‌ كلّ ما يخالف‌ السنن‌ الاوّليّة‌ والاُصول‌ الفطريّة‌، أعمي‌ يغوص‌ في‌ طبقات‌ الظلمات‌، ويتيه‌ في‌ لجج‌ المياه‌ المضطربة‌ لهوي‌ النفس‌ والتبعيّة‌ للشيطان‌ والنفس‌ الامّارة‌ بالسوء وظلماتها العجيبة‌، فلا بصيص‌ نور يُرجي‌. فقد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌: أنّ هذا النوع‌ من‌ الكفّار، غارق‌ في‌ ظلمات‌ ثلاث‌:

 الاُولي‌: ظلمة‌ تشبه‌ الليل‌. والثانية‌: ظلمة‌ فوق‌ الظلمة‌ الاُولي‌، كظلمة‌ موج‌ البحر العميق‌. والثالثة‌: ظلمة‌ أُخري‌، وهي‌ ظلمة‌ الغيوم‌ السوداء التي‌ تغطّي‌ وجه‌ السماء.

فحلكة‌ هذه‌ الظلمات‌ هي‌ من‌ الشدّة‌، بحيث‌ إنّه‌ لا يري‌ شيئاً مطلقاً، حتّي‌ يده‌، فهؤلاء الكافرون‌ لا يهتدون‌ بنور شرعيّ، ولا نور عقليّ ولا شهوديّ، ويسبحون‌ في‌ أعماق‌ طبقات‌ الظلمة‌ والخيال‌ والوهم‌، بعيداً عن‌ نور العقل‌ والذات‌، وَمَن‌ لَّمْ يَجْعَلِ اللَهُ لَهُ و نُورًا فَمَا لَهُ و مِن‌ نُّورٍ، والعياذ بالله‌.

الرجوع الی الفهرس

تمثيل‌ الملاّ الرومي‌ّ مضاجعة‌ السعلاة‌ وصيد الصيّاد لظلّ الطائر

 فما أروع‌ تصوير الحكيم‌ مولوي‌ لهذا الضياع‌ والابتعاد عن‌ طريق‌ الحقّ، حيث‌ يقول‌:

 چون‌ به‌ حقّ بيدار نبود جان‌ ما                هست‌ بيداري‌ چو دربندان‌ ما

 جان‌ همه‌ روز از لگدكوب‌ خيال‌                 و ز زيان‌ و سود و از خوف‌ زوال‌ [13]

 ني‌ صفا مي‌ماندش‌ نه‌ لطف‌ و فرّ                ني‌ به‌ سوي‌ آسمان‌ راه‌ سفر

 خفته‌ آن‌ باشد كه‌ او از هر خيال‌                  دارد امّيد و كند با او مقال‌

 ني‌ چنانكه‌ از خيال‌ آيد به‌ حال‌                    آن‌ خيالش‌ گردد او را صد و بال‌

 ديورا چون‌ حور بيند او به‌ خواب                  ‌ پس‌ ز شهوت‌ ريزد او با ديو آب‌

 چونكه‌ تخم‌ نسل‌ در شوره‌ بريخت‌             او به‌ خويش‌ آمد خيال‌ از وي‌ گريخت‌

 ضعف‌ سر بيند از آن‌ و تن‌ پليد                          آه‌ از آن‌ نقش‌ پليد ناپديد

 مرغ‌ بر بالا پران‌ و سايه‌اش‌                    مي‌دود بر خاك‌ و پرّان‌ مرغ‌ وش‌ [14]

 ابلهي‌ صيّاد آن‌ سايه‌ شود                         مي‌دود چندانكه‌ بي‌مايه‌ شود

 بي‌خبر كان‌ عكس‌ آن‌ مرغ‌ هو است‌                  بي‌خبر كه‌ اصل‌ آن‌ سايه‌ كجاست‌

 تير اندازد به‌ سوي‌ سايه‌ او                    تركشش‌ خالي‌ شود در جستجو

 تركش‌ عمرش‌ تهي‌ شد عمر رفت               ‌ از دويدن‌ در شكار سايه‌ تفت‌

 ساية‌ يزدان‌ چه‌ باشد دايه‌اش                     ‌ وارهاند از خيال‌ و سايه‌اش‌

 ساية‌ يزدان‌ بود بندة‌ خدا                          مردة‌ اين‌ عالم‌ و زندة‌ خدا [15]

 وقد صوّر الشاعر في‌ هذه‌ الابيات‌ الغافلين‌ عن‌ ذكر الله‌، والمبتعدين‌ عن‌ طريقه‌، والذين‌ خسروا كلّ وجودهم‌ وحياتهم‌ رخيصة‌، وباءوا بخسران‌ مبين‌، فلم‌ تعد لهم‌ قدرة‌ ولا علم‌ ولا عمر.

 كمن‌ يحلم‌ بسعلاة‌ ظنّاً منه‌ أ نّها حوريّة‌ فيجامعها ويريق‌ نطفته‌ الثمينة‌ فيها وإذا به‌ يستيقظ‌ من‌ النوم‌ فيتعجّب‌ ممّا كان‌ يعشق‌! فقد كانت‌ تلك‌ سعلاة‌ علی‌ صورة‌ وهيئة‌ حوريّة‌ فأراد أن‌ يولد من‌ ذلك‌ الموجود الملكوتيّ والروحانيّ نسلاً طاهراً فواقعها وخسر نطفته‌ ورأس‌ ماله‌ الغالي‌، و أسفاً لا نّه‌ بذر بذوره‌ في‌ أرض‌ بور فلم‌ يحصل‌ علی‌ ثمرة‌ ولا فائدة‌، بل‌ ألمّ به‌ الضعف‌ وطرأ علیه‌ الوهن‌ وأصابه‌ الصداع‌ وتدنّس‌ بدنه‌ وتنجّس‌.

 أو كالصيّاد الذي‌ طارد صيداً في‌ الهواء وطائراً في‌ السماء بقوسه‌ وسهامه‌ لكنّه‌ بدل‌ أن‌ يصوّب‌ عينيه‌ نحو الاعلی‌ ويصيد بسهمه‌ الطائر الحقيقيّ ويهنأ بأكله‌، فقد كان‌ ينظر إلي‌ الارض‌ ويصوّب‌ سهمه‌ إلي‌ ظلّ الطائر الذي‌ يتحرّك‌ علی‌ الارض‌ بدل‌ أن‌ يصوّبه‌ إلي‌ نفس‌ الطائر.

 فهذا الصيّاد كان‌ يصوّب‌ سهمه‌ إلي‌ الظلّ، ولهذا السبب‌ لم‌ يستطع‌ بلوغ‌ هدفه‌ ولا اصطياد ما اشتهي‌. فكان‌ الظلّ الذي‌ يشبه‌ الطائر يتحرّك‌ إلي‌ الامام‌ باستمرار، وكان‌ الصيّاد يطلق‌ السهم‌ تلو الآخر علی‌ ظلّه‌ حتّي‌ أتي‌ علی‌ كلّ سهامه‌ ؛ ولم‌ يستطع‌ رغم‌ ذلك‌ اصطياد الطائر، فتبيّن‌ له‌ أنّ الظلّ إنّما كان‌ باطلاً وليست‌ له‌ حقيقة‌ الطائر أو واقعيّته‌ ؛ فضاع‌ عمره‌ وانتهي‌ زمانه‌ وعلیه‌ أن‌ يهيّي‌ نفسه‌ للهلاك‌ في‌ آخر النهار، وذلك‌ بسبب‌ الجوع‌ والظمأ والتعب‌ والاءرهاق‌ والمشاكل‌ التي‌ واجهته‌ أثناء عمليّة‌ الصيد وملاحقته‌ للفريسة‌ وعدم‌ حصوله‌ علیها.

 إنّ الله‌ هو الحقّ، وما دونه‌ الباطل‌ ؛ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلَـ'لُ فَأَ نَّي‌' تُصْرَفُونَ. [16]

 فلا خيار ثالث‌ بين‌ الحقّ والباطل‌.

 فإذا تخلّيتَ عن‌ الملاك‌، وقعت‌ في‌ شَرَك‌ الشيطان‌، وإن‌ لم‌ يصب‌ سهمك‌ طائراً في‌ السماء، أصابك‌، ولن‌ يشفي‌ غليلك‌ أيّ منهم‌.

 ومن‌ جملة‌ الآيات‌ الكريمة‌ العجيبة‌ في‌ هذا المجال‌:

 لَهُ و دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن‌ دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم‌ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَـ'سِطِ كَفَّيْهِ إِلَي‌ الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَـ'لِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الْكَـ'فِرِينَ إِلاَّ فِي‌ ضَلَـ'لٍ. [17]

 وتصوّر هذه‌ الآية‌ ذلك‌ الذي‌ يمدُّ يده‌ إلي‌ الماء، ويرمي‌ أن‌ يغرف‌ منه‌ بكفٍّ مفتوحة‌، فلا يرتوي‌ منه‌، ويظلّ ظمآناً.

 ومن‌ الآيات‌ الاُخري‌ أيضاً:

 مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَـ'لُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي‌ يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَی‌' شَيْءٍ ذَ لِكَ هُوَ الضَّلَـ'لُ الْبَعِيدُ. [18]

 أي‌ أنّ هؤلاء المساكين‌ يسعون‌ إلي‌ جمع‌ المال‌ في‌ الدنيا والحصول‌ علی‌ الجاه‌ والمقام‌، والمال‌ والبنين‌ والعشيرة‌ وتحصيل‌ العلوم‌ والمعارف‌ الخياليّة‌، وغير ذلك‌ من‌ الاُمور التي‌ يبغون‌ من‌ ورائها العزّة‌ والطمأنينة‌ في‌ هذا العالم‌، غافلين‌ عن‌ الله‌، وكافرين‌ بهذا الربّ الودود الواحد القهّار ذي‌ المجد والعظمة‌، فإذا بالاجل‌ يحيط‌ بهم‌ من‌ كلّ جانب‌، ويُرسل‌ بهم‌ إلي‌ قعر القبر المظلم‌. فأين‌ تلك‌ العزّة‌ والسلطان‌، وأين‌ ذلك‌ الغرور والتكبّر ؟!

 لقد صار الواحد منهم‌ يسير صوب‌ الموقف‌ العظيم‌، ويُحاسَب‌ علی‌ أعماله‌، بيدين‌ خاليتين‌ كرماد تذروه‌ الرياح‌ في‌ يوم‌ عاصف‌، ويسحق‌ بنيانه‌ ويندثر وجوده‌ الاعتباري‌ّ.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الآيات‌ 103 إلي‌ 106، من‌ السورة‌ 18: الكهف‌.

[2] ـ الآية‌ 14، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[3] ـ الآية‌ 206، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[4] ـ الآيتان‌ 8 و 9، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[5] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 13، ص‌ 398 إلي‌ ص‌ 401.

[6] ـ يقول‌: «لا تقولوا للمدّعي‌ أوتكشفوا له‌ أسرار الحُبّ والنشوة‌ حتّي‌ يموت‌ في‌ هَمّ أنانيّته‌». 

[7] ـ يقول‌: «اعشَقْ، وإلاّ فستنتهي‌ مُدة‌ العالَم‌ يوماً دون‌ أن‌ تُدرك‌ مُرادك‌ مِن‌ عالَم‌ الوجود.

 وما أروع‌ ما قاله‌ ذلك‌ الصنم‌ البارحة‌: ما وجودك‌ مع‌ الكفّار في‌ مجلس‌ واحد إن‌ لم‌ تَكن‌ مِن‌ عابدي‌ الاصنام‌ ؟

 فبالله‌ علیك‌ يا مَليكي‌، لقد قَلبت‌ طُـرّتكَ السـوداء حالي‌، فإلي‌ متي‌ هذا التجـاوز منها ؟!

 لوكان‌ بالاءمكان‌ الركون‌ بسلام‌ في‌ زاوية‌ ما، حتّي‌ يُخبرنا نرجسك‌ أسرار النشوة‌.

 وقد رأيتُ اشتعال‌ تلك‌ الفتن‌ ذلك‌ اليوم‌ إذ لم‌ تَجلس‌ معنا مرّة‌ بسبب‌ عِصيانك‌.

 سيتمّ تسليم‌ حُبّك‌ يا حافظ‌ إلي‌ يد الطوفان‌ لا نّك‌ أحسستَ بالكارثة‌ بسبب‌ الغمّ والالم‌ وحوادث‌ الايام‌».

 «ديوان‌ حافظ‌» ص‌ 200، رقم‌ 438، طبعة‌ بجمان‌، سنة‌ 1318. 

[8] ـ ذيل‌ الآية‌ 44، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًي‌ وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي‌´ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمًي‌ أُولَـ'´نءِكَ يُنَادَوْنَ مِن‌ مَّكَانٍ بَعِيدٍ.

[9] ـ الآيات‌ 41 إلي‌ 43، من‌ السورة‌ 29: العنكبوت‌.

[10] ـ الآية‌ 24، من‌ السورة‌ 10: يونس‌: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَـ'هُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاْرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالاْنْعَـ'مُ حَتَّي‌'´ إِذَآ أَخَذَتِ الاْرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَ نَّهُمْ قَـ'دِرُونَ عَلَیْهَآ أَتَـ'هَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَـ'هَا حَصِيدًا كَأَن‌ لَّمْ تَغْنَ بِالاْمْسِ كَذَ لِكَ نُفَصِّلُ الاْيَـ'تِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

[11] ـ يقول‌: «ثمّ جاءت‌ الصيحةُ فجأة‌، فماتَ الخواجة‌ (السيّد)».

[12] ـ الآيتان‌ 39 و 40، من‌ السورة‌ 24: النور.

[13] ـ يقول‌: «إنّ روحنا ليست‌ يقظة‌ بالحقّ، لذا أضحت‌ صحوتنا كالسجن‌.

 فالروح‌ تتلقّي‌ الرفسات‌ يومياً من‌ الخيال‌ ومن‌ خوف‌ الزوال‌ وحساب‌ الربح‌ والخسارة‌».

[14] ـ يقول‌: «فلا يبقي‌ لها ثمّة‌ لطف‌ ولا صفاء ولا فرح‌، ولا سبيل‌ للسفر باتّجاه‌ السماء.

 إنّ النائم‌ هوالذي‌ يتعلّق‌ بالامل‌ من‌ كلّ خيال‌ يخطر له‌، فيكون‌ قرين‌ ذلك‌ الامل‌.

 وحين‌ يعود إلي‌ وعيه‌ وحاله‌ الاولي‌ بعد انقضاء الخيال‌، فيري‌ ان‌ ذلك‌ الخيال‌ قد جرّ علیه‌ مائة‌ وبال‌.

 فهو يري‌ السعلاة‌ في‌ المنام‌ كالحوريّة‌، فيصبّ من‌ فرط‌ الشهوة‌ منيّه‌.

 وحين‌ يريق‌ بذور النسل‌ في‌ أرض‌ بور جرداء، يُفيق‌ فيهرب‌ منه‌ خياله‌.

 ويحسّ بالوهن‌ والصداع‌ ويري‌ بدنه‌ قذراً، فآهٍ من‌ تلك‌ الصورة‌ النحسة‌ المختفية‌.

 إنّ الطائر يحلّق‌ في‌ الاعالي‌ وظلّه‌ يعدوعلی‌ الارض‌ يتواثب‌ كالطائر».

[15] ـ يقول‌: «فيأتي‌ أبله‌ ليصيد ذلك‌ الظلّ، ويركض‌ دونما نتيجة‌ ونصيب‌.

 غافلاً أ نّه‌ انعكاس‌ للطائر المحلّق‌ في‌ الجوّ، وجاهلاً أين‌ أصل‌ ذلك‌ الظلّ.

 فيصوّب‌ سهامه‌ إلي‌ ظلّ الطائر، فتفرغ‌ كنانته‌ في‌ بحثه‌ وتفتيشه‌.

 ولقد انتهي‌ رصيد عمره‌ وولّي‌ العمر وهو يتقلّي‌ لاهثاً لاصطياد الظلّ.

 ولو صار ظلُّ الله‌ دليلَ امري‌ءٍ، فإنّه‌ يحرّره‌ من‌ الخيال‌ والظلّ (ويقوده‌ إلي‌ الحقيقة‌ وصاحب‌ الظلّ).

 إنّ ظلّ الله‌ هو عبد الله‌، وهو الميّت‌ في‌ هذا العالم‌ والحيّ عند الله‌ تعالي‌».

 «مثنوي‌ معنوي‌» ج‌ 1، ص‌ 11، طبعة‌ آقا ميرزا المحمودي‌ّ.

[16] ـ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[17] ـ الآية‌ 14، من‌ السورة‌ 13: الرعد.

[18] ـ الآية‌ 18، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com